مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

نعم لو باعه ، ثم استرقّه المجني عليه ، تستعقبه الفروعات المذكورة في محلّها من أنّ خسارته هل هي على المشتري أو البائع؟ وعلى فرض كونه على البائع هل يقع العقد مراعى أو ينفسخ من حينه؟وعلى أيّ تقدير فلا إشكال في أصل جواز البيع وصحته في مرحلة الظاهر ولو قلنا بكونه مراعى.

وأنت خبير بأنّا إذا بنينا على صحّة البيع ونفوذه ، فلا يبقى مجال للتردّد في تجويز الرهن ، بل لو قلنا بوقوع البيع مراعى ، أو أنّه ينفسخ من حينه ، لا نلتزم بمثله في الرهن ، ضرورة أنّ معنى الرهن ليس استيفاء الدين منه أو بقاءه إلى زمان الاستيفاء حتى يحكم بارتفاعه ، بل ليس الرهن إلّا أخذ مال يستوثق به ، وهذا المعنى يتحقّق بمجرّد قبض الرهن ، وبالاسترقاق يرتفع موضوع الرهن ، كما لو تلف في أثناء الأجل ، ومعلوم أنّه لا يوجب فسخ العقد ولا بطلانه.

ويمكن دعوى : الفرق بين البيع والرهن بالنظر إلى اعتبار الاستيثاق في الرهن دون البيع ، فيمنع تحقّقه في مثل المقام ، ويلتزم بصحة البيع دون الرهن.

ولا ينافيها القاعدة المسلّمة من أنّ كلّ ما جاز بيعه جاز رهنه ؛ لأنّه إنّما هي بالنظر إلى ذوات المتعلّق ، لا بالنظر إلى الموانع التي تعرضها وتمنعها عن تحقّق مفهوم الرهن أو البيع ، كما لا يخفى.

ويدفعها ما عرفته غير مرّة من أنّ مثل هذه الاحتمالات ـ كاحتمال تلف العين المرهونة ـ لا تنافي الاستيثاق المعتبر في الرهن.

وتوضيحه : أنّ المعتبر في الرهن ليس إلّا أن يكون تحت يد المرتهن شي‌ء يمكن استيفاء حقّه منه ، فيكون بذلك مثل من كان ماله تحت يده.

٦٠١

وأمّا احتمال تلفه وضياعه ليس إلّا كقيام هذا الاحتمال في سائر أمواله.

وقوّة هذا الاحتمال وضعفه لا ينافي أصل الاستيثاق الحاصل من سلطنته على الرهن الذي هو من مال الراهن.

وإن شئت قلت : إنّه يحصل له بأخذ الرهن مرتبة من الوثوق بوفاء الدين ، التي لم تكن قبله وإن لم يكن هو في حدّ ذاته ممّا يطمئن ببقائه سليما له ، وهذا المقدار من الوثوق يكفي في صحة الرهانة والصدق العرفي.

وهل يتعيّن على الراهن الفداء في صورة الخطأ ، فلا يجوز له تركه المقتضي لسلطنة المجنيّ عليه على الاسترقاق ، أم لا؟ وجهان :قد يقال بالوجوب ؛ لتعيّن أحد فردي الواجب التخييري بإيجاد المانع عن الآخر ، حيث إنّه بالعقد اللازم صار متعلّقا لحق الغير ، فيجب الوفاء به ، وترك الفداء نقض له.

وفيه : أنّ وجوب الوفاء عليه لا يقتضي وجوب حفظ الموضوع ، ومنع الغير عن الأخذ بحق سابق مع الإمكان ؛ لأنّ معنى وجوب الوفاء عليه ليس إلّا أن لا يرفع يده بنفسه عن هذا العقد ، لا أن يمنع الغير عن التصرّف فيه لو كان له (١) حقّ سابق يقتضي ذلك.

وقد يقال أيضا : بأنّ نفس الرهانة بنفسها ظاهرة في اختيار الفداء ، فيجب عليه الفداء ؛ لاختياره ذلك ودليله عليه فعله.

وفيه : بعد تسليم الدلالة ، أنّه لا ملزم له بذلك ؛ لأنّ مجرّد الالتزام ولو بالقول لا يعيّنه ، فله الرجوع عمّا التزم به.

__________________

(١) في النسخة الخطية والطبعة الحجرية : لهم. والظاهر ما أثبتناه.

٦٠٢

وتنظيره بما لو التزم بالفداء بعد المطالبة وتلف العبد بعد ذلك في غير محلّه ؛ لظهور الفارق بين المقامين.

ويمكن أن يوجّه ذلك : بما سنذكره في المسألة الآتية من إمكان دعوى استفادة الالتزام من الراهن بحفظ الرهن للمرتهن من عقد الرهن عرفا ، فيثبت له حقّ عليه هو يقتضي ذلك ، فإن تمّ ما ذكرنا من الاستفادة فهو ، وإلّا فالأوجه عدم الوجوب.

