مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

بالنّسبة الى غير ما كان في ملك الإمام من الأراضي الميتة ونحوها ، أو المسلمين كالأراضي المفتوحة عنوة ، وأمّا فيهما فقد يقال : بعدم ملكه أصلا ، فضلا عن منعه فقط ؛ لعدم العلم بتحقّق الإذن من الإمام لهم في الأوّل ، وعدم كونه من المسلمين في الثاني ، كما أنّه قد يقال ببقاء المعادن على الإباحة الأصليّة لسائر بني آدم نحو الحطب والماء وإن كانت في الأراضي المذكورة ، أو يقال بالفرق بين ما كان للإمام أو المسلمين ، فيلتزم بعدم الملك في الثاني دون الأوّل ؛ لعموم إذنه الحاصل من قوله [صلى‌الله‌عليه‌وآله] : (من أحيا أرضا ميتة فهي له) (١) أو يفرّق بين الذمّي وغيره : بإمكان التزام معاملة الذمّي لذمّته معاملة المسلمين في نحو ذلك دون غيره ، لكن يتّجه على الأوّل ـ يعني القول بالإباحة الأصليّة الذي هو أوّل الأقوال المذكورة في مقام توجيه ملكيتهم ـ بل وعلى الأخير أيضا استثناء ذلك من إطلاق الحكم بملكيّة المعدن لمالك الأرض ، بل لعلّه من اللازم في الجملة ؛ للقطع بملك المحيز له من المسلمين إذا كان في الأرض المفتوحة عنوة ، مع أنّها ملك لسائر المسلمين ، ولعلّه لأنّه بنفسه في حكم الموات وإن كان في أرض معمورة منها بغرس أو زرع ، ولتمام الكلام محلّ آخر (٢). انتهى.

أقول : عدم العلم بإذن الإمام ـ عليه‌السلام ـ للذمّي إن كان موجبا للحكم بعدم صيرورة ما يستفيده من المعادن الواقعة في الأراضي الميتة ونحوها [ملكا له] (٣) لكان حال المخالف أيضا حاله ، بل أسوأ ؛ فإنّه وإن

__________________

(١) سنن أبي داود ٣ : ١٧٨ / ٣٠٧٣ و ٣٠٧٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٦٢ / ١٣٧٨ و ٦٦٤ / ١٣٧٩ ، مسند أحمد ٣ : ٣٣٨ و ٣٨١ ، وسنن البيهقي ٦ : ٩٩ و ١٤٣.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ٢٣ ـ ٢٤.

(٣) زيادة يقتضيها السياق.

٤١

شمله بعض الأخبار النبويّة ، كقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فيما أرسل عنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : (موتان الأرض لله ورسوله ثم هي لكم منّي أيّها المسلمون) (١).

ولكنّ الأخبار المستفيضة الصادرة عن الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ ، الواردة في مقام التعريض على المخالفين إ في قصر الرخصة ، وإباحة ما يتعلّق بهم من الأراضي وغيرها على شيعتهم.

وعموم قوله ـ عليه‌السلام ـ : (من أحيا أرضا ميتة فهي له) إنّما يجدي فيما لو أحيا أرضا مشتملة على معدن يتبعها في الملكيّة لا مطلقا ، كما أنّه لو كان ملكيّة الأراضي المفتوحة عنوة للمسلمين مانعة عن ذلك ، لاقتضى ذلك عدم دخوله في ملك المحيز مطلقا وإن كان هو أحدهم كما نبّه عليه في الجواهر (٢).

