تهذيب اللغة - ج ١

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٩

سلمةُ عن الفرّاء : خرجنا نتلعَّى ، أي نأكل اللُّعاع. كان ذلك في الأصل نتلعَّع فكثرت العَيناتُ فقلبت إحداهَا ياء ، كما قالوا تظنّيت من الظنّ.

وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال : عسلٌ متلعِّع ، وهو الذي إذا رفعتَه امتدَّ معك فلم يتقطَّع للزُوجته. قال : واللُّعاعة : كل نباتٍ ليّن من أحرار البقول فيه ماء كثير لزِج. ويقال له النّعاعة أيضاً.

وأنشد :

كادَ اللُّعاع من الحَوذانِ يَسحَطُها

ورِجرِجٌ بين لَحييها خَناطيلُ

وقال الليث : امرأةٌ لَعَّة : مليحة عفيفة.

ورجلٌ لعَّاعة يتكلَّف الألحانَ من غير صواب. وروي عن المؤرِّج أنه قال : اللعلاع : الجبان.

وقال أبو الحسن اللِّحياني : في الإناء لُعاعة ، أي جِزعة من الشراب.

وقال الأصمعي : ببلدِ بني فلانٍ لُعاعةٌ حسنة ، ونُعاعةٌ حسنة ، وهو نبتٌ ناعم في أوّل ما ينبت. ومنه قيل : «إنّما الدُّنيا لُعاعة».

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : اللُّعَاعة : الهندِبَاء ، يمدّ ويقصر. وقال أبو عمرو : اللُّعاعة : الكلأ الخفيف ، رُعي أو لم يُرْعَ.

باب العين والنون

[ع ن]

عن ، نع : مستعملان.

عن : أخبرني المنذري عن أبي العباس عن سلمة عن الفراء أنه قال : العَنّة والعُنّة : الاعتراض بالفضول. قال : وشاركه شِركة عنان ، أي في شيءٍ عنّ لهما ، أي عرض. الحرانيّ عن ابن السكيت : يقال شاركه شِركة عنان ، وذلك إذا اشتركا في مالٍ معلوم وبانَ كلُّ واحدٍ منهما بسائر ماله دونَ صاحبه ، وكأنّ أصله أنَّه عنّ لهما شيءٌ فاشتركا فيه ، أي عَرَض.

قال : وشاركه شِركة مفاوضة ، وذلك أن يكون مالُهما جميعاً من كلّ شيءٍ يملكانه بينهما.

وقال غيره : سمِّيت شركة العنان عناناً لمعارضة كل واحدٍ منهما صاحبه بمالٍ مثل مال صاحبه ، وعَملٍ فيه مثلِ عمله بيعاً وشراء. يقال عانّه عِناناً ومُعانّةً ، كما يقال عارضه يعارضه عِراضاً ومعارضة.

والعَنن : الاعتراض ، اسمٌ من عَنّ. قال ابن حلِّزة :

عَنناً باطلاً وظلماً كما تُع

تر عن حَجرة الربيض الظباءُ

وسمِّي عِنانُ اللجام عناناً لاعتراض سَيْرَيه على صفحتي عنق الدّابة عن يمينه وشماله.

قلت : والشِّركة شركتان : شركة العنان وشركة المفاوضة. فأمّا شِركة العِنَان فهو أن يُحضر كلُّ واحدٍ من الشريكين دنانير أو دراهم مثل ما يُخرج الآخر وَيخلطانها ويأذن كلُّ واحدٍ منهما لصاحبه بأنْ يتّجر فيه ، ولم يختلف الفقهاء في جواز هذه الشركة وأنهما إنْ ربحا فيما تجَرا فيه

٨١

فالربح بينهما ، وإن وُضِعا فعلى رؤوس أموالهما. وأما شركة المفاوضة فأن يشتركا في كل شيءٍ يملكانه أو يستفيدانه من بعد.

وهذه الشركة عند الشافعية باطلة.

أبو عبيد عن الكسائي : أعننت اللجامَ ، إذا علمتَ له عِناناً.

وقال يعقوب بن السكيت : قال الأصمعي : أعننت الفرس وعَنَنته ، بالألف وغير الألف ، إذا عمِلت له عناناً ، وأهل العراق يقولون : أعَنَ الفارسُ ، إذا شدَّ عنانَ دابّته إليه ليَثنِيَه عن السير ، فهو مُعِنَ وعَنَ دابّته عَنًّا : جعل لها عِنانا. وجمع العِنان أعِنّة.

والعَنُون من الدوابّ : التي تُباري في سيرها الدوابَّ فتقدُمها. قال النابغة

كأنّ الرحلَ شُدَّ به خَذوفٌ

من الجَونات هاديةٌ عَنونُ

والخَذوف : السَّمينة من حُمر الوحش.

وفي حديث عبد الله بن مسعود أنه قال : «وكان رجلٌ في أرضٍ له إذْ مرّت به عَنَانةٌ تَرَهْيَأُ». قال أبو عبيد : العَنانة : السحابة ، وجمعها عَنانٌ. قال : وفي بعض الحديث : «لو بلغَتْ خطيئتُه عَنَان السَّحاب». ورواه بعضهم : «أعنانَ السماء». فإن كان المحفوظ أعنانَ السماء فهي النَّواحي.

وأعنان كلّ شيءٍ : نواحيه ، قاله يونس النحويّ ، الواحدُ عَنٌ ومنه يقال : أخذَ في كلِ عَنّ وسَنٍّ وفَنٍّ.

وقال الليث : عَنان السماء : ما عنَ لك منها إذا نظرتَ إليها ، أي ما بدا لك منها.

وأما قوله :

جَرَى في عَنانِ الشِّعريينِ الأماعزُ

فمعناه جرى في عِراضها سَرابُ الأماعز حين يشتدُّ الحرُّ.

وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال : يقال عَنَ الرجلُ يعِنُ عَنًّا وعنناً ، إذا اعترضَ لك من أحد جانبيك من عنْ يمينك أو من عن شمالك بمكروه.

قال : والعَنّ المصدَر ، والعَنَن اسم ، وهو الموضع الذي يَعِنّ فيه العانّ.

قال : وسمِّي العِنان من اللجام عِناناً لأنه يعترضُه من ناحيتيه ولا يدخل فمَه منه شيء.

قال : وسمِّي عُنوان الكتاب عنواناً لأنه يعِنُ له من ناحيتيه. قال : وأصله عُنَّان ، فلما كثرت النونات قلبت إحداها واواً. قال : ومن قال عُلوان جعل النونَ لاماً ؛ لأنّها أخفّ وأظهر من النون.

قال : ويقال للرجل الذي لا يصرِّح بالشيء بل يعرِّض : قد جعل كذا وكذا عنواناً لحاجته. ومنه قول الشاعر :

وتعرف في عنوانها بعضَ لحنها

وفي جوفها صمعاء تحكي الدَّواهيا

قال : وكلَّما استدللت بشيء تُظْهِره على غيره فهو عنوانٌ له. وقال حسان بن ثابت يرثي عثمان رَحِمه الله :

ضحَّوا بأشمطَ عُنوانُ السُّجودِ به

يقطِّع الليل تسبيحاً وقرآنا

قال : ويقال للحظيرة من الشجر يحظَّر بها على الغنم والإبل في الشتاء للتتذرى بها

٨٢

من برد الشَّمَال عُنّة. وجمعها عُنَنٌ وعِنان ، مثل قُبّة وقباب.

قال : وسمِّي العِنِّينُ عِنّيناً لأنه يعنّ ذكرهُ لقبل المرأةِ من عن يمينه وعن شماله فلا يقصده.

قال : وعَنَنتُ الكتابَ ، وعَنَّنته ، وعلونتُه بمعنًى واحد.

أبو عبيد عن الأمويّ : امرأة عِنّينة ، وهي التي لا تريد الرجال. قال أبو عبيد : وقال الأحمر : عنونت الكتاب وعنّنته.

وقال اللِّحياني : عنّنت الكتاب تعنيناً ، وعنَّيتُه تعنيةً ، إذا عنونته.

وقال غيره : فلانٌ عَنّانٌ على آنف القوم ، إذا كان سباقاً لهم. وفلانٌ عنّانٌ عن الخير وخَنَّاسٌ وكزَّام ، أي بطيءٌ عنه.

