مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

وربما يستدلّ له أيضا : بالصحيحة المزبورة ، بجعل قوله ـ عليه‌السلام ـ : «حسب له من الوقت الذي نوى» كناية عن فساد الصوم.

وفيه ما لا يخفى.

ثمّ إنّك قد عرفت عدم اختصاص هذا الحكم ، أي : امتداد وقت النيّة إلى الزوال أو الغروب بالناسي في ما عدا الواجب المعيّن.

فما يوهمه عبارة المتن من اختصاصه به مطلقا غير مراد جزما ، بل الأخبار بأسرها واردة : إمّا في خصوص العامد ، أو أنّه هو القدر المتيقّن من منصرفها ، كما تقدّمت الإشارة إليه.

ولو نوى من الليل أو بعد طلوع الفجر صوما غير معيّن ، ثمّ نوى الإفطار ولم يفطر ، كان له تجديد النيّة ما لم يفت محلّها ، لأنّا إن بنينا على أنّ العزم على الإفطار مفسد للصوم وإن لم يتناول مفطرا ـ كما سيأتي التكلّم فيه ـ فليس إلّا لارتفاع أثر النيّة السابقة بواسطة العزم على الخلاف ، ووقوع الإمساك الحاصل في هذا الجزء من الزمان بلا نيّة ، وهو غير قادح بعد دلالة الأخبار المتقدّمة على عدم اشتراط صحّة الصوم بالنيّة السابقة ، وأنّ من لم يطعم طعاما أو يشرب شرابا ولم يفطر ، له أن ينوي ما بينه وبين الزوال أو إلى العصر ؛ إذ غايته صيرورته كغير العازم على الصوم ، أو العازم على عدمه من الليل.

وتوهّم أنّ الأخبار واردة في غير مثل الفرض ، فيجب في الحكم المخالف للأصل الاقتصار على مورد النّص ، مدفوع : بأنّ انسباق غير هذا الفرض إلى الذهن من مورد الأخبار ، أو كونه مفروضا في السؤال الواقع فيها إنّما هو لأنس الذهن به في مقام تصوّر الموضوع ، وإلّا فهو ليس من الخصوصيات الملحوظة قيدا في موضوعيته ، فلا يتبادر من الأخبار إلّا إرادة بيان توسعة وقت النيّة التي هي شرط في صحّة

٣٢١

الصوم ، وأنّه يمتدّ وقتها إلى الزوال ، فيفهم من ذلك حكم مثل الفرض بالفحوى ؛ لأنّ النيّة السابقة إن كانت مجزية فبها ، وإلّا فلم يفت محلّها بنصّ هذه الأخبار.

واحتمال أن يكون قصد الإفطار المسبوق بنيّة الصوم بنفسه كالأكل والشرب ، مع وهنه في حدّ ذاته لو لم ندّع القطع بفساده ، مدفوع : بمخالفته للأصل وظواهر ما دلّ على حصر المبطلات في ما عداه.

هذا ، مع أنّ كون الحكم في حدّ ذاته مخالفا للأصل غير مسلّم ، كما سنشير إليه.

هذا كلّه ، مع ظهور موثّقة عمّار (١) في إرادة التخيير الاستمراري ، وجواز العدول عمّا نواه مطلقا ـ صوما كان أو إفطارا ـ إلى أن تزول الشمس ، وبعده ينقطع الخيار ، ويتعيّن عليه المضيّ في ما نواه كما لا يخفى.

ويؤيّده أيضا : أنّه لم يعرف الخلاف فيه من أحد.

نعم ، ذكره في المدارك (٢) وغيره (٣) على سبيل الاحتمال مع التصريح بضعفه.

تنبيه : قال في المدارك وفاقا لجدّه في المسالك : لو جدّد النيّة في أثناء النهار ، فهل يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النيّة أو من ابتداء النهار ، أو يفرّق بين ما إذا وقعت النيّة بعد الزوال أو قبله؟ أوجه ، أجودها : الأخير ؛ لقوله عليه‌السلام ، في صحيحة

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٨٠ / ٨٤٧ ، الإستبصار ٢ : ١٢١ / ٣٩٤ ، الوسائل : الباب ٢ من أبواب وجوب الصوم ، الحديث ١٠.

(٢) مدارك ، الأحكام ٦ : ٢٦.

(٣) جواهر الكلام ١٦ : ١٩٩.

٣٢٢

هشام بن سالم المتقدّمة : إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه ، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى فيه (١) انتهى.

أقول : الظاهر أنّ المقصود بالرواية نقصانه من حيث الفضيلة واستحقاق الأجر ، لا كونه صوما من ذلك الوقت ، وإلّا لكان عليه أن ينوي الصوم بإمساكه من هذا الحين.

مع أنّه بهذا القصد تشريع ، وإنّما المشروع أن ينوي الصوم بترك المفطرات الحاصل من أوّل اليوم ، فالنيّة اللاحقة بالنسبة إلى الإمساك السابق : إمّا من قبيل إجازة الفضولي يجعله بحكم المنوي ، أو أنّه يستكشف من اكتفاء الشارع بها أنّ حقيقة الصوم هي ترك المفطرات في مجموع النهار مع النيّة ، بأن يكون مجموعه من حيث المجموع اختياريّا له بعنوان الإطاعة ، لا كلّ جزء جزء من أجزائه ، كما تقدّم تصويره في صدر المبحث.

