مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

أحدهما غائبا.)

أمّا مع الضرورة العرفية فله ذلك ؛ لعموم نفي الضرر ، وبدونها لا يجوز الإقدام عليه.

وليس معنى كون الوديعة من العقود الجائزة أنّ له فسخها متى شاء ، فتصير أمانة شرعية ، وتجب المبادرة بعد الفسخ إلى المالك أو الحاكم عند تعذّر المالك ، كما في الفرض ، بل المقصود أنّ له الردّ والأداء إلى أهلها متى شاء ، وليس لازما عليه الإمساك إلى أمد معيّن ، وهذا ظاهر لا سترة فيه.

(و) أمّا (إن كان هناك عذر) كسفر ومرض وغيرهما (سلّمه إلى الحاكم) لأنّه وليّ الغائب.

(ولو دفعه إلى غيره) حينئذ (من غير إذن الحاكم ضمن) إذ لا ولاية لغيره مع وجوده.

نعم لو تعذّر الحاكم وافتقر إلى الإيداع ، أودعه إلى يد عدل أمين ، وأشهد عليه حتى لا يكون مفرّطا فيضمن.

(ولو وضعاه (١) على يد عدلين لم ينفرد به أحدهما ولو أذن له الآخر) لو ظهر من حالهما إرادة الاجتماع في الحفظ ، فلو دفعه أحدهما إلى الآخر ، ضمنا.

نعم لو لم يتسلّمه الآخر بأن يستولي عليه بعنوان الاستقلال ، بل حفظه بعد اعتزال الآخر نفسه كما كان يحفظه قبل ذلك من دون تفاوت ، لا يضمن ، كما هو ظاهر ، بل الضامن حينئذ هو المعتزل فقط ، والله العالم.

__________________

(١) في الشرائع : (وضعه).

٦٤١

(ولو باع المرتهن الرهن) حيث يجوز له ذلك (أو العدل (١) ودفع الثمن إلى المرتهن) وفاء أو وثيقة إذا كان له ذلك ، كما لو أذن له في البيع بشرط كون الثمن رهنا (ثم ظهر فيه) أي في المبيع (عيب ، لم يكن للمشتري الرجوع على المرتهن) الذي قبض الثمن وفاء أو وثيقة.

أمّا لو أخذه وفاء : فوجهه ظاهر ؛ لخروجه عن ملك البائع قبل الفسخ ، والفسخ إنّما يؤثر من حينه لا من أصله ، وأثره رجوع العوض الخاصّ إليه مع التمكّن ، وعند التعذّر يتدارك بالمثل أو القيمة ، وبعد خروج العوض عن ملكه قبل الفسخ ـ كما هو الفرض ـ يصير العوض بمنزلة التالف ، فيتدارك بالمثل أو القيمة.

هذا فيما لو أخذه وفاء ، وأمّا لو أخذه وثيقة ، فهو أيضا كذلك ؛ لخروجه عن تحت سلطنة المالك بعقد لازم ، فليس للفاسخ إلّا الصبر إلى أن ينفكّ الرهن أو أخذ بدل الحيلولة.

وأمّا إلزامه بالفكّ : فقد مرّ ضعف احتماله في مبحث الخيارات عند التعرّض لبعض الفروعات المساوية لما نحن فيه في الحكم ، فراجع.

نعم لو أذن له المرتهن بردّ الثمن في الفرض فردّه ، هل ينقلب المبيع رهنا أم لا؟ فيه إشكال لو لم يستفد من إذنه ذلك ، وإلّا فيصير بمنزلة الاشتراط ، ولا إشكال حينئذ كنفس الثمن.

نعم قد يقوى ذلك ولو لم (٢) يستفد من إذنه الاشتراط فيما لو بيع الرهن مراعاة لحقّ المرتهن ، كما في بيع ما يتسارع إليه الفساد ،

__________________

(١) في الشرائع : (ولو باع المرتهن أو العدل الرهن).

(٢) كلمة «لم» سقطت في النسخة الخطية ، واستظهرت في الحجرية.

٦٤٢

وسيتّضح وجه الفرق بين المقامين في مسألة بيع الرهن بإذن المرتهن إن شاء الله.

هذا فيما لو خرج المبيع معيبا ، ولو ظهر الثمن معيبا ، فليس للبائع إلّا الأرش ، لخروجه عن كونه قائما بعينه.

أمّا في صورة الوفاء : فواضح.

وأمّا في صورة كونه رهنا : فهو أيضا كذلك ، كما لو آجر المعيب قبل الفسخ ، وقد تقدّم أنّ هذا النحو من التصرّفات مسقط للخيار.

ولو منعنا عن كونه تصرّفا مانعا ، فله الفسخ ، وتدارك حقّ المرتهن ، وأمّا عود المبيع رهنا بمجرّد الفسخ ففيه إشكال ، ولعلّ العود لا يخلو عن وجه ، خصوصا فيما لو كان البيع لمصلحة المرتهن كبيع ما يتسارع إليه الفساد ؛ فإنّ الأوجه فيه ذلك.

