تهذيب اللغة - ج ١

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٩

تختلع منه. قال الأزهريّ : فجعل الله اللواتي يأتين الفاحشةَ مستثنَياتٍ من جملة النساء اللواتي نَهَى الله أزواجهنّ من عَضْلهنَّ ليذهبوا ببعض ما آتَوهن من الصداق.

وروي عن عمر أنه قال : «أعضَلَ بي أهلُ الكوفة ، ما يرضَون بأمير ولا يرضاهم أمير» قال أبو عبيد : قال الأمويّ في قوله «أعضل بي أهلُ الكوفة» : هو من العُضال وهو الأمر الشديد الذي لا يقوم به صاحبُه. يقال قد أعضلَ الأمرُ فهو مُعضِل. قال : ويقال قد عضَّلت المرأة تعضيلاً ، إذا نشِب الولدُ فخرجَ بعضُه ولم يخرجْ بعضٌ فبقي معترضاً وكان أبو عبيدة يحمل هذا على إعضال الأمر ويراه منه.

ويقال : أنزلَ القوم بي أمراً مُعضِلاً لا أقوم به. وقال ذو الرمة :

ولم أقذِفْ لمؤمنةٍ حَصانٍ

بإذن الله مُوجِبةً عُضالا

وقال شمر : الداء العُضَال : المنكَر الذي يأخُذ مُبادَهةً ثم لا يلبث أن يقتُل ، وهو الذي يعيي الأطبّاء. يقال أمرٌ عُضال ومُعْضِل ، فأوّلُه عُضال ، فإذا لزِم فهو مُعضِل.

قال : وعَضْل المرأة عن الزَّوْج : حبسها.

وقال الأصمعيّ : يقال عضّلت الأرضُ بأهلها ، إذا ضاقت بهم لكثرتهم. وأنشد لأوس بن حجَر :

ترى الأرضَ مِنَّا بالفضاء مريضةً

معضِّلةً منا بِجمعٍ عَرَمْرمِ

ويقال فلانٌ عُضْلةٌ من العُضَل ، أي داهيةٌ من الدَّواهي.

وأما العَضَل بفتح الضاد والعين فهو الجُرَذ ، وجمعه عِضْلان. وقال ابن الأعرابي : العَضَل ذكر الفأر. وقال الليث : بنو عَضَل : حيٌّ من كنانة وقال غيره : عَضَل والدِّيش : حيانِ يقال لهما القارَة ، وهم من كنانة.

وقال أبو زيد : عضَّلت الناقة تعضيلاً وبدّدت تبديداً ، وهو الإعياء من المشي والرُّكوبِ وكلِّ عمل. وقال أبو مالك : عضّلت المرأةُ بولدها ، إذا غَصَّ في الفرج فلم يخرجْ ولم يدخلْ.

وسئل الشعبيّ عن مسألة مُشْكلةٍ فقال : «زَبَّاء ذاتُ وَبَرٍ ، لو وردت على أصحاب محمد لعَضَّلَتْ بهم» قال شمر : عضَّلت بهم ، أي ضاقت عليهم.

قلت : أراد أنّهم يَضيقون بالجواب عنها ذَرعاً ؛ لإشكالها.

وقال الليث : يقال للقطاةِ إذا نَشِب بيضُها : قطاة مُعَضِّل.

قال الأزهري : كلام العرب : قطاة مُطرِّق وامرأة معضِّل.

والعُضليُّ : القويّ من الرجال والعَضيل :المنكَر منهم الضَّخم الشأن ، الجمْع العَضِيلون والعُضَلاء. فإذا كان من غير الرجال فجمعُه عُضُل. وناقةٌ عضيلة : نكيرةٌ في الشدَّة. وحِصنٌ عَضِيل : نكير مُشرف. ومكانٌ عَضيل : ضيِّق بأهله ، ويكون المشرفَ ، نحو حِصنٍ عضيل. قال

٣٠١

مرّار :

إذا ضُمَّ لي بَحْرَا جذيمةَ والتقتْ

عليَّ روابي كلُّهنَّ عضيلُ

الروابي : الأشراف من الأرض.

أبو عمرو : العَضَلة : شجرة مثل الدِّفْلَى ، تأكلهُ الإبل فتشرب كلَّ يومٍ عليه الماء.

قال الأزهري : لا أدري أهِيَ العَضَلة أم العَصَلة ، ولم يروِها لنا الثِّقات عن أبي عمرو.

وقال الليث : العَضَلة : كل لحمةٍ غليظةٍ مُنْتَبرة مثل لحمة الساق والعضد. يقال ساقٌ عَضِلَةٌ : ضخمة. قال : والدَّاء العُضال : الذي أعيا الأطباءَ علاجُه.

والأمر المُعْضِل : الذي قد أعيا صاحبَه القيامُ به. قال : وعضَّلت عليه ، أي ضيّقتُ عليه أمره وحُلتُ بينه وبين ما يَرُومه ، ظُلماً. قال : والعَضَل : موضع بالبادية كثير الغِياض. قال : واعضألَّت الشجرة ، إذا التفّت وكثر أغصانُها. وأنشد :

كأنّ زِمامُها أَيْمٌ شجاعٌ

تراءَدَ في غُصونٍ مُعْضئلّهْ

قال الأزهري : ورواه غيره : «مُعطئلّهْ» بالطاء.

علض : أهمله الليث غير حرفٍ واحد ، قال : العِلّوْض : ابن آوى ، بلغة حمير. وروى ثعلب عن ابن الأعرابي قال : العِلّوض : ابن آوى.

ضعل : أهمله الليث. وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : الضاعِل : الجمل القويّ. قال : والطاعل : السهم المقوَّم ولم أسمع هذين الحرفين إلّا له. قال : والضَّعَل : دقّة البدن من تقارب النسب.

وهذه الحروف غريبة ، وهي من «نوادر ابن الأعرابيّ».

ضلع : أخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال : ضلوع كلِّ إنسان أربع وعشرون ضِلعاً ، وللصَّدر منها اثنتا عشرة ضِلعاً تلتقي أطرافها في الصدر ، وتتّصل أطراف بعضها ببعض وتسمَّى الجوانح ، وخلْفها من الظهر الكَتِفانِ ، والكتفانِ بحذاء الصدر. واثنتا عشرة ضلعاً أسفل منها في الجنبين ، البطنُ بينهما ، لا تلتقي أطرافُها ، على طرف كلّ ضلع منها شُرسُوف ، وبين الصَّدر والجنبين غُضروفٌ يقال له الرَّهابة ، ويقال له لسانُ الصَّدر. وكل ضِلع من أضلاع الجنبين أقصر من التي تليها إلى أن تنتهي إلى آخرها ، وهي التي في أسفل الجنب ، يقال لها الضِّلع الخِلْف.

