تهذيب اللغة - ج ١

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٩

الناسَ ، يعني أنّه إذا صارعَهم عقلَ أرجلَهم ، ويه الشَّغزَبيَّة والاعتقال.

قال : وقال غير واحد : العَقْل : ضربٌ من الوشي. والعقيلة : الكريمة من النساء والإبل وغيرها ، والجميع العقائل. وعَقَل الظلُّ ، إذا قام قائم الظهيرة. ويقال اعتقل فلانٌ الرحْلَ ، إذا ثنَى رجله فوضَعها على المورك. وقال ذو الرمة :

أطَلْتُ اعتقالَ الرَّحلِ في مدلهمَّةٍ

إذا شرَك الموماة أودَى نظامُها

أي خفيت آثار طرقها.

ويقال تعقَّل فلانٌ قادمة رحلِهِ ، بمعنى اعتقله. وقال النابغة :

متعقّلين قوادمَ الأكوارِ

وسمعت أعرابيّاً يقول لآخر : تعقَّلْ لي بكفَّيك حتَّى أركبَ بعيري. وذلك أنّ بعيره كان قائماً مثقلاً ، ولو أناخه لم ينهض به وبِحِمله ، فجمع له يديه وشبَّك بين أصابعه حتَّى وضع فيهما رِجلَه وركب.

ويقال اعتقِل لسانه ، إذا لم يقدر على الكلام. وقال ذو الرمّة :

ومعتقل اللسان بغير خَبْلٍ

يَميد كأنّه رجلٌ أميمُ

قال أبو سعيد : يقال عقلَ فلاناً وعَكَله ، إذا أقامَه على إحدى رجليه ، وهو معقولٌ منذ اليوم. وكلُ عقلٍ رَفْع. وصار دم فلانٍ مَعقُلةً على قومه ، إذا غَرِموه. ويقال اعتقل فلانٌ من دم صاحِبِه ومن طائلته ، إذا أخذ العَقْل. والمعاقل : حيث تُعقل الإبل.

وعقَلت المرأة شَعْرها ، إذا مَشَطته.

والماشطة : العاقلة. والدُّرة الكبيرة الصافية عَقِيلة البحر والمعقول : العقل ، يقال ما له معقول ، أي ما له عقل.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابيّ قال : العقل : التثبُّت في الأمور. والعقل القلب ، والقلب : العقل.

الليث : العَقْل : المعقِل ، وهو الحِصن ، وجمعه عقول ، وأنشد :

وقد أعددت للحدثَانِ حِصناً

لوَ انّ المرء ينفعه العُقولُ

قلت : أُراه أراد بالعقول التحصُّن في الجبل ؛ يقال وَعِلٌ عاقل ، إذا تحصّنَ بوَزَرِه عن الصيَّاد. ولم أسمع العَقْل بمعنى المَعقِل لغير الليث.

وعاقلٌ : اسم جبلٍ بعينه. وبالدَّهْنَاء خَبْرَاءُ يقال لها مَعقُلة. قلت : وقد رأيتها وفيها حوايا كثيرةٌ تمسِك ماءَ السماء دهراً طويلاً. وإنما سمِّيت مَعْقُلة لإمساكها الماء.

وعواقيل الأدوية : دراقيعها في معاطفها ، واحدها عاقول.

والقعنقل من الرمل : ما ارتكم وتعقّلَ بعضه ببعض ، ويجمع عَقنقَلاتٍ وعَقاقِل. وقال ابن الأعرابي : عقنقل الضَّبّ : كُشْيتُه في بطنه.

ويقال لفلانٍ قلبٌ عقول ولسانٌ سَئول.

وفي حديث الدجال وصفته : «ثم يأتي الخِصْبُ فيعقِّل الكَرْمُ».

روى سلمة عن الفراء أنه قال في قوله «يعقِّل الكرم» قال : معناه أنه يخرج

١٦١

العُقيَّلَى ـ وهو الحِصرِم ـ ثم يمجَّج ، أي يَطِيب طعمُه.

ويقال أعقلتُ فلاناً ، أي ألفيتُه عاقلاً.

وعقّلت فلاناً أي صيّرته عاقلاً.

ومَعقِل : اسم رجل ، وكذلك عَقيلٌ ، وعُقيل.

علق : أبو عبيد عن الفراء قال : القامة هي العَلَق ، وجمعه أعلاقٌ. وأنشد :

عيونها خُزرٌ لصوت الأعلاقْ

قلت : العَلق : اسمٌ جامع لجميع آلات الاستقاء بالبكَرة ، ويدخل فيه الخشبتانِ اللَّتان تُنصَبان على رأس البئر ، ويُلاقَى بين طرفيهما العاليين بحبلٍ ، ثم يوتَّدان على الأرض بحبل آخر يمدُّ طرفاه إلى الأرض ، ويمدّان إلى وتدين أُثبتا في الأرض ، وتعلَّق القامة ـ وهي البَكَرة ـ مِن شُعبتي طرفي الخشبتين ، ويستقي عليها بدلوين ينزِع بهما ساقيان. ولا يكون العَلَق للسَّانية. وجملة الأداة من الخطَّاف والمِحور والبكرة والنعامتين وحِبالها عَلقَ هكذا خفظتُه عن العرب.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : العَلَق : الحبل المعلَّق بالبكرة. وأنشد :

بئس مَقام الشيخ ذي الكرامهْ

مَحالةٌ صرَّارةٌ وقامه

وعَلَقٌ يزقو زُقاء الهامه

قال : لما كانت البكرة معلَّقة في الحبل جعل الزُّقاءُ له ، وإنّما هو للبكرة. قال : والعَلَق : الحبل الذي في أعلى البكرة.

قال : وقوله «كَلِفْتُ إليكَ عَلَق القِربة» و «عَرَق القِربة». فأمّا علقها فالذي تشدُّ به ثم تعلَّق. وأمّا عَرَقها فأنْ تَعرقَ من جَهدها. قال : وإنما قال : كلِفتُ إليك عَلَق القربة لأنّ أشدّ العمل عندهم السَّقي.

وفي الحديث أنّ امرأةً جاءت بابنٍ لها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد أعلقت عنه من العُذْرة ، فقال : «عَلامَ تَدْغَرن أولادكنَّ بهذه العُلَق ، عليكم بكذا». وقال عثمان بن سعيد في حديث أمِّ قيس : «دخلتُ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بابنٍ لي وقد أعلقْتُ عنه». قال : قال علي بن المديني : قال سفيان : حفظتُه من في الزُّهري : «وقد أعلَقتُ عنه».

قلت : والإعلاقُ : معالجة عُذْرة الصبيّ ورفْعُها بالإصبع. يقال أعلقَتْ عنه أمُّه ، إذا فعلَتْ ذلك به وغمزَتْ ذلك الموضع بإصبعيها ودفعتْه.

وقال ابن الأعرابيّ فيما روَى عنه أبو العباس : أعلقَ ، إذا غَمَزَ حلْقَ الصبيِّ المعذور ؛ وكذلك دَغَرَ. قال : والعُلُق : الدواهي. والعُلقُ : المنايا أيضاً. والعُلُق أيضاً : الأشغال.

وقال الله عزوجل : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) [المؤمنون : ١٤] ، العَلَقة : الدم الجامد الغليظ ، ومنه قيل لهذه الدابَّة التي تكون في الماء عَلَقة ، لأنّها حمراء كالدم. وكلُّ دمٍ غليظٍ عَلقٌ.

ويقال عَلِق العَلَق بِحنَك الدابّة يَعْلَق عَلَقاً ، إذا عضَّ على مَوضع العُذرة من حلقه يشربُ

١٦٢

الدم. وقد يُشرَط موضعُ المحاجم من الإنسان ويرسَل عليه العَلَق حتى يمصَّ دمَه.

قال : والمعلوق من الدوابّ والناس : الذي أخذَ العلقُ بحَلْقه عند شُربه الماء من عينٍ أو غيره.

ويقال عَلِق فلانٌ فُلانةَ ، إذا أحبَّها ؛ وقد عُلِّقها تعليقاً ، وهو معلَّق القلبِ بها.

والعَلَاقة : الهوى اللازمُ للقلب.

والعِلاقة بالكسر : عِلاقة السيف والسَّوط.

ويقال : عَلِق فلانٌ يفعل كذا ، كقولك : طفِق يفعل كذا.

ويقال جاء بعُلَقَ فُلَقَ. وقد أعلقَ وأفلقَ ، إذا جاء بالداهية. وعُلَق فُلَق لا ينصرف. حكاه أبو عبيد عن الكسائي.

الحرّانيُّ عن ابن السكِّيت : ناقة عَلوقٌ ، إذا رئمت بأنفها ومنعَتْ دِرّتها. وأنشد للجعْديّ :

وما نَحَنِي كمِناح العَلُو

قِ ما تَرَ من غِرّةٍ تضربِ

يقول : أعطاني من نفسه غير ما في قلبه ، كالناقة التي تُظهِر بشمِّها الرأمَ والعطف ، ولم ترأمْه.

أبو عبيد عن الكسائي : المَعَالق من الإبل مثل العَلوق. وأنشد غيره :

أم كيف ينفع ما تعطي العَلوقُ به

رئمانَ أنفٍ إذا ما ضُنَّ باللَّبنِ

وقال ابن السكيت : العَلِيقة : الناقة يعطيها الرجلُ القومَ يمتارون ، ويعطيهم دراهمَ ليمتاروا له عليها. وأنشد :

أرسلَها عليقةً وقد علِمْ

أنَ العَليقاتِ يُلاقين الرَّقِمْ

يعني أنَّهم يودّعون رِكابهم ويخفِّفون عنها بهذه العليقة يركبونها.

