منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

٣ ـ موثقة إبراهيم بن عبد الحميد : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : رحم الله زرارة بن أعين ، لو لا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي عليه‌السلام» (١).

٤ ـ حسنة عبد الله بن أبي يعفور ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : انه ليس كل ساعة ألقاك ولا يمكن القدوم ، ويجيء الرّجل من أصحابنا ، فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه ، فقال : ما يمنعك من محمد بن مسلم الثقفي ، فانه سمع من أبي وكان عنده وجيهاً» (٢).

٥ ـ صحيحة شعيب العقرقوفي ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ربما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمن نسأل؟ قال : عليك بالأسدي يعني أبا بصير» (٣).

٦ ـ حسنة إسماعيل بن الفضل الهاشمي ـ بل صحيحته ـ قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتعة ، فقال : الق عبد الملك بن جريح فسله عنها ، فان عنده منها علماً ، فلقيته ، فأملى عليّ شيئاً كثيراً في استحلالها ، وكان فيما روى فيها ابن جريح أنه ليس لها وقت ولا عدد ، إلى أن قال : فأتيت بالكتاب أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال : صدق وأقرّ به» (٤).

٧ ـ صحيحة جميل بن دراج قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول :

__________________

(١) المصدر المتقدم ، الحديث : ٢٠ ، رواه عن رجال الكشي ، موثقة بإبراهيم بن عبد الحميد.

(٢) نفس المصدر ، الحديث : ٢٣ ، رواه عن رجال الكشي ، حسنة بمحمد بن قولويه.

(٣) الوسائل ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ١٥ ، رواه عن الكشي بإسناده عن ابن أبي عمير ـ والإسناد صحيح ـ عن شعيب.

(٤) المصدر المتقدم ، الحديث ٥ ، رواه عن الكافي ، حسنة بإبراهيم بن هاشم بل صحيحة به.

٥٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

بشِّر المخبتين بالجنة : بُريد بن معاوية العجلي وأبو بصير ليث ابن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة ، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه ، لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست» (١). هذه جملة من الاخبار المعتبرة الإرجاعية أو المتضمنة لتوثيق بعض الأصحاب وهناك روايات أخرى في توثيق جمع آخر من الأصحاب كيونس بن عبد الرحمن وأبان بن تغلب وزكريا بن آدم وغيرهم ، مذكورة في رجال الكشي ، فلاحظ.

الطائفة الثالثة : ما ورد في الأمر بضبط الروايات والعمل بما في كتبها ، وهي عدة روايات نذكر بعضها :

١ ـ صحيحة أبي هاشم الجعفري ، قال : «عرضت على أبي محمد العسكري عليه‌السلام كتاب يوم وليلة ليونس ، فقال لي : تصنيف من هذا؟ قلت : تصنيف يونس مولى آل يقطين ، فقال : أعطاه الله بكل حرف نوراً يوم القيامة» (٢).

٢ ـ معتبرة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خطب الناس في مسجد الخيف ، فقال : نصر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها من لم يسمع ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» (٣) الحديث.

٣ ـ حسنة أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : «قول الله جل ثناؤه

__________________

(١) المصدر المتقدم ، الحديث ١٤ ، رواه عن رجال الكشي.

(٢) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ٨ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٨٠ ، رواه عن رجال النجاشي ، صحيحة ، وبمضمونه الحديث ٧٤ من نفس الباب وفيه : ترحم الإمام على يونس ثلاث مرات.

(٣) المصدر المتقدم ، الحديث : ٤٣ رواه عن الكافي.

٥٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، قال : هو الرّجل يسمع الحديث ، فيحدث به كما سمعه ، لا يزيد فيه ولا ينقص منه» (١).

٤ ـ موثقة عبيد بن زرارة ، قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : احتفظوا بكتبكم ، فإنكم سوف تحتاجون إليها» (٢).

٥ ـ رواية أبي بصير ، قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : اكتبوا ، فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا» (٣).

الطائفة الرابعة : ما ورد في الرجوع إلى ثقات الرّواة وعدم جواز التشكيك في حديثهم أو الرجوع إلى الرّواة الشيعة وأخذ الحديث منهم. وذلك مثل ما رواه أحمد بن إبراهيم المراغي ، قال : «ورد على القاسم بن العلاء ـ وذكر توقيعاً شريفاً يقول فيه ـ : فانه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا ، قد عرفوا بأنا نفاوضهم سرّنا ونحملهم إياه إليهم» (٤).

وما رواه علي بن سويد السابي ، قال : «كتب إليّ أبو الحسن عليه‌السلام وهو في السجن : وأما ما ذكرت يا علي ممن تأخذ معالم دينك ، لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا ، فانك ان تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم ، انهم ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه فعليهم لعنة الله ولعنة رسوله ولعنة ملائكته ولعنة آبائي الكرام البررة ولعنتي ولعنة شيعتي

__________________

(١) المصدر المتقدم ، الحديث : ٨ ، رواه عن الكافي.

(٢) المصدر المتقدم ، الحديث ١٧ رواه عن الكافي ، موثقة بابن بكير.

(٣) المصدر المتقدم ، الحديث : ١٦ رواه عن الكافي.

(٤) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ٤٠ ، رواه عن رجال الكشي.

٥٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى يوم القيامة ـ في كتاب طويل» (١) وهذه الرواية تدل على حجية خصوص خبر الراوي الشيعي.