أبو عبيد عن أبي زيد : الضالع : الجائر.

وقال الكسائي مثله. وقد ضَلِعَ يَضْلَع ، إذا مال. ومنه قيل : ضَلْعُك مع فلان.

أبو زيد : هم عليه أَلْبٌ واحد ، وضَلْعٌ واحد. يعني اجتماعهم عليه بالعداوة.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «اللهم إنّي أعوذ بك من الهمِّ والحزَن ، والعَجْز والكسَل ، والبُخْل والْجُبْن ، وضَلَعِ الدَّين ، وغَلَبة الرجال». وقال ابن السكيت : الضَّلْع : الميل ، ومنه قولهم : ضَلْعُك مع فلان. قال : والضلَع : الاعوجاج. رُمحٌ ضَلِعٌ : معوَّج.

قلت : فمعنى «ضَلَع الدَّين» ثِقَلُه حتّى يميل

٣٠٢

بصاحبه عن حدّ الاستواء لثقله.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه أمر امرأةً في دم الحيض يُصيب الثوب : «حُتِّيه بِضِلَع». هكذا رواه الثقات بكسر الضاد وفتح اللام. وأخبرني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ أنه قال : الضِّلَع : العُود هاهنا.

قلت : أصل الضِّلَع ضِلَع الجنب ، وقيل للعود الذي فيه انحناء وعِرَضٌ واعوجاجٌ ضِلَع ، تشبيهاً بالضِّلَع الذي هو واحد الأضلاع.

وقال الليث : هي الضِّلَع والضِّلْع ، لغتان.

قال : والعرب تقول هذه ضِلَعٌ وثلاث أضلُع.

وفي حديث ثالث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا نظر إلى المشركين يوم بدرٍ قال : «كأنّي بكم يا أعداء الله مُقتَّلينَ بهذه الضِّلَع الحمراء» ، قال الأصمعيّ : الضِّلَع : جُبيل يستطيل في الأرض ليس بمرتفع في السماء ، يقال : انزل بهاتيك الضِّلَع. وقال غيره : الضِّلع جُبَيل صغيرٌ ليس بمنقاد وقال ابن شميل : الضِّلَع : خطٌّ يُخَطُّ في الأرض ثم يُخَطُّ آخر ، ثم يُبْذَر ما بينهما. ورُمْحٌ ضَلِعٌ : أعوج. وأنشد :

بكل شعشعاعٍ كجذع المزدَرَع

فَلِيقُه أجردُ كالرُّمح الضَّلِع

يصف الإبل تَنَاوَلُ الماءَ من الحوض بكل عُنقٍ كجِذع الزُّرنوق. والفليق : المطمئن في عنق البعير الذي فيه الحلقوم.

وقال الليث : يقال إنّي بهذا الأمر مُضطلعٌ ومُطَّلعٌ ، الضاد تدغَم في التاء فيصيران طاء مشدّدة ، كما تقول اطَّنَّني أي اتّهمني ، واطَّلم إذا احتمل الظُّلم. قال : واضطلع الحِمْلَ ، إذا احتملته أضلاعه. وقال ابن السكيت : هو مضطلِع بحمله ، أي قويٌّ عليه ، وهو من الضَّلاعة. قال : ولا يقال مطّلع بحمله.

وقال الليث : ورجلٌ أضلع وامرأةٌ ضَلعاءُ وقومٌ ضُلْع ، إذا كانت سنُّه شبيهةَ الضِّلع. قال : والأضلع يوصف به الشَّديد الغليظ. وفي صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان ضليعَ الفم. قال أبو عبيد : أراد أنه كان واسع الفم. وقال القتيبي : ضليع الفم : عظيمُه ، يقال ضليعٌ بَيِّنُ الضلاعة. قال : ومنه قول الجنيّ الذي صارعَ عمر بنَ الخطّاب : «إنّي منهم لضليع» قال أبو عبيد : معناه إني منهم لَعظيم الخَلْق. قال القتيبي : والعرب تذمُّ بصغر الفَمِ وتحمد سَعَته. قال : ومنه قوله في منطَق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنه «كان يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه» ، وذلك لِرُحْب شِدقه. ويقال للرَّجُل إذا كان كذلك أشْدَق ، بيِّن الشّدِق.

وقال الأصمعيُ : قلت لأعرابيّ : ما الجمال؟ فقال : غُؤور العينين ، وإشرافُ الحاجبَين ، ورُحْب الشدقين.

وقال ابن السكيت : فرسٌ ضليع الخَلْق ، إذا كان تامَّ الخَلْق مُجْفَر الجنبين غليظَ الألواح كثير العَصَب. الضّليع : الطويل الأضلاع العريض الصدر الواسع الجنبين.

وقال الأصمعيّ : المضلوعة : القَوس. وقال المتنخِّل الهذليّ :

٣٠٣

واسلُ عن الحبِ بمضلوعةٍ

تابَعَها البارِي ولم يَعجَلِ

وقال ابن شميل : المضلَّع : الثوب الذي قد نُسج بَعضُه وترك بعضه. وقال غيره : بُردٌ مضلّع ، إذا كانت خطوطه عريضةً كالأضلاع.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الضَّوْلع : المائل بالهَوَى. هي ضِلَعٌ عليه أي جائرة عليه. وقال ابن هَرْمة يصف امرأة :

وهي علينا في حكمها ضِلَع

جائرة في قضائها خَنِعهْ

[ع ض ن]

استعمل من وجوهه :

نعض : أبو زيد عن الأصمعي : النُّعْض : شجر من الغَضا له شوك ، واحدتها نُعْضَة. وهو معروف.

وقال ابن دريد : ما نعَضْتُ منه شيئاً ، أي ما أصبت.

قلت : ولا أحقُّه ، ولا أدري ما صحّته ، ولم أره لغيره.

باب العين والضاد مع الفاء

[ع ض ف]

استعمل من وجوهه : ضعف ، ضفع ، فضع.

