منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

من جريانه على القول بوجوب العمل بالخبر من باب الاحتياط ، لأن المانع من جريانه اما ارتفاع موضوع الأصل وجدانا أو تعبدا ، واما لزوم المخالفة القطعية العملية ، وكلاهما مفقود في المقام كما هو واضح.

نعم لا يترتب على جريانه وعدمه ثمرة عملية بعد فرض كون الخبر كالأصل مثبتا للتكليف إلّا في صحة اسناد الحكم المستصحب إلى المولى بناء على جريان الاستصحاب فيه ، وعدم صحة اسناده إليه بناء على عدم جريانه فيه ، لكون الإسناد حينئذ تشريعا محرما بعد فرض عدم حجية الخبر.

نعم بناء على حجيته يصح الإسناد ولا يجري الاستصحاب ، لارتفاع موضوعه تعبدا بالخبر.

وان كان الأصل كالخبر نافيا للتكليف كأصالة البراءة واستصحاب عدم الوجوب أو عدم الحرمة ، فلا تظهر ثمرة بين حجية الخبر وبين وجوب الأخذ به من باب الاحتياط الا في صحة الإسناد إلى الشارع ، وترتيب اللوازم بناء على حجيته ، وعدمهما بناء على عدم حجيته.

وان كان الأصل مثبتاً للتكليف والخبر نافياً له ، كما إذا قام خبر على جواز وطي الحائض بعد انقطاع الدم قبل الغسل مع اقتضاء الاستصحاب حرمته ، فعلى القول بحجية الخبر لا يجري الأصل مطلقاً وان كان محرزا كالاستصحاب في المثال ، لارتفاع موضوعه ـ وهو الشك ـ بالخبر المفروض اعتباره.

وعلى القول بعدم حجيته ، وأن لزوم العمل به انما هو للعلم الإجمالي ، يفصل بين الأصل المحرز وغيره ، فأما الأصل غير المحرز كقاعدة الاشتغال ، فبعدم جريانه ، لوجود المقتضي وهو حكم العقل بلزوم تحصيل العلم بالفراغ

٥٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

عن التكليف المعلوم إجمالا ، وعدم المانع وهو لزوم المخالفة العملية ، فلو علم بوجوب إحدى الصلاتين القصر أو التمام ، وقام الخبر على عدم وجوب التمام جرت قاعدة الاشتغال بلا مانع ، فيجب الجمع بينهما ، إذ المفروض عدم حجية الخبر حتى يمنع عن جريان القاعدة.

والعلم الإجمالي بصدور جملة من الاخبار النافية للتكليف لا يمنع عن جريان قاعدة الاشتغال بعد تحقق موضوعها ـ وهو العلم بثبوت التكليف إجمالا ـ إذ لازمه عدم جريان أصالة الاشتغال في شيء من موارد العلم الإجمالي ، بداهة وجود الترخيص في جميع الموارد كالعلم الإجمالي بوجوب إحدى الصلاتين الظهر والجمعة يومها ، فانه يعلم بالترخيص في ترك ما لا يجب منهما واقعاً.

والحاصل : أن العلم الإجمالي بصدور جملة من الروايات المرخصة عن المعصومين عليهم الصلاة والسلام لا يمنع عن جريان قاعدة الاشتغال بناء على كون العمل بالأخبار للعلم الإجمالي لا لأجل الحجية.

نعم بناء على حجيتها لا وجه لجريان القاعدة ، لانحلال العلم الإجمالي بالتكليف بالخبر المفروض اعتباره. هذا في الأصل غير المحرز.

وأما الأصل المحرز كاستصحاب حرمة وطي الحائض بعد النقاء قبل الاغتسال مع قيام الخبر على جوازه ، فان لم يحصل العلم الإجمالي بصدور بعض الاخبار النافية في موارد الاستصحابات المثبتة جرى الأصل المحرز بلا مانع ، وان حصل العلم الإجمالي بصدور الاخبار النافية ، فجريانه حينئذ مبني على جريان الاستصحاب المثبت للتكليف في أطراف العلم الإجمالي ، فالشيخ الأعظم والمحقق النائيني (قدهما) منعا عن جريانه ، والمصنف (قده) ذهب إلى

٥٤٢

في قبال حجة على الثبوت ولو (*) كان أصلا ، كما لا يخفى.

ثالثها : ما أفاده بعض المحققين (١) بما ملخصه : أنا نعلم بكوننا

______________________________________________________

(١) وهو المحقق الشيخ محمد تقي في هداية المسترشدين ، وقد ذكر هذا الوجه

__________________

جريانه.

فتلخص : أنه يجري الأصل إذا كان هو مع الخبر مثبتين للتكليف إلّا إذا ثبتت حجية الخبر ، فان الأصل حينئذ لا يجري سواء كان تنزيلياً أم غيره.

وإذا كانا نافيين للتكليف ، فلا تظهر الثمرة الا في صحة الإسناد وترتب اللوازم بناء على حجية الخبر.

وإذا كان الأصل نافيا للتكليف والخبر مثبتا له ، فلا يجري فيه الأصل سواء كان الخبر حجة أم لازم العمل للعلم الإجمالي.

