منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

وأن (١) تعليق الحكم بإيجاب التبين (٢) عن النبأ الّذي جيء به على (٣) كون الجائي به الفاسق [فاسقاً] يقتضي انتفاءه عند انتفائه.

ولا يخفى أنه على هذا التقرير لا يرد (٤) أن الشرط في القضية

______________________________________________________

ومقتضى الوجهين الأولين أن وجود وصف الفسق في المخبر موجب للتبين في خبره مطلقاً يعني سواء حصل الاطمئنان العرفي بقوله أم لا ، وسواء خيف الوقوع في الندم إذا لم يتبين أم لا ، وعدم وجوده فيه ـ كما في خبر العادل ـ لا يوجب التبين مطلقاً كما ذكر. ومقتضى الثالث أن عدم الاطمئنان العرفي بخبر المخبر موجب للتبين ، ووجوده لا يوجبه سواء أكان المخبر فاسقاً أم لا. ومقتضى الرابع أن خوف الوقوع في الندم ـ كما في خبر الفاسق ـ موجب للتبين ، وعدم خوفه ـ كما في خبر العادل ـ لا يوجبه. ومقتضى الخامس أن النبأ يجب فيه التبين ان كان الجائي به فاسقاً سواء خيف الوقوع في الندم أم لا ، وسواء حصل الاطمئنان العرفي بقوله أم لا ، ولا يجب فيه التبين ان لم يكن الجائي به فاسقاً مطلقاً كما ذكر.

(١) عطف تفسير للاستدلال بمفهوم الشرط.

(٢) المستفاد من قوله تعالى : «فتبينوا».

(٣) متعلق بـ «تعليق» وضمير «به» في الموضعين راجع إلى النبأ ، و «الفاسق» أو «فاسقاً» خبر «كون» ، و «يقتضي» خبر «أن» يعني : أن التعليق المذكور يقتضي انتفاء وجوب التبين عند انتفاء كون الجائي به فاسقاً.

(٤) وجه عدم الورود : أن الموضوع ـ بناء على هذا التقرير كما عرفته ـ هو النبأ بما هو نبأ ، وهو باق بعد انتفاء الشرط وهو مجيء الفاسق ، لا أنه النبأ الّذي جاء به الفاسق حتى يكون الشرط ـ أعني مجيء الفاسق ـ جزء

٤٤١

لبيان تحقق الموضوع (١) ، فلا (٢) مفهوم له أو مفهومه السالبة بانتفاء

______________________________________________________

الموضوع ومحقّقاً له لينتفي الموضوع بانتفائه ، ولا يثبت له مفهوم أو يكون مفهومه قضية سالبة بانتفاء الموضوع.

(١) هذا أحد الإشكالين اللذين تعرض لهما شيخنا الأعظم (قده) وادعى أنه لا يمكن الجواب عنهما ، قال بعد تقريبين للاستدلال بالآية الشريفة ـ أي بمفهوم الشرط والوصف ـ : «ان الاستدلال ان كان راجعاً إلى اعتبار الوصف ـ أعني الفسق ـ ففيه : أن المحقق في محله عدم اعتبار المفهوم في الوصف ... إلى أن قال : وان كان باعتبار مفهوم الشرط كما يظهر من المعالم والمحكي عن جماعة ، ففيه أن مفهوم الشرط عدم مجيء الفاسق بالنبإ ، وعدم التبين هنا لأجل عدم ما يتبين ، فالجملة الشرطية هنا مسوقة لبيان تحقق الموضوع ، كما في قول القائل : ان رزقت ولداً فاختنه ... إلخ» فراجع ، ومقصوده (قده) بقوله : «وعدم التبين هنا لأجل عدم ما يتبين» أن عدم وجوب التبين لأجل عدم وجود ما يتبين ـ كما هو المستفاد من المفهوم ـ وهو قولنا : «ان لم يجئ الفاسق بالنبإ فلا يجب التبين فيه» لا يثبت عدم وجوب التبين فيما إذا كان الجائي به عادلا كما لا يخفى.

(٢) يعني : بعد أن كان الشرط مسوقاً لبيان الموضوع ، فلا يبقى للآية دلالة على المفهوم ، لأن المفهوم عبارة عن نفي المحمول ـ وهو الحكم ـ عن الموضوع المذكور في القضية إذا لم يتحقق الشرط مثلا ، كنفي وجوب الإكرام عن زيد عند عدم تحقق الشرط ـ وهو المجيء ـ في قولنا : «ان جاء زيد وجب إكرامه» الراجع إلى قولنا : «زيد واجب الإكرام ان جاء» فان مفهومه «زيد غير واجب الإكرام ان لم يجئ». وعلى هذا فالآية الشريفة لا تدل على المفهوم ، لأن الموضوع فيها خصوص نبأ الفاسق ، وهو منتف ، لا طبيعة النبأ حتى يكون باقياً لتدل قضية المنطوق على المفهوم ، وحينئذ فلا يستفاد منها أن

٤٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

خبر العادل لا يجب فيه التبين ، إذ من المعلوم أن عدم وجوب التبين عن خبر العادل ليس مفهوماً لوجوب التبين في خبر الفاسق ، إذ المفروض انتفاء نبأ الفاسق ـ الّذي هو الموضوع في المنطوق ـ في خبر العادل.

والحاصل : أنه إذا كان الشرط مسوقاً لتحقق الموضوع ـ كما اشتهر ـ فبناءً على عدم دلالة الشرط على التعليق ـ يعني تعليق وجوب التبين عن النبأ على مجيء الفاسق به ـ لا يبقى مفهوم للجملة الشرطية ، وتكون كالجملة اللقبية في عدم الدلالة على المفهوم ، فكأنه قال : «الفاسق يجب التبين عن نبئه» فانه لا يدل على أن العادل لا يجب التبين عن نبئه ، فهو كقولنا : «زيد يجب إكرامه» فانه لا يدل على «أن عمراً لا يجب إكرامه». وأما بناءً على دلالته على التعليق يبقى له مفهوم ، لكنه قضية سالبة بانتفاء الموضوع وهي قولنا : «ان لم يجئ الفاسق بالنبإ لم يجب التبين» فلا يثبت المطلوب وهو عدم وجوب التبين في خبر العادل ، لا سالبة بانتفاء المحمول كقولنا : «ان جاء العادل بنبإ لم يجب التبين» حتى يثبت المطلوب.