(أمّا لو استحقّ الرهن) لغصب أو نحوه (استعاد المشتري الثمن منه) أي من المرتهن ، بل ومن العدل مع بقاء عينه في يده ، بل من كلّ من عين ماله في يده من غير فرق بين الراهن وغيره.

هذا لو كان عين الثمن في يد المرتهن أو العدل ، وأمّا لو خرج عن يدهما ، وقد دفعه إليهما المشتري مع علمه بالوكالة ، فلا يرجع إليهما ، بل إلى الراهن فقط ، لأنّهما حينئذ بمنزلة الآلة له ، فدفع الثمن إليه إقدام منه على ذلك من دون ضمان ، لا لأنّ الوكيل أمين لا يضمن حتى يقال ذلك إنّما هو بالنسبة إلى الموكّل دون غيره ، بل لأجل أنّ المشتري بعد علمه بالحال ، واعتقاده كون الثمن ملكا للبائع يدفعه إليه بعنوان كونه تسليما إلى الموكّل لا إلى نفسه ، فهذا في الحقيقة تضمين للموكّل لا للوكيل ، كما هو في صحيحه كذلك ، فهو وإن اعتقد ملكية الغير إلّا أنّ هذا الاعتقاد صار موجبا لإقدامه على أن يكون العين في يده من

٦٤٣

دون أن يرد عليه من حيث نفسه خسارة العين.

والحاصل : أنّ ما هو المناط في عدم ضمان ما لا يضمن بصحيحه ـ كالهبة الفاسدة مثلا ـ موجود هنا أيضا ، فليس له الرجوع على العدل ، بل المرتهن بعد تعذّر الثمن عليهما.

وأمّا التفرقة بين المرتهن والعدل باستقلال يد الثاني في الجملة دون الأول ، فيجوز له الرجوع إليه ممّا لا يرجع إلى محصّل.

نعم له الرجوع على الراهن مطلقا ، تعذّر عليه أم لا ، استولى عليه بالمباشرة أم لا ؛ لأنّ يد الوكيل يد الموكّل ، وبمجرّد الاستيلاء على مال الغير ولو بالواسطة ـ لو لم يكن للواسطة استقلال في اليد ـ يصدق عليه أنّه تصرّف في مال الغير ، ولا اعتبار بعلم الراهن بالاستحقاق ؛ لتحقّق الغرور بفعله وإن كان جاهلا ، كما هو واضح في نظائر المسألة ، فلاحظ وتأمّل.

(وإذا مات المرتهن ، كان للراهن الامتناع من تسليمه إلى الوارث.)

هذا إذا لم نقل باقتضاء عقد الرهانة استحقاق استدامة اليد للمرتهن : فواضح ، وإلّا فيشكل الأمر لو لم يكن في المقام إجماع ؛ لعموم ما ترك الميت.

ولكن الإنصاف عدم اقتضاء الرهانة استدامة يد المرتهن بنفسه بالمباشرة ، بل لو قلنا بالاقتضاء ، فهو لا يقتضي أزيد ممّا يلتزم به في المقام بأن يكون عند عدل مرضي الطرفين بحيث لا ينافي حقّ الطرفين.

وأمّا استدامة يد نفس المرتهن بالاستقلال والاستحقاق وإن كان آكد في الوثوق ، إلّا أنّ إثبات اعتباره مطلقا من إطلاق الرهن مشكل.

فعلى هذا فإن امتنع من التسليم إلى الوارث (فإن اتّفقا على

٦٤٤

أمين) سلّماه إليه (وإلّا سلّمه الحاكم إلى من يرتضيه) حسما لمادة النزاع.

(ولو خان العدل) الموضوع عنده (نقله الحاكم إلى أمين غيره إن اختلف المرتهن والمالك) بل وكذا لو اتّفقا على أن لا يكون عنده.

نعم لو رضيا بأن يكون عنده ولو كان خائنا ، فليس للحاكم أخذه حينئذ ؛ لأنّ الحقّ لهما ، والله العالم.

٦٤٥

الفصل (السادس)

من الفصول التي استدعاها كتاب الرهن (في اللواحق وفيه مقاصد :)

(الأول : في أحكام متعلّقة بالراهن)

(لا يجوز له (١) التصرّف في الرهن باستخدام ولا سكنى ولا إجارة) ولا غير ذلك من التصرّفات الناقلة للعين أو المنفعة ، أو الموجبة لورود نقص على شي‌ء منهما ، بلا خلاف وإشكال.

وإنّما الخلاف والإشكال في بعض التصرّفات التي لا تستلزم شيئا من ذلك ، كتقبيل الجارية وسكنى الدار وغيرهما.

وتوضيح المقام إنّما يتوقّف على تربيع أنحاء التصرّفات ، والتكلّم في كلّ قسم :

منها : ما ينتفع به الراهن ويضرّ بالرهن إمّا بخروجه عن ملكه ، كالبيع والصلح ، أو بإيجاد المانع عن التصرّف فيه بما يقتضيه الرهن ،

__________________

(١) في الشرائع : (للراهن) بدل (له).