(ولو رهن ما يسرع إليه الفساد قبل الأجل) ولكن كان ممّا يمكن إصلاحه بتجفيف ونحوه ، صحّ الرهن بلا إشكال ؛ لوجود المقتضي وعدم المانع ، فهل يجب حينئذ على الراهن الإصلاح ، بمعنى أنّ المرتهن يستحقّ مطالبته منه أم لا ، بل ليس عليه إلّا الحكم التكليفي فيما لو كان الحفظ واجبا مع قطع النظر عن كونه رهنا ، كنفقة الحيوان مثلا ، فعلى هذا ليس للمرتهن إلزامه بذلك ، بل يباشر الإصلاح بنفسه لو أراد استيفاء حقّه ، وإلّا فلا؟ فيه وجهان ، أوجههما : الأوّل ، بل الظاهر :أنّه من المسلّمات عندهم من دون تردّد فيه.

ووجهه : قضاء العرف بذلك فيما لو رهن ممّا يتوقّف بقاؤه على النفقة ، كالحيوان مثلا ، وكذا ما يحتاج بقاؤه إلى زمان الاستيفاء إلى مصارف ، حيث إنّ المرتكز في أذهانهم أن ليس المصارف في ما يحتاج إلى المصارف على من يتّخذه رهنا ، بل هو على مالكه ـ كسائر أمواله ـ على النحو المتعارف ؛ فمتى أوقعوا العقد عليه ، يصير هذا في قوّة الاشتراط عليه في متن العقد ، فيصير المرتهن بذلك ذا حقّ عليه ، فله المطالبة بحقّه. [و] (١) هذا فيما إذا كان بقاؤه بحسب العادة يتوقّف

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

٦٠٣

على المخارج ممّا لا إشكال فيه.

وأمّا فيما لو طرأ ما يفسده في أثناء الأجل ، وكان ممّا يمكن إصلاحه ، فجواز إجباره عليه لا يخلو عن إشكال وإن كان ظاهرهم التسالم على ذلك أيضا.

ولعلّه لدلالة الرهن عرفا على التزام الراهن بحفظه بقدر الإمكان حتى يتمكّن المرتهن من استيفاء دينه منه عند حلول الأجل ، وليس بالبعيد.

هذا في ما أمكن إصلاحه ، وأمّا في ما لم يمكن ذلك (فإن شرط بيعه) وجعل ثمنه مكانه في استيفاء الدين منه (جاز) لحصول المقصود من الرهن بهذا الشرط ، فيبيعه الراهن ، ويجعل ثمنه بمنزلته ، فإن امتنع ، أجبره الحاكم ، وإن تعذّر ، باعه المرتهن ؛ دفعا للضرر ، وجمعا بين الحقّين.

(وإن لا) يشترط ذلك (بطل) الرهن ؛ لفوات المقصود منه ، سواء شرط عدم البيع أو أطلق الرهن لو لم نقل بظهوره في اشتراط البيع عند الحاجة ، صونا لفعله عن اللغو ، وإلّا فيرجع إلى القسم الأوّل.

واحتمال صحة الرهن في الفرض لحكم الشارع بالبيع ، فيحصل به المقصود من الرهن ، مدفوع : بأنّ الحكم إنّما هو بعد تحقّق الموضوع المعتبر في ماهيّته إمكان استيفاء الدين منه ، فلا يعقل تصحيح الموضوع بالحكم.

(وقيل : يصحّ) الرهن (ويجبر (١) على بيعه) اتكالا على الاحتمال المذكور ، وقد عرفت ضعفه.

واعلم أنّ ظاهر المصنّف ومن عبّر كعبارته : عدم اعتبار أمر آخر في

__________________

(١) في الشرائع ٢ : ٧٧ : ويجبر مالكه.

٦٠٤

صحة الرهن عدا الشرائط الأربعة المذكورة ، لكن عن القواعد (١) : لا يصح رهن المجهول ، بل عن الخلاف (٢) : نفي الخلاف عن عدم صحة الرهن في ما في الحقّ (٣) ، بل قيل (٤) : ظاهره نفيه بين المسلمين ، إلى غير ذلك ممّا يدلّ على أنّ اعتبار المعلومية في الجملة ممّا لا إشكال فيه عندهم ، وقد عرفت أنّ عبارة المصنف ـ رحمه‌الله ـ قاصرة عن إفادة اعتبارها.

ودعوى استفادتها من قوله : «يصح بيعه» لكونها شرطا في صحة البيع ، ظاهرة الفساد ؛ إذ ليس هذا مسوقا لبيان أنّه يعتبر في صحة الرهن وانعقاده كلّ ما يعتبر في البيع ، وإلّا لزم أن لا يصح رهن المكيل والموزون إلّا بالكيل والوزن ، مع أنّه لا يحتمل إرادة مثل ذلك من العبارة ، بل المراد من هذا الشرط أنّه يعتبر في صحة الرهن أن يكون قابلا للبيع في حدّ ذاته حتى يمكن استيفاء الدين منه ، لا أنّه يجب أن تكون شرائط صحة البيع متحقّقة حال انعقاد عقد الرهن ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ الوجه في اعتبار هذا الشرط هو عموم نفي الغرر ؛ لأنّ رهن ما في الحقّ لو لم يعلم جنسه غرر ، فتجب معرفتها حتى يصحّ الرهن.

ولكن يمكن أن يناقش في العموم بحيث يعمّ الرهن الذي ليس من العقود المعاوضية حقيقة كالهبة ، فعلى هذا يصحّ رهن المجهول مطلقا.