فالحقّ الذي لا مجال للارتياب فيه : أنّ المعادن الواقعة في الأرض الموات ، وكذا في الأراضي المفتوحة عنوة ممّا ليس مخصوصا بأشخاص خاصّة ـ سواء قلنا بأنّها من الأنفال أم لا ـ في حال غيبة الإمام عجّل الله فرجه ، وعدم استيلائه على أمواله ، حالها حال الماء والكلاء الواقعين فيها في جواز الانتفاع بها والأخذ منها على حسب ما جرت سيرة كافة الناس عليه في سائر الأعصار والأمصار من غير أن يحوم حولها شائبة إنكار ، كما أشار إليه في الجواهر في مبحث المعادن من كتاب إحياء الموات حيث قال :المشهور نقلا وتحصيلا عن أنّ الناس فيها شرع سواء ، بل قيل : قد

__________________

(١) سنن البيهقي ٦ : ١٤٣ بتفاوت.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ٢٣ ـ ٢٤.

٤٢

يلوح من محكي المبسوط والسرائر نفي الخلاف فيه ، مضافا الى السيرة المستمرّة في سائر الأعصار والأمصار في زمان تسلّطهم وغيره على الأخذ منها بلا إذن حتّى ما كان منها في الموات الذي قد عرفت أنّه لهم ، أو في المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين ؛ فإنّه وإن كان ينبغي أن يتبعهما فيكون ملكا للإمام في الأوّل ، وللمسلمين في الثاني ؛ لكونه من أجزاء الأرض المفروض كونه ملكا لهما ، بل لو تجدّد فيها فكذلك أيضا ، إلّا أنّ السيرة المزبورة المعاضدة للشهرة المذكورة ، ولقوله تعالى «خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ» (١) ولشدّة حاجة الناس الى بعضها على وجه يتوقّف عليه معاشهم نحو الماء والنار والكلاء.

وفي خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي ـ عليه‌السلام ـ :لا يحلّ منع الملح والنار (٢) وغير ذلك ممّا لا يخفى على السارد لأخبارهم يوجب الخروج عن ذلك (٣). انتهى.

أقول : وربّما يؤيّده أيضا الخبر العامي الذي يستدلّ به الأصحاب كثيرا ما في باب إحياء الموات : من سبق الى ما لم يسبق اليه مسلم فهو له (٤).

وعن بعض كتب الأصحاب روايته : «فهو أحق به» (٥) إذ المراد به ـ بحسب الظاهر ـ ما يعمّ المقام ، والله العالم.

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٩.

(٢) قرب الإسناد : ١٣٧ / ٤٨٣ ، الوسائل : الباب ٥ من كتاب إحياء الموات ، الحديث ٢.

(٣) جواهر الكلام ٣٨ : ١٠٨ ، وراجع : المبسوط ٣ : ٢٧٤ ، والسرائر ٢ : ٣٨٣.

(٤) سنن البيهقي ٦ : ١٤٢ و ١٠ : ١٣٩.

(٥) مستدرك الوسائل : الباب ١ من أبواب كتاب إحياء الموات ، الحديث ٤ وعوالي اللآلي ٣ : ٤٨٠ / ٤.

٤٣

(الثالث) ممّا يجب فيه الخمس : (الكنوز) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه.

ويدلّ عليه ـ مضافا الى الإجماع ، وعموم الآية (١) الشريفة ، وبعض الروايات الواردة في تفسيرها ، المتقدّمة في صدر المبحث ، ولا سيّما في خصوص المقام الذي ورد في بعض الأخبار أنّه مورد لنزول الآية ، مثل ما عن الصدوق بإسناده عن حماد بن عمرو ، وأنس بن محمّد عن أبيه جميعا عن الصادق عن آبائه [عليهم‌السلام] في وصيّة النبيّ لعلي ـ عليهما‌السلام ـ قال : يا علي إنّ عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام ـ الى أن قال ـ ووجد كنزا فأخرج منه الخمس وتصدّق به ، فأنزل الله (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ) (٢) (٣) ـ خصوص أخبار مستفيضة تقدّمت جملة منها في المعادن ، وسيأتي بعضها في طيّ المبحث إن شاء الله.

ثمّ إنّه ربّما يطلق على الكنز اسم الركاز ، كما في عبارات كثير من الأصحاب كالدروس (٤) ومحكي التذكرة والمنتهى (٥).