ضعف : قال الله جلّ وعزّ : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [الأحزَاب : ٣٠] وقرأ أبو عمرو : (يُضَعَّفْ) ، قال أبو عبيدة : معناه يجعل الواحد ثلاثة ، أي تعذَّبُ ثلاثة أعذبة. قال : عليها أن تعذَّب مرّةً فإذا ضوعف ضعفين صار العذاب ثلاثةَ أعذِبة.

قلت : هذا الذي قاله أبو عبيدة هو ما يستعمله الناس في مجاز كلامهم ، وما يتعارفونه بينهم. وقد قال الشافعي شبيهاً بقوله في رجل أوصى فقال : أعطوا فلاناً ضِعفَ ما يصيب ولدي. قال : يعطى مثله مرَّتين. قال : ولو قال ضعفَيْ ما يصيب ولدي ، نظرتَ ، فإن أصاب مائةً أعطيتَه ثلاثمائة.

قلت : وقد قال الفراء شبيهاً بقولهما في قول الله عزوجل : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) [آل عِمرَان : ١٣]. قلت : والوصايا يستعمل فيها العرف الذي في خطابهم موضوع كلام العرب يذهب إليه وَهْمُ الموصِي والموصَى إليه ، وإن كانت اللُّغة تحتمل غيره يتعارفه المخاطِب والمخاطب ، وما يسبق إلى الأفهام من شاهد الموصي مما ذهب وهمه إليه كذلك. وكذلك روي عن ابن عباسٍ وغيره. فأما كتاب الله عزوجل فهو عربيٌّ مبين ، ويردّ تفسيره إلى الموضع الذي هو صيغة ألسنتها ، ولا يُستعمل فيه العرف إذا خالفَتْه اللغة. والضِّعف في كلام العرب : المِثْل إلى ما زاد ، وليس بمقصور على مثلين ، فيكون ما قاله أبو عبيدة صواباً ، يقال هذا ضِعْف هذا أي مِثْلُه ، وهذا ضعفاه أي مثلاه. وجائز في كلام العرب أن تقول : هذا ضِعفاه أي مثلاه وثلاثة أمثاله ، لأن الضعف في الأصل زيادة غير محصورة. ألا ترى قول الله عزوجل : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ

٣٠٤

الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا) [سَبَأ : ٣٧] لم يُرِدْ به مِثْلاً ولا مثلَين ، ولكنَّه أراد بالضِّعف الأضعاف ، وأَولى الأشياء به أن يُجعلَ عشرةَ أمثاله ، لقول الله جلّ وعزّ : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) [الأنعَام : ١٦٠] فأقلُ الضعف محصور وهو المثل ، وأكثره غير محصور. وأما قول الله تعالى : (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [الأحزَاب : ٣٠] إنّهما ضعفانِ اثنان فإن سياق الآية والآية التي بعدها دلّ على أنّ المراد من قوله ضِعْفَيْنِ مَرَّتينِ. ألا ترى قوله بعد ذكر العذاب : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) [الأحزَاب : ٣١]. فإذا جعل الله لأمّهات المؤمنين من الأجر مثلَيْ ما لغيرهنّ من نساء الأمَّة تفضيلاً لهنّ عليهنّ ، فكذلك إذا أتت بفاحشةٍ إحداهُنَّ عُذبتْ مثلَيْ ما يعذَّب غيرها. ولا يجوز أن تُعطَى على الطاعة أجرَين ، وعلى المعصية أن تعذّبَ ثلاثة أعذبة.

وهذا الذي قلتُه قولُ حُذّاق النحويين وقولُ أهل التفسير. وإذا قال الرجل لصاحبه : إن أعطيتني درهماً كافأتك بضعفين ، فمعناه بدرهمين.

وقال أبو إسحاق الزَّجَّاجُ في قول الله : (فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) [الأعرَاف : ٣٨] قال : عذاباً مضاعفاً ؛ لأنّ الضِّعف في كلام العرب على ضربين : أحدهما المثل ، والآخر أن يكون في معنى تضعيف الشيء (قالَ لِكُلٍ ضِعْفٌ) [الأعرَاف : ٣٨] أي للتابع والمتبوع ؛ لأنّهم قد دخلوا في الكفر جميعاً ، أي لكلٍّ عذابٌ مضاعف.

وقول الله جلّ وعزّ : (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) [الإسرَاء : ٧٥] أي أذقْناك ضِعفَ عذاب الحياة وضِعفَ عذاب الممات ، ومَعناهما التضعيف.

وقول الله جلّ وعزّ : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) [الرُّوم : ٣٩] معناه الداخلون في التضعيف ، أي يُثابون الضِّعْف الذي قال الله تعالى : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا) [سَبَأ : ٣٧].

والعرب تقول ضاعفت الشيء وضعّفته ، بمعنًى واحد. ومثله امرأة مُناعَمة ومنعَّمة ، وصاعَر المتكبّر خَدَّه وصعّره ، وعاقدت وعقّدت ، وعاقبت وعقّبت ، بمعنًى واحد.

أبو عبيد عن أبي عمرو قال : المضعوف من أضعفتُ الشيء وأنشد قول لبيد :

وعالَين مضعوفاً وفَرداً سُموطُه

جُمانٌ ومَرجانٌ يشكُّ المفاصلا

وأما قول الله عزوجل : (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً) [الرُّوم : ٥٤] قال قتادة : (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) قال : من النُّطفة. (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً) ، قال : الهَرَم. وفيه لغتان : الضَّعْف والضُّعْف. وقرأ عاصم وحمزة : (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) [الأنفال : ٦٦] و: (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) [الرُّوم : ٥٤] بفتح الضاد فيهما. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر والكسائي : (من ضُعْفٍ) و (ضُعْفاً) بضم الضاد ، وهما لغتان. وقال الليث : يقال ضعف الرجل يضعف ضَعفاً وضُعفاً ، وهو خلاف القُوّة قال :

٣٠٥

ومنهم من يقول : الضَّعف في العقل والرأي ، والضُّعف في الجسد. قلت : هما عند جماعة أهل البصر باللغة لغتان جَيِّدتان مستعملتان في ضَعف البدن وضَعف الرأي.

وأخبرني المنذريّ عن عثمان بن سعيد عن سلّام المدائني عن أبي عمرو بن العلاء عن نافع عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأها : خلقكم من ضُعْف [الروم : ٥٤].

