مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٦

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٦

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم وجوب الاستيجار ، للأصل ، وعدم دليل دال عليه ، وادعاء الإجماع في المنتهى على عدم وجوب الاستيجار على المريض ، مع عدم اليأس ، وقال : انه مستحب.

والمراد بتخلية السرب ، وخلوة عن الخوف المانع ، كون الطريق أمنا في الذهاب والرجوع الى اهله ، ووجدان رفقة يأمن معهم ، ولو ظنا ، وقال في المنتهى : وعليه فتوى علمائنا.

فدليله الإجماع ، وما في الخبر المتقدم (١) (أو سلطان يمنعه) والعقل ، والنقل ، الدّالان على نفى الضيق والحرج.

وظاهر ان خوف النفس داخل ، ولا يبعد خوف البضع ، وخوف تلف المال ، الذي يؤل اليه ، وامّا غيره ـ مع القدرة ، ولو كان كثيرا بشرط ظن سلامتهما ، مع الوصول الى المقصود ، والرجوع الى الأهل ـ فغير ظاهر كونه مانعا ، إذ لا إجماع ، ولا خبر ، وظاهر الآية (٢) والأخبار الدالة على وجوب الحج مطلقا ، مع الاستطاعة (٣) ، يدل على عدم كونه مانعا من وجوب الحج حينئذ.

وكذا لو كان الدفع موقوفا على بذل مال ، فلا يبعد الوجوب مع عدم الضرر ، ووجوب حفظ المال ، على إطلاقه ممنوع ، خصوصا إذا عارض واجبا ، ولهذا وجب شراء الماء بأضعاف ثمنه ، وقد مرّ دليله ، وفتوى العلماء على ذلك.

وكأنه صار جميع ما يؤخذ في الطريق من مؤنته ، ولو فرض كون ذلك المال الكثير مؤنة الطريق ـ بان يصرف في الزاد والراحلة ، أو الماء ، أو الدليل ، مثلا ـ فالظاهر عدم النزاع في جواز صرفه ، بل وجوبه ، والذهاب الى الحج معه ، ولو جعل

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب وجوب الحج وشرائطه الرواية ١.

(٢) آل عمران ٩٧.

(٣) راجع الوسائل الباب ١ من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

٦١

وسعة الوقت

فلا يجب على الصبي ، ولا المجنون ، ولو حجّا أو حجّ عنهما لم يجز عن حجّة الإسلام.

______________________________________________________

مثل ذلك مانعا ولم يجب الحج لذلك ، يلزم عدم جواز السفر غالبا مطلقا ، إذ قليلا ما يخلو السفر عن أخذ المال ظلما ، مثل العشور وغيره مما يأخذه الأعراب المسلّطون على الأموال ، والأنفس ، في أكثر الطرق.

ومنه يعلم انه لو توقف الحج على بذل مال ليزول العدوّ ، ويخلو الطريق ، وجب ذلك لعموم أدلة وجوب الحجّ (١) مع عدم ما رأيناه صالحا للمنع ، وتخصيصا لتلك الأدلّة ، نعم لو ثبت إجماع ونحوه ، فهو متبع.

ثم الظاهر عدم وجوب الاستيجار ، على تقدير الخوف المانع من المباشر ، نعم لو علم اليأس ، وهو بعيد ، وكان الوجوب سابقا مع التقصير ، يمكن ذلك مثل الكبير والمعضوب ، مع احتمال العدم ، لاختصاص ظاهر الأدلّة بغير الخائف ، فتأمل.

واما اتساع الوقت للحج ، فظاهر اشتراطه ، ويدل عليه الإجماع ، والعقل ، والنقل (٢) فلو حصل الاستطاعة في وقت لا يمكن ادراك الحجّ ، فلا وجوب.

وكذا عدم الوجوب على تقدير عدم الآلات المحتاج إليها ، مثل أوعية الماء والزاد وغير ذلك ، وكل ذلك داخلة في إمكان المسير.

قوله : «فلا يجب على الصّبي ولا المجنون إلخ» تفريع عدم الوجوب والاجزاء على ما سبق ظاهر ، بمعنى أنّه لو حجّ بهما الولي ـ مع عدم التميز ، أو حجّا ، هما معه في الجملة ، وذلك في المجنون لا يخلو عن شي‌ء ولكنه ممكن ، ولا بد ان لا يكون

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ١ من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه.

(٢) الوسائل الباب ٦ من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه.

٦٢

ولو حجّا ندبا ثم كملا قبل المشعر أجزء ، ويحرم المميّز والولي عن غير المميّز والمجنون.

______________________________________________________

موجبا لوجوب الحجّ ـ لم يجز عنهما ، بمعنى انه لو زال المانع عنهما ، ووجد باقي الشرائط ، يجب عليهما حجّة الإسلام ولم يسقط عنهما ، بما فعلاه ، لان فعل شي‌ء قبل وجوبه لا يمنع وجوبه ، مع حصول شرائطه ، وهو ظاهر.

وكذا لو حجّ عنهما انه بمعنى انه حجّ بنيابتهما الولي ، أو جعل لهما نائبا ، فإنه يمكن جواز ذلك.

ويحتمل ان يراد بالأوّل حجهما بأنفسهما ، وبالثاني الحجّ بهما ، وهو الظاهر من عباراتهم ، وان كان الأوّل أوفق بالعبارة ، الّا انه يلزم فعل المجنون الحجّ ، وهو بعيد ، وأبعد منه تخصيصه بالصبي ، مع نيّته الفعل ، وانه سيجي‌ء أيضا انه لو حجّا ندبا إلخ وهو أيضا مشعر باعتبار فعل المجنون وقدرته عليه ، فلا يبعد فرضه له مع جنون مّا ، وان كان قوله بعيد هذا ، انه يحرم عن المجنون يشعر بعدمه ، فيحمل على غيره ، فتأمل.