وما رواه أحمد بن حاتم بن ماهويه ، قال : «كتبت إليه ـ يعني أبا الحسن الثالث عليه‌السلام أسأله عمن آخذ معالم ديني ، وكتب أخوه أيضا بذلك ، فكتب إليهما : فهمت ما ذكرتما ، فاصمدا في دينكما على كل مسنّ في حبنا ، وكل كثير القدم في أمرنا ، فانهما كافوكما إن شاء الله تعالى» (٢).

الطائفة الخامسة : الروايات الكثيرة المدعى تواترها الدالة على أن من حفظ أربعين حديثاً ينتفع بها بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً ، وإطلاقها يدل على مطلوبية حفظ الأحاديث والحث عليه سواء كان متواتراً أم واحداً (*) ، وقد أورد جمعاً من هذه الروايات صاحب الوسائل ، وفي ألفاظها اختلاف يسير لا يقدح في المقصود ، نتبرك بذكر واحدة منها ، وهي ما رواه عن خصال الصدوق (قده) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من حفظ من أمتي أربعين حديثاً مما يحتاجون إليه من أمر دينهم بعثه الله يوم القيامة فقيهاً عالماً» (٣). هذه جملة من الاخبار التي استدل بها على وجوب العمل

__________________

(*) استظهار هذا الإطلاق مشكل ، لأن تلك الروايات في مقام الحث والترغيب في حفظ العدد المذكور من الأحاديث ، وأما كون تلك الأحاديث متواترة أو غيرها فليست الروايات في مقام بيانها حتى يكون لها إطلاق بالنسبة إلى هذه الجهة ، فالتمسك بإطلاق هذه الطائفة لحجية خبر الواحد مشكل جداً.

__________________

(١) المصدر المتقدم ، الحديث : ٤٢ ، رواه عن رجال الكشي.

(٢) المصدر المتقدم ، الحديث : ٤٥ ، رواه عن رجال الكشي أيضا.

(٣) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ٨ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ٦٠ ، وقريب من هذا اللفظ الحديث : ٥ و ٦ و ٤٨ و ٥٤ و ٥٩ و ٦١ و ٦٢ و ٦٤ و ٧١ و ٧٢ من نفس الباب ، فراجع.

٥٠٤

إلّا أنه يشكل الاستدلال بها على حجية الاخبار الآحاد بأنها (١) أخبار آحاد ، فانها غير متفقة على لفظ ولا على معنى فتكون (٢) متواترة لفظاً أو معنى. ولكنه (٣)

______________________________________________________

بخبر الواحد.

قال شيخنا الأعظم بعد بيان جملة من الاخبار : «إلى غير ذلك من الاخبار التي يستفاد من مجموعها رضاء الأئمة عليهم‌السلام بالعمل بالخبر وان لم يفد القطع ، وادعى في الوسائل تواتر الاخبار بالعمل بخبر الثقة .. إلخ».

(١) متعلق بـ «يشكل» وبيان له ، وضميره وكذا ضميرا «بها ، فانها» راجع إلى الاخبار ، وحاصل الإشكال : أن الاستدلال بالأخبار المتقدمة على حجية أخبار الآحاد دوري ، إذ هذه الاخبار في أنفسها أخبار آحاد ، وليست متواترة لفظاً ولا معنى ، ومن المعلوم أنه لم يثبت اعتبار أخبار الآحاد بعد ، فحجية هذه الاخبار تتوقف على حجية مطلق الاخبار الآحاد ، وحجية مطلقها موقوفة على اعتبار هذه الاخبار ، ولازمه توقف حجية هذه الاخبار على أنفسها ، وهو دور واضح. وقد تقدم في تقريب الاستدلال بالأخبار على عدم حجية الخبر الواحد تقريب الدور بتقرير أوضح ، فلاحظ.

(٢) بالنصب ، أي : ليست الاخبار المتقدمة متفقة على لفظ ولا على معنى حتى تكون متواترة لفظاً أو معنى.

(٣) أي : ولكن الإشكال على الاستدلال مندفع ، وذلك لأن هذه الاخبار وان لم تكن متواترة لفظاً ولا معنى لاختلاف ألفاظها ومضامينها ، ولكنها ليست أخبار آحاد حتى يلزم الدور ، لأنها متواترة إجمالا بمعنى أنه يعلم إجمالا بصدور بعض هذه الروايات ـ على اختلاف مضامينها ـ عن المعصوم عليه‌السلام ،

٥٠٥

مندفع بأنها وان كانت كذلك (١) إلّا أنها متواترة إجمالا ، ضرورة أنه يعلم إجمالا بصدور بعضها منهم عليهم‌السلام ، وقضيته (٢) وان كان حجية خبر دل على حجية أخصها مضموناً ، إلّا أنه يتعدى عنه (٣) فيما إذا كان بينها ما كان بهذه الخصوصية (٤) وقد دل على حجية ما كان أعم (٥) (*)

______________________________________________________

وحينئذ ، فالمتعين الأخذ بما هو أخصها مضموناً ، وهو خبر العدل الإمامي الضابط المزكى بعدلين مثلا ، وهو المسمى بالصحيح الأعلائي ، فان ظفرنا في مجموع تلك الاخبار بخبر واجد لهذه الصفات دال على حجية خبر كل ثقة وان لم يكن عادلاً بل وان لم يكن إماميّا ، أمكن التعدي من حجية خصوص خبر الإمامي العدل الضابط إلى القول باعتبار خبر مطلق الثقة.