فصوم يوم الجمعة ـ مثلا ـ ليس إلّا كما لو نذر أن لا يدخل في يوم الجمعة دار زيد ، أو لا يتكلّم معه ، فلو غفل عن نذره ولم يلتفت إلّا بعد الزوال من ذلك اليوم ، فإن حصل منه مخالفة نذره ـ وهو الدخول في دار زيد في زمان غفلته ـ فقد سقط التكليف بالوفاء بالنذر بحصول مخالفته لا عن قصد ، وإلّا فعليه تركه في ما بقي من النهار ، ويتحقّق به عنوان الوفاء ، ويستحقّ أجره ، فكذلك في ما نحن فيه.

فمن أصبح ولم يتناول شيئا من المفطرات حتى ارتفع النهار ، أو إلى العصر ، ثم بدا له رأي في صوم ذلك اليوم وتركها اختيارا في بقيّة

__________________

(١) مدارك الأحكام ٦ : ٢٦ ، وراجع : مسالك الأفهام ١ : ٦٨.

٣٢٣

النهار ، صدق عليه أنّه ترك الأكل والشرب في هذا اليوم عمدا بقصد إطاعة الأمر به.

فلنا أن نقول : إنّ امتداد وقت النيّة في صوم النافلة إلى العصر على وفق الأصل ، إذ لا دليل على أنّه يعتبر في ماهيّة الصوم من حيث هي أزيد من اختيار ترك المفطرات في اليوم الذي نوى صومه قربة إلى الله تعالى ، فما دام باقيا بصفة القدرة على إيجاد شي‌ء من المفطرات في اليوم ، صحّ له اختيار تركه بقصد القربة وإطاعة الأمر بصوم هذا اليوم.

ولا يقاس ذلك بالعبادات المركّبة المطلوب بها الفعل ، كالصلاة والوضوء ونحوه ممّا يتوقّف إطاعة أمره عرفا وعقلا على القصد إليه من حين التلبّس به ؛ إذ الفعل الوجودي لا يتّصف بصدوره عن عمد واختيار إلّا إذا كان القصد مؤثّرا في إيجاد ماهيّته التي هي عبارة عن هذه الأجزاء المجتمعة ، وإلّا فلا يصدق عليه أنّه صدر عن قصد ، بل يفكّك عن أبعاضه ، فيقال : بعضه صدر عن قصد ، وبعضه لا عن قصد ، وأمّا المجموع من حيث المجموع الذي يتقوّم به اسم المركّب وإن صدق عليه أنّه صدر عن قصد ، ولكن المطلوب بالأوامر المتعلّقة بالأفعال المركّبة الوجودية بمقتضى ظواهر أدلّتها إنّما هي ماهيّة تلك الأفعال التي قد أشرنا إلى أنّها هي أجزاؤها ، لا مجرّد صورتها ، أي الهيئة التركيبيّة المتقوّمة بها ، وإلّا فيصير حالها حال ما نحن فيه في أنّه يكفي في إطاعة أمرها إحداث الهيئة التركيبية وإن لم يكن حصول شي‌ء من أجزائها اختياريّا ، فضلا عمّا لو كان بعضها كذلك ، ولكن ذلك خلاف ظواهر أدلّتها ، كما تقدّمت الإشارة إليه.

وأمّا ترك الأكل ونحوه من الصبح إلى الليل الذي هو معنى الصوم فهو أمر عدمي ، وليس له حقيقة متأصّلة ، ولا أجزاء حقيقيّة حتى

٣٢٤

يتوقّف اختياريته على اختياريّة أجزائه ، وإنّما يتّصف بالاختياريّة والمقدوريّة المصحّحة لتعلّق التكليف به إيجابا أو تحريما تبعا لمقدوريّة ما أضيف إليه هذا العدم ، فإذا كان المكلّف قادرا على إيجاد مسمّى الأكل في يوم الجمعة ـ مثلا ـ ولو في جزء منه ، صحّ أن يتعلّق به التكليف فعلا أو تركا ، فإذا تعلّق التكليف بفعله ، يصير فعله واجبا موسّعا من أوّل الصبح إلى الغروب ، ونقيضه ـ وهو تركه ـ في مجموع هذه المدّة حراما معيّنا.

وأمّا تركه في بعض هذه المدّة ـ أيّ بعض فرض ـ فهو من حيث هو ليس بحرام ، سواء كان في أوّل اليوم أو آخره ، ولكن إذا انحصرت القدرة على أداء الواجب في زمان خاص من ذلك اليوم ، كأن غفل عنه إلّا في آخر الوقت ، أو لم يتمكّن من فعله ـ مثلا ـ إلّا في أوّل الزوال ، وتركه في ذلك الوقت عمدا مع علمه بعدم قدرته عليه إلّا في هذا الوقت ، فقد تحقّق موضوع الحرام ، وهو الترك في مجموع هذا اليوم متّصفا بالاختيار ، وإلّا لقبح العقاب عليه ، فكما أنّ الترك في آخر أزمنة القدرة على الفعل يجعل الترك في مجموع اليوم اختياريّا موجبا لاستحقاق العقاب عليه على تقدير حرمته ، فكذلك يجعله اختياريّا موجبا لاستحقاق الثواب عليه على تقدير وجوبه وحصوله بقصد إطاعة الأمر بتركه في هذا اليوم ، فلاحظ وتدبّر ؛ فإنّه لا يخلو عن دقّة.