وقال غيره : يقال للدابّة عَلوقٌ. والعَلوق :

المَغْرة أيضاً. والعَلوق : نبت. وقال الأعشى :

هو الواهب المائة المصطفا

ة لاطَ العَلوقُ بهنَّ احمرارا

أي حسَّن هذا النبتُ ألوانَها.

وقال أبو الهيثم : العَلوق : ماء الفحل ، لأنَّ الإبلَ إذا عَلِقَتْ وعقَدت على الماء انقلبت ألوانُها واحمرَّت ، فكانت أنفَسَ لها في نفْس صاحبها.

وفي الحديث : «أرواح الشُّهداء في أجواف طَيرٍ خُضْرٍ تَعلُق من ثمار الجنّة» ، قال أبو عبيد : قال الأصمعيّ : تعلُق يعني تَنَاوَلُ بأفواهها. يقال علقَتْ تعلُق عُلوقاً.

وأنشد :

إنْ تدنُ من فَنَنِ الألاءة تعلُقِ

الأصمعيّ : المِعْلق : قَدَحٌ يعلِّقه الراكب منه ، وجمعه مَعَالق.

أبو عبيد عن الأحمر : حديثٌ طويل العَوْلق ، أي طويل الذَّنَب.

ويقال فلانٌ عِلْقُ علمٍ ، وطِلبُ علمٍ ، وتِبعُ علم.

والعُلْقة من الطعام والمركب : ما يُتبلَّغ به وإن لم يكن تامّاً. ومنه قولهم : «ارضَ من

١٦٣

المركب بالتعليق» ، يضرب مثلاً لرجلٍ يؤمر بأن يقنعَ ببعض حاجته دون تمامها ، كالراكب عليقةً من الإبل ساعةً بعد ساعة. ويقال : هذا الكلأ لنا فيه عُلقة أي بُلْغة. وعندهم عُلقةٌ من متاعهم ، أي بقيّة. والعُلْقة من الطعام : القليل الذي يُتَبَلَّغ به. وقال ابن السكيت : العَلْقَى : نبت. وبعيرٌ عالقٌ : يَرَعَى العَلْقَى. قال : ويقال ما في الأرض عَلَاق ، وما فيها لَبَاقٌ ، أي ما فيها مُرتَقَع ، ويقال ما فيها ما يتبلَّغ به. وقال :

ليسَ إلّا الرّجيعَ فيها عَلَاقُ

الرَّجيع : الجِرَّة.

وقال الله عزوجل في صفة المرأة التي لا يُنصِفها زوجُها ولا يُحسِن مُعاشرتَها ولا يخلِّي سبيلَها : (فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) [النِّساء : ١٢٩]. وامرأةٌ معلَّقةٌ ، إذا لم يُنفقْ عليها زوجُها ولم يطلِّقْها ، فهي لا أيِّمٌ ولا ذاتُ بعل.

ويقال علّق فلانٌ لراحلته ، إذا فسخَ خِطامها عن خَطْمها وألقاه على غاربها فيكون أهنأ لرعيها.

والعِلْقة : الإتْب ، يلبسها نساء الأعراب وقال ابن السكيت : العِلْق : الشيء النفيس. قال : والعَلْق في الثَّوب : ما عَلِق به. يقال هذا الشيء عِلْق مَضَنّةً ، أي يُضَنَّ به ، وجمعه أعلاق. ويقال ما عليه عِلقة ، إذا لم يكن عليه ثوب له أدنى قيمة. وقال أبو العباس العِلقة : الصُّدرَة تلبسها الجارية تتبذَّل به. ويقال فلانٌ ذو معلاقٍ وفلان مِفلاقٌ ، إذا كان شديدَ الخصومة ، ومنه قول مهلهِل يرثي كليباً :

إنّ تحتَ الأحجار حزماً وعزماً

وخصيماً ألدَّ ذا مِعلاقِ

ومِعلاق الرجُل : لسانه إذا كان جَدِلاً. ويقال للمِعلاق مُعلوق ، وهو ما يعلَّق عليه الشيء. وقال الليث : أدخَلوا على المعلوق الضمة والمدّة ، كأنّهم أرادوا حدَّ المُدهُن والمنخُل ثم أدخلوا عليه المدَّة. وكلُّ شيء عُلِّق به شيء فهو مِعلاقُه. قال : وفرقُ ما بين المعلاق والمِغْلاق أنَّ المغلاق يفتح بالمفتاح ، والمعلاق يعلَّق به الباب ثم يدفع المعلاق من غير مفتاح فينفتح. يقال علِّق البابَ وأزلجْه. قال : ويكون تعليق الباب تركيبه ونصبه.

وقال الليث : والعَولَق : الغُول. وكلبة عَولقةٌ : حريصة. وقال الطرِمّاح :

عَوْلَقُ الحِرصِ إذا أمشَرَتْ

ساوَرَتْ فيه سُؤورَ المَسَامْ

والعَليق : القَضيم يعلق على الدابّة. قال : ويقال للشراب عليق. وأنشد لبعض الشعراء وأظنه شعراً مصنوعاً :

اسقِ هذا وذا وذاك وعلِّقْ

لا تسمِّ الشرابَ إلّا عليقا

ويقال للشيخ : لقد عَلِقَ الكِبَرُ منه مَعالِقَه ، جمع مَعلق. ومعاليق العقود والشُّنوف : ما يُجعل فيها من كل ما يحسُن فيها.

والعُلَّيق : نبات معروف يتعلَّق بالشجر ويلتوي عليه.

وقال ابن السكيت : العَلوق : ما يعلق بالإنسانِ. قال : والمنيّةُ عَلوق. وقال

١٦٤

المفضَّل النُّكري :

وسائلةٍ بثعلبةَ بنِ سَيرٍ

وقد علقتْ بثعلبةَ العَلوقُ

ومَعاليقُ : ضربٌ من النَّخل معروف. وقال الراجز يصفه :

لئن نجوتُ ونَجتْ معاليقْ

من الدَّبا إنّي إذا لمرزوقْ

أبو الحسن اللحياني : سلق فلانٌ فلاناً بلسانِه وعَلَقه ، إذا تناولَه.

وقال ابن شميل : يقال لفلان في هذه الدار عِلاقة ، أي بقيّةُ نصيبٍ. والدَّعوى يقال لها عِلاقة. وقال ابن السكيت : بعيرٌ عالق : يرعى العَلَقى. وبعير عالقٌ : يعلُق العضاهَ ، أي ينتِف منها ، سمِّي عالقاً لأنه يعلُق العضاهَ لطُوله.

لعق : يقال لعِقتُ الشيء ألعَقُه لَعْقاً. واللَّعوق : اسم كلِّ ما يُلعَق من دواء أو عسَل أو غيره. والمِلعقة : ما يُلعَق به. واللُّعقة : الشيء القليل منه. ولَعِقتُ لَعقة واحدة. واللُّعاق : ما بقيَ في فِيكَ من طعامٍ لعِقتَه.

وفي الحديث «إنّ للشيطان لَعوقاً» ، واللَّعوق : اسم لما تلعقُه.

أبو عبيد عن الفراء : يقال للرجل إذا مات : قد لَعِق إصبَعَه. ويقال قد ألعقتُه من الطَّعام ما يَلعقُه ، إلعاقاً.

وقال ابن دريد : اللَّعْوَقة : سُرعة الإنسان فيما أخذَ فيه من عمل وخِفّةٌ فيما أهوى. ورجلٌ لَعْوَقٌ : مسلوس العقل.

لقع : أبو عبيد عن الفرَّاء قال : اللُّقاعة والتِّلقَّاعة : الكثير الكلام. وقال غيره : اللُّقَّاعة : الدَّاهية من الرجال. ويقال لَقَعه بالبعرة ، إذا رماه بها ، ولقعَه بعينه ، إذا أصابه بها. وفي حديث سالم بن عبد الله بن عمر أنّه دخل على هشام بن عبد الملك فقال له : إنّك لذو كُدْنة ، فلما خرجَ من عنده أخذته قفقفةٌ ، أي رِعدة ، فقال لصاحبه : أتُرى الأحول لقَعَني بعينه؟ يعني هشاماً أنّه أصابه بعينه. وكان أحْوَل.

وقال الليث : اللِّقَاع : الكساء الغليظ.

قلت : هذا تصحيف ، والذي أَراده اللِّفاع بالفاء ، وهو كساءٌ يُتلفَّع به. ومنه قول أبي كبير يصف ريش النَّسر :

حَشْرِ القوادِم كاللِّفَاع الأطحَلِ

وقال أبو عبيدة : فلانٌ لُقَعة ، للذي يتلقّع الكلامَ ولا شيء وراء الكلام. وامرأةٌ مِلقَعةٌ : فحّاشة. وأنشد :

وإن تكلَّمتِ فكوني مِلقَعه

ثعلب عن ابن الأعرابي : يقال التُقِع لونُه ، والتُفع لونه ، واستُفِع لونه ، ونُطِع وانتُطِعَ ، واستُنطِع لونه ، بمعنًى واحد.

وقال ابن شميل : إذا أخذ الذباب شيئاً بمُتْكِ أنْفِه من عسل وغيره قيل لقَعه يلقَعُه وقال غيره : مرّ فلانٌ يلقَع ، إذا أسرع.

