مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

لذلك ـ مضافا إلى السيرة القطعية ، وعدم الخلاف فيه على الظاهر وإن أوهمه بعض كلماتهم التي تقدّمت الإشارة إليها ، وإمكان دعوى استفادته ممّا دلّ على ملك الأرض بالإحياء بالفحوى أو بتنقيح المناط وإن لا يخلو عن تأمّل ـ جملة من الروايات المعتبرة :

منها : صحيحة عمر بن يزيد عن أبي سيّار مسمع بن عبد الملك في حديث ، قال ، قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : إنّي كنت ولّيت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم ، وكرهت أن أحبسها عنك وأعرض لها وهي حقّك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا ، فقال : «وما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلّا الخمس يا أبا سيّار! الأرض كلّها لنا ، فما أخرج الله منها من شي‌ء فهو لنا» قال ، قلت له : أنا أحمل إليك المال كلّه ؛ فقال لي : «يا أبا سيّار! قد طيّبناه لك وأحللناك منه ، فضمّ إليك مالك ، وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون ومحلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا ـ عليه‌السلام ـ ، فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم ، وأمّا ما كان في أيدي غيرهم فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا ـ عليه‌السلام ـ ، فيأخذ الأرض من أيديهم ، ويخرجهم منها صغرة» (١).

فإنّها صريحة في تحليل الأرض للشيعة إلى أن يقوم القائم ـ عليه‌السلام.

ويستفاد منها تحليل ما فيها من المعادن ونحوها وسائر توابعها بالتبع والفحوى.

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٠٨ / ٣ ، التهذيب ٤ : ١٤٤ / ٤٠٣ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٢.

٢٦١

وخبر يونس بن ظبيان أو المعلّى بن خنيس ، قال ، قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسّم ، ثم قال : «إنّ الله بعث جبرئيل وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض ، منها :سيحان وجيحان وهو نهر بلخ ، والخشوع وهو نهر الشاس ، ومهران وهو نهر الهند ، ونيل مصر ، ودجلة ، والفرات ، فما سقت أو استقت فهو لنا ، وما كان لنا فهو لشيعتنا ، وليس لعدوّنا منه شي‌ء إلّا ما غصب عليه ، وإن وليّنا لفي أوسع في ما بين ذه إلى ذه» يعني ما بين السماء والأرض ، ثمّ تلا هذه الآية «قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» المغصوبين عليها «خالصة» لهم «يوم القيامة» (١) بلا غصب (٢).

وهذا الخبر أيضا إ في تحليل الأرض وتوابعها ، بل ربما يستظهر منه إباحة جميع ما كان لهم من الخمس والأنفال ونحوها لشيعتهم ؛ أخذا بعموم قوله ـ عليه‌السلام ـ : «وما كان لنا فهو لشيعتنا.

وفيه : أنّ المتبادر من سوق الخبر إرادة العهد من الموصول لا الجنس.

وعلى تقدير تسليم ظهوره في العموم يتعيّن صرفه إلى ذلك ؛ جمعا بينه وبين الأخبار المنافية له ، المتقدّمة عند التكلّم في خمس الأرباح.

وخبر داود بن كثير الرقّي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : سمعته يقول : «الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلّا أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك» (٣).

وقد يستدلّ بهذه الرواية أيضا لتحليل مطلق الأنفال ، بل كلّ ما

__________________

(١) الأعراف ٧ : ٣٢.

(٢) الكافي ١ : ٤٠٩ / ٥ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٧.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤ / ٩٠ ، ١ علل الشرائع : ٣٧٧ / ٣ ، التهذيب ٤ : ١٣٨ / ٣٨٨ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ٧.

٢٦٢

يستحقّه الإمام ـ عليه‌السلام ـ ولو من الخمس.

وفيه : أنّه لا يبعد دعوى انصرافها إلى الأقسام المزبورة من الأنفال التي يعمّ الابتلاء بها ، وتتوقّف معيشة عامة الناس عليها ، أي : الأرضين وتوابعها ، لا مثل خمس الأرباح ونظائرها فضلا عن ميراث من لا وارث له أو صفايا الملوك.

ولو سلّم ظهورها في العموم ، يجب صرفها عن ذلك ؛ جمعا بينها وبين غيرها ممّا تقدّمت الإشارة إليه.

ورواية الحارث بن المغيرة النصري قال : دخلت على أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، فجلست عنده فإذا نجيّة قد استأذن عليه ، فأذن له ، فدخل فجثا على ركبتيه ، ثم قال : جعلت فداك إنّي أريد أن أسألك عن مسألة ، والله ما أريد بها إلّا فكاك رقبتي من النار ، فكأنّه رقّ له فاستوى جالسا ، فقال : «يا نجيّة سلني فلا تسألني اليوم عن شي‌ء إلّا أخبرتك به» قال : جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان؟ قال : «يا نجيّة إنّ لنا الخمس في كتاب الله ، ولنا الأنفال ، ولنا صفو المال ، وهما والله أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب الله ، وأوّل من حمل الناس على رقابنا ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت ، وإنّ الناس ليتقلّبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت» فقال نجيّة : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ؛ ثلاث مرات ، هلكنا وربّ الكعبة ، قال : فرفع جسده عن الوسادة فاستقبل القبلة فدعا بدعاء لم أفهم منه شيئا إلّا أنّا سمعناه في آخر دعائه وهو يقول : «اللهمّ إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا» ثمّ أقبل إلينا بوجهه فقال : «يا نجيّة ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا» (١).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٤٥ / ٤٠٥ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٤.

