منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٧١

وأما الرابعة (١) ، فلأن العلم إجمالا بطروّ إرادة خلاف الظاهر انما (٢) يوجب الإجمال فيما إذا لم ينحل بالظفر في الروايات بموارد (٣) إرادة خلاف الظاهر بمقدار المعلوم بالإجمال. مع (٤) أن دعوى

______________________________________________________

(١) وهي كون الظاهر متشابهاً بالعرض ، وحاصل ما ذكره المصنف في ردها وجهان أشار إلى الأول بقوله : «فلان العلم ...» وتوضيحه : أن سببية العلم الإجمالي ـ بإرادة خلاف الظاهر في جملة من الآيات ـ للإجمال مشروطة بعدم انحلاله بالظفر في الروايات بالمخصصات وغيرها من موارد إرادة خلاف الظاهر بمقدار المعلوم بالإجمال ، ومع الانحلال لا إجمال ، كما إذا علم إجمالا بأن موارد إرادة خلاف الظاهر عشرة مثلا ، وظفرنا في الروايات بمقدارها ، فحينئذ ينحل العلم الإجمالي بالنسبة إلى الموارد الباقية ويجوز الرجوع إلى الأصول اللفظية المرادية.

(٢) خبر «فلان».

(٣) متعلق بـ «الظفر» و «بمقدار» متعلق بـ «موارد» أي : الظفر بالموارد الكائنة بمقدار المعلوم بالإجمال.

(٤) هذا هو الجواب الثاني ، وقد ذكره الشيخ الأعظم بقوله : «بأن من المعلوم هو وجود مخالفات كثيرة في الواقع فيما بأيدينا بحيث يظهر تفصيلا بعد الفحص.

وأما وجود مخالفات في الواقع زائداً على ذلك فغير معلوم ... إلخ».

وحاصل ما أفاده المصنف : أن دائرة المعلوم بالإجمال ليست مطلق الأمارات حتى يقال ببقاء احتمال التخصيص ونحوه حتى بعد الظفر بمخصصات ونحوها فيما بأيدينا من الروايات وغيرها ، بل خصوص ما لو تفحصنا عنه لظفرنا به ، وهذا العلم الإجمالي يمنع عن التمسك بالظواهر قبل الفحص لا بعده ، فبعد الفحص إذا لم يظفر بما يخالف ظاهر لكتاب من تخصيص أو تقييد أو قرينة

٣٠١

اختصاص أطرافه بما إذا تفحص عما يخالفه لظفر به غير بعيدة (١) ، فتأمل جيداً.

وأما الخامسة (٢)

______________________________________________________

مجاز يكون ذلك الظاهر مما علم خروجه تفصيلا عن أطراف الشبهة ، فلا مانع حينئذ من إجراء أصالة الظهور فيه.

وبالجملة : فالعلم الإجمالي بإرادة خلاف جملة من الظواهر مانع عن أصالة الظهور قبل الفحص لا بعده.

(١) خبر «أن دعوى» وضمير «أطرافه» راجع إلى العلم الإجمالي ، وضمير «به» والمستتر في «يخالفه» راجعان إلى الموصول في «عما» المراد به المخصص أو المقيد ، والضمير البارز في «يخالفه» راجع إلى ظاهر القرآن.

(٢) وهي شمول الاخبار الناهية عن التفسير بالرأي لحمل الكلام على ظاهره ، وحاصل ما ذكره المصنف في الجواب عنها يرجع إلى وجوه ثلاثة.

الأول : ما أشار إليه بقوله : «فيمنع كون حمل الظاهر» وحاصله : أن حمل الظاهر على ظاهره ليس تفسيراً لأن التفسير ـ كما في مجمع البيان ـ هو «كشف المراد عن اللفظ المشكل» أي : أنه عبارة عن كشف القناع ورفع الحجاب ، ولا قناع للظاهر ، إذ المفروض أن المعنى الموضوع له ينسبق إلى الأذهان بمجرد العلم بالوضع كما هو واضح. قال الشيخ الأعظم «والجواب عن الاستدلال بها ـ أي بالروايات الناهية ـ أنها لا تدل على المنع من العمل بالظواهر الواضحة المعنى بعد الفحص عن نسخها وتخصيصها وإرادة خلاف ظاهرها في الاخبار ، إذ من المعلوم أن هذا لا يسمى تفسيراً ، فان أحداً من العقلاء إذا رأى في كتاب مولاه أنه أمره بشيء بلسانه المتعارف في مخاطبته له عربياً أو فارسياً أو غيرهما فعمل به وامتثله لم يعد هذا تفسيراً ، إذ التفسير كشف القناع».

٣٠٢

فيمنع (١) كون حمل الظاهر على ظاهر من التفسير ، فانه (٢) كشف القناع ولا قناع للظاهر. ولو سلم فليس (٣) من التفسير بالرأي ،

______________________________________________________

(١) الأولى أن يقال : «فبمنع» ليلائم ما سبق.

(٢) أي : فان التفسير هو كشف القناع ورفع الحجاب.