٦٤٦

كالاستيلاد وغير ذلك ممّا يقلّل القيمة والرغبة ، كالإجارة بما يزيد عن أجل الدين ، أو تزويج الأمة.

ومنها : ما ينتفع به الراهن ولا يضرّ بالرهن ، كالاستئجار في زمان لا يزيد عن أجل الدين إذا لا يضرّ بالرهن.

ومنها : ما لا يضرّ بالرهن ، ولا يعدّ مثله انتفاعا للراهن أيضا ، كلمس الجارية وتقليب الرهن من مكان إلى مكان آخر من دون أن يراعى فيه مصلحة الرهن ، وإلّا فيدخل في القسم الآتي.

ومنها : ما لا ينتفع الراهن ، وفيه مصلحة الرهن ، كسقي الدابة وعقلها وما يؤدّي إلى حفظها.

وقد ذكرنا أنّه لا ينبغي الإشكال في عدم الجواز في القسم الأول منها ، ولعلّ الإجماع بحيث يقطع بإرادة هذا القسم بأسرها منه مستفيض إن لم يكن متواترا.

وخلاف بعض (١) في بعض أمثلته ـ كالإنزاء مثلا ـ اشتباه في الموضوع ، لا أنّه مخالف في الحكم ، كما يظهر من تعليلهم ، كما أنّه لا ينبغي الإشكال في الجواز في القسم الأخير منها.

فما يظهر من بعض أفاضل المتأخّرين (٢) من التأمّل في هذا القسم ، في غير محلّه ، وسيتّضح لك وجهه إن شاء الله.

أمّا القسم الثاني والثالث فإن بنينا على أنّ حقيقة الرهن ليس إلّا إيجاد حقّ للمرتهن بأن يستوفي منه دينه لا غير ، فمعنى كونه محبوسا : أنّ

__________________

(١) أنظر : المبسوط ٢ : ٢٣٨.

(٢) كصاحب الرياض فيها ١ : ٥٨٥ ، وصاحب المناهل فيها : ٤٠٣ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ١١٦.

٦٤٧

المالك ممنوع عن التصرّفات المنافية لحقّه ، فلا يتحقّق في المقام إلّا حقّ للمرتهن متعلّق بالعين ، كحقّ الانتفاع للمستأجر في العين المستأجرة من دون أن يوجب ذلك قصورا في سلطنة الناس من حيث إنّه مالك إلّا بمقدار ما يزاحم حقّ الغير ، فالأقوى فيهما : جواز تصرّفه إن لم يثبت إجماع على خلافه مطلقا حتى بيعه لو شرط بقاء حقّ المرتهن ، بأن يكون من قبيل العارية المرهونة.

ولا نلتزم بحجيّة النبوية المرسلة المعتمد عليها ، كما عن بعض (١) الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرّف (٢) إلّا الظاهر ـ كما ادّعاه سيّد مشايخنا ـ انعقاد الإجماع على ممنوعيته من التصرّف من حيث إنّه تصرّف ، لا من حيث إنّه مزاحم المرتهن وإن علّل بعض المجمعين بتعليلات لا تسلم عن الفساد.

واستشكال بعض (٣) في بعض الموارد أو اختياره الجواز استنادا إلى بعض الوجوه الموهمة كون المناط انتفاء الضرر ، غير ضائر ، كما أنّه لا ضير في تأمّل بعض متأخّري المتأخّرين (٤) في بعض أنحاء التصرّف ، خصوصا ما تضمّنه حسن الحلبي : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن رجل رهن جارية عند قوم أيحلّ له أن يطئها؟ قال : إن الذين ارتهنوها يحيلون بينه وبينها قلت : أرأيت إن قدر عليها خاليا؟ قال : نعم ،

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٢٥ : ١٩٥ ، وراجع : التنقيح الرائع ٢ : ١٧٠.

(٢) مستدرك الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب كتاب الرهن ، الحديث ٦.

(٣) كالمحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ١٠٤ ، وأبو العباس في المهذّب البارع ٢ : ٤٩٦ ـ ٤٩٧.

(٤) كصاحب الحدائق فيها ٢٠ : ٢٦٨ ، وراجع : مجمع الفائدة والبرهان ٩ : ١٦٤ ، والكفاية : ١٠٩.

٦٤٨

لا أرى هذا عليه حراما (١).

وصحيح محمد بن مسلم (٢) ، الذي هو مثله.

وكذا ما لا ضرر فيه على المرتهن من التصرّف كتقبيل الجارية والاستخدام ولبس الثوب وسكنى الدار وركوب الدابّة ونحو ذلك إذا كان بحيث لا ضرر فيه بنقص للمرهون ؛ إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد ما عرفت من الإجماع المقطوع به بالنسبة إلى كثير ممّا ذكره.

وأمّا الروايتان (٣) فقد حكم [عليها] غير واحد منّا بالشذوذ والهجر ، فلا تصلح للحجّية.

مضافا إلى موافقتها للعامة على ما قيل (٤) ، بل لعلّ فيها تنبيهات على ذلك.