(١) أي : غير متواترة لفظاً أو معنى.

(٢) أي : ومقتضى العلم الإجمالي بصدور بعض هذه الاخبار وان كان ...

(٣) أي : عن أخصها مضموناً ، وضمير «أنه» للشأن.

(٤) وهي كون المخبر ثقة عدلا.

(٥) والظاهر أن صحيحة أحمد بن إسحاق المتقدمة وافية بإثبات المطلوب ، إذ هي من حيث السند صحيحة ، لأن رجال سندها من الشيعة الثقات العدول كما يظهر بمراجعة كتب الرّجال ، ومن حيث الدلالة في غاية الظهور في حجية قول الثقة مطلقاً سواء كان إماميّا أم غيره ، فان تعليل الإمام عليه‌السلام لوجوب قبول رواية العمري وابنه بقوله : «فانهما الثقتان المأمونان» تعليل بمطلق الوثاقة والمأمونية ، لا الوثاقة المختصة بأمثال العمري وابنه ، ومن المعلوم أن العبرة

__________________

(*) لكن الحجية حينئذ ليست تعبدية ، ضرورة أن خبر الثقة مما بني العقلاء

٥٠٦

فافهم (١).

______________________________________________________

بعموم التعليل لا بخصوصية المورد ، ومقتضاه الالتزام بحجية خبر الثقة مهما كان مذهبه.

(١) لعله إشارة إلى عدم جواز التعدي عما هو أخصها مضموناً إلى غيره ، لأن تلك القيود دخيلة في موضوع حجية خبر الواحد ، ولا أقل من احتمال دخلها فيه كما لا يخفى.

__________________

على اعتباره في أمورهم ، وحيث ان بناءهم ليس على العمل بالظن والشك ، بل يعملون بما يعلمون ولو علماً عادياً ، فلا يكون الأمر بالعمل بخبر الثقة إلّا إرشاداً إلى ما عليه العقلاء من دون أن يكون هناك تعبد. كما أنه يستفاد من بناء العقلاء على العمل بخبر الثقة لأجل افادته الوثوق والاطمئنان أن المدار في حجيته ليس على أنه خبر الثقة ، بل على أنه خبر يوثق بصدوره وان لم يكن مخبره ثقة ، لكن كان محفوفاً بما يوجب الوثوق بصدوره ، كما استقر على هذا طريقة أكثر المجتهدين في استنباط الأحكام ، فانهم يستندون فيه إلى الخبر الموثوق الصدور وان كان بحسب السند ضعيفاً. هذا حال الاخبار.

وأما الآيات الشريفة ، فقد تقدم عدم دلالتها أيضا على وجوب قبول خبر الواحد تعبداً كما هو المطلوب ، بل هي بين ما لا تدل على ذلك أصلا كآية النبأ ، لعدم المفهوم لها ، وبين ما تدل على وجوب إشاعة الحق وإذا عنه المستلزمة للعلم به ، ومن المعلوم أن حجية العلم ليست جعلية تعبدية بل ذاتية ، فهذا القسم من الآيات إرشاد إلى حكم العقل بلزوم متابعة القطع.

فالمتحصل : أنه لا دليل على وجوب قبول خبر الواحد تعبداً ، فتأمل جيداً.

٥٠٧

فصل

في الإجماع على حجية الخبر ، وتقريره من وجوه (١):

أحدها (٢) : دعوى الإجماع من تتبع فتاوى الأصحاب (٣) على الحجية من زماننا إلى زمان الشيخ ، فيكشف (٤) رضاه بذلك (٥)

______________________________________________________

(١) ستة ذكرها شيخنا الأعظم ، واقتصر المصنف على ثلاثة منها.

(٢) أفاده الشيخ الأعظم بقوله : «أحدها : الإجماع على حجية خبر الواحد في مقابل السيد وأتباعه ، وطريق تحصيله أحد وجهين على سبيل منع الخلو : أحدهما تتبع أقوال العلماء من زماننا إلى زمان الشيخين ، فيحصل من ذلك القطع بالاتفاق الكاشف عن رضى الإمام عليه‌السلام بالحكم ... إلى أن قال : والثاني تتبع الإجماعات المنقولة في ذلك ... إلخ».

(٣) فيكون الإجماع محصلا.

(٤) بالبناء للمجهول ، وإلّا فالصواب : «فينكشف رضاه» أو «فيكشف عن رضاه» والضمير المستتر في «تكشف» يرجع إلى تتبع.

(٥) أي : باعتبار الخبر المستفاد من قوله : «حجية الخبر».

٥٠٨

ويقطع (١) به أو من تتبع (٢) الإجماعات المنقولة على الحجية.

ولا يخفى مجازفة هذه الدعوى (٣) ، لاختلاف الفتاوى فيما أخذ في اعتباره (٤) من الخصوصيات ، ومعه (٥) لا مجال لتحصيل القطع برضائه عليه‌السلام من تتبعها. وهكذا (٦) حال تتبع الإجماعات المنقولة.

______________________________________________________

(١) يعني : حدساً ، لعدم وجود الإجماع الدخولي ، وبطلان اللطفي عند المصنف ، وضمير «به» راجع إلى اعتبار الخبر.