ويقال أضعفت فلاناً : أي وجدته ضعيفاً ؛ وضعّفته ، أي صيّرته ضعيفاً ، واستضعفته ، أي وجدته ضعيفاً أيضاً. وقال الليث : يقال أضعفت الشيء وضاعفتُه ، إذا زدتَ على أصل الشيء فجعلته مثلين أو أكثر من ذلك.

أبو عمرو : أضعاف الجسد : عِظامه ، الواحد ضِعف قال : ويقال أضعاف الجسد : أعضاؤه ويقال فلانٌ ضعيف مُضْعِف ، فالضّعيف في بدنه ، والمضْعِف : الذي دابّته ضعيفة ، كما يقال فلانٌ قويٌ مُقّوٍ ، فالقويّ في بدنه ، والمُقْوِي : الذي دابّته قويّة.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : رجلٌ مضعوف ومهبوتٌ ، إذا كان في عقله ضَعف.

شمر : ومن الدُّروع المضاعَفة ، وهي التي ضُوعِف حَلقُها.

وقال أبو زيد : يقال للرجل إذا انتشرتْ ضيعتُه وكثُرت : أضعفَ الرَّجلُ فهو مُضْعِف. والأَضعاف : الجوف قال رؤبة :

فيه ازدهافٌ أيُّما ازدهافِ

والله بين القلبِ والأضعافِ

فأضعاف الجسد : عِظامه ، الواحد ضِعْف.

والضَّعَف : الثياب المضعَّفة ، على مثال النَّفَض بمعنى المنفوض. قال الأفوه :

تَتبعُ أسلافَنا عِينٌ مخدَّرة

من تحت دَوْلجِهنَّ الرَّيْطُ والضَّعَفُ

وأرضٌ مُضْعَفة : أصابها مطرٌ ضعيف.

ابن بزرج : رجل مضعوف وضَعوف وضعيف قال : ورجل مغلوبٌ وغَلوب ، وبعيرٌ معجوف وعَجيف وعجوف وأعجف ، وناقة عجوف وعجيف ، وكذلك امرأة ضعوف. ويقال للرجل ضعيف ، إذا كان ضرير البصَر.

وتضعَّفت الرجل ، إذا استضعفتَه.

ثعلب عن ابن الأعرابي : رجل مضعوف ومَهْبوت ومرثوء ، إذا كان في عقله ضعف.

ضفع ـ [فضع] : ثعلب عن ابن الأعرابي : ضَفَع الرجل يَضفَع ضفعاً ، إذا أبدى.

وقال الليث : ضَفع ، إذا أحدثَ. وفَضَعَ لغةٌ في ضَفَعَ ، وهو الإبداء.

وقال ابن الأعرابيّ : نَجْو الفيل الضَّفْع ، وجلده الحَوْران ، وباطن جلده الحِرْصِيان.

قلت : والضفْعانة : ثمرة السَّعدانة ذات الشّوك ، وهي مستديرة كأنها فَلْكة ، لا تراها إذا هاجَ السَّعدانُ وانتثر ثمرها إلّا مسلنْقيةً قد كَشَرَتْ عن شوكها وانتصَّت لقَدَم من يطؤها ، والإبل تسمَن على السَّعدان وتطيب عليه ألبانها.

باب العين والضاد مع الباء

[ع ض ب]

عضب ، ضبع ، بضع ، بعض : مستعملة.

٣٠٦

عضب : قال الشافعي في المناسك : «وإذا كان الرجل معضوباً لا يستمسك على الراحلة فحجَّ عنه رجلٌ في تلك الحالة فإنّه يَجْزِيه». والمعضوب في كلام العرب : المخبول الزَّمِن الذي لا حَراكَ به. يقال عضبَتْهُ الزَّمانةُ تَعضِبه عَضباً ، إذا أقعدته عن الحركة وأزمنَتْه.

وقال أبو الهيثم : العَضَب : الشَّلَل ، والعَرَج والخبَل.

وقال شمر : يقال عضبت يَده بالسيف ، إذا قطعتَها. وتقول : لا يَعضِبُك الله ، ولا يَعضِب الله فلاناً ، أي لا يَخْبِله الله وإنَّه لمعضوب اللسان ، إذا كان مقطوعاً عَييّاً فَدْماً. وفي مثلٍ : «إنَّ الحاجة ليَضِبُها طلبُها قبلَ وقتها». يقول : يقطعها ويُفسدها. والعَضَب في الرمح : الكسر ؛ ويقال عَضِب قَرنُه عَضَباً. قال : وتدعو العربُ على الرجل فتقول : ما له عضَبَه الله! يدعون عليه بقطع يده ورجله.

وروى أبو عبيدة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإسناده ، أنه «نَهَى أن يضحَّى بالأعضَبِ القَرْنِ والأذُن» ، قال أبو عبيد : الأعضب : المكسور القرن الداخل قال : وقد يكون العَضَب في الأذن أيضاً. فأما المعروف ففي القَرْن وأنشد للأخطل :

إنَّ السيوفَ غُدوَّها ورواحَها

تركت هوازنَ مثلَ قرنِ الأعضَب

قال أبو عبيد : وأمّا ناقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم التي كانت تسمَّى العضْباء ، فليس من هذا ، إنما ذاك اسمٌ لها سمِّيت به.

وقال أبو عمرو : يقال عضبتُه بالعصا ، إذا ضربتَه بها ، أعضِبُه عضْباً. ويقال عضبتُه بالرُّمح أيضاً ، وهو أن يشغَله عنه. وقال غيره : عَضَب عليه ، أي رجَع عليه. وفلانٌ يُعاضِب فلاناً ، أي يرادّه. وقال الأصمعيّ : إنك لتَعضِبُني عن حاجتي ، أي تقطعني عنها.

وقال الليث : العَضْب : القَطْع ؛ يقال عضَبَه يَعضِبُه ، أي قَطَعه. والعَضْب : السيف القاطع.

ثعلب عن ابن الأعرابي : يقال للغلام الحادِّ الرأس الخفيف الجسم : عَضْب ، ونَدْبٌ ، وشَطْب ، وشَهْب ، وعَصْب ، وعَكْب ، وسَكْب.

أبو حاتم عن الأصمعيّ : يقال لولد البقرة إذا طلع قرنُه ، وذلك بعدما يأتي عليه حولٌ : عَضْب ، وذلك قبل إجذاعه. وقال الطائفيّ : إذا قُبِض على قرنه فهو عَضْبٌ ، والأنثى عَضبة ، ثم جَذَع ، ثم ثَنِيٌّ ، ثم رَباعٍ ، ثم سَدَسٌ ، ثم التَّمَم والتَّمَمة. فإذا استجمعت أسنانُه فهو عَمَمٌ.