وقال بعض الرجّاز :

صَلَنْقَعٌ بلَنْقعُ

وَسطَ الرِّكاب يَلقع

وقال اللحياني : التُقِع لونُه ، والتُمِع لونُه ، إذا تغيَّر لونُه.

قلع : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا يدخل

١٦٥

الجنةَ قَلَّاعٌ ولا دَيْبوب». قال أبو العباس : سمعت ابن نجدة يقول : قال أبو زيد : القَلَّاع : الساعي بالرجل إلى السُّلطان بالباطل. قال : والقَلّاع : القوّاد. والقلَّاع : النّباش. والقلّاع : الكذاب. قال : وقال ابن الأعرابيّ : القَلَّاع : الذي يقع في الناس عند الأمراء ، سمِّي قلَّاعاً لأنه يأتي الرجل المتمكّن عند الأمير ، فلا يزال يقع فيه ويَشِي به حتَّى يقلعَه ويُزيلَه عن مرتبته. والدّيبوب : النّمام القَتَّات.

وقال الليث : يقال : قد أقلعوا بهذه البلاد قِلاعاً ، إذا ابتَنوها. وأنشد في صفة السُّفن :

مَواخرٌ في سَواءِ اليمِ مُقْلَعةٌ

إذا علَوْا ظهرَ قُفٍّ ثُمّت انحدروا

قال : شبَّهها بالقلعة. أُقلِعتْ : جُعِلت كأنَّها قلعة.

قلت : أخطأ الليث في تفسير قوله مُقْلَعة أنّها جُعِلت كالقلعة وهي الحِصن في الجبل. والسُّفن المُقلَعة : التي سوِّيت عليها القِلاع ، وهي الشِّراع والجِلال التي إذا رُفعت ساقت الريحُ السفينةَ بها.

وأخبرني أبو الفضل عن أبي العباس عن ابن الأعرابي أنه قال : القِلاع : شِراع السفينة ، والجميع : القُلُع. قال : والقُلَاع والخُرَاع واحد ، وهو أن يكون صحيحاً فيقعَ ميتاً ، يقال انقلع وانخرعَ. قال : والقَلْع : الكِنْف تكون فيه الأدوات. قال : ومن أمثالهم : «شحمِي في قَلْعي» ، والجميع قلعة وقلاع. قال : ومعنى قولهم «شحمي في قلعي» مثلٌ لمن حصَّل ما يريد قال : وقول عمر في ابن مسعود : «كُنَيْفٌ مليء عِلماً» شبّه عمر قلب ابن مسعود بكِنْف الراعي ، لأنَّ فيه مِبراتَه ومِقَصَّيْه وشَغِيزته ونُصُحَه ، ففيه كلُّ ما يريد. هكذا قلْبُ ابن مسعود قد جمع فيه كلّ ما يحتاج إليه الناسُ من العلوم.

وقال ابن الأعرابي : القَلَعة : السَّحابة الضخمَة ، والجميع قَلَع. والحجارة الضَّخمة هي القَلَع أيضاً. قال : والقَلْعة : الحصن ، وجمعه قُلوع قال : والقُلَّاع : الحجارة والقِلْع : الرجل البليد الذي لا يفهم. والقِلْع : الذي لا يثبت على الخيل.

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصفته ، أنه «كان إذا مشى تَقَلَّع» ، وفي حديث ابن أبي هالة : «إذا زال زال قَلِعاً» ويروى «قُلْعاً» والمعنى واحد ، أراد أنَّه كان يُقلُّ قَدَمَه على الأرض إقلالاً بائناً ويباعد بين خُطاه ، لا كمن يمشي اختيالاً وتنعُّماً.

أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : القَلُوع : القوس التي إذا نُزِع فيها انقلبت وقال غيره : القَلوع : النَّاقة الضَّخمة الثَّقيلة ، ولا يقال للجمل ؛ وهي الدَّلوح أيضاً. والقَيلع : المرأة الضخمة الجافية. قلت : وهذا كلُّه مأخوذٌ من القَلَعة وهي السَّحابة الضخمة. وكذلك قَلَعة الجبل والحجارة.

وقال الفراء : يقال مَرْج القَلَعة : للقرية التي دون حُلوانِ العراق ، ولا يقال مرج القَلْعة.

وقال أبو عبيد : قال الأصمعي : القَلَع :

١٦٦

الوقت الذي تُقلِع فيه الحمَّى. والقُلُوع : من الإقلاع. وأنشد :

كأنّ نَطاة خَيبرَ زوّدَتْه

بَكورَ الوِرد ريِّثةَ القُلوعِ

ونَطاة خَيبر : قرية منها على عين ماء مُؤبٍ ، وهي كثيرة الحمّى.

أبو عبيد عن الفراء قال : القُلّاعة والقُلَاعة ، يشدّد ويخفّف ، هما قِشْر الأرض الذي يرتفع من الكمأة فيدلُّ عليها ، وهي القِلْفِعة.

وقال الليث : القُلَّاع : الطين الذي يتشقق إذا نضَب عنه الماء ، كلُّ قطعة منها قُلّاعة.

وقال ابن الأعرابي : القُلّاع : نبتٌ من الجَنْبة ، ونِعم المرعى هو رطباً كان أو يابساً. رواه ابن حبيب عنه. والقُلَاع بالتخفيف من أدواء الفم والحلق.

ويقال أقلعَ الرجلُ عن عمله ، إذا كفَّ عنه. وأقلعت السماء بعدما مَطَرت ، إذا أمسكت.

وقال أبو عبيدة : دائرة القالع هي التي تكون تحت اللِّبْد ، وهي لا تُستَحبّ.

الحرّاني عن ابن السكيت قال : القَلْعان هما من بني نُمير ، وهما صَلَاءةُ وشُريحٌ ابنا عمرو بن خَوَيلفة بن عبد الله بن الحارث بن نُمير. وأنشد :

رغبنا عن دماء بني قُريعٍ

إلى القَلْعَينِ إنّهما اللُّبابُ

وقلنا للدَّليل أقِمْ إليهم

فلا تلغَنى بغيرهم كلابُ

قعل : قال ابن المظفّر : القُعال : ما تناثَرَ من نَور العِنَب وفاغيةِ الحنّاء وأشباهه. وقد أقعَلَ النَّور ، إذا انشقّ عن قُعالته. واقتعله الرجلُ ، إذا استنفضه في يده عن شجرِه.

وقال غيره : اقعالَّ النَّور بمعنى أقعَلَ.

وقال الأصمعي : القواعل : رؤوس الجبال وقال امرؤ القيس :

عُقابُ يَنُوفَ لا عقابُ القواعلِ

والقيعلة : العُقاب التي تسكن قواعل الجبال. وأنشد :

وحلَّقتْ بك العُقابُ القَيعَلهْ

وقال ابن الأعرابيّ : القيعلة : المرأة الجافية الغليظة العظيمة.

وقال غيره : الاقِعيلال : الانتصاب في الركوب. وصخرة مُقْعالَّة ، أي منتصبة لا أصل لها في الأرض.

وقال الأصمعيّ : القَعْوَلة في المشي : أن تُقْبَل إحدى القدمَين على الأخرى. يقال قَعوَلَ في مشيه قَعولة.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : قَعولَ ، إذا مشَى مِشية قبيحة. قال : والقَعْل : الرجل القصير البخيل المشؤوم ، كأنه يَغرِف بقدميه التراب ، يعني المقَعْوِل والقَعَل : عود يسمَّى المِشحَط ، يُجعَل تحت سُرُوع القطوف لئلَّا تتعفَّر.

باب العين والقاف مع النون

[ع ق ن]

عنق ، قنع ، قعن ، نعق ، نقع : مستعملة.

عقن : قلت : أما عقن فإنّه مهمل ، إلا أن

١٦٧

يكون العِقْيانُ فِعيالاً منه ، وهو الذَّهب ، والأقرب إنه فِعلانٌ من عَقى يَعقِي ، والنون زائدة.

عنق : قال الله جلّ وعز : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشُّعَرَاء : ٤] أكثر المفسِّرين ذهبوا بمعنى الأعناق في هذه الآية إلى الجماعات ، يقال جاء القوم عُنُقاً عنقاً ، إذا جاءوا فرقاً ، كلُّ جماعةٍ منهم عُنق. ومنه قوله :

إن العراقَ وأهلهُ

عنقٌ إليك فهَيْتَ هَيتا

أراد أنّهم مالوا إليك جميعاً. ويقال هم عُنُق واحدٌ عليه ، وإلبٌ واحد. وقيل في تفسير الآية : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ) ، أي رقابهم ، كقولك : ذلّت له رقاب القوم وأعناقهم. وقد مرَّ تفسير قوله (خاضِعِينَ) على ما قال فيه النحويون.

والعُنُق مؤنّثة ، وقد ذكّره بعضهم ، قالهُ الفراء وغيره. يقالُ ضُرِبَتْ عنقه. وقال رؤبة يصف السَّراب أو الآل :

تبدو لنا أعلامُه بعد الغَرَقْ

خارجةً أعناقُها من مُعتَنَقْ

ذكر السرابَ وانقماس الجبال فيه إلى ما دون ذُراها. والمعتنق : مخرج أعناق الجبال من السَّراب ، أي اعتنقت فأخرجت أعناقَها.

ويقال عانق الرجلُ جاريته ، وقد تعانقا.

فأما الاعتناق فأكثر ما يستعمل في الحرب ، ومنه قول زهير :

إذا ما ضاربوا اعتنقا

وقد يجوز الاعتناق في غير الحرب بمعنى التعانق ، وكلٌّ في كلٍّ جائز.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال : العُنُق : الجمع الكثير من الناس. قال : والعُنق : القطعة من المال. قال : والعنق أيضاً : القطعة من العمل ، خيراً كان أو شراً.

