مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

في الخارج قاصدا للقربة بافتكاك رقبة العبد ، فلا شبهة أنّه إنّما يتحقّق حال تحقّق الإجازة وارتباط العقد به ، فلو نوى القربة في إجازته ، يصحّ العتق ويمضي.

نعم لو أجازه رياء على هذا التقدير ، يفسد ، كما لا يخفى.

هذا كلّه في وقوع العتق عن الراهن (و) أمّا لو أعتقه عن نفسه فـ (الوجه) فيه : (المنع لعدم الملك) المتوقّف صحة العتق عليه ، كما يدلّ على شرطيته : النبوي المشهور : «لا عتق إلّا بعد ملك» (١) المنجبر ضعفه بالعمل المعتضد بالعقل والاعتبار ، ضرورة كونه أشبه شي‌ء بالمعاوضات ، فيستعبد وقوعه إلّا عمّن خرج عن ملكه ، فلا يتحقّق العتق لغير المالك أصلا ، سواء كان مرتهنا أم غيره (ما لم يسبق الإذن) من المالك في عتقه ؛ لانتفاء الملكية التي قد عرفت أنّها شرط في العتق حال تحقّقه ؛ إذ من المعلوم عدم حصولها من دون طيب نفس المالك بمجرد صدور العتق عنه.

وصيرورته ملكا قبل العتق آنا ما تصحيحا للعتق ممّا لم يدلّ دليل عليه ، بل الأدلّة على خلافه ؛ لكونه منافيا لسلطنة المالك.

نعم لو سبقه الإذن ، يصحّ بلا خلاف على الظاهر ، على ما هو المحكي عن غير واحد (٢) ، ولازمه حصول الملكية قبل العتق آنا ما حتى يتحقّق شرط العتق ، كما يظهر الالتزام به عن غير واحد من العلماء الذين ظفرنا على كلماتهم ، ولعلّ كونه كذلك عند كثير منهم من

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٧٩ / ٢ ، التهذيب ٨ : ٢١٧ / ٧٧٤ ، الإستبصار ٤ : ٥ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب كتاب العتق ، الحديث ٢ ، وسنن البيهقي ٧ : ٣١٨ و ٣٢٠ ، والمستدرك للحاكم ٢ : ٤١٩.

(٢) راجع : جواهر الكلام ٢٥ : ٢٠٧ و ٣٣ : ٢٢٢ و ٣٤ : ١٤٧.

٦٦١

المسلّمات ، أو الالتزام بتخصيص الرواية بالنسبة إليه ؛ لدليل خاص ، وهو الإجماع ، ويبعّده إباء الرواية عن التخصيص ؛ لما أشرنا إليه من كونها معتضدة بما هو مركوز في العقول.

وربما يدّعى أنّ صيرورته ملكا للمعتق حتى يقع العتق في ملكه بعد إذن المالك بعتقه عن نفسه بأن قال : أعتق عبدك عنّي (١) ، أو بعد استدعاء المعتق من المالك أن يعتقه عنه إنّما هو على وفق القواعد ؛ إذ بعد العلم بكون الملك شرطا بحسب الشرع ينوي في إذنه التمليك ، فهو إيجاب مستكشف عن الإذن.

ويكشف عن ذلك عدّ الأصوليين ذلك من المداليل المستفادة من الكلام بدلالة الاقتضاء ، وصدور الفعل منه قبول لذلك الإيجاب ، كما أنّ الاستدعاء في الفرض الثاني قبول ، والعتق إيجاب للملك وإنشاء للعتق.

ولكنك خبير بما في هذه الدعوى بهذا التقريب من المخالفة للقواعد.

أمّا أوّلا : فلأنّه بعد تسليم كون العتق إيجابا أو قبولا ، والإغضاء عمّا يرد عليه ، أنّ لازمه حصول الملكية عقيبه ، فلا يعقل أن يكون شرطا للعتق.

أمّا على فرض القول باعتبار وقوع تمام السبب في الملك ـ كما هو ظاهر الرواية ، بل صريحه ـ فواضح ، وكذا إن بنينا على أنّه يعتبر أن يقع الأثر في الملك لا السبب ؛ إذ لا ترتّب في الفرض حتى يتقدّم الملك على العتق أصلا ولو شأنا ؛ لاتّحاد سببيهما.

نعم لو قلنا بأنّ مجرد الأخذ في الإنشاء دالّ على القبول ـ كما أنّه

__________________

(١) كذا ، والصواب : أعتق عبدي عنك.

٦٦٢

ليس بالبعيد على تقدير تماميّة هذا القول ـ يتوجّه هذا الكلام ، إلّا أنّه مع كونه خلاف ما يستفاد من الرواية ممّا لا أظنّ أحدا يلتزم به في نظائر المقام ، كما لو أعتق ملك الغير وورثه قبل انتهاء الصيغة.

وثانيا : أنّه كيف ينطبق على القواعد؟! مع أنّه لم يراع فيه شي‌ء من شرائط العقود من تعيين العوض واقترانه بالقبول وغيرهما من الشرائط.

وثالثا : أنّه لا يندرج تحت عنوان من العناوين المعهودة في الشرع المجعولة سببا للانتقال مثل البيع والصلح والهبة وغيرها ، وهذا واضح.

نعم لو قلنا بكفاية المعاطاة مطلقا في حصول النقل والانتقال في جميع أبواب المعاوضات ، وكونها على وفق القواعد ؛ لكون المناط فيها هو رضا المالك المستكشف بمظهر ، سواء كان المظهر قولا أو فعلا أو ما يشبههما ـ ولعلّه هو الأقوى على ما مرّ تفصيله في مبحث المعاطاة ـ لارتفع كثير من الإشكالات الموردة في المقام.