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ٢٥ : ١٤١ ، وراجع : القواعد ١ : ١٥٩.

(٢) كما في الجواهر ٢٥ : ١٤١ ، وحكاه العاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ١٠٣ ، وراجع : الخلاف ٣ : ٢٥٥ ، المسألة ٦٥.

(٣) الحقّة ـ بالضم ـ : وعاء من خشب ، والجمع : حقّ. القاموس المحيط ٣ : ٢٢١.

(٤) كما في جواهر الكلام ٢٥ : ١٤١ ، وراجع : مفتاح الكرامة ٥ : ١٠٣.

٦٠٥

نعم يعتبر فيه أن يكون معلوما بوجه من الوجوه حتى يمكن تعلّق القصد به.

مثلا : لو علم بأنّ في الحقّ شيئا متموّلا في الجملة ، يصحّ جعله رهنا مطلقا ، وهذا المقدار من المعرفة لا يكفي في الصحة لو اعتمدنا في الاشتراط على عموم نفي الغرر.

نعم لا يخفى أنّ اتّصاف المعاملة بكونها غرريّة ممّا يختلف بالإضافة إلى أنواع المعاملات بنظر العرف.

مثلا : لو بيع ما لا يعلم كيله ووزنه ، وكان ممّا يكال أو يوزن ، يقال عرفا : إنّ البيع غرريّ ، بخلاف ما لو رهنه أو آجره مثلا لفائدة ، فلا يقال : إنّها غرريّة ، وهذا واضح.

ولذا لو بنينا على اعتبار العلم بأوصاف العين المرهونة بدليل نفي الغرر ، لا نلتزم ببطلان الرهن بكلّ جهالة يبطل لأجلها البيع ، كما في صورة الجهل بالمقدار وغير ذلك ، فافهم.

٦٠٦

الفصل (الثالث)

(في الحقّ) الذي يجوز أخذ الرهن عليه

(وهو كلّ دين ثابت) أي متحقّق حال انعقاد الرهن (في الذمّة كالقرض وثمن المبيع) والأجرة وغيرها.

(و) يتفرّع على ذلك أنّه (لا يصح) الرهن (في ما لم يحصل سبب وجوبه كالرهن على ما يستدينه ، وعلى ثمن ما يشتريه.)

وفي الجواهر : بلا خلاف أجده بيننا ، بل في التذكرة وجامع المقاصد الإجماع عليه (١).

ووجهه : أنّ مفهوم الرهن المعبّر عنه بالفارسية : بـ «گرو گرفتن» لا يتحقّق في الخارج إلّا بأن يكون للمرتهن عند الراهن شي‌ء ، سواء كان في ذمّته أو على عهدته على إشكال في الأخير ، كما سنوضّحه إن شاء الله ، لا لأنّ الاستيثاق بمال الراهن عمّا ليس على عهدته فعلا غير معقول ؛ ضرورة تعقّل نحو من الاستيثاق بحبس ماله أو أخذ الكفيل منه لئلّا يسرق من أمواله ، الذي ليس فعلا تحت يد الراهن ، فيحصل له بذلك مرتبة من الوثوق بالنسبة إلى أمواله التي تحت يده ، ولكن من

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٥ : ١٤٣ ، وراجع تذكرة الفقهاء ٢ : ٢٣ ، وجامع المقاصد ٥ : ٨٩.

٦٠٧

المعلوم ضرورة لمن راجع وجدانه أنّ المتبادر من الرهن مفهوم آخر يغاير الاستيثاق بهذا النحو ، بمعنى أنّه ليس كلّ استيثاق رهنا ، بل المتبادر منه أن يكون بحذاء حقّ ثابت ، إذ لا نعقل من مفهوم الرهن إلّا حبس شي‌ء من مال الراهن بدلا عمّا له عنده حتى يسهل عليه استيفاء ماله عنده ، فهو أشبه شي‌ء بالمقاصّة ، فكما لا يعقل التقاصّ قبل استقرار الحقّ ، كذلك الرهن عليه.

وأمّا الإطلاقات العرفية في بعض المقامات ـ كما في المثال المذكور ـ فهي مبنيّة على ضرب من التأويل والمسامحة ، وليس على حقيقته ، وهذا ممّا لا خفاء فيه ، بل الظاهر أنّه لا يلتزم أحد بتحقّق الرهن حقيقة قبل استقرار الحقّ على الراهن ، وإنّما ذهب من ذهب إلى الجواز في مسألة الرهن على ما يستقرضه وثمن ما يشتريه ـ كما عن أبي حنيفة وبعض وجوه الشافعية (١) ـ إلى أنّه يصير رهنا بالقرض والبيع ، فهو مراعى إلى أن يتحقّق الحقّ.

وكيف كان ، فالظاهر أنّ هذا ممّا لا إشكال فيه ، وإنّما الإشكال في قصر الحقّ ـ الذي يجوز أخذ الرهن عليه ـ بالدين ـ كما هو ظاهر المصنّف ، وصريح المحكي (٢) عن آخرين ، بل ربما ينسب (٣) إلى الأكثر ـ المقتضي لبطلان الرهن على الأعيان المضمونة مطلقا.

وهو بإطلاقه مشكل ، بل الأقوى في الأعيان المضمونة باليد : صحة الرهن عليها دون المضمونة بالعقد ، أو ضمان درك المبيع.