(٣) أي : فليس حمل الظاهر على ظاهره من التفسير بالرأي ، وهذا هو الجواب الثاني ، وحاصله : أن المنهي عنه ـ بعد تسليم شمول التفسير لحمل الكلام على ظاهره ـ هو التفسير بالرأي ، والمراد به الاعتماد في استفادة المعاني من ظواهر الألفاظ على الأمور الاعتبارية التي لا اعتبار بها ، لعدم افادتها إلّا الظن كالقياس والاستحسانات العقلية ، فإذا حمل اللفظ على معنى اعتماداً على ذلك الوجه الاعتباري فهو من التفسير بالرأي ، ومن المعلوم أن التفسير بهذا المعنى أجنبي عما نحن فيه من حمل الكلام على ظاهره ، لأن هذا الحمل ليس مستنداً إلى الأمر الظني الاستحساني ، بل إلى العلم بالوضع ونحوه مما يعتمد عليه أبناء المحاورة في باب استفادة المعاني من الألفاظ.

وبالجملة : فلو سلم إطلاق التفسير على حمل الكلام على ظاهره ، فليس من التفسير بالرأي الممنوع في الاخبار (*).

__________________

(*) وعليه يحمل إطلاق الاخبار الناهية عن التفسير مثل ما رواه جابر بن يزيد ، قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن شيء من التفسير فأجابني ثم سألته عنه ثانية فأجابني بجواب آخر ، فقلت : كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا ، فقال : يا جابر ان للقرآن بطناً وله ظهر ، وللظهر ظهر ، يا جابر وليس شيء أبعد من عقول الرّجال من تفسير القرآن ، ان الآية تكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل متصرف على وجوه» (١)

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ الباب ١٣ من أبواب صفات القاضي الحديث ٤١.

٣٠٣

إذ الظاهر أن المراد بالرأي هو الاعتبار الظني الّذي لا اعتبار به ، وانما كان منه (١) حمل اللفظ على خلاف ظاهره ، لرجحانه (٢) بنظره ، أو حمل (٣) المجمل على محتمله بمجرد مساعدة [مساعدته] ذاك الاعتبار عليه (٤) من دون (٥) السؤال عن الأوصياء ، وفي بعض الاخبار (٦) «انما هلك الناس في المتشابه ، لأنهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته ، فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء ، فيعرفونهم» (١)

______________________________________________________

(١) خبر مقدم لـ «كان» و «حمل اللفظ» اسمه ، وضمير «منه» راجع إلى التفسير بالرأي ، و «على خلاف» متعلق بـ «حمل» أي : وانما كان حمل اللفظ على خلاف ظاهره من صغريات التفسير بالرأي لرجحانه ... إلخ.

(٢) تعليل لقوله : «كان» أي : لرجحان خلاف الظاهر ـ بنظر من يفسر القرآن برأيه ـ على الظاهر بنظر غيره.

(٣) معطوف على «حمل اللفظ» وضمير «محتمله» راجع إلى المجمل.

(٤) أي : بمجرد مساعدة ذلك الأمر الاستحساني الظني ـ الّذي لا عبرة به ـ على حمل المجمل على محتمله.

(٥) متعلق بقوله : «وانما كان منه حمل».

(٦) الظاهر أن غرضه من نقله هو الاستشهاد على عدم كون حمل اللفظ على ظاهره من التفسير بالرأي ، إذ ما ورد في المتشابه من التعليل «بأنهم لم يقفوا على معناه» لا يتأتى في حمل الكلام على ظاهره ، لأن المعنى الظاهر مما يقف عليه أبناء المحاورة ، فتأمل جيداً.

__________________

(١) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ١٣ من أبواب صفات القاضي الحديث ٦٢ ، وقد نقل الحديث بطوله عن كتاب المحكم والمتشابه.

٣٠٤

هذا. مع أنه (١) لا محيص عن حمل هذه الروايات الناهية عن التفسير به

______________________________________________________

(١) الضمير للشأن ، وهذا هو الوجه الثالث في الرد على الدعوى الخامسة ، وتعرض له شيخنا الأعظم بقوله : «هذا كله مع معارضة الاخبار المذكورة بأكثر منها ... إلخ» وقد نقلناها في الجواب عن الدعوى الأولى ، وحاصل ما أفاده المصنف : أنه لا بد من إخراج الظواهر عن عموم الاخبار الناهية عن التفسير بالرأي وان قلنا بشمولها للظواهر ، وذلك لأن إخراجها عنها هو مقتضى التوفيق بين تلك الاخبار الشاملة للظواهر والمجملات ، ولحمل الظواهر على خلافها ، وبين ما يدل على حجية الكتاب مثل أخبار الثقلين ، وما دل على عرض الاخبار المتعارضة عليه ، وغير ذلك ، فان ما يستفاد منه حجية الكتاب أخص ، لاختصاصها بالظواهر ، إذ لا معنى للإرجاع إلى المتشابه والمجمل ، والاخبار الناهية عن التفسير بالرأي أعم ، لشمولها للظاهر وغيره كما عرفت ، فمقتضى الصناعة تخصيص عموم حرمة التفسير بالرأي بأخبار حجية الكتاب ، وإخراج الظواهر عن موضوع النهي.