ولكن صدق اسم الركاز على بعض المصاديق التي قد يشكّ في صدق اسم الكنز عليه ممّا سيأتي الكلام فيه أوضح ، بل هو بإطلاقه قد يتناول

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٤١.

(٢) سورة الأنفال ٨ : ٤١.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٦٤ / ٨٢٣ ، الخصال : ٣١٢ / ٩٠ ، الوسائل : الباب ٥ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٣.

(٤) الدروس ١ : ٢٦٠.

(٥) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٤ ، وراجع : تذكرة الفقهاء ٥ : ٤١٣ ، ومنتهى المطلب ١ : ٥٤٦.

٤٤

المعدن ونحوه ممّا لا يشكّ (١) في خروجه عن مسمّى الكنز ، كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال : «كلّ ما كان ركازا ففيه الخمس» (٢) الحديث.

(وهو) أي الكنز على ما عرّفه جماعة كالمصنّف وغيره : (كلّ مال مذخور تحت الأرض.)

والمتبادر منه إرادة كونه عن قصد ، فلا يتناول المال المستتر بالأرض لا عن قصد أو بقصد غير الادّخار ، كحفظه في مدّة قليلة مثلا ، كما صرّح بذلك الشهيد الثاني في المسالك والروضة.

ففي الأوّل قال : يعتبر في الادّخار كونه مقصودا لتحقّق الكنز ، فلا عبرة باستتار المال بالأرض بسبب الضياع ، بل يلحق باللّقطة ، ويعلم ذلك بالقرائن الحاليّة ، كالوعاء (٣).

وقال في الروضة في تعريف الكنز : هو المال المذخور تحت الأرض قصدا (٤). انتهى.

ولكن حكي عن كاشف الغطاء أنّه لم يعتبر القصد فيه ، بل فسّر الكنز الذي يجب فيه الخمس : بما كان من النقدين مذخورا بنفسه أو بفعل فاعل (٥).

ولكنّك خبير بأنّ إطلاق المذخور على العاري عن القصد مبنيّ على ضرب من التوسّع ، فلا يبعد أن يكون إطلاق اسم الكنز عليه أيضا من

__________________

(١) في النسخة الخطية : لا شكّ.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢٢ / ٣٤٧ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٣.

(٣) مسالك الأفهام ١ : ٤٦٠.

(٤) الروضة البهية ٢ : ٦٨.

(٥) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس : ٥٥٩ وراجع كشف الغطاء : ٣٦٠.

٤٥

هذا الباب.

فالإنصاف أنّ صدق اسم الكنز حقيقة على المال المستتر بالأرض بنفسه لا بفعل فاعل لا يخلو عن تأمّل وإن كان ربّما يساعد عليه العرف في بعض موارد استعمالاتهم ، كقولهم : عثر فلان على كنز ؛ فإنّهم لا يلتفتون في مثل هذا الإطلاق إلى كون ذلك الشي‌ء الذي عثر عليه ممّا كنزه إنسان لفاقته كما فسّر الكنز به في مجمع البحرين (١) ، أو كونه مستترا في الأرض بنفسه ، ولكن لا يبعد أن يكون هذا الإطلاق مبنيّا على التوسّع وعدم الالتفات إلى جهة قيامه بالفاعل.

وكيف كان ، فإن سلّمنا صدق اسم الكنز على مثل الفرض حقيقة فهو وإلّا فهو بحكمه في تعلّق الخمس به ، كما يدلّ عليه الصحيحة المتقدّمة (٢) المصرّحة بأنّ كلّ ما كان ركازا الى آخره ؛ إذ لا يتوقّف صدق اسم الركاز على القصد ، وإلّا لما صدق على المعادن.