٢٦٣

والمراد بهذه الرواية بحسب الظاهر تحليل مطلق حقوقهم من الأنفال والخمس ، ولكن المتبادر منها إرادة خمس الغنيمة ونحوه ممّا استولى عليه أهل الجور لا مطلقا ، وعلى تقدير ظهورها في الإطلاق يجب صرفه إلى ذلك ؛ جمعا بين الأدلّة.

وقد يستدلّ بالأخبار الواردة في تحليل الخمس ، التي تقدّم جملة منها في المبحث المشار إليه حيث يدلّ غير واحد منها على إباحة حقوقهم مطلقا.

وما ورد في خصوص الخمس أيضا يمكن استفادته منه بالأولوية.

وفيه : أنّه إنّما يتّجه الاستدلال بمثل هذه العمومات الغير القابلة لصرفها عن الخمس ، فضلا عمّا ورد فيه بالخصوص لو قيل بتحليل الخمس. وقد عرفت أنّ الأظهر خلافه ، وكيف كان ففي ما عداها غنى وكفاية.

ولكن قد أشرنا آنفا إلى أنّ القدر المتيقّن الذي يمكن إثبات إباحته بالأدلّة المتقدّمة وغيرها من أخبار التحليل ـ التي سيأتي التعرّض لها عند التكلّم في تحليل المناكح والمساكن والمتاجر ، خصوصا بعد الالتفات إلى معارضة عمومات التحليل ببعض الروايات المتقدّمة في مبحث الخمس ـ إنّما هو إباحة التصرّف في الأقسام المزبورة من الأنفال التي جرت السيرة على المعاملة معها معاملة المباحات الأصلية ، أي : الأرضين وتوابعها.

وأمّا ما عداها من الأقسام ، وهي : الغنيمة بغير الإذن وصفايا الملوك وميراث من لا وارث له ، فيشكل استفادة حلّيتها من تلك الأدلّة ، خصوصا الأخير منها حيث ورد فيه في غير واحد من الأخبار الأمر بالتصدّق ، فمقتضى الأصل ، بل ظواهر النصوص الخاصة الواردة فيه :عدم جواز التصرّف فيه إلّا بهذا الوجه.

٢٦٤

ولكن هذا في ما لم يجر عليه سلطان الجور الذي يرى ولايته عليه ، وإلّا فالظاهر جواز أخذه منه بشراء أو هبة أو إجارة ونحوها كغيره من الأموال التي يتولّى أمره حاكم الجور لشبهة استحقاقه الولاية ، كما يظهر ذلك ممّا ورد في حلّ الخراج وغيره ، بل المتدبّر في أخبار أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ ، يرى أنّ عمدة ما تعلّق به غرض الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ من كثير من الأخبار الواردة في التحليل إنّما هو تحليل ما ينتقل إلى الشيعة من المخالفين الذين غصبوا حقّهم ، واستولوا على خمسهم وفيئهم ، كما هو صريح الخبر الآتي في إباحة المناكح والمساكن ، المروي عن العسكري ـ عليه‌السلام ـ ، ورواية نجيّة المتقدّمة (١) وغيرهما ممّا ستسمعه في المبحث الآتي ، بل استفادة حلّية أخذ ما يستحقّه الإمام خاصة من الأنفال ونحوه من الأدلّة الدالّة على حلّية جوائز الجائر وجواز المعاملة معهم أوضح من إباحة ما عداه ممّا يشترك بين المسلمين ، أو يختصّ بفقرائهم لكونه أوفق بالقواعد وأقرب إلى الاعتبار.

وكيف كان ، فلا ينبغي الارتياب في أنّ كلّ ما كان أمره راجعا إلى الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، ثمّ صار في أيدي أعدائهم أبيح للشيعة أخذه منهم وإجراء أثر الولاية الحقّة على ولايتهم ، كما صرّح به في الجواهر وفاقا لما حكاه عن أستاذه في كشفه من أنّه قال بعد تعداده الأنفال : وكلّ شي‌ء يكون بيد الإمام ممّا اختصّ أو اشترك بين المسلمين يجوز أخذه من يد حاكم الجور بشراء أو غيره من الهبات والمعاوضات والإجارات ؛ لأنّهم أحلّوا ذلك للإماميّة من شيعتهم (٢). انتهى.

__________________

(١) تقدّمت في صفحة ٢٦٣.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ١٤١ ، وراجع : كشف الغطاء : ٣٦٤.

٢٦٥

ولكن القدر المتيقّن إنّما هو إباحة أخذه منهم بالأسباب الشرعية بمعنى ترتيب أثر الولاية الحقّة على ولايتهم ، كما تقدّمت الإشارة إليه ، لا استنقاذه من أيديهم بأيّ نحو يكون ولو بسرقة ونحوها ، فإنّ هذا لا يكاد يستفاد من شي‌ء من أدلّتها ، كما لا يخفى.

وقد ظهر بذلك حال الغنيمة بغير الإذن ، والصفايا التي استولى عليها المخالفون من أنّه يباح للشيعة أخذها منهم.