منها : عدم ملائمة الجواب.

ومنها : إشعاره بأنّ للمرتهن حقّا في ذلك ، وإلّا فكيف يمنع المالك عن ملكه لو كان التصرّف له سائغا؟! ومنها قوله ـ عليه‌السلام ـ : لا أرى هذا عليه حراما حيث عبّر بلفظ الرأي ، وذكر الحرام القابل لإرادة الحرام الذاتي ، وغير ذلك ممّا يقف عليها المتأمّل.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٥ / ١٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٩ / ٧٥٢ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب كتاب الرهن ، الحديث ٢.

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٧ / ٢٠ ، الفقيه ٣ : ٢٠١ / ٩١٠ ، التهذيب ٧ : ١٦٩ / ٧٥٣ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب كتاب الرهن ، الحديث ١.

(٣) الظاهر : الرواية ، بقرينة قوله : فلا تصلح .. موافقتها .. فيها ، ويحتمل أنّ ما في المتن هو الصحيح ، ولا بدّ إذن من تثنية الفعل والضمائر.

(٤) كما في جواهر الكلام ٢٥ : ١٩٥ ـ ١٩٦ ، وانظر : الدروس ٣ : ٣٩٤ ، والمختصر النافع : ١٣٧ ، والتنقيح الرائع ٢ : ١٧٠.

٦٤٩

وأمّا النبويّ الوارد في المقام : فالظاهر أيضا حجّيته ؛ لانجبار ضعفه بما عرفت من الإجماع والاعتماد.

هذا إذا بنينا على ما ذكر ، وأمّا إذا بنينا على أنّ مفاد الرهن إنّما هو حبس المال عن المالك ، وقصر يده عنه ، وقطع سلطنته منه ، لا مجرّد إحداث حقّ للمرتهن ، فيكون كالعبد الجاني ، بل الراهن اعتزل عن المال ، وجعله بمنزلة الأجنبي منه حتى يستوفي المرتهن منه حقّه.

ولعلّ هذا البناء هو الأظهر من مفهوم الرهن وإن لم يظهر لنا موافقة السيد في ذلك.

وعلى هذا ، فالمنع متّجه ولو لم يثبت إجماع ولا رواية.

نعم ينبغي استثناء ما لا ينسبق إلى الذهن ، ولا يعدّ مثله تصرّفا عرفا ، كما أنّه ينبغي استثناء ما يعود نفعه إلى الرهن ، ووجههما واضح ، خصوصا الأخير ، حيث إنّ عقد الرهن ربما يقتضي ذلك مقدّمة للحفظ ، فكيف يستفاد منه المنع عن مثل هذا التصرّف ، واستثناء هاتين الصورتين على البناء الأوّل أوضح ، كما هو واضح.

ثم لا يخفى عليك أنّ ما ذكرنا من منافاة الرهن للتصرّف ، سواء كان لأجل الإجماع والرواية ، أو لاقتضاء مفهوم الرهن ذلك إنّما يمنع عن نفوذ التصرّفات المنجّزة الواقعة عن المالك على نحو الاستقلال ، لا ما يكون بمجرّد إيقاع العقد عليه مترقّبا لإجازة المرتهن أو متوقّعا لانفكاك الرهانة ؛ إذ لا يعدّ مثل ذلك تصرّفا ممنوعا منه بالنسبة إلى غير المالك ، كما ذكرنا في الفضولي ، فضلا عن المالك.

فعلى هذا (لو (١) باع أو وهب) مثلا (وقف على إجازة

__________________

(١) في الشرائع : ولو.

٦٥٠

المرتهن) فإن أجاز جاز ، وإلّا فلا ؛ إذ هو وإن لم يكن فضوليا إلّا أنّه مثله في ذلك بعد ثبوت اعتبار إذن المرتهن في نفوذ تصرّفاته.

نعم الحكم بالصحة فيما نحن فيه بعد لحوق الإجازة أولى منه في الفضولي ، إذ الوقوف في الفضولي مسبّب عن فقد المقتضي ، وهنا عن وجود المانع.

وببيان أوفى : أنّ العقد في المقام صادر عن المالك ، ولا يحتاج في إضافته إليه إلى شي‌ء آخر.

نعم يتوقّف في تأثيره في الخارج إلى رفع المزاحم ، وهو يتحقّق بالإجازة [وأمّا في الفضولي] فالعقد لا يضاف إلى المالك إلّا بالإجازة ، فكما أنّ رضاه شرط في تأثير العقد كذلك شرط في إضافة العقد إليه ، وبدونها لا يتحقّق المقتضي لوجوب الوفاء بالنسبة إلى المالك ، بخلاف المقام.

وأمّا إجازة المرتهن ، فهل [هي] كاشفة عن سبق البيع ، أو ناقلة من حينها؟ فالكلام فيها هو الكلام في الفضولي ، وقد تقدّم في محلّه أنّ الأقوى فيها النقل الحقيقي والكشف الحكمي.