ثمّ إنّ المراد بـ «تحت الأرض» بحسب الظاهر ما يعمّ جوف الأبنية والسقوف ؛ إذ لا خفاء في صدق اسم الكنز عليه بمقتضى وضعه واستعماله في المحاورات العرفيّة ، ولذا لا ينسبق الى الذهن من مثل قول القائل : إنّ فلانا وجد كنزا ؛ إلّا أنّه وجد مالا مذخورا في الأرض أعمّ من أن يكون تحت الأرض أو في بناء ونحوه.

فما عن كاشف الغطاء من منع جريان الحكم في مثله (٣) : لا يخلو عن نظر.

__________________

(١) مجمع البحرين ٤ : ٣٢ وفيه : لعاقبته ؛ بدل لفاقته.

(٢) تقدمت في ص ٤٥.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٥ ، وراجع : كشف الغطاء : ٣٦٠.

٤٦

نعم هو متّجه في مثل المذخور تحت حطب أو بطن شجر أو خشبة ونحوها ؛ فإنّه لا يطلق اسم الكنز على مثله عرفا ، ولا أقلّ من انصراف إطلاقه عنه.

فما عن غير واحد من إيجاب الخمس في مثل هذه الفروض ، بل فيما يوجد في جوف الدابة وبطن السمكة ؛ محلّ نظر ، بل منع ؛ إذ لا وجه يعتدّ به له عدا ادّعاء تنقيح المناط الذي عهدته على مدّعيه ، والله العالم.

ثمّ إنّ ظاهر المتن وغيره ـ إن لم يكن صريحه كصريح غير واحد من العلماء واللغويين ممّن تعرّض لتفسير الكنز ـ صدقه على كلّ مال مذخور في الأرض ، فيثبت الحكم في الجميع ؛ لعموم أدلّته.

ودعوى انصراف إطلاق الكنز الوارد في النصوص الى خصوص النقدين محلّ نظر ، بل منع ، خصوصا لو أريد بهما المسكوك.

فما عن كاشف الغطاء من تخصيصه موضوعا أو حكما بالنقدين ، وأنّ ما عداهما يتبع حكم اللقطة (١) ـ وفاقا للمحكي عن ظاهر جماعة من القدماء حيث لم يذكروا غيرهما ـ ضعيف.

اللهمّ إلّا أن يتمسّك لذلك بدليل خاصّ ، كما في المستند ، حيث استدلّ للاختصاص : بمفهوم صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا ـ عليه‌السلام ـ قال : سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز ، فقال : «ما يجب في مثله الزكاة ففيه الخمس ففيه الخمس» (٢) فقال ما لفظه :ظاهر إطلاق جماعة وصريح المحكي عن الاقتصاد والوسيلة والتحرير والمنتهى والتذكرة والبيان والدروس : عدم الفرق في وجوب الخمس بين

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٥ ، وراجع : كشف الغطاء : ٣٦٠.

(٢) الفقيه ٢ : ٢١ / ٧٥ ، الوسائل : الباب ٥ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٢.

٤٧

أنواع الكنز من ذهب وفضة ونحاس وغيرها ؛ لعموم الأدلّة.

وظاهر الشيخ في النهاية والمبسوط والجمل ، والحلّي في السرائر ، وابن سعيد في الجامع : الاختصاص بكنوز الذهب والفضة.

ونسبه بعض من تأخّر إلى ظاهر الأكثر ، وهو الأظهر ؛ لمفهوم صحيحة البزنطي المتقدّمة.

وحمل مثله فيها على الأعمّ من العين والقيمة تجوّز لا دليل عليه. وبه يخصّص عموم الأخبار ، مع أنّه قد يتأمّل في إطلاق الكنز على غير الذهب والفضّة أيضا (١). انتهى.

وأجيب عنه : بأنّ ظاهرها إرادة المقدار ، كما اعترف به في الرياض (٢) ، بل ادّعى الاتّفاق على إرادة المقدار منه لا النوع (٣).

