مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

محلّه ؛ لأنّه بمنزلة البيع من شخصين من أوّل الأمر بسبب واحد ، ولا محذور فيه ، فيملكانه معا على نحو الإشاعة ، فكذا ما نحن فيه ، إلّا أنّ الإشاعة في نفس الحقّ غير متصوّرة ، ولكن يترتّب عليه آثارها بالنسبة إلى ثمنه بعد البيع ، وأمّا رهنه لحقّين مستقلّين فبمنزلة البيع من شخصين مستقلّين على نحو التوارد ، وهو غير معقول.

وتوهّم أنّ بقاءه بتمامه رهنا حتى يوفّى الدين بتمامه سواء كان الدين من شخص أو من شخصين ممّا يقرّب المطلب ، بدعوى : أنّ كونه كذلك كاشف عن كونه بتمامه رهنا لكلّ جزء من الدين على الاستقلال ، وإلّا فلا معنى لكونه كذلك ، بل القاعدة تقتضي انفكاكه بحسب ما يؤدّى من الدين ، فعدمه حاكم بما ذكرنا ، وقابليته لوقوعه عن المتعدّد فحينئذ لا فرق بين أن يكون هذا بعقد واحد أو بعقود متعدّدة ، وليس في الحقوق مزاحمة حتى يمتنع اجتماعها كالملكية ؛ إذ ليس قضية كونه محبوسا لشي‌ء استيلاء المرتهن على التصرّف فيه تمام الاستيلاء حتى ينافي حبسا آخر ، فكما أنّه يجوز أن يكون محبوسا لشي‌ء ، كذلك يجوز أن يكون بتمامه محبوسا لأشياء ، وهذا المعنى محقّق في رهن واحد بالنسبة إلى أجزاء الدين كما عرفت ، مدفوع : بأنّ كونه باقيا على رهنيته إلى أن يوفّى الدين بتمامه ليس من لوازم كونه رهنا على كلّ جزء بالاستقلال الذي قد منعنا تعلّقه ، وإنّما هو من آثار جعله رهنا للمجموع بعد فرض المجموع شيئا واحدا على ما يقتضيه المتفاهم العرفي من إطلاق الرهن على الشي‌ء.

فمعنى كونه رهنا على العشرة : كونه محبوسا للعشرة إلى أن يوفّى العشرة ، ومعلوم أنّ وفاء العشرة لا يتحقّق في الخارج إلّا بوفاء تمامها ، ولا يقتضي هذا انحلاله إلى رهون متعدّدة بتعدّد الأجزاء ، وهذا ظاهر.

٦٢١

نعم لو ظهر من حاله أنّه جعله رهنا للمجموع بملاحظة أجزائه ، بأن ينفكّ منه بالمقايسة إلى ما يؤدّي ، فيتبع الحكم جعله كما أنّه لو جعله رهنا للمجموع ، بملاحظة أوّل ما يؤدّي منه كأن يكون رهنا للعشرة إلى أن يؤدّي منها شيئا ، فينفك بالدرهم الأوّل.

ولا يخفى أنّ شيئا من هذه المعاني لا يساعد المدّعى في إثبات دعواه.

وأمّا الكلام في أنّ هذه المعاني أيّها أظهر من إطلاق الرهن فقد عرفت منّا استظهار المعنى الأوّل بمساعدة أفهام العرف ، المنبعثة عن أغراضهم ، الغالب وقوعها في الخارج في باب الرهن ، وإلّا فلعلّ المعنى الثاني أوفق بظواهر اللفظ ، وليس الكلام في شي‌ء منها مجازا حتى يتمسّك في نفيها بأصالة الحقيقة ، وتعيين بعضها بالخصوص دائر مدار الانصرافات العرفية ، كما لا يخفى.

وأمّا ما ذكره من أنّ كونه محبوسا لشي‌ء لا يمنع عن كونه محبوسا لآخر ، ففيه : أنّ هذا هو المعنى الذي لا نتعقّله ، لأنّه إن كان السبب الأول تامّا في محبوسيته بتمامه لا يعقل أن يؤثّر السبب الثاني في محبوسيته في شي‌ء إلّا بإبطال السبب الأول ، وجعل المسبّب مسبّبا عن نفسه أو عن كليهما ، بأن يكون كلّ منهما جزء السبب وإن لم يكن مستقلّا ، فمع أنّه خلاف الفرض لا يجديه ؛ إذ لا تمنع إمكان صيرورته رهنا لشيئين لا على نحو الاستقلال ، فافهم وتأمّل.

٦٢٢

الفصل (الرابع)

(في الراهن)

(ويشترط فيه) ما يشترط في البيع من (كمال العقل) فلا يصح من الصبي والمجنون ولو مع الإجازة (وجواز التصرّف) فلا يصح من السفيه والمملوك بمعنى أنّه يقف على الإجازة (و) الاختيار فـ (لا ينعقد مع الإكراه) صحيحا لازما.

نعم لو تعقّبه الرضا ، يصح لو لم يخرج بالإكراه عن قصد اللفظ ، وقد عرفت الحكم في جميع هذه الفروعات مفصّلا في باب البيع ، فلا نطيل بالإعادة.