وكفاك شاهدا للفرق بين الصوم وغيره من العبادات : أنّه لا يتوهّم أحد صحّة سائر العبادات الوجودية عند صدور بعضها بلا شعور وقصد ، بخلاف الصوم.

فلو قيل للعامي في يوم الغدير ـ مثلا ـ بعد ارتفاع النهار : إنّ لصوم هذا اليوم كذا وكذا من الأجر ، ولم يكن قد تناول مفطرا إلى ذلك الوقت ،

٣٢٥

يقع في ذهنه لا محالة احتمال جواز تجديد نيّته من ذلك الحين ، فيسأل عن حكمه ، ولذا كثر السؤال عن مثله في الأخبار ، ولم يرد بمثل ذلك في سائر العبادات.

وكيف كان ، فلا يهمّنا إبداء الفارق بين الصوم وغيره بعد حرمة القياس ، وعدم قيام دليل يعتدّ به على توقّف ماهيّة الصوم على أزيد من القصد المزبور ، والمرجع في مثله البراءة عن الكلفة الزائدة كما حقّقناه في محلّه ، وقدّمنا شطرا وافيا لبيانه في نيّة الوضوء من كتاب الطهارة (١).

وأمّا ما دلّ على أنّه «لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل» (٢) فمخصوص بالواجب المعيّن للعامد نصّا وإجماعا كما عرفت ، فمقتضى الأصل في ما عداه : امتداد وقت نيّته إلى الغروب ، ولكن التزمنا بعدم جواز تأخيرها عن الزوال في الصوم الواجب ؛ لموثّقة عمّار وغيرها ممّا عرفت ، فليتأمّل.

(وقيل : يختصّ رمضان بجواز تقديم نيّته عليه ، ولو سها عند دخوله ، فصام ، كانت النيّة الأولى كافية.)

حكي هذا القول عن الشيخ في الخلاف والنهاية والمبسوط (٣) ، وقد عرفت في المبحث السابق صحّة هذا القول ، وعدم اختصاصه برمضان.

ولعلّ ما في كلام الشيخ من تخصيصه برمضان ؛ للجري مجرى العادة من عدم حصول العزم على سبيل الجزم في ما عداه غالبا قبل

__________________

(١) راجع : كتاب الطهارة : ٩٥ (الفصل الثالث : في كيفية الوضوء) الطبعة الحجرية.

(٢) سنن البيهقي : ٤ : ٢٠٢ بتفاوت.

(٣) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٢٧ ، وراجع : الخلاف ٢ : ١٦٦ ، المسألة ٥ ، والنهاية : ١٥١ ـ ١٥٢ ، والمبسوط ١ : ٢٧٦.

٣٢٦

حضور وقته بأيّام ، مع استدامة حكمه على الوجه الذي عرفت اعتباره في تأثير النيّة السابقة في استناد الفعل إليها ، واتّصافه بوقوعه عن قصد ، بخلاف صوم رمضان ؛ فإنّ كلّ مكلّف لدى الالتفات إلى قرب الشهر ما لم يضمر في نفسه المعصية ينوي صومه ، ويشتغل بتهيئة مقدّماته ، وتبقى هذه النيّة مغروسة في نفسه حقيقة أو حكما إلى حين حضوره ، وقد عرفت أنّه لا يشترط في صحة العبادة أزيد من ذلك ، وأنّه ليس للإرادة التفصيلية التي يتوقّف عليها صحة العبادة واتّصافها بحصولها عن نيّة زمان موقّت شرعي ، فليس جواز تقديم النيّة في الصوم بهذا المعنى الذي هو محلّ الكلام مخالفا للأصل ، فالتفكيك حينئذ بين الجزء الأول من الليل والجزء الآخر من اليوم السابق المتّصل بهذا الجزء فاسد.

نعم ، يتّجه هذا التفصيل لدى القائلين باشتراط صحة العبادات بمقارنة هذه الإرادة التفصيلية التي هي شرط عقلي لوقوع الفعل بداعي التقرّب لأوّل زمان التلبّس بالفعل ، وأنّ جواز التقديم في الصوم على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورد الثبوت.

ولكنّك عرفت فساد المبنى ، كما أنّك عرفت وجه ما فرّعه الشيخ على مختاره من الصحة على تقدير السهو والغفلة عن تجديدها في الليل ، لا مطلقا ، حيث قال في ما حكي عن مبسوطة ما لفظه : نيّة القربة يجوز أن تكون متقدّمة ، فإذا كان من نيته صوم الشهر إذا حضر ثمّ دخل عليه الشهر ولم يجدّدها لسهو لحقه أو إغماء ، كان صومه صحيحا ، فإن كان ذاكرا ، فلا بدّ من تجديدها (١). انتهى ، حيث ظهر لك أنّ شرط تأثير النيّة السابقة في صحّة العمل اللاحق ، واتّصافه بوقوعه منويّا

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٠٠ ، وراجع : المبسوط ١ : ٢٧٦.

٣٢٧

استدامتها حكما ، ولا تكون كذلك إلّا إذا كانت مغروسة في النفس على وجه لو التفت المكلّف تفصيلا إلى الفعل الذي نواه ، لوجد نفسه عازمة عليه ، وليس المراد بتجديدها إلّا هذا المعنى ، لا التكليف في إخطار صورتها مفصّلة في الذهن.