قوله : «ولو حجّا إلخ» امّا سقوط الحجّ ـ على تقدير كما لهما برفع الجنون ، وبالبلوغ قبل المشعر ، فأدركا كاملين ، مع وجود باقي الشرائط ، مثل حصول الاستطاعة من مكانه على ما أزعم ، لا من بلده كما قيل ، ـ فهو (١) أنّهما أدركا ما يجزى للمضطر ، فيجزي مثله ـ مع إدراكهما باقي المناسك ـ بأمر الشارع (٢) وهذا واضح عندي ، لأني أقول بصحة عبادة الصبي المميز شرعا مع الشرائط مطلقا ، وهذه المسألة تؤيّده ، فافهم ، وفي الخبر (٣) الدّال على الاجزاء من العبد لو أدركه معتقا ، كما مرّ

__________________

(١) حق العبارة ، فلأنهما ، بدل فهو انهما.

(٢) راجع ما دل على صحة عبادات الصبي من الوسائل الباب ١٧ من أبواب أقسام الحجّ وغيره.

(٣) راجع الوسائل الباب ١٧ من أبواب وجوب الحجّ.

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

إشارة الى الاجزاء من الصبي أيضا.

ولا يبعد ذلك في المجنون المميز أيضا ، ولا ينبغي الحكم ممّن يقول بعدم شرعية أفعال الصبي ، بل محض التمرين ، لعدم صحة الإحرام وسائر الأفعال ، بخلاف العبد ، فعلى ما قلناه ينوى وجوب الوقوف فقط ، فيقع ، وعلى المشهور ، ينبغي تجديد الإحرام أيضا وهو مشكل فتأمل.

وإذا أحرم بهما ، يأمر هما بفعل ما يقدران عليه ، من التلبية وغيرها ويفعل هو ما يعجزان عنه ، فيلبّي عنهما ، ناويا ، ويجنّبهما عما يجتنبه ، حتى لبس المخيط ، وعقد النكاح ، وأكل الصيد ، والطيّب ، وغيرها ، ويطوف بهما.

وينبغي ان يضع الحصاة بيدهما ثم رمى بل بيدهما يرمى ، ومؤنتهما من ماله ، قاله في المنتهى ، ويدلّ عليه بعض الروايات (١).

وقال فيه أيضا : وكلّما يلزم المحرم من كفّارة في فعله ، لو فعله الصبي ، وجبت الكفارة على الولي ، إذا كان ممّا يلزم عمدا وسهوا ، كالصيد (الى قوله) : وامّا ما يلزمه بالعمد لا بالسّهو ، فللشيخ فيه وجهان (أحدهما) أنّه لا يلزمه ، لأنّ عمد الصّبي خطأ (٢) (والثاني) يلزم الولي ، لأنّه فعله ، والأوّل أقرب.

وقال الشيخ في التهذيب : كلّما يلزم فيه الكفارة فعلى وليّه أن يقضى عنه ، والهدى يلزم الولي.

روى زرارة (في الصحيح في الفقيه وغير صحيح في الكافي (٣) عن أحدهما

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ١٧ من أبواب أقسام الحجّ.

(٢) الوسائل الباب ١١ من أبواب العاقلة (من الديات) عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : عمد الصبي وخطاه واحد.

(٣) طريق الصدوق قده إلى زرارة (كما في المشيخة) هكذا وما كان فيه عن زرارة بن أعين فقد رويته عن أبي رضى الله عنه عن عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن عيسى بن عبيد ، والحسن بن طريف وعلي بن

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عليها السّلام ، قال : إذا حجّ الرّجل بابنه ، وهو صغير فإنّه يأمره أن يلبّى ويفرض الحجّ ، فان لم يحسن أن يلبّى لبّوا عنه (لبّى خ ل) ويطاف به ويصلّى عنه ، قلت : ليس لهم ما يذبحون (عنه قيه) قال عليه السّلام : يذبح عن الصّغار ويصوم الكبار ، ويتّقى عليهم ما يتّقى على المحرم من الثّياب والطّيب ، فان قتل صيدا فعلى أبيه (١).

وروى ابن بابويه (صحيحا في الفقيه (٢) وهو حسن في الكافي (٣)) عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله عليه السّلام ، قال : انظروا من كان معكم من الصبيان ، فقدّموه إلى الجحفة ، أو إلى بطن مرّ ، ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم ، ويطاف بهم ، ويرمى عنهم ، ومن لا يجد (منهم هديا كا) الهدى منهم ، فليصم عنه وليّه (٤).

وكان على بن الحسين عليهما السّلام (٥) يضع السّكّين في يد الصبي ، ثم يقبض على يده (يديه كا) الرجل ، فيذبح (٦).

وسأله سماعة ، عن رجل ، أمر غلمانه أن يتمتّعوا ، قال : عليه أن يضحّى عنهم ، قلت ، فإنّه أعطاهم دراهم ، فبعضهم ضحى وبعضهم أمسك الدراهم ،

__________________

إسماعيل بن عيسى كلّهم عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله عن زرارة بن أعين. وسند الحديث كما في الكافي هكذا : عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن احمد بن محمد بن ابى نصر عن مثنى الحناط عن زرارة.

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب أقسام الحجّ الرواية ٥.

(٢) طريق الصدوق قده إلى معاوية بن عمار (كما في المشيخة) هكذا : وما كان فيه عن معاوية بن عمار فقد رويته عن ابى ومحمد بن الحسن رضى الله عنهما عن سعد بن عبد الله والحميري جميعا عن يعقوب بن يزيد عن صفوان بن يحيى ومحمد بن ابى عمير جميعا ، عن معاوية بن عمار.

