تهذيب اللغة - ج ١

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٩

قَدّ ، شدّ ، دشّ. والكلمة الثلاثية الصحيحة تتصرف على ستة أوجه تسمَّى مسدوسة ، نحو : ضرب ، ضبر ، ربض ، رضب ، برض ، بضر. قال : والكلمة الرباعية تتصرف على أربعة وعشرين وجهاً ، وذلك أن حروفها ضُرِبت وهي أربعة أحرف في وجوه الثلاثي الصحيح وهي ستة فصارت أربعة وعشرين ، وهنَّ نحو :

عبقر ، عبرق ، عقرب ، عقبر ، عربق ، عرقب ، فهذه ستة أوجه أولها العين.

وكذلك : قعبر ، قبعر ، قعرب ، قبرع ، قرعب ، قربع. ستة أوجه أولها القاف.

بعقر ، بعرق ، بقرع ، بقعر ، برقع ، برعق ، ستة أوجه.

رقعب ، رقبع ، رعقب ، رعبق ، ربقع ، ربعق. فهذه أربعة وعشرون وجهاً أكثرها مهمل.

قال الخليل : والكلمة الخماسيّة تتصرف على مائة وعشرين وجهاً ، وذلك أن حروفها ضُرِبت وهي خمسة أحرف في وجوه الرباعي وهي أربعة وعشرون وجهاً فتصير مائة وعشرين وجهاً ، يستعمل أقلها ويلغى أكثرها. وهو نحو : سفرجل ، سفرلج ، سفجرل سفجلر ، سفلرج ، سفلجر ، سرجفل ، سرلفج ، سرجلف ، سرفلج ، سلفرج ، سلجفر ، سلفجر ، سلجرف ، سجلفر ، سجرفل ، سرلجف ، سرفجل ، سجفرل ، سجرفل ، سجرلف ، سلرجف ، سجرلف ، سجفلر. فهذه أربعة وعشرون وجهاً الابتداء فيها بالسين. وكذلك للفاء إذا ابتدىء بها أربعة وعشرون وجهاً ، وكذلك للراء واللام والجيم. فذلك مائة وعشرون وجهاً أكثرها مهمل.

وتفسير الثلاثي الصحيح أن تكون الكلمة مبنية من ثلاثة أحرف لا يكون فيها واو ، ولا ياء ، ولا ألف لينة ، ولا همزة في أصل البناء ، لأنَّ هذه الحروف يقال لها حروف العِلَل. وكلَّما سلمت كلمة على ثلاثة أحرف من الحروف السالمة فهي ثلاثية صحيحة. والثلاثي المعتل ما شابَهُ حرفٌ من حروف العلة.

قال : واللفيف الذي التف بحرفين من حروف العلل مثل وفى ، وغوى ، ونأى. فافهمْه.

وروى غير ابن المظفّر عن الخليل بن أحمد أنه قال : الحروف التي بُني منها كلام العرب ثمانية وعشرون حرفاً لكل حرف منها صَرفٌ وَجرس. أمّا الجرس فهو فَهْم الصوت في سكون الحرف. وأما الصرف فهو حركة الحرف.

قال : والحروف الثمانية والعشرون على نحوين : معتلّ وصحيح. فالمعتلّ منها

٤١

ثلاثة أحرف : الهمزة والياء والواو. قال : وصُوَرهنَّ على ما ترى : أوى. قال : واعتلالها تغيّرها من حال إلى حال ودخول بعضها على بعض واستخلاف بعضها من بعض.

قال : وسائر الحروف صحاح لا تتغير عن حالها أبداً غير الهاء المؤنّثة ، فإنّها تصير في الاتصال تاءً ، كقولك هذه شجره فتظهر الهاء ، ثم تقول هذه شجرتك شجرةٌ طيبة فتذهب الهاء وتستخلف التاء لأنّ التاء مؤنّثة. وإنّما فعلوا ذلك بهاء التأنيث ليفرقوا بينها وبين الأصليَّة في بناء الكلمة.

قال : والحروف الصحاح على نحوين : منها مُذْلَق ومنها مُصْمَت. فأما المُذْلقة فإنها ستة أحرف في حيّزين : أحدهما حيّز الفاء فيه ثلاثة أحرف كما ترى : ف ب م ، مخارجها من مَدرجةٍ واحدةٍ لصوتٍ بين الشفتين لا عملَ للِّسان في شيءٍ منها. والحيّز الآخر حيّز اللام فيه ثلاثة أحرف كما ترى : ل ر ن ، مخارجها من مَدرجةٍ واحدة بين أسَلة اللسان ومقدَّم الغار الأعلى. فهاتان المدرجتان هما موضعا الذَّلاقة ، وحروفهما أخفُّ الحروف في المنطق ، وأكثرها في الكلام ، وأحسنها في البناء.

ولا يحسن بناء الرباعي المنبسط والخماسيّ التامّ إلّا بمخالطة بعضها نحو : جعفر ، ودَرْدَق ، وسفرجل ، ودردبيس. وقد جاءت كلمات مُسَيَّنَةٌ شواذ ، نحو : عَسجَد ، وعَسَطُوس.

وقال : أما المُصْمتة ـ وهي الصُّتْم أيضاً ـ فإنها تسعة عشر حرفاً صحيحاً. منها خمسة أحرف مخارجها من الحلق ، وهي ع ح ه خ غ. ومنها أربعة عشر حرفاً مخارجها من الفم مَدرُجها على ظَهر اللِّسان من أصله إلى طرفه ، منها خمسٌ شواخص ، وهن : ط ض ص ظ ق وتسمَّى المستعلِيَة ، ومنها تسعة مختفضة ، وهنّ : ك ج ش ز س د ت ذ ث. قال : وإنَّما سُمِّينَ مصمتة لأنها أصمتَت فلم تدخل في الأبنية كلها. وإذا عُرّيت من حروف الذلاقة قلّت في البناء ، فلستَ واجداً في جميع كلام العرب خماسياً بناؤه بالحروف المصمتة خاصة ، ولا كلاماً رباعياً كذلك غير المسيَّنة التي ذكرتها.

واستخفّت العرب ذلك لخفّة السين وهشاشتها. ولذلك استخفت السين في استفعل.

قال : والعويص في الحروف المعتلّة ، وهي أربعة أحرف : الهمزة والألف اللينة والياء والواو. فأما الهمزة فلا هجاءَ لها ، إنما تكتب مرّةً ألفاً ومرّة واواً ومرّة ياء. فأما الألف اللينة فلا صَرْف لها ، إنما هي جَرْس مدةٍ بعد فتحة ، فإذا وقعت عليها صروف الحركات ضَعُفت عن احتمالها واستنامت إلى الهمزة أو الياء أو الواو ، كقولك عصابة

٤٢

وعصائب ، كاهل وكواهل ، سِعلاة وثلاث سعليات فيمن يجمع بالتاء. فالهمزة التي في العصائب هي الالف التي في العصابة ، والواو التي في الكواهب هي الألف التي في الكاهل جاءت خَلَفاً منها ، والياء التي في السِّعلَيات خلفٌ من الألف التي في السعلاة ، ونحو ذلك كثير. فالألف اللينة هي أضعف الحروف المعتلة ، والهمزة أقواها متناً ، ومخرجها من أقصى الحلق من عند العين.

قال : والياء والواو والألف اللينة مَنُوطات بها ، ومدارج أصواتها مختلفة ، فمدرجة الألف شاخصة نحو الغار الأعلى ، ومدرجة الياء مختفضة نحو الأضراس ، ومدرجة الواو مستمرة بين الشفتين ، وأصلهنّ من عند الهمزة. ألا ترى أن بعض العرب إذا وقف عندهنّ همزهن ، كقولك للمرأة افعلىءْ وتسكت ، وللاثنين افعلأْ وتسكت ، وللقوم افعلُؤْ وتسكت ، فإنّما يُهمزَن في تلك اللغة لأنهنّ إذا وُقِف عندهن انقطع أنفاسهن فرَجعْن إلى أصل مبتدئهن من عند الهمزة. فهذه حال الألف اللينة ، والواو الساكنة بعد الضمة ، والياء الساكنة بعد الكسرة ، والألف اللينة بعد الفتحة. وهؤلاء في مجرى واحد.