وكيف كان ، فالنيّة السابقة إذا كانت كذلك ، فهي مجزية في صحة الصوم ، سواء كانت في الليل أو قبلها ، وإن لم تكن كذلك فهي غير مجدية مطلقا ولو كانت حاصلة في الليل بل متّصلة بالفجر ما لم تبق بهذه الصفة إلى الغروب.

(وكذا) يظهر بالتدبّر في ما أسلفناه صحة ما (قيل) من أنّه (يجزي نية واحدة لصيام الشهر كلّه) كما عن الشيخ والسيد وأبي الصلاح وسلّار وابن إدريس وغيرهم (١) ، بل عن المنتهى : نسبته إلى الأصحاب (٢) من غير نقل خلاف فيه.

وربما تكلّف بعض في توجيهه : بجعل صوم الشهر كلّه بمنزلة عبادة واحدة ذي أجزاء ، فالنيّة الحاصلة في أوّل الشهر ، المتعلّقة بالمجموع بمنزلة نية الصلاة المتعلّقة بأجزائها.

ولا يخفى ما فيه ، وكأنّ مثل هذه التوجيهات والتكلّفات صدرت من القائلين بالإخطار.

وأمّا على القول بكفاية الداعي الذي مرجعه إلى ما حقّقناه في ما

__________________

(١) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٢٨ ، وراجع : النهاية : ١٥١ ، والمبسوط ١ : ٢٧٦ ، والاقتصاد : ٢٨٧ ، والانتصار : ٦١ ، والكافي في الفقه : ١٨١ ، والمراسم : ٩٦ ، والسرائر ١ : ٣٧١.

(٢) كما في جواهر الكلام ١٦ : ٢٠٠ ، وحكاه صاحب الرياض فيها ١ : ٣٠٣ ، وراجع : منتهى المطلب ٢ : ٥٦٠.

٣٢٨

سبق ، فلا وقع لمثل هذه الكلمات ، والتعرّض لمثل هذه الشرائط ، إذ العبرة في صحّة العبادة حينئذ باقترانها بالداعي المغروس في النفس حال الفعل حقيقة أو حكما بحيث يصحّ استناد الفعل إلى اختيار المكلّف بعنوان الإطاعة ، لا بالإرادة التفصيلية الحاصلة قبله ، القابلة لأن يقع النزاع في وقتها ، التي هي شرط عقلي لإيقاع الفعل بهذا العنوان.

وقد أشرنا في ما سبق إلى الفرق بين الصوم وغيره من العبادات المطلوب بها الفعل من أنّه يعتبر في سائر العبادات وجود الداعي الذي هو أثر تلك الإرادة التفصيلية الباعثة على اختيار الفعل في وقته فعلا ، ويكفي في الصوم بقاؤه في النفس شأنا ، بحيث لا تنافيه الغفلة والنوم ، فلا تغفل.

(ولا يقع في) شهر (رمضان صوم غيره) واجبا كان أو مندوبا ، من المكلّف بصومه وغيره ، كالمسافر ونحوه على المشهور ، خلافا لما حكي عن الشيخ في المبسوط من أنّه قال : لو كان مسافرا سفر القصر ، فصام بنيّة رمضان لم يجزئه ، وإن صام بنيّة التطوّع كان جائزا ، وإن كان عليه صوم نذر معيّن ، ووافق ذلك شهر رمضان ، فصام عن النذر وهو حاضر ، وقع عن رمضان ، ولا يلزم القضاء لمكان النذر ، وإن كان مسافرا ، وقع عن النذر ، وكان عليه القضاء لرمضان.

وكذا إن صام وهو حاضر بنيّة صوم واجب عليه غير رمضان ، وقع عن رمضان ، ولم يجزئه عمّا نواه ، وإن كان مسافرا وقع عمّا نواه (١). انتهى.

أقول : ما ذكره بالنسبة إلى الحاضر من أنّه لو نوى صوم النذر أو

__________________

(١) حكاه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة : ٢١٤ ، وراجع : المبسوط ١ : ٢٧٧.

٣٢٩

غيره ، يقع من رمضان ؛ إنّما يتجه بناء على أنّه لا يعتبر في ماهيّة صوم رمضان ، عدا ترك المفطرات فيه بنيّة التقرّب ولو بإطاعة أمر آخر وهميّ غير أمره الواقعي المنجّز عليه ، وهذا ينافي الالتزام بصحّته من المسافر إذا نوى به التطوّع أو صوما آخر غير صوما رمضان دون ما قصد به صوم رمضان ، فإنّ ما يقع من المسافر في الحقيقة ليس إلّا صوم رمضان ، فالمسافر إذا قصد اليوم الأوّل من شهر رمضان أن يصوم تطوّعا ، فإن جاز له ذلك فمآله إلى أنّ صوم رمضان يجب على الحاضر ، ويستحب للمسافر ، فيكون جواز تركه للمسافر حينئذ رخصة لا عزيمة ، كما تزعمه العامة ، وعلى هذا التقدير يمتنع أن يجب عليه قضاؤه بعد أن أتى به في وقته صحيحا.

إن قلت : إنّ الحضور شرط في ماهيّة صوم رمضان ، الذي تعلّق به أمر وجوبي ، فما يقع من المسافر موضوع آخر متعلّق لأمر ندبي أو إلزامي ناش من الأمر بالوفاء بالنذر أو الكفّارة أو غير ذلك ، لا الأمر الوجوبي المتعلّق بصوم رمضان.