وإذا انعكس الأمر بأن كان الأصل مثبتا للتكليف والخبر نافيا له ، فان كان الخبر حجة لم يجر فيه الأصل مطلقا سواء كان محرزاً أم غيره ، وان لم يكن الخبر حجة فالأصل غير المحرز يجري.

وأما الأصل المحرز فهو يجري ان لم يعلم بصدور الاخبار النافية في موارد الاستصحابات المثبتة للتكليف ، وان علم إجمالا بذلك ، ففي جريان الأصل خلاف بين الاعلام كما عرفت ، والحق عدم جريانه ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى.

(*) الصواب إسقاط الواو ، لأن المقصود إثبات العمل بالنافي من هذه الاخبار لو كان الحجة على الثبوت أصلا كالاستصحاب ، لوضوح تقدم الخبر على الأصل العملي ، إذ لو كان المثبت خبراً لم يقدم الخبر النافي عليه ، بل يتعارضان ، ويجري عليهما أحكام التعارض ، فيختص تقديم الخبر النافي على المثبت بما إذا كان المثبت أصلا فقط.

٥٤٣

مكلفين بالرجوع إلى الكتاب والسنة إلى يوم القيامة ، فان تمكنا من

______________________________________________________

العقلي في عداد الوجوه الثمانية التي أقامها على وجوب الرجوع حال انسداد باب العلم بالاحكام الشرعية إلى الظنون الخاصة دون مطلق الظن ، قال (قده) فيما يرتبط بما لخصه الماتن هنا ـ تبعا للشيخ الأعظم ـ ما لفظه : «السادس : أنه قد دلت الاخبار القطعية والإجماع المعلوم من الشيعة على وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة ، بل ذلك مما اتفقت عليه الأمة وان وقع الخلاف بين الخاصة والعامة في موضوع السنة ، وذلك مما لا ربط له بالمقام ... إلى أن قال : والحاصل : أن هناك درجتين :

إحداهما : الرجوع إليهما على وجه يعلم معه بأداء التكليف من أول الأمر اما لكون الرجوع إليهما مفيداً للعلم بالواقع ، أو لقيام دليل أولا على الرجوع إليهما على وجه مخصوص سواء أفاد اليقين بالواقع أو الظن به أو لم يفد شيئا منهما.

ثانيتهما : الرجوع إليهما على وجه يظن معه بذلك ، وذلك بعد انسداد سبيل العلم إلى الأول مع العلم ببقاء التكليف المذكور ، فينزل في حكم العقل إلى الظن به ، فان سلم انسداد سبيل الوجه الأول على وجه مكتفي به في استعلام الأحكام كما يدعيه القائل بحجية مطلق الظن ، فالمتبع في حكم العقل هو الوجه الثاني سواء حصل هناك ظن بالطريق أو الواقع وان ترتب الوجهان على ما مر من التفصيل ، وحينئذ فالواجب الأخذ بمقتضى الظن المذكور بخصوصه في استنباط الأحكام من غير تعدية إلى سائر الظنون» انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه ، ولكلامه تتمة نتعرض لها عن قريب ، فانتظر.

ولا يخفى أن المصنف ـ تبعا للشيخ الأعظم ـ لم يتعرض في تلخيصه للظن المظنون الاعتبار ، ولم يبين تمام المراتب المذكورة في كلام صاحب الحاشية

٥٤٤

الرجوع إليهما على نحو يحصل العلم بالحكم (١) أو ما (٢) بحكمه ،

______________________________________________________

ولكن بينها في أوثق الوسائل بقوله : «وحاصل ما ذكره : أن المتعين أولا هو الرجوع إلى كتاب معلوم أو سنة معلومة ، ومع تعذره إلى ما عينه منهما طريق معلوم الاعتبار ، ومع تعذره إلى ما عينه منهما طريق مظنون الاعتبار ، ومع تعذره إلى مطلق ما ظن كونه كتابا أو سنة ...» وأورد على الشيخ بعدم استيفائه شقوق كلام صاحب الحاشية. ولعل إهمال شيخنا الأعظم للظن المظنون الاعتبار لأجل أن المقصود من التعرض لكلام المحقق التقي هنا هو بيان حجية الظن الحاصل من الخبر ، فتنزل من العلم والعلمي إلى الظن بالحكم الشرعي ولم يتعرض للطريق المظنون اعتباره ، والأمر سهل.

وكيف كان ، فتوضيح ما أفاده المصنف في تقرير كلام صاحب الحاشية هو : أنه قد ثبت بالإجماع والاخبار القطعية ـ مثل حديث الثقلين ـ وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة ، ومن المعلوم أن العقل يحكم حينئذ بلزوم الرجوع إليهما على وجه يحصل العلم بهما أو ما هو بمنزلة العلم كالظن الخاصّ الّذي ثبت اعتباره المعبر عنه بالعلمي ، فان ثبت بالعلم أو العلمي أن ما رجعنا إليه كتاب أو سنة فهو المطلوب ، وان لم يثبت بهما ذلك مع عدم التمكن من إحرازه بشيء منهما لانسداد بابهما ، فلا محيص عن الرجوع في تمييز الكتاب والسنة إلى الظن ، إذ المفروض بقاء التكليف بالرجوع إليهما ، وينحصر طريق امتثاله في الظن ، فيجب العمل بالروايات التي يظن بصدورها ، للظن بوجود السنة فيها.