والواو والياء إذا جاءتا بعد فتحة قويتا ، وكذا إذا تحركتا كانتا أقوى. ومن تِبيان ذلك أن الألف اللينة والياء بعد الكسرة والواو بعد الضمة إذا لقيهنّ حرف ساكن بعدهن سقطن ، كقولك عبد الله ذو العمامة ، كأنك قلت ذُلْ. وتقول رأيت ذا العمامة ، كأنك قلت ذَلْ. وتقول مررتُ بذي العمامة ، كأنك قلت ذِلْ. ونحو ذلك كذلك في الكلام أجمع.

والياء والواو بعد الفتحة إذا سكنتا ولقيهما ساكن بعدهما فإنّهما يتحركان ولا يسقطان أبداً ، كقولك لو انطلقت : يا فلان ، وقولك للمرأة : اخشَي الله ، وللقوم : اخْشَوُا الله. وإذا وقفت قلت : اخشَوْا واخشَي.

فإذا التقت الياء والواو في موضع واحد وكانت الأولى منهما ساكنة فإن الواو تدغم في الياء إن كانت قبلها أو بعدها في الكلام كلِّه ، نحو : الطيّ من طوَيت ، الواو قبل الياء ؛ ونحو الحيّ من الحيوان ، الياء قبل الواو.

قال : والحروف المعتلة تختلف حالتها فتجري على مجارٍ شتى. من ذلك الألف اللينة إذا مدّت صارت مدّتها همزة ملتزقة بها من خلفها كقولك هذه لاءٌ مكتوبة ، وهذه ماءٌ ماءُ الصلة لا ماءُ المجازاة. ونحو ذلك من الحروف المصوّرة إذا وقعت مواقع الأسماء مدّت كما تمدّ حروف الهجاء إذا نسبَت أو وُصفت ؛ لأنهنّ يصرن أسماءً ؛ لأنَّ الاسم مبنيٌّ على ثلاثة أحرف ، وهذه الحروف مَثْنَى مثنى مثل لو ، ومَن ، وعَن. فإذا

٤٣

صيرتَ واحداً منها اسماً قوّيته بحرفٍ ثالث مُخرجٍ من حرفٍ ثان كقوله :

إنّ ليتاً وإنّ لوًّا عناءُ

جعل لوًّا اسماً حين نعَتَه.

وروى الليث بن المظفر عن الخليل بن أحمد في أول «كتابه» : هذا ما ألّفه الخليل بن أحمد من حرف : ا ب ت ث ، التي عليها مدار كلام العرب وألفاظها ، ولا يخرج شيء منها عنها ؛ أراد أن يعرف بذلك جميع ما تكلمت به العرب في أشعارها وأمثالها وألا يشذّ عنه منها شيء.

قلت : قد أشكل معنى هذا الكلام على كثير من الناس حتى توهّم بعض المتحذلقين أن الخليل لم يَفِ بما شرَط ، لأنَّه أهمل من كلام العرب ما وُجد في لغاتهم مستعملاً.

وقال أحمد البشتيّ الذي ألَّف كتاب «التكملة» : نقضَ الذي قاله الخليل ما أودعناه كتابنا هذا أصلاً ؛ لأنَّ كتابنا يشتمل على ضعفَيْ «كتابِ الخليل» ويزيد. وسترى تحقيق ذلك إذا حُزْت جملتَه ، وبحثت عن كنهه.

قلت : ولمَّا قرأت هذا الفصل من «كتاب البشتيّ» استدللت به على غفلته وقلة فطنته وضعف فهمه ، واشتففت أنه لم يفهم عن الخليل ما أراده ، ولم يفطن للذي قصَده. وإنما أراد الخليل رَحِمه الله أن حروف ا ب ت ث عليها مدار جميع كلام العرب ، وأنه لا يخرج شيء منها عنها ، فأراد بما ألّف منها معرفةَ جميع ما يتفرع منها إلى آخره ، ولم يُرد أنه حصَّلَ جميع ما لفظوا به من الألفاظ على اختلافها ، ولكنه أراد أنّ ما أسَّسَ ورسَم بهذه الحروف وما بين من وجوه ثنائيِّها وثلاثيّها ورُباعيّها وخماسيّها ، في سالمها ومعتلّها على ما شرح وجوهها أوَّلاً فأوَّلاً ، حتى انتهت الحروف إلى آخرها ـ يُعرف به جميع ما هو من ألفاظهم إذا تُتُبِّع ، لا أنّه تتبعه كلّه فحصَّله ، أو استوفاه فاستوعبه ، من غير أن فاته من ألفاظهم لفظة ، ومن معانيهم للفظ الواحد معنًى.

ولا يجوز أن يخفى على الخليل مع ذكاء فطنته وثقوب فهمه ، أن رجلاً واحداً ليس بنبيٍ يُوحى إليه ، يُحيط علمُه بجميع لغات العرب وألفاظها على كثرتها حتى لا يفوته منها شيء وكان الخليل أعقل من أن يظنَّ هذا ويقدِّره ، وإنما معنى جِماع كلامه ما بيَّنته. فتفهمْه ولا تغلط عليه.

وقد بيَّن الشافعي رَضي الله عنه ما ذكرته في الفصل الذي حكيته عنه في أول كتابي هذا فأوضحه. أعاذنا الله من جهل الجاهل ، وإعجاب المتخلف ، وسَدَّدنا للصواب بفضله.

٤٤

وقد سمّيت كتابي هذا «تهذيب اللغة» ؛ لأنِّي قصدت بما جمعت فيه نفْيَ ما أدخل في لغات العرب من الألفاظ التي أزالَها الأغبياء عن صيغتها ، وغيَّرها الغُتم عن سننها ، فهذبت ما جمعت في كتابي من التصحيف والخَطاءِ بقدر علمي ، ولم أحرص على تطويل الكتاب بالحشو الذي لم أعرف أصله ؛ والغريب الذي لم يُسنده الثقات إلى العرب.

وأسأل الله ذا الحول والقوَّة أن يزيّننا بلباس التقوى وصدق اللسان ، وأن يُعيذنا من العُجْب ودواعيه ، ويعيننا على ما نويناه وتوخيناه ؛ ويجعلنا ممن توكَّل عليه فكفاه. وحسبُنا هو (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله ، عليه نتوكل وإليه ننيب.

٤٥
٤٦

ونبدأ الآن بأبواب المضاعف من حرف العين

باب العين والحاء

قال الليث : قال الخليل بن أحمد : العين والحاء لا يأتلفان في كلمة واحدة أصلية الحروف ، لقرب مخرجيهما ، إلّا أن يؤلَّف فعلٌ من جمعٍ بين كلمتين ، مثل حيَّ عَلَى فيقال منه : حَيْعَلَ.

قلت : وهو كما قاله الخليل. وقد رُوي في باب الخماسي حرفان ذكرتهما في أول الرباعي من العين ، ولا أدري ما صحّتهما لأنِّي لم أحفظْهما للثقات.

باب العين مع الهاء

أهمل الخليل العين مع الهاء في المضاعف وقد قال الفراء في بعض كتبه : عهعهتُ بالضأن عهعهة ، إذا قلت لها : عَهْ ، وهو زجرٌ لها. وقال غيره : هو زجرٌ للإبل لتحتبس.

قلت : ولا أعلمني سمعته من العرب.

باب العين مع الخاء

قال النضر بن شُمَيل في كتاب «الأشجار» : لخُعخعُ : شجرة. قال : وقال أبو الدُّقيش : هي كلمةُ معاياة ولا أصل لها.

قلت : وقد ذكر ابن دريد الخُعخع في «كتابه» أيضاً ، وأرجو أن يكون صحيحاً ؛ فإنّ ابن شُميل لا يقول إلّا ما أتقنَه.