قلت : الحضور كالبلوغ شرط لوجوب صوم رمضان عليه ، لا من مقوّمات ماهيّة صومه.

وكيف كان ، فالحقّ أنّه إن بنينا على اتّحاد ماهيّة الصوم من حيث هي ، وأنّ اختلافها إنّما هو بالنسبة إلى أحوال المكلّف أو أزمنة وقوعها الموجبة لاختلاف أحكامها من حيث الوجوب والحرمة والاستحباب ، أو بالإضافة إلى العناوين الطارئة الخارجة عن حقيقته ، كما قوّيناه في ما سبق ، أو قلنا بأنّ أقسام الصوم وإن كانت أنواعا مختلفة إلّا أنّ الفصل الذي يمتاز به صوم رمضان عمّا عداه إنّما هو بإضافته إلى زمانه ، لا بأمر آخر زائد على مفهوم صومه ، فلا يعقل أن يقع في رمضان صوم آخر

٣٣٠

واقعا بصفة المطلوبية ، ولم يكن عن رمضان بحيث يبقى التكليف بقضائه بعده ، فإنّ صوم رمضان على هذا التقدير ذاتي لسائر الأنواع الواقعة فيه ، وإذا فرض كونه بهذا العنوان الذي هو ذاتي له منهيّا عنه ، يكون نقيضه الذي هو ترك صوم هذا الوقت واجبا ، فلا يعقل أن يتعلّق به تكليف وجوبي أو ندبي بسائر الاعتبارات اللاحقة له ، فإنّه بالنسبة إلى المسافر يصير كصوم العيدين لسائر المكلّفين ، وصوم أيّام التشريق لمن كان بمنى.

وإلى هذا يؤول استدلال العلّامة في محكي المختلف للمدّعى : بقوله تعالى «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً» (١) الآية ، بتقريب : أن إيجاب العدة يستلزم إيجاب الإفطار.

وبقوله ـ عليه‌السلام ـ : «ليس من البرّ الصيام في السفر» (٢) إلى أن قال في الجواب عمّا ذكر دليلا للجواز من أنّه زمان لا يجب صومه عن رمضان ، فإجزاؤه عن غيره كغيره من الأزمنة التي لا يتعيّن الصوم فيها.

قال : الفرق أنّ هذا الزمان لا ينفك عن وجوب الصوم عن رمضان ، ووجوب الإفطار ، بخلاف غيره من الأزمنة ، ولا يجب إفطاره في السفر ، فأشبه العيد في عدم صحة صومه (٣). انتهى.

ويشهد لصحّة هذا الاستدلال ، كما أنّه يدلّ على أصل المدّعى :مرسلة الحسن بن بسّام ، قال : كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام ، في ما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ، ثمّ رأينا هلال شهر رمضان ، فأفطر ، فقلت له : جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٤.

(٢) سنن البيهقي ٤ : ٢٤٢.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ، وراجع : مختلف الشيعة : ٢١٤.

٣٣١

صائم واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر؟ فقال : إنّ ذلك تطوّع ولنا أن نفعل ما شئنا ، وهذا فرض وليس لنا أن نفعل إلّا ما أمرنا (١).

وإن بنينا على أنّ صوم رمضان قسم خاص من الصوم ممتاز عمّا عداه من الأنواع بالذات ، كفريضة الصبح الممتازة عن سائر الفرائض والنوافل بالذات ، فمقتضى الأصل عند عدم تنجّز التكليف به ولو لغفلة أو نسيان : صحّة غيره ، ووقوعه عمّا نواه مطلقا ولو في الحضر ، فضلا عمّا كان مسافرا ، إلّا أن يدلّ دليل تعبّدي على الإجزاء به من رمضان ، أو وقوعه فاسدا.

ولا ينافي صحّته ووقوعه عمّا نواه على هذا التقدير قوله تعالى : «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ» (٢) لأنّ إيجاب العدّة على هذا التقدير لا يقتضي إلّا إيجاب ترك هذا الصوم ، لا مطلقه الذي هو عبارة عن الإفطار ، كما في العيدين.

ولكنك عرفت في مسألة من نوى صوم الغد بنيّة القربة ضعف هذا البناء ، مضافا إلى شهادة الخبر المتقدّم بذلك ، فما ذهب إليه المشهور من أنّه لا يقع في رمضان صوم غيره مطلقا هو الأقوى.

(و) لكن لا يبعد الالتزام بأنّه (لو نوى) فيه (غيره ، واجبا كان أو ندبا) فإن كان ممّن يصحّ منه صوم رمضان ، صحّ صومه ، و (أجزاء عن رمضان دون ما نواه) لما عرفت في ما سبق من أنّه لا يعتبر في صوم رمضان عدا حصوله بنيّة التقرّب ، وقد حصل كذلك.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٣١ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٣٦ / ٦٩٣ ، الإستبصار ٢ : ١٠٣ / ٣٣٥ ، الوسائل : الباب ١٢ من أبواب من يصحّ منه الصوم ، الحديث ٥.

(٢) البقرة ٢ : ١٨٤.