(٣) وطريق الحديث في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير عن معاوية بن عمار.

(٤) الوسائل الباب ١٧ من أبواب أقسام الحجّ الرواية ٣.

(٥) نسب الوسائل قوله وكان على بن الحسين (الى آخر الرواية) الى الصدوق وهو موجود في الكافي أيضا.

(٦) الوسائل الباب ١٧ من أبواب أقسام الحجّ الرواية ٤.

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وصام؟ قال : قد أجزأ عنهم ، وهو بالخيار ، ان شاء تركها (قال قيه) ولو أنّه أمرهم فصاموا ، كان قد أجزأ عنهم (١) (٢).

ـ والظاهر أنّ هذه في المملوك ، لا في الصّبي ، وان ذكرت في الفقيه في بابه ، فذكرها غير مناسب ، وأمثالها موجودة في الفقيه والكافي ، فظاهر الرواية وجوب الكفارة في قتل الصيد مطلقا على الوليّ.

والظاهر أنّه يجوز تجريدهم من فخ (٣) ويؤيّده أو بطن مرّ ، كما قالوه ، ويدلّ عليه رواية أيوب أخي أديم ، قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام ، من أين يجرّد الصبيان؟ فقال : كان أبى يجرّدهم من فخّ (٤).

ومثله صحيحة على بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السّلام (٥) ويحتمل للضرورة ، ومطلقا ، فيكون مخيّرا بين التجريد في الميقات ، وهنا ، ولا يبعد كون الأوّل أفضل ، وفعله عليه السّلام ، لبيان الجواز وغيره.

وأيضا ويحتمل كون الإحرام من الميقات وتأخير التجريد الى فخ ، وتأخيره أيضا ، وهو الأظهر.

واعلم انّ الوليّ إذا أحرم بالصبي ينوي ، ويقول : اللهم إنّي أحرمت بابني هذا بالعمرة المتمتّع بها ، الى آخر التلبية ، كذا قيل ، ويقول أحرم بهذا الصبي إلخ ، فيأمره بالتلبية ، ان قدر ، والّا لبّى ، وكذا سائر الأفعال ، فكلّما يقدر يفعله ، وما لم

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب الذبح الرواية ٨.

(٢) انتهى كلام المنتهى.

(٣) الفخ بفتح اوّله وتشديد ثانيه بئر قريبة من مكة على نحو فرسخ ، ومرّ على وزن فلس ، موضع بقرب مكة من جهة الشام (قاله في مجمع البحرين).

(٤) الوسائل الباب ١٧ من أبواب أقسام الحجّ الرواية ٦.

(٥) الوسائل الباب ١٧ من أبواب أقسام الحجّ الرواية ٦ على طريق الشيخ.

٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

يقدر ، يفعل عنه الولي.

وينزع عنه أوّلا المخيط ، ثمّ يلبسه ثوبي الإحرام ، ويجنّبه بعده ما يجتنب عنه المحرم ، وكذا يفعل بالطواف والصلاة.

وانّ الولي هو الأب وأبوه ، ويمكن ان يفعل ذلك وكليهما ، ويشعر به جوازه للوصي ، وكذا لا يبعد لوكيله أيضا.

وقيل للأمّ ولاية الإحرام بالطّفل وهو أيضا غير بعيد ، لأنّه فعل قابل لأنّ يفعله غيره وهو مرغوب من الشارع فلا خصوصيّة لغيرها مع فرض عدم الضرر.

ولما في صحيحة عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه السّلام ، قال : سمعته يقول مرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله برويثة (١) وهو حاجّ ، فقامت إليه امرأة ، ومعها صبيّ ، فقالت : يا رسول الله صلّى الله عليه وآله أيحجّ عن مثل هذا؟ قال : نعم ولك أجره (٢)

فإنها مشعرة بأنّها تفعل ما يحتاج لإحرامه حتى يكون الأجر لها فتأمل.

ولأنّه ما اشترط في الجواز إذن الأب ووجوده ، إذ قد لا يكون له أب ولا يأذن (٣) فلو كان موقوفا كان ينبغي بيان ذلك ، بل لو لم يكن إجماع ، لأمكن لغيرهم ذلك ، مع عدم الضرر وعدمهم.

وانه قيل يتوقف حجّة على اذن الوالدين ، وذلك غير ظاهر ، في المميّز العاقل على تقدير توقّف تسليم سفره على إذنهما ، على ما قيل.

الّا ان يقال من جهة كونه مأمورا بالرجوع إليهما ، (وقيل) بالتوقف على إذن الأب فقط ، (وقيل) بالعدم مطلقا ، وهو مقتضى الأصل ، وعموم بعض ما

__________________

(١) قال في المجمع : رويثه موضع بين الحرمين قاله في (ق).

(٢) الوسائل الباب ٢٠ من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه الرواية ١.

(٣) والمراد انه قد لا يكون للصبيّ أب أو يكون ولا يأذن.

٦٧

ولو حجّ المملوك باذن مولاه لم يجزئ عن حجة الإسلام الّا ان يدرك المشعر (١) معتقا.

______________________________________________________

يدل على جواز الأمور لهم مثل الحجّ (٢) ولا يقاس الى الصوم والجهاد على تقدير الثبوت.

وأنّ عبادته صحيحة ، وقد بيّن في الأصول وغيره ، وهنا قد صرح بها المصنف في المنتهى وغيره ، وفي الصوم أيضا ، وان منعها أيضا ، والتأويل بعيد. لا يرتكب من غير ضرورة ، وصحة حجته ـ واجزائها عن حجة الإسلام ، لو أدرك المشعر كاملا ـ دليل واضح عليها.