ورُوي عن عمرو بن بحر أنّه قال : يقال خَعَّ الفَهْد يَخِعّ. قال : وهو صوتٌ تسمعه من حَلقِه إذا انبهَرَ عند عَدْوِه. قلت : كأنّه حكاية صوته إذا انبهر ، ولا أدري أهو من كلام الفهّادين أو مما تكلّمت به العرب.

وأنا بريء من عُهدته.

والعين مع الغين : مهمل الوجهين

باب العين والقاف

[ع ق]

عق ، قع : مستعملان.

عق : روت أم كُرْزٍ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في العقيقة «عن الغلام شاتان مثلان ، وعن الجارية شاة». وروى عنه سليمان بن عامر أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مع الغلام عقيقتُه فأهريقوا عنه دماً ، وأميطوا عنه الأذى». قال أبو عبيد فيما أخبرني به عبد الله بن محمد بن هاجك عن أحمد بن عبد الله بن جَبَلة عنه أنه قال : قال الأصمعيّ وغيره : العقيقة أصلها الشَّعر الذي يكون على رأس الصبيّ حين يُولَد. وإنَّما سُمِّيت الشاةُ التي تُذبَح عنه في تلك الحال عقيقةً لأنّه يحلَق عنه ذلك الشعرُ عند الذَّبح. ولهذا قال في الحديث : «أميطوا عنه الأذى» يعني

٤٧

بالأذى ذلك الشعر الذي يُحلق عنه. قال : وهذا مما قلتُ لك إنّهم ربّما سمَّوا الشيء باسم غيره إذا كان معه أو من سببه ، فسمِّيت الشاة عقيقة لعقيقة الشَعَر.

قال أبو عبيد : وكذلك كل مولود من البهائم فإنَّ الشعر الذي يكون عليه حين يولد عقيقة وعِقّة. وأنشد لزهير :

أذلك أم أقبُّ البطن جأبٌ

عليه من عقيقته عفاءُ

فجعل العقيقةَ الشعر لا الشاةَ. وقال الآخر يصف العَيْر :

تحسَّرت عِقَّةٌ عنه فأنسلها

واجتاب أخْرى جديداً بعدما ابتقلا

يقول : لما تربّع ورَعى الربيعِ وبُقُولَه أنسَلَ الشعر المولود معه ، وأنبت آخر فاجتابه ، أي لبسه فاكتساه.

قلت : ويقال لهذا الشعر عقيق ، بغير هاء ، ومنه قول الشّماخ :

أطار عقيقَهُ عنه نُسالاً

وأُدمجَ دَمْجَ ذي شطن بديع

أراد شعره الذي ولد وهو عليه ، أنه أنسله عنه ، أي أسقطه.

قلت : وأصل العَقّ الشَّق والقطع ، وسمِّيت الشعرةُ التي يخرج المولود من بطن أمّه وهي عليه عقيقة ، لأنها إنْ كانت على رأس الإنسيّ حُلقت عنه فقطعت ، وإن كانت على بهيمة فإنّها تُنسلها. وقيل للذبيحة عقيقة لأنها تذبح ويشق حلقومها ومريُّها ووَدَجاها قطعاً ، كما سمّيت ذبيحة بالذَّبح وهو الشق.

وأخبرني أبو الفضل المنذري عن الحرَّاني عن ابن السكيت أنه قال : يقال عقّ فلانٌ عن ولده ، إذا ذبح عَنْه يوم أسبوعه. قال : وعقّ فلانٌ أباه يعقُّه عقاً.

وأعقّ الرجلُ ، أي جاء بالعُقوق. وقال الأعشى :

فإنّي وما كلّفتموني وربّكم

ليعلَمُ من أمسى أعقَ وأحربا

أي جاء بالحَرَب. قال : ويقال أعقَّت الفرسُ فهي عَقُوق ، ولا يقال مُعِقّ. وهي فرس عقوق ، إذا انفتَقَ بطنُها واتَّسَع للوَلَد. قال : وكلُّ انشقاقٍ فهو انعقاق ، وكل شق وَخرْقٍ فهو عَقٌ ، ومنه قيل للبرق إذا انشقّ : عقيقة.

وقال غيره : عقّ فلانٌ والديه يعقُّهما عقوقاً ، إذا قطعهما ولم يصل رحمه منهما.

وقال أبو سفيان بن حرب لحمزةَ سيّد الشهداء رَضي الله عنه يوم أحد حين مرَّ به وهو مقتولٌ : «ذُقْ عُقَق» ، معناه ذق القتل يا عاقّ كما قتلت ، يعني من قتلتَ يوم بدر. وجمع العاقّ القاطع لرحمه عَقَقةٌ.

ويقال أيضاً رجلٌ عَقٌ. وقال الزَّفَيانُ الراجز :

أنا أبو المِرقالِ عقّاً فَظَّ

لمن أعادي مَحِكا مِلظّا

وقيل : أراد بالعَقّ المُرَّ ، من الماء العُقاق ، وهو القُعاع.

وأخبرني المنذري عن محمد بن يزيد الثُّمالي أنه قال في قول الجعدي :

بَحرُكَ عذبُ الماء ما أعقّهُ

٤٨

سَيبُك والمحروم مَنْ لم يُسقَهُ

قال : أراد ما أقعَّه. يقال ماء قُعاع وعُقَاقٌ إذا كان مُراً غليظاً. وقد أقعَّه الله وأعقَّه.

وقال ابن الأعرابي فيما رَوَى عنه أحمد بن يحيى البغدادي : العُقُق : البعداء الأعداء.

قال : والعُقُق أيضاً : قاطعو الأرحام.

وقال أبو زيد في «نوادره» : يقال عاققتُ فلاناً أعاقُّه عِقاقاً ، إذا خالفته. قال : والعُقَّة : الحفرة في الأرض ، وجمعها عُقّات.

وقال أبو عبيد : قال الأصمعي في باب السحاب : الانعقاق تشقُّق البرق. ومنه قيل للسيف : كالعقيقة ، شبِّه بعقيقة البرق.

قال : ومنه التَّبوُّج وهو تكشُّف البرق.

وقال غيره : يقال عقّت الريحُ المُزْنَ تعُقُّه عَقّاً ، إذا استدرّته كأنّها تشُقُّه شقاً. وقال الهذليُّ يصف غيثاً :

حار وعقَّت مُزنَهُ الريح وانْ

قارَ به العَرْضُ ولم يُشمَلِ

حار ، أي تحيّر وتردد ، يعني السحاب ، واستدرته ريح الجنوب ولم تهب به الشمال فتقشعه. وقوله «وانقار به العرض» أي كأنّ عرض السحاب انقار ، أي وقعت منه قطعة ، وأصله من قُرت جيبَ القميص فانقار ، وقرتُ عينَه إذا قلعتَها.

ويقال سحابةٌ معقوقة ، إذا عُقّت فانعقّت ، أي تبعّجت بالماء. وسحابة عقّاقة ، إذا دَفقَت ماءها. وقد عَقَّت. وقال عبد بني الحسحاس يصف غيثاً :

فمرَّ على الأنهاءِ فانثجَّ مُزْنُه

فعقَ طويلاً يسكب الماء ساجيا

ويقال اعتقَّت السحابة بمعنى عَقَّتْ.

وقال أبو وَجْزة :

واعتقَ منبعجٌ بالوبل مبقُورُ

ويقال للمعتذر إذا أفرط في اعتذاره : قد اعتقَ اعتقاقاً.

وروى شمر عن بعض أصحابه أن معقِّر بن حمارٍ البارقي كُفَّ بصره ، فسمع يوماً صوت راعدةٍ ، ومعه بنتٌ له تَقُوده ، فقال لها : ماذا ترين؟ فقالت : أرى سَحماء عَقَّاقة ، كأنها حُوَلاءُ ناقة. فقال لها : وائِلى بي إلى جانب قَفْلة ، فإنَّها لا تنبت إلَّا بمنجاةٍ من السيل. والقَفْلة : نبتة معروفة.

قلت : والعرب تقول لكل مسيلِ ماءٍ شقّه ماءُ السيل في الأرض فأنهره ووسَّعه : عقيق.