٣٣٢

وخطأ المكلّف في تشخيص الأمر المتنجّز عليه أو زعمه تعدّده ، فنوى امتثال أمر لا تحقّق له دون الأمر المتحقّق المتوجّه إليه ، لا يقدح في حصول الفعل على الوجه الذي تعلّق به الطلب ، أي وقوعه قربة إلى الله ، فيكون مجزيا.

ولا يتوجّه عليه الإشكال بما ذكره في المدارك وغيره.

ففي المدارك قال في شرح العبارة ما لفظه : وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الجاهل بالشهر والعالم به ، وبهذا التعميم صرّح في المعتبر.

أمّا الوقوع عن رمضان مع الجهالة بالشهر : فالظاهر أنّه موضع وفاق ، كما اعترف به الأصحاب في صيام يوم الشك بنيّة الندب ، وسيجي‌ء الكلام فيه.

وأمّا مع العلم : فهو اختيار الشيخ والمرتضى والمصنّف هنا ظاهرا وفي المعتبر صريحا.

واستدلّ عليه : بأنّ النيّة المشترطة حاصلة ، وهي نيّة القربة ، وما زاد لغو لا عبرة به ، فكان الصوم حاصلا بشرطه ، فيجزي عنه ويشكل : بأنّ من هذا شأنه لم ينو المطلق لينصرف إلى رمضان ، وإنّما نوى صوما معيّنا ، فما نواه لم يقع ، وغيره ليس بمنوي ، فيفسد ؛ لانتفاء شرطه.

ومن ثمّ ذهب ابن إدريس إلى عدم الإجزاء مع العلم ، ورجّحه في المختلف ؛ للتنافي بين نيّة صوم رمضان ونيّة غيره.

ولأنّه منهي عن نيّة غيره ، والنهي مفسد.

ولأنّ مطابقة النيّة للمنوي واجبة. وهو جيّد.

ولا يتوجّه مثل ذلك مع الجهل ؛ لخروجه بالإجماع وحديث رفع الخطأ

٣٣٣

والروايات المتضمّنة لإجزاء صيام يوم الشك بنيّة الندب عن صيام شهر رمضان ، وفي بعضها تلويح بأنّ العلّة في ذلك العذر ، فيتعدّى إلى غيره ، كما سيجي‌ء بيانه إن شاء الله تعالى (١). انتهى كلامه.

وفيه : أنّ صوم رمضان بعد فرض أنّه لا يعتبر في حقيقته عدا الإمساك في هذا الوقت تقرّبا إلى الله ليس مغايرا لما نواه ، بل هو عينه ، ولكنه لم يقصده بهذا الوجه ، والمفروض عدم مدخلية هذا القصد في صحّته ، وإلّا لم يكن قصد جنس الصوم قربة إلى الله من غير التفات إلى خصوص نوعه مجزيا ، وكذا قصد غيره مع الجهل برمضان ، مع أنّ الخصم معترف بالصحّة فيهما.

وما زعمه فارقا بين الموارد من أنّ الحكم بالصحّة مع قصد الجنس لأجل انصرافه إلى صوم رمضان ، ومع الجهل لأجل النص والإجماع ، ففيه : أنّه لا معنى للانصراف في الأمور المنوطة بالقصد بعد فرض عدم كون الخصوصية مقصودة للناوي ، وإلّا لكان خارجا عن الفرض.

وأمّا النصّ والإجماع : فجعلهما كاشفين عن حصول الفرض من الأمر بصوم رمضان بالإمساك الحاصل فيه بنيّة التقرّب وإن لم يكن خصوص أمره مقصودا بالامتثال أولى من الالتزام بقيام المأتي به مقام المأمور به تعبّدا.

وأمّا حديث رفع الخطأ : فلا دخل له بمثل المقام ، كما لا يخفى على المتأمّل.

وقد ظهر بما ذكرنا : الخدشة في ما حكاه من الاستدلال على

__________________

(١) مدارك الأحكام ٦ : ٣١ ـ ٣٢ ، وراجع : المبسوط ١ : ٢٧٦ ، وجمل العلم والعمل (ضمن رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٣ ، والمعتبر ٢ : ٦٤٥ ، والسرائر ١ : ٣٧٢ ، ومختلف الشيعة : ٢١٤.

٣٣٤

البطلان بالتنافي بين نيّة صوم رمضان ونيّة غيره ؛ لما عرفت من أنّ التنافي إنّما هو بين النيّتين مع الخصوصيتين ، وإلّا فلا ينفك نيّة صوم في شهر رمضان عن نيّة صوم رمضان بعد فرض أنّه لا يعتبر في صوم رمضان عدا الإمساك الحاصل فيه بنيّة التقرّب وإن لم يكن ملتفتا إلى عنوانه.

وأمّا ما قيل : من أنّه منهي عن نيّة غيره ، ففيه : أنّ قصد التقرّب وامتثال أمر الشارع حسن ذاتا ، فيمتنع صيرورته حراما حتى ينافي صحّة الصوم المطلوب منه شرعا ، فمن زعم جواز صوم الكفّارة في رمضان ، فصام بهذا القصد ، فإن صحّ عقابه ، فليس إلّا للإخلال بصوم رمضان إن قلنا بعدم كونه مجزيا عنه ، أو لإمساكه بهذا القصد مع تقصيره في ترك التعلّم أو على ترك التعلّم ونحوه ، وإلّا فلا يعقل أن يكون قصد الخروج عن عهدة ما زعمه (١) كونه مطلوبا للشارع منشأ للمذمّة واستحقاق العقاب حتّى يصحّ أن يتعلّق به النهي من حيث هو.

