مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

ينفعه ، فلو ورد : أنّ من صلّى ركعتين فله كذا وكذا من الأجر ، أو : من صام يوم كذا وجبت له الجنّة ، لا يصدق على تخصيصه بما عدا الصبي أنّه رفع عنه هذا القلم ، بل يصدق عليه : أنّه لم يوضع له.

فمن هنا يظهر أنّه لا حكومة لمثل هذا الحديث على أدلّة المستحبات أصلا.

نعم ، له الحكومة على أدلّة التكاليف بمعنى أنّه يفهم منه إجمالا عدم تنجّزها عليه ، وأمّا أنّه غير مراد بها رأسا فيشكل استفادته منه ، إذ المراد برفع القلم عنه : إمّا قلم المؤاخذة ، بمعنى أنّ ما يصدر منه من مخالفة الأحكام الشرعية من ترك الواجبات وفعل المحرّمات لا يكتب عليه ، نظير ما ورد في شأن بعض الأيّام المتبرّكة أنّه رفع فيها القلم (١) ، حيث إنّ المتبادر منها إرادة أنّ الناس لا يؤاخذون بما يصدر منهم في هذه الأيام من المعاصي ، وقضية ذلك : كونه مشمولا لأدلّة التكاليف ، ولكنه لا يؤاخذ بمخالفتها ، فهو غير ملزم بها شرعا ، بل يجوز له مخالفتها ، فتكون الواجبات مستحبة في حقّه.

ولا يلزم من ذلك استعمال الأمر بإقامة الصلاة أو الصوم ونحوه في معنيين كما أوضحناه في كتاب الصلاة في توجيه موثّقة ابن بكير ، الواردة في الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه (٢) ؛ فراجع.

أو أنّ المراد برفع القلم : قلم التكاليف التي يترتّب على مخالفتها المؤاخذة ، فمعنى رفع القلم عنه : أنّه خصّصت التكاليف بما عداه ، ولم

__________________

(١) راجع : بحار الأنوار : ٩٨ / ٣٥٣.

(٢) راجع بشأن الحديث : الكافي ٣ : ٣٩٧ / ١ ، والتهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٨ ، والاستبصار ١ : ٣٨٣ / ١٤٥٤ ، والوسائل : الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي ، الحديث ١.

٣٦١

يوضع على الصبي ، وإطلاق الرفع عليه بلحاظ ما فيها من شأنية الوضع على الجميع ، فعلى هذا يكون الصبي خارجا عن

موضوع أدلّة التكاليف ، ولكن يفهم مشروعيتها له ، واستحباب قيامه بوظيفتها بتنقيح المناط بالروايات الواردة في بيان فوائدها ومطلوبية ذاتها من حيث هي ومن أمر الولي ببعثه على امتثالها ، بل من نفس حديث الرفع المشعر بقيام المقتضي ، وكون الرفع من باب التوسعة والامتنان.

هذا ، مع إمكان إتمام القول فيه بعدم القول بالفصل بين الواجب والمستحب إن تمّ ، فليتأمّل.

٣٦٢

الركن (الثاني : ما يمسك عنه الصائم ، وفيه مقاصد)

المقصد (الأوّل : [ما يجب الإمساك عنه] (١).)

(يجب الإمساك عن كلّ مأكول ، معتادا كان كالخبز والفواكه ، أو غير معتاد كالحصى والبرد ، وعن كلّ مشروب ولو لم يكن معتادا كمياه الأنوار (٢) وعصارة الأشجار.)

أمّا تحريم المعتاد من كلّ مأكول ومشروب إجمالا : فهو من الضروريات ، فضلا عن دعوى إجماع العلماء عليه ، وشهادة الكتاب والسنّة به.

وأمّا غير المعتاد منهما : فكذلك على المشهور ، بل عن الغنية والسرائر وظاهر المنتهى وغيره : دعوى الإجماع عليه (٣) ، بل عن الناصرية والخلاف : دعوى الإجماع من جميع العلماء ، إلّا النادر من المخالفين.

قال السيد في ما حكي عن ناصرياته : لا خلاف في ما يصل إلى جوف الصائم من جهة فمه إذا اعتمده ، فإنّه يفطره مثل الحصاة والخززة وما لا يؤكل ولا يشرب ، وإنّما خالف في ذلك الحسن بن صالح ، ونحوه

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من الشرائع.

(٢) أنوار جمع نور ، يعني أزهار النباتات والأشجار.

(٣) كما في كتاب الصوم للشيخ الأنصاري : ٥٧٠ ، وراجع : الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٩ ، والسرائر ١ : ٣٧٧.

٣٦٣

روي عن أبي طلحة ، والإجماع متقدّم ومتأخّر عن هذا الخلاف (١). انتهى.