وفي بلاد العرب أربعة أعِقَّة ، وهي أودية عاديَّة شقَّتها السُّيول. فمنها عقيق عارض اليمامة ، وهو وادٍ واسع مما يلي العَرَمة تندفق فيه شعاب العارض ، وفيه عيونٌ عذبة الماء. ومنها عقيق بناحية المدينة فيه عيونٌ ونخيل ومنها عقيق آخر يدفُق سيله في غوريّ تِهامة ، وهو الذي ذكره الشافعي فقال : «ولو أهلوا من العقيق كان أحبَّ إليَّ». ومنها عقيق القَنَان ، تجري إليه مياهُ قُللِ نجد وجباله.

وذكر الباهليّ عن الأصمعيّ أنه قال : الأعقّة الأودية.

ويقال للصبي إذا نشأ في حَيٍّ من أحياء العرب حتى شبَّ وقويَ فيهم : عُقّت تميمة

٤٩

فلانٍ في بني فلان. والأصل في ذلك أن الصبيَّ ما دام طِفلاً تعلِّق عليه أمُّه التمائمَ ، وهي الخَرزُ تعوِّذه بها من العين ، فإذا كبِر قُطعتْ عنه. ومنه قول الشاعر :

بلاد بها عَقَ الشباب تميمتي

وأوَّلُ أرضٍ مسَّ جلدي ترابُها

وروى أبو عُمر عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابيّ أنه قال : العقيقة : المزادة. والعقيقة : النَّهر. والعقيقة. العِصابةُ ساعة تشَقُّ من الثوب. والعقيقة : خَرزة حمراء. والعقيقة : نواة رخوة من نوى العجوة تؤكل. قال : والعقيقة : سهم الاعتذار. قال أبو العباس : قلت لابن الأعرابي : وما سهم الاعتذار؟ فقال : قالت الأعراب : إنَّ أصل هذا أن يُقتل رجلٌ من القبيلة فيطالَب القاتل بدمه ، فيجتمع جماعةٌ من الرؤساء إلى أولياء القتيل ويعرضون عليهم الدية ويسألونهم العفو عن الدم. قالت الأعراب : فإن كان وليُّه أبيّاً حمياً أبى أخذ الدية ، وإن كان ضعيفاً شاورَ أهلَ قبيلته ، فيقولون للطالبين : إنَّ بيننا وبين خالقنا علامةً للأمر والنهي. قال : فيقول الآخرون : ما علامتكم؟ فيقولون : نأخذ سهماً فنركِّبه على قوس ثم نرمي به نحو السماء ، فإن رجَعَ إلينا ملطَّخاً بالدم فقد نُهينا عن أخذ الدية ، وإن رجع إلينا كما صعد فقد أمرنا بأخذ الدية.

قال ابن الأعرابي : قال أبو المكارم وغيره : فما رجَع هذا السهمُ قَطْ إلا نقِيّاً ، ولكن لهم بهذا عُذرٌ عند جُهالهم.

قال : وقال الأسعر الجعفيّ من أهل القتيل وكان غائباً عن هذا الصلح :

عقُّوا بسهم ثمَّ قالوا سالموا

يا ليتني في القوم إذْ مَسحوا اللِّحى

قال : وعلامة الصُّلح مَسْحُ اللحى.

قُلت : وأخبرني عبد الملك البغوي عن الربيع عن الشافعي أنه أنشده :

عقُّوا بسهم ولم يشعُر به أحد

ثم استفاءوا وقالوا حَبَّذا الوَضحُ

أخبر أنهم آثروا إبلَ الدية وألبانها على دم قاتلِ صاحبهم. والوضح : اللبنُ هاهنا.

ويقال للدلو إذا طلعت من الركيّة ملأى : قد عَقّت عقّاً. ومن العرب من يقول عقتْ تعقِيَة ، وأصلها عقّقت ، فلمّا توالى ثلاث قافات قلبوا إحداها ياء كما قالوا تظنَّيت من الظن. وأنشد ابنُ الأعرابي فيما أخبرني المنذرّي عن ثعلب عنه :

عَقتْ كما عقت دَلوف العِقْبان

شبّه الدلو إذا نزعت من البئر وهي تعُّق هواء البئر طالعةً بسرعةٍ بالعقاب إذا انقضَّتْ على الصَّيدِ مسرعة.

وروى الحرّاني عن ابن السكيت أنه قال : العقيقة : صُوف الجَذَع. والجنيبة : صوف الثَّنِيّ.

وقال أبو عبيد : العِقاق : الحوامل من كل ذات حافر. والواحدة عَقوق.

وقال ابن المظفّر : يقال أعقت الفرَسُ والأتانُ فهي مُعِقٌ وعَقوق ، وذلك إذا نبتت العقيقة في بطنها على الولد الذي حملتْه. وأنشد لرؤبة :

٥٠

قد عتق الأجدعُ بعد رقِ

بقارحٍ أو زولةٍ مُعِقِ

وأنشد له أيضاً في لغة من يقول أعقّت فهي عقوق وجمعها عُقُق :

سرا وقد أوّنَ تأوين العُقُق

والعقاق والعَقَق : الحَمْل. قال عديّ :

وتركت العَيْر يدمي نحره

ونحوصاً سَمْحجاً فيها عَقَقْ

وقال أبو خِرَاش :

أبَنَ عَقاقاً ثم يَرْمَحْنَ ظَلْمَه

إباءً وفيه صَولةٌ وذَمِيل

وقال أبو عمرو : أظهرت الأتان عَقاقاً بفتح العين ، إذا تبيَّن حملها قلت : وهكذا قال الشافعي العَقاق بهذا المعنى في آخر كتاب الصَّرف.

وأما الأصمعيّ فإنه يقول : العقاق مصدر العَقُوق ورُوي عن أبي عمرو أنه كان يقول : عقّت فهي عقوق ، وأعقّت فهي مُعِقّ.

قلت : واللَّغة الفصيحة أعقَّتْ فهي عقوق ، قاله ابن السكِّيت وغيره.

وقال أبو حاتم في كتاب «الأضداد» : زعم بعض شيوخنا أنه يقال للفرس الحامل عقوق.

قال : ويقال للحائل أيضاً عَقوق. قال أبو حاتم : وأظنُّ هذا على التفاؤل. قلت : وهذا يروَى عن أبي زيد.

وقال أبو عبيدة : عقيقة الصبيّ : غُرْلته إذا خُتِن.

وقال الليث : نوى العَقوقِ نوًى هشٌّ رِخوٌ ليِّن المَمْضَغْة تأكله العجوز وتلوكه ، وتُعلفُه العَقوقُ إلطافاً بها ، ولذلك أضيفَ إليها ، وهو من كلام أهل البصرة ولا تعرفه الأعرابُ في باديتها.

وقال ابن الأعرابيّ : العقيقة : نواةٌ رِخوةٌ ليِّنة كالعجوة تؤكل.

وقال شمر : عِقان الكروم والنخيل : ما يخرج من أصولها. وإذا لم تقطع العِقَّان فسدت الأصول. وقد أعقَّت النخلةُ والكَرْمة ، إذا أخرجت عِقَّانَها.

والعَقْعَق : طائر معروف ، وصوته العَقْعقة.

ومن أمثال العرب السائرة في الرجل يسأل ما لا يكون وما لا يُقدر عليه : «كلَّفْتَني الأبلق العقوق» ، ومثلهُ : «كلَّفتني بيضَ الأنوق». والأبلق ذكر ، والعقوق الحامل ، ولا يحمل الذكر. وأنشد اللحياني :

طلب الأبلقَ العقوقَ فلما

لم يجده أراد بيض الأنوق

وفي «نوادر الأعراب» : اهتلبَ السيف من غمده ، وامترقه ، واعتقَّه ، واجتلطه ، إذا استّله. وأما قول الفرزدق :

قفي ودِّعينا يا هنيد فإنني

أرى الحيَّ قد شاموا العقيق اليمانيا

فإن بعضهم قال : أراد شاموا البرق من ناحية اليمن.

