منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

لا ما يعم الفتوى (١) كما هو أوضح من أن يخفى.

______________________________________________________

(١) لتفسير الموصول في المقبولة بقوله عليه‌السلام : «من روايتهم» الصريح في إرادة الرواية من الموصول ، فلا إطلاق فيه حتى يشمل غير الرواية ، إذ الإطلاق منوط بعدم البيان على المراد ، والمفروض أن قوله : «من روايتهم» بيان ، وهو

__________________

لكل مشهور رواية كان أو فتوى ، وإلّا فلا يلائم الجواب ، إذ لو لم يكن الاستدلال ناظراً إلى إطلاق الموصول ، بل كان ناظراً إلى إطلاق الصلة وهي «اشتهر» والعلة ـ وهي قوله عليه‌السلام : «فان المجمع عليه لا ريب فيه» ـ كان جواب المتن أجنبياً عنه ، ولما لم يتعرض المصنف لهذا الاستدلال ، فلا نتعرض له الا إجمالا ، فنقول : ان الاستدلال بإطلاق الصلة وهو «اشتهر بين أصحابك» كما هو أحد الوجهين المتقدمين عن الشيخ الأعظم في المشهورة ، وبعموم العلة وهي قوله عليه‌السلام : «فان المجمع عليه لا ريب فيه» في المقبولة على اعتبار الشهرة الفتوائية خال عن الصواب ، ضرورة أن تعليق الحكم على الوصف غير ظاهر في العلية حتى يدور الحكم وجوداً وعدماً مداره ، بل غايته الإشعار بالعلية ، ولا عبرة به إذا لم يبلغ حد الظهور ، هذا في المشهورة.

وأما المقبولة ، فلان الأخذ بظاهرها من اعتبار كل ما لا ريب فيه بالإضافة إلى غير المشهور يوجب لزوم الأخذ بكل راجح كالظن ، حيث انه راجح بالنسبة إلى مقابله وهو الوهم ، وأقوى الشهرتين وغير ذلك ، وهو باطل بالضرورة ، فيتعين إرادة الخبر بالخصوص من الموصول في قوله : «المجمع عليه».

وان شئت فقل : ان جعل «المجمع عليه» من العلة المنصوصة يوجب تخصيص الأكثر.

فالمتحصل : أنه لا وجه للاستدلال بالمشهورة والمقبولة على اعتبار الشهرة الفتوائية مطلقاً سواء كان الاستدلال بنفس الموصول أم بصلته أم بعموم العلة.

٤٠١

نعم (١) بناءً على حجية الخبر ببناء العقلاء لا يبعد دعوى عدم اختصاص بنائهم على حجيته (٢) (*) بل (٣) على حجية كل أمارة مفيدة للظن أو الاطمئنان ، لكن دون إثبات ذلك (٤) خرط القتاد.

______________________________________________________

مانع عن إرادة الإطلاق من الموصول.

(١) هذا استدراك على ما تقدم من توهم الاستدلال بفحوى أدلة حجية الخبر على اعتبار الشهرة الفتوائية ، وهو وجه ثالث لإثبات اعتبار الشهرة ، وتوضيحه : أنه ـ بناء على أن يستند في حجية خبر الواحد إلى بناء العقلاء ـ لا تبعد دعوى حجية الشهرة وغيرها ، وعدم اختصاص بنائهم على اعتبار خبر الواحد ، حيث ان منشأ حجية الخبر عندهم هو إحراز الواقع الّذي تعلق غرضهم بحفظه ، ومن المعلوم أن ملاك التحفظ على الواقع لا يختص بإحرازه بالخبر ، بل هو موجود في كل ما يكون طريقاً إليه من الظن بجميع مراتبه أو خصوص الاطمئناني منه ، فكل ما يوجب إحراز الواقع ـ ولو ظناً ـ يكون حجة ، فمرجع هذا الوجه الثالث إلى دعوى الملازمة بين حجية الخبر ببناء العقلاء وبين حجية الشهرة وغيرها مما يوجب الوصول إلى الواقع مطلقاً خبراً كان أو شهرة أو غيرهما.

(٢) أي : حجية الخبر الواحد.

(٣) أي : بل لا يبعد دعوى بنائهم على حجية كل أمارة مفيدة للظن والاطمئنان.

(٤) الظاهر أن المشار إليه هو : دعوى عدم اختصاص بناء العقلاء على الحجية بالخبر ، وعموم بنائهم لكل أمارة ظنية ، وعليه فحاصل كلامه (قده) : أن دون إثبات هذا العموم خرط القتاد ، إذ لم يثبت عموم بناء العقلاء على حجية

__________________

(*) الظاهر سقوط كلمة «به» بعد «حجيته» ليكون متعلقاً بـ «اختصاص» وضميره راجعاً إلى الخبر كما لا يخفى وجهه.

٤٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كل أمارة ظنية حتى يشمل بناؤهم الشهرة الفتوائية ، هذا.

ويحتمل ضعيفاً أن يكون المشار إليه أحد أمرين :

الأول : أن يراد به بناء العقلاء على حجية خصوص الخبر ، وحينئذ فلا وجه لدعوى حجية الشهرة ببناء العقلاء ، إذ المفروض عدم ثبوت بنائهم على حجية الأصل ـ وهو الخبر ـ حتى يتعدى منه إلى الشهرة. ووجه ضعف هذا الاحتمال : منافاته لما سيأتي من المصنف (قده) من جعل بناء العقلاء عمدة الأدلة على حجية الخبر.