وتوهم كون النسبة بينهما عموماً من وجه ، لشمول أخبار الحجية للمحكمات وهي النصوص ، فتكون الظواهر مورد الاجتماع فاسد ، لما فيه ـ بعد تسليم وجود النص في آيات الأحكام ـ من أن إخراج الظواهر عن دائرة أخبار الحجية يوجب حملها على المورد النادر ، لندرة النص جداً ، فلا بدّ من معاملة العموم المطلق بين أخبار النهي عن التفسير بالرأي ، وبين أخبار الحجية ، وقد عرفت أن مقتضاها الالتزام بحجية الظواهر. هذا مضافاً إلى أن قصارى ما يلزم بعد تسليم عدم ندرة النص هو التعارض في الظواهر ، والمرجع حينئذ هو بناء العقلاء على اتباعها.

٣٠٥

على ذلك (١) ولو (٢) سلم شمولها لحمل اللفظ على ظاهره ، ضرورة (٣) أنه قضية التوفيق بينها وبين ما دل على جواز التمسك بالقرآن مثل خبر الثقلين (٤) ، وما دل (٥) على التمسك به والعمل بما فيه ، وعرض الاخبار

______________________________________________________

وبالجملة : فالظواهر خارجة عن التفسير بالرأي على كل تقدير إما موضوعاً وإما حكماً.

(١) أي : لا محيص عن حمل الاخبار الناهية عن التفسير بالرأي على غير الظاهر.

(٢) وصلية ، أي : ولو سلم شمول الروايات الناهية لحمل اللفظ على ظاهره.

(٣) تعليل لقوله : «لا محيص» وضمير «أنه» راجع إلى الحمل على غير الظاهر ، يعني : أن حمل الاخبار الناهية على غير الظاهر هو مقتضى الجمع بينها وبين الاخبار التي يستفاد منها حجية الكتاب.

(٤) قال في الوسائل : «وقد تواتر بين العامة والخاصة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» (١).

(٥) كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «انتفعوا ببيان الله واتعظوا بمواعظ الله واقبلوا نصيحة الله ، فان الله قد أعذر إليكم بالجلية واتخذ عليكم الحجة ، وبين لكم محابه من الأعمال ومكارهه منها ... إلى أن قال عليه‌السلام : واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الّذي لا يغش والهادي الّذي لا يضل ، والمحدث الّذي لا يكذب ، وما جالس هذا القرآن أحد الا قام عنه بزيادة أو نقصان زيادة في هدى أو نقصان من عمى .. إلخ» (٢).

وكذا ما رواه حفص المؤذن وإسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رسالة طويلة كتبها إلى جماعة من الشيعة ، وفيها : «قد أنزل الله القرآن

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ، الباب ٥ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٩.

(٢) نهج البلاغة باب الخطب ، الخطبة ١٧٦.

٣٠٦

المتعارضة عليه (١) ، وردّ الشروط المخالفة له (٢) وغير ذلك (٣) مما لا محيص

______________________________________________________

وجعل فيه تبيان كل شيء وجعل للقرآن ولتعلّم القرآن أهلا ...» (١).

(١) أي : على القرآن ، مثل ما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : «قال الصادق عليه‌السلام : إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردوه ، فان لم تجدوهما في كتاب الله فأعرضوهما على أخبار العامة ، فما وافق أخبارهم فذروه ، وما خالف أخبارهم فخذوه» (٢).

بل ظاهر بعض الاخبار أنه يعتبر في حجية الخبر ـ وان لم يكن معارضاً ـ أن لا يكون مخالفاً لكتاب الله ، مثل ما رواه أيوب بن راشد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف» (٣).

وكذا ما رواه هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «خطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمنى ، فقال : أيها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله» (٤).

(٢) كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله فلا يجوز له ، ولا يجوز على الّذي اشترط عليه ، والمسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله عزوجل (٥) ونحوه غيره.

(٣) أي : وغير الاخبار المتقدمة ، وقد ذكر الشيخ الأعظم بعضها فقال في

__________________

(١) روضة الكافي ، الحديث ١ ص ٥.

(٢) الوسائل ، ج ١٨ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ٢٩.

(٣) الوسائل ، ج ١٨ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ١٢.

(٤) الوسائل ، ج ١٨ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ١٥.

(٥) الوسائل ، ج ١٢ الباب ٦ من أبواب الخيار ، الحديث : ١.

٣٠٧

عن إرادة الإرجاع إلى ظواهره لا خصوص نصوصه (١) ، ضرورة (٢) أن الآيات التي يمكن أن تكون مرجعاً في باب تعارض الروايات أو الشروط أو يمكن أن يتمسك بها ويعمل بما فيها ليست إلّا ظاهرة في معانيها ، وليس فيها (٣) ما كان نصاً كما لا يخفى.

