تهذيب اللغة - ج ١

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٩

لزِق بالأرض فقراً. ويقال قد دَقِع أيضاً. ورأيت القوم صَقْعى دَقْعى ، أي لازقين بالأرض.

وقال ابن شميل. يقال بفيه الدَّقعاء والأدقَع ، يعني التُّراب. قال : والدُّقَاع : التُّراب. وقال الكميت يصف الكلاب :

مَجازيع قَفرٍ مَداقيعُه

مَسَاريفُ حينَ يُصِبْن اليسارا

قال : ومَداقيع : ترضى بشيء يسير. قال : والداقع الذي يرضى بالشيء الدُّون.

وقال ابن دريد : يُدعَى على الرجل فيقال : رماك الله بالدَّوقَعة ، فوعلة من الدقَع.

قدع : أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : القَدَع : الكفّ ـ قلت : جعله من قدِع يَقدع قَدَعاً ـ وفلان لا يَقدع ، أي لا يَرتدع قال : والقَدَع : انسلاق العين من كثرة البكاء. وكان عبد الله بن عمر قَدِعاً.

أبو عبيد عن أبي زيد : قدِعَتْ عينُه قَدَعاً ، إذا ضعُفتْ من طول النَّظر إلى الشيء.

وأنشد شِمر :

كم فيهم من هجين أمُّه أمَةٌ

في عينها قَدَعٌ في رجلها فَدَعُ

أبو عبيد عن أبي زيد : تقادع القوم تقادُعاً ، وهو أن يموت بعضُهم في إثر بعض.

قال : وقال الفرّاء : قُدِعت لي الخمسون ، إذا دنت منه. وأنشد :

ما يسأل الناسُ عن سِنّي وقد قُدِعَتْ

لي أربعون وطالَ الوِردُ والصَّدَرُ

وقال شمر : سمعتُ ابنَ الأعرابيّ يقول قُدِعَتْ لي أربعون ، أي أُمضِيَتْ. ويقال قَدَعها ، أي أمضاها ، كما يُقدع الرجل عن الشيء.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال : قَدَع السِّتِّينَ : جازها.

قلت : فاحتمل أن تُقدع فتَقْدَع ، كما تقول : قدعت الرجلُ عن الأمر فقَدِع ، أي كففتُه فكفّ وارتدع. والقَدوع : الذي يُقدَع ، فَعول بمعنى مفعول.

وقال عرّام : امرأةٌ قَدوع : تأنف من كل شيء. وقال الطرمّاح :

وإلّا فمدخول الفِناء قَدوعُ

قَدوع بمعنى مقدوع هاهنا.

وقال أبو عبيد : قدعتُ الرجلَ وأقدعتُه ، إذا كففتُه عنك. والقِدعة من الثياب : دُرّاعة قصيرة. وقال مُليحٌ الهذليّ :

بتلك عَلِقتُ الشوقَ أيامِ بِكرُها

قصيرُ الخُطَى في قِدعةٍ يَتعطَّفُ

وأمرأة قَدِعة : حيّيةٌ قليلة الكلام. وانقدعَ فلانٌ عن الشيء ، إذا استحيا منه.

والمِقدعة : عصاً يَقدع بها الإنسانُ عن نفسه. وتقادعَ القوم بالرّماح ، إذا تطاعنوا. وتقادعت الذِّبّان في المَرَق ، إذا تهافتت فيه.

وقال أبو مالك ؛ يقال : مرَّ به فرسُه يَقْدَع. ويقال : اقدعْ من هذا الشراب ، أي اقطع منه ، أي اشربه قِطَعاً قِطعاً.

وقال أبو العباس : المِجْوَل : الصُّدرة ، وهي الصِّدار ، والقِدعة ، والعِدقة.

١٤١

باب العين والقاف مع التاء

[ع ق ت]

استعمل من وجوهه : عتق ، قتع.

عتق : قال الله جلّ وعزّ : (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحَجّ : ٢٩] قال الحسن : هو البيت القديم ؛ ودليله قول الله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً) [آل عِمرَان : ٩٦]. وقال غيره : البيت العتيق أُعتِق من الغرقِ أيام الطُّوفان ، ودليله قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) [الحَجّ : ٢٦] ، وهذا دليلٌ على أن البيت رفع وبقي مكانه. وقيل إنه أُعتِق من الجبابرة ولم يدَّعه منهم أحدٌ.

أبو عبيدٍ عن الأصمعي : عَتَقَت الفرسُ ، إذا سبقت الخيلَ فنجَتْ. ويقال فلانٌ مِعتاق الوَسِيقة ، إذا أنجاها وسبقَ بها. ويقال عَتَّق بفيه يعتِّق ، إذا بزَمَ ، أي عضَّ. وعتَق التمرُ وغيره وعَتُق يعتق ، إذا صار قديماً. وعتُق فلانٌ بعد استعلاج ، إذا صار عتيقاً ، وهو رقّة الجلد. ورجلٌ عتيق وامرأة عتيقة ، إذا عَتَقا من الرِّقّة. ويقال هذا فرخ قطاةٍ عاتقٌ ، إذا كان قد استقلّ وطار ، ونُرى أنه من السَّبْق. وقال غيره : عَتَق من الرقّ يَعتق عِتقاً ، وعَتاقاً ، وعَتاقة. أبو عبيد عن الفراء قال : العِتْق : صلاحُ المال. يقال عتقتُ المالَ فَعَتَق. أي أصلحتُه فصَلَح.

وأخبرني الإيادي عن شمِر أنه قال : العاتق : الجارية التي قد أدركتْ وبلغَتْ ولم تتزوَّج بعدُ. وأنشد :

أقيدي دَماً يا أمَّ عمرٍو هرقتِهِ

بكفَّيك يوم السِّتْر إذ أنت عاتقُ

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال : العاتق : الجارية التي قد بلغت أن تدَّرع وعتَقَت من الصِّبا والاستعانة بها في مِهْنةِ أهلها ، سمِّيت عاتقاً بهذا.

وقال شمر : يقال لجيِّد الشراب عاتق. وقال الأصمعي : عتَقت منّي يمينٌ ، أي سبَقَتْ. وقال أوس :

عليَّ ألِيَّةٌ عَتَقَتْ قديما

وقال أبو زيد : أعتق يمينَه ، أي ليس لها كفّارة. قال : وقوله :

«عليّ أليّةٌ عتقت قديماً»

، أي لزمَتْني. وقال الليث : فرسٌ عتيقٌ : رائعٌ بيِّن العِتْق.

قال : والعاتقان : ما بين المنكبِين والعُتق ، والجميع العواتق. قال : والعاتق من الزِّقاق : الجيِّد الواسع. وقال لبيد :

أُغلِي السِّباءَ بكلِّ أدكنَ عاتقٍ

أو جَونةٍ قُدِحَتْ وفُتَّ خِتامُها

قلت : جعلَ العاتق تبعاً للأدكن ، لأنه أراد بكلّ أدكن عاتقٍ خمره التي فيه ، وهو كقوله «أو جونة قُدحت» وهي الخابية ، وإنما يُقدح ما فيها. والقَدْح : الغَرْف. والمعتَّقة : ضرب من العِطْر.

وأما قول عنترة :

كذَب العتيقُ وماءُ شَنٍ باردٌ

فإنه أراد بالعتيق التمرَ الذي قد عَتَق. خاطب امرأته حين عاتبتْه على إيثاره فرسَه بألبان إبله فقال لها : عليك بالتمر والماء البارد ، وذَرِي اللبن لفرسي الذي أحميكِ

١٤٢

بركوبي ظهره.

وعتِيق الطَّير هو البازي ، في قول لبيد :

كعتيق الطَّيرِ يُغْضي ويُجَلّ

وقال أبو عبيد : العاتق : الخمر القديمة.

قال : ويقال هي التي لم يفُضَّ ختامَها أحدٌ.

وقال حسَّان :

أو عاتقٍ كدم الذَّبيح مُدامِ

وقال الليث : المعتَّقة من أسماء الطِّلَا والخمر. وقال الأعشى :

وسَبِيّةٍ ممّا تعتِّق بابلٌ

كدم الذَّبيح سلبتُها جريالَها

وبَكْرةٌ عتيقة ، إذا كانت نجيبةً كريمة.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : كل شيء بلغ النهاية في جودةٍ أو رداءةٍ ، أو حُسْنٍ أو قُبحٍ ، فهو عتيق وجمعه عُتُقٌ. قال : والعتيق : التَّمر السِّهريز.

قتع : قال الليث : القَتَع : دُودٌ حُمر تأكل الخشب ، الواحدة قَتَعة. وقيل : القَتَع : الأَرَضة. وأنشد :

غادرتُهمْ باللِّوى صَرْعَى كأنهُم

خُشْبٌ تقصَّف في أجوافها القَتَعُ

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : هي السُّرْفة ، والقَتَعة ، والهِرنِصانة ، والْحُطيِّطة ، والبُطيِّطة ، والسَّرْوَعة ، والعَوَانة ، والطُّحَنة.

أبو عبيد : قاتَعه ، إذا قاتله. وهي المقاتعة.

باب العين والقاف مع الظاء

[ع ق ظ]

قعظ : أهمل غيرَ حرفٍ واحد جاء به العجاج :

أُقعِظوا إقعاظا

قال الليث : أقعظَني فلانٌ إقعاظاً ، إذا أدخلَ عليك مشقَّةً في أمرٍ كنت عنه بمَعزِل.

باب العين والقاف مع الذال

[ع ق ذ]

استعمل من وجوهه : عذق ، قذع ، ذعق.