(ويجوز لولي الطفل رهن ماله إذا افتقر إلى الاستدانة) ونحوها (مع مراعاة المصلحة كأن يستهدم عقاره فيروم رمّه (١) ، أو يكون له أموال تحتاج إلى الإنفاق لحفظها من التلف أو الانتقاص فيرهن بذلك ما يراه من أمواله إذا كان استبقاؤها أعود) بحال الطفل ، فضابط جواز الرهن كونه أعود بحال الطفل من البيع وسائر التصرّفات في نظر الولي.

__________________

(١) رممت الشي‌ء أرمّه ، وأرمّه رمّا ومرمّة : إذا أصلحته. الصحاح ٥ : ١٩٣٦ «رمم».

٦٢٣

الفصل (الخامس)

(في المرتهن)

(ويشترط فيه) أيضا ما يشترط في الراهن من (كمال العقل وجواز التصرّف) والاختيار على حسب ما عرفت ، لكن الظاهر أنّه لا بأس بقبول السفيه والمفلس الارتهان الذي ليس بمستحقّ على المديون بشرط ونحوه إذا كان الدين منه قبل الحجر ، ولعلّ المراد من العبارة ما لا يشمل هذا الفرض.

(ويجوز لولي اليتيم أخذ الرهن له) بل ربما يجب ذلك ولعلّ المراد من الجواز في العبارة معناه الأعم.

(ولا يجوز أن يسلف ماله إلّا مع ظهور الغبطة له ، كأن يبيع بزيادة عن الثمن إلى أجل) فيجوز حينئذ ، وضابطه أيضا كونه أصلح بحال الطفل.

(ولا يجوز له) أي للولي (إقراض ماله) أي الطفل (إذ لا غبطة) في ذلك.

(نعم) قد يتّفق الغبطة في الإقراض ، كما (لو خشي على المال من غرق أو حرق أو نهب وما شاكله ، جاز) له (إقراضه ، وأخذ الرهن) عليه (ولو تعذّر) أي الرهن (اقتصر على إقراضه من

٦٢٤

الثقة غالبا.)

ولا يخفى عليك أنّه ليس لهذه الفروع حدّ مضبوط ، بل الأمر في جميعها منوط بنظر الولي في ما يراه مصلحة للطفل بمقتضى الموارد الخاصّة الجزئية التي تختلف فيها الحكم والمصالح ، وليس على الفقيه تعيين مواردها ، والله العالم.

(وإذا اشترط (١) المرتهن الوكالة في العقد لنفسه أو لغيره أو وضع الرهن على (٢) يد عدل معيّن.)

في الجواهر : صحّ بلا خلاف ، بل عن الغنية الإجماع عليه ؛ لعموم «المؤمنون عند شروطهم» (٣) و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (٤) وخصوص ما دلّ على الرهن الشامل لهذا الفرد (٥). و (لزم ، فلم (٦) يكن للراهن فسخ الوكالة على تردّد.)

توضيح المقام : أنّ اشتراط الإذن في البيع مثلا في عقد الرهن يتصوّر على وجوه :

أحدها : اشتراط أن يوكّله بعقد مستأنف ، ولا إشكال في صحة هذا الشرط ، وأمّا الفروعات المترتّبة عليه فسيأتي.

ثانيها : اشتراطه النتيجة ، أعني كونه وكيلا عنه من دون حاجة إلى

__________________

(١) في الشرائع : شرط.

(٢) في الشرائع : في.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

(٤) المائدة ٥ الآية ١.

(٥) جواهر الكلام ٢٥ : ١٦٥.

(٦) في الشرائع : ولم.

٦٢٥

إيجاد سبب آخر وراء عقد الرهن ، وهذا أيضا لا خفاء في صحّته بناء على جواز شرط النتيجة ، كما هو الأظهر في غير ما يتوقّف حصوله على أسباب موظّفة ، كالنكاح والطلاق مثلا.

ثالثها : مجرّد اشتراط كونه مرخّصا ومأذونا في البيع.

هذا إذا قلنا بأنّ الوكالة عقد مركّب من الإيجاب والقبول ، مغايرة لمطلق الإذن والترخيص ، كما هو الأظهر ، وإلّا فلا يكون هذا وجها ثالثا ، ولا إشكال في جواز هذا الشرط وصحته أيضا.

رابعها : شرط الاستيلاء والولاية في البيع من دون أن يكون بيعه بعنوان النيابة ، بل بأن يكون له حقّ البيع ، ويكون هو بنفسه مستقلا في ذلك من دون أن يقصد كونه عنه ، وهذا بحسب الظاهر أيضا ممّا لا بأس بالالتزام بصحته وإن لم نقل بجواز جعل الولاية للغير مطلقا ولو في ضمن عقد لازم ، كما لو جعل له الولاية في تطليق زوجاته ، أو التزويج له بمن يريد ، أو التصرّف في أمواله بما يشاء ، إلّا أنّه في مثل ما نحن فيه ممّا صار متعلّقه متعلّقا لحقّ الغير بحيث ضعف سلطنته عليه لا محذور في الالتزام به بعد قضاء دليل وجوب الوفاء بالعقد والشرط به.