______________________________________________________

مقام عدّ الاخبار المعارضة للأخبار الناهية عن التفسير بالرأي ما لفظه : «والاخبار الدالة قولا وفعلا وتقريراً على جواز التمسك بالكتاب مثل قوله عليه‌السلام : ـ لما قال زرارة من أين علمت أن المسح ببعض الرّأس ـ لمكان الباء ، فعرفه عليه‌السلام مورد استفادة الحكم من ظاهر الكتاب ، وقول الصادق عليه‌السلام في مقام نهي الدوانيقي عن قبول خبر النمام : انه فاسق ، وقال الله تعالى : ان جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا الآية ، وقوله عليه‌السلام لابنه إسماعيل : ان الله عزوجل يقول : يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ، فإذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم ... إلخ».

والحاصل : أن هذه الروايات تدل بوضوح على أن الأئمة عليهم‌السلام أرجعوا الرّواة إلى القرآن الكريم ، ولا بد أن يكون إرجاعهم إلى ظواهر الكتاب لا خصوص نصوصه ومحكماته ، إذ الآيات المتكفلة للأحكام ليست إلّا ظاهرة في معانيها كما لا يخفى.

(١) هذا الضمير وضمير «ظواهره» راجعان إلى القرآن.

(٢) تعليل لقوله : «قضية التوفيق» وقد عرفت توضيحه.

(٣) حيث ان أظهر آيات الأحكام هي آيات الإرث ، وليس شيء منها نصاً ، فان قوله تعالى : «فلأمه السدس» وان كان نصاً ، إلّا أن إرثها من جميع التركة يكون بالإطلاق كما هو واضح. وضمائر «فيها» في الموضعين و «بها ، معانيها» راجعة إلى الآيات.

٣٠٨

ودعوى العلم الإجمالي بوقوع التحريف (١) فيه بنحوٍ اما بإسقاط (٢)

______________________________________________________

(١) قال في مجمع البحرين : «تحريف الكلام تغييره عن مواضعه» والمصنف (قده) أطلقه على مطلق التغيير ، فيشمل الإسقاط والتصحيف. وكيف كان فهذا وجه آخر لإسقاط ظاهر الكتاب عن الحجية وان لم نظفر إلى الآن بمن استدل به من المحدثين عليه.

نعم قال في أوثق الوسائل ما حاصله : «ان أخبار التحريف قد جعلها شريف العلماء من جملة الأدلة على عدم حجية الكتاب ، لكن الشيخ الأعظم عدل عن ذلك وتعرض لمسألة التحريف في تنبيهات المسألة ، والسّر فيه عدم تمسك أحد من الأخباريين بها لتذكر في جملة أدلتهم ، ولعل السر في ترك الاستدلال بها هو أن النزاع في حجية الكتاب قبل وقوع التحريف فيه كما في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو مع قطع النّظر عن ذلك».

وكيف كان ، فحاصل ما أفاده المصنف (قده) في تقرير هذا الوجه : أن العلم الإجمالي بوقوع التحريف في الكتاب إما بإسقاط بعض الآيات وإما بتغيير موضع بعضها يوجب سقوط الظهور عن الاعتبار أو يمنع عن انعقاد الظهور.

قال شيخنا الأعظم في التنبيه الثالث : «ان وقوع التحريف في القرآن على القول به لا يمنع من التمسك بالظواهر ، لعدم العلم الإجمالي باختلال الظواهر بذلك ... إلخ».

(٢) أما الزيادة فقد قام الإجماع على عدمها. والتصحيف كما في مجمع البحرين : «تغيير اللفظ حتى يغير المعنى» أقول : الظاهر أن التصحيف تغيير الكلام مادة أو هيئة بحيث يخرجه عن الكلام المنزل ، ومع احتماله لم يحرز كونه من الكلام المنزل حتى يتبع ظهوره الفعلي أو الذاتي. وأما الإسقاط فلا يخل بظهور الكلام وان كان متصلا به ، لبقاء ظهوره الذاتي مع اتصال القرينة به ، وبقاء ظهوره

٣٠٩

أو تصحيف وان كانت غير بعيدة (١) كما شهد به بعض الاخبار (٢) ويساعده (٣) الاعتبار (٤)

______________________________________________________

الفعلي مع انفصالها عنه.

(١) بل بعيدة والتفصيل في محله.

(٢) التي رواها بعض أصحابنا وقوم من حشوية العامة.

(٣) هذا الضمير وضمير «به» راجعان إلى وقوع التحريف.

(٤) لما يتراءى من عدم المناسبة بين بعض الآيات مع بعضها كقوله تعالى : «وان خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء» فانه لا تنسبق إلى الذهن مناسبة بين المقدم والتالي.

فقد روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال للزنديق ـ لما أنكر المناسبة بين قوله تعالى : وان خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى وبين قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء ـ : «وأما ظهورك على تناكر قوله : فان خفتم ... إلى أن قال عليه‌السلام : فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن بين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن» الحديث (١) ، ولكن المراجعة إلى التفاسير ترفع هذا الاستبعاد وتوضح وجه المناسبة ، فان العلامة الجليل الشيخ الطبرسي (قده) نقل في مجمع البيان أقوالا ستة لنظم الآية ونسقها ثم فسرها اعتماداً على المعنى الأول بقوله : «ان خفتم أن لا تعدلوا في نكاح اليتامى ان نكحتموهن فانكحوا البوالغ من النساء ، وذلك أنه ان وقع حيف في حق البوالغ أمكن طلب المخلص منهن بتطييب نفوسهن والتماس تحليلهن ، لأنهن من أهل التحليل وإسقاط الحقوق ، بخلاف اليتامى ، فانه ان وقع حيف في حقهن لم يمكن المخلص منه ، لأنهن

__________________

(١) احتجاج الطبرسي ، ج ١ ، ص ٣٧٧.