هذا إذا بنينا على أنّ ما قوّيناه فيها على مقتضى القواعد ، كما هو المختار ، لا لأجل بعض الوجوه التعبّدية المذكورة في محلّها ، وإلّا فيشكل الحكم بالكشف في المقام ، إلّا بدعوى الأولوية ، أو عموم بعض الوجوه لأجل مناطها ، فلاحظ وتأمّل.

وكيف كان ، فقد يفرّق بينهما بوجوه ضعيفة ، المقتضي بعضها بطلان أصل التصرّف من الراهن ولو لحقه إجازة المرتهن ، وبعضها بطلان كاشفيتها بعد البناء على كونها كاشفة في الفضولي.

منها : أنّه لا معنى لوقوع تصرّف المالك مراعى بإجازة الأجنبي ؛ فإنّ

٦٥١

تصرّف المالك إمّا أنّه يقع في محلّ قابل للتصرّف فيمضي ، أو غير قابل كبيع أمّ الولد فيقع فاسدا ؛ إذ لا واسطة في البين.

وفيه ما فيه ؛ إذ بعد فرض جعل المالك ملكه باختياره متعلّقا لحقّ الغير يمنع ذلك عن نفوذ تصرّفاته الواقعة منه على نحو الاستقلال المزاحمة لحقّ ذلك الغير لأجل المزاحمة ، لا لخروج المتعلّق عن قابلية التصرّف ، فإذا اجتمعا في تصرّف ورضيا به ، ينفذ ، وليست الإجازة اللاحقة إلّا كالرضا السابق في الأثر كما تقرّر في الفضولي ، فلا يقاس هذا بأمّ الولد الخارجة عن أهلية التصرّف تعبّدا ، ولذا لا يؤثّر في صحّته رضا أحد.

فظهر لك أنّه لا امتناع في تأثير إجازة الأجنبي في الصحة بعد أن جعله المالك ذا حقّ ، ولا يقتضي جعله ذا حقّ وقوع التصرّف لغوا صرفا ، كتصرّفات الصبي ؛ إذ ليس الحقّ آكد من الملك في المدخلية ، وقد فرغنا عن صحة عقد الفضولي بمعنى أهليّته للتأثير بلحوق الإجازة ، فكيف الظنّ بالمالك.

ومنها : ما يستفاد من النبوي : أنّ «الراهن والمرتهن ممنوعان عن التصرّف» فمقتضاه بطلان بيع الراهن ؛ لأنّه تصرّف.

وفيه : أنّ المنساق منه استقلال كلّ منهما بالتصرّف ، لا المجموع ، ضرورة استبعاد كون النهي تعبّديا محضا ، بل المقصود منه النهي عن تصرّف كلّ منهما بدون إمضاء الآخر.

وأمّا جواز تصرّف كلّ منهما بعد رضا الآخر : فالظاهر أنّه من المسلّمات ، وقد تقرّر في ما تقدّم أنّ كلّ ما يصحّحه الرضا السابق يصحّحه الإجازة اللاحقة ، فعلى هذا لا مانع عن الصحة بعد إجازة ذي الحقّ الذي هو المرتهن.

ومنها : أنّ الإجازة من المرتهن الذي هو غير المالك ليست إلّا على

٦٥٢

معنى إسقاط حقّ الرهانة المقتضي لسلطنته على فسخ العقد ، وهو غير متصوّر في الزمن السابق الذي قد تحقّق فيه الحقّ ؛ لاستحالة انقلاب الشي‌ء عمّا وقع عليه ، فإسقاطه لا معنى له ، بل يختص بالزمن الحال ، فلا تكون الإجازة فيه كاشفة.

وأمّا الرضا بالعقد السابق الصادر من غير المالك فأمر معقول ، ومقتضاه تأثير العقد السابق.

وفيه : ما لا يخفى.

أمّا أوّلا : فلأنّ الإجازة ليست إسقاطا ، وإنّما هي رضا بالمسقط ، وإنّما المسقط البيع ؛ لكونه منافيا لحقّه ، لا الرضا بالبيع ، وإلّا لما جاز له الرجوع عن إذنه السابق على العقد قبل وقوع العقد.

وأمّا عدم جواز الرجوع عن الإجازة : فلاستلزامها انتفاء الحقّ لخصوصية المقام ، لا لكونها إسقاطا حقيقة ، بل لكونها رضا بما أسقط ، فحاله في عدم جواز الرجوع عن إذنه بعد الإجازة كحاله بعد وقوع العقد عقيب إذنه ، وهذا ظاهر.

وثانيا : سلّمنا كونها إسقاطا ، وأنّه يمتنع وقوعه قبل زمانه ، ففيه ، مع أنّه يختص الإشكال بالكشف الحقيقي لا الحكمي : أنّ هذا الإشكال مشترك الورود على القائلين بالكشف الحقيقي من دون فرق بين أن يجعلوها رضا بالمسقط أو نفس الإسقاط ؛ لامتناع تقديم (١) المؤثر عن أثره ، كما مرّ الكلام فيه مستوفى في مبحث الفضولي.