وانّ القول بها ـ مع عدم صحة الإحرام ، وباقي الافعال ، وعدم شرعيتها ، كما يظهر من البعض ـ بعيد جدا ، فتأمل.

وكذا المجنون ، لو فعل ما يصح مع شعوره ، ثم زال جنونه قبله ، كما يشعر به قوله : «ولو حجّا ندبا» إلخ وان كان قوله : ـ ويحرم المميز والولي عن غير المميز والمجنون ـ يشعر بعدم إمكان الإحرام من المجنون بنفسه ، فيحمل على انه قسمان ، مثل غير البالغ ، مميز وغيره ، فتأمل.

ثم اعلم ، انه قد علم ممّا تقدم ، دليل الإحرام بالصبي لا المجنون ، الّا ان يكون إجماعا ، فتأمل.

قوله : «ولو حجّ المملوك إلخ». قد مرّ ما يدل على توقف شروعه في الحجّ على اذنه ، فلو شرع في الحجّ غير مأذون لم يجزئ (يجزئه خ ل) عن حجة الإسلام ، ولو أدرك المشعر معتقا ، وهو ظاهر ، وكذا ما يدل على الاجزاء عن حجة الإسلام ، لو أدرك المشعر حينئذ معتقا مع شرط الاستطاعة وباقي الشرائط.

__________________

(١) وفي بعض النسخ الخطية أحد الموقفين بدل المشعر.

(٢) راجع الوسائل الباب ١٧ من أبواب أقسام الحجّ.

٦٨

ويتم لو أفسده ، ويقضيه في القابل ، ويجزيه القضاء ان كان عتقه قبل المشعر.

______________________________________________________

ويدل عليه أيضا صحيحة معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السّلام مملوك أعتق يوم عرفة قال : إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحجّ (١).

والظاهر انّ ما يلزمه من الهدى ، والكفارات ، فعلى السيّد ، لأن الاذن في الحجّ مستلزم لذلك.

ويدل عليه صحيحة حريز (في الفقيه وحسنته في الكافي) عن ابى عبد الله عليه السّلام قال : كلما أصاب العبد وهو محرم في إحرامه فهو على السيد ، إذا اذن له في الإحرام (٢) ومثل رواية سماعة (٣) المتقدمة عن قريب ، يدل على جواز الصوم بدل الذبح ، وكذا الذبح ، ويدل على الذبح أيضا (ما في الصحيح) عن إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليه السّلام عن غلمان لنا دخلوا معنا مكة بعمرة وقد خرجوا معنا الى عرفات بغير إحرام قال : قل لهم يغتسلون ثم يحرمون واذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم (٤).

قوله : «ويتمّ لو أفسده ويقضيه إلخ». يعني لو أفسد المملك حجّة ، بان جامع قبل الوقوف عمدا ، يجب عليه إتمام هذا الحجّ الفاسد ، والقضاء من قابل ، كغيره ، لأن الإفساد موجب لذلك ويجزيه القضاء عن حجة الإسلام ، لو كان العتق في الأصل ، قبل المشعر ، وهو حينئذ ظاهر ، خصوصا على تقدير وقوع الفساد بعد العتق ، فإنه

__________________

(١) الوسائل الباب ١٧ من أبواب وجوب الحجّ وشرائطه الرواية ٢.

(٢) الوسائل الباب ٥٦ من أبواب كفارات الصيد وتوابعها الرواية ١.

(٣) الوسائل الباب ٢ من أبواب الذبح الرواية ٨.

(٤) الوسائل الباب ٢ من أبواب الذبح الرواية ٧ رواها في الوسائل عن الكليني ره بهذا السند ـ عن أبي العلى الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى عن الحسن بن عمار وفي الكافي إسحاق بدل الحسن فتذكر.

٦٩

والّا فلا.

ومن وجد الزّاد والراحلة على نسبة حاله وما يمون به عياله ذاهبا وعائدا فهو مستطيع ، وان لم يرجع الى كفاية على رأى.

ولا تباع ثيابه ولا داره ولا خادمه.

______________________________________________________

يصير مثل حرّ أفسد حجّ إسلامه ، فقضى ، فيجزي عن حجة الإسلام ، وامّا إذا كان العتق وقع في حجّ القضاء قبله (١) فيحتمل ذلك أيضا ، على القول بكون القضاء هو حجّ الإسلام ، في غير هذه الصورة ، ويشعر به قوله هنا : بان القضاء يجزئ ، لأن القضاء انّما يجزى عن حجة الإسلام ، على تقدير كونه ايّاها لا عقوبة ، وسيجي‌ء تحقيق ذلك.

ويحتمل ان يراد باجزاء القضاء عنه اجزائه مع الفاسد ، سواء قلنا بأنّ الأولى حجة الإسلام أو عقوبة فتأمل.

قوله : «والا فلا». اى وان لم يعتق قبل المشعر ، فلا يجزى القضاء عن حجة الإسلام.

قوله : «ومن وجد الزاد إلخ». ينبغي حمله على نسبة حاله ، باعتبار القدرة معها الى السفر وعدم المشقة ، مثل ان يكون قادرا بالجمل دون الحمار ، والعكس ، والمحمل وغيره ، وكذا الزاد لا باعتبار الرفقة ، والشأن لما مرّ ، فتذكر ، وقد مر أيضا عدم اشتراط الرجوع الى كفاية ، واشتراط غيرها.

قوله : «ولا تباع ثيابه إلخ». دليل ـ عدم وجوب بيع ما يحتاج إليه عادة من الثياب والدار والخادم والأمتعة وغيرها ـ ظاهر ممّا تقدّم ، فانّ المفهوم من الاستطاعة في الآية والأخبار (٢) ما يقدر أن يحجّ به من ـ غير هذه الأشياء ، ولو قلنا

__________________

(١) اى قبل المشعر.