ولكن يتوجّه على هذا أيضا : أنّه يعتبر في المعاطاة أيضا ما يعتبر في غيره من العقود عدا اللفظ فيعتبر فيه ـ كسائر عقود المعاوضات ـ تعيين الثمن وغيره من الشرائط المقرّرة في كلّ باب ، إلّا أنّه يسهّل الخطب ملاحظة نظائر المقام حيث يراها الفقيه بابا واسعا في الفقه لا يكاد يصحّحه الفقيه إلّا بالتزام حصول الملكية آنا ما قبل الفعل بسبب الرضا ، كما في باب الزكاة حيث إنّ لمالكه التبديل ، ويلتزمون بحصوله بمجرد النقل المتوقّف على الملك كبيعه مثلا ، فلا بدّ في الفرض من الالتزام بصيرورته ملكا له بمجرّد البناء على البيع المتعقّب بفعل البيع تصحيحا للبيع ، وكما في باب الفسخ حيث يلتزمون بحصوله بالفعل المنافي ، كالوطئ والبيع المتوقّف حصولهما على الملك ، وكما في باب

٦٦٣

الوكالة في قول الموكّل : اشتر لي بكذا ، فيلتزمون بدخول المثمن في ملك الموكّل بمجرّد الشراء ، مع أنّه لا يدخل إلّا في ملك من خرج عنه الثمن ، فلا بدّ فيه من التزام دخول الثمن الذي هو ملك للوكيل في ملك الموكّل أوّلا بمجرد رضاه المستكشف بالفعل ، ثم وقوع البيع في ملكه ، وعلى هذا فليس للفعل أثر في حصول الملكية أبدا حتى أنّ السبب بتمامه أو الجزء الأول منه وقع في غير الملك ، كما هو لازم ، بل الفعل ليس على هذا التقدير إلّا معرّفا عن كون الرضا هو الرضا المؤثّر.

إن قلت : سلّمنا كون الحكم في ما ذكرت منطبقا على القواعد إلّا أنّه لا بدّ لك من إدراجه تحت عنوان من العناوين الموجبة للنقل والانتقال ، كالبيع والصلح والهبة وغيرها من الأسباب.

قلت : هذا يختلف باختلاف الموارد ، ففي بعضها بيع معاطاة ، كما لو قال : أعتق عبدك الفلاني عنّي بألف دينار معيّن ؛ مثلا ، فأعتقه ، يصير ملكا له أوّلا بالبيع ، وفي بعضها هبة مثلا ، وفي بعضها قرض ، وفي بعضها إباحة بالعوض ، إلى غير ذلك من الوجوه.

وأنت خبير بعد الإحاطة بما أسلفنا لك من النظائر أنّ الالتزام بمثل هذه الأمور وإن كان فيها أيضا مخالفة للقواعد ، هيّن بالنسبة إلى غيرها من التوجيهات التي لا بدّ منها في الموارد.

هذا تمام الكلام في الإذن السابق ، وأمّا الكلام في الإجازة اللاحقة ، فإن بنينا على أنّها ناقلة من حينها لا كاشفة ، فلا إشكال في بطلان العتق ؛ لعدم الملك قبله لا حقيقة ولا حكما.

وإن قلنا : إنّها كاشفة عن صحة ما وقع حقيقة ، فالذي تقتضيه القاعدة في المقام : صحة العتق ؛ لأنّ المعتق يدخله أوّلا في ملكه بهبة أو معاوضة أو صلح أو غيرها تصحيحا للعتق ، ثم يعتقه ، فإذا أجاز المالك

٦٦٤

التمليك الضمني أو المستقلّ بهبة سابقه على العتق ، يصحّ العتق ، لوقوعه في الملك.

وأمّا توهّم عدم قابلية الإيقاعات للفضولي : ففيه منع واضح ؛ لعدم الدليل عليه ، كما أشرنا إليه غير مرّة.

هذا ، ولكنك قد عرفت فيما سبق عدم معقولية الكشف الحقيقي ، بل غاية ما يعقل الكشف الحكمي.

وهل هذا يقتضي الصحة كالكشف الحقيقي ، أم لا كالنقل؟ فيه وجهان ، أقواهما : العدم ؛ لظهور النبوي (١) في اعتبار الملكية الحقيقية في الصحة.

ووجوب ترتيب آثار الملك بعد الإجازة لا يقتضي رفع اليد عن ظاهر الدليل.

نعم لو قلنا بالصحة في مسألة من باع شيئا ثم ملكه ، أمكن القول بها في المقام أيضا ، إلّا أنّك قد عرفت في مسألة الفضولي أنّ الأقوى فيها البطلان ، فراجع وتأمّل.

(ولو وطأ الراهن) الأمة المرهونة سواء أذن المرتهن أم لا (فأحبلها ، صارت أمّ ولده) شرعا بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل يستظهر عن بعض (٢) كون المسألة إجماعية.

ولا ينافيه القول بجواز بيعها للمرتهن ، كما عن بعض (٣) ؛ لعدم انحصار حكمها في المنع عن البيع ، كما سنتعرّض له إن شاء الله.

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٧٩ / ٢ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب كتاب العتق ، الحديث ٢.

(٢) راجع : جواهر الكلام ٢٥ : ٢٠٨ ، وتذكرة الفقهاء ٢ : ٢٨.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ٢٥ : ٢٠٨.