٣١٠

إلّا أنه (١) لا يمنع عن حجية ظواهره ، لعدم (٢) العلم بوقوع الخلل فيها بذلك (٣) أصلا. ولو سلم فلا علم (٤) بوقوعه في آيات الأحكام ، والعلم

______________________________________________________

لسن من أهل التحليل ولا من أهل إسقاط الحقوق».

وتصدى العلامة المحقق البلاغي لبيان نسق الآية ونظمها بوجه آخر ، فراجع تفسير آلاء الرحمن.

(١) أي : أن وقوع التحريف ، وهذا جواب عن الاستدلال بالعلم الإجمالي المزبور ، وحاصل ما أفاده فيه يرجع إلى وجهين : الأول : ما أشار إليه بقوله : «لعدم العلم» وتوضيحه : أن التحريف لا يوجب العلم بخلل في الظواهر ، لاحتمال عدم ارتباطه بالآيات الباقية ، نظير إسقاط بعض جمل رواية مشتملة على أحكام عديدة غير مرتبط بعضها بالآخر ، فمثل هذا الإسقاط لا يضر بظهور الجمل الباقية.

وبالجملة : فمجرد العلم الإجمالي بالتحريف لا يسقط الظهور عن الاعتبار.

(٢) تعليل لقوله : «لا يمنع» وضمير «فيها» راجع إلى الظواهر.

(٣) أي : بسبب وقوع التحريف.

(٤) هذا هو الوجه الثاني ، وحاصله : أنه ـ بعد تسليم العلم بوقوع الخلل في الظواهر المانع عن حجيتها ـ لا علم بوقوع الخلل في آيات الأحكام التي هي مورد البحث والابتلاء ، لاحتمال وقوع الخلل في ظواهر غير آيات الأحكام مما يرتبط بالولاية وغيرها ، ومن المعلوم أنه لا أثر للعلم الإجمالي الّذي يكون بعض أطرافه خارجاً عن مورد الابتلاء ، كما إذا علم إجمالا بخلل في إحدى الصلوات الأربع التي صلاها إلى الجهات الأربع لاشتباه القبلة فيها ، فلو كان الخلل في غير الصلاة الواقعة إلى القبلة لم يكن له أثر.

وقد أفاد هذا الجواب أيضا الشيخ الأعظم بقوله : «لاحتمال كون الظاهر

٣١١

بوقوعه (١) فيها أو في غيرها من الآيات (٢) غير ضائر بحجية آياتها. والعلم الإجمالي (٣) بوقوع الخلل في الظواهر انما يمنع عن حجيتها إذا كانت كلها حجة ، وإلّا (٤)

______________________________________________________

المصروف عن ظاهره من الظواهر المتعلقة بالاحكام الشرعية العملية التي أمرنا بالرجوع فيها إلى ظاهر الكتاب».

(١) أي : والعلم بوقوع التحريف في آيات الأحكام أو في غيرها غير ضائر ، وذلك لما عرفت من خروج ظواهر سائر الآيات عن مورد الابتلاء ، فليس العلم الإجمالي بوقوع التحريف في ظواهر آيات الأحكام أو غيرها منجزاً.

(٢) بيان لـ «غيرها» كالآيات المتضمنة لقصص الأنبياء والحكمَ والمواعظ ، وضمير «آياتها» راجع إلى الأحكام.

(٣) غرضه بيان مانعية العلم الإجمالي بوقوع التحريف عن التمسك بظواهر القرآن إذا فرض حجية جميع ظواهر الكتاب من غير فرق في ذلك بين آيات الأحكام وغيرها ، لأن العلم الإجمالي بوقوع الخلل في الظواهر في الجملة مانع عن أصالة الظهور ، فلا يمكن الأخذ بشيء من ظواهر الكتاب سواء كانت من آيات الأحكام أم غيرها ، لكون الجميع حينئذ مورداً للابتلاء.

(٤) أي : وان لم تكن ظواهر الكتاب كلها حجة ـ بأن كان ظواهر خصوص آيات الأحكام حجة ـ ومع ذلك كان العلم الإجمالي مانعاً عن حجيتها لَزِم سقوط جميع الظواهر عن الحجية ، إذ ما من ظاهر الا ويحتمل وقوع الخلل فيه ، ومن المعلوم أن الالتزام بسقوط جميع الظواهر عن الحجية ينافي ما سبق من الإرجاع إلى بعض آيات الأحكام.

٣١٢

لا يكاد ينفك ظاهر عن ذلك (١) ، فافهم (٢).