وعنعنة بني تميم : إبدالهم الهمزة عيناً ، كما قال ذو الرمَّة :

أعَنْ توسَّمتَ مِن خَرقاء منزِلةً

ماءُ الصبابة من عينيكَ مسجُومُ

وقال جرانُ العود :

فما أُبن حتّى قُلْنَ يا ليت عَنَّنا

ترابٌ وعَنَ الأرضَ بالناس تخْسَفُ

وقال الفراء : لغة قريش ومن جاورهم أنَّ ، وتميم وقيس وأسدٌ ومن جاورَهم يجعلون ألف أنَّ إذا كانت مفتوحة عيناً ، يقولون : أشهد عَنَّك رسولُ الله ، فإذا كسروا رجَعوا إلى الألف. قال : العرب تقول : لأَنَّك تقول ذاك ، ولَعَنَّك تقول ذاك ، معناهما لعلَّك.

ويقال ملأ فلانٌ عِنَان دابّته ، إذا أعداه وحَمَله على الحُضْر الشديد. وأنشد ابن السكيت :

حرف بعيد من الحادي إذا ملأت

شمسُ النهار عِنانَ الأبْرَقِ الصَّخِبِ

قال : أراد بالأبرق الصَّخِب الجندب.

وعِنانه : جَهده. يقول : يَرمَضُ فيستغيث بالطيران فتقع رجلُه في جناحيه فتسمع لهما صوتاً. وليس صوته من فيه ؛ ولذلك يقال صرَّ الجندب.

وللعرب في العِنان أمثال سائرة. يقال : ذَلّ عنانُ فلان ، إذا انقاد. وفلانٌ أبيُ العِنان ، إذا كان ممتنِعا. ويقال أَرْخِ من عِنانه ، أي رفِّه عنه. وهما يجريانَ في عِنانٍ إذا استَويا في فضلٍ أو غيره. وقال الطرمَّاح :

سيعلم كلُّهم أني مُسِنٌ

إذا رفَعوا عناناً عن عِنانِ

المعنى سيعلم الشعراء كلُّهم أني قارِح.

وجرى الفرسُ عِناناً ، إذا جرى شوطاً. ويقال : اثنِ عليَ عنانَه ، أي رُدَّه عليّ وثنيت على الفرس عِنانَه ، إذا ألجمتَه.

وقال ابن مُقبل يذكر فرساً :

وحاوطني حتَّى ثنيتُ عنانَه

على مُدبر العِلْباء ريانَ كاهلُه

حاوَطني ، أي داورني وعالجني. ومدبِر عِلبائه : عنقه. أراد أنّه طويل العنق ، في علبائه إدبار.

ويقال للرجل الشريف العظيم السُّودَد : إنه لطويل العنان. وفرسٌ طويل العنان ، إذا ذُمَّ بقصر عنقه. فإذا قالوا قصير العِذار فهو

٨٣

مدحٌ ، لأنه وصف حينئذٍ بسعة جَحفلته.

ويقال امرأة معنَّنة ، إذا كانت مجدولةً جدلَ العنان ، غيرَ مسترخية البطن.

ورجل مِعَنٌ ، إذا كان عِرِّيضاً مِتْيَحا.

وامرأة مِعَنّة : تعتَنُ وتعترض في كل شيء.

وروي عن بعض العرب أنه قال :

إنَّ لنا لكَنَّهْ

مِعَنَّةً مِفَنَّهْ

سِمعنَّةً نِظرَنَّه

أي تعتنُ وتفتنُّ في كل شيء.

ويقال : إنّه ليأخذ في كل عَنٍ وفنٍّ ، بمعنًى واحد.

وسمِعتُ العربَ تقول : كُنَّا في عُنَّةٍ من الكلأ وفُنّة ، وثُنة ، وعانكة من الكلأ ، بمعنًى واحد ، أي كنا في كلأ كثير وخِصب.

ابن شميل : العانُ ، من صفة الجبال : الذي يعتَنُّ لك في صَوبِك ويقطع عليك طريقك. يقال : بموضِع كذا عانٌ يعتنُّ للسالك.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابي قال : العُنُن : المعترضون بالفضول ، الواحد عانٌ وعَنُون. قال : والعُنُن جمع العِنِّين وجمع المعنون أيضاً. ويقال عُنَ الرجل وعُنِّن وعُنِنَ وأُعْنِنَ ، فهو عَنِين مَعنونٌ مُعَنٌ مُعَنّن.

قال والتعنين : الحبس في المطبق الطويل.

عمرو عن أبيه : يقال للمجنون : معنون ومهروع ، ومخفوع ، ومعتوه ، وممتوه ، ومُمَتّهٌ ، إذا كان مجنوناً.

قال ابن الأعرابي : لعنّك لبني تميم. قال : وبنو تيم الله بن ثعلبة يقولون : رَعَنَّك تقول ذاكَ ولغَنَّك ، بمعنى لعلَّك ، بالغين.

وقال الليث : العُلوان لغة في العنوان غير جيّدة. قال : ويقال عننت الكتابَ عنّاً.

قال : وعَنْونته. قال : وهو فيما ذُكر مشتقٌ من المعنى. قال : وعَنّيتُه تعنيةً ، كلُّها لغات.

وقال النحويون : «عن» حرفُ صفةٍ ، وهو اسم. و «مِن» من الحروف الخافضة.

والدليل على ذلك أنك تقول أتيته من عن يمينه ومن عن شماله ، ولا تقدم «عَنْ» على «مِن». وقال الشاعر :

من عن يمين الحُبَيَّا نظرةٌ عَجَل

وتقول : أخذت الشيء منه ، وحدّثني فلان عن فلان. ويقال تنحَّ عني وانصرفْ عنّي ، وخذ منه كذا وكذا.

وقال أبو زيد : العرب تزيد عنك في كلامها ، يقال : خذ ذا عنك ، المعنى خذ ذا ، و «عنك» زيادة. وقال الجعديّ يخاطب ليلى :

دَعي عنكِ تَشتامَ الرجال وأقبلي

علَى أذلغيّ يملأ استكِ فيشلا

أراد يملأ استَك فيشلةً ، فخرج فيشلاً نصباً على التفسير.

نع : ثعلب عن ابن الأعرابي قال : النَّعْ : الضَّعْف.

سلمة عن الفراء قال : النَّعَّة ضَعفُ الغُرمول بعد قوّته.

عمرو عن أبيه قال : النُّعنع : الفرج الدقيق الطويل. وأ نشد :

٨٤

سَلُوا نساءٍ أشجع

أيُّ الأيُور أنفَعْ

أالطويل النُّعْنُعْ

أم القصير القَرصَع

قال : والقرصَع : القصير المعجَّر.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : يقال للطويل من الرجال نُعنُع.

وقال غيره : تنعنعت الدارُ ، إذا نأت وبعُدت.

أبو عبيد عن الأصمعي : النُّعاعة : بقلة ناعمة. وقال شِمْر : لم أسمع نُعاعة إلّا للأصمعي. قال : ونُعاعة : موضع.

وأنشد :

لا عيش إلّا إبلٌ جُمّاعه

موردها الجَيْأة أو نُعاعه

ويقال لبَظر المرأة إذا طال نُعنُع ونُغنُغ.

وقال المغيرة بن حبناء :

وإلّا جُبتُ نُعنُعَها بقولٍ

يُصيّره ثمانٍ في ثمانِ

قوله ثمان في موضع النصب ، وهو على لغة من يقول : رأيت قاضٍ وهذا قاضٍ ومررت بقاض.

باب العين والفاء

[ع ف]

عف ، فع : مستعملان.

عف : أبو عبيد : العُفافة : بقيّة اللبن في الضرع بعدما يُمتَكُّ أكثره. قال : وهي العُفّة أيضاً. وقال الأعشى :

وتَعادَى عنه النهارَ فما تع

جوه إلّا عُفافةٌ أو فُواقُ

وقال غيره العُفافة : القليل من اللبن في الضَّرع قبل نزول الدِّرّة.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن سلمة عن الفراء قال : العُفافة : أن تأخذ الشيء بعد الشيء ، فأنت تعتفُّه.

وروى عمرو عن أبيه : العَفْعَف : ثمر الطَّلح.

وقال أبو زيد : العُفافة : الرَّمث يرضعه الفصيل في قول بعضهم. قال : وبعضهم يقول : العُفافة أن تترك الناقةُ على الفصيل بعد ما ينفض ما في ضرعها فتجمع له اللبنَ فُواقاً خفيفاً.

وقال ابن الفرج : يقال للعجوز عُفّة وعُثّة.

قال : والعُفّة : سمكة جرداء بيضاء صغيرة إذا طُبخت فهي كالأرُزّ في طعمها.