ويؤيّد ذلك : ورود مرسلة بمضمونها صريحة في المقدار ، وهي : ما عن المفيد في المقنعة ، قال : سئل الرضا ـ عليه‌السلام ـ عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس ، فقال : «ما يجب فيه الزكاة من ذلك ففيه الخمس ، وما لم يبلغ حدّ ما يجب فيه الزكاة فلا خمس فيه» (٤).

أقول : المتبادر من إطلاق المثل إرادة المماثلة على الإطلاق أي في سائر الجهات التي لها دخل في موضوعيّة المثل لحكمه ، لا مقدار ماليته الذي هو أمر اعتباري لا دخل له في حقيقة المثل ولا في حكمه ، كما هو

__________________

(١) مستند الشيعة ٢ : ٧٤ ، وراجع : الاقتصاد : ٢٨٣ ، والوسيلة : ١٣٦ ، وتحرير الأحكام ١ : ٧٣ ، ومنتهى المطلب ١ : ٥٤٧ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ٤١٧ ، المسألة ٣١٣ ، والبيان : ٢١٥ ، والدروس ١ : ٢٦٠ ، والنهاية : ١٩٧ ، والمبسوط ١ : ٢٣٦ ، والجمل والعقود (الرسائل العشر) : ٢٠٧ ، والسرائر ١ : ٤٨٨ ، والجامع للشرائع : ١٤٨.

(٢) رياض المسائل ١ : ٢٩٥.

(٣) رياض المسائل ١ : ٢٩٥.

(٤) المقنعة : ٢٨٣ ، الوسائل : الباب ٥ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٦.

٤٨

مراد المجيب.

نعم ظاهره كون المماثلة في المقدار أيضا مقصودا بالتشبيه ، ولكن مقدار نفس المثل الذي هو من مقوّمات موضوعيته لوجوب الزكاة ، أعني كونه عشرين مثقالا إن كان ذهبا ، ومائتي درهم إن كان فضّة ، فإنّه من أظهر الجهات التي ينسبق الى الذهن من إطلاق المثل لا مقدار قيمته ؛ فإنّه خارج عن منصرف التشبيه كغيره من الجهات الاعتباريّة التي لها دخل في تعلّق حكمه كحلول الحول ، وكون مالكه متمكّنا من التصرّف فيه ونحوه.

اللهم إلّا أن يدّعى ظهور السؤال في تعلّقه به من هذه الجهة ، فيكون إطلاق المثل في الجواب حينئذ منزّلا عليه.

ولكنّه لا يخلو عن تأمّل ، بل منع ؛ إذ المتبادر من السؤال ليس إلّا تعلّقه بنفس ما يجب فيه الخمس من حيث هي لا من حيث القيمة ، فيكون الجواب بمنزلة أن يقال : الخمس إنّما يجب في الكنز المماثل للموضوع الذي يتعلّق به وجوب الزكاة ، وهذا ظاهر في إرادة المماثلة من سائر الجهات ، لا المساواة في القيمة.

وأمّا ما في الرياض من دعوى اتّفاق الأصحاب على فهم المقدار منه لا النوع ؛ فهو إنّما يجدي فيما لو كان فهمهم لذلك كاشفا عن قرينة داخليّة أو خارجيّة أرشدتهم اليه ، وما لم يحصل الجزم بذلك لا يكون فهمهم حجة على من لم يفهم منه ذلك.

هذا ، مع أنّ منشأ هذه النسبة ـ بحسب الظاهر ـ ليس إلّا أنّ الأصحاب فهموا منه اعتبار النصاب ، فزعم التنافي بينه وبين فهم المماثلة من حيث النوع.

وقد أشرنا الى عدم التنافي ، وأنّ ظاهره المماثلة في المقدار ، ولكنّ

٤٩

المقدار المتقوّم بعين المثل لا بقيمته.