٦٦٥

(ولا يبطل الرهن) بذلك مطلقا.

[ووجهه] مضافا إلى دعوى عدم الخلاف فيه ظاهرا ، بل عن التذكرة (١) ما يشعر بالإجماع عليه : عدم ما يقتضي البطلان ، خصوصا لو قلنا بجواز بيعها للمرتهن ، وعدم مزاحمة الاستيلاد لحقّه ؛ لكونه أسبق.

نعم لو قلنا بعدم الجواز ، فربما يتخيّل منافاته لبقائها رهنا ، كما أنّه يمنع عن رهانتها رأسا ؛ لمنافاته للاستيثاق الذي هو من مقوّمات الرهانة.

وفيه : أنّه لو أمكن الاستيفاء منها على (٢) بعض التقادير الغير النادرة منع واضح قد عرفت وجهه في أوّل الكتاب.

ويثمر ذلك في منع المالك عن التصرّف فيها وبيعها لو ساغ له ذلك ببعض المسوّغات ، كما أنّه يثمر له أيضا في جواز بيعها ، والاستيفاء من ثمنها لو مات ولدها ، كما لا يخفى.

(وهل تباع) لاستيفاء المرتهن حقّه من ثمنها؟ (قيل : لا ما دام الولد حيّا.)

في الجواهر بعد بيان الوجه له ، قال : لكن لم نعرف القائل به قبل المصنّف ـ رحمه‌الله ـ بل ولا بعده ، غير الفاضل في التحرير وثاني الشهيدين في ظاهر الروضة.

نعم عن الشهيد في غاية المراد حكايته عن المبسوط.

وفي جامع المقاصد : الظاهر أنّه وهم ، وحكي عنه الجواز مطلقا (٣).

(وقيل) والقائل : الشيخ ـ كما عرفت ـ والحلّي والفاضل في المختلف

__________________

(١) حكاه عنها صاحب الجواهر فيها ٢٥ : ٢٠٩ ، وراجع : تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٠.

(٢) في النسخة الخطية : ولو على.

(٣) جواهر الكلام ٢٥ : ٢٠٩ ـ ٢١٠ ، وراجع : تحرير الأحكام ١ : ٢٠٧ ، والروضة البهيّة ٤ : ٨٥ ، وجامع المقاصد ٥ : ٨٠ ، ومفتاح الكرامة ٥ : ١٢٤.

٦٦٦

والكركي ، والشهيدان في اللمعة والمسالك (١) : (نعم) يجوز مطلقا (لأنّ حقّ المرتهن أسبق) وقيل : تباع مع إعسار الراهن ، وتبذل قيمتها رهنا ، جمعا بين الحقّين مع يساره.

في الجواهر : والقائل الشيخ في الخلاف ، وابن زهرة والفاضل في التذكرة ، والشهيد في الحواشي على ما حكي عنهم (٢).

وقيل ـ في الجواهر : والقائل الشهيد في بعض حواشيه ـ : يجوز بيعها مع وطئه بغير إذنه ، ولا يجوز مع الإذن ، ومال إليه بعض مشايخنا ؛ لموافقته للأصول والاعتبار إن لم يكن خرقا للإجماع (٣). انتهى.

ولعلّ هذا القول لا يخلو عن قوة (و) إن ذهب المصنّف ـ رحمه‌الله ـ إلى أنّ (الأوّل أشبه) بالقواعد.

وتوضيح المقام يحتاج إلى التأمّل التامّ في الأخبار الدالّة على منع بيع أمّهات الأولاد ، وكيفية جمعها مع ما يدلّ على جواز بيع الرهن ، إذ باختلاف الأنظار فيها صارت المسألة ذات أقوال أربعة ، وإلّا فليس فيها نصّ بالخصوص على الظاهر ، فلا بدّ أوّلا من نقل ما يدلّ على جواز بيع الرهن والمنع عن بيع أمّ الولد حتى يتّضح ما في دعوى تقديم أدلّة الاستيلاد على دليل جواز البيع بتقريبات :

منها : دعوى دلالة أدلّة الاستيلاد على ثبوت حقّ للأمة به ، ودلالة

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٢١٧ ، السرائر ٢ : ٤١٨ ، مختلف الشيعة : ٤٢٣ ، جامع المقاصد ٥ : ٨٠ ، اللمعة الدمشقية : ١٤٠ ، مسالك الأفهام ١ : ٢٢٣.

(٢) جواهر الكلام ٢٥ : ٢١٠ ، وراجع : الخلاف ٣ : ٢٢٩ ، المسألة ١٩ ، الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٥٣٠ ، تذكرة الفقهاء ٢ : ٢٨ ، ومفتاح الكرامة ٥ : ١٢٤.

(٣) جواهر الكلام ٢٥ : ٢١٠.

٦٦٧

دليل الرهن على مجرّد جواز البيع على الراهن ، وقطع سلطنته ، فلا منافاة بينهما ؛ إذ جواز البيع على المالك لا يوجب جوازه على غيره الذي له حقّ فيه.

ومنها : أنّ منع البيع في الاستيلاد يعمّ كلّ أحد كان له البيع قبل الاستيلاد ، والمرتهن كالمالك كان له البيع فيمنع.

ومنها : أنّ دليل الرهن يثبت السلطنة للمرتهن بجعل المالك وترخيصه ، فسلطنته فرع سلطنته ، وأدلّة الاستيلاد رافعة لسلطنة المالك ، فلا يبقى مورد لسلطنة المرتهن.

هذا غاية ما يتوهّم في المقام وجها لتقديم أدلّة المنع.