وأمّا ما ذكره من وجوب موافقة النيّة للمنويّ ، ففيه : أنّ أوّل الكلام ، وإنّما المسلّم وجوب الإمساك في ذلك الوقت قربة إلى الله ، فليتأمّل.

(ولا يجوز أن يردّد) نيّة صومه (بين الواجب والندب) ولا بين واجبين كالكفّارة والنذر ، أو ندبين كمقدّمة الاستفتاح والاستسقاء مثلا بناء على مغايرتهما بالنوع (بل لا بدّ من قصد أحدهما معيّنا) لما أشرنا إليه في صدر المبحث من أنّه يشترط في صحّة العبادة من قصد التعيين ، فلا يقع القصد إلى أحدهما لا بعينه إطاعة لشي‌ء منهما.

نعم ، لو كان القدر المشترك بينهما في حدّ ذاته مطلوبا ، اتّجه صحّته

__________________

(١) كذا ، والظاهر : زعم.

٣٣٥

ووقوعه امتثالا للأمر المتعلّق بمطلقه ، كما أنّ المتّجه صحّة صومه نافلة لو ردّده بين النافلة والنذر أو الكفّارة ونحوها ، بناء على أنّه لا يعتبر في صوم التطوّع عدا قصد التقرّب ، ومصادفته لزمان صالح له ، كما نفينا البعد عنه في صدر المبحث ، وعلى جواز التطوّع لمن عليه صوم واجب أو فرض في ما لم يتنجّز التكليف بالواجب ، ولكنّه احتمل اشتغال ذمّته به ، فقصد حصول ذلك الصوم على تقدير اشتغال ذمّته به ، وإلّا فالندب.

ولو نوى في هذا الفرض امتثال أمره الواقعي المنجّز عليه بالفعل بعد فرض انحصاره في الواقع في أحدهما ، صحّ بلا إشكال وإن قلنا ، بتعدّدهما نوعا ؛ فإنّ هذا النحو من الترديد غير قادح بعد فرض تعيّنه في الواقع ، وتعلّق القصد به على ما هو عليه في الواقع ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك في أحكام يوم الشكّ.

(ولو نوى الوجوب) أي : الوجوب المعهود ، وهو : وجوب صوم شهر رمضان (آخر يوم من شعبان مع الشكّ ، لم يجز عن أحدهما) على المشهور.

وحكي عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد والشيخ في الخلاف : القول بأنّه يجزيه (١).

واستدلّ للمشهور : بأنّ إيقاع المكلّف الصوم في الزمان المحكوم بكونه من شعبان على أنّه من شهر رمضان يتضمّن إدخال ما ليس من الشرع فيه ، فيكون حراما لا محالة ، كالصلاة بغير طهارة ، فلا يتحقّق به الامتثال.

__________________

(١) حكاه عنهم العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٣٣ ، وراجع : مختلف الشيعة : ٢١٤ ، والخلاف ٢ : ١٨٠ ، المسألة ٢٣.

٣٣٦

وبجملة من الأخبار.

منها : موثّقة سماعة ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل صام يوما ولا يدري أمن شهر رمضان هو أو من غيره ، فجاء قوم فشهدوا أنّه كان من شهر رمضان ، فقال : بعض الناس عندنا لا يعتدّ به ، فقال : بلى ، فقلت : إنّهم قالوا : صمت وأنت لا تدري أمن شهر رمضان هذا أم من غيره؟ فقال : بلى فاعتدّ به فإنّما هو شي‌ء وفّقك الله له ، إنّما يصام يوم الشكّ من شعبان ، ولا يصومه من شهر رمضان ، لأنّه قد نهي أن ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشكّ ، وإنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضّل الله وبما قد وسّع على عباده ، ولولا ذلك لهلك الناس (١).

وخبر الزهري المروي عن التهذيب ، قال : سمعت علي بن الحسين ـ عليه‌السلام ـ يقول : يوم الشكّ أمرنا بصيامه ونهينا عنه ، أمرنا أن يصوم الإنسان على أنّه من شعبان ، ونهينا أن يصومه على أنّه من شهر رمضان وهو لم ير الهلال (٢).

وخبره الآخر أيضا عن علي بن الحسين ـ عليهما‌السلام ـ في حديث طويل ، قال : وصوم يوم الشكّ أمرنا به ونهينا عنه ، أمرنا به أن نصومه مع صيام شعبان ، ونهينا عنه أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشكّ فيه الناس فقلت له : جعلت فداك ، فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال : ينوي ليلة الشكّ أنّه صام من

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٢ / ٦ ، التهذيب ٤ : ١٨٢ / ٥٠٨ ، الإستبصار ٢ : ٧٩ / ٢٤٠ ، الوسائل : الباب ٥ من أبواب وجوب الصوم ، الحديث ٤.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦٤ / ٤٦٣ و ١٨٣ / ٥١١ ، الوسائل : الباب ٦ من أبواب وجوب الصوم ، الحديث ٤.

٣٣٧

شعبان ، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه ، وإن كان من شعبان لم يضرّه فقلت : وكيف يجزي صوم تطوّع عن فريضة؟ فقال : لو أنّ رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوّعا وهو لا يعلم أنّه من شهر رمضان ثمّ علم بذلك لأجزأ عنه ؛ لأنّ الفرض إنّما وقع على اليوم بعينه (١).