والوجه في عدم كون المفهوم حينئذ قضية سالبة بانتفاء المحمول ما تقرر في محله من اعتبار جميع القيود المعتبرة في المنطوق ـ حتى الزمان والمكان فضلا عن الموضوع ـ في المفهوم ، وعدم جواز اختلافهما الا في السلب والإيجاب ، وحينئذ فلو جعل المفهوم عدم وجوب التبين في خبر العادل لزم اختلاف الموضوع في المنطوق والمفهوم ، إذ الموضوع في الأول هو نبأ الفاسق ، وإثبات الحكم المفهومي لخبر العادل إثبات له في غير موضوع المنطوق ، فلا بدّ ـ تخلصاً من هذا المحذور ـ من كون المفهوم حينئذ قضية سالبة بانتفاء الموضوع ، هكذا قيل.

٤٤٣

الموضوع ، فافهم (١).

نعم (٢) لو كان الشرط هو نفس تحقق النبأ ومجيء الفاسق به

______________________________________________________

والحاصل : أنه بناء على أن الشرط في الآية الشريفة مسوق لبيان الموضوع فاما أن لا يكون لها مفهوم أو يكون مفهومها قضية سالبة بانتفاء الموضوع ، وعلى كلا التقديرين لا دلالة لها على عدم وجوب التبين في خبر العادل ، هذا.

ولا يخفى أن المذكور في تقريب الإشكال ـ كما نقلناه عن الرسائل ـ هو أن مفهوم الآية الشريفة قضية سالبة بانتفاء الموضوع. وأما تقريبه بعدم تحقق مفهوم لها أصلا كما نبه عليه في المتن بقوله : «فلا مفهوم له» فلم يذكره الشيخ الأعظم ، وانما اختص المصنف ببيانه هنا وفي حاشية الرسائل مستشكلا على الشيخ ، حيث قال فيها : «والحاصل : أن القضية الشرطية المسوقة لتحقق الموضوع لا مفهوم لها أصلا كي يلاحظ أنها سالبة منتفية الموضوع أو المحمول ...

فانقدح بذلك أن التزامه (قده) بالمفهوم كما يظهر من الجواب عمن جعل المفهوم فيها السالبة المنتفية بانتفاء المحمول ـ بأن المفهوم في الآية وأمثالها ليس قابلا لغير السالبة بانتفاء الموضوع ـ في غير محله ، وأنه من باب اشتباه ما يستقل به العقل من انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه مطلقاً بما هو مدلول اللفظ».

(١) لعله إشارة إلى : أنه لو فرض كون الشرط مسوقاً لتحقق الموضوع تعين أن لا يكون له مفهوم ، لا الترديد بينه وبين أن يكون له مفهوم وهو قضية سالبة بانتفاء الموضوع ، وذلك لعدم انطباق ضابط المفهوم عليه حينئذ كما تقدم.

(٢) استدراك على قوله : «لا يرد» وحاصله : أنه بناء على كون شرط وجوب التبين مؤلفاً من النبأ ومجيء الفاسق به ـ كما عليه شيخنا الأعظم ـ يرد إشكال كون القضية مسوقة لبيان تحقق الموضوع ، وأن مفهومه سالبة بانتفاء الموضوع ،

٤٤٤

كانت (١) القضية الشرطية مسوقة لبيان تحقق الموضوع.

مع أنه (٢) يمكن أن يقال : ان القضية وان كانت [ولو كانت] مسوقة لذلك (٣) ، إلّا أنها ظاهرة (٤) في انحصار موضوع وجوب التبين في النبأ الّذي جاء به الفاسق ، فيقتضي (٥) انتفاء وجوب التبين عند انتفائه

______________________________________________________

فلا يصلح للاستدلال بمفهومه على حجية خبر العادل ، لأنه نظير : «ان رزقت ولداً فاختنه» حيث ان عدم وجوب الختان لأجل عدم موضوعه ـ وهو الولد ـ فبناء على تقرير الشيخ قدس‌سره من تركب موضوع وجوب التبين من النبأ ومجيء الفاسق به يكون الموضوع النبأ الّذي جاء به الفاسق ، لا مطلق النبأ حتى لا يجب التبين فيما إذا جاء به العادل ، فإذا انتفى أحد جزأي الموضوع ـ وهو مجيء الفاسق به ـ انتفى الموضوع رأساً ، فلا ينعقد للقضية مفهوم ، لأنها حينئذ من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، لانتفاء المركب بانتفاء أحد جزأيه ، فعدم وجوب التبين يكون لعدم بقاء موضوعه.

(١) جواب : «لو كان» و «مجيء» بالجر معطوف على «تحقق».

(٢) غرضه إثبات المطلوب ـ أعني حجية خبر العادل ـ حتى بناء على كون الشرط محققاً للموضوع ، بمعنى أن الموضوع نبأ الفاسق لا طبيعة النبأ ، بأن يقال : ان الشرط حتى في القضية المسوقة لتحقق الموضوع يستفاد منه التعليق والانحصار ، وان الموضوع المنحصر لوجوب التبين هو نبأ الفاسق ، فينتفى عند انتفائه ووجود موضوع آخر وهو نبأ العادل.

(٣) أي : لبيان تحقق الموضوع.

(٤) بمقتضى إطلاق الشرط الظاهر في انحصار سبب وجوب التبين في فسق المخبر ، وقوله : «في النبأ» متعلق بـ «انحصار».