ويدفعها : التأمّل في أدلّة الطرفين ، فنقول : أمّا ما يدلّ على جواز البيع للمرتهن بمعنى ثبوت حقّ له في استيفاء حقّه منه ببيع ونحوه : مضافا إلى الإجماع وإمكان استفادته من النصوص المتفرّقة في الباب : أنّه من مقتضيات سلطنة الناس على أموالهم ؛ لما عرفت فيما سبق أنّ جواز الاستيفاء إمّا مأخوذ في ماهية الرهن ، أو أنّه من أحكامه العرفية ، وعلى كلّ من التقديرين يثبت المطلوب ، كما لا يخفى.

وأمّا دليل منع الاستيلاد عن البيع فهي أخبار كثيرة :

منها : ما يدلّ على عدم جواز صدوره من المالك واستهجانه عرفا لصيرورتها بمنزلة زوجته وعيالاته ، كقول أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ في جواب السائل عن بيع أمّ الولد : خذ بيدها وقل : من يشتري أمّ ولدي (١).

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٢٥ / ١٣٤٠ ، الفقيه ٣ : ٣٠٩ / ١٤٨٨ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث ١.

٦٦٨

ولا يخفى عليك أنّ هذا النحو من الإخبار لا يقتضي منعه إلّا على المالك ، فلو كان لآخر حقّ سابق فلا ؛ إذ ليس المالك مختارا في بيعها حتى يستند البيع إليه ، بل البائع في الحقيقة هو المرتهن لا المالك حتى يستهجن.

ومنها : ما يدلّ على عدم جواز بيعها إلّا في ثمن رقبتها ، وأمّا في ما سوى ذلك من وجوه الدين فلا (١).

وهذه الرواية أقوى ما يستدلّ به على المنع ، بتقريب أن يقال : إنّ وجوه الدين التي نفي بيعها لها يعمّ الدين الذي جعلت رهنا له ، فيعارض ما دلّ على استحقاق المرتهن للاستيفاء منه ، إلّا أنّه مقدّم عليه بدعوى : حكومته على الأدلّة المجوّزة بأحد الوجوه المتقدّمة ، بل وروده عليها ، كما هي قضية بعضها.

وفيه : أوّلا : منع كون الرهن منوّعا للدين حتى يعمّه بالعموم ، بل كون الدين مع الرهن أو بلا رهن من أحوال الفرد ، وليس للرواية إطلاق بالنسبة إلى أحوال الدين ، بل هي ساكتة عنها ، فمقتضاها أنّها لا تباع في دين من الديون عدا ثمن رقبتها في الجملة ، وأمّا في جميع الأحوال حتى إذا كانت متعلّقة لحقّ الغير بجعل سابق على الاستيلاد فلا.

وثانيا : منع كونه حاكما على دليل الرهن ؛ لضعف التقريبات المتقدّمة ؛ لإمكان منع صيرورة الأمة ذات حقّ ، بل الملحوظ في الحكم إنّما هو شأن المالك ، وكونه مستهجنا بالنسبة إليه ، مع أنّه بعد التسليم لا خفاء في انصراف دليله عن مثل الفرض الذي صارت لأجل تعلّق

__________________

(١) الكافي ٦ : ١٩٣ / ٥ ، التهذيب ٨ : ٢٣٨ / ٨٦٢ ، الفقيه ٣ : ٨٣ / ٢٩٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب الاستيلاد ، الحديث ١ و ٢.

٦٦٩

حقّ الغير بها سابقا على الاستيلاد ، كملك الغير.

وكذا دعوى عموم المنع المستفاد من الأدلّة بالنسبة إلى كلّ من كان له البيع ، ضرورة منع العموم بحيث يعمّ غير المالك لو فرض استحقاقه للبيع بحقّ سابق ، بل الظاهر منها ـ بقرينة الاستهجان العرفي الذي جعله عليه‌السلام تعليلا للمنع الذي لا يتحقّق بالنسبة إلى غير المالك ـ اختصاصه به.

وأعجب شي‌ء في المقام دعوى : وروده على دليل الجواز بالتقريب الأخير ، ضرورة عدم كون سلطنة المرتهن متفرّعا على السلطنة الفعلية للمالك حال البيع ، وإنّما هو من آثار سلطنته قبل الاستيلاد ، فلا يمنعه الاستيلاد ، فعلى هذا : الأقوى في المقام التعارض الناشئ من ظهور كلّ من الدليلين في فعلية مؤدّاه ، أعني الجواز والمنع ، ومقتضاه : تقديم حقّ المرتهن ؛ لكونه أسبق ، فيمنع عن فعلية الآخر ، وعلى هذا ينطبق ما عن بعض الفحول ـ كالمحقّق الثاني (١) ـ من تقديم حقّ المرتهن ؛ للأسبقية.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّه بعد فرض التعارض يجب الرجوع إلى المرجّحات ، وليست الأسبقيّة منها ، فتأمّل.

ولكن قد يمنع ظهور دليل المنع في الفعلية مطلقا ، بل هو إمّا مقصور على المالك دون غيره ، كما أشرنا إليه ، فلا يمنع عن بيع المرتهن بإذن الحاكم ، أو من قبل نفسه إذا تعذّر عليه الاستئذان ، كما تقدّم الكلام فيه مفصّلا ، أو أنّه مسوق لبيان أنّ شيئا من وجوه الدين لا يصلح لتجويز بيع أمّ الولد من حيث هي ، وأمّا في الدين الذي تعلّق للدائن حقّ سابق برقبتها فلا.