ضبع : شمر عن ابن الأعرابيّ : الضَّبْع من الأرض : أكمة سوداءُ مستطيلة قليلاً.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ رجلاً أتاه فقال : «يا رسولَ الله أكلَتْنا الضَّبُع» قال أبو عبيد : الضَّبُع هي السنة المُجْدبة. وأنشد :

أبَا خُراشةَ أمّا أنتَ ذا نفرٍ

فإنّ قوميَ لم تأكلهمُ الضَّبُعُ

والضَّبُع : الأنثى من الضِّباع. ويقال للذكر ضِبعانٌ ويجمع ، ضُبْعاً وضِباعاً ومَضْبَعة. وأمّا الضَّبْعُ بسكون الباء فهو العَضُدُ ؛ يقال أخَذ بضَبْعيه ، أي بعضُديه.

٣٠٧

أبو عبيد عن أبي عمرو قال : الاضطباع بالثوب : أن يُدخل رداءه تحت يده اليمنى ثم يُلقِيَه على عاتقه الأيسر ، كالرجل يريد أن يعالجَ أمراً فيتهيّأ له. يقال قد اضطبعتُ بثوبي. وهو مأخوذ من الضَّبْع ، وهو العضُد.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : إذا لوى الفرسُ حافرَه إلى عَضُدِه فذلك الضَّبْع ، فإذا هَوَى بحافره إلى وحشيِّه فذلك الخِناف. ويقال ضَبَعت الناقة تَضبَع ضَبْعاً ، وضبّعت تضبيعاً ، إذا مدَّت ضَبْعَيها في سيرها واهتزَّت. ويقال ضَبَع الرجُل يَضْبَعُ ضَبْعاً ، إذا رفَعَ يديه بالدُّعاء. ومنه قول الراجز :

وما تَنِي أيدٍ علينا تَضْبَعُ

ويقال ضابعناهم بالسيوف ، أي مددنا أيديَنا إليهم بالسُّيوف ومدُّوها إلينا. وقال الراجز :

لا صُلحَ حتّى تضبعوا ونضبعا

ويقال ضَبَعَوا لنا من الطَّريق ضَبْعاً ، أي جعلوا لنا فيه قسماً ، كما تقول : ذَرعوا لنا طريقاً.

أبو عبيد عن أبي عمرو : ضَبَع القومُ للصُّلح ، أي مالوا إليه وأرادوه. قال شمر : ولم أسمعْ هذا إلّا لأبي عمرو ، وهو من نوادره. وقال الأصمعي : مرّت النَّجائبُ ضوابعَ. وضَبْعها : أن تَهوى بأخفافها إلى العَضُد إذا سارت.

أبو سعيد : الضَّبْع : الجَور. وفلان يَضْبَع ، أي يجور.

سلمة عن الفراء قال : الضُّبْع : فناء الإنسان ، يقال كنّا في ضُبْعٍ فلانٍ ، أي فنائه. قال : والضَّبُع : السنة المُهلِكة.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : يقال للناقة إذا أرادت الفحل : قد ضَبِعَتْ ضَبَعةً. وقال الليث : يقال أضبعَتْ فهي مُضْبِعة. قال : والمَضبَعة : اللحم الذي تحت الإبط من قُدُم. وفرسٌ ضابع وجمعه ضوابع ، وهو الكثير الجري. وضُبَيعة : قبيلة في ربيعة. وضُبَاعة : اسم امرأة.

وفي «نوادر الأعراب» : حِمارٌ مضبوع ، ومخنوق ، ومذءوب ، أي به خُنَاقِيَّةٌ وذئبة ، وهما داءان. ومعنى المضبوع دعاءٌ عليه أن تأكله الضبع

بضع : أبو عبيد عن الأصمعي وأبي زيد : إذا شرِب حتى يروى قال بَضَعت أبضَع ، وقد أبضَعَني. وقال أبو زيد : بضَعتُ به ومنه بُضوعاً. وقال الأصمعي : أعطيته بَضعةً من اللحم وجمعها بِضَع ، إذا أعطاه قطعةً مجتمعة. ومثلها الهَبرة.

وقال الليث : بضَعت اللحم بَضْعاً وبضّعته تبضيعاً ، إذا قطّعته ، وإنّ فلاناً لشديد البَضْعة حسَنُها ، إذا كان ذا جِسمٍ وسِمَن.

قال : والبضيع : اللحم أيضاً وأنشد :

خاظي البضيع لحمُه خَظَا بَظَا

قال : وَبَضعتُ من صاحبي بُضوعاً ، إذا أمرتَه بشيء فلم يفعله ، فدخَلَك منه ما سئمت من أن تأمره أيضاً بشيء.

سلمة عن الفراء : بَضْعة وبَضْع مثل تَمْرة وتَمْر ، وبَضْعة وبَضَعات مثل تَمْرة وتَمَرات ، وبَضْعة وبِضَع مثل بَدْرة وبِدَر ، وبضعة وبِضاع مثل صحفة وصحاف.

٣٠٨

أبو عبيد عن الأصمعي : البضيع : الجزيرة في البحر. والبضيع : اللَّحْم. قال ساعدة الهذلي :

سادٍ تجَرَّم بالبَضِيعِ ثمانيا

يُلوِي بِعَيقات البحور ويُجنَبُ

سادٍ مقلوب من الإسآد ، وهو سَيْر الليل.

تجَرَّم في البَضِيع ، أي أقام في الجزيرة.

يُلوِي بعَيْقات ، أي يذهب بما في ساحات البحر. ويُجنَب ، أي يُصيبه الجَنوب.

ويقال جبهتُه تتبضَّع ، أي تسيل عرقاً. قاله الأصمعيُّ. وقال أبو ذؤيب :

إلّا الحميمَ فإنه يتبضَّعُ

قال : يتبضَّع : يتفتَّح بالعرق ويسيل متقطِّعاً قال : والبُضَيع : اسم موضع وأنشد لحسان :

فالبُضَيع فحَوملِ

وقال الله : (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) [يُوسُف : ٤٢] قال الفراء : البِضع : ما بين الثلاثة إلى ما دون العشرة. وقال شمر : البِضْع لا يكون أقلَّ من ثلاث ولا أكثرَ من عَشرة. وقال أبو زيد : أقمت عنده بِضْع سنين. وقال بعضهم : بَضْع سنين. وقال أبو عبيدة : البِضْع : ما لم يبلغ العَقْدَ ولا نصفَه ، يريد ما بين الواحد إلى أربعة.