وكيف كان ، فلو شرط الوكالة سواء شرط العقد أو كونه وكيلا ، فالظاهر : أنّه لا ينعزل بالعزل ؛ إذ الظاهر من حال المتعاقدين : أن ليس مقصودهم مجرّد إيجاد وصف الوكالة في الخارج حتى لا ينافيه عزله بعد الإيجاد ، بل غرضهم تحقّق الوصف في الخارج مستمرّا إلى زمان البيع ، فالعزل ينافي المقصود الذي بنوا عليه الأمر.

وبمثل ما ذكر لعلّه نلتزم بعدم جواز الأخذ بخيار المجلس أو الحيوان مثلا فيما لو شرط في ضمن عقد لازم بيع حيوان مثلا ، فيجب عليه البيع ، ولا يجوز له الفسخ في المجلس ؛ لكونه منافيا لما هو مقصودهم.

٦٢٦

وليس معنى عدم الجواز مجرّد الحكم التكليفي ، بل المقصود عدم نفوذه ، وعدم إمضاء الشارع فسخه.

ووجهه : أنّ إمضاء الفسخ ينافي إمضاء الشرط الذي مقتضاه عدم وقوع الفسخ على ما هو الظاهر من مراد الشارط ، والمفروض أنّ الشرط ممضى شرعا ، فيلغو الفسخ بعده.

هذا ، ويمكن أن يفرّق بين ما نحن فيه وبين البيع ، بأن يقال : إنّ شرط عدم الفسخ في البيع أمر مشروع ، فلا مانع من اشتراطه ، وهذا بخلاف شرط عدم العزل في الوكالة ، حيث إنّه مخالف للمشروع ؛ لما ثبت بالإجماع وغيره من أنّ الوكالة عقد جائز ، وشرط عدم فسخه يؤول إلى شرط اللزوم ، وهو مخالف للمشروع.

ويمكن أن يجاب : بأنّ القدر المتيقّن من جواز عقد الوكالة انّما هو فيما إذا كان ابتدائيا ، وأمّا إذا كان في ضمن عقد لازم فلا ، فمقتضى عموم وجوب الوفاء بالشرط بل العقد : لزومه ، مع أنّا قد ذكرنا أنّ المستفاد من الشرط في مثل المقام إنّما هو شرط كونه متّصفا بوصف الوكالة ، سواء شرط حصول الوكالة بمجرّد عقد الرهن ، أو شرط إيجادها بعقد مستأنف ، فليس المقصود مجرّد حصول الفعل حتى يتحقّق الوفاء بالشرط ولو تعقّبه العزل ، فلا تفاوت بين شرط الفعل والنتيجة فيما هو المقصود من الشرط في المقام ، فالمقصود من الشرط إيجاد وصف الوكالة للمرتهن دائما إلى أن يتحقّق البيع وهو أمر مقدور سائغ في ذاته ، فيجب بمقتضى الشرط ، لا أنّ الشرط تعلّق بإيجاد فعل الوكالة لازما حتى يقال : مخالفا للمشروع ، بل المشروط تحصيل أثر هذا العقد الجائز دائما ، ولا محذور فيه ، وهذا ـ أعني عدم انعزال الوكيل بالعزل ـ في شرط النتيجة أوضح منه في شرط الفعل ، كما لا يخفى.

٦٢٧

ولو شرط الإذن ، فالظاهر أنّه كالوكالة أيضا ؛ إذ ليس المقصود منه أيضا في مثل المقام مجرّد صدور الإذن مطلقا ، بل المقصود الإذن المستمرّ الباقي أثره إلى أن يبيع ، فليس له الرجوع ، بل لو رجع لا يؤثّر رجوعه في شي‌ء ، بل المؤثّر إنّما هو الإذن الأول الباقي حكما بمقتضى عموم وجوب الوفاء بالشرط ، فيقع الرجوع لغوا ، كما ذكرنا في النيابة ، ولو شرط الولاية ، فالأمر فيه أوضح ، فليس له منعه عن التصرّف وعزله عن الولاية ، كما هو ظاهر.

(و) هل يرتفع موضوع الشرط في الصور المذكورة بموت المرتهن أو الراهن فلا ينتقل إلى الوارث أم لا؟أمّا في غير الصورة الأخيرة : فلا إشكال في أنّه (تبطل بموته (١)) كما أنّه تبطل بموت الراهن أيضا ، لأنّ كونه نائبا ـ الذي هو حقيقة الوكالة ـ يتوقّف على تحقّق النائب والمنوب عنه ، وبموت أحدهما لا يعقل بقاء النيابة ، والإذن في التصرّف من قبله أيضا يتوقّف على وجوده ، فبعد موته لا يعقل بقاء الإذن في التصرّف من قبله ، وكذا بموت المأذون يرتفع الإذن ؛ لكونه كالنيابة في تقوّمه بالشخص المأذون بالخصوص.

وأمّا شرط الولاية : فإن قلنا بأنّه حقّ مجعول ، ولم يكن غرض الشارط متعلّقا بثبوته لخصوص شخص المرتهن بحيث تكون خصوصية الشخصية من مقوّمات الحقّ ، فالظاهر نقله إلى الوارث ؛ لعموم ما ترك الميت (٢).