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ٢٥ : ١٤٣.

(٢) الحاكي هو العاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ١٣٢.

(٣) الناسب هو صاحب الرياض فيها ١ : ٥٨٤ ، وصاحب الجواهر فيها ٢٥ : ١٤٣.

٦٠٨

توضيح المقام : أنّك قد عرفت أنّ ماهيّة الرهن يتوقّف تحقّقها على ثبوت شي‌ء يحاذيها ، فلا يعقل أخذ الرهن على ما هو ثابت تحت يده من الأجنبي باحتمال أنّه سيسرقه ، فحينئذ نقول : الشي‌ء الثابت عند الراهن إمّا أن يكون كلّيّا على ذمّته ـ أعني الدين ـ فلا إشكال في جواز أخذ الرهن عليه ، بل القدر المتيقّن من مشروعيته هو هذه الصورة ، وإمّا أن يكون عينا خارجية تحت يده حقيقة أو حكما بأن يكون ضمانها عليه ، وأمّا ضمان العقد أو درك المبيع فعلى فرض الالتزام بجواز أخذ الرهن عليه فلا بدّ من إرجاعه إلى أحد هذين القسمين ؛ لما ذكرنا من عدم معقوليّة أخذ الرهن على ما لا ارتباط به فعلا ، بأن لا يكون في ذمّته ، ولا تكون عينه تحت يده ، أو تكون خسارته عليه.

ثم العين الخارجية إمّا أن تكون مضمونة عليه أم لا.

أمّا ما لا يكون ضمانها عليه بأن كانت يده يد أمانة فلا إشكال ، بل لا خلاف في عدم صحة أخذ الرهن عليه ؛ ضرورة أنّ يد الأمين يد المالك ، فكما لا يجوز أخذ الرهن على ما هو تحت يده ، كذا لا يجوز أخذه على ما وضعه [عند] (١) غيره ، وسلّطه في حفظه.

ومجرّد كونه عنده لا يكون منشأ لجواز حبس ماله بحذائه ، مع أنّه لا حقّ له عليه بسببه.

وكونه مكلّفا بالأداء والردّ إليه لا يوجب ثبوت حقّ له عليه وضعا ، فليس في المقام عليه إلّا مجرّد الحكم التكليفي بفعل الأداء ، وهو لا يوجب جواز أخذ الرهن عليه ، وإلّا لجاز أخذ الرهن على جميع الأفعال الواجبة ، كالصلاة والصوم.

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

٦٠٩

وكون متعلّقه مالا لا يوجب الفرق بعد أن لم يكن عليه إلّا الفعل.

واحتمال التعدّي والتفريط لا يوجب ثبوت حقّ له عليه فعلا حتى يصح أخذ الرهن عليه ، فليس هذا الاحتمال إلّا كاحتمال السرقة في أمواله.

هذا كلّه ، مع عدم إمكان الاستيفاء الذي هو من مقوّمات الرهن ؛ إذ مع بقاء العين وتمكّنه من إيصالها ليس له إلّا مطالبة شخص العين ، وعند التعذّر لا شي‌ء عليه ، فلا يمكن الاستيفاء من الرهن بوجه من الوجوه.

وإمكانه على فرض التعدّي والتفريط غير مجد ؛ لأنّ الفرض غير حاصل ، كما هو المفروض ، فالرهن عليه حقيقة رهن على ما يحتمل تحقّق سبب صحته فيما بعد.

وأمّا نفس احتمال التعدّي والتفريط فقد عرفت أنّه ليس شيئا ، وإلّا لجاز في ما في يده باحتمال السرقة ؛ إذ لا فرق بين المقامين بعد فرض كونه أمينا ، وكون يده عليه بإذنه ووكالته.

وأمّا ما يتراءى من الإطلاقات العرفية فقد ذكرنا أنّه مبنيّ على نحو من المسامحة والتأويل.

أمّا الأعيان المضمونة فإمّا أن يكون ضمانها ثابتا بقاعدة اليد أو بالعقد ، والضمان العقدي إمّا ضمان الدرك أو غيره ، مثل ضمان المبيع قبل قبضه ، أو الضمان المتحقّق في زمن الخيار على من لا خيار له.

أمّا القسم الأول : فالأقوى فيه جواز أخذ الرهن عليه.

ووجهه : أنّ الضمان المستفاد من قوله ـ عليه‌السلام ـ : على اليد ما

٦١٠

أخذت (١) ليس مجرّد الحكم التكليفي بأداء العين ما دامت باقية ، ومثلها أو قيمتها حال تلفها ، بل المستفاد منه نحو من التعهّد والالتزام المقتضي لخروجه عن عهدة العين بمراتبها ، فما دامت العين باقية يقتضي ذلك التعهّد ردّ شخص العين ، وعند تعذّره دفع ما هو أقرب إلى التالف ، فنفس التعهّد والالتزام بنفسه أمر اعتباري له نحو وجود عند العقلاء ، نظير الذمّة ، بل الذمّة في الحقيقة ليست إلّا نحو تعهّد والتزام ، فمعنى أنّ له على ذمّة عمرو ألفا : أنّ عمرا ملتزم بأدائه ، ولا نعني به اللزوم الشرعي أو الحكم العرفي ، بل المقصود أنّ المديون متعهّد بالدين الكلّي ، فكأنّه تضمّنه وألصقه على نفسه ، فعليه عند مطالبة الدائن أن يدفعه إليه ، وهذا المعنى وإن كان لا تأصّل له في الخارج ، إلّا أنّ له نحو ثبوت واعتبار لدى العقلاء يتّصفون (٢) به مالكه ذا مال ، وهذا النحو من الثبوت هو المصحّح لتحقّق مفهوم الرهن بالنسبة إليه.