وأمّا المرسلة : فمع أنّ الغالب على الظنّ كونها نقلا لمضمون هذه الصحيحة على حسب ما فهمه المفيد ، فلا تصلح صارفة لها عن ظاهرها ، أنّه لا منافاة بينها وبين اعتبار المماثلة من حيث النوع ؛ إذ لا دلالة فيها على ثبوت الخمس في كلّ كنز بلغ هذا الحدّ من أيّ نوع يكون كي يكون عمومه شاهدا على إرادته من حيث الماليّة لا من حيث الوزن الذي يبعد إرادته في سائر أنواع الكنوز.

فالإنصاف أنّ القول بالاختصاص أوفق بظاهر الصحيحة.

ولكن قد يشكل ذلك : بأنّ قضية إطلاق المثل اعتبار المماثلة مطلقا حتّى في اعتبار كونه مسكوكا ، فإنّ كونه كذلك كبلوغه حدّ النصاب من الجهات الداخليّة المعتبرة في الموضوع الذي تجب فيه الزكاة ، مع أنّ الالتزام به في ما يجب الخمس فيه لا يخلو عن إشكال ؛ حيث إنّ القائلين بالاختصاص ظاهرهم ، بل صريح بعضهم كالحليّ في السرائر (١) : عدم الفرق بين المسكوك وغيره ، فيشكل الالتزام باعتباره بعد عدم معروفيّة قائل به أو ندرته.

وهذا وإن لم يكن مانعا عن ظهوره في إرادة المماثلة من حيث النوع والقدر ، فإنّهما في حدّ ذاتهما من أظهر الجهات التي يمكن إرادتهما من إطلاق المثل ، بخلاف مقدار الماليّة التي هي صفة اعتباريّة ، ولكنّه يوهن الاعتماد عليه في رفع اليد عمّا تقتضيه إطلاقات الأدلّة الواردة في الكنز ، المعتضدة بالشهرة ، وبعموم الغنيمة (٢) والفائدة (٣) الواردتين في الكتاب

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٨٦.

(٢) سورة الأنفال ٨ : ٤١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٤١ / ٣٩٨ ، الإستبصار ٢ : ٦٠ / ١٩٨ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٥.

٥٠

والسنّة ، خصوصا بعد الالتفات إلى إرادة مقدار الماليّة من مثل هذا التعبير الواقع في هذه الصحيحة في صحيحته الأخرى الواردة في المعدن التي قد أشرنا ـ في ما سبق ـ إلى أنّ الغالب على الظنّ ورودها مع هذه الصحيحة في مجلس واحد ، فيظنّ بذلك أنّ الملحوظ لديهم في هذا التشبيه لم يكن إلّا جهة الماليّة.

هذا كلّه ، مع إمكان أن يدّعى أنّ المراد بالوجوب في قوله ـ عليه‌السلام ـ : «ما يجب في مثله الزكاة ففيه الخمس» (١) ليس الوجوب بمعناه المصطلح ؛ كي يختصّ مورده بالنقدين ، بل مطلق الثبوت ولو على سبيل الاستحباب ، فيعمّ سائر أنواع الكنوز إذا بلغت حدّ النصاب حيث يتعلّق بمثله الزكاة في الجملة في ما لو كان متّخذا للتكسّب.

وليس حمل الوجوب على إرادة هذا المعنى بأبعد من صرف المثل عن ظاهره بحمله على مجرّد المماثلة في الماليّة أو بحمله على المماثلة من حيث النوع والقدر المستلزم لارتكاب التخصيص في عمومات أدلّة الكنوز.

اللهمّ إلّا أن يدّعى انصراف ما يجب في مثله الزكاة عن مثل مال التجارة ولو على القول بوجوب الزكاة فيها حيث إنّها لا تتعلّق به من حيث هو ، بل بشرط اتّخاذه للتكسّب ، فينصرف عنه إطلاق اللفظ.

ولكنّه لا يخلو عن تأمّل.

وكيف كان ، فالقول بوجوب الخمس في سائر أنواع الكنوز ـ كما هو المشهور ـ إن لم يكن أقوى فهو أحوط ، والله العالم.

ويعتبر فيه النصاب بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن غير واحد

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١ / ٧٥ ، الوسائل : الباب ٥ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٢.