(٥) أي : فيقتضي انحصار السبب ـ وهو الفسق ـ انتفاء وجوب ... إلخ ،

٤٤٥

ووجود (١) موضوع آخر ، فتدبر (٢).

ولكنه يشكل (٣) بأنه ليس لها هاهنا مفهوم ولو سلم أن أمثالها

______________________________________________________

وضمير «انتفائه» راجع إلى النبأ الّذي جاء به الفاسق.

(١) بالجر عطف على «انتفائه».

(٢) لعله إشارة إلى : أن الظاهر من القضية التي سيقت لبيان تحقق الموضوع هو كون الغرض بيان الموضوع فقط ، فتكون القضية الشرطية حينئذ بمنزلة الجملة اللقبية في عدم دلالتها على الانحصار أصلا.

ويمكن أن يكون إشارة إلى ما ذكرنا من عدم انطباق ضابط المفهوم عليه ، إذ المفهوم هو نقيض المنطوق ، فلا بدّ أن يكون الجزاء ونقيضه ثابتين لنفس الموضوع المذكور في المنطوق ، فلو كان نقيض الجزاء ثابتاً لغير الموضوع المذكور في المنطوق ، لم يكن ذلك من المفهوم.

(٣) أي : ولكن الاستدلال يشكل ، وهذا ثاني الإشكالين اللذين جعلهما الشيخ الأعظم (قده) مما لا يمكن دفعه ، قال : «ان مقتضى عموم التعليل وجوب التبين في كل خبر لا يؤمن الوقوع في الندم من العمل به وان كان المخبر عادلا ، فيعارض المفهوم ، والترجيح مع ظهور التعليل ... إلخ». وحاصل الإشكال : المنع من تحقق المفهوم في المقام وان قلنا بكون الشرطية في سائر المقامات ذات مفهوم ، بيانه : أن المفهوم انما يستفاد من إطلاق المنطوق الرافع لموضوع آخر ـ أعني العدل ـ وهو المسمى بالإطلاق الآوي تارة وبالإطلاق العدلي أخرى ، مثلا إذا قال المولى : «إذا خفي الأذان فقصر» فهو مطلق يشمل صورتي خفاء الجدران أيضا وعدم خفائها ، وهذا الإطلاق يرفع الموضوع الآخر لوجوب التقصير ـ أعني خفاء الجدران ـ يعني يجعل موضوع وجوب التقصير منحصراً في خفاء الأذان ، ومن انحصاره فيه يستفاد المفهوم وهو أنه «إذا لم يخف الأذان فلا تقصر»

٤٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لكن من المعلوم ـ كما حقق في محله ـ أن هذا الإطلاق متقوم بعدم القرينة أو ما يصلح للقرينية على صرف المطلق عن إطلاقه ، فإذا كان هناك قرينة أو ما يصلح لأن يكون قرينة على صرف المطلق عن إطلاقه انتفى الإطلاق ، فلا يرتفع العدل حتى يثبت الانحصار كي يثبت المفهوم. والسر فيه واضح ، فانه مع عدم الإطلاق ووجود العدل للموضوع المذكور في القضية لا يستفاد من الشرط المعين فيها انحصار موضوع الحكم في الموضوع المذكور فيها ، فلا يتحقق لها مفهوم وهو انتفاء الحكم عند انتفاء الموضوع المذكور في المنطوق ، بخلاف صورة وجود الإطلاق الرافع للعدل ، فانه يستفاد الانحصار المذكور من الشرط ، فيتحقق المفهوم.

ففي مثال وجوب التقصير لو فرض تعليل الوجوب بما يشترك فيه خفاء الأذان والجدران كقوله : «لأنك فارقت بلدك» كان هذا التعليل قرينة مانعة عن إطلاق المنطوق الرافع للعدل ، إذ ظاهره حينئذ أن المناط في وجوب التقصير مفارقة البلد سواء تحققت بخفاء الأذان أو الجدران ، فيثبت العدل لخفاء الأذان فكأنه قال : «إذا خفي الأذان أو الجدران فقصر». وحينئذ فلا يستفاد من الشرط انحصار وجوب التقصير في خفاء الأذان ، بل يتعدى منه إلى خفاء الجدران أيضا ، فلا يثبت له المفهوم ، وهو : إذا لم يخف الأذان فلا تقصر.

وفي المقام كذلك ، يعني توجد القرينة المانعة عن الإطلاق ، وذلك لأن التعليل بـ «إصابة القوم بجهالة» مشترك بين المنطوق والمفهوم وهو نبأ العادل ، إذ المفروض عدم إفادة خبر العادل للعلم ، إذ لو أفاد العلم لخرج عن المبحث وهو التعبد بغير العلم ، فالاعتماد على نبأ العادل ـ كالاعتماد على نبأ الفاسق ـ اعتماد على ما لا يفيد العلم ، فيصير من إصابة القوم بجهالة ، واحتفاف الكلام

٤٤٧

ظاهرة في المفهوم ، لأن (١) التعليل بإصابة القوم بالجهالة المشترك (٢) بين المفهوم والمنطوق يكون قرينة على أنه ليس لها مفهوم.

ولا يخفى (٣) أن الإشكال انما يبتني على كون الجهالة بمعنى

______________________________________________________

بهذه القرينة يمنع الإطلاق الرافع للعدل ، فيثبت العدل ولا يثبت الانحصار الّذي يبنى عليه المفهوم ، فلا مفهوم لهذه الشرطية حتى يكون مقتضاه عدم وجوب التبين عن نبأ العادل.

والحاصل : أن ترتب حكم على موضوع في قضية بنحو الانحصار انما يفيد انتفاء الحكم المذكور عند انتفاء الموضوع المعبر عنه بالمفهوم إذا لم تكن هناك قرينة على بقاء ذلك الحكم بعد انتفاء ذلك الشرط أو الموضوع ، فإذا كان هناك قرينة على بقاء ذلك الحكم بعد انتفاء ذلك الشرط أو الموضوع لم يفد الترتب المذكور الانتفاء عند الانتفاء ، فلا يثبت لها مفهوم ، وفي المقام كذلك ، كما عرفت ، هذا.