__________________

(١) انظر : جامع المقاصد ٥ : ٨٠.

٦٧٠

وقد يستدلّ للجواز : بما يدلّ على جواز بيعها في فكاك رقابهنّ (١) ، بدعوى : أنّ المراد بعد معلومية عدم إرادة افتكاك رقبتها عن الرقّية إنّما هو افتكاكها عن متعلّق حقّ الغير ، وثمن الرقبة وإن لم يكن حقّا متعلّقا بالرقبة ، إلّا أنّه بعد أن لم يؤدّ ثمنها كأنّها لم تتمحّض للمشتري ، بل هي مأخوذ بها ، ورقبتها على عهدتها عرفا ، ولذا عبّر ـ عليه‌السلام ـ بفكاك رقبتها ، ومعلوم أنّ هذا لو كان منشأ للجواز ، ففي ما نحن فيه محقّق على نحو آكد ؛ لتعلّق الحقّ عليها حقيقة.

وفيها : منع واضح.

وقد ظهر ممّا قرّرنا : أنّ الجمع بين الأدلّة يقتضي تجويز البيع للمرتهن عند تعذّر الأداء ، لا الراهن ، فليس له بيعها بمجرّد كونها رهنا لأجل الأداء لو لم يلزمه المرتهن بذلك ؛ لعدم قصور المنع عن شمول المورد بالنسبة إلى المالك.

نعم لو قهره المرتهن على ذلك ، فعليه الإذن في البيع ، أو مباشرته بنفسه ؛ لخروج المورد عن تحت اختياره بجعل حقّ سابق للمرتهن على الاستيلاد.

هذا كلّه لو وطئها بغير إذن المرتهن ، وأمّا لو وطئها بإذنه ، فليس للمرتهن البيع أيضا ما دام الولد حيّا ؛ لإقدامه على إدخال الرهن في موضوع لا يجوز بيعه شرعا ، فلم يبق بعد الإقدام حقّا يوجب رفع اليد عن الأدلّة المانعة.

لا يقال : إنّ الإقدام إنّما يتحقّق منه لو كان الحكم عدم جواز البيع له ، وهو أوّل الكلام.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٨٣ / ٢٩٩ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب الاستيلاد ، الحديث ١.

٦٧١

لأنّا نقول : عدم جواز بيع أمّ الولد من حيث هو ثابت محقّق ، فالاستيلاد من حيث هو مقتض للمنع ، وإنّما المانع عن تأثيره مزاحمة حقّ الغير ، وبالإذن ترتفع المزاحمة ، وليست الرهانة مانعة عن أصل الاقتضاء حتى يتوجّه ما توهّم ؛ لأنّ هذا خلاف ظواهر الأدلّة ، كما لا يخفى على من لاحظ وتأمّل.

وعدم ملازمة الوطء للاستيلاد غير ضائر في رفع المزاحمة بعد كونه من الأفعال التوليدية التي تخرج عن تحت الاختيار بإيجاد السبب ، كما لا يضرّ الإذن وإن كان مستلزما للاستيلاد أيضا في بقائه رهنا ، كما عرفت وجهه فيما تقدّم ، فلا يكون ذلك منه إسقاطا لحقّ رهانته والله العالم.

[و] قد تحقّق فيما تقدّم أنّ البيع ينافي الرهانة ، وأنّه لا يجوز بيع الرهن مطلقا ، سواء كان أطلقه أو شرط بقاءه رهنا على المشتري ، فيكون كرهن العارية.

(و) على هذا فـ (لو أذن) المرتهن (له) أي للراهن (في بيع الرهن (١) فباع ، بطل الرهن) بلا إشكال وتأمّل ؛ لما ذكرنا من المنافاة وعدم إمكان بقائه رهنا عند المشتري ، وإنّما الإشكال في أنّ الرهانة هل تبطل بنفس البيع فيكون كالإجازة والفسخ الفعليين بناء على تحقّقهما به لا بالرضا المستكشف عنه ، أو لا بدّ من حصوله قبل البيع آنا مّا حتى يقع البيع على الملك الطلق تصحيحا للبيع ، أو أنّ السبب إنّما هو الإذن المتعقّب بالبيع بوصف كونه كذلك ، وأمّا الإذن المجرّد من حيث هو فليس إبطالا لجواز الرجوع عنه قبل البيع؟

__________________

(١) في الشرائع : بيعها بدل بيع الرهن.

٦٧٢

(و) لا ريب أنّه على الأخيرين (لا يجب جعل الثمن رهنا) إذا لم يشترطه المرتهن ، أي لا يقتضي مجرّد كون الشي‌ء رهنا صيرورة ثمنه رهنا بمجرّد البيع لو لم يشترط المرتهن ذلك.

ووجهه على الوجهين الأخيرين واضح ؛ لوقوع البيع على ما هو طلق حال البيع ، فيكون عوضه أيضا كذلك من دون تعلّق حقّ أحد به.

وصيرورته رهنا من دون إيجاد سبب جديد خلاف الأصل.

ودعوى : انسباق الشرط إلى الذهن من إطلاق الإذن في مثل المقام لقرائن الأحوال ، ممنوعة أشدّ المنع.

واحتمال إرادته من دون تقييد إذنه في ظاهر كلامه غير مفيد.