نعم (٣) لو كان الخلل المحتمل فيه أو في غيره بما اتصل به لأخل

______________________________________________________

(١) أي : عن وقوع الخلل فيه ، لكونه طرفاً للعلم الإجمالي بوقوع التحريف في القرآن ، وضميرا «حجيتها ، كلها» راجعان إلى الظواهر.

(٢) لعله إشارة إلى منع خروج غير آيات الأحكام ـ من سائر الآيات ـ عن مورد الابتلاء ، إذ يكفي في الابتلاء بها جواز الاعتماد عليها في الاخبار عن مضامينها ، فلا تختص أصالة الظهور بآيات الأحكام. وعليه ، فالعلم الإجمالي بوقوع الخلل في بعض الظواهر في الجملة يمنع عن حجية أصالة الظهور في جميع الآيات ، فالصواب حينئذ منع التحريف الموجب للخلل في الظواهر.

(٣) هذا استدراك على قوله : «لا يمنع عن حجية ظواهره» وحاصل الاستدراك : التفصيل في الإخلال بظواهر الكتاب بين القرائن المتصلة والمنفصلة بالإخلال في الأولى دون الثانية ، وتوضيحه : أن الكلام المتقدم كان في الخلل غير المخل بالظهور كما في القرائن المنفصلة ، فان الحكم فيه كما عرفت هو عدم كونه مضراً بحجية أصالة الظهور بالنسبة إلى ظواهر آيات الأحكام.

وأما إذا كان الخلل المحتمل بالتحريف موجباً لاختلال أصل الظهور وعدم انعقاده كما في القرائن المتصلة ، فإذا احتمل احتفاف ظاهر آيات الأحكام بما يكون مانعاً عن انعقاد الظهور لم تجرِ فيه أصالة الظهور ، إذ مجراها هو الظهور المعلوم وأما مشكوك الظهور ، فلا مجال لجريانها فيه.

وبالجملة : فالعلم الإجمالي بالتحريف انما لا يمنع عن حجية أصالة الظهور إذا انعقد أصل الظهور ، لكون الخلل المحتمل بسبب التحريف في القرائن المنفصلة عن آيات الأحكام غير المانعة عن انعقاد الظهور لها ، دون ما إذا لم ينعقد أصل الظهور ، لمنع الخلل المحتمل بالتحريف عن انعقاده كما في القرائن المتصلة

٣١٣

بحجيته (١) ، لعدم (٢) انعقاد ظهور له حينئذ (٣) (*) وان انعقد له الظهور لو لا اتصاله (٤).

ثم ان التحقيق (٥).

______________________________________________________

بآيات الأحكام.

(١) هذا الضمير وضمائر «فيه ، به ، غيره ، به» راجعة إلى ظاهر الكتاب.

(٢) تعليل لـ «لأخل بحجيته» وضمير «له» في الموضعين راجع إلى الكتاب وقوله : «بما اتصل» متعلق بـ «الخلل».

(٣) أي : حين وقوع الخلل في الظاهر بسبب القرينة المتصلة.

(٤) هذا الضمير والمستتر في «اتصل» راجعان إلى الموصول في قوله : «بما اتصل» المراد به القرينة المتصلة كالحال والاستثناء.

(٥) بعد أن أثبت حجية ظواهر آيات الأحكام نبّه على ثبوت الإخلال بالتمسك بظواهر الكتاب بسبب اختلاف القراءات الموجب لعدم إحراز ما هو القرآن ، وباختلافها لا يمكن الاستدلال بظاهر الكتاب ، إذ المفروض اختلاف الظهور تبعاً للقراءة.

__________________

(*) أقول : لا مانع من إجراء أصالة عدم القرينة وإثبات الظهور بها ثم إجراء أصالة الظهور فيه فيما إذا كان الخلل المحتمل الحاصل بالتحريف مانعاً عن انعقاد الظهور نظير القرائن المتصلة.

فالمتحصل : أنه لا فرق في حجية ظواهر آيات الأحكام بين كون الخلل المحتمل بالتحريف مانعاً عن حجية الظهور كما في القرائن المنفصلة ، وبين كونه مانعاً عن انعقاد أصل الظهور كما في القرائن المتصلة ، فلا أثر للعلم الإجمالي بوقوع الخلل في ظواهر الآيات في الجملة في كلتا الصورتين.

٣١٤

أن الاختلاف في القراءة بما (١) يوجب الاختلاف في الظهور مثل «يطهرن» بالتشديد (٢)

______________________________________________________

وحاصل ما أفاده المصنف : أن اختلاف القراءات إذا كان موجباً لاختلاف الظهور منع عن التمسك بالكتاب ، لعدم إحراز ما هو القرآن حتى يستدل بظاهره لإثبات الحكم الشرعي. نعم بناءً على كل واحد من القولين ـ أعني ثبوت تواتر القراءات وثبوت جواز الاستدلال بكل واحدة من القراءات وان لم يثبت تواترها ـ لا مانع من التمسك بظواهره ، ولكن لم يثبت شيء منهما ، لما سيأتي من توضيحه عند تعرض المصنف له. وعليه فالاختلاف الموجب لتغيير المعنى مانع عن جواز التمسك بظواهر الكتاب.