وإن بنينا على أنّه ليس حقّا ، بل هو حكم من الأحكام ، كما في

__________________

(١) في الشرائع : (مع موته) بدل (بموته).

(٢) انظر على سبيل المثال : سورة النساء ، الآيتان ١١ و ١٢.

٦٢٨

ولاية الحاكم والوصي والمتولّي للأوقاف ، وليس حقّا ثابتا قابلا للإرث ، فلا يبقى بعد الموت (١).

وكيف كان ، فيشكل الحال في ظاهر ما ذكره المصنّف كغيره بقوله : (ولو مات المرتهن ، لم تنتقل إلى الوارث ، إلّا أن يشترط (٢) ، وكذا لو (٣) كان الوكيل غيره) ضرورة عدم قابلية الوكالة للانتقال ؛ لما ذكرنا ، فيكون الشرط مخالفا للمشروع ، إلّا أن يراد من شرط الوكالة جعل الولاية.

وقيل : بأنّه حقّ قابل للانتقال ، أو يراد من شرط الوكالة إيجاد وصف الوكالة لمن يكون الرهن عنده مثلا ولو بعقد مستأنف ، وإلّا فإنشاء الوكالة فعلا للوارث المجهول الذي ربّما لا يكون موجودا حال الرهن غير صحيح قطعا والوكالة المتحقّقة للمورّث أيضا قد عرفت أنّها غير قابلة لأن تسري إليه (٤) جزما ، فإطلاق القول بالسراية بالشرط مشكل ، كما لا يخفى.

(ولو مات المرتهن ولم يعلم) وجود (الرهن) في تركته ، لم يحكم للراهن بشي‌ء في التركة ، أو في ذمّته ، سواء شكّ في أصل الرهانة ، أو علم ولكن لم يعلم بقاؤه في التركة ؛ لأصالة البراءة ، واستصحاب بقائه رهنا في صورة العلم بتحقّقها حال حياته ، لا يثبت وجوده في التركة ؛ لعدم الملازمة أوّلا ، وعدم الاعتداد بالأصول المثبتة ثانيا ، فلا مانع عن العمل على ما هو مقتضى اليد من كونها ملكا

__________________

(١) قد سقط من قلم المصنّف شرح قول صاحب الشرائع : (دون الرهانة).

(٢) في الشرائع : (يشترطه).

(٣) في الشرائع : (إن) بدل (لو).

(٤) أي إلى الوارث. وفي النسخة الخطية : إليهم ، بدل إليه.

٦٢٩

للمورّث ، إذ لا علم على خلاف مقتضاها في الفرض لا تفصيلا ولا إجمالا ، فينتقل جميع التركة إلى الوارث ولو (كان) فيها في الواقع ؛ إذ لا طريق إلى معرفته فهو حينئذ سبيله (كسبيل ماله حتى يعلم) بقاؤه فيها (بعينه) أي بشخصه ، فيعمل فيه حينئذ على ما هو مقتضى الرهانة ، سواء علم ببقائه بشخصه في التركة إجمالا أو تفصيلا ، ضرورة عدم خروج المال بالاشتباه عن ملك صاحبه.

ولا يخفى عليك أنّ الذي وجّهنا به عبارة المصنّف ـ رحمه‌الله ـ هو الذي ينبغي أن يحمل عليه كلامه وإن كان خلاف ظاهره ؛ ضرورة أنّ الفتوى على ما هو ظاهر منه في غاية الإشكال ، ولا يساعد عليه شي‌ء من الأدلّة.

وخبر القلانس (١) الذي لا يبعد أن يكون مطمح نظره في تأديته هذه العبارة ، وهو قوله : سألت أبا الحسن ـ عليه‌السلام ـ عن رجل هلك [أخوه] (٢) وترك صندوقا فيه رهون بعضها عليها أسماء أصحابها ، وبكم هو ، وبعضها لا يدري لمن هو ولا بكم هو رهن ، فما ترى في هذا الذي لا يعرف صاحبه؟ فقال ـ عليه‌السلام ـ : هو كماله (٣) لا شاهد فيه على ذلك ؛ لاختلاف الفرض في الموردين ؛ إذ المفروض ـ فيما هو ظاهر العبارة ـ جهالة نفس الرهن ، وفي ظاهر الرواية جهالة الراهن ومقدار الدين دون الرهن ، فالمقامان متغايران.

وأمّا الرواية : فلا بدّ من حملها على عدم معرفة كونه رهنا وإن بعد ،

__________________

(١) كذا ، وفي المصادر : القلاء.

(٢) كلمة أخوه لم ترد في النسخة الخطية والحجرية ، وأثبتناها من المصدر.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٦ / ١٩ ، الفقيه ٣ : ٢٠٠ / ٩٠٨ ، التهذيب ٧ : ١٧٠ / ٧٥٦ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب كتاب الرهن ، الحديث ١.