نعم لو صرّح بالاشتراط يجب ذلك ، لا لعموم وجوب الوفاء بالشرط حتى يناقش في مثل المقام الذي ليس في ضمن العقود اللازمة ؛ إذ الإذن بمجرّده ليس عقدا لازما ، بل هو مجرّد ترخيص يجوز له الرجوع عنه ، بل لقصور الإذن عن شموله للبيع الذي لا يتعقّبه ذلك ، فيفسد البيع عند خلوّه عن الوصف بأن لا يجعل الثمن رهنا لو قلنا باحتياجه إلى العقد الجديد ، وعدم كفاية الشرط في ذلك ، أو فرض شرط العقد لا النتيجة.

نعم لو وفي به بعد أن بنى على عدمه حال البيع لا يبعد الحكم بالصحة ؛ لكشفه عن كونه واجدا للشرط وإن لم يكن البائع عالما به.

هذا لو شرط جعله رهنا مستقلّا ، مثل ما لو شرط جعل شي‌ء أجنبي رهنا ، وأمّا لو شرط إبقاء رهانة العين في ضمن القيمة ـ ولعلّ هذا هو المراد من كلمات العلماء في مثل المقام ـ فلا إشكال في وجوب الوفاء بهذا الشرط أيضا بالتقريب المتقدّم ، إلّا أنّ في تصوره إشكالا سنوضّحه إن شاء الله.

٦٧٣

هذا لو قلنا بصيرورته طلقا قبل البيع ، وأمّا لو قلنا بحصول البطلان بنفس البيع فيشكل الأمر ، لا لأنّ الملك الطلق انتقل إلى المشتري من شخصين ، فيجب أن يكون البدل واصلا إليهما ، كما هو مقتضى المعاوضة حتى يقال : إنّ الحقّ لا يقابل بالمال ، وإنّما المقابل للمال أجزاء المبيع لا أوصافه.

وأمّا حقّ الرهانة فينعدم حال انتقال المبيع بانتفاء موضوعه ، ولا ينتقل إلى المشتري كما هو واضح ، فلا يعقل صيرورة شي‌ء من الثمن عوضا عنه.

وأمّا وصف الطلقية : فإنّما هو من آثار صحة البيع ، وانتقال المبيع إلى المشتري ، لا أنّه وصف يتلقّاه المشتري من المرتهن ، بعد تملّك المبيع.

فعلى هذا لا يتوهّم صيرورة الثمن رهنا باقتضاء نفس المعاوضة من حيث إنّها معاوضة ، وإنّما الإشكال في ما قد يتخيّل من الحكم العرفي باقتضاء العوضية عن ذات المبيع المتّصف بكونه مرهونا ، ذلك فنفس المعاوضة وإن لا تقتضي إلّا المبادلة بين المالين من حيث إنّهما مالان ، إلّا أنّ انتقال العوض مكانه يقتضي صيرورة كونه متعلّقا لحقّ المرتهن لخصوصية المحلّ بحكم العرف.

ولذا يجعل بدل التالف رهنا بنفس البدلية ، لا بجعل جديد.

وكذا ثمن الوقف بحكم الوقف من دون عقد مستأنف.

ويمكن الفرق بين المثالين وبين ما نحن فيه.

أمّا التالف : فلأنّ ما في ذمّة المتلف أوّلا وبالذات إنّما هو نفس العين بخصوصيّاتها ، فما يؤدّيه غرامة عنها وأداء لها فهي في الحقيقة مرتبة من مراتب وجود العين ، ولذا قلنا في محلّه أنّ المثل في المثلي مقدّم على القيمة ، فكان هذا ذلك بنفس المسامحة والاعتبار ، فالمتلف يجب عليه

٦٧٤

أن يجعل التالف بحكم غير التالف في تمام أوصافه ، لا في خصوص الملكية ، بخلاف المعاوضة بالبيع وشبهه ، فهذا النحو من التنزيل يقتضي عموم المنزلة في الحكم.

فإن شئت قلت : إنّ المتلف بتلفه تعهّد بشيئين : بشخص العين للمالك ، والرهانة للمرتهن ؛ إذ كما أنّ الملك ممّا يتدارك ، كذا الحقوق المالية ، ولذا لو أتلفه الراهن ، يجب عليه تداركه ، فالمتلف يجب عليه أن يمكّن المرتهن بما يمكنه أن يستوفي منه دينه ، كما أنّه يجب أن يؤدّي المالك بما يساوي ملكه من المثل أو القيمة ، وكلا الحقّين يؤدّيان بدفع المثل أو القيمة للمالك على أن يكون رهنا عند المرتهن ، فصيرورة البدل رهنا إنّما هو من آثار اشتغال ذمّته بما هو رهن حال الاشتغال ، فكان وصف الرهانة انتقل إليه ، وعليه تداركه ، وهذا بخلاف المشتري ؛ فإنّه لا يملكه إلّا طلقا ، ولا يشتغل ذمّته إلّا بثمن رقبة العين ، فما يؤدّيه إنّما هو عوض الملك ، لا وصف الرهانة ، كما أشرنا إليه سابقا.

وأمّا ثمن الوقف : فلأنّ البطون اللاحقة بحكم الشريك في العين الموقوفة ، بمعنى أنّ لها بالنسبة إليهم وإن كانوا معدومين نحوا من الملاحظة والاعتبار يمنع استقلال الموجودين بالتصرّف فيها ، فكأنّها ملك لهم فعلا بالمقايسة إلى زمانهم ، وأمّا بالمقايسة إلى زمان الموجودين ، فلا تتّصف بالملكية الفعلية لهم ؛ لانتفاء المضاف إليه ؛ وإنّما تتّصف بكونها لهم شأنا ، وهذا الاتّصاف الشأني له نحو وجود اعتبار فعلا ، وله آثار :

منها : منع الموجودين عن التصرّف بما ينافي ملكيتهم.