وعلى هذا فنقول : إنّ ما هو ملاك صحة الرهن في الدين ـ أعني التعهّد ـ متحقّق في المقام على نحو أكمل ؛ لأنّه متعهّد بردّ المال الخاص بخصوصيته الشخصية ، وقد عرفت أنّ معنى التعهّد الالتزام بردّ العين مع التمكّن ، ومع التعذّر ردّ ماليته وما هو أقرب إلى نفس العين ، وهذا المعنى مصحّح لأخذ الرهن وتحقّق مفهومه.

والحاصل : أنّ ملاك تحقّق ماهيّة الرهن على ما نتعقله من مفهومه هو أن يكون للمرتهن على الراهن مال مرتبط به منقطع عن المالك بحيث

__________________

(١) سنن أبي داود ٣ : ٢٩٦ / ٣٥٦١ ، سنن الترمذي ٣ : ٥٦٦ / ١٢٦٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ / ٢٤٠٠ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٠ ، ٩٥ ، و ٨ : ٢٧٦.

(٢) كذا في الأصل ولعلّ الصحيح «يصفون».

٦١١

تكون خسارته عليه ، كما لو كانت عينه تحت يده غصبا ، فإنّه على هذا التقدير يصحّ له أخذ بدل الحيلولة والمقاصّة من ماله ، ففيما يأخذه بدلا إن رضيا بأن يكون محبوسا عنده إن ردّ عينه إليه إلى رأس شهر فهو ، وإلّا فهو مسلّط على استيفاء حقّه منه يصير رهنا على ما يستفاد من مفهومه عرفا ، فيشمله عموم وجوب الوفاء بالعقد.

مضافا إلى عموم «سلطنة الناس على أموالهم» وخصوص الأدلّة الدالّة على جواز أخذ الرهن ولزومه.

وهذا بخلاف الأمانات ؛ فإنّ المال فيها ليس مرتبطا بالأمين هذا النحو من الارتباط ، بل يده في الحقيقة يد المستأمن ، فليست يده منقطعة عنه ، فكيف يحبس مال الغير بحذائه مع أنّه في الحقيقة تحت يده؟! كما عرفت.

وأمّا الضمان بالعقد ، أمّا القسم الثاني منه ـ وهو ضمان التلف قبل القبض ونظائره ـ فقد يقال بجواز أخذ الرهن عليه ـ كما هو المحكي (١) عن بعض كتب العلّامة ، وغيره ـ نظرا إلى كونه نظير ضمان اليد في الحكم ؛ لأنّ البائع ملتزم بخسارته ، ومتعهّد بإيصاله إليه مع وجوده ، وعند التعذّر يجب عليه دفع بدله المعيّن ، وهو الثمن المسمّى.

ولكن يضعّفه : أنّ الضمان في المقام ليس على حقيقته ـ أعني من قبيل الالتزام والتعهّد بإيصال شي‌ء ـ حتى يثبت به له حقّ عليه ، بل حكم شرعي تعبّدي بانفساخ البيع ، ووقوع التلف من كيس البائع ، فيردّ الثمن المسمّى لكونه بشخصه ملكا للمشتري ، لا لكونه غرامة عن

__________________

(١) الحاكي هو العاملي في مفتاح الكرامة ٥ : ١٣٣ ، وراجع : التحرير ١ : ٢٠٤ ، والدروس ٣ : ٤٠٢.

٦١٢

التالف ، وإلّا لكان الواجب عليه دفع المثل أو القيمة دون المسمّى ، كما تقتضيه قاعدة الضمان.

ويشير إلى هذا المعنى : ما يستفاد من الأخبار وكلمات علمائنا الأخيار ، من أنّ تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه ، وكذا التلف في زمان الخيار ممّن لا خيار له ، كما لا يخفى.

وأمّا ضمان الدرك ، فالظاهر عدم جواز أخذ الرهن عليه ، لما عرفت من توقّف تحقّقه عرفا على ثبوت شي‌ء يحاذي الرهن للمرتهن على الراهن ، وهو في الفرض منتف ؛ لانتقال كلّ من العوضين إلى الآخر في مرحلة الظاهر ، فلا يجوز للمشتري أخذ الرهن على الثمن ؛ لكونه ملكا للبائع ، فلا يعقل الرهن عليه ولا على المبيع ؛ لوصوله إليه ، وكونه في يده على ما هو المفروض.

وأمّا تعهده بالخروج عن عهدة الثمن لو خرج المبيع مستحقّا للغير :فهو ليس أمرا ثابتا يصح أخذ الرهن عليه ، إذ ليس هذا إلّا الالتزام بالردّ عند ظهور الاستحقاق المنافي لأصالة الصحّة ، فليس عليه قبل ظهور الاستحقاق تعهّد فعلي بالنسبة إلى مال المشتري حتى يصحّ أخذ الرهن عليه.