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المؤذّنون أطولُ الناسِ أعناقاً يومَ القيامة». قال ابن الأعرابيّ : يقال لفلانٍ عنقٌ من الخير ، أي قطعة ، فمعناه أنهم أكثر الناس أعمالاً. وقال غيره : هو من طول الأعناق ؛ لأن الناس يومئذٍ في الكرب وهم في الرَّوح والنشاط مشرئبّون لما أُعِدَّ لهم من النعيم. وفي حديث آخر : يخرج عُنُق من النار».

وقد تخفّف العُنُق فيقال عُنْق

والعانقاء : جُحرٌ من جِحَرة اليربوع يملؤه تراباً ، فإذا خاف اندسَّ فيه إلى عنقه فيقال : تعنَّق.

قال : وأخبرني المفضّل أنه يقال لجِحَرة اليربوع : الناعقاء والعانقاء ، والقاصعاء ، والنافقاء ، والراهطاء ، والدَّامَاء.

أبو عبيد : من أمثال العرب : «طارت بهم العَنْقاء المُغْرِب» ولم يفسِّره ، وقال الليث : العنقاء : اسم مَلِك ، والتأنيث عنده للفظ العنقاء. وقال غيره : العنقاء من أسماء الداهية. وقيل العنقاء طائر لم يَبقَ في أيدي الناس من صفتها غير اسمها ؛ يقال : «ألوَى به العُنْقاء المُغْرب». وقال أبو زيد : العنقاء : أكمة فوق جبل مُشْرف. وقال الزجاج : العنقاءُ المُغْرب : طائر لم يره

١٦٨

أحد. وقال عِكرمة في قول الله جلّ وعزّ : (طَيْراً أَبابِيلَ) [الفِيل : ٣] قال : هي عنقاءُ مُغْرِبة. فهذا جميع ما جاء في العنقاء المغرب.

وقال ابن شميل : إذا خرجَ من النهر ماءٌ فجرى فقد خرجَ عُنُق. قال : والعُنُق من الناس الجماعة. وجاء القوم عُنقاً عُنقاً ، إذا جاءوا أرسالاً. وقال الأخطل :

وإذا المِئونُ تواكَلتْ أعناقُها

فاحملْ هناكَ على فتًى حَمَّالِ

قال ابنُ الأعرابيّ : أعناقها : جماعاتها. وقال غيره : ساداتها. وقال : المِعْنَقة : القلادة. والمَعنَّقة : دويْبَّة. والعَنَق والعَنيق : ضربٌ من السَّير ، وقد أعنقت الدابّة.

وقال أبو زيد : كان ذلك على عُنُق الدهر ، أي على قديم الدَّهر. والعَناق : الأنثى من أولاد المِعزَى إذا أتت عليها السنة ، وجمعها عُنُوق ، وهذا جمعٌ نادر. ويقولون في العدد الأقل : ثلاث أعنُقٍ وأربعُ أعنُق.

وقال الفرزدق :

دعدِعْ بأعنُقِك التوائِم إنّني

في باذخٍ يا ابنَ المراغة عالِي

وقال أوس بن حجر في العُنوق :

يَصُوع عُنوقَها أحوَى زنيمٌ

له ظَأبٌ كما صَخِب الغريمُ

ومن أمثال العرب : «هذه العُنُوق بعد النُّوق» ؛ يضرب مثلاً للذي يُحَطُّ عن مرتبته بعد الرفعة ، أنَّه صار يرعى العُنوق بعد ما كان يرعى الإبل. وراعي الشاء عند العرب مَهين ذليل ، وراعي الإبل قويٌّ ممتنع.

وعَنَاق الأرض : دابّة فُويق الكلب الصِّيني يصيد كما يصيد الفهدُ ويأكل اللَّحمَ ، وهو من السِّباع ، يقال إنّه ليس شيءٌ من الدوابّ يوَبِّر ـ أي يعفِّي أثره إذا عدا ـ غيره وغير الأرنب ؛ وجمعه عُنوقٌ أيضاً ، والفُرْسُ تسمِّيه «سياه قُوشْ» ، وقد رأيته في البادية أسودَ الرأس أبيض سائِره. ورأيت بالدَّهناء شبه منارةٍ عاديّة مبنيَّة بالحجارَة ، ورأيتُ غلاماً من بني كليب بن يربوع يقول : هذه عَنَاقُ ذي الرمة ، لأنه ذكرها في شعره.

وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : يقال : لقيتُ منه أذُنَيْ عَنَاقٍ ، أي داهية وأمراً شديداً. قال : ويقال جاء فلانٌ بأذنَيْ عناق ، أي جاء بالكذب الفاحش. ويقال رجَع فلانٌ بالعَناق ، إذا رجَع خائباً ؛ يوضع العَناقُ موضع الخيبة. وأنشد ابنُ الأعرابيّ :

أمِن ترجيعِ قاريَةٍ تركتمْ

سَباياكم وأبتُمْ بالعَنَاقِ

وصفهم بالجُبْن والأعنَق : فحلٌ من خيل العرب معروف ، إليه تنسب بناتُ أعنقَ من الخيل الجياد.

وأنشد ابنُ الأعرابي :

تظلُّ بناتُ أعنَقَ مُسْرَجاتٍ

ويروى : «مُسرِجات». قال أبو العباس : اختلفوا في أعنَقَ ، فقال قائل : هو اسمُ

١٦٩

فرَس. وقال آخرون : هو دِهقانٌ كثير المال من الدَّهاقين. فمن جعله رجلاً رواهُ : «مُسرَجات» ، ومن جعله فرساً رواه «مُسرَجات».

وفي حديث مُعاذٍ وأبي موسى أنهما كانا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سفرٍ ومعه أصحابُه فأناخوا ليلةً مُعرِّسين ، وتوسَّد كلٌّ ذراعَ راحلته. قالا : فانتبهْنَا ولم نَرَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند راحلته ، فاتَّبعناه فأخبرنا عَلَيه السَّلام أنّه خُيِّر بين أن يدخل نصفُ أمته الجنّةَ وبين الشفاعة ، وأنَّه اختار الشفاعة. قال : «فانطلقْنا إلى الناس مَعانِيقَ نبشِّرهم» ، قال شمر : قوله معانيقَ أي مُسرعين ، يقال أعنقْتُ إليه أُعْنِقُ إعناقاً. ورجلٌ مُعْنِقٌ وقومٌ مُعْنِقون ومعانيق. وقال القُطامي :

طرقَتْ جَنوبُ رِحالَنا من مَطْرَقِ

ما كنت أحسبها قريب المُعنَقِ

وقال ذو الرمّة :

أشاقتك أخلاقُ الرُّسوم الدَّوائِرِ

بأدعاص حَوضَى المُعنِقات النوادرِ

قال شمر : قال أبو حاتم : المُعْنِقات : المتقدّمات فيها. قال : والعَنَق والعَنيق من السَّير معروف ، وهما اسمان مِن أعنقَ إعناقاً.

وفي «النوادر» : أعلقْتُ في الأرض وأعنقت ، وبلادٌ مُعْلِقة ومُعْنِقة ، أي بعيدة.

ووادي العَنَاق بالحِمَى في أرض غني.

وقال أبو حاتم : المعَانق هي مُقَرِّضات الأساقي ، لها أطواقٌ في أعناقها ببياضٍ ويقال عَنَّقت السحابةُ ، إذا خرجت من معظم الغَيم ، تراها بيضاء لإشراق الشمس عليها. وأنشد شمر :

ما الشُّرب إلّا نَغَباتٌ فالصَّدَرْ

في يوم غَيمٍ عنَّقَتْ فيه الصُّبُر

وقال ابن شميل : معانيق الرمال : حِبالٌ صغار بين أيدي الرِّمال ، الواحدة مُعْنِقة.

ويقال : أعنقت الثريا ، إذا غابت. وأنشد :

كأنّي حين أعنقَتِ الثريّا

سُقِيتُ الراحَ أو سُمّاً مَدُوفا

وأعنقت النُّجومُ ، إذا تقدّمت للمغيب.

والمُعْنِق : السابق ؛ يقال جاء الفرسُ مُعْنِقاً. ودابةٌ مِعناقٌ : قد أعْنَقَ.

نعق : قال الله عزوجل : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) [البَقَرَة : ١٧١] قال أهل اللُّغة الفراءُ وغيره النعيق : دعاء الراعي الشاء. يقال انعِق بضأنك ، أي ادعُها. وقد نَعَقَ بها ينعق نعيقاً.

وأخبرني المنذريّ عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء في قول الله عزوجل : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ) [البَقَرَة : ١٧١] الآية قال : أضاف المَثَل إلى الذين كفروا ثم شبههم بالراعي ولم يقل كالغَنَم. والمعنى والله أعلم : مثل الذين كفروا كالبهائم التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصَّوت ، فأضاف التشبيه إلى الراعي والمعنى في المرعى. قال : ومثله في الكلام : فلانٌ يخافك كخوف الأسد ، المعنى كخوفه الأسدَ ، لأن الأسد معروف أنّه المخوف.