وعن الخلاف : دعوى إجماع المسلمين على أنّ أكل البرد مفطر ، وحكم بانقراض المخالف (٢).

وعن المنتهى أيضا : دعوى إجماع المسلمين إلّا الحسن بن صالح وأبا طلحة الأنصاريّ أنّه كان يأكل البرد ، ويقول : إنّه ليس بطعام ولا شراب (٣).

وحكي عن السيد في بعض كتبه أنّه قال : إنّ ابتلاع غير المعتاد كالحصاة ونحوها لا يفسد الصوم (٤).

وعن المختلف حكايته عن ابن الجنيد (٥) أيضا.

واستدلّ لهما : بأن تحريم الأكل والشرب إنّما ينصرف إلى المعتاد ؛ لأنّه المتعارف ، فيبقى الباقي على أصل الإباحة.

ثمّ أجاب عنه : بالمنع عن تناوله المعتاد خاصة ، بل يتناول المعتاد وغيره.

وفي المدارك بعد أن نقل عن المختلف هذا الاستدلال وجوابه ، قال : ولا بأس به إذا صدق على ما تناوله اسم الأكل والشرب (٦).

أقول : وربما يستشعر من كلامه الميل إلى الجواز بمنع صدق الأكل

__________________

(١) كما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٧٠ ، وراجع : المسائل الناصرية (الجوامع الفقهية) : ٢٤٢ ، المسألة ١٢٩.

(٢) كما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٧٠ ، وراجع : الخلاف ٢ : ٢١٣ ، المسألة ٧٢.

(٣) كما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٧٠ ، وراجع : منتهى المطلب ٢ : ٥٦٣.

(٤) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة : ٢١٦ ، وكما في مدارك الأحكام ٦ : ٤٣.

(٥) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٤٣ ، وراجع : مختلف الشيعة : ٢١٦.

(٦) مدارك الأحكام ٦ : ٤٣.

٣٦٤

والشرب على مثله ؛ لانصرافهما عنه.

وكيف كان ، فالذي يمكن أن يكون مستندا للقول بالجواز : إمّا منع صدق الأكل والشرب حقيقة على مثله ، وكونه بمنزلة إيصال شي‌ء إلى الجوف من غير جهة الفم ، فلا يختلف الحال حينئذ بين قليله وكثيره ، وبين كونه من المعتاد أو من غيره.

وهذا كما تراه كاد أن يكون مصادما للضرورة عرفا وشرعا.

أو دعوى انصراف النهي عن الأكل والشرب إلى ما من شأنه أن يستعمل في الأكل والشرب في العرف والعادة ، كما أنّ المتبادر منهما ذلك في ما لو وقعا في حيّز الأمر.

وفيه : منع الانصراف إن أريد بالنسبة إلى متعلّق الأكل والشرب ؛ لأنّه غير مذكور في الكلام حتى يدّعى فيه الانصراف ، بل حذفه يكشف عن عدم ملحوظيّة شي‌ء بخصوصه ، وإناطة الحكم بماهيّة الأكل والشرب بأيّ شي‌ء حصلت ، كقولنا : زيد يعطي ويمنع.

وإن أريد بالنسبة إلى نفس الأكل والشرب ، بدعوى : أنّ المتبادر إرادة القسم المتعارف منهما وهو : ما إذا تعلّقا بما يتعارف أكله وشربه ، كانصراف إطلاق الغسل إلى الغسل بالماء ؛ ففيه : أنّ انصرافهما حينئذ عن غير المتعارف منهما من حيث ذات الأكل والشرب كمّا وكيفا أولى من انصرافهما عن غير المتعارف منهما من حيث المتعلّق. مع أنّ هذا ممّا لم يقل به أحد من المسلمين. فهذا يكشف عن أنّ الحكم بالاجتناب متعلّق بطبيعة الأكل والشرب من حيث هي.

مضافا : إلى فحوى ما سيجي‌ء من الإفطار بإيصال الغبار مطلقا أو خصوص الغليظ منه ، مع قضاء سيرة المسلمين لمنافاة مطلق الأكل والشرب للصوم ، فلا ينبغي الارتياب فيه.

٣٦٥

ولا ينافيه عموم صحيحة محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه‌السلام ـ يقول : لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء. هكذا روي عن الفقيه (١) وموضع من التهذيب (٢).

وعن موضعين آخرين منه بسندين آخرين بلفظ : «ثلاث خصال» (٣) إذ الظاهر أنّ المراد بالطعام والشراب مطلق الأكل والشرب ، لا ما ينصرف إليه إطلاق اسم الطعام والشراب.