(١) أي : بالحكم الواقعي ، لأنه مع العلم بالكتاب والسنة يحصل العلم بالحكم الواقعي.

(٢) معطوف على العلم ، وضمير ـ بحكمه ـ راجع إلى العلم ، يعني : أو

٥٤٥

فلا بدّ (١) من الرجوع إليهما كذلك ، وإلّا (٢) فلا محيص عن الرجوع على نحو يحصل الظن به في الخروج عن عهدة هذا التكليف (٣) ، فلو لم يتمكن (٤) من القطع بالصدور أو الاعتبار فلا بدّ من التنزل إلى الظن بأحدهما (٥).

______________________________________________________

يحصل ما هو بحكم العلم بالحكم الواقعي ، والمراد بما هو بحكم العلم الظن الخاصّ المعلوم اعتباره ، يعني : أو يحصل الظن الخاصّ بالحكم الواقعي ، فانه بمنزلة العلم به ، وغرضه أن الحكم الواقعي يحرز تارة بالعلم ، وأخرى بالظن الخاصّ الّذي هو بمنزلة العلم ، وذلك كخبر الواحد مثلا.

(١) جواب قوله : «فان تمكنا» وضمير «إليهما» راجع إلى الكتاب والسنة ، وقوله : «كذلك» أي : على نحو يحصل العلم أو ما هو بحكم العلم ، يعني : فان تمكنا من الرجوع إلى الكتاب والسنة على نحو يحصل العلم أو الظن الخاصّ بالحكم الواقعي وجب الرجوع إليهما على هذا النحو ، وان لم نتمكن فلا محيص عن التنزل إلى حصول الظن المطلق بالحكم.

(٢) أي : وان لم يحصل العلم ولا الظن الخاصّ بالحكم الواقعي فلا محيص ... إلخ.

(٣) أي : وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة الثابت بالضرورة ، وضمير «به» راجع إلى الحكم.

(٤) هذه نتيجة ما أفاده من عدم التمكن من تحصيل العلم بالحكم ولا الظن الخاصّ به ، وقد مر توضيحه.

(٥) أي : الظن بالصدور أو بالاعتبار. والحاصل : أن صورة التمكن من القطع بالصدور أو الاعتبار هي فرض تحقق العلم بالحكم الواقعي أو ما هو

٥٤٦

وفيه : أن (١) قضية بقاء التكليف فعلا بالرجوع إلى الاخبار الحاكية للسنة كما صرح (٢) بأنها المراد منها في ذيل كلامه زيد في

______________________________________________________

بحكم العلم به ، وصورة عدم التمكن منهما هي فرض حصول الظن بهما ، هذا.

(١) أورد المصنف على دليل المحقق التقي بوجهين : هذا أولهما ، وحاصله : أنه لا شك في عدم وصول النوبة إلى الامتثال الظني مع التمكن من الامتثال العلمي التفصيليّ أو الإجمالي ، وعليه فان كان في الروايات ما هو متيقن الاعتبار وكان وافياً بمعظم الفقه ـ بحيث لا يلزم من إجراء الأصول في باقي الموارد محذور إهمال الأحكام ـ وجب الأخذ به ولا يجب العمل بغيره ، ومع عدم وفائه به يضم إليه ما هو متيقن اعتباره بالإضافة إلى غيره لو كان هناك متيقن الاعتبار ، وإلّا فلا بدّ من الاحتياط بالعمل بالأخبار المثبتة للتكاليف مما ليست متيقنة الاعتبار فيما لم يكن حجة معتبرة على نفي التكليف في موارد تلك الاخبار المثبتة ، وجواز العمل بالنافي ان لم يكن في قباله ما يثبت التكليف ولو كان أصلا وعلى كل حال فلا مجال للرجوع إلى مظنون الاعتبار كما أفاده صاحب الحاشية.

(٢) غرضه دفع ما أورده الشيخ الأعظم (قده) على كلام صاحب الحاشية ، وحاصل ما أفاده المصنف : أن مراد المحقق التقي (قده) بالسنة ليس هو المحكي ـ أعني نفس قول المعصوم وفعله وتقريره ـ بل مراده بها خصوص الحاكي أعني الروايات الحاكية لقول المعصوم عليه‌السلام وفعله وتقريره. وإليك نصّ عبارته ، قال بعد فصل طويل من عبارته المتقدمة : «فان قلت : ان قضية ما ذكر من وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة هو الرجوع إلى ما علم كونه كتابا وسنة ... إلى أن قال : وان كان استنباط الحكم منهما على سبيل الظن ، فلا بدّ أيضا من الرجوع إلى مطلق الظن. قلت : لا ريب أن السنة المقطوع بها أقل قليل ، وما يدل على وجوب الرجوع إلى السنة في زماننا هذا يفيد أكثر من ذلك ،

٥٤٧

علو مقامه انما هو (١) [هي] الاقتصار في الرجوع إلى الاخبار المتيقن الاعتبار ، فان وفي (٢) ، وإلّا (٣) أضيف إليه الرجوع إلى ما هو المتيقن اعتباره بالإضافة (٤) لو كان (٥) ، وإلّا (٦) فالاحتياط بنحو عرفت ، لا (٧)