ويستشعر من الخبر الأوّل أنّ الاكتفاء به عن صوم رمضان مخالف للأصل ، ولكن الشارع أمضاه من باب التفضّل والتوسعة ، ولكنه يظهر من هذه الرواية وكذا من غيرها من الروايات الآتية : أنّه على وفق الأصل ، وأنّ المطلوب منه لم يكن إلّا الصوم في هذا اليوم ، وقد حصل ، كما قوّيناه في ما سبق.

وخبر سهل بن سعد ، قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول :الصوم للرؤية والفطر للرؤية ، وليس منّا من صام قبل الرؤية للرؤية وأفطر قبل الرؤية للرؤية ، قال : قلت له : يا ابن رسول الله فما ترى في صوم يوم الشكّ؟ فقال : حدّثني أبي عن جدّي عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : قال لي أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ : لأن أصوم يوما من شعبان أحبّ إليّ من [أن] (٢) أفطر يوما من شهر رمضان (٣).

ويستكشف من هذه الأخبار : أنّ ما ورد في جملة من الأخبار من النهي عن صوم يوم الشك على الإطلاق أريد به النهي عنه بعنوان الوجوب ، وأنّه من صوم رمضان.

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٥ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ / ٨٩٥ ، الوسائل : الباب ٦ من أبواب وجوب الصوم ، الحديث ٨.

(٢) زيادة من المصدر.

(٣) الفقيه ٢ : ٨٠ / ٣٥٥ ، الوسائل : الباب ٦ من أبواب وجوب الصوم ، الحديث ٩.

٣٣٨

الرجل يصوم اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان ، فقال : عليه قضاؤه وإن كان كذلك (١).

ويحتمل كون «من رمضان» متعلّقا بـ «يصوم» فعلى هذا يكون السؤال واقعا عن خصوص الفرض الذي ورد النهي عنه ، وعلى تقدير تعلّقه بـ «يشكّ» أيضا يحمل على إرادته بقرينة ما عرفت.

وخبر هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه قال في يوم الشكّ : من صامه قضاه وإن كان كذلك ، يعني من صامه على أنّه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه وإن كان يوما من شهر رمضان ؛ لأنّ السنّة جاءت في صيامه على أنّه من شعبان ، ومن خالفها كان عليه القضاء هكذا حكي عن التهذيب (٢).

فيحتمل كون التفسير من كلام الشيخ أو أحد الرواة.

وخبر الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن صيام ستة أيّام : يوم الفطر ويوم الشك ويوم النحر وأيام التشريق (٣).

وخبر الأعشى ، قال : قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن صوم ستة أيّام : العيدين وأيّام التشريق واليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان (٤).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٢ / ٥٠٧ ، الإستبصار ٢ : ٧٨ / ٢٣٩ ، الوسائل : الباب ٦ من أبواب وجوب الصوم ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٦٢ / ٤٥٧ ، الوسائل : الباب ٦ من أبواب وجوب الصوم ، الحديث ٥.

(٣) الفقيه ٤ : ٥ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه ، الحديث ٤.

(٤) التهذيب ٤ : ١٨٣ / ٥٠٩ ، الإستبصار ٢ : ٧٩ / ٢٤١ ، الوسائل : الباب ٦ من أبواب وجوب الصوم ، الحديث ٢ ، والباب ١ من أبواب الصوم المحرّم والمكروه ، الحديث ٧.

٣٣٩

وخبر عبد الكريم بن عمرو ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ :إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتّى يقوم القائم ، فقال : لا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيّام التشريق ولا اليوم الذي يشكّ فيه (١).

في الوسائل بعد أن رواه عن الشيخ بإسناده ، قال : ورواه الصدوق بإسناده ، ورواه في المقنع أيضا كذلك ، ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن كرام ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام .. وذكر مثله ، إلّا أنّه قال : ولا اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان (٢).

ولكن في نسخ الجواهر المبسوطة جعل هذه الرواية من تتمّة خبر الأعشى ، ونسب هذه الزيادة إلى المقنع ؛ فإنّه بعد أن ذكر خبر الأعشى ، قال : فقال عبد الكريم : إنّي جعلت ؛ الحديث.

ثمّ قال : وعن المقنع روايته بزيادة «شهر رمضان» (٣) (٤) انتهى ، ولعلّه من سهو قلم الناسخ.

وخبر أبي خالد الواسطي عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : من ألحق في رمضان يوما من غيره فليس بمؤمن بالله ولا بي (٥).

وخبر محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، في اليوم الذي يشكّ فيه ، إلى أن قال : ولا يعجبني أن يتقدّم أحد بصيام

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨٣ / ٥١٠ ، الإستبصار ٢ : ٧٩ / ٢٤٢ ، الوسائل : الباب ٦ من أبواب وجوب الصوم ، الحديث ٣.

(٢) الوسائل : الباب ٦ من أبواب وجوب الصوم ، ذيل الحديث ٣.

(٣) ما نسب اليه ليس في نسخة المقنع (ضمن الجوامع الفقهية).

(٤) جواهر الكلام ١٦ : ٢٠٨.

(٥) التهذيب ٤ : ١٦١ / ٤٥٤ ، الوسائل : الباب ٦ من أبواب وجوب الصوم ، الحديث ٦.

٣٤٠