(٢) الوسائل الباب ٨ من أبواب وجوب الحجّ.

٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بصدق الاستطاعة معها ، فيمكن أن يقال أنّها خرجت بالإجماع ، المدّعى في المنتهى ، فإنّه قال : لا تباع داره الى قوله : وعليه اتفاق علمائنا.

ثم الظاهر انّ ثمن هذه الأشياء أيضا مستثناة مع الاحتياج إليها ، بحيث يحصل له المشقة عادة بدونها ، وكذا الكتب وغيرها ممّا يحتاج إليه أهلها ، بحيث لا يعدّ (لا يقال خ ل) معه مستطيعا.

ويجب بيع غير ذلك ، مما لا يحتاج إليه عادة ، كما قال في المنتهى : يجب بيع ما زاد على ذلك ، من الضّياع والذّخائر والأثاث التي له منها بدّ.

وليس بظاهر اشتراط دار مملوكة فإنّه إذا حصلت بالاستيجار مدّة يعيش ، أو بحيث تيقن وجوده دائما ، أو حصلت من الوقف ، ونحوه ، فلا يحتاج الى استثناء الدّار حينئذ على الظاهر.

وكذا الثمن ، بل لو باعها حينئذ واستأجر دارا وبقيت له الأجرة فاضلا عن مؤنة الحج ، يمكن وجوب الحج واجزائه عن حجة الإسلام ، وكذا الكتب (١) والخادم وأمثالها على الاحتمال ، فتأمل.

والأخبار المتقدمة ندل (٢) على المبالغة في أمر الحج ، وشدته ، وخرج ما خرج من الإجماع (بالإجماع ظ) والعقل والنقل وبقي الباقي ، وما نجد فيها من هذه الأمور شيئا وينبغي التأمل والتدبر في الأمور كلّها ، فإذا وجد دليل الاستثناء يستثنى ، والا فلا.

بل ظاهر الآية وأكثر الأخبار (٣) وجوب الحج على الماشي مع القدرة على

__________________

(١) قوله : وكذا الكتب ، لو وجدت بالعارية والوقف والاستيجار (هكذا وجد بخطه قده في بعض النسخ الخطية).

(٢) الوسائل الباب ١١ من أبواب وجوب الحج وغيره.

(٣) الوسائل الباب ١١ من أبواب وجوب الحج.

٧١

ولو وجد بالثمن وجب الشراء وان كان بأكثر من ثمن المثل على رأى.

والمديون لا يجب عليه الّا ان يفضل عن دينه قدر الاستطاعة.

______________________________________________________

المشي في البعض والركوب في البعض ، كما تقدم ، الا انهم أخرجوه بالإجماع ، وبعض الأخبار.

قوله : «ولو وجد بالثمن إلخ». أي لو وجد الزاد والراحلة بالثمن يجب شرائهما ، وان كان بأضعاف أضعاف الثمن ، ويدل عليه ما مرّ ، وهذا مؤيد له ، نعم لو وصل الى الضرر ، والخروج عن الاستطاعة ، لعدم بقاء مؤنة العيال ، ونحوها لم يجب ، وقد علم ممّا سبق ان الرأي المذكور متجه ، وغيره غير ظاهر.

قوله : «والمديون إلخ». عدم الوجوب بل عدم الجواز مع الطلب واضح ، وأمّا إذا أذن الدّيان خصوصا ، مع القدرة على تحصيله ، فيمكن جواز الحج.

ويدل عليه ، مثل ما في صحيحة أبي همام (الثقة) قال : قلت للرضا عليه السّلام : الرجل يكون عليه الدين ويحضره الشي‌ء أيقضى دينه أو يحجّ؟ قال :يقضى ببعض ويحج ببعض. قلت : فإنه لا يكون الّا بقدر نفقة الحج قال : يقضى سنة ، ويحج سنة ، قلت : اعطى المال من ناحية السلطان ، قال : لا بأس (به قيه) عليكم (١) ورواية معاوية بن وهب عن غير واحد قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام يكون علي الدين فيقع في يدي الدراهم فان وزّعتها بينهم لم يبق شي‌ء (لم يقع شيئا قيه) أفأحج بها أو أوزعها بين الغرّام؟ (٢) فقال : تحج بها وادع الله ان يقضى عنك دينك (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٠ من أبواب وجوب الحج الرواية ٦.

(٢) الغرام بضم الغين المعجمة وتشديد الراء جمع غريم (وفي الفقيه الغرماء بدل الغرام).

(٣) الوسائل الباب ٥٠ من أبواب وجوب الحج الرواية ١٠ (وفي النسخ التي عندنا من الشرح : معاوية بن وهب عن أبيه إلخ).

٧٢

ولا يجوز صرف المال في النكاح وان شق تركه.

______________________________________________________

وفي الأولى تأمل ، والثانية صريحة ، وكأنها حملت على وجود ما يقابل الدّين على ما مرّ ، لأخبار أخر (١) مقيدة به ، في الكافي ، ولكن الحمل بعيد ، فما قلناه ليس ببعيد.

ويمكن الوجوب أيضا لتحقق الاستطاعة المستلزمة له ، والدّين غير مانع ، لانه يجوز صرفه في غيره ، فيمكن فيه بالطريق الاولى ، خصوصا مع كثرة الأجل

نعم لا شك في (٢) تعيين عدم الحج ، بمعنى انه لو ادّى الدين لجاز ذلك ، وخرج عن الاستطاعة ، ويمكن حمل الأخبار الدالة على عدم الوجوب (٣) على المديون ، على ذلك ، فتأمل.