ويقال عفّ الإنسان عن المحارم يَعِفُ عِفّةً وعَفافاً ، فهو عَفيفٌ وجمعه أعِفّاء ، وامرأة عفيفة الفرج ونسوةٌ عفائف.

فع : أبو العباس عن سلمة عن الفراء : يقال للقصّاب فَعفَعانيّ ، وهَبْهَبيّ ، وسطّار.

قال : ورجلٌ فَعفَع وفُعافِعٌ ، إذا كان خفيفاً. ويقال للجدي فَعفَع. قال : وقال ابن الأعرابيّ : الفعفعيُ : القصّاب وأنشد غيره لصخر الغيّ :

فنادَى أخاه ثمّ طَارَ بشَفرةٍ

إليه اجتزارَ العفعفيّ المُناهِبِ

عمرو عن أبيه : الفعفع : زجرُ الغنم.

قلت : وهي الفعفعة.

٨٥

وقال المؤرج : رجلٌ فعفاعٌ وَعواعٌ لَعلاعٌ رَعراعٌ ، أي جبان.

باب العين والباء

[ع ب]

عب ، بع.

عب : جاء في الخبر : «مُصُّوا الماءَ مَصًّا ولا تعُبُّوه عَبًّا». والعبُ : أن يشرب الماء ولا يتنفّس. وقيل : «الكُباد من العبّ» ، وهو وجع الكبد.

وروى أبو العباس عن عمرو عن أبيه أنه قال : العبُ أن يشرب الماء دغرقة بلا غَنْث. والدغرقة : أن يصبَّ الماءَ مرةً واحدة. والغَنْث : أن يقطّع الجَرْع.

وقال الشافعيّ : الحَمَام من الطَّير : ما عبّ وهدَر. وذلك أنّ الحمام يعُبُ الماء عبًّا ولا يشرب كما يشرب سائر الطير نقراً.

أبو عبيدة : فرسٌ يعبوب : جوادٌ بعيد القَدْر في الجري. قال : وقال المنتجع : هو الطويل. وقال ابن الأعرابيّ : اليعبوب : كلُّ جدول ماءٍ سريع الجري ، وبه شبّه الفرس اليعبوب.

وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عنه أنه قال : العُنْبَب : كثرة الماء. وأنشد :

فصبّحتْ والشَّمس لم تَقضَّبِ

عينا بغضيانَ ثجوجَ العُنْبَبِ

قلت : عُنبَب فُنْعَل من العبّ ، والنون ليست بأصلية ، وهي كنون عُنْصَل وجندب.

عمرو عن أبيه : العَبعَبة : الصُّوفة الحمراء.

وقال ابن الأعرابي : العَبعَب : كساءٌ مخطَّط. وأنشد :

تخلُّجَ المجنونِ جَرَّ العَبعَبا

وقال أبو عمرو فيما روى أبو عبيد عنه : العَبْعَب الشابّ التَّامْ وروى عمرو عن أبيه : العَبعَب : نَعْمة الشّباب.

وأخبرني الإيادي عن شِمر أنه قال : العَبعَب والعَبعاب : الطويل من الرجال.

وقال الليث : العَبعَب من الأكسية : الناعم الرقيق.

قلت : ورأيت في البادية ضرباً من الثُّمام يُلْثِي صمغاً حلواً يُؤخَذ من قضبانه ويؤكل ، يقال له لَثَى الثُّمام ، فإن أتى عليه الزمانُ تناثرَ في أصول الثُّمام ، فيؤخذ بترابه ويجعل في ثوب ويصبُّ عليه الماء ويُشْخَل به ـ أي يصفّى ثم يُغلَى بالنار حتى يخثُر ثم يؤكل. وما سال منه فهو العبيبة. وقد تعبَّبتُها أي شربتها.

ويقال : هو يتعبّب النبيذ ، أي يتجرَّعه.

وروى محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي أنه قال : العُبَب : عنب الثعلب. قال : وشجرُهُ يقال له الراء ، ممدود. وقال ابن حبيب : هو العُبَب ، ومن قال عِنَب الثعلب فقد أخطأ.

وروى أبو عبيد عن الأصمعي أنه قال : الفَنا مقصور : عنب الثعلب. فقال عنبٌ ولم يقلْ عُبَب.

وقد وجدتُ بيتاً لأبي وجزة السعديّ يدلُّ على قول ابن الأعرابيّ ، وهو قوله :

إذا تربَّعتِ ما بينَ الشُّريف إلى

أرض الفَلَاح أولاتِ السَّرح والعُبَبِ

٨٦

وفي حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إنّ الله عزوجل وضَعَ عنكم عُبِّيَّة الجاهلية وتعظُّمَها بآبائها». أبو عبيد : العُبِّيَّة والمِبِّيّة : الكِبْر.

قلت : ولا أدري أهو فعليّة من العَبّ ، أم هو من العَبْوِ وهو الضوء.

أبو عبيد : العُباب : معظَم السيل وارتفاعه وكثرته.

عمرو عن أبيه : عبعَبَ ، إذا انهزم. قال : وعُبَ الشيء ، إذا شُرِب. وعَبَ ، إذا حسُن وجهُه بعد تغيُّر.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : عُبْ عُب ، إذا أمرتَه أن يستتر.

وفي «نوادر الأعراب» : رجلٌ عَبعابٌ قبقاب ، إذا كان واسعَ الحلق والجوف جليلَ الكلام.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : العُبُب : المياه المتدفّقة.

بع : عمرو عن أبيه : بعّ الماءَ بعًّا ، إذا صبّه.

قال : ويقال أتيتُه في عَبعَب شبابه وعِهِبَّى شبابه. قال والبَعبَع : صبُّ الماء المُدارَكُ.

قلت : لأنه أراد حكاية صوته إذا خرج من الإناء ونحو ذلك.

قال الليث : وقال أبو زيد : البعابعة : الصعاليك الذين لا مالَ لهم ولا ضَيعة.

قال : والبُعّة من أولاد الإبل : الذي يُولد بينَ الرُّبع والهُبَع. وقال الفراء مثله.

وقال الليث : بعّ السحابُ يُبعّ بعًّا وبعَاعاً ، إذا لجّ بمطره.

وقال أبو عبيد : ألقى عليه بَعاعَه ، أي ثِقْله. وأخرجت الأرض بَعاعُها ، إذا أنبَتت أنواعَ العُشْب أيامَ الربيع. وألقت السحابةُ بَعاعَها ، أي ماءها وثقل مطرها. وقال امرؤ القيس :

وألقى بصَحراء الغَبيطِ بَعاعَه

نزولَ اليماني ذي العِياب المحمَّلِ

شمر عن أبي عمرو : العُباب : كثرة الماء.

وقال ابن الأعرابي : العُباب : المطر الكثير وقال المَرّار :

عوامد للحمى متصيّفات

إذا أمسى لصيفته عُباب

وقال رؤبة :

كأنّ في الأقتاد ساجاً عوهقا

في الماء يفرُقنَ العُبابَ الغلفقَا

الغَلْفَق جعله نعتاً للماء الكثير. ويقال للعِرمِضِ فوق الماء غلفق.

باب العين والميم

[ع م]

عم ، مع.

عم : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه اختصم إليه رجلانِ في نخلِ غرسَه أحدُهما في أرض الآخر ، قال الراوي للحديث : «فلقد رأيت النخل يُضرَب في أصولها بالفؤوس وإنّها لَنخلٌ عُمٌ».

قال أبو عبيد : العُمُ : التامّة في طولها والتفافها ، واحدتها عميمة. قال : ومنه قيل للمرأة عميمة إذا كانت وثيرة. وأنشد للبيد في صفة نخيل طالت :

سُحُق يمتِّعها الصَّفا وسَرِيُّه

عُمٌ نواعم بينهنَّ كروم

٨٧

الصَّفا : نهر بالبحرَين. والسريّ : خليجٌ ينخلج منه.

ويقال : اعتمَّ النبتُ اعتماماً ، إذا التفّ وطال. ونبتٌ عميم. وقال الأعشى :

مؤزَّرٌ بعَميمِ النبت مُكتهِلُ

وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت قال : العَمُّ الجماعة من الحيّ.

والعمّ : أخ الأب. والعَمَم : الجِسم التامّ ، يقال : إنّ جسمَه لعَممٌ ، وإنّه لعَمَمُ الجِسم.

ويقال استوى شبابُ فلانٍ على عَمَمه وعُمُمِه ، أي على طوله وتمامه.

أبو عبيد عن أبي عمر قال : العماعم : الجماعات ، واحدها عَمٌّ على غير قياس.