٥١

دعوى الإجماع عليه ، كما أنّه لا خلاف ـ على الظاهر ـ في أنّ نصابه بلوغه حدّا يجب في مثله الزكاة.

وما حكاه في الجواهر عن الغنية من القول بأنّ نصابه بلوغ قيمته دينارا ، مدّعيا عليه الإجماع بحسب الظاهر (١) ؛ اشتباه نشأ من غلط النسخة المحكي عنها هذا القول ، وإلّا فعبارة الغنية صريحة في خلافه ، فإنّ صورتها هكذا : ويعتبر في الكنوز بلوغ النصاب الذي تجب فيه الزكاة ، وفي المأخوذ بالخوض بلوغ قيمته دينارا فصاعدا بدليل الإجماع المتكرّر (٢). انتهى.

فكأنّ النسخة التي عثر عليها صاحب الجواهر ـ قدس‌سره ـ كانت مشتملة على السقط ، وكيف كان فالأصل في هذا الحكم هو الصحيحة المزبورة.

ويشهد له أيضا : مرسلة المفيد المتقدّمة (٣) التي هي نصّ في ذلك.

ولكن قد أشرنا إلى غلبة الظنّ بكونها نقلا لمضمون الصحيحة ، لا رواية أخرى مستقلّة ، فالعمدة هي تلك الصحيحة ، وهي غير قاصرة عن إفادة المدّعى ، أي : اشتراط بلوغ النصاب ، كما تقدّمت الإشارة إليه.

ويؤيّده أيضا : فهم الأصحاب ، وفتواهم ، ونقل إجماعهم عليه ، فهذا إجمالا ممّا لا شبهة فيه.

ولكن الشأن في تشخيص ما أريد بالمثل في الرواية ، فإنّه ممّا يختلف

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٢٦.

(٢) الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٧.

(٣) تقدّمت في ص ٤٨.

٥٢

به الحدّ المزبور ، لأنّه إن أريد بمثله ما يماثله على الإطلاق ، فإن قيل باختصاصه بالنقدين إبقاء للفظ «المثل» والوجوب على ظاهرهما ، فنصاب كلّ منهما ما هو نصابه في باب الزكاة ، كما هو واضح.

وإن قيل بالتعميم وصرف الوجوب عن ظاهره ، وحمله على مطلق الثبوت مع إبقاء لفظ «المثل» على ظاهره من المماثلة الحقيقيّة من جميع الجهات ، كما نفينا البعد عنه ، فيتّجه ما حكي عن غير واحد (١) ، بل لعلّه أشهر الأقوال ـ من التفصيل بين ما إذا كان من أحد النقدين ، فيعتبر فيه بلوغ عينه نصابهما ، وإن كان من غيرهما فبلوغ قيمته إمّا عشرين دينارا أو مائتي درهم كما هو الشأن في مثله على تقدير تعلّق الزكاة به كما تقرّر في زكاة مال التجارة.

وإن أريد بمثله قيمته ، أي النقد الذي يقدّر به مقدار ماليّته ، ويقع عوضا عنه غالبا في المعاملات ، ويعدّ مثلا له في باب الغرامات من الدراهم والدنانير المساوية له في مقدار الماليّة ، فإطلاق المثل عليه إمّا لمماثلتهما في الماليّة أو لوقوعه تداركا له وبدلا عنه ، فهو مثل حكميّ له ، كما أنّ ما يشاركه ذاتا مثل حقيقيّ له.

وكيف كان ، فمقتضى إطلاق النصّ على هذا التقدير بلوغ قيمته نصاب أحد النقدين من غير فرق بين كونه بنفسه من أحدهما أم لا ، فلو كان سبعة دنانير أو ثمانية أو تسعة قيمتها مائتا درهم كما في هذه الأعصار ، أو كان مائة درهم في زمان أو مكان قيمتها عشرون دينارا وجب فيه الخمس ، فإنّه يصدق أنّه يجب في مثله الزكاة بالمعنى المزبور.