______________________________________________________

للقطع بوجوب رجوعنا اليوم في تفاصيل الأحكام إلى الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتمدة في الجملة بإجماع الفرقة واتفاق القائل بحجية مطلق الظن والظنون الخاصة ، فلا وجه للقول بالاقتصار على السنة المقطوعة ، وبذلك يتم التقريب المذكور» فان المراد بقوله : «للقطع بوجوب رجوعنا اليوم في تفاصيل الأحكام إلى الكتب الأربعة» هو الرجوع إلى السنة الحاكية ، إذ التعبير بالكتب الأربعة كالصريح في إرادة الحاكي دون المحكي ، فلا يرد عليه ما أورده شيخنا الأعظم بقوله : «قلت : مع أن السنة في الاصطلاح عبارة عن نفس قول الحجة أو فعله أو تقريره لا حكاية أحدها يرد عليه أن الأمر بالعمل ... إلخ».

(١) خبر «أن قضية».

(٢) أي : فان وفى المتيقن الاعتبار بمعظم الفقه فهو المطلوب.

(٣) أي : وان لم يف المتيقن اعتباره بمعظم الفقه أضيف إليه ... إلخ.

(٤) كخبر العدل الإمامي بالإضافة إلى الحسن وهو بالإضافة إلى الموثق ، وهكذا ، وضمير «إليه» راجع إلى المتيقن الاعتبار.

(٥) أي : لو كان المتيقن الاعتبار بالإضافة موجوداً.

(٦) أي : وان لم يكن المتيقن اعتباره بالإضافة موجوداً ، فيلزم الاحتياط بنحو ما عرفت في الإيراد على الوجه الثاني العقلي بقوله : «والأولى أن يورد عليه بأن قضيته انما هو الاحتياط ... إلخ».

(٧) عطف على «فالاحتياط» أي : فلا تصل النوبة إلى الرجوع إلى ما ظن

٥٤٨

الرجوع إلى ما ظن اعتباره ، وذلك (١) للتمكن من الرجوع علماً تفصيلا (٢) أو إجمالا (٣) (*) فلا وجه معه (٤) من الاكتفاء بالرجوع إلى ما ظن اعتباره ، هذا. مع أن مجال المنع (٥) عن ثبوت التكليف بالرجوع إلى السنة

______________________________________________________

اعتباره.

(١) تعليل لقوله : «وإلّا فالاحتياط ... لا الرجوع ...».

(٢) بالرجوع إلى المتيقن الاعتبار ان كان وافياً بمعظم الفقه.

(٣) في صورة الأخذ بالأخبار احتياطاً.

(٤) أي : مع التمكن من الرجوع إلى ما يوجب العلم.

(٥) هذا هو الإيراد الثاني ، وحاصله : أن ما ذكره صاحب الحاشية من وجوب الرجوع إلى السنة ـ بل نسب إليه دعوى كونه ضروريا ـ ممنوع جدا إذا أريد بالسنة الاخبار الحاكية عنها كما نسبه إليه المصنف بقوله : «كما صرح بأنها المراد» وقد نقلنا عبارته ، إذ لا دليل على وجوب الرجوع إلى الاخبار الحاكية التي لا يعلم صدورها ولا اعتبارها بالخصوص ، وأساس هذا البرهان العقلي هو وجوب الرجوع إلى السنة بمعنى الحاكي ، وحيث لا دليل عليه ، فينهدم ، نعم لا بأس بدعوى وجوب الرجوع إلى السنة بمعنى قول المعصوم عليه‌السلام أو فعله أو تقريره إجماعا ونصا ضرورة ، لكنه ليس بمراده بعد تصريحه بخلافه ، وأن مقصوده بالسنة نفس الاخبار ، ومن المعلوم أنه لا يمكن الاستدلال ـ على وجوب العمل بقول زرارة مثلا الحاكي للسنة ـ بما دل من الإجماع والضرورة على وجوب العمل بقول الإمام عليه‌السلام ، وذلك لعدم التلازم بينهما مع

__________________

(*) الأولى أن يقال : «للتمكن من الرجوع إلى المعلوم الاعتبار تفصيلا أو إجمالا».

٥٤٩

بذاك المعنى فيما لم يعلم بالصدور ولا بالاعتبار بالخصوص واسع (١).

وأما (٢) الإيراد عليه برجوعه اما إلى دليل الانسداد لو كان ملاكه

______________________________________________________

احتمال مخالفته للواقع. وهذا الإشكال قد أورده الشيخ الأعظم على المحقق التقي ـ على تقدير أن يراد بالسنة الاخبار الحاكية لها ـ بقوله : «ان الأمر بالعمل بالأخبار المحكية المفيدة للقطع بصدورها ثابت بما دل على الرجوع إلى قول الحجة وهو الإجماع والضرورة الثابتة من الدين أو المذهب. وأما الرجوع إلى الاخبار المحكية التي لا تفيد القطع بصدورها عن الحجة فلم يثبت ذلك بالإجماع والضرورة من الدين التي ادعاها المستدل ... إلخ».

(١) خبر «أن مجال» وقد عرفت وجه المنع آنفاً.