وقال الليث : البِضْع : ما بين ثلاثة إلى عشرة. ويقال البضع سبعة. وقال أبو زيد : يقال له بضعة وعشرون رجلاً وله بضع وعشرون امرأة.

وقال الله عزوجل : (وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) [يُوسُف : ٨٨] البضاعة : السِّلعة ، وأصلها القطعة من المال الذي يُتْجَر فيه ، وأصلها من البَضْع وهو القَطْع. وقال أبو العباس : البِضاعة : جزء من أجزاء المال. قال : والبِضْع من أربعٍ إلى تسع. قال : وقال الفراء : يقال للسُّيوف بَضَعة ـ واحدها باضع ـ وللسِّياط خَضَعة ، واحدها خاضع. قال : الباضع في الإبل مثل الدَّلّال في الدُّور. قال : واختلف الناس في البُضْع ، فقال قوم : هو الفرج ، وقال قوم : هو الجماع.

أبو عبيد عن أبي عبيدة : بضَعتُه بالكلام وأبضَعته ، وهو أن تبيِّن له ما تنازعه حتَّى يشتفيَ كائناً من كان. وقال الأصمعيّ : يقال مَلك فلانٌ بُضْعَ فلانة ، إذا ملك عُقدَة نكاحها ، وهو كناية عن موضع الغِشْيان. وقال بعضُهم : ابتضعَ فلانٌ وبَضَع ، إذا تزوَّج. والمباضعة : المباشرة ، يقال باضَعَها مباضعَةً ، إذا جامَعَها ، والاسم البُضْع.

الليث : يقال بضعتُه فانبضَع وبَضَع ، أي بيّنته فتبيَّنَ. قال : والباضعة من الغنم : قطعةٌ انقطعَتْ عنها ، تقول فِرْقٌ بَواضع.

أبو عبيد عن الأصمعي وغيره : الباضعة من الشجاج : التي تشُجُّ اللحم تَبضَعه بعد الجلد وبعد المتلاحِمة.

أبو سعيد : هو شريكي وبَضِيعي ، وهم بُضَعائي وشركائي. وقال أوس بن حجر يصف قوساً :

ومَبضوعةً من رأسِ فَرعِ شظيّةٍ

يعني قوساً بَضَعَها ، أي قطَعها.

٣٠٩

ويقال أبضَعْت بضاعة للبيع كائنة ما كانت.

بعض : قال الله جلّ وعزّ في قصة مؤمن آل فرعون وما أجراه على لسانه فيما وعظَ به آل فرعون : (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) [غَافر : ٢٨]. أخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنّه قال في تفسير قوله : (يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) ، قال : كل الذي يعدكم ، أي إن يكنْ موسى صادقاً يُصبْكم كل الذي ينذركم ويتوعّدكم به ، لا بعضٌ دونَ بعض ، لأنّ ذلك من فعل الكُهَّان ، وأمّا الرسل فلا يوجد عليهم وعدٌ مكذوب. وأنشد :

فيا ليتَه يُعفَى ويُقرِعُ بيننا

عن الموت أو عن بعض شكواه مُقْرِعُ

ليس يريد عن بعض شكواه دونَ بعض ، بل يريد الكلّ ، وبعض ضدُّ كلّ. وقال ابن مُقْبل يخاطب ابنَتيْ عَصَر :

لو لا الحياءُ ولو لا الدِّين عِبتُكما

بِبعض ما فيكما إذْ عِبْتُما عَوَري

أراد : بكلّ ما فيكما ، فيما يقال.

وقال أبو إسحاق في قوله : (وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) من لطيف المسائل أن النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا وَعَدَ وعداً وقعَ الوعدُ بأسْره ولم يقعْ بعضُه ، فمن أين جاز أن يقول (بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) ، وحقُّ اللفظ كلّ الذي يعدِكم. وهذا بابٌ من النظر يذهب فيه المُناظِر إلى إلزام الحجّة بأيسر ما في الأمر. وليس في هذا نفيُ إصابة الكلّ ومثله قول القطاميّ :

قد يُدرِك المتأنِّي بعضَ حاجته

وقد يكون مع المستَعْجِلِ الزَّلَلُ

وإنّما ذكر البعض ليوجب له الكلّ ، لا أنَ البعضَ هو الكلّ ، ولكنّ القائل إذا قال أقلّ ما يكون للمتأني إدراك بعض الحاجة ، وأقل ما يكون للمستعجل الزَّلَل ، فقد أبانَ فضلَ المتأنّي على المستعجل بما لا يقدر الخصمُ أن يدفعَه.

وكأنَّ مُؤمنَ آل فرعون قال لهم : أقلُّ ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعضُ الذي يعدكم.

وقال أبو العباس أحمد بن يحيى : أجمعَ أهلُ النحو على أنّ البعضَ شيءٌ من أشياء ، أو شيء من شيء ، إلّا هشاماً ، فإنه زعم أن قول لبيد :

أو يعتلقْ بعضَ النُّفوسِ حِمَامُها

فادّعى وأخطأ أنّ البعض هاهنا جمع. ولم يكن هذا من عمله ، وإنّما أراد لبيد ببعض النفوس نفسه. قال : وأما جزم «أو يعتلقْ» فإنّه ردّه على معنى الكلام الأوّل ومعناه جزاء ، كأنّه قال : وإن أخرجْ في طلب المال أُصبْ ما أمّلت أو يعتلق الموتُ نفسي. وقال في قوله : (يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) [غَافر : ٢٨] إنَّه كان وعدَهم شيئين من العذاب : عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فقال : يصبكم هذا العذابُ في الدُّنيا ، وهو بعضُ الوعدَين ، من غير أن نَفَى عذابَ الآخرة.

وقال الليث : يقال إنّ بعض العرب تصل ببعضٍ كما تصل بما. من ذلك قول الله :

٣١٠

(وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ). قال : وبعض كلِّ شيءٍ طائفة منه. ويقال جارية حُسَّانة يشبه بعضُها بعضاً. وبعَّضتُ الشيء تبعيضاً ، إذا فرَّقتَه أجزاء. وبعضٌ مذكّر في الوجوه كلّها. والبعوضة معروفة ، والجميع البَعوض.