وأمّا ما ذكره من أنّ الرضا بالعقد السابق معقول ، فقيه : أنّ تقديم أثر الرضا على نفسه غير معقول ، إلّا أن يجعل المؤثّر نفس المتّصف

__________________

(١) كذا في النسخة الخطية والحجرية ، والصواب : تأخير.

٦٥٣

بكونه ممّا يتعقّبه الرضا.

ويمكن أن نلتزم بمثله في المقام أيضا ، بل الأمر في المقام أسهل وأقرب على ما يساعد عليه الطبع السليم ؛ لكونه من قبيل المزاحم لا الشرط.

ولعلّ مانعيته مقصورة على ما لو بقي مستمرّا إلى أن يقتضي زمان الوفاء ، وأمّا لو ارتفع فيما بعد في زمان قابل للوفاء بالعقد فليس مانعا من أصله.

ولذا أفتى الفاضل في قواعده فيما لو أتلف الرهن متلف وانتقل الرهانة إلى القيمة ، قال : فإن عفا الراهن ؛ فالأقرب : أخذ المال في الحال أي من الجاني لحقّ المرتهن ؛ فإن انفكّ ظهر صحة العفو (١) ؛ ومعلوم أنّه لا خصوصية للانفكاك ، بل الإسقاط أيضا كذلك ، فلازمه إن أراد الكشف الحقيقي الالتزام بأنّ استمرار الرهانة وعدم انفكاكه أو إسقاطه رأسا شرط لا عدمه حال العقد ، فافهم.

وهل للمرتهن ردّ العقد بمعنى إبطاله وإسقاطه عن قابلية التأثير أم لا؟ وجهان : من أنّه أجنبي عن طرفي العقد ، وليس له إلّا حقّ يزاحم النقل والانتقال ، فليس له إلّا الإمساك لحقّه أو إسقاطه ، فإن أسقطه ، يؤثّر العقد ؛ لارتفاع المانع ، وإن أبقاه فلا يؤثّر ؛ للمزاحمة ، وليس معنى ردّه إلّا عدم الرضا بسقوط حقّه ، وأمّا خروج العقد عن أهلية الأثر فلا.

وعلى هذا فلو أجاز بعد ذلك ، يصح ؛ لبقاء الأهلية ، وارتفاع المانع.

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ : ١٦٥.

٦٥٤

وكذا لو انفكّ الرهن على ما سنقول من أنّ العقد يلزم بالفكّ.

ومن أنّه لأجل تعلّق حقّه بالرهن خرج عن كونه أجنبيّا ، بل هو بمنزلة المالك ؛ لأنّ الحقّ أيضا مرتبة ضعيفة من الملك ، فله مدخلية في ربط العقد وحلّه لاقتضاء العقد تصرّفا في متعلّق حقّه الذي هو بمنزلة الملك ، ولعلّ هذا هو الأقوى.

ويؤيّده : ظهور كلمات الأصحاب على ما نسب (١) إليهم ، بل صريح المحكي (٢) عن بعض أساطينهم في أنّ للمرتهن إجازة العقد وله فسخه.

وفي الجواهر : أنّ الشارع قد جعل له هذه السلطنة بارتهانه ، لا أنّ المنع من التصرّف فيه شرعي بحت بحيث لا مدخلية للمرتهن في ذلك ، وإنّما له إسقاط حقّه من الرهانة خاصّة ، وإلّا لاقتضى ذلك عدم فسخ العقد له ، ضرورة عدم السلطنة له على ذلك ، وأنّ الشارع قد جعل الارتهان مانعا عن نفوذ التصرّف ، فمتى ارتفع هذا المانع بإسقاط من المرتهن ، أو بفكّ للرهن ـ كما ستعرف ـ أثّر المقتضي أثره.

وليس ذا من التعليق الممنوع ، بل هو من قبيل اعتبار الشارع التقابض في تأثير عقد الصرف والقبض في عقد الهبة ، والقبض في المجلس في عقد السلم ، مع أنّ كلامهم صريح في خلافه ، وأنّ له الردّ ، كما أنّ له الإجازة.

ويرشد إليه في الجملة اعتبار إذنه في الانتفاع بالرهن على وجه

__________________

(١) الناسب هو صاحب الجواهر فيها ٢٥ : ٢٠٠.

(٢) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ٢٥ : ٢٠٠ ، وانظر : تحرير الأحكام ١ : ٢٠٧ ، ومسالك الأفهام ج ١ : ٢٢٢.

٦٥٥

لا تنتقل عينه ، كركوب الدابة وسكنى الدار ونحوهما ممّا لا يقتضي الإذن فيه إبطال الرهانة ، مع أنّها معتبرة ، ولا يجوز التصرّف بدونها ، وهو يومئ إلى أنّ له سلطنة على ذلك ، لا أنّها مخصوصة بإسقاط حقّ الرهانة ، وإلّا فالمنع شرعي وإن كان لا يخلو عن وجه (١) ، انتهى كلامه رفع مقامه.