نعم بعد ظهور الاستحقاق له ذلك ، إلّا أنّه يرجع إلى القسم الأول ، أعني الضمان باليد ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه قد يتصوّر صحة الرهن التعليقي في الفرض لو قلنا بجواز التعليق في مثل المورد ، وعدم اعتبار التنجيز في العقود مطلقا بأن رضيا بكونه رهنا على الثمن لو كان المبيع مستحقّا للغير ، فتتحقّق ماهيّة الرهن حقيقة لو كان التقدير محقّقا في الواقع ، ولكن لا يترتّب عليه في مرحلة الظاهر أثر الرهانة ؛ لكونه منافيا لأصالة الصحة ، بل يقع

٦١٣

مراعى إلى أن ينكشف الحال ، فإن ظهر أنّ المبيع كان مستحقّا للغير ، يعلم أنّه كان رهنا من أوّل الأمر لضمان اليد ، وإلّا فلا ، ويصحّ للمرتهن التصرّف فيه بما يشاء قبل ظهور الاستحقاق ؛ لعدم كونه رهنا في مرحلة الظاهر ، كما لا يخفى.

ثم على تقدير الصحة في الفرض مطلقا هل تمتدّ الرهانة إلى أن ينكشف الحال ، ويعلم عدم كونه مستحقّا للغير ، أو يكفي حصول الأمن من الاستحقاق ، فتنفسخ الرهانة ، ويجوز للبائع التصرّف؟ فيه وجهان.

وعلى تقدير كفاية الاطمئنان لو عاد الاحتمال تعود الرهانة من دون حاجة إلى عقد جديد ؛ إذ لا نعني بالانفساخ انفساخا حقيقيّا ، بل المقصود أنّه يعامل معاملة الانفساخ ، فإذا عاد الاحتمال يتبيّن خطأ مستند الأمنيّة ، ويعلم أنّ الرهانة كان باقيا من أول الأمر من دون انفساخ حقيقي.

ثم إنّه قد ظهر ممّا قرّرنا أنّه يعتبر في تحقّق مفهوم الرهن من ثبوت حقّ ، فهل يعتبر أن يكون الحقّ الثابت مقدّما على الرهن ، فلا يكفي إيجادهما دفعة ، كما لو اقترن سبباهما بأن بقول البائع مثلا : بعتك العبد بألف ورهنت الدار بها ، أو : رهنته بها ، فيقول المشتري : قبلتهما ، أم لا يعتبر ذلك ، بل يصح الرهن في المثال؟ فيه وجهان : من توقّف تحقّقه مفهوما على الحقّ ، وهو لا يتحقّق إلّا بتمام سببه ، ومجرّد الإيجاب لا يكفي في ثبوت ما يحاذي الرهن ، فيقع إيجاب الرهن لغوا ؛ لعدم وقوعه في محلّ قابل ، والإجماع المدّعى على أنّ ما هو شرط في العقد شرط في جميع أجزائه ، ومن أنّ تحقّق الرهن في الخارج ووقوع أثره وإن كان متوقّفا على ثبوت شي‌ء على الراهن واقعا ، إلّا أنّ إنشاءه وإيجاد

٦١٤

سببه من حيث إنّه سببه لا يتوقّف إلّا على اعتقاد الثبوت أو جعل الثبوت أوّلا ، لا الثبوت الواقعي ، فإنشاؤه البيع أوّلا يكفي في إنشائه الرهن على الألف الذي أوجبه على الراهن بإنشائه وإن لم يلزم عليه ذلك إلّا بالقبول ، فمتى لحقه القبول ، كأن قال : قبلت البيع والرهن ؛ بل لو قال : قبلتهما ، يؤثّر.

ولا يخفى عليك أنّ القول بالصحة انّما هو فيما لو تأخّر إيجاب الرهن عن إيجاب البيع ، وكذا قبوله يعتبر أن لا يكون مقدّما على قبول البيع ، وإلّا فيصير من قبيل الرهن على ما يستقرضه ، وقد عرفت الإجماع على بطلانه.

وأمّا الإجماع المدّعى في المقام فإثبات عمومه بحيث يعمّ المورد مع كون المسألة بالخصوص خلافية مشكل ، فعلى هذا لا يخلو الوجه الأخير عن قوّة.

وتنظيره ببيع الوارث ما يرثه في أثناء الصيغة قبل تمامها ، وكذا بيع ما لا يملكه ثم ملكه في الأثناء ، كالخمر إذا صار خلّا ، يمكن منعه بإبداء الفارق.

أمّا أوّلا : فبثبوت الإجماع في مسألة البيع ، وعدمه في ما نحن فيه.

وثانيا : فبالفرق بين الشرائط ، فمنها : ما يستفاد من دليله ونحو اعتباره أنّه يعتبر في تأثير العقد المشروط بالشرط الفلاني وقوعه في محلّ متّصف بوصف خاصّ.

مثلا : يستفاد من دليل اعتبار الملكية في البيع مثل : «لا بيع إلّا في ملك» (١) أنّه يجب أن يقع على ما هو مملوك ، فلا بدّ من تحقّق الملكية

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٤٧ / ١٦ بتفاوت.