١٧٠

قلت : ونحوَ ذلك قال أبو عبيدة فيما أخبرني المنذريّ عن الغسّاني عن سلمة عن أبي عبيده :

وقال الزّجاج : ضرب الله لهم هذا المثَل وشبَّههم بالغنم المنعوق بها بما لا تسمع منه إلّا الصَّوتَ ، فالمعنى مثلك يا محمد ومثلهم كمثل الناعق والمنعوق به بما لا يسمع ، لأنّ سمعهم لم يكن ينفعهم ، فكانوا في تركهم قبولَ ما يسمعون بمنزلة من لم يسمع.

وقال الليث : يقال نَغَق الغراب ونَعَق ، بالعين والغَين.

قلت : كلام العرب نَغَق بالغين ، ونعق الراعي بالشاء بالعين ، ولم أسمعهم يقولون في الغراب نَعَق ، ولكنَّهم يقولون نَعَب بالعين.

والناعقان : كوكبانِ من كواكب الجوزاء ، وهما أضوأ كوكبينِ فيها ، يقال إن أحدهما رجلُها اليسرى والآخر منكبها الأيمن الذي يسمى الهَنْعة.

قعن : قُعَين حيٌّ من بني أسَد. وأنشد أبو عبيدة :

فداءٌ خالتي وفِدًى خليلي

وأهلي كلُّهمْ لبني قُعَين

وقال أبو بكر بن دريد : القَعَن : قِصرٌ فاحش في الأنف. ومنه اسم قُعَين.

قلت : والذي صحّ للثقات في عيوب الأنف القَعَم بالميم. روى أبو العباس عن ابن الأعرابي : القَعَم : ضِخَم الأرنبة ونتوءُها وانخفاض القَصَبة. وقال : والقَعَم أحسن من الخَنَس والفَطَس.

قلت : وقد عاقبت العربُ بين الميم والنون في حروف كثيرة لقرب مخرجيهما ، مثل الأيْم والأَيْن ، والغَيم والغَين ، ولا أُبعد أن يكون القَعَم والقَعَن منها.

وقال الليث : القَيعون من العُشب معروف ، على بناء فيعول ، وهو ما طال منه. قال : واشتقاقه من قَعن. قال : ويجوز أن يكون قيعون فعلوناً من القَيع كما قالوا زَيْتون من الزيت ، والنون مزيدة.

قنع : أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال : أقنَعَ الرجلُ ، إذا صادفَ القِنْعَ ، وهو الرَّمل المجتمع. وقال أبو عبيد : القِنْعُ : أسفل الرمل وأعلاه.

وقال الأصمعيّ : القِنْع : متَّسَع الحَزْن حيث يُسهِل. وقال ذو الرّمة :

وأبصرنَ أنَ القِنعَ صارت نِطافُه

فَرَاشاً وأنّ البقل ذاوٍ ويابسُ

قال : ويُجمَع القِنع قِنَعةً وقِنْعاناً.

وقال ابن شميل : القَنَعة من الرمل : ما استوى أسفلُه من الأرض إلى جَنبه ، وهو اللَّبَبُ وما استرقَّ من الرمل.

وأخبرني المنذري عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال : قَنِعتُ بما رزقتُ ، مكسورة ، وهي القَناعة. وقَنَعت إلى فلان ، يريد خَضَعت له والتزقْت به وانقطعت إليه. وقال الله جلّ وعزّ : (وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) [الحَجّ : ٣٦].

وأفادني المنذريّ عن ابن اليزيدي لأبي زيد النحويّ قال : قال بعضُهم : القانع

١٧١

السائل ، وقال بعضهم : المتعفِّف ؛ وكلٌّ يصلُح. وقال الفراء : القانع : الذي يسألك ، فإذا أعطيتَه شيئاً قَبِله.

وقال أبو عبيد في تفسير حديثٍ رواه : «لا يجوز شهادة كذا وكذا ، ولا شهادة القانع مع أهل البيت لهم».

قال : القانع الرجل يكون مع الرجل يطلب فضلَه ويسأل معروفه. قال : ويقال قَنَعَ يقنَع قُنوعاً ، إذا سأل ، وقَنِع يقنَع قناعةً ، إذا رضي ، الأول بفتح النون من قنَع ، والآخر بكسرها من قِنع. وأنشد أبو عبيد قول الشماخ :

لمَالُ المرء يُصلِحه فيُغِني

مفاقرَه أعفُّ من القُنوع

أي من المسألة. وهكذا قال ابن السكيت. ومن العرب مَن أجاز القُنوع بمعنى القِناعة ، وكلام العرب الجيّدُ هو الأوّل.

وقول الله جلّ وعزّ : (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) [إبراهيم : ٤٣] قال لي أبو الفضل : سمعت أحمد بن يحيى يقول : المُقنِع : الذي يرفع رأسَه ينظر في ذلّ. قال : والإقناع : رفعُ الرأس والنَّظرُ في ذُل وخُشوع. ويُروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال في الدُّعاء : «تُقْنِع يديكَ في الدُّعاء» تقنع يديك في الدعاء : أي ترفعهما. وقال ابن السكيت : يقال أقنعَ رأسَه ، إذا رفَعه. قال : وأقنعَني كذا وكذا ، أي أرضاني. قال : وقَنعت الإبل والغنمُ للمرتع ، إذا مالت إليه ؛ وأقنعتُها أنا. وقال القتيبيّ : المُقْنِع رأسَه : الذي رفَعَه وأقبل بطَرْفه إلى ما بين يديه. قال : والإقناع في الصلاة من تمامها. وقال الليث : الإقناع : أن يُقْنع البعير رأسَه إلى الحوض ليشربَ منه ، وهو مده رأسَه. قال : والرجل يُقنع الإناء للماء الذي يسيل من شِعْبٍ ، ويُقنِع رأسَه نحو الشيء إذا أقبل به إليه لا يصرفه عنه. وقال العجاج :

أشرف رَوقاه صَليفاً مُقْنِعَا

يعني عنق الثَّور فيه كالانتصاب أمامه. وأقنع الإناء في النهر ، إذا استقبلَ به جِريةَ الماء. قال : والمُقْنَعة من الشَّاء : المرتفعة الضَّرع ليس في ضَرعها تصوُّب.

وأخبرني المنذريّ عن ثعلبٍ عن سلمة عن الفراء : ناقة مقنَعة الضَّرع : التي أخلافُها ترتفعُ إلى بطنها. قال : والمقْنَع من الإبل : الذي يرفع رأسه خِلقة. وأنشد :

بمُقنَعِ من رأسه جُحاشِرِ

وقال ابن شميل : أقنع فلانٌ رأسَه ، وهو أن يرفعَ بصرَه ووجهَه إلى ما حيالَ رأسِه من السماء. قال : والمقْنِع : الرافع رأسه إلى السماء.

وقال شِمر : قال الغنويّ : الإقناع : أن تضعَ الناقة عُثنونَها في الماء وترفع من رأسِها قليلاً إلى الماء ، تجتذبه اجتذاباً.

وقال الأصمعي : المُقنَع : الفم الذي يكون عطفُ أسنانه إلى داخل الفم ، وذلك القويّ الذي يقطع به كلَّ شيء ؛ فإذا كان انصبابُها إلى خارج فهو أَدْفَق ، وذلك ضعيفٌ لا خيرَ فيه. وقال الشماخ يصف الإبل :

يُباكرنَ العِضاهَ بمُقْنَعَاتٍ

نواجذُهنَّ كالحَدَأ الوَقيعِ

وقال ابن ميّادة يصف الإبل أيضاً :

١٧٢

تباكر العضاهَ قبل الإشراقْ

بمقنَعاتٍ كقعاب الأوراق

قال : قوله كقعاب الأوراق ، يقول : هي أفتاءٌ فأسنانها بيض. وأما قول الراعي :

زَجِل الحُداء كأنَّ في حيزومه

قَصَباً ومُقنَعةَ الحنينِ عَجولا

فإنّ عُمارة بن عقيل زعمَ أنه عنى بمقْنَعة الحنين النأيَ ؛ لأنّ الزامر إذا زمر أقنعَ رأسه. فقيل له : قد ذكر القصَب مَرَّةً ، فقال : هي ضروب. وقال غيره : أراد وصوت مُقْنَعة الحنين ، فحذف الصَّوت وأقام مقنَعة مقامه. ومن رواه «ومُقْنِعةَ الحنين» أراد ناقةً رفعت حنينها.

وروى الحديث أن الرُّبيِّعَ بنتَ معوِّذ قالت : «أتيتُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقناع من رُطبٍ وأَجْرٍ زُغْب» قال أبو عبيد : قال أبو زيد : القُنْع والقناع : الطبَق الذي يؤكَل عليه الطعام. وقال غيره : وتجعَل فيه الفاكهة.

وقوله «وأجرٍ زُغْب» جمع جَرو ، وأراد بها صِغَار القِثَّاء ، شبّهها بأجْرِي الكلابِ لطراءتها.

ويقال رجلٌ مَقْنَع وقُنْعانٌ ، ورجال مَقانع وقُنعان ، إذا كانوا مرضيِّين. وأنشد أبو عبيد :

فقلتُ له بُؤْ بامرىءٍ لستَ مثلَه

وإن كنتَ قُنعاناً لمن يطلُب الدَّما

والقِناع والمِقْنعة : ما تتقنَّع به المرأة من ثوبٍ يغطِّي محاسنَها ورأسَها.

وقنّع فلانٌ فلاناً بالسَّوط ، إذا علا به رأسَه. وقنَّعه الشيبُ خِمارَه ، إذا علا رأسَه الشَّيب. وقال الأعشى :

وقنّعه الشيبُ منه خِمارا

وقال الليث : القَنوع بمنزلة الهَبوط بلغة هذيلٍ ، مؤنّثة. وقال المفضّل : إنّه للئيمُ القِنْع بكسر القاف ، إذا كان لئيمَ الأصل. ويقال أقنعَ فلانٌ الصبيّ فقَبَّله ، وذلك إذا وضَعَ إحدى يديه على فأس قفاه وجعل الأخرى تحت ذَقَنه وأماله إليه فقبَّله.