عذق : قال الأصمعيّ وغيره : العَذْق بالفتح : النَّخلة نفسها ؛ والعذق بالكسر : الكِباسة ، وجمعه عُذوق وأعذاق. قال : وأعذَقَ الإذخرُ ، إذا أخرَجَ ثمرَه.

وقال ابنُ الأعرابي : عَذَق السَّخبَرُ ، إذا طال نباتُه ، وثمرته عَذَقةٌ. وخَبْراء العَذَق معروفة بناحية الصَّمَّان.

وقال الأصمعيّ : عذَقَ فلانٌ شاةً له ، إذا علَّق عليها صوفةً يَعرِفُها بها.

قلت : وقد سمعت غير واحدٍ من العرب يقول اعتذقت بكْرةً لأقتضبَها ، أي أعلمت عليها لنفسي.

وقال ابنُ الأعرابيّ : اعتذقَ الرجلُ واعتذبَ ، إذا أسبلَ لعمامته عَذَبتين من خلف. وقال أعرابيٌّ : مِنّا من عُذِق باسمه ، أي شُهر وعُرِف به. ويقال للذي يقوم بأمر النَّخْل وإباره وتذليل عُذوقه : عاذق. وقال كعب بن زهير يصف ناقةً له :

تنجو ويقطُر ذِفْراها على عُنقٍ

كالجِذْع شذَّب عنه عاذقٌ سَعَفا

ويقال : في بني فلانٍ عِذْقٌ كهل ، أي عزٌّ قد بلغَ غايتَه ، وأصله الكِباسة إذا أينعت ،

١٤٣

تضرب مثلاً للشرف القديم. قال ابنُ مُقْبل :

وفي غَطَفَانَ عِذْق صِدقٍ ممنَّعٌ

على رغم أقوامٍ من الناس يانعُ

فقوله عذقٌ يانع ، كقولك : عِزٌّ كهل ، وعِذْقٌ كهل.

وقال أبو تراب : سمعتُ عرّاماً يقول : كذبَتْ عَذَّاقته وعذّانته ، وهي استه. وامرأةٌ عَذَقانة ، وشَقَذانة ، وغَذَوانةٌ ، أي بذيَّةٌ سليطة. وكذلك امرأةٌ سَلَطانة وسَلَتَانة.

وفي «نوادر الأعراب» : فلانٌ عَذِق بالقلوب ولَبِق. وطِيبٌ عَذِق ، إذا كان ذكيَّ الريح طيّباً.

ذعق : قال الليث : الذُّعاق بمنزلة الزُّعاق : المُرّ. سمعنا ذلك من بعضهم ، فلا أدري ألغةٌ هي أو لُثغة.

قلت : ولم أسمع ذُعاق بالذال في شيء من كلام العرب ، وليس بمحفوظٍ عندي.

قذع : جاء في الحديث : «من رَوى في الإسلام هجاءً مُقْذِعاً فهو أحد الشاتِمَيْنِ». والهِجاء المُقْذِع : الذي فيه فُحش وقَذْفٌ وسَبٌّ يقبُح ذِكره. يقال أقذعَ فلانٌ لفلانٍ إقذاعاً ، إذا شَتَمه شتماً يُستفحَش ، وهو القَذْع. وقال الليث : قذعتُ الرجل أقذَعه قَذْعاً ، إذا رميتَه بالفُحش من القول.

قلت : ولم أسمع قَذَعت بغير ألفٍ لغير الليث. وقال العجّاج :

بل أيُّها القائلُ قولاً أقذَعا

أراد أنه أقذَع فيه ، وقيل أقذعا نعتٌ للقول ، أراد قولا ذا قَذَع.

وقال أبو زيدٍ عن الكلابيين : أقذعتُه ، بلساني إقذاعاً ، إذا قهرتَه بلسانك. وقذعته بالعصا ، إذا ضربتَه.

قلت : أحسب الذي رُوي لأبي زيد عن الكلابيين بالدال لا بالذال.

وروى أبو عبيد عن أبي عمرو : قدَعته عن الأمر ، إذا كففته ، وأقذعته بالذال ، إذا شتمتَه. وهذا هو الصحيح الغايةُ.

وقرأت في «نوادر الأعراب» : تقذَّعَ له بالذال والدال ، وتقذّح وتقزَّح ، إذا استعدَّ له بالشرّ.

وقال ابن دريد : ذَعقه وزَعقَه ، إذا صاح به وأفزعه.

قلت : وهذا من زيادات ابن دريد.

باب العين والقاف مع الثاء

[ع ق ث]

قعث ، عثق.

قعث : أبو عبيد عن أبي عمرو قال : إذا حفَن له من مالِه حَفنةً قال : قَعثْتُ له قَعثةً. وقال أبو زيد مثله. قال : وكذلك هِثْت هَيْثاً له ، إذا حَثَوتَ له.

وقال ابن المظفر : الإقعاث : الإكثار من العطيَّة.

قلت : وقد أباه الأصمعيّ. وقال رؤبة في أرجوزة له :

أقعَثَني منه بسيبٍ مُقْعَثِ

ليس بمنزورٍ ولا بريِّثِ

وقال الأصمعيّ : قد أساءَ رؤبة حين قال «بسَيبٍ مُقْعَثِ» فجعل سيبَه قعثاً ، وإنما

١٤٤

القَعْثُ الهيِّن اليسير.

وقال غيره : يقال إنه لقَعيث كثير ، أي واسع. ومطر قعيثٌ : غزير.

وروى ابن الفرج للأصمعي أنه قال : انقعثَ الجدارُ وانقعر وانقعف ، إذا سقط من أصله. وروى عنه أيضاً أنه قال : اقتعثَ الحافرُ اقتعاثاً ، إذا استخرجَ تراباً كثيراً من البئر.

قال أبو تراب : وقال عَرّام : القُعَاث : داءٌ يأخذ الغنَمَ في أنوفها. قال : وانقعثَ الشيء وانقعف ، إذا انقلع.

عثق : أهمله الليث. وقال أبو عمرو : سحابٌ متعثِّق ، إذا اختلطَ بعضُه ببعض. وفي «لغات هذيل» : أعثقت الأرضُ ، إذا أخصبَت.

باب العين والقاف مع الراء

[ع ق ر]

عقر ، عرق ، قرع ، قعر ، رقع ، رعق : مستعملات.

عقر : أبو عبيد عن أبي عبيدة : العاقر العظيم من الرمل. وعنه عن الأصمعيّ : العاقر من الرمال : الرَّملة التي لا تنبِتُ شيئاً.

وقال ابن شُمَيل : يقال ناقة عقير وجملٌ عَقير. قال : والعَقْر لا يكون إلّا في القوائم. عَقَره ، إذا قطع قائمةً من قوائمه. وقال الله في قصّة ثمود : (فَتَعاطى فَعَقَرَ) [القَمَر : ٢٩] ، أي تعاطَى الشقيُ عَقر الناقة فبلغَ ما أراد. قلت : والعَقْر عند العرب : كَسْف عرقوب البعير ، ثم جُعِل النَّحر عقراً لأنّ العَقْر سببٌ لنحره ، وناحِرُ البعير يَعقِره ثم ينحره.

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قيل له يومَ النَّفْر في أمر صفيّة : إنها حائض ، فقال : «عَقْرى حَلْقَى ، ما أُراها إلّا حابستَنا». قال أبو عبيد : معنى عَقْرَى عقَرها الله ، وحَلْقَى : حَلَقَها. وفقوله عقَرها يعني عقر جسَدها. وحَلَقَها : أصابها الله بوجعٍ في حَلْقها. قال أبو عبيد : أصحابُ الحديث يروونه «عَقْرَى حَلْقَى» ، وإنما هو «عَقْراً حَلْقاً». قال : وهذا على مذهب العرب في الدعاء على الشيء من غير إرادةٍ لوقوعه ، لا يراد به الوقوع.

وقال شمر : قلتُ لأبي عبيد : لم لا تجيز عَقْرَى؟ فقال : لأن فعَلَى تجيء نعتاً ، ولم تجىء في الدعاء. فقلتُ : روى ابن شُميل عن العرب : «مُطَّيرَى» وعَقرى أخفُّ منها؟ فلم ينكره وقال : صيِّروه على وجهين.

وفي حديث عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمّا مات قرأ أبو بكر حين صعِد إلى منبره فخطب : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزُّمَر : ٣٠] قال عمر : «فعَقِرتُ حتّى خَرَرتُ إلى الأرض» قال أبو عبيد : يقال عَقِر وبَعِل ، وهو مثل الدَّهَش.

وأخبرني المنذريّ عن إبراهيم الحربيّ عن محمود بن غيلان عن النضر بن شميل عن الهرماس بن حبيبٍ عن أبيه عن جدِّه قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عُيينةَ بن بدر حين أسلّمَ الناسُ ودجَا الإسلام ، فهجَم على بني عديّ بن جُندَب بذات الشُّقوق ، فأغاروا عليهم وأخذوا أموالهم حتّى أحضروها المدينةَ عند نَبِيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ،

١٤٥

فقالت وفود بني العنبر أُخِذنا يا رسولَ الله مسلمين غيرَ مشْركين حين خَضْرَمنا النَّعَم. فردَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذراريَّهم وعَقارَ بيوتهم. قال أبو الفضل : قال الحربيّ : ردّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذراريَّهم لأنه لم يَرَ أن يَسبيَهم إلَّا على أمرٍ صحيح ، ووجَدَهم مُقِرّين بالإسلام. قال إبراهيم : أراد بعَقار بيوتهم أرَضِيهم.

قلت : غلط أبو إسحاق في تفسير العَقَار هاهنا ، وإنما أراد بعقار بيوتهم أمتعةَ بيوتهم من الثياب والأدوات.