الثاني : أن يراد بالمشار إليه : منع الصغرى ـ أي : منع كون الشهرة من الأمارات المفيدة للظن ـ فهو خارج موضوعاً عما يدل على اعتبار الظن ، ولا يخفى ضعف هذا الاحتمال أيضا ، إذ إفادة الشهرة الفتوائية للظن من الأمور الوجدانية غير القابلة للتشكيك.

٤٠٣

فصل

المشهور بين الأصحاب حجية خبر [الخبر] الواحد في الجملة (١) بالخصوص (٢)

______________________________________________________

(حجية الخبر الواحد)

(١) أي : بنحو الإيجاب الجزئي في مقابل السلب الكلي. ثم ان المراد بخبر الواحد ما يقابل الخبر المفيد للعلم سواء كان متواتراً أم واحداً محفوفاً بالقرائن القطعية ، وذلك لأن الخبر بقسميه المفيدين للعلم خارج عن مورد البحث ـ وهو الأمارات غير العلمية ، ضرورة عدم الوجه في البحث عن حجيته بعد حجية نفس العلم ذاتاً ـ كما هو واضح ، هذا. وقد عنون شيخنا الأعظم (قده) هذه المسألة بقوله : «ومن جملة الظنون الخارجة بالخصوص عن أصالة حرمة العمل بغير العلم خبر الواحد في الجملة عند المشهور ، بل كاد أن يكون إجماعاً» إلى أن قال : «والمقصود هنا بيان إثبات حجيته بالخصوص في الجملة في مقابل السلب الكلي».

(٢) أي : بدليل خاص في مقابل حجيته بدليل الانسداد كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

٤٠٤

ولا يخفى أن هذه المسألة من أهم المسائل الأصولية ، وقد عرفت في أول الكتاب (١) أن الملاك في الأصولية صحة وقوع نتيجة المسألة في طريق الاستنباط (٢) ولو لم يكن البحث فيها (٣) عن الأدلة الأربعة (٤) وان اشتهر في ألسنة الفحول كون الموضوع في علم الأصول

______________________________________________________

(١) في بيان موضوع العلم بقوله : «وقد انقدح بذلك أن موضوع علم الأصول هو الكلي المنطبق على موضوعات مسائله المتشتتة ، لا خصوص الأدلة الأربعة بما هي أدلة بل ولا بما هي هي».

(٢) لكن بنحو تكون تلك النتيجة كبرى لقياس ينتج الحكم الكلي الفرعي. وان شئت فقل : ان المسألة الأصولية هي الجزء الأخير لعلة الاستنباط ، إذ لو لم تكن الجزء الأخير من علته ـ بل كان لها مجرد دخل في استنباط الحكم ـ لكان كل ما له دخل ما في الاستنباط كالعلوم العربية وعلمي الرّجال والحديث وغيرها داخلا في علم الأصول ، وليس كذلك.

ثم ان المراد بالاستنباط هو استخراج الأحكام الكلية الفرعية من أدلتها المعهودة ، دون الأحكام الجزئية التي يستنبطها العامي من المسائل الفرعية التي استنبطها الفقيه ، فان ما يقع في طريق استنباط الجزئيات هو ما استنبطها المجتهد من الأحكام الكلية ، كحرمة شرب الخمر مثلا ، فان العامي يستنبط حكم الخمر الشخصي من قول المجتهد : «كل خمر حرام» بعد إحراز خمريته.

(٣) أي : في المسائل الأصولية.

(٤) أي : بخصوصها ، وغرضه (قده) من قوله : «ولو لم يكن البحث فيها ... إلخ» التعريض بمن جعل موضوع علم الأصول خصوص الأدلة الأربعة سواء كانت بما هي أدلة كما عليه المشهور واختاره المحقق القمي (قده) ، أم ذواتها

٤٠٥

هي الأدلة ، وعليه (١) لا يكاد يفيد في ذلك ـ أي كون هذه المسألة أصولية ـ تجشم دعوى (٢) أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن أحوال

______________________________________________________

أي بما هي هي كما عليه صاحب الفصول قدس‌سره. وحاصل التعريض : أنه بناءً على جعل موضوعه خصوص الأدلة الأربعة ـ كما سيأتي بيانه ـ يلزم خروج مسألة حجية خبر الواحد عن مسائل علم الأصول مع أنها من أهم مسائله ، فلا بدّ دفعاً لهذا اللزوم من رفع اليد عما اشتهر من جعل الموضوع خصوص الأدلة الأربعة ، والبناء على كون الموضوع كلياً منطبقاً على موضوعات المسائل ومتحداً معها اتحاد الكلي مع أفراده ، فكل قضية لها دخل علي في الاستنباط ـ لا إعدادي ـ يكون موضوعها متحداً مع موضوع علم الأصول وان لم يعرف باسم ، وبعد توسعة الموضوع يندفع المحذور المذكور عن مسألة حجية خبر الواحد وهو لزوم خروجها عن المسائل الأصولية ، لعدم كون محمولها وهو قولنا : «حجة أو ليس بحجة» عرضاً ذاتياً للسنة ـ أعني محكي الخبر ـ وهي قول المعصوم عليه‌السلام أو فعله أو تقريره وهي التي تكون أحد الأدلة الأربعة ، بل يكون محمولها من عوارض الخبر ـ أي الحاكي للسنة ـ وهو لا يكون أحد الأدلة الأربعة ، فما يكون المحمول عرضاً ذاتياً له ـ أعني الخبر ـ ليس من الأدلة ، وما هو من الأدلة ـ أعني السنة ـ لا يكون المحمول عرضاً ذاتياً له ، هذا وقد دفع الإشكال المذكور بوجوه أخرى غير ما أفاده المصنف (قده) من توسعة الموضوع تعرض لبعضها مع تضعيفها كما سيأتي.