وقَنَعةُ الجبل والسَّنام : أعلاهما ؛ وكذلك قَمَعتُهما. ويقال قنَّعت رأس الجبل وقَنَعته ، إذا علوته.

وقال الليث : المِقنَعة : ما تقنّع به المرأةُ رأسَها. قال : والقِناع أوسع منها.

قلت : ولا فرق بينهما عند العرب ، وهما مثل لِحافٍ ومِلحفة ، وقِرامٍ ومِقرمة.

أبو عبيد عن الكسائيّ : القِنعان : العظيم من الوعول.

نقع : أبو عبيد عن الأصمعي : النِّقاع ، واحدها نَقْع ، وهي الأرض الحُرَّة الطِّين الطيّبةُ التي لا حزونة فيها ولا ارتفاعَ ولا انهباط. وقال : والقاع مثله. وقال غيره : النِّقاع : قِيعان الأرض. وأنشد الأصمعي :

يَسُوف بأنفيه النِّقاعَ كأنّه

عن الرَّوص من فَرط النَّشاط كعيمُ

قال : ويقال صبغَ فلانٌ ثوبَه بنَقُوع وهو صبغٌ يُجعَل فيه من أفواه الطِّيب.

قال : وسمٌ ناقع : ثابت. وقال ابن الأعرابي : النقيع : السمُّ الثابت. يقال سمٌ منقوع ، ونقيع ، وناقع. وأنشد :

١٧٣

فبتُّ كأني ساورتني ضئيلة

من الرُّقش في أنيابها السمُ ناقعُ

وقال غيره : يقال سمٌ مُنْقَع ، وموتٌ ناقع : دائم.

أبو عبيد عن أبي زيد : نَقَعتُ بالماء ومنه أنقعُ نُقوعاً ، إذا شربَ حتى يروى ، وقد أنقعَني الماء. قال : وسمعت أبا زيد يقول : الطعام الذي يُصنع عند الإملاك : النَّقيعة. يُقال منه نَقَعت أنقَع نُقوعاً.

وقال الفراء : النَّقيعة : ما صَنَعه الرجلُ عند قدومه من السَّفَر ، يقال أنقعتُ إنقاعاً.

وأنشد :

إنّا لنضربُ بالصوارم هامَهم

ضَربَ القُدارِ نقيعة القُدّامِ

وقال شمر : قال ابن شميل : النقيعة طعام المِلاك. يقال دعَونا على نقيعتهم. قال : وربَّما نقَعوا عن عدّة من الإبل إذا بلغَتْها ، جَزوراً منها ، أي نَحروه ، فتلك النَّقيعة.

وأنشد :

ميمونة الطير لم تَنعِقْ أشائمها

دائمة القدر بالأفراع والنقُعِ

وقال خالد بن جَنْبة : إذا زُوِّج الرجل فأطعمَ عَيْبَتَه قلنا : نَقَع لهم ، أي نحر.

وقال الأصمعي : النَّقيعة : ما نُحِر من النَّهب قبل القَسْم.

وقال ابن السكيت : النقيعة : المحض من اللبن يبرَّد. حكاه عن بعض الأعراب.

وقال الأصمعيّ : يقال انتقَعَ بنو فلانٍ نقيعةً ، إذا جاءوا بناقةٍ من نهبٍ فنحروها.

قلت : وقد ذكرت اختلافهم في النَّحيرة التي تُدعَى النَّقيعة ، ومأخذها عندي من النَّقْع والنَّحر والقتل ، يقال سمٌ ناقع ، أي قاتل. وقد نقَعه ، إذا قَتله. وأما اللبنُ الذي يبرَّد فهو النَّقيع والنقيعة ، وأصله من أنقعتُ اللبن فهو نقيع ، ولا يقال مُنْقَع ولا يقولون نقعتُه.

وهذا سماعي من العرب.

ووجدت للمؤرّج حروفاً في الإنقاع ما عِجْتُ بها ، ولا علمتُ ثقةً من رواها عنه. يقال أنقعت الرجل ، إذا ضربتَ أنفَه بإصبعك. وأنقعت الميت ، إذا دفنتَه. قال : وأنقعت البيت ، إذا زخرفتَه. وأنقعت الجارية ، إذا افترعتَها. وأنقعتُ البيت ، إذا جعلت أعلاه أسفله. قلت : وهذه حروفٌ لم أسمعها لغير المؤرّج.

وروي عن عمر أنه قال : «ما على نساء بني المغيرة أن يسفكن من دموعهنّ على أبي سليمان ما لم يكن نَقعٌ ولا لقلقة». قال أبو عبيد : النَّقع : رفع الصوت. قال لبيد :

فمتى يَنْقَع صُراخٌ صادقٌ

يُحْلِبوها ذاتَ جَرسٍ وزَجَلْ

ويروى «يَجْلبوها» ، يقول : متى سمعوا صارخاً ، أي مستغيثاً ، أحلبوا الحربَ ، أي جمعوا لها.

والنَّقع في غير هذا : الغبار ، قال الله جلّ وعزّ : (فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) [العَاديَات : ٤] أي غباراً. وقال شمر : قال أبو عمرو : معنى فمتى ينقع صُراخٌ ، أي يرتفع. وقال غيره : يدوم ويثبت. وقال الفراء : يقال نَقَع الصارخ بصوته وأنقع صوتَه ، إذا تابعَه وأدامه.

١٧٤

شمر عن ابن الأعرابي : النَّقْع : الغبار المرتفع. والنَّقْع : الصُّراخ المرتفع. قال شمر : وقيل في قول عمر : «ما لم يكن نَقع ولا لقلقةٌ» إنه شقّ الجيوب. قال : ووجدت للمرّار الأسَدي فيه بيتاً :

نقَعنَ جيوبهنَّ عليّ حيّاً

وأعددنَ المرائيَ والعويلا

ويقال : فلان مِنْقَع ، أي يُشتَفى برأيه ، أصله من نَقعتُ بالريّ.

وقال أبو عبيد : مِنْقع البُرَم : تَوْرٌ صغير ، وجمعه مَناقع ، ولا يكون إلَّا من حجارة. وقال أبو عمرو : هي المِنْقعة والمِنقع.

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه «نَهَى أن يُمنَع نَقْع البئر» ، قال أبو عبيد : نقع البئر : فَضْل مائه الذي يخرج منه أو من العَين قبل أن يصيَّر في إناءٍ أو وعاء. قال : وفسّره الحديثُ الآخر : «مَن مَنَعَ فضْل الماء ليمنع به فَضْلَ الكلأ منَعَه الله فضلَه يوم القيامة». قال : وأصل هذا في البئر يحتفرها الرجلُ بالفلاةِ من الأرض يسقي بها مواشيَه ، فإذا سقاها فليس له أن يمنع الماء الفاضلَ عن مواشيه مواشي غيره ، أو شارباً يشرب بشفته. وإنما قيل للماء نَقْعٌ لأنه ينقَع به أي يُروى به. يقال : نَقَع بالريّ وبضَع. ويقال : ما نقعت بخبره ، أي لم أشتفِ به.

وقال الليث : النَّقع : البئر الكثيرة الماء ، والجميع الأنقعة.

ويقال نقع الماء غُلّتَه ، إذا أروى عطشَه.

ومن أمثال العرب : «إنّ فلاناً لشَرَّابٌ بأنقُع» يضرب مثلاً للرجل الذي قد جرّب الأمور وعَرفها ومارسَها حتّى خبرَها. والأصل فيه أنّ الدليل من العرب في باديتها إذا عَرَف المياه الغامضة في الفلَوات ووردها وشرِب منها ، حَذِق سُلوكَ الطرق التي تؤدّيه إلى المحاضر والأمواه. والأنقُع : جمع النَّقْع ، وهو كلُّ ماءٍ مستنقِع من ماءٍ عِدٍ أو غدير.

وقال الأصمعي : نقع الماء ينقع نُقوعاً ، إذا ثبت. والنَّقوع : ما أنقعتَ من شيء. يقال سَقونا نَقوعاً ، لدواءٍ أُنقِعَ من الليل.

وفي حديث محمد بن كعب القُرظيّ قال : «إذا استَنقَعتْ نفْسُ المؤمن جاءه مَلَكٌ فقال له السلام عليكَ وليَّ الله. ثمّ نَزَع هذه الآية : (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [النّحل : ٣٢] وقال شمر : قوله إذا استنقعت نفس المؤمن ، قال بعضهم : يعني إذا خرجَتْ. قال شمر : ولا أعرفها. وقال ابن مقبل :

مستنقِعان على فضول المِشْفرِ

قال : وقال أبو عمرو : يعني نابَي الناقة ، أنهما مستنقعان في اللُّغام. وقال خالد بن جَنْبَة : معناه مصوِّتان.

قلت : قوله «إذا استنقَعَتْ نفسُ المؤمن» له مخرجان ؛ أحدهما أنها اجتمعت في فيه كما يستنقع الماء في مكان ، والثاني خرجَتْ ، من قوله نقعتُه ، إذا قتلتَه.

وقال الليث : الأُنقوعة : وَقْبة الثريد التي فيها الودَك. وكلُّ شيءٍ سالَ إليه الماء من مَثْعبٍ ونحوه فهو أُنقوعة.