قوله : «ولا يجوز صرف المال في النكاح إلخ» وجهه ظاهر مما تقدم ، من صدق الاستطاعة ، وعدم استثناء مؤنة النكاح ، فتعين صرفه فيه.

ويؤيده ما رواه إسحاق بن عمار (في الحسن) عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال : قلت له رجل كانت عليه حجة الإسلام فأراد أن يحج ، فقيل له تزوّج ، ثمّ حجّ ، فقال : ان تزوجت قبل ان أحجّ فغلامي حرّ فتزوّج قبل ان يحج فقال أعتق غلامه فقلت : لم يرد بعتقه وجه الله فقال : انه نذر في طاعة الله والحج أحق من التزويج وأوجب عليه من التزويج قلت : فان الحج تطوع قال : وان كان تطوّعا فهي طاعة لله قد أعتق غلامه (٤).

وفيها بعض الاحكام ، فافهم ، الّا ان يحصل له مشقة شديدة أو مرض

__________________

(١) الوسائل الباب ٥٠ من أبواب وجوب الحج.

(٢) هكذا في جميع النسخ المخطوطة والمطبوعة ، ولكن الصواب : لا شك في عدم تعيين الحج.

(٣) الوسائل الباب ٥٠ من أبواب وجوب الحج.

(٤) الوسائل الباب ٧ من أبواب كتاب النذر والعهد الرواية ١ ـ ولكن في الوسائل عن ابى عبد الله عليه السّلام.

٧٣

ولو بذل له زاد وراحلة ومؤنة عياله وجب ، ولو وهب له مالا يستطيع به لم يجب القبول.

ولو استوجر لعمل في السفر بقدر الكفاية وجب ، ولا يجب القبول.

______________________________________________________

بسبب تركه لا يتحمّل مثلها ، فلا يبعد حينئذ جواز صرفه ، بل وجوبه فيه.

وكذا لا يجوز صرفه في سائر المندوبات مثل البرّ والإطعام والهدية.

واعلم ان الظاهر أنّ المراد بذلك وجوب الحج وتقديمه على النكاح ، وعدم استثناء مؤنته من الاستطاعة ، وكون ذلك في زمان وجوبه ، وخروج القافلة ، وتهيأ أسبابه ، وان كان قبله يجوز صرفه فيه ، وفي غيره على الظاهر وأنّه يجوز صرفه فيه وفي غيره على تقدير قدرته معه بالمشي ، ونحوه.

قوله : «ولو بذل إلخ» قد عرفت دليل الوجوب بالبذل ، وعمومه ، وعدم حسن قوله : ولو وهب مالا يستطيع به لم يجب القبول ، لعموم الأدلة ، وصدق (يصدق خ ل) الاستطاعة ، والمبالغة في وجوب الحج والعمرة بالكتاب والسنة (١).

وكذا عدم الفرق بين النذر وغيره ، والندر المعين وغيره ، وانه مع النذر بعيد ، لعدم وجوب أمر على شخص بنذر آخر فتأمل.

وبالجملة الوجوب دائر مع صدق الاستطاعة ، وهي القدرة على الحج مع الزاد والرّاحلة ، من غير مشقة ، ولا شبهة في صدقها مع الهبة ، والبذل ، والإعطاء ، والهدية ، والتحفة ، والأخذ معه ، والخرج (والخروج خ ل) له ، وغيره ذلك فتأمل.

قوله : «ولو استوجر لعمل إلخ» دليله أيضا واضح مما تقدم ، وكذا تقييده بما إذا لم يتوقف على غير قدر الكفاية ، مثل مؤنة عياله الواجبة.

وكذا عدم وجوب القبول لاشتراط الزاد والراحلة ، من غير مشقة ، ولا

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ١ وغيره من أبواب وجوب الحج.

٧٤

ولو حج الفقير متسكعا لم يجز عن حجة الإسلام إلّا مع إهمال المستقرّة.

ولو تسكع الغني أجزأه ، ولو كان النائب معسرا أجزأت عن المنوب عنه لا عنه لو استطاع ، ولو حجّ عن المستطيع الحيّ غيره لم يجز.

ولا يجب الاقتراض للحج.

______________________________________________________

شبهة في المشقة حينئذ ، ولعدم وجوب تحصيل شرط الواجب المشروط الا بدليل ، غير دليله ، والوجوب مع قبول الاستيجار ، مؤيد للوجوب مع الفرض ، فتأمل.

قوله : «ولو حج الفقير متسكعا إلخ» يعني لو حج غير المستطيع ، لم يجز حجّه ذلك عن حجة الإسلام ، فلو استطاع بعد ذلك يجب ، لعدم صدق الاستطاعة أوّلا ، وصدقها ثانيا.

قيل : المراد بالتّسكّع هنا تكلّف الفعل مع تحمّل مشقة والظاهر أنّ المشقّة غير لازمة ، فلو فرض عدمها ، فكذلك ، لما مرّ.

واستثنى من ذلك من وجب عليه الحج ، فأهمل ، حتّى استقرّ ، بان مضى زمان الحج ، وهو باق على شرائط الوجوب ، ثم صار غير مستطيع فحينئذ يجب عليه الحج على وجه مقدور ، ولو مشيا وتسكعا ، وأنه على تقدير الفعل حينئذ يجزى عن حجة الإسلام ، ويسقط به.

وكذا لو تسكّع المستطيع ، وكذا لو حجّ النائب معسرا ومتسكّعا يجزى عن المنوب ، لا عن نفسه ، بعد الاستطاعة ، وهو ظاهر ، وكذا عدم الاجزاء عن المستطيع الحيّ القادر على الحج ، لو حج عنه لوجوبه عليه بنفسه.