أخبرني المنذري عن أبي العباس عن ابن الأعرابيّ أنه قال : أنشدني أبو مَحْضَة قصيدةً وأنشدَني منها أبياتاً ، فقال : هذه الأبياتُ عَقَار هذه القصيدة ، أي خيارُها. قال : وعَقارُ البيت ونَضَده : متاعُه الذي لا يبتذَل إلا في الأعياد والحقوقِ الكبار. قال : ومنه قيل : البُهْمَى عُقْر الكلأ ، أي خير ما رعَت الإبل. وقال : بيتٌ حسنُ الأهَرة ، والظَّهَرَة ، والعَقار.

قلت : والقول ما قال ابنُ الأعرابيّ : وعَقار كلّ شيءٍ : خياره.

وقال أبو عبيد : سمعتُ الأصمعيّ يقول : عُقر الدار : أصلُها في لغة أهل الحجاز ، فأمّا أهل نجدٍ فيقولون عَقْر. قال : ومنه قيل العَقَار ، وهو المنزل ، والأرضُ ، والضِّياع. قال : وقال أبو عبيدة : العُقْر والعُقُر ، يخفّف ويثقّل : مؤخّر الحوض. قال : ويقال للناقة التي تشرب من عُقر الحوض عَقِرة.

وقال ابن الأعرابي : مَفْرغ الدلو من مؤخّره عُقْره ، ومن مقدَّمه إزاؤه.

قال أبو عبيد : العَقَاراء : اسم موضع.

وأنشد لحميد بن ثور يصف الخمر :

ركودُ الحُميَّا طَلَّةٌ شابَ ماءَها

لها من عَقاراء الكروم زَبيبُ

قال شمر : ويروى هذا البيت لحميد :

«لها من عُقارات الكروم رَبيبُ»

. قال : والعُقارات : الخمور. رَبيب ، من يربُّها ويملكها.

أبو عبيد عن الأصمعي : العُقار : اسم للخمر.

وروى شمرٌ عن ابن الأعرابيّ : سمّيت الخمر عُقاراً لأنها تَعقِر العقل. وقال غيره : سمِّيت عُقاراً لأنها تلزم الدَّنَّ. يقال عاقَره ، إذا لازمَه وداومَ عليه. والمعاقرة : الإدمان. وقيل : سمِّيت عقاراً لمعاقرتها الدنَّ ، أي ملازمتها إياه.

أبو عبيد عن الأصمعي قال : المِعقَر من الرِّحال : الذي ليس بواقٍ. قال أبو عبيد : لا يقال مِعقَرٌ إلّا لما كانت تلك عادتَه.

فأمّا ما عَقَر مَرَّةً فلا يكون إلّا عاقراً. قال أبو عبيد : وقال أبو زيد : سَرج عُقر.

وأنشد قول البَعيث :

ألحَّ على أكتافهم قَتَب عُقَرْ

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «خَمسٌ مَن قتلهنَّ وهو حرامٌ فلا جُناح عليه : العقرب ، والفأرة ، والغراب ، والحِدأ ، والكلب العقور». قال أبو عبيد : بلغني عن سفيان بن عيينة أنه قال : معناه كل سبع عَقور ولم يخصّ به الكلب. قال أبو

١٤٦

عبيد : ولهذا يقال لكل جارح أو عاقر من السباع : كلب عَقور ، مثل الأسد والفهد والنمر والذئب وما أشببهَا.

قلت : ولنساء الأعراب خَرزة يقال لها العُقَرَة ، يزعمن أنَّها إذا علِّقت على حَقْو المرأة لم تحمل إذا وطئت.

وروي عن ابن بزرج أنه قال : يقال امرأة عاقر ، ولقد عَقُرت أشدَّ العُقْر ، وأعقر الله رحمها فهي مُعقَرة ، وقد عَقُر الرجل مثل المرأة ، ورجال عُقُر ونساء عُقر. وقالوا : امرأة عُقَرة مثل هُمَزة ، وهو داء في الرحم. وأنشد ابن بزرج :

سقَى الكلابيُّ العُقيليَ العُقُرْ

قال : والعُقُر : كلُّ ما شربه إنسانٌ فلم يُولَد له ، فهو عُقُر له. قال : ويقال أيضاً عَقَرَ وعَقِر ، إذا عَقُر فلم يحمَل له. قال : وعُقَرة العلم النِّسيان. ويقال عَقرتُ ظهر الدابة ، إذا أدبرتَه فانعقر ، ومنه قوله :

عقرتَ بعيري يا امرأ القيسِ فانزلِ

وأما قوله :

ويوم عقرتُ للعذارى مطيّتي

فمعناه أنّه نحرها لهنَّ.

والعُقْر للمغتَصَبة من الإماء كمهر المثل للحُرَّة.

وبَيْضة العُقْر يقال هي بيضة الديك ، يقال إنه يبيض في السنة بيضة واحدة ثم لا يعود ، يضرب مثلاً للعطِية النَّزْرة التي لا يربُّها مُولِيها ببرٍّ يتلوها.

وقال الليث : بيضة العقر : بيضة الديك ، تُنسب إلى العُقر لأنَّ الجارية العذراء يُبلَى ذلك منها بيضة الديك ، فيعلم شأنها ، فتضرب بيضة الديك مثلاً لكلِّ شيء لا يستطاع مَسُّه رخاوةً وضعفاً.

وخلَّط الليث في تفسير عَقْر الدار وعُقْر الحوض ، فخالف بما قال الأئمةَ ، وقد أمضيت تفسيرهما على الصحة ، ولذلك أضربت عن ذكر ما قال الليث.

قال : وقال الخليل : سمعتُ أعرابيّاً من أهل الصَّمَّان يقول : كلُّ فُرجة تكون بين شيئين فهو عَقْر وعُقْر لغتان. قال : ووضع يديه على قائمتي المائدة ونحن نتغدَّى فقال : ما بينهما عُقْر. قال والعَقْر : القصر الذي يكون معتمداً لأهل القرية. وقال لبيد :

كعَقْر الهاجريّ إذا ابتناه

بأشباهٍ حُذِينَ على مثالِ

وقال غيره : العَقْر : القصر على أيّ حال كان.

وقال الليث : العقر : غيم ينشأ من قِبَل العين فيغشى عين الشمس وما حواليها.

قال : وقال بعضهم : العقر غيمٌ ينشأ في عُرض السماء ثم يقصِدُ على حياله من غير أن تبصره إذا مرَّ بك ، ولكن تسمع رعدَه من بعيد. وأنشد لحميد بن ثور يصف ناقة :

وإذا احزألَّت في المُنَاخ رأيتَها

كالعَقْر أفرده العَماءُ الممطرُ

قال : وقال بعضُهم : العَقْر في هذا البيت : القصر ، أفردَه العماء فلم يظَلِّلْه وأضاء لعين الناظر لإشراق نور الشمس عليه من

١٤٧

خلال السَّحاب.

وقال بعضهم : العَقْر : القطعة من الغمام.

ولكلٍّ مقال ؛ لأنَّ قطع السحاب تشبه بالقصور.

وأمّا قول لبيد :

لما رأى لُبَدُ النُّسورَ تطايرتْ

رفَعَ القوادمَ كالعقير الأعزلِ

من رواه «العقير» قال : شبَّه النَّسر لمَّا تساقطَ ريشُه فلم يَطِرْ بفرَسٍ كُسِف عرقوباهُ فلم يُحضِر. والأعزل : المائل الذنَب.

وقال بعضهم : عَقْر النخلة : أن يُكشَط ليفُها عن قُلْبها ويُستخرج جَذَبُها ، وهو جُمَّارُها ، فإذا فُعِل بها ذلك يبست ولم تصلح إلا للحطَب. يقال عَقر فلانٌ النخلةَ ، فهي معقورة وعقير.

ومعاقرة الخمر : إدمانُ شُربها ، أُخذ من عُقر الحوض ، وهو مقام الواردة ، فكأنَّ شاربَها يلازم شربها ملازمةَ الإبل الواردة عُقرَ الحوض حتّى تَروَى. ويقال رفع فلانٌ عقِيرتَه يتغنّى ، إذا رفع صوتَه بالغِناء. وأصله أن رجلاً أصيب عضوٌ من أعضائه وله إبلٌ اعتادت حُداءَه ، فانتشرت عليه إبلُه فرفَع صوته بالأنين لما أصابه من العقر في بدنه ، فتسمَّت له إبلُه فخُيِّلَ إليها أنَّه يحدو بها فاجتمعت وراعَتْ إلى صوته ، فقيل لكلِّ مَن رفع صوتَه بالغناء : قد رفَع عقيرتَه.

وأما قول طُفيل يصف هوادج الظعائن :

عَقاراً يظلُّ الطَّيرُ يخطف زهوَه

وعالَيْنَ أعلاقاً على كلِّ مُفْأمِ

فإن الأصمعيّ رفع العين من قوله «عُقارا» ، وقال : هو متاع البيت. وأما أبو زيد وابنُ الأعرابيّ فروياه «عَقارا» بالفتح ، وقد مرَّ تفسيره في حديث الهِرماس. وقال أبو زيد : عَقار البيت : مَتاعُه الحَسَن. قال : ويقال للنَّخل خاصّة من بين المال عَقَار.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : العُقَرة : خَرزةٌ تعلَّق على العاقر لتلد. قال : والقُرَرة : خرزة للعَين. والسُّلْوانة : خرزة للإبغاض بعد المحبّة.

وقال الأصمعيّ : العَقَر : أن يُسلّم الرجل قوائمه فلا يقدر أن يمشيَ من الفَرَق.

ويقال رجَعت الحربُ إلى عُقْرٍ ، إذا سكنت وعَقْر النَّوى : صرفها حالاً بعد حال. وقال أبو وَجْزةَ :

حلّت به حَلّةً أسماءُ ناجعة

ثم استمرت بِعقرٍ من نَوًى قَذَفِ

والعَقْر : موضع. والعُقير : قرية على شاطىء البحر بحذاء هَجَر.