قال : والنَّقيع : شراب يُتّخذ من الزبيب

١٧٥

يُنقَع في الماء من غير طبخ. وقيل في السَّكَر إنّه نَقيع الزَّبيب. والنَّقوع : شرابٌ ينقع فيه زبيب وأشياء ثم يصفَّى ماؤه ويُشرَب. وذلك الماء اسمه النَّقوع.

ويقال استَنقع الماءُ ، إذا اجتمعَ في نِهْي وغيره ، وكذلك نَقَع ينقَع نُقوعاً.

وقال النضر : يقال نقَعه بالشَّتم ، إذا شتَمه شتماً قبيحاً. قال : والنقائع : خَبارَى في بلاد بني تميم.

ويقال نقَعتْ بذاك نفسي ، أي اطمأنَّتْ إليه وروِيَتْ به.

وفي حديث المَبْعث «أنّه أتَى رسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مَلَكانِ فأضجعاه وشَقَّا بطنَه ، فرجَع وقد انتُقِع لونُه» في حديث طويل. قال أبو عُبيدٍ واللِّحياني : يقال انتُقِع لونه وامتُقِع لونه ، إذا تغيَّر. وقال النضر : يقال ذلك إذا ذهب دمُه وتغيَّر لونُ بشرته ، إمّا من خوف ، وإما من مَرض. حكاه بالنون عن أبي ذؤابة.

باب العين والقاف مع الفاء

[ع ق ف]

عقف ، عفق ، قعف ، قفع ، فقع : مستعملات.

عقف : أبو العباس عن عمرو عن أبيه قال : قال النسّابة البكري : للنَّمل جدّان : فازرٌ وعُقْفان. ففازرٌ : جدّ السُّود. وعُقفان : جدّ الحُمر.

وأخبرني المنذريّ عن إبراهيم الحربيّ أنه قال : النمل ثلاثة أصناف : النمل ، والفازر ، والعُقيفان. قال : والعُقيفان الطويلة القوائم تكون في المقابر والخرابات. وأنشد :

سُلِّط الذرُّ فازرٌ أو

ن ........... (١).

قال : والذرّ : الذي يكون في البيوت يؤذي الناس. قال : والفازر : المدوَّر الأسود يكون في التَّمر.

وقال الليث : يقال للفقير المحتاج أعقَف ، والجمع عُقفان. وأنشد :

يا أيُّها الأعقف المُزْجى مطيَّتَه

لا نعمةً تَبتغِي عندي ولا نَشَبا

قال : والعَقْفاء : ضرب من البقول معروف.

قلت : الذي أعرفه في بُقول البادية القَفعاء ، ولا أعرف العقفاء.

وقال الليث : العُقَاف : داء يأخذ الشاة في قوائمها حتّى تعوجّ. يقال عُقفت الشاة فهي معقوفة. والعُقّافة : خشبة في رأسها جُحنةٌ يحتجَن بها الشيء. والعقفاء : حديدةٌ قد لُوِي طرفُها. والعقْفُ والعَطف واحد. وعقفت الشيء أعْقِفُه عقفاً فانعقَف ، أي عطفتُه فانعطف.

قال : وعُقْفانُ : حيٌّ من خُزاعة.

قعف : أبو عبيد عن الفراء : سَيل جُحافٌ وقُعافٌ وجُراف ، بمعنًى واحد.

وقال الليث : القاعف من المطر : الشديد.

__________________

(١) تمام عجز البيت في «اللسان» (عقف) :

سألتُ حبيبى الوصلَ منه دُعابَةً

وأعْلَمُ أنَّ الوصل ليس يكونُ

فمَاسَ دلالاً وابتهاجاً وقال لى

برفقٍ مجيباً (ما سألتَ يَهُونُ)

١٧٦

يقعَف الحجارة ويجرفها. والقَعف : شدّة الوطء واجترافُ التراب بالقوائم. وأنشد :

يقعفن قاعاً كفراشِ الغِضرمِ

مظلومةً وضاحياً لم يُظلَم

أبو عمرو : انقعف الجُرف ، إذا انهارَ وانقعَر. وأنشد الأصمعي :

واقعتفِ الجِلْمةَ منها واقتثِثْ

فإنّما تكدحها لمن يَرِثْ

قوله منها ، أي الدنيا وما فيها. اقتعفِ الجَلْمة ، أي اقلع اللحم بجملته.

أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : القَعْف : السُّقوط في كلّ شيء. وقال في موضع : القَعَف محركاً : سقوط الحائط. قال : والنَّعَف : الجبال الصغار بعضُها على بعض ، الواحدة نَعَفة.

عفق : سمعتُ غير واحدٍ من العرب يقول للذي يُثير الصيدَ ناجش. وللذي يَثني وجهه ويردُّه على الصائد عافق. ويقال اعفقْ عليَّ الصيد ، أي اثنه واعطفه. وقال رؤبة :

فما اشتَلاهَا صَفقةً للمنصفَقْ

حتَّى تَردَّى أربعٌ في المنعَفَقْ

يصف عيراً أورد أُتُنَه الماءَ فرماها الصائد فصَفَقها العَير لينجوَ بها ، فرماها الصائد في منعفَقها ، أي في مكان عَفْق العير إيّاها.

وقال أبو تراب : قال بعضُ العرب : عفقت الإبلُ تَعفِق عَفْقاً ، إذا كانت ترجع إلى الماء في كلِّ يومٍ أو كلِّ يومين. وكلُّ راجعٍ مختلفٍ عافقٌ وغافق. ويقال إنك لتَعفِق ، أي تكثر الرجوع.

وقال أبو عمرو : إنّه ليعفّق الغنمَ بعضَها على بعض ، أي يردّها عن وجهها.

وأنشد :

ولا تكُ مِعفاقَ الزيارة واجتنبْ

إذا جئتَ إكثارَ الكلامِ المعَيَّبِ

وقال الليث : عفَق الرجلُ يَعفِق ، إذا ركِبَ رأسَه ومضى. قال : وعفقَ يعفق ، إذا خنَس وارتدّ ورجَع.

أبو عبيد عن الأصمعي : يقال للرجل وغيره : عَفَق بها وحَبَجَ بها ، إذا ضَرَط. قال : وقال أبو زيد : يقال كذبَتْ عَفّاقته ، وهي استُه.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : أعفقَ الرجلُ ، إذا أكثرَ الذَّهابَ والمجيء في غير حاجة.

قال : وعافقَ الذئبُ الغنم ، إذا عاثَ فيها ذاهباً وجائياً. وتعفَّق فلانٌ بفلان ، إذا لاذ به. وقال علقمة :

تعفَّق بالأرطَى لها وأرادها

قال : والعُفُق : الضرّاطون في المجالس. والعُفُق : الأستاه. قال : والعُفُق : الذئاب التي لا تنام ولا تُنيم تردُّداً في الفساد. وقال غيره : اعتفق الأسدُ فريستَه ، إذا عطف عليه فافترسَه. وقال :

وما أسدٌ من أسود العري

نِ يعتفق السائلين اعتفاقا

وعفقَ الرجلُ جاريتَه ، إذا جامَعها.

وقال القتيبي في تفسير قول لقمان : «خذي منّي أخي ذا العِفَاق» : أخبرني أبو سفيان عن الأصمعيّ قال : عفَق يَعفِق ، إذا ذهبَ

١٧٧

ذَهاباً سريعاً. قال : والعَفْقُ هو العطف أيضاً.

فقع : تقول العرب : «فلانٌ أذلُّ من فَقْع بقَرقر» ، قال أبو عبيد : قال أبو زيد والأحمر : الفِقَعة : البِيض من الكمأة ، واحدها فَقْع.

وقال الليث : الفَقْع : كمءٌ يخرج من أصل الإجرِدّ ، وهو نبت ، وهو من أردأ الكمأة وأسرعها فساداً. قال : والفُقّاع هو الشَّراب المعروف. قال : والفقاقيع واحدتها فُقّاعة ، وهي الحَجَا التي تعلو ماء المطر والشرابَ إذا مُزج بالماء ، كأنّها قوارير صغارٌ مستديرة.

وفي الحديث النَّهي عن التفقيع في الصلاة يقال فقَّعَ فلانٌ أصابعَه تفقيعاً ، إذا غمزَ مفاصلَها فأنقضَتْ ، وهو الفرقعة أيضاً ، وكل ذلك قد جاء في الحديث. وقال بعضهم : التفقيع : التشدُّق في الكلام ؛ يقال قد فقّع ، إذا تشدَّقَ وجاء بكلامٍ لا معنَى له. وتفقيع الوردة : أن تُضرَب بالكفّ فتفقع حتَّى تسمعَ لها صوتاً عالياً. وفقَع الحمار ، إذا ضرط. وإنّه لفَقَّاعٌ ، أي ضرّاط.

وقال الله جلّ ذكره : (صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها) [البَقَرَة : ٦٩] قال أبو إسحاق : فاقع نعت للأصفر الشديد الصُّفرة. يقال أصفر فاقع ، وأبيض ناصع ، وأحمر قانىء. وقال أبو عبيد : يقال أبيض ناصع. وقال اللحياني. يقال أصفر فاقع وفُقّاعي.

وقال الليث : الإفقاع : سوء الحال ، وقد أفقَعَ فهو مُفقِع : فقير مجهود. يقال فقير مُفْقِع مُدقع.

قال : والمُفْقِع أسوأ ما يكون من حالاته.