ولو انفكّ الرهن بأداء أو إسقاط أو إبراء ، فالظاهر نفوذ العقد السابق ولزومه لوجود ؛ المقتضي ، وهو العقد ، وارتفاع المانع وهو حقّ المرتهن.

ولا ينافي هذا ما ذكرنا من مدخلية إذن المرتهن في العقد ، وأنّه ممّن له ارتباط بالعقد ؛ لأنّ ارتباطه بالعقد حال استحقاقه لا ينافي إضافة العقد إلى الراهن حال زوال الحقّ ، بل حين وجوده ، فالعقد كان عقدا للمالك ، وإنّما منع عن وجوب الوفاء به مدخلية المرتهن واعتبار رضاه ، وبذهاب حقّه ارتفع التوقّف.

ولا يقاس هذا بمن باع شيئا ثم ملكه حيث قوّينا فيه البطلان من حيث عدم اندراجه تحت عموم وجوب الوفاء بالعقود ، المتوجّه أمره إلى الملّاك ؛ لعدم اندراجه تحت الموضوع حال العقد ، وعدم صلاحية مجرّد التملّك لإضافة العقد إليه.

وإن شئت مزيد توضيح لذلك ، فراجع إلى ما حقّقناه في مبحث الفضولي.

وليس المقصود من إيراده إلّا التعرّض لبيان أنّ ما ذكرناه وجها للمنع فيه لا يصلح مانعا للمقام ؛ ضرورة كون العقد واقعا من أهله في

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٥ : ٢٠٠.

٦٥٦

محلّه جامعا لشرائط التأثير من رضا المالك وغيره ، عدا رضا من له حقّ متعلّق بالمبيع ، واعتبار رضاه الناشئ عن حقّه لا يقتضي اعتباره من زمان ثبوت الحقّ.

واحتمال اعتبار مدخلية رضاه بوصف كونه مرتهنا في تأثير هذا العقد الممتنع وجوده بعد ذهاب الرهانة تعبّدا ينفيه عموم الأمر بالوفاء بعد إحراز الصدق في المورد.

مع أنّه في حدّ ذاته واضح الفساد ، كيف ولم يلتزم بالفساد في بيع من ملك شيئا بعد بيعه لأجل هذا الاحتمال ، مع أنّه فيه أقوى ، بل قلنا : إنّ دليل الوجوب لا يعمّه ، فلاحظ.

بل قد يقال : إنّ الراهن كان مكلّفا بوجوب الوفاء بالعقد من أول صدوره بما أمكنه من الوفاء ، كما في طرف الأصيل في الفضولي ، والقدر الممكن حال كونه مرهونا هو إبقاء العهد ، وعدم رفع اليد عن مقتضاه بفسخه ، والالتزام بإيصاله عند تمكّنه من التسليم وزوال المانع.

وعلى هذا ، فلا يبعد وجوب السعي عليه للفكّ أو الاستئذان من المرتهن مقدّمة للتسليم ، فتأمّل.

وكيف كان ، فالمسألة ممّا لا إشكال فيه.

وهل الفكّ كاشف عن سبق الملك ، أو ناقل من حينه؟ فيه وجهان.

أمّا الكشف الحقيقي : فهو ممتنع كما في إجازة الفضولي ، إلّا بجعل الوصف الانتزاعي شرطا ، كما تقدّمت الإشارة إليه.

وأمّا الكشف الحكمي الذي هو المختار في الفضولي ، فإن بنينا (١) أنّه

__________________

(١) الظاهر : قلنا.

٦٥٧

على وفق القواعد ـ كما نفينا عنه البعد في محلّه ـ فيجري الكلام مثله في المقام ، وإن قلنا : إنّه خلاف القاعدة ، ولكنه ثبت في الفضولي بالتعبّد ، فيشكل الحكم به في المقام ، بل المتعيّن الالتزام بالنقل ، والله العالم.

ولا يخفى عليك أنّ ما حقّقناه من نفوذ تصرّفات الراهن بعد إجازة المرتهن إنّما يقتضي النفوذ في ما لا تتوقّف صحته على أمر آخر زائد على رضا المرتهن ، وأمّا في ما تتوقّف على شرط آخر فلا.

ولذا قال المصنّف : (وفي صحة العتق) أي من الراهن (مع الإجازة) أي إجازة المرتهن عقيبه (تردد) ناش عن أنّ العتق من الإيقاعات ، فيحتمل أن لا يقع إلّا منجّزا من دون توقّفه في التأثير على أمر مستقبل كالطلاق ، فلا يقع موقوفا ، ولاعتبار نية القربة فيه ولا تحصل مع الترديد ، ومن عدم صلاحية شي‌ء ممّا ذكر للمانعيّة ، وهذا هو الأقوى.

ولذا قال المصنّف ـ رحمه‌الله ـ : (والوجه الجواز.)