وقال أبو سعيد : المعاقَرة : المُلاعَنة ، وبه سمَّى أبو عبيدةَ كتاب «المعاقرات». وكلأٌ عُقار : يَعقِر الإبلَ ويقتلُها. قال : ومنه سمِّي الخمر عُقاراً لأنها تعقر العقل. وقد قاله ابن الأعرابيّ. وعُقْر النار : مُعظَمها ووسطها ، ومنه قول الهذلي :

كأنَّ ظُباتِها عُقُرٌ بعيجُ

شبّه النصالَ وحدَّها بالجمرِ إذا سُخِيَ.

وتعقَّر شحم الناقة ، إذا اكتنز كلُّ موضع منها شحماً. ويقال عُقِر كلأُ هذه الأرض ،

١٤٨

إذا أُكل. وقد أعقرتك كلأَ موضع كذا فاعقِره ، أي ارعَهُ.

وأخبرني المنذريُّ عن أبي الهيثم أنه قال : العَقَّار والعقاقير : كل نبتٍ ينبُت ممّا فيه شفاء يُستَمشى به. قال : ولا يسمَّى شيءٌ من العقاقير فُوهاً ، يعني واحد أفواه الطِّيب إلَّا التي لها رائحةٌ تُشَمُّ.

ورُوى عن الشعبيّ أنه قال : ليس على زانٍ عُقرٌ. قال ابن شميل : عُقر المرأة : مَهرها ، وجمعه أَعقار. وقال أحمد بن حنبل : العُقر : المهر. وقال ابن المظفَّر : عُقر المرأة : دية فرجها إذا غُصِبت فَرجَها. وقال أبو عبيدة : عُقر المرأة : ثوابٌ تُثابُه المرأةُ من نكاحها.

ويقال عُقِرت ركيّتهم ، إذا هُدمت.

وقال أبو عبيد في باب البخيل يُعطى مَرّةً ثمّ لا يعود : «كانت بيضةَ الدِّيك». قال : فإن كان يُعطى شيئاً ثم يقطعه آخر الدهر قيل للمرة الأخيرة : «كانت بيضة العُقْر».

عرق : شمر : قال أبو عمرو : العِراق مياه بني سعد بن مالك ، وبني مازن بن عمرو بن تميم. ويقال : هذه إبلٌ عراقية. قال : وسمِّيت العِراق عِراقاً لقُربها من البحر.

قال : وأهل الحجاز يسمُّون ما كان قريباً من البحر عِراقاً. ويقال أعرق الرجلُ فهو مُعرِقٌ ، إذا أخَذَ في بلد العراقِ.

وقال أبو سعيد : المُعْرِقة : طريقٌ كانت قريش تسلكه إذا سارت إلى الشام تأخذ على ساحل البحر ، وفيه سلكت عيرُ قريش حين كانت وقعةُ بدر. ومن هذا قول عمر لسَلْمان : «أين تأخذ إذا صَدَرت ، أعلَى المُعْرِقة أم عَلى المدينة». وأخبرني المنذري عن إبراهيم الحربي أنه قال في تفسير الحديث الذي جاء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه «وقّتَ لأهل العراق ذات عِرق» قال : العِراق شاطىء البحر أو النهر ، فقيل العراق لأنّه على شاطىء دجلة والفرات حتى يتّصل البحر ، وهو اسمٌ للموضع. وعَلِمَ النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنهم سيُسلمون ويحجُّون ، فبيَّن ميقاتهم.

وقال الليث : العراق : شاطىء البحر على طوله ، وقيل لبلد العراق عِراقٌ لأنه على شاطىء دجلة والفرات عِدَاءً حتى يتَّصل بالبحر.

وقال أبو عبيد : قال الكسائي والأصمعي : أعرقنا ، أي أخذنا في العراق. وقال بعضهم : العراق مُعَرَّبٌ ، وأصله إيران فعرّبته العرب فقالت : عراق. قلت : والقول هو الأوّل.

وقال أبو زيد : استعرقت الإبل ، إذا رعَت قُرب البحر ، وكلُّ ما اتَّصل بالبحر من مَرعًى فهو عِراق.

وقال أبو عبيد : قال أبو زيد : إذا كان الجِلد في أسافل الإداوة مثْنيّاً ثم خُرِزَ عليه فهو عِراق ، فإذا سُوِّي ثُمَّ خُرِزَ عليه غير مَثنيٍّ فهو طِباب.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ ، قال : العُرُق : أهل الشرف ، واحدهم عَريق وعَرُوق. قال : والعُرُق : أهل السَّلامة في الدين. وغلامٌ عَريق : نحيف الجسم

١٤٩

خفيف الرُّوح. والمِعْرق : حديدة يُبرَى بها العُراق من العِظام. يقال عَرقت ما عليه من اللحم بمِعرق ، أي بشفرة.

وفي حديثٍ مرفوع أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أُتِيَ بعَرَقٍ من تَمْر.

هكذا رواه ابن جَبَلة وغيره عن أبي عُبيد ، وأصحاب الحديث يخفّفون فيقولون عَرْق.

وقال أبو عبيد : قال الأصمعيّ : العَرَق : السَّفيفة المنسوجة من الخُوص قبل أن يسوَّى منها زَبيلٌ ، فسمِّي الزَّبيل عَرَقاً لذلك ، ويقال له عَرَقَةٌ أيضاً. قال : وكذلك كلُّ شيء يصطفُّ ، مثل الطَّير إذا اصطفَّتْ في السماء ، فهو عَرَقة. وقال غيره : وكذلك كلُّ شيء مضفورٍ عَرْضاً فهو عَرَق. وقال أبو كبير الهذليّ :

نغدو فنترك في المزاحف مَن ثَوى

ونُمِرُّ في العَرقات من لم نقتلِ

يعني نأسرهم فنشُدُّهم في العَرَقات ، وهي النُّسوع.

وفي حديث آخر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قال مَن أحيا أرضاً مَيْتةً فهي له ، وليس لعرقٍ ظالم حقّ». قال أبو عبيد : قال هشام بن عروةً ـ وهو الذي روى الحديث ـ العِرق الظالم : أين يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجلٌ قبلَه فيَغرِس فيها غَرساً ، أو يُحدث فيها شيئاً ليستوجب به الأرض.

فلم يجعل له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم به شيئاً ، وأمره بقلع غِراسه ونقض بنائه ، وتفريغه لمالكه. وفي حديث آخر رُوي عن عِكراش بن ذؤيب أنه قدم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بإبلٍ من صَدَقات قومه كأنها عُروق الأرطَى. قلت : عُروق الأرطى طِوالٌ ذاهبةٌ في ثرى الرمال الممطورة في الشتاء ، تراها إذا استُخرِجت من الثَّرى حُمراً تقطر ماءً وفيها اكتناز. فشبَّه الإبل في ألوانها وسمنها وحسنها واكتناز لحومها وشحومها ، بعُروق الأرطى. وعُروق الأرطى يقطُر منها الماءُ لانسرابها في رِيّ الثَّرى الذي انسابت فيه. والظِّباء وبقر الوحش تجيء إليها في حمراء القيظ فتستثيرها من مساربها وتترشّف ماءها ، فتَجزأ به عن ورود الماء. وقال ذو الرّمة يصف ثوراً حفر أصل أرطاة ليكنس فيه من الحَر فقال :

تَوخّاه بالأظلاف حتّى كأنّما

يُثير الكُبابَ الجعدَ عن مَتنِ مِحمَلِ

الكُباب : ما تكبَّب من الثرى وجَعُد لرطوبته. والمِحْمَل : حِمالة السَّيف من السُّيور. شبّه حمرةَ عروقِ الأرطى بحمرتها.

وفي حديث آخر أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «دخل على أمِّ سلمة وتناول عَرْقاً ثم صلَّى ولم يتوضأ». العَرْق جمعُه عُراق ، وهي العظام التي اعترِق منها هَبْر اللحم وبقيَ عليها لحومٌ رقيقة طيّبة ، فتكسَّر وتُطبَخ ، ويؤخذ إهالتها من طُفاحتها ، ويؤكل ما على العظام من عُوَّذ اللحم الرقيق ، ويُتمَشش مُشاشُها. ولحمُها من أمرأ اللُّحمان وأطيبها. يقال عرقت العظم وتعرَّقته واعترقتُه ، إذا أخذت اللحمَ عنه نَهْساً بأسنانك. وعظمٌ معروق ، إذا نُفِيَ عنه لحمُه.

وأنشد أبو عبيد لبعض الشُّعراء :

١٥٠

ولا تُهدِي الأمرَّ وما يليه

ولا تُهدِنَ معروقَ العظامِ

والعُرام مثل العُراق ، قاله الرياشيّ. يقال عَرَمت العظم أعرُمه. قال : والعِظامُ إذا كان عليها شيء من اللحم تسمَّى عُراقاً. وإذا جرِّدت من اللحم تسمَّى عُراقاً أيضاً ، وهو قول أبي زيد.

وفرسٌ معروق ومُعتَرق ، إذا لم يكن على قصبه لحْمٌ. وقال الشاعر :

قد أشهد الغارةَ الشَّعواءَ تَحملني

جرداءُ معروقة اللَّحيينِ سُرحُوبُ

وإذا عرِي لَحْياها من اللحم فهو من علامات العِتْق.

وفرس معرَّق ، إذا كان مضمَّراً ، يقال عرّق فرسَه تعريقاً ، إذا أجراه حتى سال عَرقُه وضَمَر وذهب رَهَلُ لحمه.