٦٣٠

أو يقال بجواز أخذها مقاصّة عن الدين المرهون عليه ، كما لعلّه يومئ إليه قوله ـ عليه‌السلام ـ : فـ «هو كماله» إلّا أنّه يشكل باحتمال زيادته عن الدين ؛ لأنّ المفروض عدم العلم بمقدار الدين ، وأصالة عدم زيادة قيمته عن الدين ، مع أنّها من الأصول المثبتة محكومة بأصالة براءة ذمّة المديون عن القدر المتيقّن من الدين ، إلّا أن يقال بثبوت الحكم فيها تعبّدا ، أو يلتزم بجواز التصرّف فيه لأجل كونه مجهول المالك ، لا بعنوان المقاصّة ، كما يشهد لهذا الحمل ورود أخبار هذا الباب بهذه العبارة.

وكيف كان ، فلو علم وجود الرهن في التركة إجمالا ولم يعلم بشخصه ، فهل يحكم بالاشتراك واقعا بسبب الاشتباه أو الصلح القهري أو وجوب بيع المجموع من ثالث عند التشاح وتقسيط الثمن عليهما ، أو القرعة؟ وجوه ، أظهرها : الثاني ؛ إذ الاختلاط والاشتباه لا يقتضي الاشتراك والإشاعة واقعا ، كما أنّه لا ملزم لهما بالبيع بعد عدم رضاهما بذلك.

وأمّا القرعة : فلا جابر لعموماتها في المقام ، لعدم العمل بها فيه ، وقد تقرّر في محلّه أنّ من شرط العمل بمثل هذه العمومات الموهونة بكثرة التخصيص : الجبر بعمل الأصحاب ، فتعيّن الثاني ؛ حسما للنزاع ، وقضيّة لما هو العدل والإنصاف في مثل المقام بحكم العقل والعقلاء من أهل العرف ، فافهم.

(ويجوز للمرتهن ابتياع الرهن.)

هذا إذا اشتراه من المالك أو من يقوم مقامه فممّا لا إشكال فيه ، وأنّما الإشكال والاشتباه فيما لو اشتراه لنفسه من نفسه إذا كان وكيلا.

ومنشأ الإشكال هو الاختلاف فيما يستفاد من إطلاق التوكيل من

٦٣١

أنه هل يعمّ نفسه لدلالته على أنّ غرضه ليس إلّا البيع بثمن المثل ، وخصوصية المشتري ملغاة حيث لم يتعرّض لذكرها ، ومن أنّ ظاهر الوكالة لا يتناوله.

وكيف كان ، فالمسألة لفظيّة لا خصوصية لها بما نحن فيه ، بل الكلام فيها سار في كلّ وكالة.

وأمّا أصل الحكم من أنّه يجوز إذا علم رضاه بذلك ، وعدمه لو لم يعلم ذلك فممّا لا تأمّل فيه.

(والمرتهن أحقّ باستيفاء دينه من غيره من الغرماء سواء كان الراهن حيّا) وقد حجر عليه للفلس (أو ميّتا) لما دلّ من النصوص والفتاوى على كون الرهن وثيقة للدين ، وفائدتها عرفا وشرعا استيفاء الدين منها.

وما ورد في بعض الروايات ، المرميّ بالشذوذ (١) من أنّه يقسّم بين أرباب الديون بالحصص (٢) لا يصلح لتخصيص قاعدة سلطنة الناس على أموالهم ، الثابتة بالعقل والنقل ، المقتضية لصحة الرهن ، وترتّب الفائدة المقصودة منه عليه ، وصيرورة المرتهن مستحقّا لاستيفاء دينه منه مطلقا ، مع أنّه لم يعلم وجود عامل بمضمونها ، وخلاف الصدوق (٣) غير محقّق ، فعلى هذا لا محيص عن تأويلها أو طرحها ، والله العالم.

(ولو أعوز) الرهن عن وفاء الدين وقصر (ضرب) المرتهن (مع الغرماء بالفاضل) بلا إشكال لبقاء دينه في ذمّته ، وعدم انحصاره في

__________________

(١) أنظر : السرائر ٢ : ٤٢٤.

(٢) راجع : الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب كتاب الرهن.

(٣) راجع : الفقيه ٣ : ١٩٦ / ٨٩١ و ١٩٨ / ٩٠١.

٦٣٢

ما يستوفى من الرهن ، كما هو واضح.

(والرهن أمانة في يده لا يضمنه لو تلف) منه بغير تفريط ، كما أشرنا إلى ذلك في بعض المباحث السابقة.

مضافا إلى عدم نقل خلاف في المسألة ، بل نقل الإجماع فيها مستفيض.

نعم نسب (١) الخلاف إلى كثير من المخالفين الذين جعل الله الرشد في خلافهم.

ويدلّ على المطلوب : الأخبار المستفيضة الصريحة الغير القابلة للتصرّف فيها.

ولا يعارضها ما يستظهر منها خلافها ، المعلوم طرحها بين الأصحاب ، وأنّها خرجت مخرج التقية ، مع أنّها قابلة للحمل على التفريط أو نحو ذلك ، وفي بعضها بل جميعها قرائن على ذلك ، وكيف كان فلا إشكال في المسألة بحسب الظاهر.