كما يؤيّد ذلك : أنّ المقصود بالحصر في مثل هذه الروايات : الاحتراز عن سائر الأشياء التي يتوهّم منافاتها للصوم ، لا مطلقا بحيث يعمّ بعض مصاديق الأكل ، كما يومئ إليه قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير : الصيام من الطعام والشراب ، والإنسان ينبغي له أن يحفظ لسانه عن اللغو والباطل في رمضان وغيره (٤).

والحاصل : أنّه لا يفهم من مثل هذه الأخبار ما ينافي تعلّق الحكم بالاجتناب بطبيعة الأكل والشرب من حيث هي.

نعم ، قد يوهمه خبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن آبائه : أنّ عليّا عليه‌السلام سئل عن الذباب يدخل حلق الصائم ، قال : ليس عليه قضاء لأنّه ليس بطعام (٥) حيث إنّ المتبادر

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٦٧ / ٢٧٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١٨ / ٩٧١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨٩ / ٥٣٥ و ٢٠٢ / ٥٨٤.

(٤) التهذيب ٤ : ١٨٩ / ٥٣٤ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

(٥) الكافي ٤ : ١١٥ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٢٣ / ٩٩٤ ، الوسائل : الباب ٣٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

٣٦٦

منه إرادة نفي البأس عنه لعدم كونه ممّا يؤكل.

ولكن الظاهر عدم إرادة هذا المعنى منه ، ولذا لا يفهم منه أنّه لو أكل الذباب اختيارا حتى شبع لا يبطل بذلك صومه ، بل المراد به أنّه في مثل الفرض ليس بطعام ، يعني لا يسمّى أكلا ، نظير ما ورد في صحيحة ابن أبي يعفور من تعليل نفي البأس عن الاكتحال : بأنّه ليس بطعام (١) ، إذ الظاهر أنّ المراد به أنّ الاكتحال ليس أكلا ، لا أنّ الكحل ليس من جنس المأكول ، وإلّا لفهم منه فساد الصوم في ما لو اكتحل بدقيق ونحوه ممّا هو ممّا يؤكل ، مع أنّه لا يفهم منه ذلك ، بل يفهم عدمه.

ولو سلّم ظهور مثل هذه الأخبار في نفي البأس عن أكل ما لا يعتاد أكله ، فلا ينبغي الالتفات إليه بعد شذوذ القول به على تقدير تحقّقه في مقابل ما عرفت ، والله العالم.

(و) يجب أيضا الإمساك (عن الجماع) المتحقّق بإدخال الحشفة أو قدرها من مقطوع الذكر ، كما تقدّم البحث عنه في مبحث غسل الجنابة وإن لم ينزل (في القبل) للمرأة (إجماعا) كما صرّح به غير واحد ، ويدلّ عليه : ظاهر الكتاب والسنّة.

أمّا الكتاب : فقوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ)

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٥٨ / ٧٦٦ ، الإستبصار ٢ : ٨٩ / ٢٧٩ ، الوسائل : الباب ٢٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٦.

٣٦٧

الآية (١) ؛ فإنّ ظاهرها بل كاد أن يكون صريحها : وجوب الإمساك في اليوم بعد طلوع الفجر عن جميع المذكورات التي أحلّها الله تعالى في الليل ، وهي : مباشرة النساء والأكل والشرب.

وفي تفريع قوله تعالى «فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ» على ما قبله إشعار بكونه محظورا في صدر الإسلام ، وقد منّ الله تعالى على المسلمين بأن وضع عنهم هذا التكليف ، وأحلّه لهم ليلة الصيام ، وقد وقع التصريح بذلك في بعض الأخبار الواردة في بيان سبب نزول الآية : مثل ما عن علي بن إبراهيم في تفسيره مرفوعا قال : قال الصادق ـ عليه‌السلام ـ : كان النكاح والأكل محرّمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم ، يعني كلّ من صلّى العشاء ونام ولم يفطر ثمّ انتبه ، حرم عليه الإفطار ، وكان النكاح حراما بالليل والنهار في شهر رمضان ، وكان رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقال له : خوّات بن جبير أخو عبد الله بن جبير ، شيخا كبيرا ضعيفا ، وكان صائما ، فأبطأت عليه امرأته ، فنام قبل أن يفطر ، فلمّا انتبه قال لأهله : قد حرم عليّ الأكل في هذه الليلة ، فلمّا أصبح حضر حفر الخندق فأغمي عليه ، فرآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فرقّ له ، وكان قوم من الشبّان ينكحون بالليل سرّا في شهر رمضان ، فأنزل الله : «أحلّ لكم ليلة الصيام» (٢).

وعن السيد المرتضى ـ قدس‌سره ـ في رسالة المحكم والمتشابه عن

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٢) تفسير القمي ١ : ٦٦.