(١) أي : وعلى ما اشتهر.

(٢) هذا أحد الوجوه التي دفع بها إشكال خروج مسألة حجية خبر الواحد عن علم الأصول بناءً على كون موضوعه خصوص الأدلة الأربعة ، وهو لصاحب الفصول (قده) فانه ـ بعد جعله موضوع علم الأصول خصوص الأدلة الأربعة ـ

٤٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أورد على نفسه إشكال خروج أكثر مباحث الفن عنه كمباحث الأمر والنهي والعام والخاصّ وحجية الكتاب وخبر الواحد وغيرها. ثم أجاب عن الإشكال مفصلا إلى أن قال : «وأما بحثهم عن حجية الكتاب وخبر الواحد فهو بحث عن الأدلة ، لأن المراد بها ذوات الأدلة لا هي مع وصف كونها أدلة ، فكونها أدلة من أحوالها اللاحقة لها ، فينبغي أن يبحث عنها أيضا».

وحاصله : أن هذا الإشكال انما يلزم إذا جعل موضوع علم الأصول الأدلة الأربعة بوصف كونها أدلة ـ يعني الخبر الواحد مثلا بوصف كونه دليلا ـ بحيث يكون هذا الوصف جزء الموضوع ، وجه اللزوم : أن البحث عن حجية خبر الواحد معناه البحث عن أنه دليل بمفاد «كان» التامة أم لا ، يعني هل الدليليّة ثابتة له أم لا؟ وحيث ان وصف الدليليّة جزء الموضوع حسب الفرض ، فالبحث عن وجوده بحث عن وجود نفس الموضوع ، لأن المركب متقوم بوجود جميع أجزائه ، ومن المعلوم أن البحث عن وجود الموضوع داخل في المبادئ لا المسائل. وأما إذا جعل الموضوع ذوات الأدلة ـ أي نفس خبر الواحد مثلا ـ كما هو كذلك كان البحث عن حجية خبر الواحد بحثاً عن العوارض بمفاد «كان» الناقصة ، بمعنى أن خبر الواحد الّذي هو دليل من الأدلة الأربعة هل يكون حجة أم لا؟ فتندرج مسألة حجية خبر الواحد في المسائل الأصولية ، هذا.

ولا يخفى أن هذا التجشم ـ أي التكلف ـ من صاحب الفصول انما هو لإدراج مسألة حجية خبر الواحد في المسائل الأصولية بجعل موضوع علم الأصول ذوات الأدلة التي منها خبر الواحد ـ كما عرفت توضيحه ـ وحينئذ فمحمولات المسائل الأصولية تكون من عوارض الأدلة بعد فرض دليليتها ، وأما نفس دليليتها فليست من محمولات المسائل الأصولية ، إذ البحث عن دليلية

٤٠٧

الدليل ، ضرورة (١) أن البحث في المسألة (٢) ليس عن دليلية الأدلة ، بل عن حجية الخبر الحاكي عنها.

______________________________________________________

الدليل بحث عن حجيته ، والبحث عن حجيته ليس بحثاً عن حالاته حتى يكون مسألة أصولية ، وانما هو بحث كلامي ، فان علم الكلام هو المتكفل لحجية الكتاب والسنة وغيرهما كما لا يخفى. نعم البحث عن دليلية الدليل بمعنى الخبر الحاكي للسنة بحث عن عوارضه ، لكنه خارج عن البحث عن عوارض نفس الدليل وهو المحكي أعني السنة ، وسيأتي لهذا مزيد توضيح عند قول المصنف : «ضرورة أن البحث ... إلخ».

(١) تعليل لقوله : «لا يكاد يفيد» وإيراد على ما أفاده صاحب الفصول ، وقد أفاده شيخنا الأعظم بقوله : «ولا حاجة إلى تجشم دعوى أن البحث عن دليلية الدليل بحث عن أحوال الدليل» وحاصله : أن ما تكلفه صاحب الفصول لإدراج مسألة حجية خبر الواحد في المسائل الأصولية بالتقريب المتقدم غير مفيد ، لتوقفه ـ بعد تسليم صحته في نفسه وأن الموضوع ذوات الأدلة ـ على كون الخبر من أحد الأدلة حتى يكون البحث عن حجيته بحثاً عن عوارض الأدلة ، ومن المعلوم أنه ليس منها. أما عدم كونه من الثلاثة غير السنة فواضح. وأما عدم كونه من السنة ، فلأنها هي قول المعصوم عليه‌السلام أو فعله أو تقريره ، والخبر ـ على تقدير حجيته ـ يكون حاكياً عن السنة ، لا نفس السنة ، والحاكي غير المحكي ، والبحث عن حجية الحاكي أجنبي عن عوارض المحكي ـ أعني السنة التي هي من الأدلة ـ فلا يكون البحث عن حجية الخبر مسألة أصولية ، هذا.