(و) على هذا (لا يسقط من حقّه شي‌ء (٢) ما لم يتلف) في يده (بتفريطه) كما لا يخفى.

(ولو تصرّف) المرتهن (فيه) أي في الرهن (بركوب أو سكنى أو إجارة) من دون إذن الراهن (ضمن) الرهن (ولزمه) (٣) أي الراهن (٤) (الأجرة) أي أجرة المثل في الأولين ؛ لكونه تصرّفا في ملك الغير بغير إذنه ، وحكمه ذلك كما عرفت في كتاب البيع.

__________________

(١) الناسب هو صاحب الجواهر فيها ٢٥ : ١٧٤.

(٢) في الشرائع : (ولا يسقط به شي‌ء من حقه).

(٣) في الشرائع : (ولزمته).

(٤) كذا في النسخة الخطية والحجرية ، والصحيح : المرتهن ، بدل الراهن.

٦٣٣

وأمّا الثالث ـ أعني الإجارة ـ فحكمه أنّه لو أجازها ، صحّت ، وله المسمّى ، ويستحقّه من المستأجر ، وإلّا فإن كان قبل استيلاء المستأجر عليه وتصرّفه بما يكون له الأجرة ، فلا شي‌ء ، وتقع الإجارة لغوا وإن كان بعد تصرّفه فيه ، فله أن يرجع إلى كلّ منهما بأجرة المثل.

وتفصيل هذه الفروعات وتوضيحها قد تقدّم في كتاب البيع مستوفى ، فراجع.

(وإن كان للرهن مئونة كالدابة ، أنفق عليها وتقاصّا) أي الراهن والمرتهن إن لم يكن لأحدهما فضل على الآخر بأن كانت الأجرة مساوية للمئونة وإلّا فيرجع ذو الفضل بالفاضل.

هذا إذا تصرّف المرتهن في الرهن بما يستحقّ عليه الأجرة ، وإلّا فيرجع بتمام المئونة على الراهن مع اجتماع شرائطه ، كأن كان مأذونا من الراهن أو من يقوم مقامه مع الإمكان ، وكان من نيّته الرجوع.

(وقيل : إذا أنفق عليها ، كان له ركوبها ، أو يرجع على الراهن بما أنفق) استنادا في ذلك إلى مصحّحة أبي ولّاد : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الرجل يأخذ الدابة أو البعير رهنا بماله ، إله أن يركبه؟ فقال ـ عليه‌السلام ـ : إن كان يعلفه ، فله أن يركبه ، وإن كان الذي رهنه عنده يعلفه ، فليس له أن يركبه (١).

وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي ـ عليه‌السلام ـ ، قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : الظهر يركب إذا كان مرهونا ، وعلى الذي يركب نفقته ، والدرّ يشرب إذا كان مرهونا ، وعلى

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٦ / ١٦ ، الفقيه ٣ : ١٩٦ / ٨٨٩ ، التهذيب ٧ : ١٧٦ / ٧٧٨ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب كتاب الرهن ، الحديث ١.

٦٣٤

الذي يشرب نفقته (١).

أقول : ظاهر خبر السكوني ثبوت الانتفاع له ، ولزوم النفقة عليه من دون توقّفه على شرط.

هذا إذا استظهرنا منه عود الضمير إلى المرتهن كما هو الظاهر ، وإن بنينا على أنّه أعمّ من الراهن والمرتهن ، أو المراد منه خصوص الراهن ، فكانت الرواية مسوقة لبيان أنّه يجوز للمنفق التصرّف فيه ، سواء كان الراهن أو المرتهن ، فلا يدلّ على ما ذكرنا.

نعم ، لو كان مرجع الضمير أعمّ ، يدلّ على الجواز إن أنفق ، فيوافق مفاده مفاد صحيحة أبي ولّاد ، الذي علّق الجواز على الشرط.

وكيف كان ، فلا مانع من حمل الروايتين على صورة الإذن من الراهن ، بدعوى : كون ترك المئونة قرينة على رضاه بذلك ، كما هو المتعارف في ما كان له منفعة ، خصوصا إذا كان ترك الانتفاع به مضرّا بالرهن ، خصوصا مع ظهور حاله في عدم إلزامه ببيع لبنها يوما فيوما ، وردّ ثمنه إليه أو جمعه له.

وهذا بخلاف ما لو أنفق هو بنفسه عليها ، فإنّه لا قرينة على هذا التقدير تشهد برضاه بالتصرّفات.

وكيف كان ، فما ذكرنا شاهد على كون الروايتين منزلة (٢) على ما هو المتعارف من استفادة الإذن ، فإن تمّ فهو ، وإلّا فيجب طرحهما ؛ لعدم مكافئتهما لما ينافيهما ـ من القواعد المتقنة المعتضدة بالعقل والنقل من حرمة التصرّف في مال الغير ، وقاعدة الضمان لما يتلفه المتلف ـ ظهورا ؛

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٩٥ / ٨٨٦ ، التهذيب ٧ : ١٧٥ / ٧٧٥ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب كتاب الرهن ، الحديث ٢.

(٢) كذا ، والصحيح : منزلتين.