ثم ان التعليل قد يوسع موضوع الحكم المعلل كقوله : «أكرم زيداً لأنه هاشمي» وقد يضيقه كقوله : «أكرم الفقهاء لأنهم عدول» وما نحن فيه من قبيل الأول ، حيث ان التعليل في الآية الشريفة بإصابة القوم بجهالة يوسع موضوع وجوب التبين فيوجبه في نبأ كل من الفاسق والعادل.

(١) تعليل لقوله : «يشكل» وتقريب للإشكال وقد عرفت توضيحه.

(٢) صفة للتعليل ، وغرضه إثبات سعة دائرة العلة واشتراكها بين نبأ العادل والفاسق.

(٣) غرضه دفع الإشكال المزبور وإثبات المفهوم للآية ، وحاصل الجواب هو : أن مبنى الإشكال كون الجهالة بمعنى عدم العلم كما هو مقتضى مادة الاشتقاق

٤٤٨

عدم العلم ، مع أن دعوى أنها (١) بمعنى السفاهة وفعل ما لا ينبغي صدوره من [عن] العاقل غير بعيدة (*).

______________________________________________________

لغة كالجهل ، إذ يكون عدم العلم مشتركاً بين خبر العادل والفاسق. لكن لا يبعد دعوى أن الجهالة حقيقة عرفاً في السفاهة ، ومن المعلوم تقدم المعنى العرفي على اللغوي عند الدوران بينهما ، فإذا كان الجهل بمعنى السفاهة التي هي عبارة عن فعل ما لا ينبغي صدوره من العاقل ، فيختص التعليل حينئذ بخبر الفاسق ، لأنه الّذي يكون الاعتماد عليه بدون تبين سفهياً ، لاحتمال تعمده الكذب ، وبهذا الاحتمال يوجب العقل التبين في خبره.

وهذا بخلاف نبأ العادل ، فان الاعتماد عليه لا يكون سفهياً ولو فرض مخالفة خبره للواقع ، لعدم احتمال تعمده للكذب ، بل نعلم بعدم تعمده له ، فالركون إليه بلا تبين لا يكون سفهياً ، وهذا الجواب قد تعرض له شيخنا الأعظم (قده) بقوله : «ثم ان المحكي عن بعض منع دلالة التعليل على عدم جواز الإقدام على ما هو مخالف للواقع بأن المراد بالجهالة السفاهة وفعل ما لا يجوز فعله لا مقابل العلم ... إلخ» فراجع.

(١) أي : أن الجهالة بمعنى السفاهة ، و «غير بعيدة» خبر «دعوى».

__________________

(*) إذ من المعلوم كون العمل بخبر الفاسق مع العلم بفسقه سفهياً ، ولا يرد عليه ما ذكره الشيخ بعد عبارته المتقدمة بقوله : «وفيه مضافاً إلى كونه خلاف ظاهر لفظ الجهالة أن الإقدام على مقتضى قول الوليد لم يكن سفاهة قطعاً ، إذ العاقل بل جماعة من العقلاء لا يقدمون على الأمور من دون وثوق بخبر المخبر بها ، فالآية تدل على المنع عن العمل بغير العلم .. إلخ» وذلك لأنهم لم يعلموا فسق الوليد ، فنبههم الله تعالى على فسقه حتى يلتفتوا إلى أن إقدامهم يكون من السفاهة. هذا كله على تقدير تسليم إقدامهم كما ورد من غير طرقنا ، وإلا فالإقدام

٤٤٩

ثم انه لو سلم تمامية دلالة الآية (١) على حجية خبر العدل ربما أشكل (٢) شمول مثلها للروايات الحاكية لقول الإمام عليه‌السلام

______________________________________________________

(١) بناء على أن موضوع وجوب التبين طبيعة النبأ حتى يصح الاستدلال بمفهوم الشرط كما عرفت توضيحه.

(٢) هذا إشكال آخر على الاستدلال بجميع أدلة حجية خبر الواحد من دون اختصاص له بآية النبأ ، بخلاف الإشكالات المتقدمة ، فانها مختصة بها ، وقد أشار إلى عدم اختصاص هذا الإشكال بآية النبأ بقوله : «مثلها». والغرض من هذا الإشكال : أن المقصود من حجية خبر الواحد ـ وهو إثبات السنة بالأخبار التي وصلت إلينا مع الواسطة عن الحجج المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ـ لا يترتب على حجيته ، لقصورها عن ذلك ، توضيحه : أن حجية الخبر ـ المعبر عنها بوجوب تصديق العادل ـ انما هي بلحاظ الأثر الشرعي الثابت للمخبر به ، إذ لو لم يكن له أثر شرعي كانت الحجية لغواً ، فإذا أخبر بأن زيداً مجتهد مثلا ، فوجوب تصديقه لا بد أن يكون بلحاظ أثره الشرعي كجواز التقليد المترتب على اجتهاد زيد ، وإلّا كان وجوب تصديقه لغوا ، وحينئذ فوجوب تصديقه المستفاد من دليل حجية الخبر حكم ، وخبره والمخبر به وهو اجتهاد زيد وأثره الشرعي وهو جواز تقليده موضوع ، ومن المعلوم لزوم تغاير كل حكم مع موضوعه ، وعدم إمكان اتحادهما ، فإذا لم يكن في مورد أثر شرعي للخبر إلّا نفس وجوب التصديق الثابت بدليل حجية الخبر لم يمكن ترتيب هذا الأثر على وجوب

__________________

غير معلوم أصلا.

وبالجملة : فيندفع اشتراك التعليل بجعل الجهالة بمعنى السفاهة ، ويختص بنبإ الفاسق. لكن الإشكال كله في دلالة الآية على المفهوم ، لما عرفت من ابتنائه على كون الموضوع طبيعة النبأ ، وهو غير ثابت فتدبر جيداً.