والعريق من الخيل : الذي له عِرْقٌ كريم.

وقد أعرقَ الفرسُ ، إذا صار عريقاً كريماً.

والعرب تقول : إنَّ فلاناً لمُعرَقٌ له في الكرم ، وفي اللؤم أيضاً. ويقال أعرق في أعمامه وأخواله وعرَّقُوا فيه. وقال عمر بن عبد العزيز : إن امرأ ليس بينه وبين آدم أبٌ حَيٌ لمُعْرَق له في الموت.

ويقال أعرقتِ الشجرةُ ، إذا انساب عروقُها في الأرض. وتعرّقَتْ مثله.

والعروق : عُروق نباتٍ فيها صُفرة يصبغ بها. ومنها عروق حُمر يصبَغ بها أيضاً.

أبو عبيد عن الأصمعي : العَرَقة : الطُّرَّة. تنسج على جوانب الفُسطاط. والعَرَقة : خشبة تُعرض على الحائط بين اللَّبِن. وجَرَى الفرس عَرَقاً أو عَرَقين ، أي طَلَقاً أو طَلَقين. والمُعْرَق من الشراب : الذي قُلِّل مِزاجُه ، كأنّه جُعل فيه عِرقٌ من الماء. والعَرَق : السَّطْر من الخيل ، وهو الصفّ. وقال طُفيلٌ الغَنَوَيُّ يصف الخيل :

كأنّهنَّ وقد صَدَّرن مِن عَرَقٍ

سيدٌ تمَطَّرُ جُنْحَ اللَّيلُ مبلولُ

قال شمِر : صدَّرن ، أي أخرجن صدورهنَّ من الصفّ ، زعم ذلك أبو نصر. قال : وخالفه ابنُ الأعرابي فرواه «صُدِّرنَ من عَرَق» ، أي صُدِّرن بعد ما عَرِقْن ، يذهب إلى العَرَق الذي يخرج منهنَّ إذا أُجرِينَ.

وقال ابن الأعرابيّ : أعرقت الكأس وعرّقتها ، إذا أقللتَ ماءها. وأنشد قول القطامي :

ومصرَّعِينَ من الكَلالِ كأنَّما

شرِبوا الطِّلاءَ من الغبوقِ المُعْرَقِ

قال : وعرَّقت في الدَّلو وأعرقت فيها ، إذا جعلتَ فيها ماءً قليلاً وأنشد هو أو غيره :

لا تملأ الدَّلوَ وعرِّقْ فيها

ألَا تَرَى حَبارَ من يسقيها

وفي حديث عمر أنه قال : «ألَا لا تُغالوا صُدُقَ النِّساء فإنّ الرجل يغالي بصداقها حتى يقول جَشِمتُ إليكِ عَرَق القِربة». قال أبو عبيد : قال الكسائي : عَرَق القِربة : أن يقول نَصِبتُ لكِ وتكلَّفتُ حتى عرِقتُ كعرَق القِربة. وعَرَقَها : سيلان مائها. قال : وقال أبو عبيدة : عَرَق القِربة : أن يقول تكلَّفتُ إليك ما لم يبلغه أحدٌ حتّى جَشِمتُ ما لا يكون ؛ لأن القربة لا تعرق.

١٥١

وهذا مثلُ قولهم : «حتّى يَشيب الغُرابُ ويبيضَّ القار» وقال شمر : قال ابن الأعرابي : عَرَق القِربة وعلَقها واحد ، وهو مِعلاقٌ تُحمَل به القِربة.

قال : ويقال فلانٌ عِلْق مَضِنَّةٍ وعِرقُ مَضَنَّةٍ ، بمعنى واحد ، سمِّي عِلْقاً لأنّه عَلِق به لحبِّه إياه. يقال ذلك لكلِّ ما أحبَّه.

وقال أبو عبيد : وقال الأصمعيّ : عَرَق القربة كلمة معناها الشدَّة. قال : ولا أدري ما أصلها. وأنشد قول ابن الأحمر :

ليست بمَشْتَمةٍ تُعدُّ وعَفوُها

عَرَق السِّقاء على القَعود اللاغبِ

قال أبو عبيد : أراد أنّه يسمع الكلمةَ تغيظه وليست بمشتمةٍ فيأخذ بها صاحبها وقد أُبلِغَتْ إليه كعَرَق السِّقاء على القَعود اللاغب وأراد بالسِّقاء القربة.

وقال شمر : والعَرَق : النَّفْع والثَّواب. تقول العرب : اتَّخذْت عند فلانٍ يداً بيضاء وأخرى خضراءَ فما نِلتُ منه عَرَقاً.

وأنشد :

سأجعلُه مكانَ النُّون منِّي

وما أُعطِيتُه عَرَقَ الخلالِ

يقول : لم أُعطَه للمخالَّة والموادَّة كما يُعطى الخليلُ خليلَه ، ولكنّي أخذتُه قَسراً. أبو عبيد عن أبي زيد : يقال لقيتُ منه ذاتَ العَرَاقِي ، وهي الداهية. قال : وقال الأصمعيّ : يقال للخشبتين اللتين تُعرَضان على الدَّلو كالصَّليب : العَرْقُوَتان ، وهي العَراقي. وقال الكسائيّ : يقال إذا شددتهما عليها : قد عَرقَيتُ الدَّلوَ عَرقاةً. وقال الأصمعيّ أيضاً : العَرقوتان : الخشبتان اللتان تضُمّان ما بين واسط الرّحل والمؤخّرة. والعرب تقول في الدُّعاء على الرجُل : استأصل الله عِرقاتَهُ ، ينصبون التاء لأنهم يجعلونها واحدة مؤنثة.

وقال الليث : العِرقاة من الشجر أرومُه الأوسط ، ومنه تنشعب العروقُ ، وهي على تقدير فِعلاة.

قلت : ومن كسر التاء في موضع النصب وجعلها جمع عِرْقةٍ فقد أخطأ.

وقال شمر : قال ابن شميل : العَرقُوة أكَمة تنقاد ليست بطويلة في السَّماء ، وهي على ذلك تُشرِف على ما حولها ، وهي قريبٌ من الرَّوض أو غير قريب من الرّوض. قال : وهي مختلفة ، مكانٌ منها ليِّن ومكانٌ منها غليظ ، وإنما هي جانبٌ من أرضٍ مستوية ، مشرفٌ على ما حوله. والعَرَاقي : ما اتَّصل من الإكام وآضَ كأنّه حَرفٌ واحدٌ طويل على وجه الأرض. وأما الأكمة فإنها تكون ملمومة. وأما العَرقُوةُ فتطول على وجه الأرض وظهرِها ، قليلة العرض ، لها سَنَدٌ ، وقُبْلها نِجافٌ وبِرَاقٌ ، ليس بسهلٍ ولا غليظ جداً ، يُنبت ، فأمّا ظهره فغليظٌ خَشِنٌ لا يُنبت خيراً.

وقال أبو خيرة : العَرقُوة والعَراقي : ما غلُظ منه فمنعَكَ من عُلوِّه.

قلت : وبها سمِّيت الدَّاهيةُ العظيمة ذاتَ العراقي ، ومنه قول عوفِ بن الأحوص :

لقِينا من تدرُّئكم علينا

وقَتْلِ سَراتنا ذاتَ العَرَاقي

١٥٢

ويقال : إنّ بغنَمك لعِرْقاً من لبن ، قليلاً كان أو كثيراً.

وقال أبو عمرو : العِراق تقارب الخَرْز ، يضرب مثلاً للأمر فيقال : لأمره عِرَاقٌ ، إذا استوى. وإذا لم يستو قيل : ليس لأمره عِراق. ويقال عَرَقْت القربةَ فهي معروقة من العِراق.

وقال أبو زيد : يقال ما أكثَرَ عَرَقَ غنمِه ، إذا كثُر لبنُها عند ولادِها.

وقال الليث : اللبَن : عَرَق : بتحلَّب في العروق حتَّى ينتهيَ إلى الضَّرْع. وقال الشمّاخ يصف إبلاً :

تُضحي وقد ضَمِنَتْ ضَرّاتُها عَرَقاً

من ناصع اللَّون حُلو الطَّعم مجهودِ

قلت : ورواه الرواةُ «غُرَقاً» ، وهو جمع الغُرقة ، وهي الجُرعة من اللَّبَن.

وقال الليث : لبَن عَرِقٌ ، وهو الذي يُخضُّ في السِّقاء ويعلَّق على البعير ليس بينه وبين جنب البعير وِقاء ، فيعرق ويفسد طعمُه من عَرَقه. قال : والعِرق : الحَبْل الصغير. وقال الشماخ :

ما إنْ يزال لها شأوٌ يقدِّمها

مُحرَّبٌ مثلُ طوطِ العِرق مجدولُ

وفي «النوادر» : يقال تركتُ الحقَ مُعْرِقاً وصادحاً ، وسائحاً ، أي لائحاً بيّناً.

أبو عبيد عن الكسائيّ : عَرَق في الأرض عُروقاً ، إذا ذهبَ فيها. وقال غيره : العِرْق الواحد من أعراق الحائط ؛ يقال رفَع الحائط بعِرقٍ أو عِرْقين. ورجلٌ عُرَقةٌ : كثير العَرَق. وقد تعرَّقَ في الحمّام.

قعر : قال الله جلّ وعزّ : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القَمَر : ٢٠] معنى المنقعر المنقلع من أصله. وقال ابن السكّيت : يقال قعرتُ النخلةَ ، إذا قلعتَها من أصلها حتّى تسقُط.