والعَقُوق : موضع. وأنشد ابن السكيت :

ولو طلبوني بالعَقُوق أتيتهم

بألفٍ أؤدِّيه إلى القومِ أقرعا

يريد : ألف بعير. وأنشد لكثيِّر يصف امرأة :

٥١

إذا خرجت من بيتها راقَ عَينها

مُعَوِّذها وأعجبتها العقائق

يعني إنَّ هذه المرأة إذا خرجت من بيتها راقها معوّذ النبت حوالَي بيتها. والمعوّذ من النبت : ما ينبت في أصل شجرٍ أو حجر يستره. وقيل العقائق : الغُدْران ، وقيل : هي الرِّمال الحمر.

وعَقّه : بطن من النَّمِر بن قاسط. قال الأخطل :

وموقَّعِ أَثَرُ السِّفار بخَطْمه

من سُود عَقّة أو بني الجوّالِ

وبنو الجَوَّال في بني تغلب.

وقال الليث : انعقَ البرق ، إذا انسرَب في السحاب.

قع : أبو عمر عن أحمد بن يحيى عن عمرو بن أبي عمرو عن أبيه قال : القُعقُع بضم القافين : العَقعَق. وقال الليث : القعقع طائر وصوته القعقعَة. قال : وهو طائر أبلق ببياض وسوادٍ ، ضخمٌ ، من طير البرّ ، طويل المنقار.

قلت : وسمعت البحرانيين يقولون للقَسْب من التمر إذا يبس وتقعقع : تمرٌ سَحٌّ وتمر قعقاع.

وقُعَيقِعان : موضع بمكة اقتتل عنده قبيلانِ من قريش ، فسمِّي قعيقعان لتقعقع السلاح فيه. قال الليث : وبالأهواز جبل يقال له قعيقعان. قال : ومنه نحتت أساطين مسجد البصرة.

والقعقاع : طريق يأخذ من اليمامة إلى مكة معروف.

ويقال للجلد اليابس والتِّرسَةِ إذا تخشخشت فحكيت صوت حركاتها قد قعقعت قعقعة ومنه قول النابغة :

كأنك من جمال بني أقيش

يُقعقع خلف رِجليه بشنِ

وقال ابن الأعرابيّ فيما يروي عنه أحمد بن يحيى : القعقعة والعقعقة ، والخشخشة والشخشخة ، والخفخفة والفخفخة والنشنشة والشنشنة ، كلّه حركة القرطاس والثَّوب الجديد. ومن أمثلة العرب : «من يجتمع يتقعقع عَمَده» المعنى : غبط بكثرة العدد واتساق الأسباب فهو بعَرَض الزَّوال والانتشار. وهذا كقول لبيد يصف تغيُّر الزمان بأهله :

إن يُغْبَطوا يُهبَطوا وإن أمروا

يوماً يَصيروا للهُلْك والنَّكَدِ

ويقال للرجل إذا مشى فسمعت لمفاصل رجليه تَقعقُعاً : إنّه لقَعْقَعانيّ. وكذلك العَيْر إذا حَمَل على العانة فتقعقع لحياهُ : قعقعانيّ. وقال رؤبة :

شاحِيَ لَحْيَىْ قُعْقُعانيُ الصَّلقْ

قعقعة المِحورِ خُطّاف العَلَقْ

وأسَدٌ ذو قعاقع ، إذا مشى فسمعت لمفاصله قعقعة.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : خمْس قعقاع وحثحاث ، إذا كان بعيداً والسَّيرُ فيه متعباً لا وتيرة فيه ، أي لا فتور فيه. وكذلك طريق قعقاع ومتقعقع ، إذا بعُد واحتاج السائر فيه إلى الجِدّ. وسمّي قعقاعاً لأنه يقعقع الرِكاب ويتعبها. وقال ابن مقبل

٥٢

يصف ناقته :

عَمَل قوائمها على متقعقع

عَتِبِ المراتب خارج متنشِّر

وبالشُّريف من بلاد قيس مواضع يقال لها القعاقع.

ويقال قعقعتُ القارورةَ وزعزعتها ، إذا أَرَغْت نزع صمامها من رأسها. ويقال للذي يحرك قداح الميسر ليجيلها : المقعقع. وقال ابن مقبِل :

بقدحين فازا من قداح المقعقِع

وقال الليث : يقال للمهزول : صار عظاماً تتقعقع. قال : وكل شيءٍ دَقَّتُهُ صوتٌ واحِد فإنك تقول يقعقع. وإذا قلت لمثل الأدَم اليابسة والسلاح قلت يتقعقع.

قلت : وقول النابغة يدل على خلاف ما قال : لأنه قد قال :

يقعقع خلف رجليه بشنِ

والشّنّ من الأدَم ، وكأنّه أراد أنه يقعقع فيتقعقع.

ويقال : أقعَ القومُ ، إذا حفروا فأنبطوا ماء قُعاعاً. ومياه الملَّاحات كلها قُعاع.

ويقال للقوم إذا كانوا نزولاً ببلدٍ فاحتملوا عنه : قد تقعقعت عَمَدهم. وقال جرير :

تقعقع نحو أرضكم عمادِي

وقال أبو زيد : القعقعة : تتابع صوت الرعد في شدّة. وجماعه القعاقع.

ويقال للحمَّى النافض قعقاع. وقال مزرِّد أخو الشماخ :

إذا ذُكرت سلمى على النأي عادَني

ثُلاجيّ قعقاعٍ من الورد مردِمِ

وقال بعض الطائيِّين : يقال قعّ فلان فلاناً يقُعُّه قعاً ، إذا اجترأ عليه بالكلام

والقعاقع : الحجارة التي ترمى بها النخل لينتثر من ثمره. والمقعقِع : الذي يقعقع القداح من الميسر.

وقال ابن هرمة :

 وقعقعت القداح ففزت منها

بما أخذ السَّمينُ من القداح

وروي عن السُدِّي أنه قال : سميِّ الجبل الذي بمكة قعيقعان لأنّ جُرهماً كانت تجعل فيه قسيها وجعابها ودَرَقها ، فكانت تُقِعقِعُ وتصوِّت.

باب العين مع الكاف

[ع ك]

عك ، كع : مستعملان.

عك : أبو عبيد عن الفراء : يقال عككتُه أعكُّه عكّاً ، إذا حبسته عن حاجته. وكذلك يقال عجسته عن حاجته. ويقال عكته الحمى عكّاً ، إذا لزمته حتى تُضْنيَه. قال : وقال أبو زيد : عككته أعكه عكاً ، إذا استعدته الحديثَ كي يكرره مرتين.

وروى ابن حبيب عن ابن الأعرابي : أعكّت العُشَراء من الإبل تُعِكَ. والاسم العِكَّة ، وهي أن تستبدل لَوناً غير لونها ، وكذلك إذا سمنت فأخصبت. وقال في قول رؤبة :

ما ذا ترى رَأْي أخٍ قد عَكَّا

قال : عك الرجل ، إذا احتبس وأقام.

٥٣

قال الأصمعي : عكَّني بالقول عكّاً ، إذا ردهُ عليك متعنّتاً. ورجلٌ مِعَكٌ ، إذا كان ذا لدَدٍ والتواء وخُصومة.

وقال ابن الأعرابي : العرب تقول : ائتزر فلان إزرةَ عكَ وَكَّ ؛ وهو أن يُسبل طرَفيْ إزاره. وأنشد :

إن زرته تجده عَكَ ركا

مشيته في الدار هاكَ ركَّا

قال : هاك ركّ : حكاية تبختره.

أبو عُبيد الله عن أبي زيد : إذا سكنت الريح مع شدة الحر قيل : يوم عكِيك ، ويقال يومٌ عكٌ أكٌّ ، وقد عكَ يومنا. قال : وقال غيره : العُكَّة والعكيك : شدّة الحر. وقال ساجع العرب : «إذا طلعت العُذْرة ، لم يبق بعُمان بُسْرة ، ولا لأكَار بُرَّة ، وكانت عكة نُكْرة ، على أهل البصرة».