وقال الكسائيّ : قومٌ مبعوضون. وقد بُعِض القوم ، إذا آذاهم البعوض. وأبعَضُوا : إذا كان في أرضهم بعوض. وأرضٌ مَبْعَضة ورمل البعوضة معروفة بالبادية.

وقال أبو حاتم : قلت للأصمعيّ : رأيت في «كتاب ابن المقفّع» : «العلم كثيرٌ ولكنَّ أخْذَ البعض خيرٌ من تَرك الكُلّ». فأنكره أشدّ الإنكار وقال : الألف واللام لا تدخلان في بعض وكلّ ؛ لأنهما معرفة بغير ألف ولام ، وفي القرآن : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) [النَّمل : ٨٧] قال أبو حاتم : ولا تقول العربُ الكلَّ ولا البعضَ ، وقد استعمله الناسُ حتى سيبويه والأخفش في كتبهما ، لقلة علمهما بهذا النحو ، فاجتنِبْ ذلك فإنه ليس من كلام العرب (١).

[باب العين والضاد مع الميم]

[ع ض م]

استعمل من وجوهها : عضم ، معض.

عضم : قال الليث : العَضْم في القوس : المَعجِس ، وهو المَقبِض ، والجميع العضام. قال : والعضام : عَسِيب البعير ، وهو ذَنَبُه العَظْم لا الهُلْب ، والعدد أعضمة ، والجميع العُضُم. والعَضْمُ : الخَشْبة ذاتُ الأصابع يذرَّى بها. وعَضْم الفدّان : لَوحُه العريض في رأسه الحديدة تُشقُّ به الأرض.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال : هو العَضْم ، والعَجْس ، والمَقبِض ، كله بمعنًى واحد وأنشدنا :

ربَ عَضْمٍ رأيتُ في وسط ضَهْر

قال : الضَّهر : البُقعة من الجبل يخالف لونُها سائر لونه. قال : وقوله «رُبَ عَضْم» أرادَ أنه رأى عوداً في ذلك الموضع فقطعَه وعمِل منه قوساً. قال : والعَضْم : الحِفْراة التي يُذَرَّى بها.

عمرو عن أبيه قال : العَضُوم : الناقة الصُّلبة في بدنها ، القويّة على السَّفر.

قال : والعَصوم بالصاد : الكثيرةُ الأكل.

معض : الليث : يقال مَعِض الرَّجلُ من شيء سمِعه وامتعض منه ، إذا شقَّ عليه وأوجعَه وتوجَّع منه وقال رؤبة :

ذا مَعَضٍ لو لا يردُّ المعْضا

قال : والفِعل المجاوِز أمعضتُه أنا إمعاضاً ومعَّضتُه تمعيضاً.

وقال أبو عمرو : المعَّاضة من الإبل : التي ترفع ذَنَبها عند نتاجها.

__________________

(١) بعده في «اللسان» (بعض): «وقال الأزهري : النحويون أجازوا الألف واللام في بعض ، وإن أباه الأصمعي».

٣١١

أبواب العين والصاد

[ع ص س]

[ع ص ز]

أهملت وجوهها. ولا تأتلف الصاد مع السين ولا مع الزاي في شيء من كلام العرب.

[باب العين والصاد مع الطاء]

[ع ص ط]

صعط ، صطع : مستعملان.

صعط : صطع ، قال اللحياني : الصَّعوط والسَّعوط بمعنى واحد. وروى أبو تُرابٍ له في «كتابه» : خطيبٌ مِصطَعٌ ومِصْقَعٌ ، بمعنى واحد.

تم الجزء الأول

من «تهذيب اللغة» للأزهري

٣١٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المنهج العام لكتاب تهذيب اللغة

١ ـ يتَّبع مخارج الحروف. وتأليفها :

ع ح ه خ غ / ق ك / ج ش ض / ص س ز / ط د ت / ظ ذ ث / ر ل ن / ف ب م / و ا ي.

وقد نظمها أبو الفرج سلمة بن عبد الله المعافري في قوله :

يا سَائِلِي عَنْ حُرُوفِ العَيْنِ دُوْنَكَهَا

في رُتْبَةٍ ضَمَهَّا وَزْنٌ وإِحْصَاءُ

العَيْنُ والحَاءُ ثُمَّ الهَاءُ والخَاءُ

والغَيْنُ والقَافُ ثُمَّ الكَافُ أَكْفَاءُ

والجيْمُ والشِّيْنُ ثُمَّ الضَّادُ يَتْبَعُهَا

صَادٌ وسِيْنٌ وَزايٌ بَعْدَهَا طَاءُ

والَّدالُ والتَّاءُ ثُمَّ الظَّاءُ مُتَّصِلٌ

بِالظَّاءِ ذَالٌ وثَاءٌ بَعْدَهَا رَاءُ

واللَّامُ والنُّوْنُ ثُمَّ الفَاءُ والبَاءُ

والمِيْمُ والوَاوُ والمَهْمُوْزُ واليَاءُ

٢ ـ يجري نظام أبواب الكتاب على الوجه التالي :

أولاً : المضاعف.

ثانياً : أبواب الثلاثي الصحيح.

ثالثاً : أبواب الثلاثي المعتل.

رابعاً : أبواب اللفيف.

خامساً : الرباعي مرتباً على أبوابه.

سادساً : الخماسي بدون أبواب.