بيانه : أنّه إن أريد من التنجيز المعتبر فيه ما يعتبر في العقود أيضا فلا إشكال في تحقّقه في المقام ؛ إذ المنافي له الشرائط الجعلية المذكورة في متن العقد ، وأمّا الشرائط الشرعية الواقعية المقرّرة للتأثير بحسب أصل العقد فلا ، ومنها : عدم المانع ، ولذا قلنا بصحة البيع ، مع أنّ التنجيز فيه معتبر أيضا ، كما تقدّم في محلّه.

وإن أريد منه عدم وقوعه إلّا مؤثّرا في الخارج من دون توقّفه في التأثير على أمر غير محقّق حال إيجاد الصيغة كالطلاق ، ففيه : أنّ اعتبار هذا الشرط في موارده إنّما هو لأجل الإجماع المنتفي في المقام ، بل عن

٦٥٨

أكثر المتأخّرين (١) القول بالصحة.

وأمّا اعتبار قصد القربة فلا ينافي تحقّقها عدم الجزم ، كما ذكرنا في صحة عبادة المحتاط ، بل مجرّد الاحتمال يكفي في تحقّقها على تقدير السلامة ، مع أنّه ربما يطمأنّ حال النية بالإجازة أو الفكّ.

هذا كلّه في الأحكام المتعلّقة بالراهن.

(وكذا المرتهن) لا يجوز له التصرّف في الرهن باستخدام ولا سكنى ولا إجازة ولا غيرها من أنحاء التصرّفات ؛ لكونها تصرّفا في ملك الغير المعلوم بالعقل والنقل حرمتها ، وعدم نفوذها إلّا بإذن المالك.

نعم لو تصرّف فيه ببيع أو صلح أو إجارة أو غيرها من أنحاء التصرّف وأجازه المالك ، مضى وصحّ على ما هو المختار في الفضولي ؛ لأنّه من مصاديقه.

هذا إذا لم تتوقّف صحّتها على أمر آخر سوى طيب نفس المالك ، كما تقدّم في المسألة السابقة.

(و) بذلك ظهر لك أنّ (في عتقه مع إجازة الراهن تردّد) سواء كان العتق عن المالك أو عن نفسه.

ومنشأ التردّد على الأول : ما عرفت في المسألة السابقة من عدم وقوع العتق موقوفا ، واعتبار نية القربة فيه ، الممتنع تحقّقها من المرتهن الذي يتصرّف في ملك الغير من دون إذنه.

مع أنّه لو قلنا بإمكان قصد التقرّب للمرتهن بفعله ؛ لعدم كون مثل هذا التصرّف الذي يتوقّع فيه إجازة المالك محرّما بعد تسليم صدق التصرّف عليه ، فلا مانع عن قصد التقرّب بعد كون الفعل راجحا في

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٢٥ : ٢٠٣ ، وراجع مفتاح الكرامة ٥ : ١١٦.

٦٥٩

حدّ ذاته ، ففيه : أنّ المعتبر في الصحة إنّما هو التقرّب بإطاعة الأمر بالعتق الذي لا يمكن توجّهه إلّا إلى المعتق ، لا الأوامر الندبية المتعلّقة بغير المعتق ، مثل محبوبية السعي في طلب مرضاة الله تعالى ، وتوجيه الأسباب لافتكاك رقبة الرقيق عن الرقّية وغير ذلك من الوجوه التي يمكن للمرتهن قصد التقرّب بها.

هذا ، ولكنك خبير بعدم صلاحية ما ذكر للمانعية.

أمّا الأوّل ، أعني وقوع العتق موقوفا : فقد عرفت الجواب عنه.

وأمّا اعتبار نية القربة : فهو أيضا لا يصلح للمانعية ؛ لأنّ المعتبر منها إمّا قصد العاقد ، أعني المجري للصيغة أو قصد المعتق الحقيقي ، أعني المالك ، ولا محذور في شي‌ء منهما ؛ إذ بعد البناء على أنّه يجب أن يكون العاقد متقرّبا بفعله حتى يقع العتق ، نقول : إنّه لا شبهة في أنّ العتق أعني إجراء صيغته ممّا يقبل النيابة كسائر العقود والإيقاعات ، فبعد كونه وكيلا عن العاقد كيف ينوي القربة؟! وأيّ أمر يقصد امتثاله؟

فما يقال في هذا المورد نقول به في الفرض ؛ إذ لا فرق بينهما من هذه الجهة أصلا ، ضرورة كون الأول من قبيل وقوع العبادات التي تقبل النيابة من النائب ، وفي الفرض من المتبرّع ، فالمرتهن على الفرض متبرّع في العتق عن الراهن ، وينوي امتثال الأمر المتوجّه ، إلى الراهن بعد تنزيل نفسه منزلته.

وكيف كان ، فليس هذا الإشكال مختصّا بالمورد ، بل هو سار في جميع أبواب العبادات التي تقبل النيابة إذا صدرت عن النائب ، مع أنّ وقوع العتق بعقد غير المالك إذا كان نائبا عن المالك ممّا لا كلام فيه ، مع أنّ الإشكال المذكور على فرض تماميته مشترك الورود.

وأمّا إذا بنينا على أنّه يعتبر أن يكون المالك حال تحقّق العتق منه

٦٦٠