(٢) يعني : أن البحث في مسألة حجية خبر الواحد ليس بحثاً عن دليلية الخبر بمعنى السنة ، بل بحث عن دليلية الخبر الحاكي عن السنة ، ومن المعلوم مغايرة

٤٠٨

كما لا يكاد يفيد عليه (١) تجشم دعوى أن مرجع هذه المسألة إلى أن السنة ـ وهي قول الحجة أو فعله أو تقريره ـ هل تثبت [يثبت] بالخبر الواحد أو لا تثبت إلّا بما يفيد القطع من التواتر أو القرينة؟ فان (٢) التعبد بثبوتها مع الشك فيها لدى الاخبار بها ليس

______________________________________________________

الحاكي للمحكي كما مر آنفاً.

(١) أي : على ما اشتهر ، وهذا هو الوجه الثاني من وجوه دفع الإشكال المزبور ، وقد اختاره شيخنا الأعظم (قده) بقوله : «فمرجع هذه المسألة إلى أن السنة أعني قول الحجة أو فعله أو تقريره هل تثبت بخبر الواحد ، أم لا يثبت إلّا بما يفيد القطع من التواتر أو القرينة ، ومن هنا يتضح دخولها في مسائل أصول الفقه الباحثة عن أحوال الأدلة» وهذا الوجه مبني على ما اختاره (قده) كما أشرنا إليه سابقاً من جعل موضوع علم الأصول الأدلة الأربعة بما هي أدلة ، وحاصله : أنه ـ بناء على هذا المذهب ـ لا يلزم خروج بحث حجية الخبر الواحد عن المسائل الأصولية ودخوله في المبادئ ، لأن البحث عن حجية خبر الواحد حينئذ بحث عن عوارض السنة ، إذ معنى «أن خبر الواحد حجة أم لا» أنه هل تثبت السنة ـ وهي قول المعصوم أو فعله أو تقريره ـ بخبر الواحد أم لا؟ ومن المعلوم أن ثبوت السنة به وعدم ثبوتها من حالات السنة وعوارضها ، فيكون البحث عن حجية خبر الواحد بحثاً أصولياً ، فلا يلزم ـ من جعل موضوع علم الأصول الأدلة الأربعة ـ خروج مسألة حجية خبر الواحد عن مسائل العلم.

(٢) تعليل لقوله : «كما لا يكاد يفيد» وجواب عن مختار الشيخ الأعظم ، وقد أجاب عنه بوجهين أشار إلى الأول منهما بقوله : «فان التعبد بثبوتها ... إلخ» وتوضيحه : أن ضابط المسألة الأصولية كغيرها ـ وهو ما يكون نفس محمول

٤٠٩

من عوارضها ، بل من عوارض مشكوكها (١) كما لا يخفى. مع أنه (٢)

______________________________________________________

المسألة من عوارض موضوع العلم ، وإلّا فلا يكون من مسائله ـ لا ينطبق على مسألة حجية الخبر ، وذلك لأن البحث عن ثبوت السنة بالخبر بحث عن عوارض السنة المشكوكة لا نفس السنة الواقعية ، فقولنا : «هل خبر الواحد حجة أم لا» معناه : أنه هل تثبت السنة المشكوكة بخبر الواحد أم لا؟ ومن المعلوم أن موضوع علم الأصول هو السنة الواقعية لا المشكوكة ، وحينئذ فما يكون من الأدلة ـ وهو السنة الواقعية ـ لا يكون حجية الخبر من عوارضه ، وما يكون حجية الخبر من عوارضه ـ وهو السنة المشكوكة ـ لا يكون من الأدلة ، فلا يكون البحث عن حجية الخبر بحثاً عن عوارض موضوع علم الأصول حتى يكون من مسائله.

(١) هذا الضمير والضمائر الأربعة المتقدمة راجعة إلى السنة.

(٢) أي : مع أن التعبد بثبوت السنة ، وهذا إشارة إلى الجواب الثاني عن الشيخ الأعظم (قده) وتوضيحه : أنه ـ بعد تسليم رجوع البحث عن حجية الخبر إلى البحث عن عوارض السنة ـ لا يمكن المساعدة على ما أفاده (قده) أيضا ، وذلك لأن ضابط كون قضية من مسائل علم هو أن يكون نفس المبحوث عنه ـ أعني المحمول في تلك القضية ـ من عوارض موضوع العلم ، فلا تعد تلك القضية من مسائل العلم إذا كان لازم محمولها من عوارض موضوع العلم ، فإذا كان هناك قضية وكان لازم محمولها من عوارض موضوع العلم لم تعد تلك القضية من مسائل ذلك العلم. والمقام كذلك ، فان المبحوث عنه هو حجية الخبر ، ومن لوازمها ثبوت السنة ، فليس ثبوت السنة بالخبر في مسألة حجية الخبر نفس المبحوث عنه ، وانما هو من لوازمه.