وأمّا إذا كان الغانم هو الشيعة ، فالذي يقوى في النظر أنّه بحكم الغنيمة من أنّه يؤدّي خمسه ويحلّ له الباقي ، كما يدلّ عليه حسنة الحلبي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم ، فيصيب غنيمة ، فقال : «يؤدّي خمسا ويطيب له» (١) فإنّ مقتضى الجمع بينها وبين ما دلّ على أنّ الغنيمة بغير الإذن من الأنفال : حمل هذه الرواية على كونه من باب التحليل ، وحملها على إرادته بالنسبة إلى شخص خاصّ أو في غزوة خاصة صادرة عن الإذن خلاف الظاهر ، وستأتي تتمّة للكلام في بيان معنى التحليل في ذيل المسألة الثالثة إن شاء الله.

المسألة (الثانية : إذا قاطع الإمام) عليه‌السلام ـ أحدا (على شي‌ء من حقوقه حلّ له) أي : لمن قاطعه (ما فضل عن القطيعة ، ووجب عليه الوفاء) كما هو واضح.

المسألة (الثالثة) : صرّح جماعة بأنّه (ثبت إباحة المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة) للشيعة (وإن كان ذلك بأجمعه

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٢٤ / ٣٥٧ ، الوسائل : الباب ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٨ ، وفي الأول : خمسها. وفي الثاني : خمسنا.

٢٦٦

للإمام) عليه‌السلام ـ ، بأن كان نفلا (أو بعضه) كالأراضي المفتوحة عنوة وغيرها من الغنائم مع الإذن ، التي يثبت فيها الخمس (ولا يجب إخراج حصّة الموجودين من أرباب الخمس منه.)

وقد وقع التصريح بإباحة هذه الثلاثة للشيعة في المرسل المروي عن غوالي اللآلي عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ قال : سأله بعض أصحابه ، فقال : يا ابن رسول الله ما حال شيعتكم في ما خصّكم الله به إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم؟ فقال ـ عليه‌السلام ـ : «ما أنصفناهم إن واخذناهم ولا أحببناهم إن عاقبناهم ، نبيح لهم المساكن لتصحّ عباداتهم ، ونبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم ، ونبيح لهم المتاجر ليزكوا أموالهم» (١).

ويدلّ عليها أيضا في الجملة أو مطلقا جملة من الأخبار :

منها : خبر الفضيل عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد الله على أوّل النعم» قلت : جعلت فداك ما أوّل النعم؟ قال : «طيب الولادة» ثم قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «قال أمير المؤمنين لفاطمة أحلّي نصيبك من الفي‌ء لآباء شيعتنا ليطيبوا ثم قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «إنّا أحللنا أمّهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا» (٢).

والمروي عن تفسير العسكري ـ عليه‌السلام ـ عن آبائه عن أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ : أنّه قال لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : «قد علمت يا رسول الله أنّه سيكون بعدك ملك عضوض (٣) وجبر فيستولي على خمسي من السبي والغنائم ، ويبيعونه فلا يحلّ لمشتريه لأنّ نصيبي فيه فقد وهبت

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ١٦ : ١٤٥ ، وراجع : غوالي اللآلي ٤ : ٥ / ٢.

(٢) التهذيب ٤ : ١٤٣ / ٤٠١ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٠.

(٣) ملك عضوض : الذي فيه عسف وظلم. النهاية لابن الأثير ٣ : ٢٥٣.

٢٦٧

نصيبي منه لكلّ من ملك شيئا من ذلك من شيعتي لتحلّ لهم منافعهم من مأكل ومشرب ، ولتطيب مواليدهم ، ولا يكون أولادهم أولاد حرام ، قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك وقد تبعك رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في فعلك ، أحلّ الشيعة كلّ ما كان فيه من غنيمة وبيع من نصيبه على واحد من شيعتي ، ولا أحلّها أنا ولا أنت لغيرهم» (١).

وخبر ضريس الكناسي قال ، قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «أتدري من أين دخل الناس الزنا؟» فقلت لا أدري ، فقال : «من قبل خمسنا أهل البيت إلّا لشيعتنا الأطيبين ؛ فإنّه محلّل لهم ولميلادهم» (٢).

ورواية أبي حمزة عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ في حديث قال : «إنّ الله تعالى جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي‌ء ، فقال تبارك وتعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» (٣) فنحن أصحاب الخمس والفي‌ء ، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا والله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح ولا خمس يخمّس فيضرب على شي‌ء منه إلّا كان حراما على من يصيبه فرجا كان أو مالا» (٤) الحديث.

ورواية الحارث ، المتقدّمة (٥) الحاكية لقصّة نجيّة.

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري : ٨٦ ـ ٨٧ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ٢٠.

(٢) الكافي ١ : ٥٤٦ / ١٦ ، التهذيب ٤ : ١٣٦ / ٣٨٣ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ٣.

(٣) الأنفال ٨ : ٤١.

(٤) الكافي ٨ : ٢٨٥ / ٤٣١ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٩.

(٥) تقدّمت في صفحة ٢٦٣.