والمِعَكّ من الخيل : الذي يجري قليلاً ثم يحتاج إلى الضرب ، قاله الليث.

وقال أبو عبيد : العَكَوّك السمين ، وقال غيره : هو القصير المقتدر الخَلق. وقال الراجز :

عكوَّك إذا مَشى دِرحايه

والعُكة : زُقيق صغير يُجعَل فيه السمن.

ويُجمَع عُكَكا وعِكاكاً.

وأخبرني المنذريُّ عن الغَسَّانيّ عن سلمة ، أنه قال : سمعت أبا القمقام الأعرابي يقول : غبت غيبة عن أهلي فقدِمت ، فقدَّمَتْ إليَّ امرأتي عكّتين صغيرتين من سمن ، ثم قالت : حلِّني اكسُني ، فقلت :

تسلأ كلّ حُرَّةٍ نِحْيين

وإنما سَلأتِ عُكَّتَينِ

ثم تقول اشترِلي قرطين

وقال الليث : عكُ بن عَدنان هم اليومَ في اليمن ، وقال بعض النسَّابين ، إنما هو معدّ بن عدنان ، فأمّا عَكّ فهو ابن عُدثان بالثاء ، وهم من ولد قحطان ، وعدنان من ولد إسماعيل عَلَيه السَّلام.

ثعلب عن ابن الأعرابي : يقال عُكَ إذا حُمَّ ، وعَكَ إذا غَلى من الحرّ.

وقال أبو زيد : العَكَّة : رملة حميت عليها الشمس. وأما قول العجاج :

عكٌ شديدُ الأَسْر قُسبُريُ

قال أبو زيد ؛ العَكُ : الصُّلب الشديد المجتمع.

وقال الليث : العَكَّة من الحرّ : فَورةٌ شديدة في القيظ ، وهو الوقت الذي تركد فيه الريح ؛ وفي لغةٍ : أكَّة.

كع : ابن حبيب عن ابن الأعرابي : رجل كَعُ الوجه ، أي رقيق الوجه ؛ ورجلٌ كُعكُعٌ : جبان. وقد تكعكع وتكأكأ ، إذا ارتدع ورجلٌ كَعٌ كاعٌ ، إذا كان جباناً ضعيفاً.

وقد كعّ يكعّ كعُوعاً.

وقال أبو زيد : يقال كَعِعتُ أكَعُ وكعَعتُ بالفتح أكِعُ. وكذلك زَلِلت وزَلَلتُ ، وشَحِحْتُ وشحَحْتُ أشَحُّ وأشِحُّ. وقال العجَّاج :

كعكعتُه بالرجم والتنجُّه

وقال ابن المظفّر : رجل كعُ كاعٌ ، وهو الذي لا يمضي في حزم ولا عزم ، وهو الناكص على عقبيه. والكاعُ : الضعيف

٥٤

العاجز. وأنشد :

إذا كان كَعُ القوم للرَّحْلِ لازما

وقال أبو زيد : يقال كعكعته فتكعكع.

وأنشد لمتمِّم بن نويرة :

ولكنَّني أمضي على ذاكَ مُقدِماً

إذا بَعضُ مَن يلقى الخطوبَ تكعكعا

قال : وأصل كعكعت : كعَّعْت ، فاستثقلت العرب الجمع بين ثلاث أحرف من جنس واحد ففرقوا بينها بحرف مكرَّر ومثله كفكفتُه عن كذا ، وأصله كفَّفته.

وقال غيره : أكَعَّه الفَرَقُ إكعاعاً ، إذا حبَسَه عن وجهه.

والكَعْك : الخبز اليابس. قال الليث : أظنّه معرباً. وأنشد :

يا حَبّذا الكعك بلحمٍ مثرودْ*

* وخُشْكَنانٌ معْ سويقٍ مَقنود

باب العين والجيم

[ع ج]

عج ، جع ، مستعملان.

عج : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «أفضل الحجّ العَجّ والثَّجّ».

وقال أبو عبيد : العجّ : رفع الصوت بالتلبية ، والثّجّ : سيلان دِماء الهدي.

ويقال عج القوم يَعِجّون ، وضجُّوا يَضِجُّون ، إذا رفعوا أصواتهم بالدُّعاء والاستغاثة.

وقال الليث : سمِّي العجّاج الرّجاز عجَّاجاً بقوله :

حتى يعج ثخناً من عجعجعا

قال الليث : لما لم يستقم له في القافية عجَّا ولم يصحَّ معنى عجَّجا ضاعفه فقال : عجعجا وهو فُعَلاء لذلك.

قال : والتعجيج : إثارة الغبار ، وهو العَجَاج. ويقال عجَّجت البيت دخاناً حتى تعجَّج. والعَجَاج : غبار تثور به الريح ، الواحدة عَجاجة. وفعله التعجيج.

وفي «النوادر» : عجّ القوم وأعجُّوا ، وأَهجُّوا ، وخجُّوا وأخجُّوا ، إذا أكثروا في فنونِهِ الركوبَ.

اللحياني : رجل عجْعاجٌ بجباج ، إذا كان صيَّاحاً.

وقال أبو زيد : أعجَّت الريح ، إذا اشتد هبوبها وأثارت الغبار. قال : والعجعجة في قضاعة كالعنعنة في تميم ، يحولون الياء جيماً كقوله :

المطعمون اللحم بالعَشجِ

وبالغداة كِسَر البَرْنجِ

يُقلَع بالودِّ وبالصِّيصجِ

أراد : بالعشيّ ، والبرنيّ ، والصِّيصيّ.

وأخبرني المنذريّ عن ابن الأعرابي قال : النُّكب من الرياح أربع : فنكباء الصبا والجَنوب مهياف ملواح ، ونكباء الصَّبا والشمال مَعجاجٌ مِصراد لا مَطر فيها ولا خير ، ونكباء الشمال والدَّبور قَرّة ، ونكباء الدَّبور والجنوب حارّة.

قال : والمَعجاج هي التي تثير الغبار.

ويقال : عجّ البعير في هديره يعجّ ، فإن كرَّر هديره قيل عجعج. ويقال للناقة إذا زجرتها عاجْ. وقد عجعجت بها.

٥٥

أبو عبيد عن الفراء : العجَاجة : الإبل الكثيرة. وقال شمر : لا أعرف العجاجة بهذا المعنى. قال ابن حبيب : العَجَاج من الخيل : النجيب المسنّ.

وروى شمر بإسناد له عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض ، فيبقى عَجَاجٌ لا يعرفون معروفاً ولا يُنكرون مُنكَراً». قال شمر : العَجَاج من الناس نحو الرَّجَاج والرَّعاع. وأنشد :

يرضى إذا رضي النساء عجاجةٌ

وإذا تُعُمّدَ عَمْدُه لم يَغضَبِ

عمرو عن أبيه : عجّ ، إذا صاح. وجَعّ ، إذا أكل الطين.

وقال غيره : طريق عاجٌ زاجٌّ ، إذا امتلأ.

جع : أبو العباس عن ابن الأعرابي : جعَ فلانٌ فلاناً ، إذا رماه بالجَعْو ، وهو الطِّين.

وكتب عبيد الله بن زياد اللعين إلى عُمر بن سَعْد : أن جعجعْ بالحسين بن علي رضي‌الله‌عنهما.

قال ابن الأعرابي : معناه ضيِّق عليه. قال : والجعجَع : الموضع الضَّيق الخشِن.

وقال أبو عبيد : قال الأصمعيُّ : الجعجعة الحَبْس. قال : وإنّما أراد بقوله «جعجع بالحسين» أي احبسه. ومنه قول أوس بن حَجَر :

إذا جعجعوا بين الإناخة والحبس

قال : والجعجاع : المَحبِس : وأنشد :

وباتوا بجعجاعٍ حديث المعرَّجِ

قال أبو عبيد : وقال غيره : الجعجاع : الأرض الغليظة. وقال أبو قيس بن الأسلت :

مَنْ يَذُقِ الحربَ يَجدْ طعمها

مُرّاً وتتركْه بجعجاعِ

سَلَمة عن الفراء قال : الجعجعة : التضييق على الغريم في المطالبة. والجعجعة : التشريد بالقوم.