٤١٠

لازم لما يبحث عنه في المسألة من حجية (١) الخبر (*) والمبحوث عنه

______________________________________________________

(١) بيان للموصول في «لما يبحث» وضمير «عنه» راجع إلى الموصول ، يعني : أن التعبد بثبوت السنة لازم لحجية الخبر الّذي يبحث عنه في هذه المسألة.

__________________

(*) ولا يندفع الإشكال أيضا على ما ذهب إليه شيخنا الأعظم (قده) في حجية خبر الواحد من أن المجعول فيه وجوب العمل لا نفس الحجية كما هو مذهب غيره ، إذ وجوب العمل ـ مضافاً إلى أنه ليس حكماً أصولياً ـ يكون من عوارض الخبر لا السنة ، وثبوت السنة من لوازم وجوب العمل بالخبر.

وبالجملة : لا فرق في عدم ارتفاع الإشكال بين كون المجعول في خبر الواحد نفس الحجية وبين كونه وجوب العمل.

ولا بأس بالتكلم حول ما أفاده شيخنا الأعظم (قده) في دفع الإشكال من «أن مرجع البحث عن حجية الخبر إلى البحث عن ثبوت السنة بخبر الواحد وعدمه ، وهذا بحث عن عوارض السنة ، فتندرج مسألة حجية الخبر في المسائل الأصولية» فنقول : ان أريد بثبوتها بالخبر علية الخبر للعلم الوجداني بثبوتها ، ففساده غني عن البيان ، إذ موضوع البحث هو خبر الواحد غير العلمي ، فالخبر الموجب للعلم بالسنة كالخبر المتواتر أو الواحد المحفوف بالقرينة القطعية خارج عن محل الكلام.

وان أريد بثبوتها به علية الخبر لوجودها تكويناً فهو أوضح فساداً من سابقه ، لأن الخبر حاك عن السنة ، والحاكي متأخر رتبة عن المحكي ، فلو كان الخبر علة لوجود السنة تكويناً لزم تأخر العلة عن المعلول ، ولزم أيضا أن يكون البحث حينئذ عن وجود الموضوع بمفاد كان التامة ، لا عن عوارضه التي هي بمفاد كان الناقصة. ولا ريب في أنه (قده) لم يرد شيئاً من هذين الوجهين.

وان أريد بثبوتها به ثبوتها تعبداً ـ وهو مراده ظاهراً ـ بأن يرجع البحث عن

٤١١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

حجية خبر الواحد إلى البحث عن ثبوت السنة به تعبداً ، فيرد عليه ما في المتن من أن الثبوت التعبدي وان كان من العوارض ، لكنه من عوارض الخبر لا من أحوال السنة وعوارضها.

وان أريد بثبوتها ما وجهه به بعض المحققين (قده) في حاشيته على المتن بقوله : «ان إيجاب تصديق العادل حيث انه بعنوان المؤدى هو الواقع كما هو مقتضى عنوان التصديق ، فلا محالة يكون المؤدى وجوداً عنوانياً للواقع ، والواقع موجود عنواناً به ، فإذا كان موضوع المسألة هي السنة صح البحث عن عارضها وهو ثبوتها العنواني بالخبر ، كما أن الموضوع للمسألة إذا كان هو الخبر صح البحث عن عارضه وهو كونه ثبوتاً عنوانياً للسنة ، فان الثبوت العنواني له نسبة إلى الطرفين. إلّا أن ما ذكرنا يصحح إمكان جعل المسألة باحثة عما ينطبق على عوارض السنة ، وإلّا فالبحث المتداول في الأصول هو البحث عن عارض الخبر ، فانه الموضوع للمسألة ، فتدبر ، فانه حقيق به».

وملخص ما أفاده : أن تنزيل الخبر منزلة السنة يوجب عروض عنوان ـ وهو السنة ـ للخبر ، كعروض عنوان الأسد لزيد بسبب تشبيهه بالأسد ، وبعد تعنون الخبر بعنوان السنة يبحث عن ثبوت السنة بالخبر ، فمرجع البحث عن حجية الخبر حينئذ إلى البحث عن ثبوت السنة التي هي عنوان ثانوي تنزيلي للخبر.

ففيه أولا : أن هذا التوجيه مبني على أن يكون مفاد أدلة حجية الخبر تنزيل الخبر منزلة السنة ، وليس الأمر كذلك ، إذ المبنى الصحيح حجية الاخبار ببناء العقلاء ، فليس في البين إلّا الطريقية ، فمع الإصابة يتنجز بها الواقع ، ومع

٤١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الخطأ يكون المكلف معذوراً ، وليس في البين تنزيل أصلا. ولو قلنا بالجعل في حجية الاخبار فليس المجعول الا نفس الحجية أو تتميم الكشف أو الوجوب الطريقي ، ولا مساس لشيء منها بالتنزيل.

وثانيا : أنه ـ بعد تسليم التنزيل المزبور ـ لا وجه لجعل الموضوع في مسألة حجية الخبر عنوانه الثانوي التنزيلي أعني السنة.