٣٦٨

تفسير النعماني بسنده عن أمير المؤمنين عليه‌السلام نحوه (١).

وعن الكشّاف والبيضاوي أنّه كان في أوّل فرض الصوم إذا أمسى الرجل حلّ الأكل والشرب والجماع إلى أن يصلّي العشاء الآخرة أو يرقد ، فإذا صلّاها أو رقد ولم يفطر ، حرم عليه ذلك إلى القابلة ، ثمّ إنّ عمر واقع أهله بعد صلاة العشاء الآخرة ، فلمّا اغتسل لام نفسه ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واعتذر إليه من نفسه ، وأخبره بما فعل ، فقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : ما كنت جديرا بذلك يا عمر ، فقام رجال فاعترفوا بما كانوا صنعوا بعد العشاء ، فنزلت الآية (٢).

وما في هذين التفسيرين من حلّيته أوّل الليل قبل النوم والصلاة مخالف لظاهر الخبر المروي عن الإمام ـ عليه‌السلام ـ وإن كان يوهمه صدره ، وكيف كان ، فالآية ولو بمعونة ما ورد في تفسيرها نصّ في المدّعى.

وأمّا السنّة : فمنها : صحيحة محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه‌السلام ـ يقول : لا يضرّ الصائم إذا اجتنب أربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء (٣) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي ستمرّ عليك عند التعرّض لأحكامه إن شاء الله.

(و) عن الجماع (في دبر المرأة.)

أمّا مع الإنزال فمما لا شبهة فيه ، بل لا خلاف فيه بين العلماء ،

__________________

(١) الوسائل : الباب ٤٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤ ، والحدائق الناضرة ١٣ : ١٠٧.

(٢) زبدة البيان في آيات الأحكام : ١٦٩ ، الكشاف ١ : ٢٢٩ وتفسير البيضاوي ١ : ١٧١ ـ ١٧٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٣١٨ / ٩٧١ ، الفقيه ٢ : ٦٧ / ٢٧٦ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

٣٦٩

كما صرح به بعض (١).

ويشهد له : فحوى ما سيأتي من الإفطار بالإنزال بغير الوطء.

وأمّا بدونه فكذلك (على الأظهر) الأشهر ، بل المشهور كما في الجواهر (٢) ، بل عن الخلاف والوسيلة : الإجماع عليه (٣).

وعن المعتبر : أنه أشهر الروايتين (٤). وعن الغنية : الإجماع على الفساد بالجنابة عمدا ، فيدخل فيه الجماع في دبر المرأة (٥) ، كما عرفته في مبحث الجنابة.

ويدلّ على المدّعى : عموم الآية (٦) والصحيحة المتقدّمة (٧) الدالّة على وجوب الاجتناب عن مباشرة النساء ، التي يكنّى بها في مثل هذه الموارد عن نكاحهنّ ، كلفظ : «إتيان الأهل» ونحوه من الكنايات الواردة في الأخبار الآتية.

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الرجل يبعث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني ، قال :عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع (٨).

__________________

(١) العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٤٤.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ٢٢٠.

(٣) حكاه صاحب الرياض فيها ١ : ٣٠٤ ، وراجع : الخلاف ٢ : ١٩٠ ، المسألة ٤١ ، والوسيلة : ١٤٢.

(٤) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الصوم : ٥٧١ ، وراجع : المعتبر ٢ : ٦٥٤.

(٥) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الصوم : ٥٧١ ، وراجع : الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٩.

(٦) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٧) تقدّمت في صفحة ٣٦٩.

(٨) الكافي ٤ : ١٠٢ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ / ٥٩٧ ، الإستبصار ٢ : ٨١ / ٢٤٧ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

٣٧٠

وصحيحته الأخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل عبث بامرأته وهو محرم من غير جماع ، أو فعل ذلك في شهر رمضان ، فقال : عليهما من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع (١).

ومرسلة حفص بن سوقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في الرجل يلاعب أهله أو جاريته في قضاء شهر رمضان ، فيسبقه الماء فينزل ، قال : عليه من الكفّارة مثل ما على الذي جامع في شهر رمضان (٢).

ومضمرة سماعة قال : سألته عن رجل أتى أهله في رمضان متعمّدا فقال : عليه عتق رقبة وإطعام ستين مسكينا وصيام شهرين متتابعين وقضاء ذلك اليوم ، وأنّى له مثل ذلك اليوم (٣).

ورواية عبد السلام بن صالح الهروي ، الآتية (٤) ، إلى غير ذلك من الأخبار التي وقع فيها الحكم معلّقا على عنوان النكاح أو الوطء أو إصابة الأهل ونحوها من العناوين الصادقة على الوطء في الدبر.