٤٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

تصديق المخبر ، لأنه يلزم اتحاد الحكم والموضوع ، وقد عرفت لزوم تغايرهما ، والمقام من هذا القبيل ، يعني : لو أردنا استفادة حجية الخبر من آية النبأ لزم في الخبر الواسطة اتحاد الحكم والموضوع.

مثلا إذا أخبرنا الشيخ بقوله : «أخبرني المفيد عن الصدوق عن فلان رضي‌الله‌عنهم» لم يترتب على المخبر به ـ أعني اخبار المفيد ـ سوى وجوب التصديق ، لأن نفس السنة كقول الإمام عليه‌السلام أثر لخبر المخبر عنه عليه‌السلام بلا واسطة كزرارة ، وحينئذ فوجوب تصديق خبر الشيخ (قده) ـ بمقتضى آية النبأ ـ حكم ، ونفس خبر الشيخ (قده) والمخبر به ـ أعني خبر المفيد ـ وأثره الشرعي ـ وهو وجوب تصديقه ـ موضوع ، إذ المفروض وجوب تصديق خبر المفيد أيضا بمقتضى الآية ، وأنه لا أثر لوجوب تصديق الشيخ سوى تصديق المفيد قدس‌سرهما ، فيلزم اتحاد الحكم والموضوع ، لأن وجوب التصديق ـ مضافاً إلى الشيخ ـ حكم لخبر الشيخ ، وهو ـ أي وجوب التصديق ـ بنفسه مضافاً إلى المفيد موضوع لنفسه مضافاً إلى الشيخ ، واتحاد الحكم والموضوع محال.

ولا يخفى أن هذا الإشكال على الاخبار الوسائط قد قرر بوجوه :

الأول : اتحاد الحكم والموضوع ، كما تقدم تقريبه.

الثاني : عدم ترتب حكم شرعي على وجوب تصديق العادل ، إذ الأثر الشرعي أعني نفس السنة ليس قول المفيد مثلا ، ولا قول من قبله من الوسائط حتى يثبت بتصديقهم ، وانما هو قول زرارة مثلا الراوي عن الإمام عليه‌السلام بلا واسطة ، كما أشرنا إليه في تقريب الوجه الأول.

الثالث : إثبات الموضوع بالحكم المستلزم لتقدمه على الموضوع ، مع أنه لا بد من تأخر الحكم عن موضوعه. وبعبارة أخرى : لو كان الأثر المترتب

٤٥١

بواسطة (١)

______________________________________________________

على وجوب التصديق نفس وجوب التصديق الآتي من قبل دليل اعتبار خبر العادل لَزِم أن يكون الحكم مولِّداً لموضوع نفسه ، ضرورة أن قول الشيخ مثلا : «حدثني المفيد» لا أثر له إلّا وجوب تصديقه الناشئ من دليل اعتبار الخبر ، وكذا لا أثر لقول المفيد : «حدثني الصدوق» الا وجوب تصديقه كذلك. بل يلزم أن يكون الحكم بالنسبة إلى خبر من لم نشاهده من الوسائط مولِّداً لنفس الخبر أيضا ، لأن الحكم ـ أعني وجوب التصديق ـ هو الّذي يصيِّر الخبر خبراً يعني يحقق خبريته ، فيكون مولِّداً له كخبر من قبل الشيخ ، فانه ـ بعد تصديق خبر الشيخ ـ يتولد «حدثني الصدوق» الّذي هو خبر المفيد قدس الله أسرارهم.

وتظهر هذه الوجوه الثلاثة من المتن كما سيأتي الإشارة إليه ، لكنه في حاشية الرسائل اقتصر في تقرير الإشكال على الوجهين الأولين ، فراجع. وقد تعرض الشيخ الأعظم (قده) لهذا الإشكال ، فقال : «ويشكل بأن الآية انما تدل على وجوب تصديق كل مخبر ، ومعنى وجوب تصديقه ليس إلّا ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على صدقه عليه ... إلى أن قال : وبعبارة أخرى : الآية لا تدل على وجوب قبول الخبر الّذي لم يثبت موضوع الخبرية له إلّا بدلالة الآية على وجوب قبول الخبر ، لأن الحكم لا يشمل الفرد الّذي يصير موضوعاً له بواسطة ثبوته لفرد آخر ... إلخ».

(١) الظاهر أنه من سهو الناسخ أو من قلمه الشريف ، والصواب أن يقال : «بواسطتين أو وسائط» وذلك لأن مناط الإشكال في أخبار الوسائط ـ وهو عدم الأثر الّذي هو موضوع دليل الاعتبار ـ مفقود في خبر الواسطة كزرارة الراوي عن الإمام عليه‌السلام ، لأنه إذا نقل زرارة كلامه عليه‌السلام لحريز مثلا ،

٤٥٢

أو وسائط (١) ، فانه (٢) كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق الّذي (٣) ليس إلّا بمعنى وجوب ترتيب ما للمخبر به من الأثر الشرعي بلحاظ (٤)

______________________________________________________

فيكون لخبر زرارة أثر شرعي وهو قول الإمام عليه‌السلام ، فيشمله دليل اعتبار خبر الواحد بلا تكلف ، كسائر الموضوعات ذوات الآثار.

إلّا أن يقال : ان المراد هو الواسطة بين الراوي عن الإمام عليه‌السلام وبيننا ، لا بينه عليه‌السلام وبيننا ، كما إذا فرض أن المفيد قال : «حدثني الصدوق حدثني الصفار قال كتبت إلى الإمام عليه‌السلام ... إلخ» فان المفيد ينقل عن الصفار بواسطة واحدة ، ولا يكون لخبر المفيد عن الصدوق أثر شرعي سوى وجوب التصديق. لكنه خلاف ظاهر العبارة بل صريحها ، حيث قال : «للروايات الحاكية لقول الإمام عليه‌السلام بواسطة» فان الواسطة الواحدة انما هي بين من يكون كلامه متضمناً لقول الإمام عليه‌السلام وبين غيره ، فتأمل في العبارة.