٢٦٨

وخبر سالم بن مكرم عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال ، قال رجل وأنا حاضر : حلّل لي الفروج ؛ ففزع أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، فقال له رجل : ليس يسألك أن يعترض الطريق ، إنّما يسألك خادمة يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه ؛ فقال : «هذا لشيعتنا حلال ، الشاهد منهم والغائب والميت منهم والحي وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال ، أما والله لا يحلّ إلّا لمن أحللنا له ، لا والله ما أعطينا أحدا ذمة وما عندنا لأحد عهد ولا لأحد عندنا ميثاق» (١) إلى غير ذلك من الروايات التي لا تخفى على المتتبع.

والمراد بالمناكح ـ كما صرّح به غير واحد ـ السراري المغنومة من أهل الحرب ، فإنّه يباح للشيعة في زمان الغيبة تملّكها بالشراء ونحوه ، ووطؤها وإن كان جميعها للإمام ـ عليه‌السلام ـ ، كما لو كانت الغنيمة بغير إذنه بناء على كونها حينئذ من الأنفال ، كما هو الأظهر ، أو بعضها كما لو كانت الغنيمة مع الإذن ، أو قلنا بأنّه لا يجب فيها مطلقا إلّا الخمس.

وربّما فسّرت المناكح : بما يتناول مئونة التزويج ومهور النساء وثمن الجارية التي اشتراها من كسبه.

وفيه : أنّ هذا وشبهه مندرج في المئونة المستثناة عمّا يتعلّق به الخمس على تقدير حصوله في عام الربح لا مطلقا ، فهو بمعزل عمّا أريد من الأخبار الواردة في حلّ المناكح ، فإنّ المقصود بها ـ على ما يظهر منها ـ إنّما هو تحليل الجواري المسبيّة ، بل المتبادر منها بواسطة الغلبة وورود جملة منها في سبايا بني أميّة وأشباههم ، إنّما هو إرادة السبايا المنتقلة إلى الشيعة من أيدي غير المتديّنين بالخمس ، فيشكل تناولها للجارية التي سباها الشيعي

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣٧ / ٣٨٤ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ٤.

٢٦٩

المعترف به ، خصوصا لنفسه ، فليتأمّل.

والمراد بالمساكن : ما يتّخذه منها في الأرض المختصّة بالإمام ـ عليه‌السلام ـ ، كالمملوكة بغير قتال ورؤوس الجبال ونحوها ، أو المشتركة بينه وبين غيره ، كالمفتوحة عنوة المنتقلة إلى الشيعة من أيدي المخالفين ، وربّما فسّرت بما يعمّ الدار المشتراة بما يتعلّق به الخمس.

وفيه : ما عرفت.

والمراد بالمتاجر : المال المنتقل إليه ممّن لا يخمّس ، والقدر المتيقّن منه الذي يمكن دعوى انصراف أخبار التحليل إليه إنّما هو في ما إذا كان ممّن يستحلّ الخمس ، كالمخالف وشبهه ، لا مطلق من لا يخمّس.

وعلى تقدير منع الانصراف اتّجه صرفها إليه ؛ جمعا بينها وبين الأخبار الآتية الدالّة على أنّه لا يحلّ شراء شي‌ء من الخمس ، كما سيأتي تحقيقه.

وبما ذكرنا في تفسير هذه الثلاثة ظهر لك أنّه لا وجه لتخصيصها بالتحليل بعد ما حقّقناه في ما سبق من أنّه أبيح للشيعة في زمان الغيبة بل مطلقا التصرّف في الأراضي المختصّة بالإمام وتوابعها ، بل تملّكها بالإحياء والحيازة كالمباحات الأصلية.

وكذا أبيح لهم كلّ ما ينتقل إليهم من الأنفال والخمس وغير ذلك ممّا كان أمره راجعا إلى الإمام من أيدي المستحلّين لها ، المنكرين للولاية ، من غير اختصاصه بهذه الثلاثة.

فإن أراد الأصحاب من هذه الثلاثة ما ذكرناه في تفسيرها ، فيتوجّه عليه ما عرفت من عدم الاختصاص.

وإن أرادوا معنى آخر أعمّ من ذلك ، فيشكل استفادة إباحتها بذلك المعنى من أخبار التحليل ؛ فإنّه وإن أمكن دعوى ظهور بعضها في الأعمّ ، بل في تحليل مطلق الخمس والنفل ، ولكن الخصم لا يقول به ، مع أنّك

٢٧٠

قد عرفت في مبحث خمس الأرباح أنّه لا بدّ من حمل عمومات أخبار التحليل إمّا على حقوقهم المغصوبة في أيدي المخالفين كما هو منصرف أغلبها ، أو غير ذلك من المحامل الغير المنافية لوجوب الخمس بالفعل على الشيعة في ما يستفيدوه من أرباح التجارات وغيرها ممّا يتعلّق به الخمس ، فراجع.