قال أبو عبيد : وقال الكسائيّ : استعمَّ الرجلُ عَمّاً ، إذا اتخذَ عَمًّا. قال : وقال أبو زيد : يقال تعمَّمتُ الرجل ، إذا دعوته عَمّاً. ومثله تخوَّلتُ خالاً. ويجمع العمّ أعماماً وعُموماً وعُمومة.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشدَهُ :

عَلَامَ بنَتْ أختُ اليرابيع بيتَها

عليَّ وقالت لي بليلٍ تعمَّمِ

معناه أنّه لما رأت الشيبَ برأسه قالت له : لا تأتنا خِلْماً ولكن ائتِنا عَمًّا

الحرّاني عن ابن السكيت : يقال هما ابنا عَم ولا يقال هما ابنا خال ، ويقال هما ابناً خالة ولا يقال ابنا عمة.

وفي حديث عروة بن الزُّبير أنه ذكر أُحَيحةَ بن الجُلَاح وقولَ أخواله فيه : «كنّا أهلَ ثُمِّهِ ورُمِّه ، حتى استوى على عُمُمِّه» قال : قال أبو عبيد : قوله «حتى استوى على عُممِّه» أراد على طوله واعتدال شبابه ، يقال للنبات إذا طال : قد اعتمّ.

وقال شمر : قال أبو منجوف : يقال قد عَمَّمناك أمرنا ، أي ألزمناك.

قال شمر : والمعمَّم : السيّد الذي يقلّده القومُ أمورَهم ، ويلجأ إليه عوامُّهم. وقال أبو ذؤيب الهذليّ :

ومن خير ما جمع الناشىء ال

معمَّم خِيرٌ وزندٌ وَرِيُ

قال : والعَمَمُ من الرجال : الكافي الذي يعمُّهم بالخير. وقال الكميت :

بحر جريرُ [بن شقٍ] من أرومته

وخالدٌ من بنيه المِدره العممُ

قال : والعمم أيضاً في الطُّول والتمام.

وقال أبو النجم :

وقَصَب رؤد الشبابِ عَمَمُه

وقال ابن الأعرابيّ : خَلْق عَمَمٌ ، أي تامّ.

وفي حديث عطاء : «إذا توضَأتَ فلم تعمُمْ فتيمَّم» ، قال شمر : قوله «فلم تعمُمْ» ، يقول : إذا لم يكن في الماء وضوءٌ تامٌّ فتيمَّم. وأصله من العموم.

ثعلب عن ابن الأعرابي : عُمَّ ، إذا طُوّل.

وعَمَّ ، إذا طال. قال : وعمعم الرجُل ، إذا كثُر جيشُه بعد قلّة.

ومن أمثالهم : «عَمَّ ثؤباءُ الناعسِ» ، يضرب للحدَث يحدُث ببلدة ثم يتعدّاه إلى سائر البُلدان. وأصله أن الناعسَ يتثاءب في المجلس فيُعدى ثؤباؤه أهلَ مجلسِه.

ويقال رجل عُمِّيّ ورجلٌ قُصريّ. فالعُمّيّ :

٨٨

العامّ ، والقُصريّ : الخاصّ.

والعِمامة من لباس الرأس معروفة ، وجمعها العمائم. وقد تعممّها الرجل واعتمّ بها. وإنه لحسَن العِمَّة. وقال ذو الرمة :

واعتمَّ بالزَّبد الجَعْد الخراطيمُ

والعرب تقول للرجل إذا سُوِّد : قد عُمِّم.

وذلك أنَّ العمائم تيجانُ العرب. وكانوا إذا سوّدوا رجلاً عمَّموه عمامةً حمراء.

ومنه قول الشاعر :

رأيتُك هرَّيتَ العمامةَ بعدما

رأيتكَ دهراً فاصعاً لم تعصَّبِ

وكانت الفرسُ إذا ملّكت رجلاً توّجوه ، فكانوا يقولون للملك مَتوّج.

وقال أبو عبيدة : فرسٌ معمَّم ، إذا انحدرَ بياض ناصيته إلى منبتها ، وما حولها من الرأس والناصية معمَّم أيضاً. قال : ومن شيات الخيل : أدرعُ معمَّم ، وهو الذي يكون بياضُه في هامته دون عنقه.

والعرب تقول رجلٌ مُعَمٌّ مُخْوَلٌ ، إذا كان كريم الأعمام والأخوال ، ومنه قول امرىء القيس :

بجيدِ مُعَمٍّ في العشيرة مُخْوَلِ

وقال الليث : يقال فيه مُعِمٌّ مُخْوِل أيضاً.

قلت : ولم أسمعه لغيره ، ولكن يقال رجل مِعَمٌّ مِلَمٌّ ، إذا كان يعمُّ الناسَ فضلُه ومعروفُه ويَلُمّهم ، أي يجمعهم ويصلح أمورَهم.

وقال الليث : العامّة : عيدانٌ يُشَدُّ بعضُها إلى بعض ويُعبَر عليها.

قلت : خفّف ابنُ الأعرابي الميم من العامَة بمعنى المِعْبَر ، وجعله مثل هامة الرأس وقامَة العَلَق ، في حروفٍ مخفّفة الميم ، وهو الصواب.

وقوله الله عزوجل : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ) [النّبَإِ : ١] أصله عن ما يتساءلون ، فأدغمت النون من عن في الميم من ما وشُدِّدتَا ميماً ، وحذفت الألف فرقاً بين الاستفهام والخبر في هذا الباب. والخبرُ كقولك : عما أمرتك به ، المعنى عن الذي أمرتك به. وأما قول ذي الرّمّة :

بَراهنّ عما هنّ إما بَوادىءٌ

لحاجٍ وإما راجعاتٌ عوائدُ

فإن الفراء قال : ما صلة ، والعين مبدلة من ألف أنْ. المعنى براهنّ يعني الركاب أنْ هن إمّا بَوادىءُ لحاجة في سفر مبتدأ ، وإما أن عُدْن راجعات من السفر ، وهي لغة تميم ، يقولون عن هُنّ.

وأما قول الآخر يخاطب امرأة اسمها عَمَّى :

فقِعدَكِ عَمَّى الله هلَّا نعيتِهِ

إلى أهل حيٍّ بالقنافذ أوردوا

فإنّ عَمَّى اسم امرأة ، أراد يا عَمَّى.

وقِعدَكِ والله يمينان.

وقال المسيّب بن علَس يصف ناقة :

ولها إذا لحِقتْ ثمائلها

جَوزٌ أعمُّ ومِشفَرٌ خَفِقُ

قال أبو عمرو : الجَوز الأعمّ : الغليظ التامّ. والجوز : الوسط. قال : ومِشفَرٌ خَفِق : أهدَلُ ، فهو يضطرب إذا عَدَتْ.

٨٩

مع : أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : المعُ الذَّوَبان.

أبو عبيد : المعمعانيّ : اليوم الشديد الحرّ. قال : والمعمعة : حكاية صوت لهب النّار إذا شُبّت بالضِّرام. ومنه قول امرىء القيس :

كمعمعة السَّعَف الموقَدِ

ويقال للحرب مَعمعة : ولها معنيان : أحدهما أصوات المقاتِلة ، والآخر استعار نارها.

وقال شمِر : امرأةٌ مَعمَعٌ ، وهي الذكيّة المتوقِّدَة.

وفي حديثٍ مرفوع : «لا تَهْلك أمّتي حتّى يكون التمايُل والتّمايُز والمعامع» ، يريد بالمعامع الحروبَ وهَيْج الفتن والتهابَ نيرانها ، والأصل فيه معمعة النار ، وهو سرعة تلهُّبِها. ومثله معمعة الحَرّ.

ومثل هذا قولهم : «الآن حينَ حَمِيَ الوطيس».

والمَعمعة : الدَّمْشقة ، وهو عَملٌ في عجَل.

وأمّا «مَعَ» فهي كلمةٌ تضم الشيءَ إلى الشيء ، وأصلها مَعاً ، وستراها في معتّل العين بأوضحَ من هذا التفسير إن شاء الله. وقال الليث : إذا أكثر الرجلُ من قول «مَعَ» قيل يُمعمِع معمعةً. قال : ودِرهم مَعمعيٌ : كتب عليه «مَع مَع».

ثعلبٌ عن ابن الأعرابيّ : مَعمَع الرجلُ ، إذا لم يحصُل على مذهب ، فهو يقول لكلّ : أنا مَعَك ومنه قيل لمن هذه صفتُه : إمّعٌ وإمَّعَة.