٦١٥

قبل البيع ولو آنا مّا حتى يقع البيع في الملك.

ومنها : ما ليس كذلك ، بل غاية ما يستفاد أنّه يتوقّف ترتّب أثره وتحقّقه في الخارج على أمره ، كما نحن فيه ؛ فإنّ ثبوت حقّ واقعي في الخارج إنّما يتوقّف عليه تحقّق الرهن في الخارج ، بمعنى أنّه يعتبر في تحقّق الرهن في الخارج أن يكون مقترنا بحق يحاذيه ، وأمّا تقدّم هذا الحقّ على الرهن وجودا فلا.

هذا في الرهن الخارجي الذي هو أثر الرهن الإنشائي ، وأمّا الرهن الإنشائي فلا يتوقّف على ثبوت الحقّ واقعا ، بل يكفي فيه اعتقاد الثبوت أو جعل الثبوت كما لا يخفى.

(و) يتفرّع أيضا على اعتبار ثبوت ما يحاذي الرهن : أنّه (لا) يصح الرهن (على ما حصل سبب وجوبه و) لكن (لم يثبت) به في الذمّة شي‌ء فعلا. (كالدية قبل استقرار الجناية.)

ولا يخفى عليك أنّ الالتزام بعدم ثبوت شي‌ء على الجاني قبل انتهاء حالها ، وكونها كأن لم تكن إلّا في مجرّد إيجاد السبب ، مع أنّ الجناية قد تحقّقت في الجملة في غاية الإشكال ، إذ مجرّد كونها في عرضة التبدّل إلى جناية أخرى أو ممّا يزداد لا يقتضي وقوع ما وقع لغوا غير مؤثّر في شي‌ء.

ألا ترى أنّه ربما يظهر من بعض فروعاتهم المذكورة في كتاب الحدود : جواز القصاص قبل الانتهاء ، مع أنّ الحكم فيه لعلّه أشكل على ما يتراءى في بادئ النظر من الالتزام بجواز أخذ الدية قبل الانتهاء في الموارد التي تثبت فيها الدية.

نعم هاهنا إشكال ، ولعلّه هو الذي ألجأهم إلى ما ذهبوا إليه من عدم الثبوت قبل الاستقرار من أنّ الظاهر من النصّ والفتوى ، بل

٦١٦

العرف أيضا استناد الدية إلى ما ينتهي إليه الجناية ، لا ما يحصل به أصل الجناية ولو كانا متماثلين في الدية أيضا كقطع اليدين المنتهى إلى القتل ؛ فإنّ الظاهر منهما استحقاق دية القتل لا القطع ، فلو كان القطع مؤثّرا في ثبوت الدية لوجب أن يقع القتل لغوا لئلّا يلزم توارد علّتين مستقلّتين على معلول شخصي ، أو يثبت بكلّ منهما دية غير ما يثبت بالآخر ، وكلاهما فاسدان على ما هو مقتضى النصّ والفتوى ، فتعيّن أن تكون الدية لخصوص القتل ، ووقوع القطع ملغى ومراعى حتى ينتهي حاله.

ويمكن الذبّ عن الإشكال : بأنّ التأثير شي‌ء والاستناد شي‌ء آخر ، ولا امتناع في أن يكون كلّ جزء من الجناية مؤثّرا في ثبوت الدية بمقداره ، فيكون استقرار الدية على عهدة الجاني تابعا لاستقرار الجناية ، بمعنى أنّها تحدث في الذمّة شيئا فشيئا ، كأصل الجناية ، ومع ذلك لا مانع من استناد مجموع الدية إلى ما تنتهي إليه.

ففي المثال المذكور ثبوت الدية إنّما هو بالقطع ، وأمّا استنادها إليه فإنّما هو ما لم ينته إلى القتل ، وأمّا بعد الانتهاء فهي ممّا بعينها تستند الى القتل.

وإن شئت قلت : إنّ الاستناد إلى القطع إنّما هو ما لم يسر ، وإذا سرى يكشف عن كونها دية القتل ، لا القطع ، أعني دية منسوبة إلى القتل ، لا حادثة بسبب القطع ، وهذا فيما إذا توافقت دية الجناية مع ما تنتهي إليه جنسا ممّا لا إشكال في تصوّره ، والالتزام به.

وأمّا إذا تخالفتا فيشكل ذلك إلّا أنّ يقال : بأنّ الجناية أثّرت في إثبات القدر المشترك بين الخصوصيتين بحسب القيمة والمالية ، وأمّا خصوصيتها الشخصية فمقيّد ثبوتها بعدم كونها ممّا سرى إلى غيرها ،

٦١٧

ولا بعد فيه ، فافهم وتأمّل.

(ويجوز) الرهن (على قسط كلّ حول بعد حلول الحول (١)) وأمّا قبله فلا يجوز في دية الخطأ ؛ لعدم تعيّن المستحقّ عليه ، وعدم انضباطه قبله.

أمّا الدية في شبه العمد فيصح أخذ الرهن عليها ؛ لكونها على الجاني وإن كانت مؤجّلة ؛ لأنّها كأجل الدين الذي يصح أخذ الرهن عليه ، والله العالم.

(وكذا) لا يجوز الرهن على مال (الجعالة قبل الردّ) لعدم استحقاق المجعول له المال قبل العمل.