وقد انقعرت هي. وقال لبيد يرثي أخاه :

وأربَدُ فارسُ الهيجا إذا ما

تقعّرت المَشاجر بالفئامِ

وأخبرني الإياديّ عن شمر عن ابن الأعرابيّ أنّه قال : صحّف أبو عبيدة في مجلسٍ واحدٍ في ثلاثة أحرف فقال : ضربته فانعقر ، وإنما هو فانقعر. وقال : في صدره حَشك والصحيح حَسَك. وقال : شُلَّت يدُه ، والصواب شَلَّت يده.

أبو عبيدٍ عن الكسائيّ : إناءٌ نَصْفانُ وشَطْرانُ : بلغ ما فيه شَطرَه ، وهو النِّصف. وإناءٌ قَعرَانُ : في قعره شيء. ونَهْدَانُ ، وهو الذي علا وأشرفَ. والمؤنّث من هذا كلِّه فَعْلَى. وقال الكسائيّ : قَعَرْتُ الإِناءَ ، إذا شربتَ ما فيه حتّى تنتهي إلى قَعْرهِ. وأقعرْت البئر ، إذا جعلتَ لها قعراً. ويقال بئر قَعِيرة ، وقد قَعُرتْ قَعارةً. وقَعَرتُ شجرةً من أَرومتها فانقعرت. وامرأة قعيرةٌ وقَعِرةٌ ، نَعتُ سَوءٍ في الجماع. وقَعر كلِّ شيءٍ : أقصاه. وقعَّر الرجلُ ، إذا روّى فنظر فيما يَغمُضُ من الرأي حتَّى يستخرجه.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : القَعَر : العقل التامّ. ويقال هو يتقعَّر في كلامه ، إذا كان يتنحَّى وهو لحَّانة ، ويتعاقل وهو هِلباجة. وقال أبو زيد : يقال ما خرجَ من أهل هذا القعر أحَدٌ مثله ، كقولك : من أهل هذا

١٥٣

الغائط ، مثل البصرة والكوفة.

وقال ابن الأعرابيّ : قالت الدُّبيرية : القَعْر : الجَفْنة ، وكذلك المِعجَن ، والشِّيزى والدَّسيعة. روى ذلك الفراء عن الدُّبيريّة.

قرع : يقال أقرعت بين الشُّركاء في شيء يقتسمونه فاقترعوا عليه وتقارعوا فقرعَهم فلان وهي القُرعة.

ورُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ رجلاً أَعتق ستّةَ أعبدٍ له عند موته لا مال له غيرهم ، فأقرعَ بينهم وأعتق اثنين وأرَقَّ أربعة.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابي. قال القَرَع والسَّبَق والنَّدَب : الخَطَر الذي يُستَبَقُ عليه.

أبو عبيد عن الأصمعي قال : القَرَع : بثْرٌ يخرج بأعناق الفُصلان وقوائمها ، فإذا أرادوا أن يعالجوها نَضَحوها بالماء ثم جرُّوها في التُّراب. يقال قرَّعت الفصيلَ تقريعاً. وقال أوس بن حجَر يذكر الخيل :

لدى كلِّ أخدود يغادرنَ دارِعاً

يُجَرُّ كما جُرَّ الفصيلُ المُقَرَّعُ

ومن أمثالهم السائرة : «استنَّتِ الفِصالُ حتَّى القَرْعَى» ، يُضرب مثلاً لمن تعدَّى طورَهُ وادّعى ما ليس له.

وقال شمر : العوامُّ يقولون : «هو أحَرُّ من القَرْع» ، وإنما هو من القَرَع. والقَرَع : قَرَعُ الفِناء من المرعى ، وقَرَعُ مأوى المال ومُراحها من المال. ويقال أيضاً قَرِعَ فِناءُ فلانٍ ، إذا لم تكن له غاشيةٌ يَغْشَونه. وقال الهذليّ :

وخذَّالٌ لمولاه إذا ما

أتاه عائلاً قَرِع المُراحِ

والقَرَع : قرَع الكرش ، وهو أن يذهب زئبُره ويرقّ في شدّة الحرّ. والقَرَع : قَرَع الرأس ، وهو أن يَصلَع فلا يبقى على رأسه شعر ، يقال رجلٌ أقرع وامرأة قرعاء.

وقال ابن الأعرابيّ : قرعاء الدار : ساحتها.

وقال النضر : أرض قرِعة : لا تنبت شيئاً.

والقرعاء : مَنْهَلة من مناهل طريق مَكَّة بين العَقَبة والعُذَيب. وجاء فلانٌ بالسَّوءَة القرعاء والسَّوءة الصَّلعاء ، وهي المنكشفة. وأصبحت الرياضُ قُرْعاً : قد جَرَدتها المواشي فلم تَدَع بها شيئاً من الكلأ.

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يجيء كنز أحدهم يوم القيامة شجاعاً أقرعَ له زَبيبتان» قال أبو عمرو : هو الذي لا شعرَ على رأسه.

وقال أبو عبيد : والشُّجاع : الحيّة ، وسمي أقرعَ لأنَّه يَقرِي السّمَّ ويجمعه في رأسه حتَّى يتمعَّط منه فروةُ رأسه. وقال ذو الرمّة يصف حيّة :

قرى السمَّ حتّى انمازَ فروةُ رأسِه

عن العظم صِلٌّ فاتك اللَّسعِ ماردُه

وقال أبو عمرو : أمّا قولهم ألفٌ أقرعُ فهو التَّامّ.

وقال ابن السكيت : تُرسٌ أقرعُ ، إذا كان صُلباً ، وهو القَرَّاع أيضاً. وقال أبو قيس ابن الأسلت :

١٥٤

ومُجْنأ أسمرَ قرّاعِ

وقال آخر :

فلما فَنَى ما في الكتائب ضاربوا

إلى القُرْع من جِلد الهِجانِ المجوَّبِ

أي ضَربوا بأيديهم إلى التِّرَسةِ لمّا فنيت سهامُهم. وفَنَى بمعنى فَنِيَ في لغة طيِّىء.

وقِدْح أقرع ، وهو الذي حُكَّ بِالحصى حتّى بدت سَفاسِقُه ، أي طرائقه. وعُودٌ أقرع ، إذا قَرِع من لحائه.

والقريع : الفحل الذي يُصَوَّى للضِّراب.

ويقال فلانٌ قَرِيعُ الكتِيبة وقِرِّيعها ، أي رئيسها.

وقال ابن السكيت : قريعةُ البيت : خير موضع فيه ، إن كان في حَرٍّ فخيارُ ظِلِّه ، وإن كان في برد فخيار كِنِّه. وقُرعة كلِّ شيء خيارُه. ويقال إنّ ناقتك لقريعة ، أي مؤخرة للضَّبَعة. وقد قَرَع الفحل الناقةَ ، إذا ضربَها. واستقرعت الناقة ، إذا اشتهت الضراب ، وكذلك البقرة.

والقُرعة : الجِرابُ الواسع يُلقَى فيه الطّعام. وقال أبو عمرو : القُرعة : الجرابُ الصغير ، وجمعها قُرَعٌ ، رواه ثعلب عن عمرو عن أبيه.

وأخبرني المنذريّ عن الحربي أنه قال في حديث عمّار قال : قال عمرو بن أسد بن عبد العُزَّى حين قيل له : محمد يخطب خديجة ، قال : نِعم البُضْع لا يُقرَع أنفه.

قال أبو إسحاق : قوله «لا يُقرَع أنفه» كان الرجل يأتي بناقة كريمة إلى رجل له فحلٌ يسأله أن يُطرقَها فحلَه ، فإنْ أخرجَ إليه فحلاً ليس بكريمٍ قرعَ أنفه وقال : لا أريده.

وهو مَثلٌ للخاطب الكفيء الذي لا يُرَدُّ إذا خطبَ كريمةَ قوم.

وفي حديث آخر : «قَرِع المسجدُ حين أصيبَ أصحابُ النَّهْر». قال الحربي : معنى قوله «قَرِع المسجدُ» أي قلّ أهله ، كما يَقرع الرأسُ إذا قلَّ شعره.

وفي حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لما أتى على مُحَسِّر «قَرَع راحلتَه» ، أي ضربها بسوطه.

قال : وحدّثني أبو نصر عن الأصمعي ، يقال «العَصَا قُرِعتْ لذي الحلم» ، يقول :

إذا نُبِّه انتبَه. وأنشد :

لذِي الحلمِ قبلَ اليوم ما تُقرَعُ العصا

وما عُلِّم الإنسانُ إلّا ليعلما

قال : وقال الأصمعيّ : يقال فلانٌ لا يُقرع ، أي لا يرتدع.

قال : وقَرَع فلانٌ سِنَّهُ ندماً. وأنشدنا أبو نصر :

ولو أنّي أطعتُك في أمورٍ

قَرعتُ ندامةً من ذاك سِنّي

قال. وأخبرني أبو نصر عن الأصمعيّ قال : قارعة الطريق : ساحتُها. وقَرِع المُراح ، إذا لم يكن فيه إبل. وقارعة الطريق : أعلاه.

وأنشد لبعضهم ، ويقال إنه لعمر بن الخطَّاب :

متى ألقَ زِنباعَ بن رَوحٍ ببلدة

لي النِّصف منها يَقرع السنَّ مِن نَدَم

وكان زنباع بن رَوْح في الجاهلية ينزلُ مَشارفَ الشام ، وكان يَعْشُر من مَرَّ به ، فخرجَ في تجارة إلى الشام ومعه ذَهَبَة قد

١٥٥

جعلها في دَبِيل وألقَمَها شارفاً له ، فنظر إليها زنباعٌ تَذرِف عيناها فقال : إنّ لها لشأناً. فنحرها ووجد الذهبةَ ، فعَشَرها ، فقال عمر هذا البيت.