وقال أبو العباس : قال ابن الأعرابي : الجعجع : صوت الرَّحى ، ومنه مثل العرب : «جَعجعة ولا أرى طِحْناً» ، يضرب للذي يعِد ولا يفي ، قال : والجعجعة : أصوات الجمال إذا اجتمعت.

وقال الليث : جعجعت الإبل ، إذا حرّكتَها لإناخة أو نُهوض. وأنشد :

عَوْد إذا جُعجِعَ بعد الهبِ

وفحلٌ جعجاعٌ : شديد الرُّغاء. وقال حُميد بن ثور :

يطفْنَ بجعجاعٍ كأنّ جرانه

نَجيبٌ على جالٍ من البئر أجوفِ

ويقال : تجعجع البعير وغيره ، إذا ضرَب بنفسه الأرض باركاً ، لمرضٍ يصيبه أو ضرب يُثخنه. وقال أبو ذؤيب :

فأبدّهنَّ حتوفهنَّ فهارب

بذَمائه أو باركٌ متجعجعُ

وقال إسحاق بن الفرج : سمعت أبا الربيع البكري يقول : الجعجع والجفجف من الأرض المتطامِن ، وذلك أنَّ الماء يَتجفجف فيه فيقوم ، أي يدوم. قال : وأردته أن يقول يتجعجعَ فلم يقُلْها في

٥٦

الماء. وقال : جعجعَ الماشية وجفجفها ، إذا حبسَها.

وقال شمر : قال أبو عمرو : الجَعجاع : الأرض. قال : وكلُّ أرضٍ جعجاع. قال شمر : وأنشدنا ابن الأعرابي :

نحلُّ الديار وراء الديا

رِ ثمَ نجعجع فيها الجُزُرْ

قال : نجعجعها : نحبسها على مكروهها.

ويقال : جعجعَ بهم ، أي أناخَ بهم وألزمهم الجعجاع. قال : وجعجعَ البعيرُ إذا برك. وأنشد :

حتّى أنخنا عزَّه فجعجعا

أي استناخ. وجعجعَ القومُ ، أي أناخوا.

باب العين والشين

[ع ش]

عش ، شع : مستعملان.

عش : أخبرنا المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : العَشُ : المهزول. وقال بعضُ رجاز العرب :

تضحك مني أن رأتني عَشَّا

لبست عَصْريْ عُصُرٍ فامتشَّا

بشاشَتي وعمَلاً ففشّا

وامرأةٌ عَشَّةٌ : ضئيلة الخَلْقِ.

وقال شمر : قال ابن الأعرابيّ : عشَ بدنُ الإنسان ، إذا ضَمر ونَحَل ، وأعشّهُ الله قال : والعَشُ : الجمع والكسب.

وقال الليث : عش الرجل معروفه يَعُشُّه ، إذا أقلَّه وقال رؤبة :

حَجَّاج ما سَجْلُكَ بالمعشوشِ

قال : وسقاه سجلاً عشاً ، أي قليلاً.

وأنشد : يُسقَينَ لا عَشّاً ولا مصرَّدا

قال : وقال أبو خَيرة العدويّ : العشّةُ : الأرض الغليظة. قال : وأعششنا ، أي وقعنا في أرضٍ عشَّة. وعشَّش الخُبزُ ، إذا يبس وتكرَّج ، فهو معشِّش.

أبو عبيد عن أبي زيد : أعششتُ القوم ، إذا نزلتَ بهم على كَره حتى يتحولوا من أجلك. وأنشد للفرزدق يصف القطا :

فلو تُركتْ نامت ولكن أعشَّها

أذى من قِلاصٍ كالحنيّ المعطَّفِ

وقال أبو مالك : قال أبو الصقر : أعششتُ القوم إعشاشاً ، إذا أعجلتهم عن أمرهم.

وأعشاش : موضعٌ معروف في ديار بني تميم ، ذكره الفرزدق فقال :

عزَفت بأعشاشٍ وما كدت تعزِف

وأنكرتَ من حَدراء ما كنت تعرف

وشجرةٌ عَشَّةٌ : دقيقة الأغصان لئِيمة المنبت. وقال جرير :

فما شجراتُ عِيصكَ في قُريشٍ

بعشّات الفروعِ ولا ضواحي

وعشّشت النخلة ، إذا قلَّ سَعَفُها ودقَّ أسفلُها. قال : وعشَشتُ القميصَ إذا رقعته ، فانعشَ.

وقال شمر : قال أبو زيد : يقال جاء بالمال من عَشِّهِ وبَشِّه ، وعَسِّه وبسِّه. أي من حيث شاء.

وقال أبو عبيدة : فرسٌ عَشُ القوائم : دقيق القوائم.

٥٧

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : العَشعَش :العُشُ إذا تراكبَ بعضُه على بعض.

وقال الليث : العُشّ للغراب وغيره على الشَّجر إذا كثُف وضَخُم ، ويجمع عِشَشة.

وقال ابن الفرج : قال الخليل : المعَشُ المطلب. قال : وقال غيره : المعَسُّ : المطلب.

وقال ابن شميل : قال أبو خيرة : أرضٌ عشة : قليلة الشجر في جَلَد عَزَاز ، وليس بجبلٍ ولا رمل. وهي لينة في ذاك. قال : وعشَّه بالقضيب عشاً : ضربه ضربات.

أبو عبيد : من أمثالهم : «ليس هذا بعشِّك فادرجي». يضرب مثلاً لمن يرفع نفسه فوق قدره. ونحوٌ منه : «تلمَّسْ أعشاشك» ، أي تلمَّس التجنِّي والعلل في ذويك. وقال أبو عبيدة لرجلٍ أتاه : «ليس هذا بعشك فاردجي» فقيل له : لمن يُضرَب هذا؟ فقال : لمن يُرفع له بخيال. فقيل : ما معناه؟ فقال : لمن يطرد.

شع : أبو العباس عن ابن الأعرابي : شعَ القومُ إذا تفرقوا. وأنشد للأخطل :

عصابة سَبْىٍ شعَ أن يتَقسَّما

أي تفرَّقوا حذار أن يُتَقسَّموا قال : والشَّعُ : العَجَلة. قال : وانشعَ الذئب في الغنم ، وانشلَّ فيها ، وانشنَّ ، وأغار فيها واستغار ، بمعنى واحد.

عمرو عن أبيه : يقال لبيت العنكبوت الشَّعّ وحُقَّ الكَهُول.

أبو عبيد عن الأصمعي : الشَّعشع والشعشان : الطويل. وقال في موضع آخر : الشَّعشاع الحسن ، ويقال الطويل.

وقال ذو الرُّمة :

إلى كلِّ مشبوح الذراعين تُتقى

به الحرب شعشاع وآخر فَدغمِ

وقال الليث : الشعشعان من كلِّ شيءٍ : الطويلُ العنق. ويقال شعشعتُ الشرابَ ، إذا مزجته بالماء. ويقال للثريدة الزُّريقاء : شعشِعها بالزيت.

وروى شمر بإسناد له حديث واثلة بن الأسقع ، أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ثرد ثريدة ثم شعشعها ثم لبقها ثم صَعَنَبها» قال شمر : وقال ابن المبارك : شعشعها : خلط بعضها ببعض كما يُشعشع الشراب بالماء إذا مزج به. قال : ويقول القائل للثريدة الزريقاء : شعشعها بالزيت. قال شمر : وقال بعضهم : شعشع الثريدة إذا رفع رأسها ، وكذلك صعلكها وصعنبها. قال : وروى أبو داود عن ابن شميل : شعشع الثريدة إذا أكثر سَمنَها. قال : وقال بعضهم شعشعها طوّل رأسها ، من الشعشاع ، وهو الطويل من الناس.

قلت : وروى أبو عبيد هذا الحرف في حديث واثلة : «ثم سغسَغَها» بالسين والغين أي رواها دسماً. وهكذا قاله ابن الأعرابي.