(٢) عطف على «من تتبع» وهذا تقريب للإجماع المنقول بالتواتر على اعتبار الخبر الواحد ، وعليه فلا يلزم الدور ، لأنه انما يلزم لو كان الإجماع محكياً بخبر الواحد كما لا يخفى.

(٣) غرضه المناقشة في دعوى الإجماع المحصل على اعتبار خبر الواحد ، وحاصلها : اختلاف الفتاوى في الخصوصيات الدخيلة في حجية خبر الواحد ، إذ العنوان في بعضها خبر الثقة كما نسب إلى مشهور القدماء ، وفي بعضها الآخر خبر العدل الإمامي على الاختلاف في اعتبار تعدد المزكي كما ذهب إليه صاحب المعالم ، وكفاية تزكية واحد كما ذهب إليه العلامة في التهذيب ، وفي بعضها الآخر شيء آخر ككونه مقبولا عند الأصحاب كما عن المعتبر ، ومع هذا الاختلاف وعدم وصول شيء من هذه العناوين إلى حد الإجماع كيف يمكن دعوى الإجماع والقطع برضا المعصوم عليه‌السلام باعتبار خبر الواحد.

(٤) أي : في اعتبار الخبر الواحد ، و «من الخصوصيات» بيان للموصول في «فيما أخذ» وقد عرفت المراد من الخصوصيات.

(٥) أي : ومع اختلاف الفتاوى في الحجية لا مجال ... إلخ ، وضمير «تتبعها» يرجع إلى الفتاوى.

(٦) هذا مناقشة بالنسبة إلى الإجماعات المنقولة على حجية خبر الواحد

٥٠٩

اللهم إلّا أن يدعى تواطؤها (١) على الحجية في الجملة ، وانما الاختلاف في الخصوصيات المعتبرة فيها ، ولكن دون إثباته (٢) خرط القتاد.

______________________________________________________

كالمناقشة في دعوى الإجماع المحصل ، لأن بعضهم نقل الإجماع على حجية خبر العدل الإمامي مثلا ، وآخر على حجية خبر الثقة ، وثالث على حجية خبر العدل الضابط ... إلخ ، وهذا الاختلاف في الفتاوي وفي الإجماعات المنقولة مانع عن تحقق الإجماع المحصل والمنقول بالتواتر.

(١) أي : تواطؤ الفتاوى ، وغرضه تصحيح التمسك بالإجماع على حجية الخبر الواحد ، بأن يقال : ان الاختلاف في الخصوصيات المأخوذة في مورد الإجماع لا يقدح في تحققه بعد اتفاقهم على أصله ، حيث ان الاختلاف يرجع إلى تشخيص ما هو الحجة عندهم قطعاً ، فأصل اعتبار الخبر مفروغ عنه لديهم ، غاية الأمر أن بعضهم يقول : ان الحجة هو الخبر الواجد لشرط كذا ، والآخر يقول : انها هي الخبر الواجد لشرط كذا ، فلو انكشف بطلان قول أحدهما لالتزم بصحة قول صاحبه ، ولا بأس بدعوى الإجماع حينئذ.

(٢) أي : ولكن دون إثبات ادعاء التواطؤ خرط القتاد ، وذلك لأن الاختلاف في الفتاوي في مسألة حجية الخبر ان كان راجعاً إلى الاختلاف في الخصوصيات دون أصل الحجية ـ كما صححنا به دعوى الإجماع ـ فلا بدّ حينئذ من الأخذ بما هو أخص مضموناً ، كأن يؤخذ بخبر العدل الإمامي الممدوح بما يفيد العدالة في كل طبقة كما هو الحال في التواتر الإجمالي ، للعلم بأن الاختلاف حينئذ راجع إلى تعيين ما هو الحجة عندهم بعد تسلم أصلها. ولكن الإشكال في إثبات هذه الدعوى ، إذ ظاهر ترتب الحجية على كل عنوان هو عدم حجية غيره على

٥١٠

ثانيها : دعوى اتفاق العلماء عملا (١) ، بل كافة المسلمين على العمل بخبر [بالخبر] الواحد في أمورهم الشرعية ، كما يظهر (٢) من أخذ فتاوى المجتهدين من الناقلين لها.

وفيه (٣):

______________________________________________________

تقدير بطلانه ، وعليه فدعوى رجوع الاختلاف إلى الاختلاف في تعيين الحجة غير ظاهرة ان لم يكن خلافها ظاهراً.

(١) وهذا هو الإجماع العملي المعبر عنه بالسيرة المتشرعية ، كما أن الوجه الأول هو الإجماع القولي ، ومناط اعتبار كل من الإجماع القولي والعملي انما هو كشفه عن قول المعصوم عليه‌السلام أو فعله أو تقريره ، لا أن الوجه في حجية الإجماع العملي هو كشفه عن الإجماع القولي كما قيل ، فلاحظ وتأمل. وقد جعل شيخنا الأعظم (قده) هذا الوجه ثالث تقارير الإجماع ، حيث قال : «استقرار سيرة المسلمين طراً على استفادة الأحكام الشرعية من أخبار الثقات المتوسطة بينهم وبين الإمام عليه‌السلام أو المجتهد ... إلى أن قال : ودعوى حصول القطع لهم في جميع الموارد بعيدة عن الإنصاف. نعم المتيقن من ذلك حصول الاطمئنان بحيث لا يعتنى باحتمال الخلاف».