وقد عقد الشيخ الأعظم التنبيه الثاني لبيان ذلك ، فقال : «الثاني : أنه إذا اختلف القراءة في الكتاب على وجهين مختلفين في المؤدى ، كما في قوله تعالى حتى يطهرن ، فلا يخلو اما أن نقول بتواتر القراءات كلها ... إلى أن قال : واما أن لا نقول كما هو مذهب جماعة. فعلى الأول فهما بمنزلة آيتين تعارضتا ... إلى أن قال : وعلى الثاني فان ثبت جواز الاستدلال بكل قراءة كما ثبت بالإجماع جواز القراءة بكل قراءة كان الحكم كما تقدم ، وإلّا فلا بدّ من التوقف في محل التعارض ... إلخ».

(١) متعلق بـ «الاختلاف» أي : بنحو يوجب الاختلاف في الظهور ، وهذا احتراز عن الاختلاف غير الموجب لاختلاف الظهور مثل «الصراط والسراط» و «بسطة وبصطة» إلى غير ذلك حيث انه لا إشكال في جواز الاستدلال به لحجيته سنداً ـ لتواتر قرآنيته ـ وظهوراً لجريان أصالة الظهور فيه كما هو واضح.

(٢) الظاهر في وجوب الاغتسال.

٣١٥

والتخفيف (١) يوجب الإخلال بجواز التمسك والاستدلال ، لعدم (٢) إحراز ما هو القرآن ، ولم يثبت (٣) تواتر القراءات (*) ولا جواز الاستدلال بها (**)

______________________________________________________

(١) الظاهر في انقطاع الدم ، وقوله «يوجب» خبر «أن الاختلاف».

(٢) تعليل لعدم جواز الاستدلال فيما إذا كان الاختلاف في القراءة موجباً للاختلاف في الظهور ، ووجهه واضح ، إذ لا وجه للاستدلال به ما لم يثبت قرآنيته.

(٣) إشارة إلى توهم ودفعه ، أما التوهم فهو : أن اختلاف القراءات لا يوجب الإخلال بظهور الكتاب ، لأن القراءات كلها متواترة ، وبتواترها يحرز القرآن ، فيجوز التمسك به ، ولو سلم عدم تواترها بأجمعها فمع ذلك يجوز التمسك بكل واحدة من القراءات استناداً إلى ما دل على جواز الاستدلال بكل قراءة ، هذا.

__________________

(*) ظاهره أنه على تقدير ثبوت تواتر كل قراءة ـ كما نسب إلى المشهور خلافاً للشيخ وجماعة لإنكارهم تواترها ـ يجوز التمسك بها ، وهو في غاية الضعف ، لأنه على مبنى الطريقية في الأمارات ـ كما هو المفروض والمعتمد ـ يكون الحكم التساقط ، وعدم جواز الاستدلال بشيء من القراءات المختلفة مضامينها.

(**) لا يخفى ما فيه ، لأن مجرد جواز الاستدلال بها انما يصحح التمسك بها في غير صورة اختلاف الظهور باختلاف القراءة. وأما في صورة اختلافه باختلافها فلا يصحح الاستدلال بها ، بل مقتضى القاعدة بناء على الطريقية هو التساقط وعدم حجية شيء من القراءتين المتعارضتين.

٣١٦

وان نسب إلى المشهور تواترها ، لكنه (١) مما لا أصل له ، وانما الثابت جواز القراءة بها (٢) ، ولا ملازمة بينهما (٣) كما لا يخفى.

______________________________________________________

وأما دفعه فهو الّذي أشار إليه بقوله : «ولم يثبت» وحاصله : عدم ثبوت تواتر القراءات وان نسب إلى المشهور ذلك. وكذا لم يثبت جواز الاستدلال بكل قراءة ، إذ الدليل ورد في جواز القراءة بكل قراءة لا في جواز الاستدلال به ، ومن المعلوم أنه لا ملازمة بينهما. فضميرا «بها ، تواترها» راجعان إلى القراءات.

(١) أي : لكن ما نسب إلى المشهور مما لا أصل له ، لعدم ثبوته بدليل.

(٢) أي : بالقراءات ، نظير ما رواه سالم بن سلمة (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : «قرأ رجل على أبي عبد الله عليه‌السلام وأنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : كفّ عن هذه القراءة ، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم ، فإذا قام القائم عليه‌السلام قرأ كتاب الله عزوجل على حده ، وأخرج المصحف الّذي كتبه علي عليه‌السلام ، وقال : أخرجه علي عليه‌السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه ، فقال لهم : هذا كتاب الله عزوجل كما أنزله الله على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد جمعته من اللوحين فقالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه ، فقال : أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً انما كان عليّ أن أخبركم حين جمعته لتقرءوه». فان قوله عليه‌السلام : «اقرأ كما يقرأ الناس» أجنبي عن جواز الاستدلال بكل قراءة ، لظهوره في جواز القراءة فقط.

(٣) أي : لا ملازمة بين جواز القراءة وبين جواز الاستدلال بها ، لقصور ما دل على جواز القراءة عن إثبات جواز الاستدلال بها ، فان جواز القراءة

__________________

(١) أصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٦٣٣ ، الحديث ٢٣.