٩٠

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

هذه أبواب الثلاثي الصحيح من حروف العين

أهملت (العين مع الحاء) في الثلاثي الصحيح إلى آخر وجوهها.

أبواب العين مع الهاء

ع ه خ ـ ع ه غ أهملت وجوهها كلّها.

باب العين والهاء مع القاف

[ع ه ق]

عهق ، هقع ، [قهقع] : مستعملان.

عقه ، هعق ، قعه ، قهع : مهملة.

عهق : قال الليث : العهيقة : النشاط. وأنشد :

إنّ لرَيعان الشباب عَيهقا

قلت : الذي سمعناه من الثقات الغَيْهقة بالغين معجمة ، بمعنى النشاط. وأخبرني أبو الفضل المنذريّ عن أبي الحسن الصَّيداويّ عن الرياشيّ عن أبي عبيدة قال : الغَيهق : النشاط ، بالغين. وأنشد :

كأنّما بي مِن إرانِي أَولَقُ

وللشَّباب شِرَّةٌ وغيهق

قال : فالغَيهق بالغين محفوظ صحيح ، وأما العيهقة بالعين فإني لا أحفظها لغير الليث ، ولا أدري أهي لغةٌ حفظت عن العرب ، أم العين تصحيف. والله أعلم.

ورُوي عن أبي عمرو أنه قال : العِيهاقُ : الضَّلال. ولا أدري ما الذي عوهقَك ، أي الذي رمَى بك في العِيهاق.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال : العَوهق : الخُطّاف. والعَوهق : الغراب الجبليّ ، ويقال هو الشِّقِرّاق.

وقال أبو عبيدة : العوهق : اللازَوَرْد الذي يُصبغ به. والعوهق من شجر النَّبْع الذي يتخذ منه القسيُّ أجودُه. وأنشد لبعض الرجاز يصف قوساً :

وكلّ صفراءَ طَروحٍ عَوهقِ

والطَّروح من القسي : التي تُبعِد السهمَ إذا رُمِي به عليها.

وقال الليث : العوهق : الغراب الأسود الجسيم. والعوهق : اسم جمل للعرب نُسبت إليه النجائب. وقال رؤبة :

قوراء فيها من بنات العَوْهَق

٩١

قال : والعوهق لونٌ كلون السماء مُشرَبٌ سواداً. قال : والعوهقانِ : كوكبان بحذاء الفرقدين على نسقٍ طريقتهما مما يلي القطب. وأنشد :

بحيث باري الفرقدانِ العوهقا

عند مَسَكِّ القطبِ حيث استوسقا

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ في موضعٍ آخر قال : الغَقَقَة العواهق. قال : وهي الخطاطيف الجبلية. والعوهق أيضاً : اللازورد. والعوهق : لون الرماد.

قلت : وكلُّ ما ذكرت في العوهق من الوجوه صحيح بلا شكّ.

هقع : أبو عبيد عن الأموي : رجلٌ هُقَعةٌ : يكثر الاتّكاء والاضطجاعَ بين القوم. وقال شمر : لا أعرف هُقَعة بهذا المعنى.

قلت : هو صحيح وإن أنكره شمِر.

أخبرني المنذري عن [ابن](١) الأعرابيّ عن ابن السكيت عن الفراء قال يقال للأحمق الذي إذا جلس لم يكد يبرح : إنه لهُكَعة. وقال بعض العرب : اهتكعَ فلاناً عِرقُ سَوءٍ ، واهتقَعه ، واهتنَعه ، واختضمه ، وارتكسه ، إذا تعقَّله وأقْعَده عن بلوغ الشرف والخير.

وروى أبو عبيد عن الفراء أنه قال : الهَكعة الناقة التي استرخت من الضَّبَعة. وقد هكِعَت هَكعاً.

وقال أبو عبيدة : هَقِعت الناقة هَقَعاً فهي هَقِعة ، وهي التي إذا أرادت الفحل وقعت من شدّة الضَّبَعة. قلت : فقد استبان لك أن القاف والكاف لغتان في الهَقِعة والهَكِعة.

ويقال : قَشط فلانٌ عن فرسه الجُلَّ وكشَطه ، إذا كشفه. وهو القُسط والكُشط للعُود. وقد تعاقبت القاف والكاف في حروف كثيرة ليس هذا موضعَ استقصاءٍ لذكرها. فما قاله الأمويّ في الهقعة صحيح لا يضُرُّه إنكار شمر إيّاه.

وقد روى شمر عن ابن شميل أنه قال : يقال سانَّ الفحل الناقةَ حتى اهتقعها ، يتقوَّعها ثم يَعِيسها. قلت : معنى اهتقعها ، أي نوَّخها ثم علاها وتسدّاها.

وروى أبو عبيد عن الفراء وغيره : اهتُقِع لونُه وامتُقِع لونه ، إذا تغيّر لونُه. وقال غيره : تَهقَّع فلانٌ علينا ، وتترَّع وتطبَّخ ، بمعنًى واحد ، أي تكبّر وعدا طَورَه. وقال رؤبة :

إذا امرؤ ذو سَورَةٍ تهقّعا

والاهتقاع في الحمّى : أن تدع المحمومَ يوماً ثم تهتقعه ، أي تعاوده فتُثْخنه. وكل شيءٍ عاودك فقد اهتقعك.

والهَقْعة : منزلٌ من منازل القمر ، وهي ثلاثة كواكب تكون فوق مَنكبي الجوزاء كأنّها أثافٍ ، وبها شُبّهت الدائرة التي تكون بجنْب الدوابّ في مَعَدِّه ومَركَلِه ، وهي دائرة يُتشاءم بها. يقال هُقِع الفرسُ فهو مهقوع. وأنشد أبو عبيدة :

إذا عَرِق المهقوع بالمرء أنعظت

حليلته وازداد حَرًّا عجانُها

__________________

(١) سقط من المطبوع.

٩٢

والهيقعة : حكاية أصوات السيوف في معركة القتال إذا ضُرب بها. وقد ذكره الهذليُّ في شعره فقال :

الطعن شغشغةٌ والضرب هيقعةٌ

ضربَ المعوِّل تحت الدِّيمة العضَدا

شبّه أصواتَ المضاربة بالسيوف بضرب العَضَّاد للشجر بفأس لبناء عالَةٍ يستكنُّ بها من المطر.

قهقع : روى ابن شميل عن أبي خَيرة قال : يقال قهقع الدُّبُ قهقاعاً ، وهو حكاية صوت الدبّ في ضحكه ، وهو حكاية مؤلّفة.

باب العين [والهاء] مع الكاف

[ع ه ك]

هكع ، عهك : مستعملان.

كهع ، كعه ، هعك ، عكه : مهملة.

هكع : روى أبو العباس عن سلمة عن الفراء قال : الهُكاعيّ مأخوذ من الهُكاع ، وهو شهوة الجماع. قال : والهُكاع أيضاً : النوم بعد التعب. وقال أعرابيّ : مررتُ بإراخٍ هُكَّعٍ في مئرانها ، أي نِيام في مأواها ، وأنشد ابن السكيت قول الهذَليّ :

وتبوّأ الأبطالُ بعد حَزاحزٍ

هكْعَ النواحز في مناخ الموحِفِ

قال : معناه أنهم تبوءوا مراكزهم في الحرب بعد حزاحز كانت لهم حتى هكعوا بعد ذلك وهُكوعهم : بروكهم للقتال كما تهكع النواحز من الإبل في مباركها ، أي تسكن وتطمئنّ.

وقال الطِرمّاح يذكر بقر الوحش :

ترى العِينَ فيها من لدنْ مَتَع الضُّحى

إلى الليل في الغَضْيا وهُنَ هكوعُ

قال بعضهم هنّ هُكوع أي نِيام ، وقال بعضهم : مُكِبّاتٌ إلى الأرض ، وقيل مطمئنّات. والمعاني متقاربة.

والبقر تهكع في كِناسها عند اشتداد الحرّ نصفَ النهار. والهُكاع : السُّعالُ أيضاً.

وقال ابن شميل : هكعَ عظمه ، إذا انكسر بعد ما جَبَر.

سلمةُ عن الفراء قال : الهكِعة من النوق : التي قد استرخت من شدّة الضَّبَعة. وناقةٌ مِهكاعٌ : تكاد يُغشَى عليها من الضَّبَعة.

ويقال : هكَع الرجلُ إلى القوم ، إذا نزل بهم بعد ما يُمسِي. وقال الشاعر :

وإن هكعَ الأضيافُ تحت عشيّةٍ

مصدَّقة الشَّفّان كاذِبة القطرِ

وهكَع الليل هكوعاً ، إذا أرخى سُدوله. ورأيت فلاناً هاكعاً ، أي مُكِبّاً. وقد هكع إلى الأرض ، إذا أكبَّ.