(١) كما في اسناد الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال عن محمد بن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن معمر بن يحيى ، قال : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا يسأل الله عبداً عن صلاة بعد الخمس» (١).

(٢) الضمير للشأن ، وهذا تقريب للإشكال وقد تقدم توضيحه.

(٣) صفة لـ «وجوب التصديق» و «من الأثر» بيان للموصول.

(٤) حال لوجوب التصديق ومتعلق به ، يعني : أنه كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق حال كونه نفس وجوب التصديق المستفاد من الدليل.

والحاصل : أنه كيف يمكن أن يتولد الموضوع من الحكم مع تقدمه عليه تقدم العلة على المعلول ، وهذا هو التقرير الثالث من وجوه تقرير الإشكال على

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الصلاة ، الباب ٢ من أبواب أعداد الفرائض ، الحديث ٤.

٤٥٣

نفس هذا الوجوب فيما (١) كان المخبر به خبر العدل أو عدالة المخبر (٢) ، لأنه (٣) وان كان أثراً شرعياً لهما ، إلّا أنه (٤) بنفس الحكم

______________________________________________________

أخبار الوسائط.

(١) متعلق بـ «الحكم» في قوله : «كيف يمكن الحكم» أي : كيف يمكن الحكم بوجوب التصديق بلحاظ نفس هذا الوجوب في مورد يكون المخبر به خبر العدل أو عدالة الراوي. وبعبارة أخرى : إذا كان المخبر به خبر عدل كالمفيد أو عدالة مخبر ، فلا يمكن ترتيب هذا الأثر عليه بمعنى الحكم بوجوب تصديق هذا الخبر ـ الثابت هذا الوجوب بنفس دليل وجوب تصديق الخبر ـ وذلك كخبر الصدوق الثابت بقول المفيد للشيخ ، حيث قال الشيخ : «حدثني المفيد» فان المخبر به هو قول المفيد : «حدثني الصدوق» وهذا خبر عدل لا أثر له الا وجوب التصديق الثابت هذا الوجوب بنفس دليل وجوب تصديق المخبر وهو الشيخ (قده).

(٢) كما إذا أخبر معلوم العدالة بعدالة بعض المؤرخين كالمسعودي أو صاحب ناسخ التواريخ أو أبي مخنف أو نحوهم ، فان عدالة أمثال هؤلاء لا أثر لها الا وجوب التصديق والبناء على صدقهم في نقلهم.

(٣) أي : لأن وجوب تصديق خبر العدل وان كان أثراً شرعياً لخبر العدل وعدالة المخبر ، إلّا أنه ثابت بنفس الحكم بوجوب تصديق خبر العدل.

(٤) أي : إلّا أن وجوب التصديق ثابت بسبب نفس الحكم بوجوب تصديق خبر العدل المستفاد من الآية ، فقوله : «بوجوب» متعلق بـ «الحكم» ويستفاد من هذه العبارة الوجوه الثلاثة المتقدمة في تقريب الإشكال. أما تقريب اتحاد الحكم والموضوع ، فلان المفروض أنه لا أثر للخبرين الا وجوب التصديق الّذي هو ناش من وجوب التصديق المستفاد من الآية الشريفة ، فيلزم أن يكون

٤٥٤

في مثل الآية بوجوب تصديق خبر العدل حسب الفرض (*).

______________________________________________________

وجوب التصديق موضوعاً وحكماً ، وهذا هو معنى اتحاد الحكم والموضوع.

وأما تقريب تقدم الحكم على الموضوع ، فلان فرض تولد الموضوع ـ وهو الأثر أعني وجوب تصديق الخبر ـ من وجوب التصديق ـ الّذي هو الحكم ـ يستلزم تقدم الحكم عليه ، لأنه علة لوجود موضوعه ، وذلك لأن وجوب تصديق الشيخ في قوله : «أخبرني المفيد» الثابت بالآية هو الّذي يجعل خبر المفيد خبر عدل حتى يصير موضوعاً لوجوب التصديق ، فإذا حكم بوجوب تصديقه ـ أي خبر المفيد ـ بنفس الآية صار الحكم بوجوب التصديق الثابت بالآية مولّداً لموضوع نفسه ، فيلزم تقدمه على موضوعه مع وضوح تأخره عنه تأخر المعلول عن علته.

وأما تقريب عدم ترتب الأثر الشرعي على المخبر به فلأنه لا أثر لوجوب التصديق المستفاد من آية النبأ حتى يجب ترتيبه ـ بمقتضى وجوب تصديق العادل

__________________

(*) ويمكن تقريب الإشكال بوجهين آخرين :

أحدهما : ما ذكره شيخنا الأعظم في صدر عبارته المتضمنة لبيان الإشكال ، قال (قده) : «ومنها : أن الآية لا تشمل الاخبار مع الواسطة ، لانصراف النبأ إلى الخبر بلا واسطة ... إلخ» وحاصله : دعوى انصراف الأدلة عن حجية الاخبار مع الواسطة ، وقد أجاب هو عنه.

الثاني : ما في تقرير شيخ مشايخنا المحقق النائيني (قده) ذكره في ذيل الوجه الرابع أعني اتحاد الحكم والموضوع ، قال المقرر : «وهو .. أنه لو عم دليل الاعتبار للخبر مع الواسطة يلزم أن يكون الدليل حاكماً على نفسه ويتحد الحاكم والمحكوم» وأنت خبير باندفاعه بالانحلال الآتي بيانه.