(٢) هذا الإيراد من الشيخ الأعظم ، فانه بعد ما أورد على كلام المحقق التقي بما تقدم من قوله : «فلم يثبت ذلك بالإجماع والضرورة من الدين» استدرك عليه ، وقال : «نعم لو ادعى الضرورة على وجوب الرجوع إلى تلك الحكايات غير العلمية لأجل لزوم الخروج عن الدين لو طرحت بالكلية ، يرد عليه : أنه ان أراد لزوم الخروج عن الدين من جهة العلم بمطابقة كثير منها للتكاليف الواقعية التي يعلم بعدم جواز رفع اليد عنها عند الجهل بها تفصيلا ، فهذا يرجع إلى دليل الانسداد الّذي ذكروه لحجية الظن ... وان أراد لزومه من جهة خصوص العلم الإجمالي بصدور أكثر هذه الاخبار ... فهذا الوجه يرجع إلى الوجه الأول ...» وحاصل ما أفاده : أنه ـ بعد عدم دلالة الإجماع والضرورة على وجوب الرجوع إلى الروايات الحاكية للسنة ـ ان ادعى المحقق التقي (قده) وجوب العمل بالروايات الظنية لأجل أن طرحها وعدم العمل بها يستلزم الخروج عن الدين فنقول : ان هذا الوجه ليس دليلا مستقلا على حجية الظن الحاصل من الخبر الواحد ، وذلك لأنه ان استند في وجوب العمل بها إلى العلم بمطابقة كثير منها

٥٥٠

دعوى العلم الإجمالي بتكاليف واقعية ، واما إلى الدليل الأول لو كان ملاكه دعوى العلم (١) بصدور أخبار كثيرة بين ما بأيدينا من الاخبار ، ففيه (٢):

______________________________________________________

للتكاليف الواقعية التي يعلم بوجوب رعايتها ، فمرجع ذلك إلى دليل الانسداد الآتي بيانه ، ومقتضاه حجية كل أمارة كاشفة عن الواقع ، لا خصوص الخبر. وان استند في لزوم العمل بها إلى العلم الإجمالي بصدور أكثر هذه الاخبار من الأئمة المعصومين عليهم‌السلام ـ حتى يختص اعتبار الظن بالواقع بالحاصل من خصوص الخبر ـ فمرجع ذلك إلى الوجه الأول المتقدم بيانه.

والحاصل : أن مقتضى لزوم رعاية الأحكام الواقعية ـ وعدم كون المكلف معذورا من قبلها ، لتنجزها عليه ـ وان كان وجوب العمل بهذه الاخبار ، لأنها طرق إليها وحاكية عنها ، ولكن مرجعه اما إلى الوجه الأول واما إلى دليل الانسداد.

(١) أي : العلم الإجمالي.

(٢) جواب «وأما الإيراد» وقد أجاب المصنف عن هذا الإيراد هنا وفي حاشية الرسائل بأن ملاك دليل المحقق التقي ليس هو العلم الإجمالي بالتكاليف الواقعية ليرجع إلى دليل الانسداد ، ولا العلم الإجمالي بصدور جملة من الروايات المدونة في الكتب المعتبرة ليرجع إلى الدليل الأول العقلي ، بل ملاكه العلم بوجوب الرجوع إلى هذه الروايات فعلا حتى إذا لم يحصل علم إجمالي بصدور جملة منها أو علم إجمالي بتكاليف واقعية يجب التوصل بها بالظن بعد تعذر الوصول إليها بالعلم أو ما هو بحكمه. وعليه فمؤديات هذه الروايات أحكام فعلية لا بد من امتثالها ، ولا فعلية للأحكام الواقعية مع الغض عن قيام

٥٥١

أن ملاكه انما هو دعوى العلم بالتكليف بالرجوع (١) إلى الروايات في الجملة إلى يوم القيامة (*) ، فراجع تمام كلامه تعرف حقيقة مرامه.

______________________________________________________

الأمارات عليها ، هذا.

(١) يعني : التكليف بالرجوع إلى الاخبار نفسيا ، كما عرفت.

__________________

(*) لكن لا بد من استناد وجوب العمل بها ـ مع عدم حصول العلم بالواقع منها واحتمال مخالفتها له ـ اما إلى الجعل الشرعي وهو أول الكلام ، واما إلى العلم الإجمالي بصدور بعضها من المعصوم فيرجع إلى الوجه الأول ، واما إلى حكم العقل بتعين الامتثال الظني فيرجع إلى دليل الانسداد ، وعليه فإيراد شيخنا الأعظم من عدم كون هذا الوجه دليلا مستقلا على حجية الخبر الواحد في محله ، فتأمل في المقام.

٥٥٢

فصل

في الوجوه التي أقاموها على حجية الظن ، وهي أربعة :

الأول (١) : أن [في] مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبيّ أو التحريمي مظنة الضرر [للضرر] ، ودفع الضرر المظنون لازم.

______________________________________________________

(أدلة حجية مطلق الظن)

(١) تعرض لهذه الوجوه العقلية التي أقيمت على حجية مطلق الظن شيخنا الأعظم (قده) قال بعد الفراغ من الوجه الثالث المتقدم ما لفظه : «فلنشرع في الأدلة التي أقاموها على حجية الظن يعني من غير خصوصية للخبر ... إلى أن قال : وهي أربعة : الأول : أن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبيّ أو التحريمي مظنة للضرر» إلى آخر ما في المتن. توضيح ما أفاده المصنف : أن هذا الدليل مؤلف من صغرى وكبرى ، أما الأولى ـ وهي التي أشار إليها بقوله : «أما الصغرى» فتقريبها : أن الظن بالحكم الإلزامي ملازم للظن بأمرين : أحدهما : ترتب العقوبة على مخالفته ، والآخر : ترتب المفسدة عليها ان كان الحكم هو الحرمة ، وفوات المصلحة ان كان هو الوجوب بناء على مذهب العدلية من تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد.