وانصراف مثل هذه الأخبار إلى الوطء الموجبة للإنزال أو خصوص الوطء في القبل إن سلّم فبدوي يزول بعد الالتفات إلى سببية نفس الجماع من حيث هو للجنابة والإفطار في الجملة ، وأنّ الدبر أحد المأتيين اللذين رتّب الشارع عليهما أحكام الجماع.

كما يشهد له : مرسلة حفص بن سوقة ، قال : سألت أبا عبد الله

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٢٧ / ١١٢٤ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٣.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٣ / ٧ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠٨ / ٦٠٤ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١٣.

(٤) تأتي في صفحة ٣٧٣.

٣٧١

عليه‌السلام ، عن الرجل يأتي أهله من خلفها ، قال : هو أحد المأتيين فيه الغسل (١).

فإنّها إ في أنّ الأحكام الثابتة للجماع تترتّب على الوطء في الدبر أيضا ، لأنّه أحد فرديه.

(و) من هنا يعلم أنّه (يفسد صوم المرأة) أيضا ؛ إذ الجماع موجب لفساد صوم الطرفين ، لا خصوص الرجل ، بلا خلاف في ذلك ولا إشكال ، كما سيتّضح لك ذلك في مبحث الكفّارات.

ولا يصلح لمعارضة المرسلة المعتضدة بغيرها ممّا عرفت : مرفوعة أحمد بن محمد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة ، قال : لا ينقض صومها وليس عليها غسل (٢).

ومرسلة علي بن الحكم عن رجل عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل (٣).

ومرفوعة البرقي ، النافية للغسل عليهما ما لم ينزل ، ووجوبه عليه دونها مع الإنزال (٤).

لقصورها عن المكافئة بعد شذوذها وإعراض الأصحاب عنها ، كما تقدّمت الإشارة إليه في محلّه.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٤١٤ / ١٦٥٨ ، الإستبصار ٣ : ٢٤٣ / ٨٦٨ ، الوسائل : الباب ١٢ من أبواب الجنابة ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٣١٩ / ٩٧٥ ، الوسائل : الباب ١٢ من أبواب الجنابة ، الحديث ٣.

(٣) التهذيب ٤ : ٣١٩ / ٩٧٧ و ٧ : ٤٦٠ / ١٨٤٣ ، الوسائل : الباب ١٢ من أبواب الجنابة ذيل الحديث ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٤٧ / ٨ ، التهذيب ١ : ١٢٥ / ٢٣٦ ، الإستبصار ١ : ١١٢ / ٣٧١ ، الوسائل : الباب ١٢ من أبواب الجنابة ، الحديث ٢.

٣٧٢

(وفي فساد الصوم بوطء الغلام والدابّة تردّد وإن حرم ، وكذا القول في فساد صوم الموطوء) ينشأ من دعوى الشيخ في الخلاف :الإجماع عليه ، حيث حكي (١) عنه أنّه قال : إذا أدخل ذكره في دبر امرأة أو غلام ، كان عليه القضاء والكفّارة. دليلنا : إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.

ثمّ قال : إذا أتى بهيمة فأمنى ، كان عليه القضاء والكفّارة ، فإن أولج ولم ينزل فليس لأصحابنا فيه نصّ ، لكن مقتضى المذهب : أنّ عليه القضاء ؛ لأنّه لا خلاف فيه ، وأمّا الكفّارة فلا تلزمه ؛ لأنّ الأصل براءة الذمة ، وليس في وجوبها دلالة.

ولعلّ مراده بعدم النصّ فيه لأصحابنا : الرواية ، لا عدم تصريحهم بحكمه ، وإلّا ينافيه ذيل عبارته من نفي الخلاف فيه ، كما هو واضح.

ويؤيّده إطلاق لفظ «الجماع» و «النكاح» في بعض (٢) الأخبار الدالّة على سببيته لفساد الصوم.

ودعوى انصرافها إلى الجماع في فرج المرأة وإن كانت وجيهة في أغلبها ، ولكنها قابلة للمنع بالنسبة إلى بعض منها.

مثل : خبر عبد السلام بن صالح الهروي قال : قلت للرضا ـ عليه‌السلام ـ : يا ابن رسول الله قد روي عن آبائك ـ عليهم‌السلام ـ في من جامع في شهر رمضان وأفطر فيه : ثلاث كفارات. وروي عنهم أيضا : كفّارة واحدة ؛ فبأيّ الحديثين نأخذ؟ قال : بهما جميعا ، متى

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة : ٢١٦ والبحراني في الحدائق الناضرة ١٣ : ١١٠ ، وراجع : الخلاف ٢ : ١٩٠ و ١٩١ ، المسألتان ٤١ و ٤٢.