(٢) أي : كما يظهر العمل بخبر الواحد من أخذ فتاوى ... إلخ.

(٣) أجاب المصنف عن هذا التقرير للإجماع بوجوه ثلاثة :

الأول : ما أشار إليه بقوله : «مضافاً إلى ما عرفت» وحاصله : أن سيرة المتشرعة وان كانت ثابتة على العمل بخبر الواحد ، إلّا أنه لما كان هؤلاء العاملون به مختلفين فيما هو مناط اعتباره والعمل به ، حيث ان بعضهم يعمل به لأنه خبر عدل إمامي ، وآخر لأنه خبر ثقة ، وثالث لأنه مقبول عند الأصحاب ، وهكذا ،

٥١١

ـ مضافاً إلى ما عرفت مما يرد على الوجه الأول ـ أنه (١) لو سلم اتفاقهم على ذلك (٢) لم يحرز (٣) (*) أنهم اتفقوا بما هم مسلمون ومتدينون بهذا الدين ، أو بما هم عقلاء ولو لم يلتزموا [ولو لم يلزموا] بدين ،

______________________________________________________

لم يكن مجرد عملهم به كاشفاً عن السنة ، أعني قول الإمام عليه‌السلام أو فعله أو تقريره. وقد تقدم هذا الإشكال على أول تقارير الإجماع أيضا.

(١) هذا هو الوجه الثاني ، وحاصله : منع الإجماع العملي على العمل بخبر الواحد مطلقاً وان لم يوجب العلم ـ كما هو المطلوب ـ وانما المسلم هو عملهم بالأخبار الموجودة في الكتب المعتبرة كالكتب الأربعة المتقدمة ونحوها ، إلّا أن مسالكهم في العمل بها متشتتة ، فبعضهم يعمل بها لكونها متواترة عنده ، والآخر يعمل بها لكونها في نظره محفوفة بالقرائن الموجبة للعلم بالصدور ، والثالث يعمل بها لكونها عنده أخبار ثقات ، والرابع لأجل شهادة مؤلفيها بصحة ما أوردوه من الروايات فيها.

(٢) أي : على العمل بخبر الواحد في أمورهم الشرعية.

(٣) هذا ثالث الوجوه ، وحاصله : أنه ـ بعد تسليم اتفاقهم على العمل بخبر الواحد مطلقاً ـ لم يظهر أن إجماعهم انما هو لأجل كونهم مسلمين أو لكونهم عقلاء مع الغض عن تدينهم والتزامهم بدين ، فيرجع إلى الوجه الثالث من وجوه تقرير الإجماع ، وهو دعوى استقرار سيرة العقلاء عليه كما سيأتي بيانه.

__________________

(*) بل ظاهر تعبير مدعي الإجماع بقوله : «كافة المسلمين» أنهم بما هم مسلمون يعملون بالخبر ، فدعوى عدم الإحراز خلاف ظاهر التعبير بالمسلمين ونحوه.

٥١٢

كما هم لا يزالون يعملون بها (١) في غير الأمور الدينية من الأمور العادية ، فيرجع إلى ثالث الوجوه ، وهو دعوى استقرار سيرة العقلاء (٢) من ذوي الأديان وغيرهم على العمل بخبر الثقة واستمرت إلى زماننا ، ولم يردع عنه نبي ولا وصي نبي ، ضرورة (٣) أنه لو كان (٤) لاشتهر وبان ، ومن الواضح أنه يكشف عن رضاء الشارع به (٥)

______________________________________________________

(١) أي : بأخبار الآحاد.

(٢) وحاصله : دعوى استقرار سيرة العقلاء بما هم عقلاء على العمل بخبر الثقة واستمرارها إلى زماننا ، وعدم ردع نبي ولا وصي نبي عنه ، إذ لو كان هناك ردع عنه لبان ، فعدم الردع عنه يكشف قطعاً عن رضا المعصوم عليه‌السلام بالعمل بخبر الثقة في الشرعيات أيضا كعملهم به في أمورهم العادية. والفرق بين هذا الوجه وسابقه : أن الوجه السابق كان دعوى سيرة خصوص المسلمين على العمل بالخبر الواحد في الشرعيات ، وهذا الوجه دعوى سيرة العقلاء وبنائهم على العمل بخبر الثقة في جميع أمورهم ، لا خصوص المسلمين ، هذا. وقد جعله شيخنا الأعظم رابع تقارير الإجماع ، فقال : «الرابع استقرار طريقة العقلاء طرّاً على الرجوع إلى خبر الثقة في أمورهم العادية ، ومنها الأوامر الجارية من الموالي إلى العبيد ، فنقول : ان الشارع ان اكتفي بذلك منهم في الأحكام الشرعية فهو ، وإلّا وجب عليه ردعهم وتنبيههم على بطلان سلوك هذا الطريق في الأحكام الشرعية كما ردع في مواضع خاصة ... إلخ».

(٣) تعليل لقوله : «ولم يردع» وضمير «عنه» راجع إلى العمل بخبر الثقة ، وضمير «انه» إلى الردع المستفاد من العبارة ، فمرجع الضمير معنوي.

(٤) أي : لو ثبت الردع لاشتهر وبان ، فـ «كان» هنا تامة.

(٥) أي : بالعمل بخبر الثقة ، وضمير «أنه» راجع إلى عدم الردع.