ثمّ إنّ المقصود بالتحليل والإباحة الواردة في الأخبار وفي كلمات الأصحاب في هذا الباب ليس مجرّد جواز التصرّف وحلّ الانتفاع ، وإلّا لم يجز وطء الأمة التي بعضها للإمام بذلك ولا وطء ما كان جميعها له ؛ فإنّ تأثير مثل هذا التحليل في جواز الوطء ، خصوصا بالنسبة إلى غير الموجودين حال الإنشاء مشكل ، وكذا بيعها وعتقها وبيع المسكن ووقفها وغير ذلك من التصرّفات المتوقّفة على الملك ، بل المقصود بالتحليل إمضاء جميع التصرّفات المتعلّقة بما يستحقّه الإمام ـ عليه‌السلام ـ من النقل والانتقال والتملّك بالحيازة وغير ذلك على النحو المتعارف في ما بين الخاصة والعامة ، فلا يجب حينئذ تطبيقها على القواعد الكلّية بعد دلالة الأخبار الخاصة عليه ، وقضاء السيرة به ، وعدم الخلاف فيه ؛ لجواز كونه حكما شرعيا مخصوصا بهذا المورد ، فلا يهمّنا البحث عن أنّه هل هو من باب إمضاء ولاية الجائر بالنسبة إلى تصرّفاتهم المربوطة بالشيعة ، أو من قبيل إسقاط الحق ، أو من باب التسبيل مشروطا بالجري على حسب ما تقتضيه الأسباب الشرعية لولا هذا الحق ، إلى غير ذلك من التوجيهات.

قال شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ بعد أن ذكر وجوها من الإشكال في تطبيق هذه الإباحة على القواعد ، ما لفظه : والذي يهون الخطب : الإجماع على أنّا نملك بعد التحليل الصادر منهم ـ صلوات الله عليهم ـ كلّ ما يحصل بأيدينا تحصيلا أو انتقالا ، فهذا حكم شرعي لا يجب تطبيقه على القواعد.

٢٧١

نعم يمكن أن يقال : الأصل والمنشأ في ذلك أحد الأمرين :

أحدهما : أن يقال : إنّ تملّكهم الفعلي لم يتعلّق بهذه الأمور ليلحقه الإباحة والتحليل ، فيشكل بما ذكر ، وإنّما كان حكما شأنيا من الله سبحانه ، وإذنهم ، ورفع يدهم رافع لذلك الحكم الشأني ، بمعنى أنّ الشارع بملاحظة رضاهم بتصرّف الشيعة لم يجعل هذه الأمور في زمان قصور يدهم ملكا فعليا لهم ، بل أبقاها على الحالة الأصلية ، فهي باقية بواسطة ما علم الله تعالى منهم من الرضى على إباحتها الأصلية بالنسبة إلى الشيعة ، وهذا نظير الحرج الدافع للتكليف الشأني ، كما في نجاسة الحديد ، ولا مخالفة في ذلك لأخبار اختصاص هذه الأمور بالإمام ـ عليه‌السلام ـ ، نظرا إلى أنّ صيرورتها من المباحات إنّما نشأ من شفقتهم القديمة على الشيعة قبل شرع الأحكام ، فجواز التصرّف منوط برضاهم ـ عليهم‌السلام ـ ، ولا يجوز التصرّف بدون رضاهم ، ومن تصرّف بدون رضاهم فهو ظالم لهم غاصب لحقّهم ، ولا معنى للاختصاص أزيد من ذلك.

الثاني : أن يقال : بثبوت ملكهم لها فعلا ، إلّا أنّ معنى ملكيتهم الفعلية ليس أمرا ينافي ملكية الشيعة لها بالإحياء والحيازة حتى تكون ملكية الشيعة لها بالانتقال عن ملك الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، وإن صرّح في بعض الأخبار بلفظ «الهبة» الظاهرة في الانتقال ، بل هو معنى يشبه في الجملة بملكية الله تعالى سبحانه للأشياء ، وإن كان ذلك ملكا حقيقيا مساويا لملكية نفس العباد ؛ إلّا أنّ هذا المعنى كالقريب منه ، بمعنى أنّ الله تعالى سلّطهم على هذه الأموال سلطنة مستمرّة لهم أن يأذنوا لغيرهم في التملّك ، ولهم أن يمنعوا ، وليس الإذن علّة محدثة للتملّك حتى يحتاجوا في إرجاعه بعد تملّك الغير إلى أنفسهم إلى تملّك جديد ، نظير المولى

٢٧٢

المملّك لعبده (١). انتهى.

أقول : ولعلّ التوجيه الثاني أوفق بظواهر النصوص والفتاوى ، وأقرب الى الاعتبار بالنظر إلى ما تقتضيه الولاية والسلطنة المطلقة التي جعلها الله تعالى للأئمّة ـ عليهم‌السلام ـ ، كما نفينا البعد عن إرادة الملكية بهذا المعنى في صدر الكتاب من الأخبار الواردة في أنّ الأرض وما أخرجه الله منها بأسرها للإمام ـ عليه‌السلام ـ ، والله العالم بحقائق الأحكام.

المسألة (الرابعة : ما يجب من الخمس) بأحد الأسباب السابقة (يجب صرفه إليه مع وجوده) فيما بيننا ، أي ظهوره والتمكّن من إيصاله إليه ، كما تقدّمت الإشارة إليه عند التكلّم في كيفية القسمة.

(ومع عدمه) فيما بيننا ، أي : في زمان الغيبة (قيل : يكون) جميعه (مباحا) للشيعة. نسب هذا القول إلى الديلمي وصاحب الذخيرة (٢).

ولكن حكي عن ابن فهد في شرح النافع إنكار نسبته إلى الديلمي ، وقال : إنّ مذهب الديلمي إباحة نصف الإمام خاصة (٣).

وكيف كان ، فعن الحدائق نقل القول بإباحة الجميع أيضا عن شيخه الشيخ عبد الله بن صالح البحراني وجملة من معاصريه (٤).