(٢) راجع : الوسائل : الباب ١١ و ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢ و ٣.

٣٧٣

جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفّارات : عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا ، وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال ، فعليه كفّارة واحدة ، وإن كان ناسيا فلا شي‌ء عليه (١).

ومن عدم حجّية نقل الإجماع خصوصا مع عدم صراحة كلام الشيخ فيه بالنسبة إلى وطء البهيمة ، ولا سيّما مع معروفية الخلاف فيه حتى من الشيخ في مبسوطة حيث حكي (٢) عنه التردّد في الفساد بالوطء في دبر المرأة ، فضلا عن غيرها وإن جعل الفساد أحوط.

وأمّا ما دلّ على حصول الإفطار بالجماع والنكاح فهي : إمّا واردة في خصوص مباشرة النساء ، أو منصرفة إليها.

نعم ، منع الانصراف في الخبر المزبور بالنسبة إلى النكاح المحرّم لعلّه في محلّه ، إلّا أنّ هذه الرواية لورودها في مقام بيان التفصيل بين الحلال والحرام ليس لها ظهور في الإطلاق بالنسبة إلى أفراد الجماع ولا أحواله بحيث يفهم من هذا الخبر حكم الوطء المجرّد عن الإنزال في دبر الغلام أو البهيمة الذي هو في حدّ ذاته فرض بعيد لا ينسبق إلى الذهن من إطلاق «متى جامع الرجل حراما».

وعموم الموصول (٣) إنّما هو بالنسبة إلى أزمنة وقوع الفعل ، كما أنّه لو كان بلفظة «من» كما وقع في السؤال ، كان عمومه بالنسبة إلى

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٩ / ٦٠٥ ، الاستبصار ٢ : ٩٧ / ٣١٦ ، الفقيه ٣ : ٢٣٨ / ١١٢٨ ، عيون الأخبار ١ : ٣١٤ / ٨٨ ، الوسائل : الباب ١٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٢) حكاه عنه العلامة الحلّي في مختلف الشيعة : ٢١٦ ، والبحراني في الحدائق الناضرة ١٣ : ١٠٨ ، وراجع : المبسوط ١ : ٢٧٠.

(٣) هذا من سهو القلم ؛ فإنّ «متى» اسم زمان شرطا واستفهاما لا موصول.

٣٧٤

أشخاص المجامعين لا أفراد الجماع أو أحواله ؛ كي لا يعتبر فيه هذا الشرط.

(والأشبه : أنّه يتبع وجوب الغسل) فإنّ من تدبّر في الروايات الواردة في من أجنب متعمّدا في شهر رمضان في ليله أو نهاره بمباشرة أهله أو غيرها ، وفي من أصبح جنبا ، التي سيأتي نقلها في محلّه ، مع ما في بعضها من تعليل نفي البأس عن الإصباح جنبا : بأنّ جنابته كانت في وقت حلال ، الدالّ بمفهومه على عدم جواز الجنابة في اليوم ، وفساد الصوم بها ، وغير ذلك من الروايات الواردة في حكم الجنابة في شهر رمضان ، لا يكاد يرتاب في أنّ تعمّد الجنابة كتعمّد الأكل والشرب يناقض الصوم ، خصوصا بعد اعتضاده بما تقدّمت (١) حكايته عن الغنية من دعوى الإجماع على أنّ الجنابة عمدا يفسد الصوم ، مع اعتضادها بعدم نقل الخلاف فيه عن أحد.

ومن تردّد أو منع فساد الصوم بوطء البهيمة أو الغلام فهو بحسب الظاهر ممّن لا يراه موجبا للجنابة ، والله العالم.

(و) كذا يجب الإمساك (عن الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة) عليه و (عليهم‌السلام).

كما يدلّ عليه ، مضافا إلى حرمته في حدّ ذاته : الأخبار الآتية الدالّة على مدخليته في الصوم.

(وهل يفسد الصوم بذلك؟) فيكون كالأكل والشرب وغيرهما ممّا يكون الإمساك عنه مأخوذا في قوام ماهيّة الصوم.

(قيل : نعم) كما عن الشيخين والقاضي والتقي والسيدين في

__________________

(١) تقدّمت الحكاية في صفحة ٣٧٠.

٣٧٥

الانتصار والغنية (١).

بل عن الأخيرين : دعوى الإجماع عليه (٢). وعن الرياض نسبته إلى الأكثر (٣). وعن الدروس إلى المشهور (٤).

(وقيل : لا) كما عن العماني والسيد في جملة والحلّي (٥) ، وأكثر المتأخّرين إن لم يكن جميعهم ، كما ادّعاه في الجواهر (٦).