وفي حديث آخر أن عُمر أخذ قَدَحَ سَويقٍ فشرِبَه حتى قرعَ القدحُ جبينَه. قال إبراهيم : يقال قرعَ الإناء جبهةَ الشارِبِ ، إذا استوفَى ما فيه. وأنشد :

كأنَّ الشُّهبَ في الآذان منها

إذا قَرَعوا بحافتها الجبينا

قال : وفي حديث أبي أمامة أن النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «مَن لم يغْزُ أو يجهِّزْ غازياً أصابه الله بقارعة». قال : وأخبرني أبو نصر عن الأصمعي : يقال أصابته قارعة ، يعني أمراً عظيماً يقرعُه. وقال الكسائيّ : القارِعةُ : القيامة. وقاله الفراء.

وقال أبو إسحاق : والقرَّاع : طائر له منقارٌ غليظ أعقف ، يأتي العُودَ اليابسَ فلا يزال يَقرعُه حتى يدخُلَ فيه. قال : واقتُرِع فلانٌ ، إذا اختير ، ومنه قيل للفحل قريع.

وقال أبو عمرو : القِراع : أن يأخذ الرجل الناقة الصَّعبةَ فيُربِضَها للفحل فيبسُرها. يقال قرِّع لجملِك. وقريعة الإبل : كريمتها. والمُقْرَع : الفحل يُعقَل فلا يُترك أن يضرب في الإبل ، رغبةً عنه. قال : وتميمٌ تقول : خُفَّانِ مُقْرَعانِ ، أي مُنقلان. وأقرعت نعلي وخُفِّي ، إذا جعلتَ عليها رُقعةً كثيفة. قال : والقريع من الإبل : الذي يأخذ بذراع الناقة فينيخها.

وأخبرني أبو نصرٍ عن الأصمعيّ قال : إذا أسرعت الناقةُ اللَّقَح فهي مِقراع. وأنشد :

ترى كلَ مِقراعٍ سريعٍ لقاحُها

تُسِرُّ لِقاحَ الفحل ساعةَ تُقرَعُ

وقرعَ التَّيْسُ العَنْز ، إذا قفطَها.

أبو عبيد عن الأمويّ : يقال للضأن قد استوبلت ، وللمعزى استدَرَّت. وللبقر : استقرعت ، وللكلبة : استحرمت.

وقال النضر : القَرْعة : سِمَةُ على أيبَسِ الساق ، وهي رَكزَةٌ بطرف المِيسَم ، وربَّما قُرعَ قرعةً أو قرعتين. وبعير مقروع وإبل مقرّعة.

أبو عبيد عن الأصمعي : يقال فلان لا يُقرَع ، أي لا يرتدِع. فإذا كان يرتدع قيل رجلٌ قَرِع ويقال أقرعته ، إذا كففتَه.

وقال رؤبة :

دَعني فقد يُقرِع للأضزِّ

صكَّى حجاجَيْ رأسِه وبَهزي

وقال أبو سعيد : يقال فلانٌ مُقْرِعٌ له ومُقْرِن له ، أي مطيق ، وأنشد بيت رؤبة هذا. فقد يكون الإقراع كفّاً ، ويكون إطاقةً. وقال رؤبة في الكفّ :

أقرعَه عنّي لجامٌ يُلجمُه

أبو عبيد عن الفراء : أقرعتُ إلى الحقِ إقراعاً ، إذا رجعتَ إليه.

وقال ابنُ السكيت : قرَّع الرجلُ مكانَ يده من المائدة فارغاً ، أي جعله فارغاً.

أبو عبيد عن الفراء : بتُ أتقرَّعُ البارحةَ ، أي أتقلَّب. قال : وقرّعتُ القوم ، أي أقلقتُهم. وأنشد الفراء :

يقرِّع للرجال إذا أتَوه

ولِلنِّسوان إن جئن السَّلامُ

١٥٦

وقال غيره : قرّعتُ الرجلُ إذا وبَّختَه وعذَلته. ومرجعه إلى ما قال الفراء.

واستقرعَ حافرُ الدابة ، إذا اشتدَّ. واستقرع الكرِشُ ، إذا استوكَعَ. والأكراش يقال لها القُرْع. وقال الراعي :

رعَينَ الحَمْضَ حَمضَ خُناصراتٍ

بما في القُرع من سَبَل الغوَادِي

قيل : أراد بالقُرع غُدراناً في صلابة من الأرض. والأكراش يقال لها قُرعٌ ، إذا ذهب خَملُها. ومكان أقرع : شديدٌ صلب ، وجمعه الأقارع. وقال ذو الرّمة :

كَسا الأكمَ بُهَمَى غَضَّةً حبشيّةً

تؤاماً ونُقعانَ الظهور الأقارعِ

ويقال أقرع المسافر ، إذا دنا من منزله.

وأقرعَ دَارَه آجُرّاً ، إذا فرشَها بالآجرّ.

وأقرعَ الشَّرُّ ، إذا دام. وأقرعَ الرجلُ عن صاحبه وانقرعَ ، إذا كفّ.

وفي حديث علقمة أنه كان يقرِّع غنمَه ، أي يُنْزِي التَّيسَ عليها.

أبو عمرو : القَروع من الركايا : التي تُحفَر في الجبل من أعلاها إلى أسفلها. وقال الفرّاء : هي القليلة الماء. وأقرعَ الغائص والمائح ، إذا انتهى إلى الأرض. والقرّاعة والقدّاحة : التي يُقتدح بها النار. والقِراع والمقارعة : المضاربة بالسُّيوف. والقَرْع : حَمْل اليقطين. وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحبُ القَرْع. ويقال قوارعُ القرآن : الآيات التي من قرأها أمِنَ ، مثل آية الكرسيّ وآيات آخر سورة البقرة.

وقول الله سبحانه : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ) [الرّعد : ٣١] وقيل في التفسير : سِرّيةٌ من سَرايا رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ومعنى القارعة في اللغة : النازلة الشديدة تنزِل عليهم بأمرٍ عظيم ؛ ولذلك قيل ليوم القيامة القارعة.

ويقال أنزلَ الله قَرعاءَ وقارعة ومُقْرِعة ، وأنزلَ به بيضاء ومبيضة ، وهي المصيبة التي لا تدَعُ مالاً ولا غيره.

والمِقْرعة : التي يُضرَب بها الدابّة.

والإقراع : صكُّ الحمير بعضِها بعضاً بحوافرها. وقال رؤبة :

أو مُقْرَعٌ من ركضها دامى الزَّنَقْ

عمرو عن أبيه : القريع : المقروع.

والقريع : الغالب.

ثعلب عن ابن الأعرابي : يقال : قَرَعَ فلانٌ في مِقْرعهِ ، وقَلَد في مِقْلده ، وكَرص في مِكرصه ، وصَربَ في مِصربه ، كلُّه السِّقاء والزِّقّ. قال : والمِقْرع : وعاءٌ يُجبَى فيه التَّمر ، أي يجمع.

وقال أبو عمرو الشيباني : يقال إنما قَرَعناك واقترعناك ، وقَرحناك واقترحناك ، ومَخَرْناك وامتَخَرْناك ، وانتضلناك ، أي اخترناك.

ثعلب عن ابن الأعرابي : قَرِع الرجل إذا قُمِر في النضال. وقَرِع ، إذا افتقرَ. وقرِع ، إذا اتَّعظ.

ابن السكيت : القَرِيعة والقُرعة : خيار المال. ويقال قد أقرعوه ، إذا أعطوه خيرَ النَّهب. ويقال ناقة قريعة ، إذا كان الفحل يكثر ضرابها ويبطىء لقاحها.

١٥٧

رقع : قالوا : الرقيع : الرجل الأحمق ، سمي رقيعاً لأن عقله كأنّه قد أخلقَ واسترمَّ واحتاج إلى أن يُرقَع برُقعة. ورجلٌ مَرْقَعانٌ وامرأةٌ مَرْقَعانة. وقد رقُع يرقُع رقاعة.

ويقال رقَعت الثوب ورقَّعته.

والسماوات السبع يقال لها سبعة أرقعة ، كلُّ سماءٍ منها رَقعت التي تليها فكانت طَبَقاً لها ، كما يُرقّع الثوب بالرُّقعة. ويقال الرَّقيع : السماءُ الدنيا التي تلي الأرض ، سمِّيت رقيعاً لأنَّها رقِعت بالأنوار التي فيها.

ويقال قَرّعَني فلانٌ بلومِه فما ارتقعت به ، أي لم أكترثْ له.

ثعلب عن عمرو عن أبيه قال : جوعٌ يَرقُوع ودَيقوع ويُرقوع ، إذا كان شديداً. ويقال رقَع الغرضَ بسهمه ، إذا أصابه ، وكلُّ إصابةٍ رقْع.

وقال ابن الأعرابي : رَقْعة السَّهم صوتُه في الرُّقعة. ويقال رقعَه رقعاً قبيحاً ، إذا شتَمه وهجاه. ويقال رقع ذَنَبه بسوطه ، إذا ضربَه. ويقال : بهذا البعير رُقعةٌ من جرب ونُقبة من جرب ، وهي أوَّل الجرب.

وقال ابن السكيت : يقال ما ترتقع مني برقاعِ ، أي ما تطيعني ولا تقبل مما أنصحَك به شيئاً. ويقال للذي يزيد في الحديث : هو صاحب تَبْنيق وترقيع وتوصيل ، وهو صاحبُ رَمِيّةٍ : يزيد في الحديث.

رعق : أبو العباس عن ابن الأعرابي : الرَّعيق والرُّعاق والوَعيق : الصوت الذي يُسمَع من بطن الدابة ، وهو الوُعَاق. وقال الأصمعي : هو صوت جُردانه إذا تقلقلَ في قُنْبِه.