قوله : «ولا يجب الاقتراض للحج» بمعنى ان يجعل نفسه مستطيعا بالقرض ، بل لو اقترض حينئذ جوازا لم يجب عليه الحجّ ، لما مرّ من كونه مانعا للاستطاعة.

٧٥

ولا بذل الولد ماله لوالده فيه.

______________________________________________________

نعم لو كان عنده ما يقابل القرض ، فاضلا عن مستثنيات الحج ، يجب القرض بل لو أمكن إخراج ما عنده كان متعيّنا ولا ينبغي القرض ، والأولى صرف ماله فيه.

وليس أمثال القرض وبيع الأمتعة وتحصيل الثمن والزّاد والرّاحلة داخلة في الاستطاعة ، مثل شراء الآلات والأوعية مثل القربة وغيرها ، بل وجود ما يمكن تحصيلها داخل فيها للتبادر عرفا وللإجماع على الظاهر ، ولعدم المشقة في تحصيلها ، ولأنّها لو دخلت لزم سدّ باب وجوب الحج غالبا ويفهم الفرق بين ما هو داخل ، وبين ما هو خارج بالتأمّل ، فتأمّل.

فوجوب الحج مقيّد بالنسبة إلى الأوّل ، ومطلق بالنسبة الى الثاني ، فيجب تحصيل الثاني ، دون الأوّل ، ولهذا قال في المنتهى : انّما يشترط الزّاد والرّاحلة في حق المحتاج إليهما لبعد المسافة ، وامّا القريب فيكفيه اليسير من الأجرة بنسبة حاجته ، والمكّي لا يعتبر الرّاحلة في حقّة ، ويكفيه التمكن من المشي.

ويؤيّده صدق الاستطاعة ، ويخرج ما يخرج مثل وجوب الراحلة للبعيد ، للإجماع (بالإجماع خ ل) والأخبار ، مع التأمل ، وبقي الباقي تحته ، وينبغي حفظ هذه القاعدة فإنّها تنفع في هذا الباب كثيرا.

قوله : «ولا بذل الولد ماله إلخ». لا يجب على الولد ان يبذل ما له لوالده ليحج به ، وكذا لا يجب على الوالد أخذ ذلك من ماله ، طفلا كان أو لا على سبيل القرض وغيره ، نعم لو اقترض مع الاستطاعة بالشرط المتقدم يجوز ، ويجب كما من مال غيره.

وبالجملة ، عدم الفرق بين الولد والوالد وغيرهما ، وهو مقتضى بعض الأصول ، والقواعد الشرعية.

ولكن ورد في رواية سعيد بن يسار (الثّقة. كأنّها صحيحة) قال : قلت

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لأبي عبد الله عليه السّلام : الرّجل يحج من مال ابنه وهو صغير؟ قال : نعم يحج منه حجة الإسلام قلت : وينفق منه؟ قال : نعم ثم قال : ان مال الولد لوالده ، انّ رجلا اختصم هو ووالده إلى النبي صلّى الله عليه وآله فقضى انّ الولدوالمال للوالد(انّ المال والولد يب) (١).

فهذه تدل على الجواز ، بل الوجوب ، من مال الولد ، وعدم منع الولد له ، فيعطيه ، ولكنّها مخالفة للقوانين.

قال المصنّف في المنتهى : هذه محمولة على أنّه إذا كان للوالد ما يتمكّن من الحج به ، ويأخذه على سبيل القرض ، لانّ مال الولد ليس للوالد.

ويأبى من هذا الحمل قوله (عليه السّلام) : نعم ينفق ، وقوله : عليه السّلام : ان مال الولد للوالد ، وقضائه صلّى الله عليه وآله إلخ.

ويمكن كون الإنفاق من جهة وجوب نفقته في مال ولده ، لفقره وغنى الولد ، واجرة لحفظه ، وحفظ ماله ، وكون المال للوالد كناية عن جواز التصرف فيه ، لانه صغير ، والوالد وليّه (له ظ) ان يتصرف مع المصلحة ، وكون القضاء في واقعة قد يكون الواقع كذلك بان كان المال للوالد ، ولهذا قال : المال للوالد يعنى المال المتنازع ، لا مطلق ماله ، ويكون هذا القول إشارة إلى تعظيم الوالد ، وعدم حسن النزاع معه ، وترك ما يدّعى له.

ولكن غيرها ـ أيضا ممّا يدل على تصرف الوالد في مال ولده ، والحج به ـ موجود في الأخبار (٢) ولو لا خوف خرق الإجماع ، على ما يظهر ، لأمكن القول

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٦ من أبواب وجوب الحج الرواية ١ ، وأوردها في الوسائل (في الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به الرواية ٤) بسند آخر عن سعيد بن يسار أيضا مع اختلاف في المتن فلا حظ.

(٢) الوسائل الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به الرواية ٤.

٧٧

والمريض إن قدر على الركوب وجب عليه والّا فلا ، ولو افتقر الى الرفيق مع عدمه ، أو إلى الأوعية والآلات مع العدم ، أو الى الحركة القوية مع ضعفه ، أو الى [بذل] مال للعدو للطريق مع تمكنه على رأى سقط ولو منعه عدوّ.

أو كان معضوبا (١) لا يستمسك على الراحلة سقط ، ولا يجب على الممنوع لمرض أو عدو الاستنابة على رأى.

______________________________________________________

بمضمون الرواية ، لأن كلّما ذكرناه تكلفات بعيدة ، ولا تنافيها القواعد الشرعية ، إذ يستثنى منها أمثال هذه ، للنّص الصّريح (٢) الصحيح ، فقوله ، إشارة إلى ردّ هذه الرواية ، فلو قال : لا يجب على الوالد بمال ولده الاقتراض منه ، لكان أصرح.