٦٣٥

لما عرفت ، وسندا ؛ لإعراض معظم الأصحاب عنهما.

(ويجوز للمرتهن أن يستوفي دينه ممّا في يده إن خاف جحود الوارث) للدين ، أو الرهانة ، وكانت التركة قاصرة (مع اعترافه) بالرهن.

ويدلّ عليه ، مضافا إلى الإجماعات المحكية المعتضدة بعدم نقل الخلاف ، مكاتبة المروزي لأبي الحسن ـ عليه‌السلام ـ ، في رجل مات وله ورثة ، فجاء رجل فادّعى عليه مالا ، وأنّ عنده رهنا ، فكتب ـ عليه‌السلام ـ «إن كان له على الميّت مال ولا بيّنة له ، فليأخذ ماله ممّا في يده ، ويردّ الباقي على ورثته ، ومتى أقرّ بما عنده أخذ به ، وطولب بالبيّنة على دعواه ، وأوفى حقّه بعد اليمين ، ومتى لم يقم البيّنة ، والورثة ينكرون ، فله عليهم يمين علم يحلفون بالله ما يعلمون [أنّ] (١) له على ميتهم حقّا» (٢).

والمناقشة في سندها بعد الانجبار بما سمعت لا وجه لها ، واستفادة اعتبار خوف الجحود من الرواية إنّما هي من تعليق الحكم بفقد البيّنة ، إذ المستفاد منه أنّه لو كان له بيّنة ، لا يجوز له ذلك ، ومن المعلوم أنّه لو لم يكن له ذلك حال وجود البيّنة ، مع أنّ إثبات الحقّ معها يحتاج إلى اليمين والمشقّة الزائدة التي ربما يستدلّ لأجلها بنفي الحرج في المقام وإن كنّا لا نلتزم به ، فكيف له ذلك مع اطمئنانه باعتراف الورثة وإيصال الحق إليه؟! وأمّا الخوف : فهو ألم نفساني في مقابل الأمن والوثوق ، فمتى حصل

__________________

(١) زيادة من المصادر.

(٢) الفقيه ٣ : ١٩٨ / ٩٠١ ، التهذيب ٧ : ١٧٨ / ٧٨٤ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب كتاب الرهن ، الحديث ١.

٦٣٦

له هذه الحالة ـ وهي اضطراب النفس الناشئ عن عدم وجود البيّنة المقبولة عند الحاكم ، كما هو المتبادر منها في مثل المقام ـ يجوز له الاستيفاء ، ولا يعتبر في تحقّقه الظنّ بالعدم ، كما يظهر من غير واحد ، بل مجرّد الاحتمال المعتدّ به عند الشخص كاف في تحقّق صدق الخوف ، فيجتمع الخوف مع الوهم والشك كالظن.

وهل يلازم الشك والوهم كالظن ولو لم يكن للشك والوهم منشأ إلّا عدم العلم بالواقع؟ فيه تأمّل.

وكيف كان ، فقد عرفت أنّه يتحقّق الخوف بمجرد قيام الاحتمال المعتدّ به عند الشخص ، ويترتّب عليه أحكامه.

ولكن ينبغي تقييد الخوف في ما أخذ موضوعا لأجل عدم إرادة الشارع وقوع متعلّقه في الخارج ـ كخوف الضرر والهلاك في بعض الموارد ـ بأن (١) يكون مسبّبا من احتمال معتدّ به عند العقلاء ، فلا اعتداد بخوف من يخاف سلوك طريق مأمون عند العقلاء في صيرورة السفر حراما عليه.

وأمّا لو أخذ موضوعا لأجل ذاته ، وأنّه صفة في الشخص موجبة لترخيص الشارع عليه بعض الأشياء إزالة لمرضه ، فلا يلاحظ فيه إلّا حال الشخص ، سواء كان للأمر المخوف منه أمارة عقلائية أم لا.

ولعلّ من اعتبر الظنّ في صدق الخوف لا يقصد به الظنّ ، بل غرضه وجود الأمارات والمناسبات التي تقوّي الاحتمال حتى يكون ممّا يعتنى به عند العقلاء.

وأمّا لو لم يكن كذلك ، فلا يترتّب عليه الأحكام التي هي من

__________________

(١) في النسخة الخطية والحجرية : أن ، وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٦٣٧

القسم الأول ، ضرورة انصراف الأدلّة عنه ، وليس المقصود من الأمارات ما يورث الظنّ ولو شأنا ، بل الغرض ما يقرب الوقوع ولو احتمالا.

فرع لو خاف جحود الراهن بنفسه ولا بيّنة ، هل له الاستيفاء من الرهن أم لا؟ فيه وجهان : من كون الحكم على خلاف الأصل ؛ إذ الجواز بمجرّد الخوف مناف لسلطنة الناس على أموالهم ، ومن وجود المناط وعدم مدخليّة خصوصية الورثة في الحكم.

مضافا إلى دعوى الإجماع على اللحوق ، وهذا هو الأقوى.

وأمّا عموم نفي الضرر (١) بعد تسليم جريانه في مثل المقام ـ كعموم نفي الحرج (٢) ـ فيشكل الاعتماد عليه في ما لا جابر له ، كسائر الموارد التي لم يستند إليها العلماء.