إذ فيه ـ مضافاً إلى أنه توجيه بعيد عن الأذهان ولم يتعرض له الباحثون عن حجية الخبر ـ أنه ليس الكلام في حجية السنة ، لأنها مفروغ عنها ، مع أن للبحث عنها مقاماً آخر.

وان أريد بثبوتها تنجز السنة بالخبر بأن يكون مرجع البحث عن حجية الخبر إلى تنجز السنة به.

ففيه : أن المنجزية من عوارض الخبر لا السنة ، وتضايف منجزيته ومنجزيتها لا يصحح ذلك ، لتغاير حيثيتهما ، فان المبحوث عنه في حجية الخبر هو حيثية التنجيز ، لا تنجز السنة وان كان ذلك من لوازم التنجيز ، لكنه لا يعبأ به بعد عدم كون السنة موضوع الحجية.

فالصواب إنكار انحصار موضوع علم الأصول بالأدلة الأربعة والالتزام بأنه كلي ينطبق على جميع موضوعات مسائله ، أو إنكار الموضوع لعلم الأصول رأساً ، ودعوى : أن هذا العلم عبارة عن جملة من قضايا متشتتة يترتب عليها القدرة على الاستنباط ، وموضوعات تلك القضايا نفس موضوع العلم عيناً ومفهوماً كما تقدم في الجزء الأول من هذا الشرح ، وعليه فيسهل اندراج مسألة حجية الخبر في علم الأصول.

٤١٣

في المسائل انما هو الملاك في أنها (١) من المباحث أو من غيرها (٢) [غيره] لا ما هو لازمه (٣) ، كما هو واضح.

وكيف كان (٤) فالمحكي عن السيد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن إدريس عدم حجية الخبر ، واستدل (٥) لهم بالآيات الناهية (٦) عن

______________________________________________________

(١) أي : أن المسائل من المباحث.

(٢) معطوف على «المباحث» والضمير راجع إلى المباحث ، فالصواب تأنيثه كما في بعض النسخ ، والواو في «والمبحوث عنه» للحال ، يعني : أن الملاك في عد قضية من مسائل فن هو كون محمولها ـ وهو المبحوث عنه فيها ـ أولا وبالذات من عوارض موضوع ذلك الفن ، فلا يكفي في عدها من مسائله كون لازم المبحوث عنه فيها من عوارضه ، كالتعبد بثبوت السنة ـ الّذي هو لازم السنة ـ بحجية الخبر التي هي محمول مسألة حجية الخبر ، هذا. وكان الأنسب سوق العبارة هكذا : «مع أنه لازم لحجية الخبر المبحوث عنها ، والملاك في أن القضية من مسائل العلم هو كون المحمول نفس المبحوث عنه لا ما هو لازمه».

(٣) أي : لازم المبحوث عنه ، والمراد باللازم هنا ثبوت السنة.

(٤) أي : سواء كان موضوع علم الأصول هو الكلي أم خصوص الأدلة الأربعة فالمحكي ... إلخ.

(٥) قال الشيخ الأعظم (قده) : «أما حجة المانعين فالأدلة الثلاثة ، أما الكتاب فالآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم ، والتعليل المذكور في آية النبأ على ما ذكره أمين الإسلام بما وراء العلم ، والتعليل المذكور في آية النبأ على ما ذكره أمين الإسلام من أن فيها دلالة على عدم جواز العمل بخبر الواحد».

(٦) كقوله تعالى : «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» (١) وقوله تعالى : «ان يتبعون

__________________

(١) الإسراء ، الآية : ٣٦.

٤١٤

اتباع غير العلم ، والروايات الدالة على رد ما لم يعلم أنه قولهم (١) عليهم‌السلام ، أو لم يكن عليه شاهد من كتاب الله أو شاهدان (٢) ، أو

______________________________________________________

إلّا الظن وان الظن لا يغني من الحق شيئاً» (١) وغير ذلك من الآيات الدالة على ذم من يعتمد على الظن.

(١) قال الشيخ الأعظم : «وأما السنة فهي أخبار كثيرة تدل على المنع من العمل بالخبر غير المعلوم الصدور إلّا إذا احتف بقرينة معتبرة من كتاب أو سنة معلومة» مثل ما رواه في بصائر الدرجات (٢) عن محمد بن عيسى قال : «أقرأني داود بن فرقد الفارسي كتابه إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام وجوابه بخطه عليه‌السلام ، فقال : نسألك عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك قد اختلفوا علينا فيه ، فكيف العمل به على اختلافه إذا أفرد إليك فقد اختلف فيه ، فكتب عليه‌السلام وقرأته ما علمتم أنه قولنا فألزموه ، وما لم تعلموا فردوه إلينا» وفي البحار نقلا عن البصائر «إذا نردّ إليك» ، وفي البصائر بتخفيف «نرد» ولم يظهر معنى محصل لهذه الجملة على النسخ الثلاث إذ مورد السؤال انما هو فرض اختلاف الحديثين ، فتأمل.

(٢) قال الشيخ الأعظم : «والاخبار الدالة على عدم جواز العمل بالخبر المأثور إلّا إذا وجد له شاهد من كتاب الله ومن السنة المعلومة ، فتدل على المنع عن العمل بالخبر المجرد عن القرينة مثل ما ورد في غير واحد من الاخبار أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما جاءكم عني ما لا يوافق القرآن فلم أقله (٣) ، وقول أبي جعفر

__________________

(١) النجم ، الآية : ٢٨.