وقال عدي بن زيد في فقاقيع الخمر إذا مزجت :

وطفا فوقَها فقاقيعُ كاليا

قوتِ حمرٌ يُثيرها التصفيقُ

قفع : قال الليث : يقال أحمر قُفَاعيٌ ، وهو الأحمر الذي يتقشَّر أنفه من شدَّة حمرته.

قلت : لم أسمع لغير الليث أحمر قُفاعي القاف قبل الفاء ، والمعروف في باب الألوان أصفر فاقع وفُقَاعيٌّ ، الفاء قبل القاف ، وهو الصحيح.

ويقال شاهٌ قفعاء ، وهي القصيرة الذّنَب ، وقد قَفِعتْ قَفَعاً. وكبشٌ أقفَع ، وهي كباشٌ قُفْع. وقال الشاعر :

إنّا وجدنا العِيسَ خيراً بقيّةً

من القُفْع أذناباً إذا ما اقشعرَّتِ

قلت : أراه أراد بالقُفْع أذناباً ، المِعزَى ؛ لأنها إذا صَرِدت اقشعرَّت. وأمّا الضأن فإنها لا تقشعرُّ من الصَّرَد.

والقفعاء من أحرار البقول ، وقد رأيتها في بلاد تميم ، ولها نُوَير أحمر. وقد ذكرها زهير فقال :

بالسِّيِّ ما تُنبتُ القَفْعاء والحَسَكُ

وقال الليث : القَفْعاء : حشيشة خوّارة من نبات الربيع خَشْناء الورق ، لها نَورٌ أحمر مثل شَرَر النار ، وورقها تراها مستعْلياتٍ من فوق ، وثمرها مُقَفَّعٌ من تحت. قال : والأذن القَفعاء كأنّما أصابَتْها نارٌ فتزوَّت من أعلاها وأسفلها. قال : والرِّجْل

١٧٨

القفعاء : التي ارتدّت أصابعُها إلى القَدَم ، وقد قَفِعَتْ قَفَعاً.

ويقال تقفَّعت الأصابعُ من البرد ، وقد قَفَّعها البرد. قال : ونظر أعرابيٌّ إلى قُنفذةٍ قد تقبّضتْ فقال : أتُرى البردَ قَفَّعها.

قال : والمِقْفعة : خشبةٌ يضرب بها الأصابع. والقُفَّاع : نباتٌ متقفِّع كأنّه قرونٌ صَلابةً إذا يبِس ، يقال له كفُّ الكلب.

وفي حديث عمر أنه ذُكر عنده الجرادُ فقال : «ليت عِندنا منه قَفعةً أو قَفعتين». قال أبو عبيد : القَفْعة : شيءٌ شبيه بالزَّبِيلِ ليس بالكبير ، يُعمَل من خُوص ، وليس له عُرًى. وقال شمر : القَفعة مثل القُفَّة تُتَّخذ واسعةَ الأسفل ضيّقة الأعلى ، حشوُها مكانَ الحَلفاء عَراجين تُدَقُّ ، وظاهرها خوصٌ على عمل سِلال الخوص. قال : وسمعتُ محمد بن يحيى يقول : القَفعة الجُلّة ، بلغة اليمن ، يُحمَل فيها القُطن.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابي قال : القَفْع : القِفاف ، واحدتها قَفعة. قال : والقَفْع : الدَّبَّابات التي يُقاتَل تحتها ، واحدتها قفْعة.

وقال الليث : القَفْع ضَبْرُ يتّخذ من خشب يمشي بها الرجال إلى الحصون في الحروب ، يدخل تحتها الرجال. قال : ويقال لهذه الدُّوَّارت التي يجعل الدَّهّانون فيها السِّمسم المطحون ويضعون بعضَها على بعض ثم يضغطونها حتّى تُسيلَ الدهنَ : القَفَعات.

ويقال قفَعتُه عمّا أراد قفعاً ، إذا منعتَه فانقفَعَ انقفاعاً. ويقال قفِّع هذا ، أي أوعِهِ. ورجلٌ قفَّاعٌ لماله ، إذا كان لا ينفقُه.

ولا يبالي ما وقَع في قفعتِه ، أي وِعائه.

باب العين والقاف مع الباء

[ع ق ب]

عقب ، عبق ، قبع ، قعب ، بقع ، بعق مستعملات.

عقب : قال أبو العباس : قال ابن الأعرابيّ : العاقب والعَقُوب : الذي يَخْلُف من كان قبلَه في الخير. وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لي خمسة أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، والماحي يمحو الله بيَ الكفر ، والحاشر أحشُر الناس على قدميَّ ، والعاقب». قال أبو عبيد : العاقب : آخر الأنبياء. قال : وكل شيء خَلفَ بعد شيء فهو عاقب له ، وقد عَقَب يَعقِب عَقْباً وعُقوباً. ولهذا قيل لولد الرجل عَقِبه وعَقْبه ، وكذلك آخر كل شيءٍ عَقِبه.

وفي حديث عمر أنه سافر عَقِبَ رمضان ، أي في آخره. قال : وقال أبو زيد : جاء فلانٌ على عُقْب رمضان وفي عُقْبه بالضم والتخفيف ، إذا جاء وقد ذهب الشهر كلُّه.

وجاء فلانٌ على عَقِب رمضانَ وفي عَقِبه ، إذا جاءَ وقد بقيتْ في آخره أيام.

قال : وقال الأصمعي : فرسٌ ذو عَقْبٍ ، أي جري بعد جري. ومن العرب من يقول ذو عَقِبٍ فيه.

الحراني عن ابن السكيت قال : إبلٌ مُعاقِبَةٌ : ترعى مرّةً في حَمضٍ ومرّةً في خُلَّة. ويقال عاقبتُ الرّجل من العُقْبة ، إلى راوحتَه فكانت لك عُقْبةٌ وله عُقْبة. وكذلك

١٧٩

أعقبته. ويقول الرجلُ لزميله : أعقِبْ وعاقِبْ ، أي انزِلْ حتّى أركبَ عُقبتي. وكذلك كلُّ عمل.

وقال الله جلّ وعزّ : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [الرّعد : ١١] قال الفراء : المعقِّبات : الملائكةُ ملائكةُ الليل تعقِّب ملائكة النهار.

قلت : جعل الفراءُ عقَّبَ بمعنى عاقب ، كما يقال ضاعَفَ وضعَّف وعاقد وعَقَّد بمعنى واحد ، فكأنَّ ملائكة النهار تحفظ العبادَ فإذا جاء الليلُ جاء معه ملائكةُ الليل وصَعِد ملائكةُ النهار ، فإذا أقبلَ النهار عادَ من صعِد وصعِد ملائكةُ الليل ، كأنَّما جَعَلوا حفظهُ عُقَباً أي نُوَباً.

وقال أبو الهيثم : كلُّ مَن عمِل عملاً ثم عاد إليه فقد عقَّب ؛ ومنه قيل للذي يَغْزُو غزْواً بعد غَزْوٍ ، وللذي يتقاضى الدَّينَ فيعود إلى غريمه في تقاضيه : مُعَقِّب.

وقال لبيد :

حتَّى تهجَّرَ في الرَّواحِ وهاجَه

طلبَ المعقِّب حقَّه المظلومُ

وقال سلامة بن جندل :

إذا لم يُصِبْ في أوّل الغَزْو عَقَّبا

أي غزا غزوةً أخرى.

قال : وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «معَقِّباتٌ لا يَخِيب قائلُهنّ ، وهو أن يسبّح في دُبر صلاته ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، ويكبّر أربعاً وثلاثين تكبيرة ، ويحمِّد الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة». فسمِّين معقِّباتٍ لأنّها عادت مرّةً بعد مرّة.

وقال شمر : أراد بقوله : معقِّبات لا يخيب قائلهن : تسبيحات تَخْلُف بأعقاب الناس.

قال : والمُعقِّب من كل شيء : ما خَلَفَ يُعقِّب ما قبله. وأنشد : ولكنْ فتًى من صالح القوم عقّبا يقول : عُمِّر بعدهم وبقيَ. ويقال عقَّب في الشَّيب بأخلاق حسنة.

وأخبرني المنذريّ عن أحمد بن يحيى قال : قال الأخفش في قوله : (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) [الرّعد : ١١] : إنَّما أنثت لكثرة ذلك منها نحو نسّابة وعلّامة ؛ وهو ذكَر.

وقال أبو العباس : قال الفراء : ملائكة مُعَقِّبةٌ ، ومعقِّبات جمع الجمع.

وقال أبو سعيد في قول لبيد :

طلب المعقِّب حقَّه المظلومُ

قال : المعقِّب : الغريم الماطل في قول لبيد. قال : والمعقِّب : الذي أُغِير عليه فحُرِبَ فأغار على الذي كان أغارَ عليه فاسترجعَ مالَه.

وأما قوله عزوجل : (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) [الرّعد : ٤١] فإنَّ الفراء قال : معناه لا رادَّ لحكمه. قال : والمعقِّب : الذي يكُرُّ على الشيء ؛ ولا يكرُّ أحدٌ على ما أحكمه الله.

وروى شمر عن عبد الصمد عن سفيان أنه قال في قول الله : (وَلَمْ يُعَقِّبْ) [النَّمل : ١٠] : لم يلتفت. وقال مجاهد : لم يرجع. قال شمر : وكلُّ راجعٍ معَقِّبٌ. وقال الطرمّاح :

وإن تونَّى التّالياتُ عقَّبا

أي رجَع.

وأخبرني المنذرِيّ عن ثعلب عن ابن

١٨٠