ومنها : جواز بيعه مراعاة لحقّهم في بعض الأوقات ، وغير ذلك من

٦٧٥

الأحكام.

وهذا ليس حقّا لهم بالنسبة إليها حتى ينظر على ما نحن فيه ، ويقال : إنّ الحقّ لا يقابل بالمال ، ولا ينتقل إلى المشتري ، بل نحو من الملكية الاعتبارية ، وإلّا فالمانع عن تسميته ملكا فعلا يمنع عن تسميته حقّا أيضا ؛ إذ كما أنّ الملك يتوقّف على وجود مالك فعلا ، كذا الحقّ يتوقّف على طرف محقّق.

ولكنّك عرفت أنّ هذا لا يمنع عن اعتبار الوجود في ترتيب الآثار ، فالمعدومين بمنزلة الموجودين في الآثار ، أعني توزيع الثمن عليهم نحو توزيع المثمن بمعنى تقسيطه عليهم طولا بحسب وجوداتهم لا عرضا ، مثل الشركاء الموجودين في مرتبة واحدة.

وكيف كان ، فالفرق بين الوقف وما نحن فيه واضح بعد أدنى تأمّل.

وعلى هذا فالأقوى : ما عليه المشهور ، بل لم ينقل فيه خلاف إلّا عن الشيخ (١) في بعض الصور ـ كما سنوضّحه إن شاء الله ـ من عدم صيرورة الثمن رهنا ؛ لبطلان رهانة المثمن بالبيع ، وعدم ما يقتضي رهانة الثمن.

وكونه كالمعوّض في تمام الأحكام ـ كما في التالف ـ قد عرفت منعه.

وقضاء العرف بذلك بعد ملاحظة أنّ الثمن إنّما هو في مقابل رقبة الملك من حيث هي غير مسلّم.

ودعوى : أنّ عقد الرهن يقتضي رهنية العين بمراتبها ؛ لكونه من قبيل تعدّد المطلوب ، ولذا يجعل ثمنها عند خوف الفساد رهنا ، ومن

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ٢٥ : ٢١٢ ، وانظر : المبسوط ٢ : ٢١٠.

٦٧٦

المعلوم أنّ الثمن أيضا مرتبة من مراتبها ، فيجب أن يكون رهنا ، إلّا أن يستظهر من الإذن إسقاط حقّ الرهانة ، وهو خلاف المفروض ؛ إذ الفرض عدم بطلانه إلّا بالبيع ، فليس الرهانة متقوّمة بشخص العين ، وإلّا لما كان الثمن رهنا في المثال ، مع أنّ الحقّ اقتضى بيعه ، فكيف يخرج الثمن عن كونه رهنا؟! ففيها : بعد تسليم كونه من قبيل تعدّد المطلوب ، منع اقتضائه رهانة الثمن مطلقا ؛ إذ ليس الثمن مطلقا مرتبة من مراتب العين بحيث يشمله حكمها ؛ إذ الموارد التي نلتزم فيها بتعدّد المطلوب لا نقول فيها بثبوت الحكم للبدل مطلقا ، بل يثبت له عند تعذّر شخص متعلّق العقد ، وفرض التعذّر يخرج ما نحن فيه عن الفرض.

والسرّ في اعتبار التعذّر : أنّه عند عدم التعذّر يعدّ أجنبيّا عند العرف ، وأمّا عند التعذّر فهو هو بنحو من المسامحة.

وإن شئت توضيح المقام فراجع إلى ما فصّلناه في كتاب البيع في مسألة ضمان المثلي والقيمي من أنّه لا يجوز التخطّي من مرتبة إلى مرتبة اخرى دونها عند التمكّن من المرتبة الأعلى ؛ لعدم كونه أداء للتالف حينئذ بحكم العرف ، فافهم وتأمّل.

هذا كلّه فيما لو أطلق الإذن ، وأمّا لو شرط بقاء الثمن رهنا فقد عرفت أنّه لا إشكال في لزوم الوفاء بالشرط ، بل قد يظهر من المحكي (١) عن غير واحد الإجماع عليه ، إلّا أنّ الإشكال في تصوير إمكان التفكيك بين العين [ووصف الرهانة] مع كون وصف الرهانة متقوّمة بشخص العين بخصوصيتها ، ولذا حكمنا ببطلان الرهانة مطلقا في الصورة المتقدّمة ، فلو أمكن التفكيك ، أمكن في صورة الإطلاق أيضا

__________________

(١) أنظر : مفتاح الكرامة ٥ : ١٢١ ـ ١٢٢ وجواهر الكلام ٢٥ : ٢١٣ ، وتذكرة الفقهاء ٢ : ٣٠.

٦٧٧

ببقاء رهانة الثمن لو لم نقل باستفادة الإذن في الإبطال المطلق من مطلق الإذن ؛ للانصراف.

ويمكن دفعه : بما أشرنا إليه من أنّ العوض الاختياري ليس من مراتب العين التي تقتضي رهانة العين رهانته ولو قلنا بكونه من قبيل تعدّد المطلوب.

هذا إذا لم يكن بينهما جعل وتباني ، وإلّا فلا امتناع في ذلك ، كما في أداء الدين حيث يصير غير المجانس من مراتب ما في الذمّة بالتراضي ، فافهم وتأمّل ؛ فإنّ المقام ممّا يحتاج إلى التأمّل.

وقد تصدّى سيد مشايخنا ـ دام ظلّه ـ لدفع الإشكال بما لعلّه يقرب ممّا ذكرنا وإن لم ينطبق عليه كمال الانطباق.