(٢) المستدرك ، ج ٣ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي وما يجوز أن يقضى به ، الحديث : ١٠.

(٣) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ١٥.

٤١٥

لم يكن موافقاً للقرآن إليهم (١) ، أو على بطلان ما لا يصدقه كتاب الله (٢) أو على أن ما لا يوافق كتاب الله زخرف (٣) ، أو على النهي (٤) عن قبول

______________________________________________________

وأبي عبد الله عليهما‌السلام : لا تصدق علينا الا ما وافق كتاب الله وسنة نبيه (١). وقوله : إذا جاءكم عنا حديث فوجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به ، وإلّا فقفوا عنده ثم ردوه إلينا حتى يستبين لكم ... إلخ» (٢).

(١) كقول الصادق عليه‌السلام لمحمد بن مسلم : «يا محمد ما جاءك في رواية من بر أو فاجر يوافق القرآن فخذ به وما جاءك في رواية من بر أو فاجر يخالف القرآن فلا تأخذ به» (٣) ، وقوله : «إليهم» متعلق بـ «رد ما لم يعلم».

(٢) قال الشيخ الأعظم : «وقوله ـ أي الصادق عليه‌السلام ـ ما جاءكم من حديث لا يصدقه كتاب الله فهو باطل» (٤).

(٣) قال الشيخ (قده) : «وقول الصادق عليه‌السلام : كل شيء مردود إلى كتاب الله والسنة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف» (٥).

(٤) قال الشيخ (قده) : «وصحيحة هشام بن حكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : لا تقبلوا علينا حديثاً الا ما وافق الكتاب والسنة ، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدمة ، فان المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث

__________________

(١) المصدر المتقدم ، الحديث : ٤٧.

(٢) المصدر المتقدم ، الحديث : ١٨.

(٣) المستدرك ، ج ٣ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ٥.

(٤) رواه في المحاسن ، ج ١ ، ص ٢٢١ ، ونقله عنه في البحار ج ٢ ، ص ٢٤٢.

(٥) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٦٩ ، ص ١١٤.

٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لم يحدث بها ، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا (*) ، والاخبار الواردة في طرح الاخبار المخالفة للكتاب والسنة ولو مع عدم المعارض متواترة».

__________________

(*) صدر الحديث كما في رجال الكشي ص ١٩٥ في ترجمة المغيرة بن سعيد وفي البحار نقلا عنه ـ مع تلخيص في السند ـ هكذا : «حدثني محمد بن قولويه والحسين بن الحسن بن بندار القمي ، قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثني محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن : ان بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر ، فقال له : يا أبا محمد ما أشدك في الحديث وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا؟ ، فما الّذي يحملك على رد الأحاديث؟ فقال : حدثني هشام بن الحكم : أنه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا تقبلوا ...» الحديث.

والتعبير عنها بالصحيحة كما في الرسائل ـ مع الجهل بحال الحسين بن الحسن بن بندار ، إذ لم يرد في شأنه غير أنه من أصحاب سعد ، وعدم التصريح بوثاقة محمد بن قولويه ـ اما لاستظهار وثاقة محمد من كلام النجاشي ، حيث قال في ترجمة ابنه جعفر : «وكان أبوه من خيار أصحاب سعد».

واما لما حكي عن السيد بن طاوس (قده) من : «أنه روى في ترجمة الحسن بن علي بن فضال رواية عن محمد بن قولويه عن سعد بن عبد الله القمي عن علي بن الريان عن محمد بن عبد الله بن زرارة بن أعين ، ثم قال : اني لم أستثبت حال محمد بن عبد الله بن زرارة ، وباقي الرّجال موثقون» بناء على إرادة الثقة من الموثق كما قيل (١).

واما لاستفادة التوثيق العام من عبارة كامل الزيارات ، كما ادعى صاحب

__________________

(١) تنقيح المقال ، ج ٣ ، ص ١٧٥.

٤١٧

حديث الا ما وافق الكتاب أو السنة ، إلى [أو] غير ذلك (١). والإجماع

______________________________________________________

(١) كالاخبار الآمرة بطرح ما خالف كتاب الله وسنة نبيه مثل رواية محمد بن مسلم المتقدمة عن الصادق عليه‌السلام وغيرها. والحاصل : أن هذه الروايات بألسنتها المتشتتة تنفي اعتبار خبر الواحد المجرد عن أحد القيود المزبورة فيها من وجود شاهد أو شاهدين من كتاب الله أو غيرهما ، فان الرد كناية عن عدم الحجية. قال الشيخ الأعظم في تقريب الاستدلال بالروايات المتقدمة : «والمراد من المخالفة للكتاب في تلك الاخبار الناهية عن الأخذ بمخالفة

__________________

الوسائل صراحتها فيه ، حيث قال في الفائدة السادسة من الخاتمة (١) بعد استظهار ذلك من عبارة تفسير علي بن إبراهيم ما لفظه : «وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه ، فانه صرح بما هو أبلغ من ذلك في أول مزاره» وتثبت وثاقة محمد بن قولويه حينئذ ، لوقوعه في أسناد كامل الزيارات ، هذا.