٣١٣
٣١٤

فهرس الابواب اللغوية للجزء الأول من تهذيب اللغة

مقدمة المصنف............................................................ ٥

باب ذكر الأئمة الذين اعتمادي عليهم فيما جمعت في هذا الكتاب.............. ٩

الطبقة الثانية............................................................ ١١

الطبقة الثالثة............................................................ ١٨

طبقة اخرى أدركناهم في عصرنا............................................ ٢٤

باب ألقاب الحروف ومدارجها............................................. ٣٧

باب احياء الحروف....................................................... ٤٠

أبواب المضاعف من حرف العين........................................... ٤٠

باب العين والحاء......................................................... ٤٧

باب العين مع الهاء....................................................... ٤٧

باب العين مع الخاء....................................................... ٤٧

باب العين والقاف....................................................... ٤٧

باب العين مع الكاف.................................................... ٥٣

باب العين والجيم......................................................... ٥٥

باب العين والشين........................................................ ٥٧

باب العين والضاد........................................................ ٥٩

باب العين والصاد........................................................ ٦١

باب العين والسين........................................................ ٦٢

باب العين والزاي......................................................... ٦٤

باب العين والطاء......................................................... ٦٧

باب العين والدال........................................................ ٦٧

باب العين والتاء......................................................... ٧٣

باب العين والظاء......................................................... ٧٣

باب العين والذال........................................................ ٧٣

باب العين والثاء......................................................... ٧٤

باب العين والراء.......................................................... ٧٥

باب العين واللام......................................................... ٧٨

٣١٥

باب العين والنون......................................................... ٨١

باب العين والفاء......................................................... ٨٥

باب العين والميم.......................................................... ٨٦

أبواب الثلاثي الصحيح من حروف العين.................................... ٨٧

أبواب العين مع الهاء...................................................... ٩١

باب العين والهاء مع القاف................................................ ٩١

باب العين (والهاء) مع الكاف............................................. ٩٣

باب العين والهاء مع الجيم................................................. ٩٣

باب العين والهاء مع الضاد................................................ ٩٤

باب العين والهاء مع الزاي................................................. ٩٦

باب العين والهاء مع الطاء................................................. ٩٧

باب العين والهاء مع الدال................................................. ٩٧

باب العين والهاء مع التاء................................................ ١٠٠

باب العين والهاء مع الراء................................................. ١٠٠

باب العين والهاء مع النون................................................ ١٠٣

باب العين والهاء مع الفاء................................................ ١٠٥

باب العين والهاء مع الباء................................................ ١٠٥

باب العين والهاء مع الميم................................................. ١٠٦

أبواب العين والخاء...................................................... ١٠٧

باب العين والخاء مع الشين.............................................. ١٠٧

باب الخاء والعين مع الضاد.............................................. ١٠٨

باب العين والخاء مع الزاء................................................ ١١٠

باب العين والخاء مع الدال............................................... ١١٠

باب العين والخاء مع التاء................................................ ١١٢

باب العين والخاء مع الذال............................................... ١١٣

باب العين والخاء مع الراء................................................ ١١٣

باب العين والخاء مع اللام............................................... ١١٤

باب العين والخاء مع النون............................................... ١١٦

٣١٦

باب العين والخاء مع الفاء................................................ ١١٧

باب العين والخاء مع الباء................................................ ١١٧

باب العين والخاء مع الميم................................................ ١١٧

باب العين مع الفين..................................................... ١١٨

أبواب العين والقاف.................................................... ١١٨

باب العين والقاف مع الشين............................................. ١١٨

باب العين والقاف مع الصاد............................................. ١٢٠

باب العين والقاف مع السين............................................. ١٢٤

باب العين والقاف مع الزاي............................................. ١٢٦

باب العين والقاف مع الطاء............................................. ١٢٨

باب العين والقاف مع الدال............................................. ١٣٤

باب العين والقاف مع التاء.............................................. ١٤٢

باب العين والقاف مع الظاء............................................. ١٤٣

باب العين والقاف مع الذال............................................. ١٤٣

باب العين والقاف مع الراء.............................................. ١٤٥

باب العين والقاف مع اللام.............................................. ١٥٨

باب العين والقاف مع النون............................................. ١٦٧

باب العين والقاف مع الفاء.............................................. ١٧٦

باب العين والقاف مع الباء.............................................. ١٧٩

باب العين والقاف مع الميم.............................................. ١٨٩

أبواب العين والكاف.................................................... ١٩٣

باب العين والكاف والشين.............................................. ١٩٣

باب العين والكاف والضاد.............................................. ١٩٤

باب العين والكاف والصاد.............................................. ١٩٤

باب العين والكاف والسين.............................................. ١٩٤

باب العين والكاف والزاي............................................... ١٩٦

باب العين والكاف والدال............................................... ١٩٦

باب العين والكاف والتاء................................................ ١٩٧

٣١٧

باب العين والكاف والظاء............................................... ١٩٨

باب العين والكاف والثاء................................................ ١٩٩

باب العين والكاف مع الراء.............................................. ١٩٩

باب العين والكاف مع النون............................................. ٢٠٦

باب العين والكاف مع الفاء............................................. ٢٠٩

باب العين والكاف مع الباء.............................................. ٢١٠

باب العين والكاف مع الميم.............................................. ٢١٢

أبواب العين والجيم...................................................... ٢١٤

باب العين والجيم والضاد................................................ ٢١٦

باب العين والجيم مع السين.............................................. ٢١٧

باب العين والجيم مع الزاي............................................... ٢١٩

باب العين والجيم والظاء................................................. ٢٢٥

باب العين والجيم مع الذال............................................... ٢٢٦

باب العين والجيم (مع) الثاء.............................................. ٢٢٨

باب العين والجيم مع الراء................................................ ٢٢٨

باب العين والجيم مع اللام............................................... ٢٣٧

باب العين والجيم مع النون............................................... ٢٤٢

باب العين والجيم مع الفاء............................................... ٢٤٥

باب العين والجيم مع الباء................................................ ٢٤٧

باب العين والجيم مع الميم................................................ ٢٤٩

أبواب العين والشين..................................................... ٢٥٧

باب العين والشين مع السين............................................. ٢٥٧

باب العين والشين مع الزاي.............................................. ٢٥٨

باب العين والشين مع الطاء.............................................. ٢٥٨

باب العين والشين مع الذال.............................................. ٢٥٨

باب العين والشين مع الثاء............................................... ٢٥٩

باب العين والشين مع الراء............................................... ٢٥٩

باب العين والشين واللام................................................ ٢٧٣

٣١٨

باب العين والشين مع النون.............................................. ٢٧٥

باب العين والشين مع الفاء.............................................. ٢٧٧

باب العين والشين مع الباء............................................... ٢٨٠

باب العين والشين مع الميم............................................... ٢٨٥

أبواب العين والضاد..................................................... ٢٨٦

باب العين والضاد مع الطاء.............................................. ٢٨٦

باب العين والضاد مع الدال.............................................. ٢٨٦

باب العين والضاد مع الراء............................................... ٢٨٨

باب العين والضاد مع اللام.............................................. ٣٠٠

باب العين والضاد مع الفاء.............................................. ٣٠٤

باب العين والضاد مع الباء............................................... ٣٠٦

(باب العين والضاد مع الميم)............................................. ٣١١

أبواب العين والصاد..................................................... ٣١٢

باب العين والصاد مع الطاء.............................................. ٣١٢

٣١٩