٥٥٣

أما الصغرى فلأن الظن بوجوب شيء أو حرمته يلازم الظن بالعقوبة

______________________________________________________

والوجه في الاستلزام المزبور كون الحكم مترتباً على الملاك وعلة لاستحقاق المثوبة على موافقته والعقوبة على مخالفته ، ومن المعلوم أن الظن بالعلة ـ وهي الحكم ـ يلازم الظن بالمعلول وهو استحقاق المثوبة أو العقوبة ، كما أن العلم بها أو الشك فيها يوجب العلم بالمعلول أو الشك فيه. وعليه فالظن بالحكم الإلزامي مستلزم للظن بالضرر الدنيوي أو الأخروي على مخالفته ، أما الدنيوي فلترتب الوقوع في المفسدة أو فوات المصلحة على مخالفته. وأما الأخروي فلترتب الظن بالعقوبة على مخالفته ، فالصغرى ـ وهي ترتب الضرر الدنيوي أو الأخروي على مخالفة الحكم المظنون ـ ثابتة.

وأما الكبرى ـ وهي التي أشار إليها بقوله : «وأما الكبرى ...» ـ فحاصلها : أنه ـ بعد إثبات الملازمة بين الظن بالحكم والظن بالضرر في الصغرى ـ نقول : ان دفع الضرر المظنون لازم ، لاستقلال العقل به وان عزلنا العقل عن التحسين والتقبيح كما هو مذهب الأشعري ، لعدم ابتناء حكمه بلزوم دفع الضرر المظنون على القول بالتحسين والتقبيح ، لأن لزومه من الأمور الفطرية المجبولة عليها النفوس ولا ربط له بالعقل ، ضرورة أن ملاك وجوب دفع الضرر هو كونه منافراً للطبع ، كما أن ملاك جلب المنفعة هو كونها ملائمة للطبع ، وهما مما اتفق عليه العقلاء حتى الأشعري المنكر للحسن والقبح ، حيث ان ما أنكره هو إدراك العقل بعض الأفعال على وجه يمدح أو يذم فاعله عليه ، لا منافرة بعض الأشياء للطبع أو ملائمته له ، فانهما مما لا ينكره ذو فطرة ، ومنه دفع الضرر وجلب المنفعة.

وبالجملة : فملاك حكم العقل بلزوم دفع الضرر المظنون ليس منحصرا في التحسين والتقبيح العقليين حتى ينتفي لزوم دفعه بانتفاء ملاكه ، فالتزامه

٥٥٤

على مخالفته ، أو الظن (١) بالمفسدة فيها (٢) بناء (٣) على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد.

وأما الكبرى (٤) فلاستقلال العقل بدفع الضرر المظنون ولو لم نقل (٥) (*) بالتحسين والتقبيح ،

______________________________________________________

بلزوم دفع الضرر المظنون في عرض التزامه بفعل ما استقل بحسنه وترك ما استقل بقبحه بناء على قاعدة التحسين والتقبيح.

(١) معطوف على «الظن بالعقوبة» يعني : أن الظن بالوجوب أو الحرمة يلازم الظن بالعقوبة والمفسدة ، فكلمة «أو» هنا بمعنى الواو.

(٢) أي : في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم.

(٣) قيد لقوله : «أو الظن بالمفسدة» إذ بناء على عدم التبعية لا يكون الظن بالحكم ملازما للظن بالمفسدة كما هو واضح.

(٤) وهي وجوب دفع الضرر المظنون ، وقد عرفت توضيحه.

(٥) هذا رد لما أجاب به الحاجبي عن هذا الدليل العقلي من منع الكبرى وقد حكاه عنه شيخنا الأعظم ، حيث قال : «وأجيب عنه بوجوه أحدها : ما عن الحاجبي وتبعه غيره من منع الكبرى ، وأن دفع الضرر المظنون إذا قلنا بالتحسين والتقبيح العقليين احتياط مستحب لا واجب» ثم أجاب عنه ، فراجع. وحاصل ما أفاده المصنف ـ كما تقدم توضيحه ـ : أن وجوب دفع الضرر

__________________

(*) هذا التعميم غير ظاهر ، لأنه بناء على عدم إدراك العقل للحسن والقبح لا معنى لوجوب دفع الضرر المظنون أو المحتمل بحكم العقل ، إذ مع عزله عن الإدراك لم يظن العقل بالضرر حتى يحكم بوجوب دفعه ، فالفطرة كافية في الحكم بلزوم دفعه.

٥٥٥

لوضوح (١) عدم انحصار ملاك حكمه بهما (٢) ، بل يكون التزامه (٣) [ملاكه التزامه] بدفع الضرر المظنون بل المحتمل بما هو كذلك (٤) ولو لم يستقل بالتحسين والتقبيح مثل (٥) الالتزام بفعل ما استقل بحسنه إذا قيل باستقلاله ، ولذا أطبق (٦) عليه مع خلافهم في استقلاله بالتحسين والتقبيح ، فتدبر جيدا.