٤٥٥

نعم (١) لو أنشئ هذا الحكم (٢) ثانياً ،

______________________________________________________

المدلول عليه بمفهوم الآية ـ مع قطع النّظر عن وجوب تصديق المخبر به ، وقد تقدم أن الحكم بوجوب تصديق خبر العدل انما هو باعتبار الأثر الثابت للمخبر به في نفس الأمر كجواز الائتمام المترتب على عدالة زيد مثلا التي أخبر بها العادل ، وتقدم أيضا : أن هذا الأثر موضوع للحكم بوجوب تصديق الخبر ، فإذا لم يكن لعدالته أثر واقعاً لغا وجوب تصديق العادل أي من أخبر بعدالة زيد ، لانتفاء موضوع وجوب التصديق حينئذ.

(١) استدراك على لزوم إشكال اتحاد الحكم والموضوع المستفاد من قوله : «إلّا أنه بنفس الحكم» وحاصل الاستدراك : أن محذور وحدة الموضوع والحكم يندفع فيما إذا تعدد الإنشاء ، حيث ان وجوب التصديق الّذي أنشئ أولا يصير موضوعاً للوجوب المنشأ ثانياً كما هو مقتضى القضية الحقيقية ، فلا يلزم تولد الموضوع من الحكم واتحادهما. نعم يلزم اتحادهما نوعاً ، وهو غير قادح كما سيأتي ، فإذا أخبر الشيخ عن المفيد عن الصدوق عن الصفار عن الإمام العسكري عليه‌السلام ، وبنينا على وجوب تصديق الشيخ ـ بدلالة مثل الآية على وجوب تصديق العادل ـ فانه لا يلزم اتحاد الحكم والموضوع ، إذ ينحل وجوب التصديق إلى وجوبات متعددة بعدد الوسائط ، فيثبت بوجوب تصديق الشيخ «حدثني المفيد» ويصير موضوعاً لوجوب تصديق آخر وهو وجوب تصديق المفيد المغاير لوجوب تصديق الشيخ ، وبوجوب تصديق المفيد يثبت «حدثني الصدوق» ويصير موضوعاً لوجوب تصديق آخر مغاير لوجوب تصديق المفيد ، وهكذا إلى أن ينتهي إلى قول المعصوم عليه‌السلام حيث يترتب الحكم الشرعي على وجوب تصديق الصفار مثلا.

(٢) أي : وجوب التصديق ثانياً وثالثاً ورابعاً بعدد أخبار الوسائط.

٤٥٦

فلا بأس في (١) أن يكون بلحاظه (٢) أيضا (٣) ، حيث انه (٤) صار أثراً بجعل آخر ، فلا يلزم اتحاد الحكم والموضوع ، بخلاف ما إذا لم يكن هناك إلّا جعل واحد (٥)

______________________________________________________

(١) الأولى تبديل «في» بالباء.

(٢) أي : بلحاظ وجوب التصديق ، يعني : فلا بأس بأن يكون إنشاء الحكم ـ أي وجوب تصديق العادل ـ بلحاظ نفس وجوب التصديق المفروض تعددهما إنشاء وان اتحدا نوعاً ، فوجوب تصديق الشيخ يكون بلحاظ وجوب تصديق المفيد المغاير له إنشاء وان اتحد معه نوعاً.

(٣) يعني : أنه يصح لحاظ هذا الوجوب موضوعاً لوجوب التصديق المغاير له كلحاظ غيره من الآثار الشرعية الثابتة للمخبر به.

(٤) أي : أن وجوب تصديق المفيد صار أثراً لوجوب تصديق الشيخ بجعل آخر كما هو مقتضى الانحلال.

(٥) يعني : أنه يلزم مع وحدة الجعل محذور اتحاد الحكم والموضوع. ثم ان الفرق بين دفع إشكال اتحاد الحكم والموضوع بما ذكره بقوله : «نعم ... إلخ» وبين ما سيأتي في الوجه الأول بقوله : «ويمكن الذب عن الإشكال ...» هو : أن ما تقدم بيانه ناظر إلى تعدد الإنشاء حقيقة ، لكون قضية «صدق العادل» أو «رتب الأثر» من القضايا الحقيقية أو الخارجية ، فان إنشاء «صدق العادل» أو «رتب الأثر» ينحل حقيقة ويتعدد بتعدد أخبار الوسائط. وأما ما أفاده بقوله : «ويمكن الذب ...» فهو ناظر إلى تعدد الإنشاء أيضا ، لكنه لا بنحو القضية الحقيقية أو الخارجية ، بل بنحو القضية الطبيعية التي يحكم فيها على الطبيعة ثم على الافراد من جهة انطباق الطبيعة عليها ، مثل : «الإنسان حيوان» فان الحيوانية ثابتة حقيقة لطبيعة الإنسان أولا وبالذات ولافراده ثانياً وبالعرض. ففي المقام

٤٥٧

فتدبر (١).

ويمكن الذب (٢) عن الإشكال بأنه انما يلزم إذا لم يكن القضية طبيعية

______________________________________________________

يثبت الحكم لطبيعة الأثر أولا وبالذات ولأفرادها ثانياً وبالعرض.

والحاصل : أن الإشكال يندفع بكلا الجوابين لتحقق الانحلال ، إلّا أن الانحلال في الأول حقيقي وفي الثاني حكمي ، لترتبه على انطباق الطبيعة على أفرادها.

(١) لعله إشارة إلى : أن الإشكال انما هو في الإنشاء الأول ، إذ لا مصحح له بعد فرض عدم أثر للخبر إلّا نفس وجوب التصديق الجائي من قبل مثل الآية ، وإلّا فلو فرض صحته فلا مانع من شمول الوجوب الثاني له ، وبه يندفع إشكال تولد الموضوع من الحكم بالنسبة إلى خبر الواسطة والخبر الحاكي عنه ، ضرورة أن وجوب تصديق خبر الشيخ حينئذ غير وجوب تصديق الخبر المحكي به ، فلا يلزم الاتحاد ، فتدبر.