وكيف كان ، فالأظهر ما ذكرناه ، والله العالم.

هذا كلّه في إذن المرتهن

(و) أمّا (لو) انعكس الفرض بأن (أذن الراهن للمرتهن في البيع قبل الأجل) فالظاهر ـ كما عليه المشهور على ما حكي (١) عنهم ـ صيرورة الثمن رهنا ، فـ (لم يجز للمرتهن التصرّف في الثمن) بأن يستوفي منه حقّه قبل حلول الأجل ، بل ولا بعده ما لم يأذن.

نعم يجوز له مقاصّته بعد حلول الأجل لو اجتمعت (٢) شرائط التقاصّ ، وهو خارج عن مفروض المسألة.

وكذا لا يجوز للراهن أيضا التصرّف فيه ، كما هو قضية الرهانة ، وهذا ممّا لا إشكال فيه. وإنّما الإشكال في بقاء الثمن رهنا مع أنّ

__________________

(١) راجع : مفتاح الكرامة ٥ : ١٢٢ ، وجواهر الكلام ٢٥ : ٢١٤.

(٢) في النسخة الخطية والحجرية : اجتمع.

٦٧٨

الرهانة متقيّدة بالعين ، وتبطل بالبيع إلّا أن يشترطا ، كما تحقّق فيما تقدّم ، والمفروض عدمه ؛ لأنّ الكلام فيما لو لم يصدر من الراهن إلّا الإذن ، إلّا أنّ الأظهر الأشهر ، بل المشهور على ما يظهر من بعض العبائر ، هو : ما ذكرنا من كون الثمن رهنا ؛ لظهور الإذن من الراهن في ترخيص تبديل متعلّق الرهن للمرتهن ، ورفع يده عن سلطنته على خصوص العين ، ولا يعدّ هذا عرفا استدعاء من الراهن عن المرتهن في رفع يده عن الرهن ، وإبطال رهانته ، بل غاية ما يستفاد منه مسألته تبديل العين ، وتحصيل ثمنها ؛ لكونه أعود بحال الراهن ، فهذا الظهور العرفي بمنزلة التصريح بالاشتراط والتواطؤ على بقاء الثمن رهنا بمعنى إلغاء خصوصيتها الشخصية ، وإبقاء الرهانة في ماليتها التي هي العمدة في هذه الأبواب ، بل هي من مراتب وجوداتها في حال التعذّر والتباني كما تقدّم الكلام فيه فيما سبق.

وبذلك ظهر ما في كلام النافين من أنّ الحقّ إنّما تعلّق بالعين ، ولازمه ارتفاع الحقّ بانتقالها ، فتعلّقه بالثمن يحتاج إلى عقد جديد (١).

كما أنّه قد ظهر لك أيضا ما في إطلاق قول المصنّف : (إلّا بعد حلوله) مستثنيا من عدم جواز التصرّف ؛ لما ذكرنا من صيرورته بحكم الرهن في عدم جواز التصرّف إلّا بإذن الراهن ، أو الحاكم عند التعذّر على التفصيل الذي ستسمعه إن شاء الله تعالى.

وكذا ما في قوله كغيره من الأصحاب : (ولو كان) أي الإذن في البيع (بعد حلوله صحّ) التصرّف فيه ؛ ضرورة عدم كفاية الإذن في

__________________

(١) انظر : رياض المسائل ١ : ٥٨٨ ، والحدائق الناضرة ٢٠ : ٢٧٦.

٦٧٩

البيع مجرّدا في جواز التصرّف.

نعم لو استظهر منه بقرائن الحال والمقام الإذن في الاستيفاء ، أو ادّعى ظهور الإذن بعد الحلول مطلقا لأجل القرائن في ترخيصه في الاستيفاء ـ كما أنّه ليس بالبعيد ـ كان له ذلك ، ولعلّ إطلاق الأصحاب ناظر إلى ذلك.

وكيف كان ، فإن أرادوا من إطلاقهم ما ذكرناه فله وجه ، وإلّا ففيه منع واضح.

(وإذا حلّ الأجل) وأراد المرتهن حقّه ، طالب الراهن بالوفاء ولو ببيع الرهن أو التوكيل في بيعه.

(و) لو (تعذّر الأداء ، كان للمرتهن البيع) والاستيفاء (إن كان وكيلا) بل له ذلك من دون مراجعة الراهن مع إطلاق وكالته وإن كان قد يناقش في ذلك بدعوى : انصراف الإطلاق عن مورد الفرض ، ولكن فيه منع الانصراف (وإلّا) أي وإن لم يكن وكيلا (رفع أمره إلى الحاكم.)

وهل للحاكم البيع من أول الأمر ، أو ليس له ذلك إلّا بعد إجبار الراهن ، وامتناع صدوره منه بنفسه؟ ففيه إشكال سنتعرّض له إن شاء الله.

وأمّا وجوب الرجوع إليه عند امتناع الراهن من البيع والأداء :فالظاهر أنّه ممّا لا تأمّل فيه إذا كانت له بيّنة يثبت بها حقّه ، بل عن بعض (١) نفي الخلاف عنه ، إلّا عن ظاهر أبي الصلاح (٢) ، فليس

__________________

(١) انظر : مفتاح الكرامة ٥ : ١٣١ ، وكفاية الأحكام : ١٠٩.

(٢) راجع : مفتاح الكرامة ٥ : ١٣١ ، وجواهر الكلام ٢٥ : ٢١٨ ، والكافي في الفقه : ٣٣٥.

٦٨٠