قوله : «والمريض إلخ». وجه الوجوب مع القدرة على الركوب ، ووجود سائر الشرائط ، واضح ، مما تقدم ، كعدم الوجوب مع عدمها.

قوله : «ولو افتقر الى الرفيق مع عدمه إلخ». أي لا يجب الحج للموانع المذكورة ، لعدم صدق الاستطاعة التي هي شرط الوجوب ، وهو في الكل واضح ، إلّا في بذل المال ، مع التمكن ، فالظاهر وجوبه حينئذ لصدق الاستطاعة ، وأشار الى ردّ هذا القول بقوله : على رأى ، وهو غير واضح ، وقد مرّ ما ينفع في ذلك ، فتأمل.

وكذا عدم الوجوب مع منع العدوّ بالكليّة.

وكذا عدمه على المعضوب الذي لا يتمسّك على الراحلة بوجه ظاهر ، وكذا عدم وجوب الاستنابة على المريض الممنوع ، ولو كان مأيوسا عن البرء ، وكذا الممنوع بالعدوّ ، وسائر الأعذار ، للأصل ، وعدم القدرة ، والاستطاعة ،

__________________

(١) قال في المسالك : المعضوب ، الضعيف ، سواء بلغ في الضعف الى ان لا يستمسك على الراحلة أم لا ، فوصف الاستمساك على الراحلة مخصص لا موضح.

(٢) الوسائل الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به الرواية ٤.

٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

التي هي شرط للوجوب ، بالآية ، والاخبار (١) ، والإجماع مطلقا ، ولأن في بعض الاخبار (٢) المتقدمة تصريحا بعدم الوجوب ، الّا لتخلية السرب ، وعدم المرض ، وما يعدّ عذرا يعذره الله فيه ، وإذا لم يجب عليه ، لم يجب له النائب ، وكون الوجوب ـ بالنفس والمال فإذا تعذر أحدهما بقي الآخر ـ غير ظاهر بل ظاهر الآية ، والأخبار ، وجوب فعل الحج بنفسه ، بشرط القدرة ، وانه مع عدمها الا وجوب ، ومعلوم عدم الوجوب في المال وحده منهما ، ولهذا لم يجب صرف المال بوجه ، ويجوز ماشيا ، ومتسكعا ، وان المال وجوبه ليس بالأصالة ، بل لكونه موقوفا عليه ، وشرطا ترفها وتلطفا من الشارع ، لإرادته اليسر دون العسر ، ونفى الحرج (٣) والضيق ، وهو ظاهر ، كما اختاره المصنف ، وأشار الى ضعف خلافه بقوله : (على رأى).

نعم لو كان الوجوب مستقرا قبل المانع ، وقصّر الى ان حصل المنع ، لا يبعد وجوب الاستيجار ، بل يجب مع اليأس ، كما في الميت.

والظاهر عدم الخلاف فيه ، ويدل عليه بعض الأخبار.

مثل صحيحة معاوية وعبد الله بن سنان المتقدمتين (٤) من أمر الشيخ الكبير بإخراج الحج.

وصحيحة محمد بن مسلم ـ عن ابى جعفر عليه السّلام قال كان علي عليه السّلام يقول : لو ان رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم

__________________

(١) لا حظ الوسائل الباب ١ من أبواب وجوب الحج.

(٢) لا حظ الوسائل الباب ٨ من أبواب وجوب الحج.

(٣) البقرة ١٨٢ الحج ٧٧ ففي سورة البقرة قوله تعالى (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وفي سورة الحج قوله تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

(٤) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب وجوب الحج الرواية ١ و ٦.

٧٩

ولو مات بعد الاستقرار قضى من الأصل من أقرب الأماكن ، والا فلا

______________________________________________________

يستطع الخروج فليجهّز رجلا من ماله ، ثم ليبعثه مكانه ـ (١).

وان لم يكن صريحا في ذلك فيحمل عليه لما تقدم ، وللتقييد بوجوب الحج سابقا ، في صحيحة الحلبي (٢) المتقدمة في بيان الاستطاعة ، وقد تقدم هذه المسألة ، فتذكر.

ثم ان الظاهر عدم وجوب الإعادة بعد الموت على تلك الحالة ، وكذا لو برأ على خلاف المتوقع والعادة ، ويحتمل هنا الإعادة ، فتأمل.

قوله : «ولو مات بعد الاستقرار إلخ» وجوب قضاء الحج ـ من أصل ما له لا من ثلثه لانه دين كسائر الديون ، بعد مضى وقت يمكنه ادراك الحج متصفا بشرائط الوجوب ، ثم مات ـ الظاهر انه إجماعي ، ولا نزاع فيه.

ويدل عليه الأخبار الصحيحة (٣) أيضا ، وكذا عدم وجوبه مع عدم الاستقرار.

واما كونه من أقرب الأماكن ـ يعنى أقرب ميقات إلى مكة غير ادنى الحلّ على الظاهر ، مع احتمال إرادته أيضا ، دون ميقات بلده من غير خلاف على ما يظهر ، وهو مؤيد لعدم وجوب خروج المتمتع الى ميقات بلده ـ فهو احد المذاهب الثلاثة المشهورة التي ثالثها التفصيل ، بأنه مع السعة (٤) من بلد الميت.

الظاهر ان المراد به بلد الموت ، بأنه يستأجر من تلك البلد ، ويخرج منها بحيث يصدق لغة وعرفا الذهاب الى الحج منها ، ولا يحتاج الى موضع الموت ، وان كان أحوط.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب وجوب الحج الرواية ٥.

(٢) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب وجوب الحج الرواية ٢.

(٣) راجع الوسائل الباب ٢٨ من أبواب وجوب الحج.

(٤) أي كفاية مال الميت وسعته.

٨٠