٣١٧

ولو فرض (١) جواز الاستدلال بها ، فلا حاجة [فلا وجه] لملاحظة الترجيح بينها (**) بعد كون الأصل في تعارض الأمارات هو سقوطها

______________________________________________________

غير جواز الاستدلال كما هو واضح ، هذا. ويحتمل ـ كما في بعض الحواشي ـ أن يكون المقصود : أنه لا ملازمة بين جواز القراءة وبين التواتر ، ولا بين جواز القراءة وبين جواز الاستدلال (*).

(١) أي : بعد تسليم الملازمة بين جواز القراءة وبين جواز الاستدلال فلا وجه لترجيح بعض القراءات على بعض كما احتمله شيخنا الأعظم بقوله : «فان ثبت جواز الاستدلال بكل قراءة كان الحكم كما تقدم ، وإلّا فلا بدّ من التوقف في محل التعارض والرجوع إلى القواعد مع عدم المرجح أو مطلقاً بناء على ثبوت الترجيح هنا» والمصنف أورد عليه بقوله : «فلا حاجة ... إلخ» وحاصله : أن مقتضى الأصل في تعارض الطرق هو التساقط ، وملاحظة الترجيح والتخيير في المتعارضين من الاخبار انما هي لأجل الاخبار العلاجية.

وبالجملة : فمقتضى القاعدة بناء على الطريقية هو التساقط ، وبناء على السببية هو التخيير كما يأتي في باب التعارض إن شاء الله تعالى.

فالمتحصل : أنه ـ بناء على جواز الاستدلال بكل قراءة ـ يكون مقتضى القاعدة في تعارض القراءتين على الطريقية التساقط ، وعلى الموضوعية التخيير ،

__________________

(*) لكن لا يبعد استفادة جواز الاستدلال من النصوص الآمرة بالرجوع إلى القرآن ، فليتأمل.

(**) إلّا أن يفصل كما قيل بين حكاية نفس الآية وحكاية قراءة المعصوم عليه‌السلام لها ، فانها على الثاني حكاية فعل المعصوم عليه‌السلام فتدخل في السنة المحكية ، فليتأمل.

٣١٨

عن الحجية في خصوص المؤدى (١) بناء (٢) على اعتبارها من باب الطريقية والتخيير (٣) بينها بناء على السببية مع (٤) عدم دليل على الترجيح في غير الروايات من سائر الأمارات ، فلا بد (٥)

______________________________________________________

ولا وجه لملاحظة الترجيح والتخيير بينهما أصلا ، لاختصاصها بالروايات المتعارضة. لكن يمكن إجراء حكم تعارض الخبرين في القراءتين المتعارضتين بدعوى كون القارئ راوياً للقرآن ، فتندرج القراءتان المتعارضتان في الروايتين المتعارضتين ، فيعامل معهما معاملتهما ، فتأمل.

(١) أي : يتساقطان في المدلول المطابقي ، لا المدلول الالتزامي وهو نفي الثالث.

(٢) قيد لقوله : «سقوطها» وضميرا «سقوطها ، اعتبارها» راجعان إلى الأمارات.

(٣) معطوف على «سقوطها».

(٤) قيد لـ «سقوطها» وما بعده ، يعني : أن كون مقتضى الأصل في تعارض القراءتين هو التساقط بناء على الطريقية والتخيير على الموضوعية مبني على اختصاص دليل الترجيح بالخبرين المتعارضين وعدم شموله لسائر الأمارات المتعارضة. وأما بناء على عدم اختصاصه بهما فلا بدّ من الرجوع إلى الاخبار العلاجية وترجيح ما تقتضي تلك الاخبار ترجيحه ، ولا وجه للتساقط أو التخيير كما لا يخفى.

(٥) غرضه : أنه بعد تساقط القراءتين المختلفتين في الظهور ـ بناء على الطريقية ـ يرجع إلى العموم أو الأصل العملي على اختلاف المقامات ، ففي المرأة الحائض التي انقطع عنها الدم وشك في جواز وطيها قبل الاغتسال بعد تساقط قراءتي «يطهرن» بالتشديد والتخفيف هل يبنى على عدمه لاستصحاب الحرمة ، أو على جوازه ، لقوله تعالى : «فأتوا حرثكم أنى شئتم» لدلالته

٣١٩

من الرجوع حينئذ (١) إلى الأصل أو العموم حسب اختلاف المقامات.

______________________________________________________

على جواز الوطء في كل زمان ، خرج منه زمان وجود الدم قطعاً ، وخروج غيره مشكوك فيه ، فيشك في التخصيص الزائد ، فيرجع إلى العام؟ أو لا يتمسك بشيء منهما ، بل يتشبث بأصل البراءة المقتضي للجواز ، فلا بدّ من التأمل في الموارد حتى يعلم أن المورد من موارد الرجوع إلى العموم أو الأصل ، والله تعالى هو الهادي.

(١) أي : حين كون مقتضى الأصل في تعارض الأمارات هو التساقط.

٣٢٠