(٢) الصواب أن يقال : ويمكن دفع الإشكال ، لأن الذب عن الشيء هو حفظه والدفع عنه وحاصل ما أجاب به عنه وجوه ثلاثة :

الأول : ما ذكره بقوله : «بأنه انما يلزم» وتوضيحه : أن الأثر الشرعي الملحوظ موضوعا لوجوب التصديق ومصححا له ان كان مصاديق الأثر وأفراده ، توجه الإشكال المذكور ، إذ لا يمكن أن يكون وجوب التصديق بلحاظ نفسه ، لأن هذا الوجوب الشخصي الملحوظ موضوعاً لا يتأتى إلّا من قبل نفسه ، فكيف يمكن أن يؤخذ هذا الوجوب موضوعاً وحكماً لنفسه كما لا يخفى.

وان كان هو طبيعة الأثر لا أفراده ، فيكون الملحوظ موضوعاً لوجوب التصديق هو طبيعة الأثر المتقدمة رتبة على الوجوب المدلول عليه بالآية الشريفة ، لأن هذا الوجوب فرد طبيعة الأثر ، فإذا صارت الطبيعة موضوع الأثر سرى حكمها ـ وهو موضوعيتها للحكم بوجوب التصديق ـ إلى أفرادها التي منها

٤٥٨

والحكم (١) فيها بلحاظ طبيعة الأثر ، بل (٢) بلحاظ أفراده ، وإلّا (٣) فالحكم بوجوب التصديق يسري إليه سراية (٤)

______________________________________________________

نفس وجوب التصديق ، فليس الملحوظ موضوعاً فرد الطبيعة ـ أعني نفس وجوب التصديق ـ حتى يتحد الموضوع والحكم ، فالمتقدم هو الطبيعة والمتأخر هو الفرد ، فقضية «صدق العادل» نظير «كل خبري صادق» فان هذه القضية طبيعية شاملة لنفس هذه الجملة أيضا ، إذ المراد بـ «كل خبري» طبيعة الخبر ، ومن المعلوم شمولها لنفس هذه القضية كشمولها لسائر إخباراته.

والحاصل : أن إشكال اتحاد الحكم والموضوع انما يلزم إذا جعل «صدق العادل» قضية خارجية ترتب الحكم فيها على خصوص أفراد الموضوع الموجودة في الخارج فعلا ، وأما إذا جعل قضية حقيقية ترتب الحكم فيها على طبيعة الموضوع ـ ومنها يسري إلى أفرادها الخارجية المحققة أو المقدرة ـ فلا يلزم الإشكال المذكور.

(١) عطف تفسير لـ «القضية طبيعية».

(٢) عطف على «لم تكن» يعني : بل كان الحكم بوجوب التصديق بلحاظ أفراد الأثر حتى يلزم الإشكال.

(٣) أي : وان لم يكن الحكم بوجوب التصديق بلحاظ أفراد الأثر ـ بل كان بلحاظ الطبيعة ـ لم يلزم إشكال اتحاد الحكم والموضوع.

(٤) مفعول مطلق نوعي لـ «يسري» وضمير «إليه» راجع إلى الأثر المراد به الحكم بوجوب التصديق ، وحاصله : أنه يسري حكم طبيعة وجوب التصديق إلى أفراد وجوب التصديق سراية حكم الطبيعة إلى أفرادها ، يعني : أن كل فرد من أفراد وجوب التصديق يصير موضوعاً لوجوب تصديق العادل ، لسراية حكم الطبيعة ـ وهو الموضوعية ـ إلى أفرادها وهي الآثار التي يكون وجوب التصديق منها كما عرفت.

٤٥٩

حكم الطبيعة [الطبيعية] إلى أفراده (١) بلا محذور لزوم اتحاد الحكم والموضوع ، هذا.

مضافاً إلى القطع (٢) بتحقق ما هو المناط في سائر الآثار في هذا الأثر ـ أي وجوب التصديق ـ بعد تحققه (٣)

______________________________________________________

(١) الأولى تأنيث الضمير لرجوعه إلى «الطبيعة».

(٢) هذا هو الوجه الثاني من وجوه الجواب عن الإشكال المذكور ، وتوضيحه : أن المناط في شمول دليل الاعتبار للخبر هو كون الخبر ذا أثر شرعي من دون تفاوت بين كون ذلك الأثر وجوب التصديق أو غيره ، غاية الأمر أن دليل الاعتبار لا يشمل الأثر الأول ـ أعني وجوب التصديق ـ لفظاً ، للزوم محذور الاتحاد ، ولكن يشمله مناطاً ، ومن المناط يستكشف تعدد الإنشاء كاستكشافه من كون القضية طبيعية كما هو مقتضى الوجه الأول ، ومن المعلوم أن المناط في شمول دليل اعتبار خبر العادل لخبره كونه ذا أثر شرعي ، كما إذا أخبر زيد العادل بعدالة عمرو ، فان دليل الاعتبار لا يشمل الاخبار بعدالة عمرو إلّا إذا كان لعدالته أثر شرعي كجواز الائتمام به ، دون ما إذا لم يترتب على عدالته أثر شرعي ، ولذا لو أخبر العادل بأن ارتفاع الجبل الفلاني مائة ذراع مثلا لم يجب تصديقه استناداً إلى وجوب تصديق العادل المستفاد من الآية الشريفة. ويستفاد هذا الجواب الثاني من كلام الشيخ الأعظم ، فانه بعد تقريبه للإشكال بما حكيناه عنه أجاب عنه بوجوه ثلاثة ، قال في ثالثها : «فلان عدم قابلية اللفظ العام لأن يدخل فيه الموضوع الّذي لا يتحقق ولا يوجد إلّا بعد ثبوت حكم هذا العام لفرد آخر لا يوجب التوقف في الحكم إذا علم المناط الملحوظ في الحكم العام ، وأن المتكلم لم يلاحظ موضوعاً دون آخر ... إلخ».

(٣) أي : بعد تحقق الأثر ـ وهو وجوب التصديق ـ بآية النبأ الدالة على

٤٦٠