٥١٣

في الشرعيات أيضا (١).

ان قلت (٢) : يكفي في الردع الآيات الناهية والروايات المانعة عن اتباع غير العلم ، وناهيك (٣) قوله تعالى : «ولا تقف ما ليس لك به علم» ، وقوله تعالى : «ان الظن لا يغني من الحق شيئاً».

قلت : لا يكاد يكفي تلك الآيات في ذلك (٤) ، فانه ـ مضافاً إلى أنها وردت إرشاداً إلى عدم كفاية الظن في أصول الدين ،

______________________________________________________

(١) قيد لـ «خصوص الشرعيات» يعني : كرضاه بعملهم به في غير الشرعيات.

(٢) هذا إشكال على التمسك ببناء العقلاء ، وقد ذكره الشيخ الأعظم بعد التقرير الرابع للإجماع ، وقال : «فان قلت : يكفي في ردعهم الآيات المتكاثرة والاخبار المتظافرة بل المتواترة على حرمة العمل بما عدا العلم» وتوضيحه : أن بناء العقلاء على العمل بخبر الثقة في كافة أمورهم وان كان مسلّماً ، ولكن من المعلوم أن التشبث به منوط بإمضاء الشارع له ، إذ ليس بنفسه حجة ، ولم يثبت إمضاء الشارع له ، بل ثبت ردعه عنه ، لأن عموم أو إطلاق الآيات الناهية عن العمل بغير العلم ، وكذا عموم الروايات المتقدمة في أدلة المانعين يشمل هذا البناء العقلائي أيضا ، فيصير مورداً للردع ، ومعه لا عبرة به حتى يتمسك به لحجية خبر الواحد.

(٣) اسم فاعل من «نهى ينهى» ، معناه : أن ما نذكره من الآيات والروايات ينهاك عن تطلب غيره.

(٤) أي : في الردع ، وضمير «فانه» للشأن ، وقد أجاب المصنف عن الإشكال المتقدم بوجوه ثلاثة : الأول : ما أشار إليه بقوله : «مضافاً إلى ...» وحاصله : أن مورد هذه الآيات الناهية هو خصوص أصول الدين ، ولا ربط لها بما نحن فيه أعني إثبات حجية خبر الواحد في الفروع ، فيكون النهي عن اتباع الظن

٥١٤

ولو سلم (١) ، فانما المتيقن لو لا (٢) أنه المنصرف إليه إطلاقها

______________________________________________________

في أصول الدين إرشاداً إلى حكم العقل بعدم كفاية الظن فيها ، وهو كما ترى أجنبي عن المقام.

(١) يعني : ولو سلم إطلاق النهي الوارد في الآيات والروايات ليشمل العمل بالخبر الواحد في فروع الدين أيضا ، فانما ... إلخ ، وهذا هو الوجه الثاني ، وحاصله : أن النهي ـ بعد تسليم إطلاقه في الآيات والروايات ـ منصرف إلى خصوص الظن الّذي لم يقم على اعتباره حجة ، أو هو مجمل ، والمتيقن منه هو ذلك ـ أي الّذي لم يقم على اعتباره دليل ـ ، وعلى التقديرين لا يشمل بناء العقلاء الّذي هو حجة عندهم ، فالمراد بالحجية في قوله : «لم يقم على اعتباره حجة» أعم من الحجة الشرعية والعقلائية ، إذ لو كان المقصود خصوص الحجة الشرعية لكان بناء العقلاء مندرجاً فيما لم تقم على اعتباره حجة شرعية ، ولتم الإشكال المذكور على العمل بخبر الواحد ببناء العقلاء.

وبالجملة : فقوله : «لو سلم بحسب التحليل إشارة إلى جوابين :

أحدهما : دعوى انصراف إطلاق الآيات إلى خصوص الأمارة غير المعتبرة.

ثانيهما : دعوى تيقنها ، أي : تيقن الأمارة غير المعتبرة من إطلاقها لو فرض إجمالها ، وعدم وجود ما ينصرف إليه إطلاقها كما لا يخفى.

(٢) هذه جملة معترضة ، وهي إشارة إلى انصراف الإطلاق بعد تسليمه كما عرفت توضيحه ، وضمير «أنه» راجع إلى اللام الموصولة في «المنصرف» المراد بها ـ المتيقن ـ يعني : لو لا أن المتيقن هو الّذي ينصرف إليه إطلاق الآيات والروايات ، و «هو خصوص» خبر «المتيقن» والأولى سوق العبارة هكذا : «فانما المتيقن هو خصوص الظن الّذي لم يقم على اعتباره حجة لو لا أنه المنصرف إطلاقها إليه» لوجهين :

٥١٥

هو خصوص الظن الّذي لم يقم على اعتباره حجة (١) ـ لا يكاد (٢) يكون الردع بها الا على وجه دائر ، وذلك لأن الردع بها يتوقف على عدم

______________________________________________________

أحدهما : أن يرجع ضمير «أنه» إلى «خصوص الظن» ، إذ لا بد من فرض المرجع ما يلائم صورتي الإجمال وعدمه ، وهو الّذي لم يقم على اعتباره دليل ، ولو تركت العبارة بحالها ، فان رجع ضمير «أنه» إلى المتيقن ـ كما هو المنسبق إليه الذهن ـ لم يستقم المعنى ، إذ لا معنى لكون المتيقن هو المنصرف إليه ، لأن القدر المتيقن يكون في فرض الإجمال ، والانصراف في فرض عدم الإجمال ، وهما متناقضان. وان رجع ضميره إلى قوله : «خصوص الظن» سلم من هذا الإشكال ، لكنه يلزم عود الضمير إلى المتأخر لفظاً ورتبة ، وهو غير جائز ، اللهم إلّا أن يحذف ضمير «أنه» فيكون قوله : «هو خصوص الظن» مورداً لتنازع «المتيقن» و «أن» لأن كلّا منهما حينئذ يطلبه خبراً له ، وتستقيم العبارة لفظاً ومعنى كما لا يخفى.