ويقال : شَعَ بولَه يشُّعه ، فرَّقه ، فشع يشِعُ إذا انتشر. وشععنا عليهم الخيل نشُعُّها.

أبو عبيدٍ عن الفراء : الشَّعَاع : المتفرق ، يقال : تطايَر القومُ شعاعاً ، إذا تفرقوا. وتطايرت العصا شعاعاً ، إذا تكسرتْ قِصَداً. وشَعاعُ السنبل : سَفاه إذا يبس

٥٨

ما دام على السنبل وبَعْدَ انتشاره. وأشعَ السُّنبلُ ، إذا اكتنزَ حَبُّه وانتشر سفاه.

ويقال : ذهبت نفسي شَعَاعاً ، إذا انتشر رأيها فلم تتجه لأمرٍ حزم.

وشَعَاع الدم : ما انتشر إذا استنَّ من خَرق الطَّعنة. وأنشد ابن السكيت :

طعنتُ ابن عبدِ القيس طعنةَ ثائرٍ

لها نَفذٌ لو لا الشُّعاع أضاءها

يقول : لو لا انتشار سَنَن الدم لأضاءها النفذ حتَّى تُستبان.

وقال ابن شميل : يقال سقيته لَبناً شَعاعاً أي ضَيَاحاً أُكثر ماؤه.

قلت : والشعشعة : المَزْج مأخوذ منه. وكلُّ ما مرَّ في الشعَاع فهو بفتح الشين ، وأما ضوء الشمس فهو الشعاع بضم الشين ، وجمعه شُعُعٌ وأشِعّة ، وهو ما تَرَى من ضوئها عند ذُرورِها مثل القضبان.

عمرٌو عن أبيه قال : الشُّعشُع : الغلام الحسن الوجه الخفيف الرُّوح ، بضم الشينين.

باب العين والضاد

[ع ض]

عض ، ضع : مستعملان.

عض : أبو عبيد : ما عندنا أَكال ولا عَضَاض ، أي ما يُعَضّ عليه وأنشد شمر :

أخْدَرَ سَبْعاً لم يذُق عَضاضا

وقال ابن بزرج : ما أتانا من عَضاضٍ وعَضوضٍ ومعضوص ، أي ما أتانا بشيء نعضُّه. قال : وإذا كان القومُ لابِنِينَ فلا عليهم ألا يَرَوا عَضاضاً.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من تَعزَّى بعَزَاء الجاهلية فأعِضُّوه بهَنِ أبيه ولا تَكْنُوا» معنى قوله «أعضّوه بهَنِ أبيه» أي قولوا له اعضَضْ بأير أبيك ، ولا تكنوا عن الأير بالهن. وأمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك تأديباً لمن دعا دعوة الجاهلية.

أبو عبيد عن الأحمر قال : العِضُ من الرِّجال : الداهي المنكَر وقال القطاميّ :

أحاديث من عادٍ وجُرهُمَ جمّة

يثَوِّرها العِضّانِ زيدٌ ودَغْفَلُ

أراد بالعِضَّين : زيداً النمريّ ودَغفلاً النسّابة ، وكانا عالمي العرب بأنسابها وأيامها وحِكَمها.

ويقال : برئت إليك من العِضاض ، إذا باعَ دابّةً وبرىء إلى مشتريها من عَضِّها الناس. والعيوب تجيء على فِعال بكسر الفاء.

وسمعت العرب تقول : بئر عَضوض وماء عَضوض ، إذا كان بعيد القعر يُستَقى منه بالسانية.

وقال ابن بزرج : يقال ما كانت عَضُوضاً ولقد أعضّت ، وما كانت جُدًّا ولقد أجدَّت ، وما كانت جَرُواً ولقد أجَرّت.

والعضُ بالأسنان ، والفعل عَضِضْتُ وأعَضُ ، الأمر منه عَضَ واعضَضْ.

ومُلْك عَضوض : شديد فيه عَسْف وعُنْف. والعَضُوض من أسماء الدواهي.

الحرانيّ عن ابن السكيت قال : العِضُ : العِضاهُ بكسر العين. وبنو فلانٍ مُعِضُّون ، إذا كانت إبلُهم ترعى العِضَ. وأرضٌ

٥٩

مُعِضّة : كثيرة العِضّ. وبعيرٌ عاضّ.

وقال أبو زيد فيما رَوَى عنه ابن هانىء : العِضاه اسمٌ يقع على شجرٍ من شجر الشَّوك له أسماءٌ مختلفة يجمعها العِضاه ، والعِضاه الخالص منه : ما عظُم واشتدّ شوكه. وما صغُر من شجر الشوك فإنه يقال له العِضّ والشِّرْس. قال : وإذا اجتمعت جموعُ ذلك قيل لما لَه شوكٌ من صغاره عِضُ وشِرسٌ ، ولا يُدعَيان عِضاهاً. فمن العِضاه السمرُ ، والعُرفُط ، والسَّيَال ، والقَرَظ ، والقَتَاد الأعظَم ، والكَنَهبُل ، والسِّدْر ، والغافُ ، والغَرَب فهذه عضاهٌ أجمع. ومن عِضاه القياس وليس بالعضاه الخالص : الشَّوحط ، والنَبْع ، والشِّريان ، والسَّرَاء ، والنَّشَم ، والعُجُرم ، والتألب ، والغَرَف. فهذه كلُّها تُدعى عضاه القياس وليست بالعضاه الخالص ولا بالعِضِ.

ومن العِضِ والشِّرس القتاد الأصغر ، وهي التي ثمرتُها نُفّاخة كنُفّاخة العُشَر ، إذا حُرّكت انفقأت. ومنها الشُّبْرم ، والشِّبرِق ، والحاجُ ، واللَّصَف ، والكلبة ، والعِتْر ، والثغْرُ. فهذه عِض وليست بعضاه. ومن شجر الشوك الذي ليس بِعِضِ ولا عِضاه : الشُّكاعَى ، والحُلَاوَى ، والحاذُ ، والكُبّ ، والسُّلَّج.

وفي «النوادر» : هذا بلدٌ به عِضٌ وأعضاض وعَضاض ، أي شجرٌ ذو شوك.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : العُضّ بضم العين : عَلَف الأمصار ، مثل الكُسْب والنَّوى المرضوخ. قال : وقال المفضل : العُضُ : العجين. وقال أبو عبيدة : العُضّاض عِرنين الأنف. وأنشد غيره :

لما رأيت العبدَ مشرحِفَّا

أعدَمته عُضَّاضَهُ والكفّا

سلمة عن الفراء ، قال : العُضَاضيُ : الرجل الناعم اللّين ، مأخوذ من العُضاض ، وهو ما لانَ من الأنف.

ويقال : أعضَ الحجّام المِحجمَةَ قفاه.

وقال أبو زيد : يقال عضّ الرجل بصاحبه يعَضُّه ، إذا لَزِمَه.

وقال النضر : إنّه لعِضُ مالٍ ، إذا كان حسنَ القيام عليه وفلانٌ عِضُ سفَر : قويٌّ عليه. وعِضُ قتال. وأنشد الأصمعي :

إنّا إذا قُدنا لقومٍ عَرضا

لم نُبقِ من بغْي الأعادي عِضّا

ابن شميل : عاضّ القوم العيش منذ العام فاشتد عِضاضهم ، أي اشتد عَيشهم. وإنّه لعِضاض عيش ، أي صَبورٌ على الشدّة.

وغَلَقٌ عِضٌ : لا يكاد ينفتح.

الأصمعي : ماء عَضوض : بعيد القعر. ونحوَ ذلك قال النضر.

وقوس عَضوض ، إذا لزِق وترها بكبدها.

وقال أبو زيد : البئر العضوض ، هي الضيّقة. وقال أبو عمرو : هي الكثيرة الماء. وقال أبو خيرة : امرأة عَضوض : لا ينفُذ فيها الذكر من ضِيقها. وفلانٌ عِضُ فلان وعضيضة ، أي قِرْنه.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : العَضعَض : العِضُ الشديد. قال : والضَّعضَع : الضعيف.

٦٠