______________________________________________________

المظنون ليس منوطا بالقول بالتحسين والتقبيح العقليين ، لأن وجوب دفع الضرر من الأمور الفطرية وان فرض عدم إدراك العقل حسن الأشياء وقبحها.

(١) تعليل للتعميم المتقدم بقوله : «ولو لم نقل».

(٢) أي : عدم انحصار حكم العقل بدفع الضرر المظنون في التحسين والتقبيح ، فالباء في «بهما» بمعنى «في».

(٣) أي : التزام العقل ، فهو بالنصب خبر «يكون» واسمه ضمير مستتر راجع إلى «ملاك حكمه» وقد صرح به في بعض النسخ ، وعلى كل حال فيكون قوله : «مثل الالتزام» حالا من «التزامه» وبناء على عدم التصريح باسم «يكون» فالأولى جعل «التزامه» اسمه ، و «مثل الالتزام» خبره.

(٤) أي : بما هو ضرر مظنون أو محتمل.

(٥) يعني : أن حكم العقل بدفع الضرر المظنون والمحتمل نظير حكمه بفعل ما استقل بحسنه بناء على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين.

(٦) بصيغة المجهول ، أي : ولأجل عدم انحصار حكم العقل بلزوم دفع الضرر المظنون في التحسين العقلي أطبق العقلاء عليه مع خلافهم في قاعدة التحسين ، وكان الأولى ذكر فاعله حتى يلائم قوله : «مع خلافهم».

٥٥٦

والصواب في الجواب هو منع الصغرى (١) ،

______________________________________________________

(١) لا يخفى أنه قد أجيب عن هذا الدليل العقلي المؤلف من صغرى وكبرى تارة بمنع الكبرى وأخرى بمنع الصغرى ، أما منع الكبرى فلمّا كانت هي مسلمة عند المصنف لم يتعرض للمناقشة فيها بل رد ما عن الحاجبي في منعها بقوله قبل أسطر : «ولو لم نقل بالتحسين والتقبيح ... إلخ» وقد تقدم توضيحه آنفا.

وأما منع الصغرى ، فهو الّذي أشار إليه بقوله : «والصواب في الجواب ... إلخ» وتوضيحه : أنه اما أن يكون المراد بالضرر المذكور في صغرى الدليل العقوبة أو يكون المراد به المفسدة ، فهنا احتمالان : الأول : أن يراد الدليل العقوبة أو يكون المراد به المفسدة ، فهنا احتمالان : الأول : أن يراد بالضرر المذكور فيها العقوبة ، الثاني : أن يراد به المفسدة ، فان كان الاحتمال الأول منعنا الملازمة بين الظن بالحكم والظن بالعقوبة على مخالفته ، وجه المنع : أن الملازمة بينهما منوطة بثبوت هذه الملازمة بين وجودهما في الواقع حتى يكون الظن بأحد المتلازمين ظنا بالملازم الآخر ، كالظن باستقبال الكعبة لمن ظن باستدبار الجدي ممن يكون في أواسط العراق ، فان الملازمة حيث تكون بين نفس الاستدبار والاستقبال ، فالتلازم يتحقق في جميع المراحل من العلم والظن والشك. والمقام ليس كذلك ، ضرورة أن مطلق مخالفة الحكم الواقعي لا يستلزم استحقاق العقوبة ، بل المستلزم له هو خصوص مخالفة الحكم المنجز.

وان شئت فقل : ان استحقاق العقوبة ليس من لوازم جميع مراتب الحكم ، بل خصوص مرتبته الأخيرة ـ وهي التنجز ـ ، فاستحقاق العقوبة من لوازم المعصية التي هي خصوص مخالفة الحكم المنجز ، ومن المعلوم أن الظن بالحكم ـ مع الشك في اعتباره ـ لا يستلزم الظن باستحقاق العقوبة ، ولا الشك فيه ، بل يقطع بعدم الاستحقاق ، إذ مع عدم تنجز الحكم الواقعي لا تعد مخالفته معصية حتى يترتب عليها استحقاق العقوبة.

٥٥٧

أما العقوبة (١) فلضرورة عدم الملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالعقوبة على مخالفته ، لعدم الملازمة بينه (٢) والعقوبة على مخالفته ، وانما الملازمة بين خصوص معصيته (٣) واستحقاق العقوبة عليها ، لا بين (٤) مطلق المخالفة والعقوبة بنفسها (*)

______________________________________________________

هذا كله في منع الصغرى بناء على الاحتمال الأول أعني كون المراد بالضرر العقوبة ، وأما منعها بناء على الاحتمال الثاني وهو كون المراد به المفسدة ، فسيأتي إن شاء الله تعالى.

ثم ان ما أفاده في الجواب بمنع الصغرى ـ على تقدير أن يراد بالضرر العقوبة ـ قد سبقه فيه شيخنا الأعظم ، قال (قده) : «فالأولى أن يجاب عن هذا الدليل بأنه ان أريد من الضرر المظنون العقاب فالصغرى ممنوعة ، فان استحقاق العقاب على الفعل أو الترك كاستحقاق الثواب عليهما ليس ملازماً للوجوب أو التحريم الواقعيين ... إلخ».