نعم لو ظهر من حاله الإنكار ، يجوز له ذلك مقاصّة ، بل لا يبعد الجواز حينئذ ولو كان (٣) بيّنة أيضا ؛ لصدق الاعتداء حينئذ.

وكذا لو ظهر من حال الوارث أيضا الجحود ولو لجهلهم بالواقع ؛ لأنّه ليس متوقّفا على العلم ، بل دائر مدار واقعه ، كما لا يخفى.

ثم إنّه بعد البناء على جواز الاستيفاء لو خاف جحود الراهن مع فقد البيّنة ، كما لعلّه هو أظهر الوجهين ، فهل له ذلك لو توقّف إثبات

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٢ / ٢ ، الوسائل ، الباب ١٢ من أبواب كتاب الرهن ، الحديث ٣.

(٢) سورة الحج ٢٢ ، الآية ٧٨.

(٣) الأنسب : كانت.

٦٣٨

دعواه على اليمين ، كما إذا كان له شاهد واحد ، أو علم من حال المنكر أن يردّ اليمين؟ فيه وجهان ، أوجههما : العدم ؛ لقصور دليل الجواز عن شموله مع كون الحكم على خلاف الأصل.

مضافا إلى أنّ اقتضاء تعليق الحكم في الرواية (١) على فقد البيّنة ـ الدالّ بمفهومه على فقد الحكم مع وجود البيّنة ، مع أنّ الحقّ لا يثبت بمجرّد البيّنة في مورد الرواية ، بل يحتاج إلى ضمّ اليمين ؛ لكونه ادّعاء على الميت ، كما يفصح عن ذلك ذيل الرواية ـ عدم كفاية توجّه اليمين عليه في ذلك ، بل لا بدّ في الجواز من خوف ضياع الحقّ لا غير ، والله العالم.

و (أمّا لو اعترف بالرهن ، وادّعى دينا ، لم يحكم له) بمجرّد وجوده تحت يده بعد اعترافه بأنّ يده يد أمانة.

(وكلّف البيّنة ، وله إحلاف الوارث إن ادّعى علمه) (٢).

ويظهر الوجه فيه من الرواية المتقدّمة (٣) ، مضافا إلى كونه على القواعد.

نعم تقييد جواز إحلاف الوارث بدعوى علمه بذلك مناف لظاهر الرواية ، لأنّ مقتضاها كفاية عدم العلم في ذلك.

ويمكن إرادة المصنّف ـ رحمه‌الله ـ ذلك أيضا من العبارة.

(ولو وطئ المرتهن الأمة) المرهونة (مكرها) لها على ذلك من دون إذن الراهن (كان عليه عشر قيمتها أو نصف العشر.

__________________

(١) أي : مكاتبة المروزي ، التي مرّت في صفحة ٦٣٦.

(٢) في الشرائع : (ادّعى عليه العلم).

(٣) تقدّمت في صفحة ٦٣٦.

٦٣٩

وقيل : عليه مهر أمثالها.

ولو طاوعته ، لم يكن عليه شي‌ء) كما تقدّم تحقيق ذلك كلّه وتحقيق أرش البكارة في بيع الحيوان ، فلاحظ وتأمّل ؛ إذ لا خصوصية للمورد بالنسبة إلى المذكورات ، والله العالم.

وقد تقرر ممّا تقدّم أنّه ليس لأحدهما الاستقلال بالتصرّف فيه.

(فإن (١) وضعاه) معا (على يد عدل) مثلا (فللعدل ردّه عليهما) معا ؛ لعدم لروم ذلك عليه بمجرّد قبول الوديعة ، كما هو واضح (أو تسليمه إلى من يرتضيانه) لكونه حينئذ بمنزلة الوكيل عنهما.

(ولا يجوز (٢) تسليمه مع وجودهما إلى الحاكم) لو لم يمتنعا عن القبول ؛ إذ لا ولاية للحاكم عليهما حينئذ.

نعم مع الامتناع ، له ذلك ؛ لأنّ الحاكم وليّ الممتنع.

(و) لذا (لا) يجوز تسليمه (إلى أمين) غير الحاكم و (غيرهما من غير إذنهما) لحرمة التصرّف في مال الغير من دون إذنه.

(فلو (٣) سلّمه) إلى من لا يجوز تسليمه اليه (ضمن) العدل ، بل المتسلّم أيضا ، ولكنه يرجع إلى العدل لو جهل بالحال ؛ للغرور.

(ولو استترا) عن قبضه بعد أن طلب ذلك منهما (أقبضه الحاكم) لما أشرنا إليه من أنّه وليّ الممتنع.

(ولو كانا غائبين وأراد تسليمه إلى الحاكم أو عدل آخر من غير ضرورة) عرفية (لم يجز ، وضمن (٤) لو سلّم ، وكذا لو كان

__________________

(١) في الشرائع : وإذا ، بدل فإن.

(٢) في الشرائع زيادة : له.

(٣) في الشرائع : ولو.

(٤) في الشرائع : ويضمن.

٦٤٠