عهك : أهمله الليث وغيره. ووجدت حرفاً قرأته في «نوادر الأعراب» ، يقال : تركتهم في عيهكة وعوهكة ، ومَعْوَكة وعَوِيكة ، ومَحْوَكة. وقد تعاوكوا ، إذا اقتتَلوا.

باب العين والهاء مع الجيم

[ع ه ج]

استعمل وجوهه : عهج ، عجه ، هجع ، جعه.

عهج : أبو عبيد عن أبي عمرو الشيباني :

٩٣

العَوهج : الظَّبية الطويلة العنق.

وقال الليث : يقال للناقة الفتية عَوهَج.

ويقال للنعامة عوهج. وقال العجاج :

في شملةٍ أو ذات زِفٍ عوهجا

كأنه أراد الطَّويلة الرجلين.

وروى أبو تراب للأصمعيّ أنه قال : العَهج والعوهج : الطويلة.

عجه : أهمله الليث.

وقرأت في كتاب «الجيم» لابن شميل : عجهت بين فلان وفلان ، معناه أنه أصابهما حتى وقعت الفُرقة بينهما.

قال : وقال أعرابيّ : أندرَ الله عينَ فلان ، لقد عجَّهَ بين ناقتي وولدها.

قلت : وهذا حرفٌ غريب لا أحفظه لغير النضر ، وهو ثقة.

هجع : يقال أتيت فلاناً بعد هَجْعة ، أي بعد نومة خفيفة من أوّل الليل. وقد هجع يهجع هجوعاً ، إذا نام. وقومٌ هجوع ، ونسوةٌ هُجَّع وهواجع.

وروى ابن حبيب عن ابن الأعرابي : يقال للرجل الأحمق الغافل عما يراد به : هِجْع وهِجعة ، وهُجَعة ، ومِهجَع وأصله من الهُجوع وهو النوم.

وقال أبو تراب : مضى هجيعٌ من الليل وهزيعٌ ، بمعنًى واحد. قال : وقال ابن الأعرابي : هجَع غَرَثُه وهَجَأَ ، إذا سكن.

قال : وقال ابنُ شميل : هجع جوعُ الرجل يهجع هَجعاً ، أي انكسر جوعُه ولم يشبع بعدُ. قال : وهجأ فلان غَرَثَه وهجعَ غرثَه ، وهجأ غرثُه أيضاً. قال : وأهجع غرثَه وأهجأه ، إذا سكَّن ضَرَمه.

قال : وهجّع القومُ تهجيعاً ، إذا نوّموا.

قلت : وسمِعت أعرابياً من بني تميم يقول : هجعنا هجعةً خفيفةً وقتَ السَّحَر.

جعه : الجِعَة من الأشربة. وهو عندي من الحروف الناقصة ، وقد أخرجتُه في معتل العين والجيم فأوضحته.

[ع ه ش]

أهملت وجوهها. وأهمل سائر وجوهه.

باب العين والهاء مع الضاد

[ع ه ض]

استعمل من وجوهه : عضه.

وأهمل سائر وجوهه.

عضه : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ألا أنبئكم ما العِضَهُ؟». قالوا : بلى يا رسول الله. قال : «هي النَّميمة».

قال أبو عبيد : وكذلك هي في العربية. وأنشد قوله :

أعوذُ بربي من النافثا

ت في عُقَد العاضه المُعْضِه

وفي حديث ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إياكم والعِضَهَ ، أتدرون ما العِضَه؟ هي النميمة».

وروى الليث في كتابه «لعن رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم العاضهة والمستعضهة» ، وفسره : الساحرة والمستسحرة. وروى أبو عبيد عن الكسائيّ أنه قال : العِضَهُ الكذب ، وجمعه عِضُونَ ، وهو من العضيهة. قال : ويقال : يا لِلعضيهة ،

٩٤

وياللأَفيكة ، ويا لِلْبَهِيتة.

قال شمر وغيره من النحويِّين : كسرت هذه اللام على معنى اعجبوا لهذه العضيهة.

وإذا نُصِبت اللام فمعناها الاستغاثة ، يقال ذلك عند التعجُّب من الإفك العظِيم.

وأما قول الله جلّ وعزّ : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) [الحِجر : ٩١] فقد اختلف أهل العربية في اشتقاق أصله وتفسيره : فمنهم من قال واحدها عِضَة ، وأصلها عِضْوة ، من عضَّيتُ الشيء ، إذا فرَّقتَه ، جعلوا النُّقصانَ الواو. المعنى أنَّهم فرَّقوا ـ يُعنَى المشركون ـ أقاويلَهم في القرآن ، أي فجعلوه مرّةً كَذِباً ، ومرّة سِحراً ، ومرّةً شعراً ، ومرة كِهَانة. ومنهم من قال : أصل العِضَة عِضْهة ، فاستثقلوا الجمعَ بين هاءين فقالوا عِضَة ، كما قالوا شَفَة والأصل شَفْهة ، وكذلك سَنَة وأصلها سَنْهة.

وقال الفراء : العِضُون في كلام العرب السِّحر ، وذلك أنّه جعله من العِضْه.

وروي عن عكرمة أنه قال : العِضْهُ السِّحر بلسان قريش. وهم يقولون للساحر عاضه.

والكسائي ذهب إلى هذا.

وروى أبو عبيد عن أبي عبيدة أنه قال : الحيّة العاضِهُ والعاضهة : التي تقتُل إذا نهست من ساعتها.

وقال ابن السكيت : العضيهة : أن تعضه الإنسانَ وتقولَ فيه ما ليس فيه. قال : وإذا كان البعير يرعى العِضاهَ قلت بعيرٌ عَضِهٌ.

وإذا نسبت إلى العضاه قلت عِضاهيٌ. قال : وأرضٌ مُعضِهة : كثيرة العِضاه. وأنشد :

وقرَّبوا كلَّ جُماليٍ عَضِهْ

قلت : واختلفوا في عضاه الشجر. فأمّا النحويون فإنهم يقولون : العضاهُ من الشجر : ما فيه شوك.

وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال : العضاه واحدها عِضَة ، ويقال عِضَهٌ ، ويقال عِضْهة. قال : وهي كل شجرة جازت البقول كان لها شوك أو لم يكن.

قال : والزَّيتون من العِضاه.

أبو عبيد عن الأصمعيّ أنه قال : العِضاه كلُّ شجرٍ له شوك. قال : ومِن أعرفِ ذلك الطَّلح ، والسَّلَم ، والعُرفُط.

وروى ابن هانىء عن أبي زيد أنه قال : العِضَاهُ اسمٌ يقع على شجرٍ من شجر الشوك له أسماءٌ مختلفة يجمعها العِضاه.

قال : وواحد العِضاه عضاهة وعِضْهة وعِضَة. قال : وإنّما العضاه الخالصُ منه ما عظُم واشتدَّ شوكه. قال : وما صغُر من الشوك فإنّه يقال له العِضُّ والشِّرس. قال : والعِضُّ والشِّرس لا يُدعَيانِ عِضاهاً.

قلت : وقد مرَّ هذا في باب العض بأكثر من هذا الشرح.

ومن أمثال العرب : «فلان ينتجب عِضاهَ فلان» ، معناه أنّه ينتحل شِعره والانتجاب : أخذ النَّجَب من الشجر ، وهو قِشره.

ومن أمثالهم السائرة :

ومن عِضَةٍ ما يَنْبُتنَّ شَكيرُها

وهو كقولهم. «العصا من العُصَيّة» وقال الشاعر :

٩٥

إذا مات منهم ميِّتٌ سُرِق ابنُه

ومن عِضَةٍ ما يَنبتنَّ شكيرها

يريد أنّ الابنَ يشبه الأبَ ، فمن رأى هذا ظنّه هذا ، فكأنَّ الابن مسروق. والشَّكير : ما ينبُت في أصل الشجرة.

ع ه ص

أهملت وجوهها.

ع ه س

أيضاً مهملة الوجوه.

باب العين والهاء مع الزاي

[ع ه ز]

استعمل من وجوهه : هزع ، عزه.

هزع : أبو عبيد عن الأحمر : مضى هزيعٌ من الليل كقولك : مضى جَرْسٌ وجَرشٌ وهَدِىء كلّه بمعنًى واحد.