ومستنده الأخبار الكثيرة الظاهرة ، بل الصريحة في تحليل الجميع ، المتقدّمة في مبحث خمس الأرباح والأنفال ، وعرفت في ما تقدّم أنّ تلك الأخبار لو لم تكن بنفسها منصرفة إلى إرادة تحليل ما يصل إلى الشيعة

__________________

(١) كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٥٦.

(٢) نسبه إليهما صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٥٦ ، وراجع : المراسم : ١٤٠ ، وذخيرة المعاد : ٤٩٢.

(٣) حكاه النراقي في مستند الشيعة ٢ : ٨٧ ، ولم نعثر على الإنكار في المهذّب البارع ، فلاحظ.

(٤) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٥٦ ، وراجع : الحدائق الناضرة ١٢ : ٤٣٨ ـ ٤٣٩.

٢٧٣

من أيدي المخالفين ونظرائهم من أموالهم المغصوبة في أيديهم ، لتعيّن صرفها إلى ذلك ، أو حملها على إرادته في قسم خاص أو زمان خاص أو غير ذلك من المحامل التي تقدّمت الإشارة إليها عند التكلّم في خمس الأرباح ، واتّضح لك في ذلك المبحث عدم صلاحية تلك الأخبار لإثبات إباحة خصوص سهم الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، بعد ابتلائها بمعارضات أقوى ، فضلا عن إباحة الجميع ، فراجع ولا نطيل بالإعادة.

هذا ، مع أنّ جميع تلك الأخبار ما عدا التوقيع وردت في حال الحضور ، والقدر المتيقّن من مفادها إنّما هو إرادة التحليل في عصر صدورها ، فإن أراد القائل بإباحته في زمان الغيبة إباحته مطلقا ، وتخصيصه حال الغيبة بالذكر ؛ لكونه مورد الابتلاء ، لا لإرادته بالخصوص ، أو أراد بزمان الغيبة أعمّ من حال قصور يد الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، بحيث يعمّ مورد الأخبار ، لكان لاستشهاده بتلك الأخبار وجه ، وإلّا لا يصح تنزيل تلك الأخبار على إرادته في خصوص زمان الغيبة ، كما لا يخفى.

نعم ، الذي يدلّ عليه في خصوص زمان الغيبة هو خصوص التوقيع المروي عن كتاب إكمال الدين ، عن محمد بن محمد بن عصام الكليني عن محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب ، أنّه ورد عليه من التوقيعات بخط صاحب الزمان ـ عجّل الله فرجه ـ «أمّا ما سألت عنه من أمر المنكرين ـ إلى أن قال ـ وأمّا المتلبّسون بأموالنا ، فمن استحلّ منها شيئا فأكله فإنّما يأكل النيران ، وأمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلّ إلى أن يظهر أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث» (١).

__________________

(١) كمال الدين : ٤٨٤ ـ ٤٨٥ ، الحديث ٤ من الباب ٤٥ ، الوسائل : الباب ٤ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٦.

٢٧٤

ولكنك عرفت في ما سبق أنّه بعد الغضّ عن إجمال الخمس ـ حيث إنّه إشارة إلى الخمس الذي وقع عنه السؤال ، فلعلّه كان قسما خاصّا ممّا يتعلّق بالمناكح ، كما يشعر به التعليل بطيب الولادة ـ أنّه لا يثبت إذن الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، الذي هو من الموضوعات الخارجية ، كإذن سائر الناس في التصرّف في أموالهم بمثل هذا التوقيع المعارض بغيره من التوقيعات وغيرها ممّا عرفت ، مع منافاته لما هو المعروف من حال وكلائه على ما نسب (١) إليهم من استقرار سيرتهم على قبض الأخماس.

واستدلّ لهذا القول أيضا : بأنّ تقسيم الخمس بين أربابه منصب للإمام ـ عليه‌السلام ـ ؛ لأنّه هو الذي كان يقسّمه وهو غائب ، ولا دليل على جواز نيابة المالك أو غيره عنه في ذلك.

وفيه ما لا يخفى ، والذي يغلب على الظنّ أنّ عدّ هذا الكلام في عداد أدلّة القائلين بالإباحة غفلة ممّن تصدّى لنقل أدلّتهم ؛ إذ لا مناسبة بينه وبين القول بالإباحة ، بل هو يناسب القول بوجوب الحفظ.

وكيف كان ، ففيه : أنّ كون القسمة منصبا له إمّا من حيث الإمامة أو من حيث كونه من مقتضيات شركة المال بينه وبين سائر الأصناف لا يقتضي سقوط حق الباقين عند تعذّر قيام الإمام ـ عليه‌السلام ـ بمنصبه واستيفاء حقّه ، فضلا عن أن يصير مباحا لغير مستحقّيه ، بل عليه إمّا نصب الغير في القيام بهذا المنصب أو سقوطه لدى التعذّر ، لا سقوط حقّ الباقين.

هذا كلّه مع الإغماض عمّا سنشير إليه من أنّ غاية ما ثبت بالأدلّة إنّما هو وجوب إيصال جميع الخمس إلى الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، لدى

__________________

(١) الناسب هو صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٦٣.