وقال الليث : الرُّعاق : صوتٌ يُسمَع من قُنب الدابّة كما يُسمَع الوعيق من ثَفْر الأنثى. يقال رعَق يَرعَق رُعاقاً. ففرَّق بين الرعيق والوعيق. والصواب ما قاله ابنُ الأعرابيّ.

باب العين والقاف مع اللام

[ع ق ل]

عقل ، علق ، لقع ، لعق ، قلع ، قعل : مستعملات.

عقل : في الحديث أن امرأتين من هُذيلٍ اقتتلتا ، فرمت إحداهما الأخرى بحَجرٍ فأصابَ بطنها فقتلتها ، فقضى رسول الله عليه بدِيتها على عاقلة الأخرى.

أخبرنا عبد الملك عن الربيع عن الشافعي أنّه قال : العاقلة هم العَصَبة. قال : وقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بديةِ شِبهِ العمد والخطأ المحضِ على العاقلة ، يؤدُّونها في ثلاث سنين إلى ورثة المقتول. قال : والعاقلة هم القَرابة من قِبَل الأب. قال : ومعرفة العاقلة أن يُنظرَ إلى إخوة الجاني من قبل الأب فيحمَّلون ما تحمل العاقلة ، فإن احتملوها أدَّوها في ثلاث سنين ، وإن لم يحتملوها رُفعت إلى بني جدِّه ، فإن لم يحتملوها رفعت إلى بني جدّ أبيه ، فإن لم يحتملوها رفعت إلى بني جدّ أبي جدّه ، ثم هكذا لا ترفع عن بني أبٍ حتى يعجزوا قال ومَن في الديوان ومَن لا ديوانَ له في العقل سواء.

١٥٨

وقال إسحاق بن منصور : قلت لأحمد بن حنبل : مَن العاقلة؟ فقال : القبيلة ، إلَّا أنَّهم يُحمَّلون بقدر ما لا يطيقون ، فإن لم تكن عاقلة لم يُجعَل في مال الجاني ولكن يُهدر عنه. وقال إسحاق : إذا لم تكن العاقلة أصلاً فإنه يكون في بيت المال ولا تُهدر الديةَ.

قلت : والعَقْل في كلام العرب : الدِّية ، سميت عَقلاً لأن الديَة كانت عند العرب في الجاهلية إبِلاً ، وكانت أموالَ القوم التي يرقئون بها الدماء ، فسمِّيت الدية عَقْلاً لأنّ القاتل كان يكلَّف أن يسوق إبل الدية إلى فِنَاء ورثة المقتول ، ثم يعقلها بالعُقُل ويسلمها إلى أوليائه. وأصل العقل مصدر عقلت البعير بالعقال أعقله عقلاً ، والعِقال : حبل يُثنَى به يد البعير إلى ركبتيه فيشدُّ به.

وقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في دية الخطأ المحض وبشِبه العمد أن يغرمَها عَصَبةُ القاتل ويُخرج منها ولده وأبوه فأمّا دية الخطأ المحض فإنها تقسم أخماساً : عشرين بنتَ مخاض ، وعشرين بنت لبون ، وعشرين ابن لبون ، وعشرين حِقّة ، وعشرين جذعة. وأما دية شبه العمد فإنَّها تغَلّظ ، وهي مائة بعير أيضاً ، منها ثلاثون حقة ، وثلاثون جذعة ، وأربعون ما بين ثنية إلى بازلِ عامِها ، كلُّها خَلِفة فعصبة القاتل إن كان القتل خطأ محضاً غرِموا الدية لأولياء القتيل أخماساً كما وصفت ، وإن كان القتْل شبه العمد غَرِموها مغلَّظة كما وصفت في ثلاث سنين ، وهو العَقْل ، وهم العاقلة.

ويقال عقلتُ فلاناً ، إذا أعطيت ديتَه ورثتَه. وعقلتُ عن فلان ، إذا لزمتْه جنايةٌ فغرِمتَ ديتَها عنه. وهذا كلام العرب.

وروي عن الشعبي أنه قال : «لا تعقل العاقلة عمداً ولا عبداً ولا صُلحاً ولا اعترافاً». المعنى أنّ القتل إذا كان عمداً محضاً لم تلزم الديةُ عاقلة القاتل ؛ وكذلك إنْ صُولح الجاني من الدية على مالٍ بإقرار منه لم يلزم عاقلتَه ما صُولح عليه. وإذا جنى عبد لرجلٍ حرّ على إنسان جناية خطأً لم تغرم عاقلةُ مولاه جناية العبد ، ولكنه يقال لسيّده : إمّا أن تسلّمه برمّته إلى وليّ المقتول أو تفديه بمالٍ يؤدّيه من عنده. وقيل معنى قوله : «لا تعقل العاقلة عبداً» أن يجني حرٌّ على عبدٍ جناية خطأ فلا يغرم عاقلةُ الجاني ثمنَ العبد. وهذا أشبه بالمعنى. ورواه بعضهم : «لا تعقل العاقلة العَمْد ولا العبد».

وقال سعيد بن المسيب في تابعِيه من أهل المدينة : المرأة تُعاقل الرجل إلى ثلث ديتها ، فإذا جازت الثلث رُدّت إلى نصف دية الرجل. ومعناه أنّ دية المرأة في أصل شريعة الإسلام على النصف من دية الرجل ، كما أنها ترث نصفَ ما يرث الذكر ، فجعلها سعيد بن المسيب جراحَها مساويةً جراحَ الذَّكر فيما دون ثلث الدية ، تأخذ كما يأخذ الرجل إذا جُنِي عليه ، فلها في إصبع من أصابعها عشر من الإبل كإصبع الرَّجل ، وفي إصبعين من أصابعها عشرون من الإبل ، وفي ثلاث أصابع

١٥٩

ثلاثون كالرَّجل. فإذا أصيب أربعٌ من أصابعها رُدّت إلى عشرين لأنَّها جاوزت ثلث الدية فردّت إلى عشرين لأنّها جاوزت ثلث الدية فردّت إلى النصف مما للرجل. وأمّا الشافعي وأهل الكوفة فإنهم جعلوا في إصبع المرأة خمساً من الإبل ، وفي إصبعين لها عشراً. ولم يعتبرِ الثلث الذي اعتبره ابن المسيب.

وفي حديث أبي بكر الصديق أنه قال حين امتنعت العرب من أداء الزكاة إليه بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو منعوني عِقَالاً ممّا أدَّوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقاتلتهم عليه». قال أبو عبيد : قال الكسائي : العِقال صَدَقة عام ، يقال أخذَ منهم عقال هذا العام ، إذا أُخِذَتْ منهم صدقتُه. وأنشد غيره لعمرو بن العَدّاء الكلبي :

سَعَى عِقالاً فلم يَتركْ لنا سَبَداً

فكيف لو قد سعى عمرو عِقالينِ

لأصبحَ الحيُّ أوباداً ولم يجدوا

عند التفرُّق في الهيجا جِمالينِ

وقال بعضهم : أراد أبو بكر رَضي الله عنهُ بالعِقال الحبل الذي كان يُعقَل به الفريضة التي كانت تؤخذ في الصدقة ، إذا قبضها المصدِّق أخذَ معها عِقالاً يعقلها به.

وذلك أنه كان على صاحب الإبل أن يؤدّي على كلّ فريضةٍ عِقالاً تُعقَل به ، ورِواءً ، أي حبلاً.

ويقال : فلانٌ قَيدُ مائة ، وعِقالُ مائة ، إذا كان فداؤُه إذا أسر مائة من الإبل. وقال يزيد بن الصَّعِق :

أساور بَيض الدار عين وأبتغي

عقال المئينَ في الصَّباح وفي الدهرِ

وقال أبو عبيد : قال الأصمعيّ : يقال عَقَلَ الرجلُ يَعقِل عَقلاً ، إذا كان عاقلاً. وقال غيره ؛ سمِّي عقلُ الإنسان ـ وهو تمييزه الذي به فارق جميعَ الحيوان ـ عقلاً لأنّه يعقله ، أي يمنعه من التورُّط في الهَلَكة ، كما يعقل العقالُ البعيرَ عن ركوب رأسه. وقيل إن الديّة سمِّيت عقلاً لأنها إذا وصلت إلى وليّ المقتول عقلَتْه عن قتل الجاني الذي أدَّاها ، أي منَعتْه. وقال الأصمعيّ : عقّل الظبيُ يَعقِل عُقولاً ، أي امتنع ؛ وبه سمِّي الوَعِل عاقلاً. ومنه المَعقِل ، وهو الملجأ. وعقل الدواء بطنَه يعقله عقلاً ، إذا أمسكه بعد استطلاقه ويقال : أعطني عَقلاً ، فيعطيه دواء يُمسِك بطنه.

وقال ابن شميل : إذا استَطْلَق بطنُ الإنسان ثم استمسك فقد عَقَل بطنُه ، وقد عقل الدواءُ بطنَه ، سواء. ويقال القومُ على مَعاقلهم الأولى من الدِّية ، أي يؤدُّونها كما كانوا يؤدّونها في الجاهليّة ، واحدتها معقُلة. وعقل المصدِّقُ الصدقَة ، إذا قبضَها. ويقال لا تشتر الصَّدقة حتّى يعقلها المصدّق ، أي يقبضها. ويقال ناقة عَقْلاء وبعير أعقل بيِّن العَقَل ، وهو أن يكون في رجله التواء. والعُقّال : أن يكون بالفرس ظَلْعٌ ساعةً ثم ينبسط. وقد اعتقل فلانٌ رمحَه ، إذا وضعَه بين ركابه وساقِه. واعتقل الشاةَ ، إذا وضعَ رجليها بين فخذه وساقه فحلبَها. ويقال لفلان عُقلةٌ يَعقِل بها

١٦٠