(و) قد ظهر بما ذكرنا أنّه (يجوز) الرهن عليه (بعده) لاستقرار الجعالة على ذمّته بفعله.

(وكذا مال الكتابة ، ولو قيل بالجواز فيه ، كان أشبه.)

في المسالك : الكتابة إن كانت مطلقة فهي لازمة إجماعا ، فيجوز الرهن على مالها بغير خلاف ، وإن كانت مشروطة فعند الشيخ وجماعة أنّها جائزة من قبل العبد ، فيجوز له تعجيز نفسه ، فلا يصح الرهن على مالها ؛ لانتفاء فائدة الرهن ، وهي : التوثّق ؛ إذ للعبد إسقاط المال متى شاء.

ولأنّه لا يمكن استيفاء الدين من الرهن ؛ لأنّه لو عجز ، صار الرهن للسيد ؛ لأنّه من جملة مال المكاتب.

والأقوى المشهور من لزومها مطلقا كالمطلقة ؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقود ؛ فتتحقّق الفائدة ، ويصح الرهن على مالها ، ولو قلنا بجوازها ،

__________________

(١) في الشرائع : بعد حلوله.

٦١٨

لا يمتنع الرهن كالثمن في مدّة الخيار.

وعلى ما قرّرناه فإطلاق المصنّف ـ رحمه‌الله ـ حكاية المنع أوّلا ثم حكمه بالجواز مطلقا ثانيا ، غير جيّد (١). انتهى.

أقول : ما أفاده ـ قدس‌سره ـ في غاية الجودة والمتانة والقوّة وإن كان قد يتأمّل في أصل مال الكتابة هل هو حقّ ثابت في ذمّة العبد ، فكأنّ العبد اشترى نفسه بالعوض المعيّن الذي في ذمّته ، فيكون من قبيل المعاوضات ، أم لا ذمّة للعبد ولا تعهّد أصلا ، بل هو إلزام من المولى ، فتكون الكتابة التزاما بحرّيته بأداء ما ألزمه به وقد أمضاه الشارع ، فعلى هذا ليس في ذمّة العبد حقّ ثابت حتى يجوز أخذ الرهن عليه ، سواء كانت الكتابة مطلقة أو مشروطة.

ولعلّ المصنّف ـ رحمه‌الله ـ لذا أطلق المنع أوّلا.

نعم بعد البناء على كونه من القسم الأول لا إشكال في جواز الرهن عليه بقسميه ، وما ذكره المانع من الوجهين ضعفه ظاهر خصوصا الأخير ؛ لجواز أن يكون الرهن من غيره بإذنه كما لا يخفى (٢).

(ولا يصح) الرهن (على ما لا يمكن استيفاؤه من الرهن ، كالإجارة المتعلّقة بعين المؤجر ، مثل خدمته) شهرا معيّنا ، ووجهه ظاهر.

(ويصح في ما هو ثابت في الذمّة كالعمل المطلق) لإمكان استيفائه من ثمن الرهن عند التعذّر.

__________________

(١) مسالك الأفهام ١ : ٢١٩.

(٢) قد سقط من النسخة الخطية شرح قول صاحب الشرائع : (ويبطل الرهن عند فسخ الكتابة المشروطة).

٦١٩

(ولو رهن على مال رهنا ثم استدان آخر ، وجعل ذلك الرهن عليهما ، جاز.)

وعلّله في المسالك : بعدم المانع منه مع وجود المقتضي ؛ فإنّ التوثّق بشي‌ء لشي‌ء آخر لا ينافي التوثّق لآخر به ، خصوصا مع زيادة قيمته على الأول ، ولا يشترط فسخ الرهن الأول ثم تجديده لهما ، بل يضمّ الثاني بعقد جديد.

ويجوز العكس أيضا بأن يرهن على المال الواحد رهنا آخر فصاعدا وإن كانت قيمة الأوّل تفي بالدين الأوّل ؛ لجواز عروض مانع من استيفائه منه ولزيادة الارتفاق (١). إلى آخره.

أقول : أمّا الحكم في عكس المسألة : فالظاهر أنّه ممّا لا إشكال فيه لما ذكره ـ قدس‌سره.

وأمّا أصل المسألة : فالأمر فيه مع عدم فسخ الأول وجعله رهنا لكليهما في غاية الإشكال ، سواء كان الدين المتجدّد لنفس المرتهن أو لثالث ؛ لأن الحقّ ـ كما حقّق في محلّه ـ مرتبة ضعيفة من الملكية ، فكما أنّه لا يعقل كون جزئي خارجي بتمامه ملكا لشخصين بأن يكون كلّ منهما مستقلا في ملكيته ، وكذا توارد سببين مستقلّين لنقل شي‌ء واحد من شخص واحد ، كذلك هذا الحق الواحد الشخصي المتحقّق لشخص واحد بسبب لا يقبل التكرّر بعد ذلك لذلك الشخص بسبب آخر إلّا أن ينفسخ الرهن الأول ، ويجعل رهنا بإزاء المجموع ، وكذا جعله بسبب آخر لشخص آخر أيضا غير معقول.

وتنظيره بما لو جعله رهنا لكليهما من أوّل الأمر بسبب واحد في غير

__________________

(١) مسالك الأفهام ١ : ٢٢٠.

٦٢٠