٢٧٥

التمكّن منه ، وإلّا فمقتضى الأصول والقواعد أنّه لا يجب على المالك إلّا صرف خمس ما يستفيده إلى مستحقّيه ، وحصول براءة ذمته بذلك ، وعدم توقّفه على إيصال الجميع إلى الإمام أو نائبه ، فليتأمّل.

ونظير هذا الاستدلال في الضعف : ما عن الذخيرة من الاستدلال له : بالأصل ، بدعوى : أنّه لا دليل على ثبوت الخمس في زمن الغيبة ؛ لأنّه منحصر بالآية والأخبار ، ولا دلالة لشي‌ء منهما عليه.

أما الآية : فلاختصاصها بغنائم دار الحرب ، المختصّة بحال الحضور دون الغيبة.

مع أنّها خطاب شفاهي متوجّه إلى الحاضرين خاصة.

والتعدية إلى غيرهم بالإجماع إنّما يتمّ مع التوافق في الشرائط جميعا ، وهو ممنوع في محلّ البحث ، فلا تنهض حجة في زمان الغيبة.

ولو سلّم فلا بدّ من صرفها إلى خلاف ظاهرها إمّا بالحمل على بيان المصرف ، أو بالتخصيص ؛ جمعا بينها وبين الأخبار الدالّة على الإباحة.

وأما الأخبار : فلأنّها مع ضعف أسانيدها ، غير دالّة على تعلّق النصف بالأصناف على وجه الملكية أو الاختصاص مطلقا ، بل دلّت على أنّ الإمام يقسّمه كذلك ، فيجوز أن يكون هذا واجبا عليه من غير أن يكون شي‌ء من الخمس ملكا لهم أو مختصا بهم.

سلّمنا ، لكنّها تدلّ على ثبوت الحكم في زمان الحضور لا مطلقا ، فيجوز اختلاف الحكم باختلاف الأزمنة.

سلّمنا ، لكن لا بدّ من التخصيص فيها ، وصرفها عن ظاهرها ؛ جمعا بين الأدلّة (١). انتهى.

__________________

(١) حكاه النراقي في المستند ٢ : ٨٩ ، وراجع : ذخيرة المعاد : ٤٩٢.

٢٧٦

وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بالروايات الواردة في باب الخمس ، وفي تفسير الآية وبيان حكمة مشروعية الخمس لبني هاشم ، وكونه بدلا عن الصدقة المحرّمة عليهم ؛ إذ لا يبقى للمتتبع في ما ذكر مجال لإنكار تأبيد هذا الحكم وعدم اختصاصه بزمان دون زمان.

وحمل الآية على بيان المصرف بعد تسليمه لا ينفي وجوب الصرف فيهم.

وأخبار التحليل على تقدير تسليم دلالتها على المدّعى غير منافية لظاهر الآية والروايات الدالّة على ثبوت الخمس في أصل الشرع ؛ كي يستلزم الجمع بينهما ارتكاب التخصيص في عمومات الخمس ، بل هي مؤكّدة لها وحاكمة عليها.

فعمدة ما يصحّ الاستناد إليه هذا القول إنّما هي تلك الأخبار ، وقد عرفت عدم صلاحيتها لإثبات الإباحة على الإطلاق ، فالقول به ضعيف.

(و) أضعف منه ما (قيل) : من أنّه (يجب) عزله و (حفظه ثم يوصي به عند ظهور أمارة الموت) وهكذا حتى يصل إلى صاحب الأمر ـ عجّل الله فرجه.

(و) أوضح منه فسادا ما (قيل) : من أنّه (يدفن) جميعه.

وهذان القولان نقلهما أعاظم الأصحاب في مصنّفاتهم (١) على سبيل الإجمال من غير تصريح بقائلهما.

نعم ، ربما يظهر من صدر عبارة الشيخ في التهذيب اختيار القول بوجوب حفظ الجميع ، ولكن صرّح في ذيلها بخلافه في سهم الأصناف ، فإنّه

__________________

(١) كالشيخ المفيد في مقنعته : ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ، والشيخ الطوسي في مبسوطة ١ : ٢٦٤ ، وابن إدريس في سرائره ١ : ٤٩٨ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٢٧٢.

٢٧٧

نقل ما في المقنعة من نقل أقوال الأصحاب في المسألة ، وأنّ منهم من يسقط فرض إخراج الخمس لغيبة الإمام ؛ تعويلا على أخبار الرخصة ، ومنهم من يذهب إلى كنزه ؛ لما روى من أنّ الأرض يظهر كنوزها عند ظهور الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، وأنّه إذا قام دلّه الله على الكنوز ، فيأخذ من كلّ مكان ، ومنهم من يرى صلة الذرية وفقراء الشيعة على وجه الاستحباب ، ومنهم من يرى عزله لصاحب الأمر والوصية به ، قال ما لفظه المحكي عنه (١) : هذا القول ـ أي القول بالعزل ـ عندي أوضح ؛ لأنّ الخمس حق لصاحب لم يرسم فيه قبل غيبته حتى يجب الانتهاء إليه ، فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه ، والتمكّن من إيصاله إليه ، أو وجود من انتقل إليه الحق.

ثم نظّرها بالزكاة في عدم سقوطها ووجوب حفظها عند تعذّر إيصالها إلى المستحقّ ـ إلى أن قال ـ وإن ذهب ذاهب إلى ما ذكر في شطر الخمس الذي هو خالص للإمام ـ عليه‌السلام ـ ، وجعل الشطر الآخر لأيتام آل محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، وأبناء السبيل ومساكينهم على ما في القرآن لم يبعد إصابته الحقّ في ذلك ، بل كان على الصواب. انتهى.