(١) أي : أما إذا كان المراد بالضرر العقوبة فهي ممنوعة ، لضرورة عدم الملازمة ... إلخ ، وقد مر توضيحه.

(٢) هذا الضمير وضمير «مخالفته» في الموضعين راجع إلى التكليف ، وكان الأولى تكرار كلمة «بين» بأن يقال : «بينه وبين العقوبة» وغرضه : أنه لا ملازمة بين التكليف وبين العقوبة على مخالفته حتى تثبت الملازمة بين ظنيهما ، ضرورة تحقق الانفكاك بينهما في صورة الجهل بالتكليف.

(٣) وهي مخالفة التكليف المنجز ، فضميره راجع إلى التكليف.

(٤) عطف على «الملازمة» يعني : أن الظن بالعقوبة متفرع على ثبوت التلازم

__________________

(*) هذه الكلمة مستدركة ، لأن المقصود نفي الملازمة بين مطلق المخالفة

٥٥٨

ومجرد الظن به (١) بدون دليل على اعتباره لا يتنجز (٢) به كي يكون مخالفته عصيانه.

إلّا أن يقال (٣) : ان العقل وان لم يستقل بتنجزه

______________________________________________________

بين مطلق المخالفة وان لم تكن معصية وبين نفس العقوبة ، وليس الأمر كذلك ، بل الملازمة كما عرفت تكون بين المعصية وبين استحقاق العقوبة.

(١) أي : بالتكليف ، يعني : أن مجرد الظن بالحكم ـ إذا لم يثبت اعتبار ذلك الظن ـ لا يوجب الظن باستحقاق العقوبة ، لأن الظن غير المعتبر بحكم الشك في عدم كون مخالفته سببا للاستحقاق ، فيقطع بعدم الاستحقاق في الظن غير المعتبر.

(٢) أي : لا يتنجز التكليف بالظن الّذي لا دليل على اعتباره حتى يكون مخالفته عصيانا للتكليف الواقعي ، وضميرا «اعتباره ، مخالفته» راجعان إلى مجرد الظن.

(٣) غرضه الإشكال على الجواب وتصحيح الدليل العقلي ، وتوضيحه : أن العقل وان لم يحكم بتنجز التكليف بمجرد الظن به ليترتب عليه استحقاق العقوبة ، إلّا أنه لاحتمال بيانية الظن للحكم الواقعي لا يحكم أيضا بعدم استحقاق العقوبة ، فتكون العقوبة محتملة ، وحينئذ فدعوى استقلال العقل بلزوم دفع الضرر المشكوك كالمظنون قريبة جدا.

__________________

والعقوبة ، وهو يستفاد من العبارة بلا حاجة إليها ، ويمكن توجيه العبارة بجعل كلمة «بنفسها» صفة للعقوبة ، وإرجاع ضميرها إلى المخالفة ، بأن يكون المراد نفي الملازمة بين مطلق المخالفة والعقوبة الناشئة عن مطلق المخالفة ، فيكون نفي العقوبة من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

٥٥٩

بمجرده (١) بحيث يحكم باستحقاق العقوبة على مخالفته ، إلّا أنه لا يستقل أيضا (٢)

______________________________________________________

لا يقال : ان مقتضى الظن بالحكم هو الظن بالعقوبة لا الشك فيها واحتمالها.

فانه يقال : ليس غرض المصنف دعوى الملازمة بين الحكم بوجوده الواقعي وبين العقوبة على مخالفته حتى يكون العلم بالتكليف والظن به والشك فيه موجبا للعلم بالعقوبة والظن بها والشك فيها ، إذ لا يتصور التفكيك بين المتلازمين في شيء من المراحل ، بل غرضه عدم استقلال العقل بقبح العقوبة مع احتماله بيانية الظن ، ومع هذا الاحتمال يحتمل العقوبة ، فيحصل التفكيك بين الظن بالتكليف وبين الظن بالعقوبة.

وبالجملة : يكون العقاب في المقام محتملا ، والعقل يستقل بوجوب دفعه كالعقاب المظنون ، هذا. وقد تعرض الشيخ الأعظم لهذا الإشكال وأجاب عنه ، ولكن المصنف ارتضاه ولم يجب عنه ولم يكن له وجه كما ذكرناه في التعليقة ، قال في الرسائل ما لفظه : «اللهم إلّا أن يقال : ان الحكم بعدم العقاب والثواب فيما فرض من صورتي الجهل البسيط أو المركب بالوجوب والحرمة انما هو لحكم العقل بقبح التكليف مع الشك أو القطع بالعدم ، وأما مع الظن بالوجوب أو التحريم فلا يستقل العقل بقبح المؤاخذة ، ولا إجماع أيضا على أصالة البراءة في موضع النزاع ، ويرده أنه ... إلخ» فراجع.

(١) أي : بتنجز التكليف بمجرد الظن به ، و «بحيث» تفسير للتنجز.

(٢) يعني : أن العقل كما لا يستقل بالحكم بتنجز التكليف بمجرد الظن به كذلك لا يستقل بعدم استحقاق العقوبة ، بل يحتمل العقوبة معه ، لما عرفت من احتمال كون هذا الظن بيانا للحكم الواقعي ، ومعه لا يستقل العقل بعدم استحقاق العقوبة.

٥٦٠