قال أبو عمرو : تهزّعت المرأة في مِشيتها ، إذا اضطربت. وقال أبو عبيد : وأنشدنا قولَ الراجز في صفة امرأة :

إذا مَشَتْ سالت ولم تُقَرصِعِ

هزّ القَناةِ لَدْنةَ التهزُّعِ

قال : قرصعت في مشيتها ، إذا قرمطت خُطاها.

وقال الأصمعيّ : مرّ فلانٌ يَهزَع ويَمْزَع ، أي يُسرع.

وفرس مهتزِع : سريع. وسيف مهتزع : جيّد الاهتزاز. وأنشد ابنُ السكيت :

من كلِّ عَرّاصٍ إذا هِزَّ اهتَزَعْ

مثل قُدامَى النَّسرِ ما مَسَّ بَضَعْ

أراد بالعرّاص السَّيفَ البرّاق المضطرب.

وقوله «إذا هُزّ اهتزع» أي إذا اهتزَّ. وسيفٌ مهتزِعٌ : جيّد الاهتزاز إذا هُزّ. وفرسٌ مهتزع : شديد العَدْو.

أبو تراب : قال الأصمعي : مر فلانٌ يَهْزع ويَقْزِع ، أي يَعرُج ، وهو أن يعدوَ عدواً شديداً أيضاً. وأنشد ابن السكيت لرؤبة يصف الثور والكلاب :

وإن دنتْ من أرضه تهزَّعا

أراد أنّ الكلابَ إن دنت من قوائم الثور تهزَّعَ ، أي أسرعَ في عدوه.

وقال الأصمعيّ وغيره : انهزَعَ عَظمُه انهزاعاً ، إذا انكسر ، وقد هزعته تهزيعاً.

وأنشد :

لَفتاً وتهزيعاً سَوَاءَ اللَّفْتِ

أي سِوى اللَّفت ، وهو اللَّيُّ دونَ الكسر.

الحرّاني عن ابن السكيت : يقال : ما في كنانته أهزع ، أي ما فيها سهم.

قال : فيتكلم به بحرف الجحد. إلّا أَنَّ النمر بن تولب قال :

فأرسل سهماً له أهزعا

فشكَّ نواهقَه والفَما

وقال الليث : الأهزع من السِّهام : ما يبقى في الكنانة وحده ، وهو أردؤها.

قال : ويقال ما في الجَعْبة إلَّا سهمُ هِزَاعٍ أي وحدَه. وأنشد :

وبقيتُ بعدهُم كسهمِ هِزَاعِ

وقال العجاج :

لا تك كالرامي بغَيرِ أَهزَعا

٩٦

يعني كمن ليسر في كنانته أهزع ولا غيره ، فهو يتكلّف الرمي بلا سهمٍ معه.

قال : والتهزُّع : العُبوس والتنكُّر. يقال تهزَّعَ فلانٌ لفلان. قال : واشتقاقه من هزيع اللَّيل ، وهي ساعةٌ ذاتُ وحشة.

عزه : أبو عبيد عن الأصمعي : رجلٌ عِزهاةٌ وعِنْزَهوةٌ ، كلاهما العازفَ عن اللهو قال : وقال الكسائيّ : فيه عِنْزهوة ، أي كِبْر.

قلت : والنون والواو والهاء الأخيرة زائدات في العنزهوة.

وقال الليث : جمع العِزهاةِ عِزْهُونٍ ، تسقط منه تلك الهاء والألف الممالة ، لأنها زائدة فلا تستخلِف فتحة ، ولو كانت أصلية مثل ألف مثنَّى لاستخلَفت فتحةً كقولك مُثَنَّوْن. قال : وكلُّ ياءٍ ممالة مثل ياء عيسى وياء موسى فهي مضمومة بلا فتحة ، تقول في جمع موسى وعيسى عِيسُونَ ومُوسُونَ. وتقول في جمع أعشى أعشَوْن ، ويحيى يحيَون لأنه على بناء أفعل ويفعل ، فلذلك فتحت في الجمع.

باب العين والهاء مع الطاء

[ع ه ط]

استعمل من وجوهه : هطع وأهمل باقي وجوهه.

هطع : قال الله عزوجل (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) [إبراهيم : ٤٣]. سمِعتُ أبا الفضل المنذريّ يقول : المهطِع : الذي ينظر في ذلٍّ وخشوع. والمُقْنِعُ : الذي يرفع رأسه وينظر في ذلّ. وقال إبراهيم بن السريّ في قوله (مُهْطِعِينَ) [إبراهيم : ٤٣] : مسرِعين.

وأنشد :

بدجلة أهلُها ولقد أراهم

بدجلةَ مُهطِعين إلى السماعِ

أي مُسرِعين وهو قول أبي عبيدة.

ويقال : أهطعَ البعير في سيره واستهطع إذا أسرع. وقال بعض المفسّرين في قوله (مُهْطِعِينَ) [إبراهيم : ٤٣] قال : محمِّجين.

والتحميج : إدامةُ النظر مع فتح العينين.

وإلى هذا ذهب أبو العباس.

وقال الليث : بعير مهطِع : في عنقه تصويب. ويقال للرجل إذا قرّ وذلّ : قد أربخَ وأهطَع. وأنشد الليث :

تَعَبّدني نِمْر بن سعد وقد أُرى

ونمر بن سَعدٍ لي مطِيعٌ ومُهطِعُ

قال : وهطَع يهطَع ، إذا أقبل على الشيء ببصره.

وقال شمِر : لم أسمع «هاطع» إلّا لطُفيل ، وهو الناكس. وقال أبو عبيدة : أهطع وهَطَع ، إذا أسرعَ مقبلاً خائفاً ، لا يكون إلا مع خوف.

وقال ابن دريد : الهَطِيع : الطريق الواسع.

قلت : ولم أسمع الهَطِيع بمعنى الطريق لغيره ، وهو من مناكيره التي يتفرد بها.

باب العين والهاء مع الدال

[ع ه د]

استعمل من وجوهه : عهد ، عده ، هدع ، دهع.

٩٧

عهد : وفي الحديث أن عجوزاً زارت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة ، فأقبل عليها وتخفَّى بها ، فعاتّبتْهُ عائشةُ في إقباله عليها فقال : «إنها كانت تأتينا أزمانَ خديجة ، وإنَّ حُسْنَ العهد من الإيمان». قال أبو عبيد : العهد في أشياء مختلفة : فمنها الحِفاظ ورعاية الحرمة ، وهو هذا الذي في هذا الحديث. قال : ومنها الوصيّة ، كقول سعد حين خاصم عَبْدَ بنَ زَمْعة في ابن أمَة زمْعة فقال : «هو ابن أخي ، عَهِدَ إلىَّ فيه أخي» ، أي أوصى. قال : ومنه قول الله جلّ وعزّ : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ) [يس : ٦٠] يعني الوصيّة. قال : والعَهد : الأمان ، قال الله جلّ وعزّ : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البَقَرَة : ١٢٤] ، وقال : (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ) [التّوبَة : ٤]. قال : ومن العهد أيضاً اليمين يحلفُ بها الرجل يقول : عليّ عهدُ الله. قال : ومن العهد أيضاً أن تَعهد الرجلَ على حالٍ أو في مكان فتقول : عَهدي به في مكانٍ كذا وكذا ، وبحالِ كذا وكذا. قال : وأما قول الناس : أخذتُ عليه عَهد الله وميثاقَه ، فإن العهدَ هاهنا اليمين ، وقد ذكرناه.

قلت : والعهد : الميثاق ، ومنه قول الله جلّ وعزّ : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) [النّحل : ٩١].

وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال : العَهْد : جمع العَهْدة ، وهو الميثاق واليمين التي تستوثق بها ممّن يعاهدك ؛ وإنَّما سمّي اليهودُ والنصارى أهل العهد للذمّة التي أُعطُوها والعُهْدة المشترطة عليهم ولهم. قال : والعهد والعهدة واحد. تقول : برئتُ إليك من عُهدة هذا العبد ، أي مما يدركك فيه من عيبٍ كان معهوداً فيه عندي قال : ويقال استعهَدَ فلانٌ من فلان ، أي كتب عليه عُهدة وأنشد لجرير يهجو الفرزدقَ حين تزوّجَ بنتَ زِيق :

وما استعهدَ الأقوامُ من ذي خُتونةٍ

من الناس إلّا منك أو من مُحاربِ

قال : وإنّما قيل «وليّ العهد» لأنه وليّ الميثاق الذي يؤخذ على مَن بايَعَ الخليفة. قال : والعَهدة ، بفتح العين : أوّل مطرٍ ، وجمعُها العِهاد. والوَلِيّ : الذي يليها من الأمطار ، أي يتّصل بها من الأمطار. قال : والعَهْد : ما عهدتَه فثافنتَه. تقول : عهدي بفلانٍ وهو شابٌّ ، أي أدركته فرأيته كذلك. وكذلك المَعْهَد.