لكن في الأول : أن دلالة لفظ «من خيار أصحابنا» على التوثيق لا يخلو من تأمل كما يظهر من مراجعة بداية الدراية لشيخنا الشهيد قدس‌سره.

لكن في الأول : أن دلالة لفظ «من خيار أصحابنا» على التوثيق لا يخلو من تأمل كما يظهر من مراجعة بداية الدراية لشيخنا الشهيد قدس‌سره.

وفي الثاني : أن دلالة «موثقون» على ما هو محل الكلام من كون الراوي عدلا إماميّا ـ حتى تتصف روايته بالصحّة ـ لا يخلو من التأمل أيضا ، إذ التوثيق أعم من ذلك. مضافاً إلى احتمال كونه اجتهاداً من السيد بن طاوس قدس‌سره.

وعليه ، فينحصر وجه توصيف الرواية بالصحّة باستظهار التوثيق العام من عبارة كامل الزيارات.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٢٠ ، ص ٦٨.

٤١٨

المحكي عن السيد في مواضع من كلامه (١) ، بل (٢) حكي عنه أنه (٣) جعله بمنزلة القياس في كون تركه معروفاً من مذهب الشيعة (*).

______________________________________________________

الكتاب والسنة ليس هي المخالفة على وجه التباين الكلي بحيث يتعذر أو يتعسر الجمع ، إذ لا يصدر من الكذابين عليهم عليهم‌السلام ما يباين الكتاب والسنة كلية ، إذ لا يصدقهم أحد في ذلك ، فما كان يصدر عن الكذابين من الكذب لم يكن الا نظير ما كان يرد من الأئمة عليهم‌السلام في مخالفة ظواهر الكتاب والسنة ... إلخ».

(١) قال الشيخ الأعظم : «وأما الإجماع فقد ادعاه السيد المرتضى (قده) في مواضع من كلامه وجعله في بعضها بمنزلة القياس ... إلخ».

(٢) اضراب عن حكاية الإجماع ، والغرض جعل بطلان العمل بالخبر الواحد فوق كونه إجماعياً ، بل من المسلمات.

(٣) أي : حكي عن السيد أنه جعل الخبر الواحد بمنزلة القياس في كونه باطلا ، وأن تركه كان معروفاً من مذهب الشيعة كمعروفية ترك العمل بالقياس عندهم.

__________________

(*) وقد يستدل على حرمة العمل به بأصالة عدم الحجية ، ويتوجه عليه : أنه ان أريد بها الأصل العملي وهو الاستصحاب مثلا ، ففيه : أنه مع الدليل الاجتهادي من الآيات والروايات لا تصل النوبة إليه. وان أريد بها القاعدة المستنبطة من الأدلة الأربعة ـ كما عليه شيخنا الأعظم في تأسيس الأصل على حرمة العمل ـ فلا حاجة إلى ذكره مع وجود تلك الأدلة وبيانها بصورة مفصلة ، إلّا أن يكون ذكرها سنداً لتلك القاعدة ، فتدبر.

٤١٩

والجواب أما عن الآيات (١) ، فبأن الظاهر منها أو المتيقن من إطلاقاتها [إطلاقها] (٢) هو اتباع غير العلم في الأصول الاعتقادية لا ما يعم الفروع الشرعية. ولو سلم عمومها لها (٣) ، فهي مخصصة بالأدلة الآتية [الدالة] على اعتبار الاخبار.

______________________________________________________

(١) قد أجاب عن الآيات الناهية عن العمل بغير العلم بوجوه ثلاثة :

الأول : ما أفاده بقوله : «فبأن الظاهر» وحاصله : أن ظاهر الآيات الناهية بقرينة المورد هو اختصاص النهي عن اتباع غير العلم بأصول الدين ، فان قوله تعالى ـ في مقام ذم الكفار : «ان يتبعون إلّا الظن» ـ ورد عقيب قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى ، وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ» (١).

(٢) أي : إطلاق الآيات ، وهذا هو الجواب الثاني ، وحاصله : أن المورد ان لم يكن قرينة موجبة لظهور الآيات في الاختصاص بأصول الدين ، فلا أقل من كونه موجباً لإجمالها من باب احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية ، فلا بدّ حينئذ من الأخذ بالقدر المتيقن من إطلاقها وهو خصوص أصول الدين.

(٣) أي : ولو سلم عموم الآيات الناهية للفروع الشرعية فهي ... إلخ وهذا هو الجواب الثالث ، وتوضيحه : أنه ـ بعد تسليم عمومها للفروع ، وبعدم كون موردها أعني أصول الدين قرينة موجبة لظهورها في الاختصاص بالأصول ولا موجبة لإجمالها ـ نقول : لا مانع من عموم الآيات الناهية للفروع بعد كون ما دل على حجية خبر الواحد أخص من تلك الآيات ، فيخصص به عموم الآيات ، هذا ، بل قيل بحكومة أدلة حجية الخبر على الآيات الناهية. بل قيل بورودها عليها ،

__________________

(١) النجم ، الآية : ٢٧ و ٢٨.

٤٢٠