الثاني : أن لا ينسبق إلى الذهن قراءة «المنصرف» بصيغة المفعول وجعل «إليه» متمماً له.

(١) كالشهرة الفتوائية التي لم ينهض دليل على اعتبارها.

(٢) خبر «فانه» في قوله : «فانه مضافاً» وهذا هو الوجه الثالث والجواب الأصلي عن الإشكال ، وتوضيحه : أنه لا يمكن أن تكون الآيات الناهية رادعة للسيرة العقلائية ، لأن ردعها مستلزم للدور ، وذلك لأن رادعية عموم الآيات للسيرة موقوفة على حجية هذا العموم ، إذ لو لم يكن حجة لم يكن رادعاً ، وحجية هذا العموم موقوفة على عدم كون السيرة ـ التي هي أخص من العموم ـ مخصِّصة له ، إذ لو كانت مخصصة له لم يبق لها عموم حتى تكون بعمومها حجة رادعة عن السيرة ، وعدم مخصصية السيرة لعموم الآيات موقوف على عموميتها ، وعموميتها موقوفة على عدم مخصصية السيرة لها.

٥١٦

تخصيص عمومها أو تقييد إطلاقها (١) بالسيرة على اعتبار خبر الثقة ، وهو (٢) يتوقف على الردع عنها بها [بها عنها] ، وإلّا (٣) لكانت مخصصة أو مقيدة لها [بها] كما لا يخفى.

______________________________________________________

وبالجملة : فرادعية هذه الآيات موقوفة على عموميتها ، وعموميتها موقوفة على عدم مخصصية السيرة لها ، وعدم مخصصية السيرة لها موقوف على عموميتها ، وعموميتها موقوفة على رادعيتها للسيرة ، فرادعيتها موقوفة على رادعيتها ، وهو دور واضح.

وبعبارة مختصرة نقول : ردع الآيات عن السيرة متوقف على عدم كون السيرة مخصصة لها ، إذ لو كانت مخصصة لها لم تردع عنها ، وعدم كون السيرة مخصصة لها متوقف على كون الآيات رادعة عنها ، إذ لو لم تردع عنها كانت السيرة مخصصة لها ، فردع الآيات عن السيرة متوقف على ردعها عن السيرة ، وهو دور.

(١) هذا الضمير وضمائر «بها» في الموضعين و «عمومها ، إطلاقها» راجعة إلى الآيات والروايات الناهية ، و «على اعتبار» متعلق بـ «بالسيرة» وقوله : «وذلك» بيان للدور.

(٢) أي : وعدم تخصيص الآيات أو عدم تقييدها بالسيرة يتوقف على الردع عن السيرة بالآيات. والحاصل : أن ردع السيرة بالعمومات غير ممكن.

(٣) أي : وان لم تكن الآيات رادعة عن السيرة لكانت السيرة مخصصة أو أو مقيدة للآيات الناهية.

هذا بناءً على أن النسخة «لها» باللام ، وأما بناءً على أنها «بها» بالباء ـ كما في بعض النسخ ـ فالمعنى : وان لم تكن الآيات رادعة عن السيرة كانت

٥١٧

لا يقال : على هذا (١) لا يكون اعتبار خبر الثقة بالسيرة أيضا (٢) إلّا على وجه دائر ، فان (٣) اعتباره بها فعلا يتوقف على عدم الردع بها عنها (٤) ، وهو (٥) (*) يتوقف على تخصيصها بها ، وهو (٦) يتوقف على عدم

______________________________________________________

مخصّصة ـ بالفتح ـ بالسيرة يعني أن السيرة تخصصها حينئذ ، والأمر سهل.

(١) أي : بناءً على استلزام رادعية الآيات للسيرة للدور لا يكون ... إلخ ، وغرضه من هذا الإشكال : عدم إمكان التشبث بالسيرة لإثبات حجية خبر الثقة ، لاستلزامه الدور المذكور أيضا ، توضيحه : أن حجية خبر الثقة موقوفة على حجية السيرة ، لأنها ـ حسب الفرض ـ دليل اعتبار خبر الثقة ، والمفروض أن حجية السيرة موقوفة على عدم رادعية الآيات لها ، وعدم رادعية الآيات لها موقوف على مخصصية السيرة لها ، ومخصصية السيرة لها موقوفة على حجية السيرة ، وحجية السيرة موقوفة على عدم رادعية الآيات لها ، وعدم رادعية الآيات لها موقوف على حجيتها ، فحجية السيرة موقوفة على حجية السيرة ، وهو دور ، ولزوم هذا الدور مانع عن ثبوت حجية السيرة ، ومع عدم ثبوت حجيتها كيف يصح جعلها دليلا على اعتبار خبر الثقة؟

(٢) يعني : كما لم يكن ردع الآيات عن السيرة الا على وجه دائر.