وفي الحدائق : نسبته إلى المشهور بين المتأخّرين (٧).

للأصل ، وحصر المفطر في غيره في صحيحة محمّد بن مسلم ، قال :سمعت أبا جعفر ـ عليه‌السلام ـ يقول : لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال ، أو أربع خصال ـ على اختلاف نقلها ـ : الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء (٨).

واستدلّ للقول الأول : بخبر أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ يقول : الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم ، قال : قلت :

__________________

(١) حكاه صاحب الرياض فيها ١ : ٣٠٩ ، وراجع : النهاية : ١٥٣ ، والمقنعة : ٣٤٤ ، والمهذّب ١ : ١٩٢ ، والكافي في الفقه : ١٨٢ ، والانتصار : ٦٢ ، والغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٩.

(٢) حكاه صاحب الرياض فيها ١ : ٣٠٩ ، وراجع : النهاية : ١٥٣ ، والمقنعة : ٣٤٤ ، والمهذّب ١ : ١٩٢ ، والكافي في الفقه : ١٨٢ ، والانتصار : ٦٢ ، والغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٩.

(٣) قال صاحب الرياض فيها ١ : ٣٠٩ : وعزّاه في «المختلف» الى أكثر الأصحاب. انتهى. وقال العلامة الحلّي في مختلف الشيعة : ٢١٨ نقلا عن الخلاف : والأكثر على ما قلناه. وحكاه أيضا عن الخلاف في الجواهر ١٦ : ٢٢٤. وانظر : الخلاف ٢ : ٢٢١ ، المسألة ٨٥. فلاحظ.

(٤) حكاه في الرياض ١ : ٣٠٩ وفي الجواهر ١٦ : ٢٢٤ ، وراجع : الدروس ١ : ٢٧٤.

(٥) حكاه عنهم صاحب الرياض فيها ١ : ٣٠٩ ، وراجع : جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٤ ، والسرائر ١ : ٣٧٦.

(٦) جواهر الكلام ١٦ : ٢٢٤.

(٧) الحدائق الناضرة ١٣ : ١٤١.

(٨) التهذيب ٤ : ٣١٨ / ٩٧١ و ٢٠٢ / ٥٨٤ و ١٨٩ / ٥٣٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ / ٢٤٤ و ٨٤ / ٢٦١ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

٣٧٦

هلكنا ؛ قال : ليس حيث تذهب ، إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّة ـ عليهم‌السلام ـ (١).

وخبره الآخر أيضا عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : إنّ الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ يفطر الصائم (٢).

وموثّقة سماعة ، قال : سألته عن رجل كذب في شهر رمضان ، فقال : قد أفطر وعليه قضاؤه ، فقلت : وما كذبته؟ قال : يكذب على الله وعلى رسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ (٣).

وموثّقته الأخرى أيضا مضمرة ، قال : سألته عن رجل كذب في شهر رمضان ، فقال : قد أفطر وعليه قضاؤه وهو صائم يقتضي صومه ووضوءه إذا تعمّد (٤).

وخبر أبي بصير المروي عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : من كذب على الله وعلى رسوله وهو صائم نقض صومه ووضوءه إذا تعمّد (٥).

وما عن الخصال بسند فيه رفع إلى الصادق عليه‌السلام ، قال :خمسة أشياء تفطر الصائم : الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٩ / ١٠ ، التهذيب ٤ : ٢٠٣ / ٥٨٥ ، الوسائل : الباب ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٦٧ / ٢٧٧ ، الوسائل : الباب ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨٩ / ٥٣٦ ، نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٢٠ / ٨ ، الوسائل : الباب ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٠٣ / ٥٨٦ ، الوسائل : الباب ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٣.

(٥) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٢٤ / ١٤ ، الوسائل : الباب ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٧.

٣٧٧

والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّة ـ عليهم‌السلام ـ (١).

وعن الفقه الرضوي أنّه قال : خمسة أشياء تفطرك : الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله وعلى رسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وعلى الأئمّة ـ عليهم‌السلام ـ (٢).

أقول : قد يغلب على الظنّ كون موثّقتي سماعة في الأصل رواية واحدة ، وكذا روايات أبي بصير ، وقد وقع فيها الحكم بناقضيّته للوضوء أيضا ، مع أنّه لم يقصد به النقض حقيقة ؛ لمخالفته للإجماع وغيره من النصوص الحاصرة للنواقض في ما عداه ، وهذا وإن لم يكن مسقطا لظاهر النص في ما لا معارض له عن الحجيّة ، ولكن يوهن ظهوره في إرادة الإفطار الحقيقي ، فيشكل الاعتماد عليه في رفع اليد عن ظاهر الحصر المستفاد من الصحيحة المتقدّمة (٣) ، خصوصا بعد الالتفات إلى ما ورد في أخبار متضافرة من أمر الصائم بحفظ لسانه عن الكذب مطلقا والفحش والغيبة ومطلق الباطل ، والحكم بإبطاله للصوم في كثير منها ، مع أنّه لم يرد بها إلّا الصوم الكامل الذي لا ينافي بطلانه بقاء حقيقته المسقطة في مقام التكليف.