وكيف كان ، فلا ينبغي الارتياب في ضعف هذين القولين على تقدير تحقّق قائل بهما ، بل بطلانهما ، فإنّ غيبة الإمام ـ عليه‌السلام ـ لا تقتضي حرمان الباقين عن حقّهم الثابت بالكتاب والسنّة القطعية.

وما يوهمه بعض الأخبار المتقدّمة عند بيان مستحقّي الخمس من كون جميعه مخصوصا بالإمام ـ عليه‌السلام ـ ، وهو يقوم بمئونة سائر الأصناف من ماله ، فقد عرفت في محلّه أنّه لا بدّ من تأويله بما لا ينافي استحقاق

__________________

(١) راجع : التهذيب ٤ : ١٤٧ و ١٤٨ ، والمقنعة : ٢٨٥ ـ ٢٨٦.

٢٧٨

الأصناف ، بل لو قلنا بكون الجميع للإمام ـ عليه‌السلام ـ ، فليس على وجه لم يكن له تعلّق بسائر الأصناف ، وإلّا فلا معنى لذكرهم في الكتاب والسنّة في من جعل له الخمس ، فلا أقلّ من كون نفقتهم ملحوظة في جعل الخمس للإمام بمعنى أنّ الله تعالى جعل الخمس للإمام على أن يقوم بمئونة أرباب الحاجة من أرحامه ، فلهم الاستيفاء بقدر حاجتهم منه عند تعذّر الوصول إلى الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، كغيرهم من مستحقّي النفقة عليه.

والحاصل أنّه لا شبهة في أنّه لا يرضى الله تعالى ولا رسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، ولا الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ ، في أن يدفن الخمس أو يبقى مهملا مع حاجة أربابه الذين جعل الله لهم نصيبا من الخمس إمّا على سبيل التمليك والاختصاص ، كما هو ظاهر الكتاب والسنّة والفتاوى ، أو على أن يصرف فيهم ، فإطالة الكلام في تزييف هذين القولين تضييع للعمر.

(وقيل : يصرف النصف) الذي هو سهم الأصناف (إلى مستحقّه ويحفظ ما يختصّ به) وهو النصف الآخر الذي هو سهم الله تعالى وسهم رسوله وسهم ذي القربى (بالوصاية أو الدفن.)

وهو حسن بالنسبة إلى الشقّ الأول منه ، موافق للمشهور بين الأصحاب قديما وحديثا على ما صرّح به في الجواهر (١) ، وللأصول والكتاب والسنّة التي قد عرفت قصور أخبار التحليل عن مقاومتها.

وأمّا الشقّ الثاني ففي الدفن منه الذي هو أحد شقّي التخيير ما لا يخفى من أنّه تضييع لمال الغير ، فضلا عن كونه تصرّفا فيه بما لم يعلم رضاه به ، ولذا اقتصر غير واحد من أعاظم الأصحاب على الفرد الأول ،

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ١٦٨.

٢٧٩

أي : الحفظ والوصية ، وهذا وإن كان حسنا في بادئ الرأي ، موافقا لما تقتضيه القاعدة في مال الغائب ، كما صرّح به في السرائر ، حيث قال :إنّ هذا القول هو الذي يقتضيه الدين وأصول المذهب وأدلّة العقول وأدلّة الفقه وأدلّة الاحتياط ، وإليه نذهب ، وعليه يعوّل جميع محقّقي أصحابنا المحصّلين الباحثين عن مآخذ الشريعة وجهابذ الأدلّة ونقّاد الآثار بغير خلاف بينهم (١). انتهى.

ولكنه لدى التأمّل حاله حال الدفن في كونه تعريضا له للإضاعة والتلف ، وتصرّفا في مال الغير بما لم يعلم رضاه به ؛ لقضاء العادة بعدم وصوله إلى الإمام ـ عليه‌السلام ـ ولو بحصوله في يد من يرى إباحته أو جواز صرفه في بعض المصارف ، فإبقاؤه عنده وعدم تمكين أرحامه وشيعته ومواليه عن الانتفاع به والتصرّف فيه أيضا نوع من التصرّف يحتاج جوازه إلى الرخصة فيه إمّا من مالكه أو من الشارع ، وهي غير ثابتة ، وإنّما يجوز ذلك في مال الغائب الذي يكون حفظه سببا عاديا لبقائه محفوظا لصاحبه حتى يصل إليه ، فيكون الحفظ له حينئذ إحسانا إليه ، بخلاف مثل المقام الذي لم تجر العادة بوصوله إليه ، وكون احتمال الوصول لدى العرف بمقتضى العادة من قبيل الأماني والآمال البعيدة.

والحاصل أنّ حفظ مال الإمام ـ عليه‌السلام ـ برجاء وصوله إليه بواسطة ضعف الاحتمال ليس مندرجا في موضوع حفظ مال الغائب الذي قضت الأدلّة بجوازه أو وجوبه ، بل هو كغيره من التصرّفات التي لم يعلم جوازها لو لم ندّع القطع بعدمه.

(وقيل : يصرف حصته) عليه‌السلام ـ (إلى الأصناف

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٩٩.

٢٨٠