(٣) أي : فان اعتبار خبر الثقة بالسيرة ، وهذا تقريب للدور ، وقد عرفته.

(٤) أي : عدم الردع بالآيات عن السيرة.

(٥) أي : وعدم الردع يتوقف على تخصيص الآيات بالسيرة.

(٦) أي : وتخصيص الآيات بالسيرة يتوقف على عدم ردع الآيات عن السيرة ، فضمير «بها» راجع إلى الآيات ، و «عنها» إلى السيرة.

__________________

(*) لا يخفى أنه بناء على اعتبار خبر الثقة ببناء العقلاء لا تصلح الآيات

٥١٨

الردع بها عنها.

فانه يقال (١) : انما يكفي في حجيته بها عدم ثبوت الردع عنها ،

______________________________________________________

(١) هذا جواب الإشكال ، ومحصله : منع الدور بمنع التوقف الثاني ـ وهو توقف وجوب اتباع السيرة على ثبوت عدم الردع بتلك الآيات عنها ، وأن القدر المسلم توقفه على عدم ثبوت الردع عنها ، لا توقفه على ثبوت عدم الردع عنها ـ وتوضيحه : أن اعتبار خبر الثقة بالسيرة لا يتوقف على عدم الردع الواقعي عن السيرة ، بل يتوقف على عدم العلم بالردع عنها ، فعدم العلم بالردع كاف في اعتبار السيرة ، فيثبت بها اعتبار خبر الثقة ، كما أن عدم ثبوت الردع كاف أيضا في تخصيص العموم بالسيرة ، فإذا لم يعلم بالردع كفى ذلك في اعتبار السيرة ، ويثبت به اعتبار خبر الثقة حينئذ ، وعدم ثبوت الردع كاف في تخصيص العموم بالسيرة. والوجه في جواز الركون إلى السيرة مع عدم ثبوت الردع عنها : أن المناط في الإطاعة والمعصية ـ اللتين يحكم العقل بحسن الأولى وقبح الثانية ـ هو ما يكون عند العقلاء طاعة وعصياناً ، وحينئذ

__________________

الناهية للردع عنه ، لخروجه عن موضوع الآيات تخصصاً ، لما مر في بعض التعاليق من عدم بناء العقلاء على العمل بالظن ، فلا يعملون بخبر الثقة إلّا إذا أفاد الاطمئنان الّذي هو علم عادي ، فخبر الثقة على هذا خارج موضوعاً عن الآيات الناهية ، ولا يرى العقلاء من يعمل بخبر الثقة عاملا بالظن ومخاطباً بمثل قوله تعالى : ولا تقف ما ليس لك به علم.

ثم ان الرادعية والمخصصية من الأمور المتضادة ، وقد ثبت في محله : أنه لا مقدمية بين عدم أحد الضدين ووجود الآخر ، فتعبير المصنف (قده) «بتوقف التخصيص على عدم الردع وتوقف الردع على عدم التخصيص» لا يخلو عن المسامحة.

نعم وجود كل منهما يلازم عدم الآخر ، وهذا غير التوقف والمقدمية.

٥١٩

لعدم (١) نهوض ما يصلح لردعها ، كما يكفي في تخصيصها لها (٢) ذلك (٣) كما لا يخفى ، ضرورة (٤) أن ما جرت عليه السيرة المستمرة في مقام الإطاعة والمعصية وفي استحقاق العقوبة بالمخالفة وعدم استحقاقها (*) مع الموافقة ولو في صورة المخالفة عن الواقع يكون (٥) عقلا في الشرع

______________________________________________________

فإذا كان خبر الثقة حجة عندهم ـ إذ المفروض عدم ثبوت ردع الشارع عنها ـ كان موافقته ومخالفته طاعة وعصياناً بنظرهم ، فإذا كانت موافقته طاعة وجبت عقلا ، لصدق الإطاعة عليها بنظر العقلاء ، وكذا تحرم مخالفته عقلا ، لكونها معصية عندهم أيضا.

فالمتحصل : أن ما يكون عند العقلاء طاعة يجب عقلا ، وما يكون عندهم معصية يحرم كذلك.

(١) تعليل لعدم ثبوت الردع ، ووجه عدم النهوض ما عرفت من عدم صلاحية الآيات والروايات الناهية عن اتباع غير العلم للردع عن السيرة ، لاستلزامه الدور.

(٢) أي : في تخصيص السيرة للآيات ، وضمائر «لردعها ، عنها ، بها» راجعة إلى السيرة ، وضمير «حجيته» راجع إلى خبر الثقة.

(٣) فاعل «يكفى» والمشار إليه : عدم ثبوت الردع عن السيرة.

(٤) تعليل لـ «يكفى» وقد عرفته بقولنا : «والوجه في جواز ... إلخ».

(٥) خبر «أن ما جرت» وقوله : «ولو في صورة» قيد لقوله : «وفي استحقاق العقوبة وعدم استحقاقها» وهو إشارة إلى الفرد الخفي من الإطاعة والمعصية ،

__________________

(*) الأولى سوق العبارة هكذا : «وفي استحقاق العقوبة بالمخالفة ، والمثوبة بالموافقة ولو في صورة المخالفة للواقع يكون عقلا ... إلخ».

٥٢٠