كالخبر المروي عن عقاب الأعمال عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ومن اغتاب أخاه المسلم بطل صومه ونقض وظهوره ، فإن مات وهو كذلك مات وهو مستحلّ لما حرّم الله (٤).

وقول الباقر عليه‌السلام ، في خبر محمّد بن مسلم المروي عن

__________________

(١) الخصال : ٢٨٦ / ٣٩ ، الوسائل : الباب ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٦.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٢٠٧.

(٣) تقدّمت في صفحة ٣٧٦.

(٤) عقاب الأعمال : ٢٨٤ ، الوسائل : الباب ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

٣٧٨

الخصال : والغيبة تفطر الصائم وعليه القضاء هكذا رواه في الجواهر (١).

ولكن يظهر من الوسائل كونه مرويّا عن أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام ، لا عن الخصال ، فراجع (٢).

والمرسل المروي عن تحف العقول عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في وصيته لعلي عليه‌السلام ، قال : يا علي احذر الغيبة والنميمة فإنّ الغيبة تفطر الصائم ، والنميمة توجب عذاب القبر (٣).

وعن علي بن موسى بن طاوس في كتاب الإقبال ، قال : رأيت في أصل من كتب أصحابنا ، قال : سمعت أبا جعفر ـ عليه‌السلام ـ يقول : إنّ الكذبة لتفطر الصائم ، والنظرة بعد النظرة ، والظلم قليله وكثيره (٤).

وقال أيضا : ومن كتاب علي بن عبد الواحد النهدي بإسناده إلى عثمان بن عيسى عن محمد بن عجلان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، يقول : ليس الصيام من الطعام والشراب أن لا يأكل الإنسان ولا يشرب فقط ، ولكن إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك وبطنك وفرجك ، واحفظ يدك وفرجك ، وأكثر السكوت إلّا من خير ، وارفق بخادمك (٥).

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٢٢٥.

(٢) الوسائل : الباب ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٨ ، وراجع : نوادر أحمد بن محمد بن عيسى : ٢٣ / ١٢.

(٣) تحف العقول : ١٤ ، الوسائل : الباب ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١٠.

(٤) إقبال الأعمال : ٨٧ : الوسائل : الباب ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٩ ، والباب ١١ من أبواب آداب الصائم ، الحديث ٩.

(٥) الإقبال : ٨٧ ، الوسائل : الباب ١١ من أبواب آداب الصائم ، الحديث ١٠.

٣٧٩

وفي الوسائل عن الكليني بسنده عن جرّاح المدائني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، ثمّ قال : قالت مريم (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) (١) أي : صوما وصمتا وفي نسخة اخرى : أي : صمتا ، فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم وغضّوا أبصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا.

قال : وسمع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ امرأة تسبّ جارية لها وهي صائمة ، فدعا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بطعام ، فقال لها :كلي ؛ فقالت : إنّي صائمة ؛ فقال : كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك ، إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب (٢) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالّة بظاهرها على اشتراط صحّة الصوم بحفظ اللسان عن الكذب والغيبة وأشباههما ، مع أنّه لم يقصد بها إلّا اعتباره في ماهيّة الصوم الكامل ، لا مطلقه المسقط للتكليف الإلزامي المتعلّق بفعله ، كما وقعت الإشارة إلى ذلك في بعض تلك الأخبار ، كما لا يخفى على من راجعها.

فلا يبقى حينئذ ظهور يعتدّ به للأخبار المزبورة في إرادة الإفطار الحقيقي بعد أن أردفه بنقض الوضوء الذي لم يقصد به بحسب الظاهر إلّا مرتبة من المنقصة المقتضية لحسن إعادته ، كما ورد نحوه في إنشاد الشعر ونحوه.

نعم ، ظاهر الخبر المروي عن الخصال كعبارة الفقه الرضوي :الإفطار الحقيقي ، كما في الأكل والشرب.

ولكن يشكل الاعتماد على هذا الظاهر بعد قصور سنده ، وإمكان

__________________

(١) سورة مريم ١٩ : ٢٦.

(٢) الوسائل : الباب ١١ من أبواب آداب الصائم ، الحديث ٣ ، وراجع : الكافي ٤ : ٨٧ / ٣.

٣٨٠