وقال الليث : المعهَد : الموضع الذي كنتَ عهِدتَه أو عهِدتَ به هوًى لك. والجميع المعاهد. قال : والمعاهَدة والاعتهاد والتَّعاهُد والتعهُّد واحد ، وهو إحداث العهد بما عهِدته.

شمر عن ابن الأعرابي قال : العِهاد : أوائِلُ الوسميّ ، واحدها عَهد. وقال أبو زيد : العَهْد المطر الأوّل ، وجمعها العِهاد. يقال أرضٌ معهودة ، إذا عمَّها المطر. قال : والأرض المعهَّدة تعهيداً : التي تصيبها النُّفضة من المطر. والنُّفضة : المَطْرة تصيب القطعة من الأرض وتخطىء القطعة. يقال أرض منفّضة تنفيضاً.

وقال ابن شُميل : يقال متى عهدُك بفلان؟ أي متى رؤيتك إيّاه؟ وعَهده : رؤيته ويقال

٩٨

أنا أُعهِدُك من هذا الأمر ، أي أنا كفيلك وأنا أُعهدك من إباقِه ، أي أُبرِّئك من إباقه.

وقال أبو عبيد : قال الأحمر : يقال في كراهة المعايب : «المَلَسَى لا عُهدة له» ، قال أبو عبيد : معناه أنّه خرجَ من الأمر سالماً وانقصَى عنه ، لا له ولا عليه.

قلت : وفسّره غيره فقال : المَلَسَى أن يبيع الرجلُ سلعةً يكون قد سرقَها فيمَّلِسُ ويغيب عن مشتريها ساعةَ يقبض ثمنها ، فإن استُحقّت في يدَي المشتري لم يتهيَّأ له أن يتبع البائع بضمان عهدتها ، لأنه امَّلسَ هارباً واستخفى. وعُهدتها : أن يبيعَها وبها عيبٌ تُردُّ من مثله ، أو يكون فيها استحقاقٌ لمالكها ، والمَلَسَى ذَهابٌ في خُفية ، كأنها صفةٌ لفَعْلته. وقال اللِّحياني : يقال في عقله عُهدةٌ ، أي ضعف. وفي خطِّه عُهدة ، إذا لم يُقِم حروفَه. وقال أبو سعيد : العَهِد : الذي يحبُّ الولايات والعهود. وقال الكميت :

نامَ المهلَّب عنها في إمارته

حتى مضَت سَنَةٌ لم يَقْضِها العَهِدُ

قال : وكان المهلَّب يحبُ العهود. وأنشد أبو زيد :

فهنَّ مُناخاتٌ يُجلَّلنَ زينةً

كما اقتانَ بالنَّبت العِهادُ المحوَّف

قال أبو مالك : المحوَّف الذي قد نبتت حافاتُه ، واستدار به النبات. والعِهاد : مواقع الوسميّ من الأرض.

وقال النضر بن شميل : قال الخليل بن أحمد : فَعَلَ له معهود ومشهود وليس له موعُود. قال : مشهود يقول هو الساعةَ ، والمعهود ما كان من أمس ، والموعود ما يكون غداً.

أبو حاتم عن أبي زيد : تعهدّت ضيعتي وكلّ شيء ، ولا يقال تعاهدت.

قلت : وقد أجاز الفرّاء تعاهدت ، رواه عنه ابن السكيت.

ويقال : عاهدتُ الله ألّا أفعل كذا وكذا.

ومنه الذميُ المعاهَد الذي أُومنَ على شُروط استُوثِقَ منه بها ، وعلى جزيةٍ يؤدِّيها ، فإن لم يفِ بها حلَّ سفكُ دمه.

وقال أبو زيد : من أمثالهم : «متى عهدُك بأسفلِ فيك» ، وذلك إذا سألتَه عن أمرٍ قديم لا عهدَ له به.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يُقتل مؤمنٌ بكافر ، ولا ذو عهدٍ في عَهْدِه» ، معناه لا يقتل مؤمنٌ بكافرٍ بتّةً لأنهما غير متكافىء الدم ، وإنّما يتكافأ دماء المؤمنين. ثم قال : ولا يقتل ذو العهد من الكفّار ، أي ذو الذمّة والأمان ، ما دامَ على عهده الذي عُوهِد عليه ، فنهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قتل المؤمن بالكافر ، أيَّ كافر كان. ونهى عن قتل الذمّي المعاهَد الثابت على عهده.

عده : العَيْدَه : السيّء الخلُق من الإبل وغيره. قال رؤبة :

وخَبْطَ صِهميم اليدين عَيدهِ

ويقال : فيه عَيدهَةٌ وعيدهيّة ، أي كِبْر.

وكلُّ من لا ينقاد للحقّ ويتعظّم فهو عَيدَهٌ

٩٩

وعَيداه. وقال الشاعر :

وإني على ما كان من عَيْدهِيّتي

ولُوثة أعرابيّتي لأرِيبُ

هدع : قال الباهليّ : الهَودع : النعام.

وقال ابن شميل : هِدَعْ زجرٌ للبَكر تسكّنه. ويقال إن رجلاً أتَى السُّوقَ ببكرٍ له يبيعه ، فساومَه به رجل فقال : بكم البَكر؟ قال : إنّه جمل. قال : هو بَكر فبينما هو يماريه إذْ نفر البكر فقال صاحبه ، هِدَعْ وإنما يقال هِدَعْ للبَكر ليسكن ، فقال : «صَدَقني سِنُّ بكرِه».

دهع : قال الليث : دَهاعِ ودَهْدَاع : زجرٌ للعُنوق. ويقال دَهدعَ بها راعيها دَهدعة ، وكلاهما مجروران. ويقال دَهَّع بها أيضاً.

باب العين والهاء مع التاء

[ع ه ت]

استعمل من وجوهه : عته ، عهت.

عته : أبو العباس عن عمرو عن أبيه قال : المعتوه والمخفوق : المجنون. قال : وقال ابنُ الأعرابيّ : قال المفضّل : رجل معتّه ، إذا كان مجنوناً مضطرباً في خَلْقه. ورجل معتّه ، إذا كان عاقلاً معتدلاً في خَلْقه.

قال أبو العبّاس : وقال الأصمعيّ نحواً من ذلك.

وقال أبو سعيد الضرير : تعتّه فلانٌ في كذا وكذا ، وتأرّب ، إذا تنوَّقَ وبالغَ. وفلانٌ يتعتّه لك عن كثيرٍ ممّا تأتيه ، أي يتغافل عنك فيه.

وقال الليث : المعتوه : المدهوش من غير مَسِّ جُنون قال : والتعتُّه : التجنُّن وأنشد لرؤبة :

عن التصابي وعن التعتُّهِ

وقال غيره : عُتِه فلانٌ في العلم ، إذا أولعَ به وحَرَص عليه. وعُتِه فلان في فلان ، إذا أولع بإيذائه ومحاكاة كلامه وحركاته ويقال هو عَتيهُه ، وجمعه العُتَهاء. وهو العَتاهة والعتاهية : مصدر عُتِهَ ، مثل الرفاهة والرَّفاهيَة.

أبو العباس عن ابن الأعرابي : ما كانَ فلانٌ معتوهاً ولقد عُتِه عتْهاً.

عهت : روى أبو الوزاع عن بعض الأعراب : فلانٌ متعهِّتٌ ، إذا كان ذا نِيقة وتخيُّر ؛ وكأنه مقلوب عن المتعتِّه.

ع ه ظ ـ ع ه ذ ـ ع ه ث

أهملت وجوهها.

باب العين والهاء مع الراء

[ع ه ر]

استعمل من وجوهه : عهر ، هرع ، هعر.

عهر : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الولد للفِراش وللعاهر الحجر» ، العاهر : الزاني.

قال أبو زيد : ويقال للمرأة الفاجرة عاهرة ، ومُعاهِرة ، ومسافحة.

وقال أبو عبيد : معنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وللعاهر الحجر» ، أي لا حقّ له في النسب ؛ وهو كقولك : له التُّراب ، وبِفيه الأثلَب ، أي لا شيء له.

وروى أبو عُمر عن أحمد بن يحيى ومحمد بن يزيد أنهما قالا : يقال للمرأة

١٠٠