ودعوى أنّ الظاهر من المماثلة هو أن يبلغ ما كان من أحد النقدين

__________________

(١) كما حكاه في الذخيرة ص ٤٧٩ س ٤ عن المنتهى وارتضاه ، وراجع المنتهى : ١ / ٥٤٩.

٥٣

نصابه وإن كان من غيرهما فتكفي قيمة أحدهما ، فيصدق على عشرة دنانير أنّه لا يجب في مثله الزكاة ، بخلاف مقدار من الحديد يسوي عشرة دنانير ومائتي درهم ، مدفوعة : بأنّه إن أريد بالمثل مثله الذي هو عبارة عن النقد المساوي له في الماليّة ، فلكلّ شي‌ء مثلان بهذا المعنى : أحدهما من جنس الدراهم ، والآخر من جنس الدنانير ، ففي العشرة دنانير لا يجب في أحد مثليه الزكاة ، وتجب في الآخر.

وكذا الحديد المفروض أنّه يسوي عشرة دنانير ، كما أنّه لو فرض العشرة الدنانير مسكوكة بسكّة قديمة مرغوبة عند الناس بحيث بلغت قيمتها أمّا لجودة جوهرها أو لمرغوبيّة سكّتها عشرين دينارا يصدق أنّه يجب في مثلها الزكاة مطلقا ، سواء قدّر مثلها بالدراهم أو الدنانير ، كما أنّه ينعكس الأمر لو فرض عكسه ، بأن وجد كنزا مشتملا على عشرين دينارا ، ولكن لرداءة جوهره لا يسوى في هذا الزمان بهذه القيمة ، ولا بمائتي درهم مثلا يصدق عليه أنّه ليس في مثله الزكاة.

وإن أريد مثله الحقيقي ، ففي الحديد أيضا لا يصدق.

وبعبارة اخرى : أنّ لفظ «المثل» من الألفاظ المبهمة المحتاجة إلى التمييز ، فقوله : ما يجب في مثله الزكاة إمّا أن يراد منه مثله عينا أو في الجملة أي مماثله إمّا من إحدى الجهتين أو مطلقا ، أي من كلتا الجهتين ، وأمّا إرادته عينا في بعض مصاديق الكنز ، وقيمة في بعضها الآخر ، كما هو مآل الاستظهار المزبور ، فهو استعمال للفظ «المثل» في معنيين.

اللهمّ إلّا أن يكون الكلام في مقام الإبهام والإجمال ، بأن يكون المقصود بيان أنّه يجب الخمس في الكنز الذي تجب الزكاة في شي‌ء من أمثاله الأعمّ من الحقيقيّة والحكميّة على سبيل الإجمال ، فلا ينافيه حينئذ

٥٤

التفصيل في المصاديق ، ولا يلزم منه استعمال اللفظ في معنيين ، ولكن ينافيه الاستظهار المزبور كما لا يخفى.

وغاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستظهار المزبور هو : أنّ المثل مطلق شامل للحقيقي والحكمي ، بمعنى أنّه استعمل لفظ «المثل» في مطلق ما يشابهه ولو من جهة الماليّة ، ولكنّ الانصراف إلى الحقيقي في الدينار والدرهم ، والحكمي في ما عداهما ينشأ من قبل الحكم ، أعني وجوب الزكاة فيه ؛ فإنّه يكشف عن أنّ المراد بالمثل هو مثله الذي يتعلّق به الزكاة ، فينحصر مصداقه في ما عدا الدينار والدّرهم في المثل الحكمي وهو قيمته ، وأمّا في الدينار والدرهم حيث تتعلّق الزكاة بمثله الحقيقي لا يقدّر الذهن له مثلا اعتباريّا أي لا يلتفت إلى مثله الاعتباري ؛ كي يفهم إرادته من الإطلاق.

وفيه : أنّ المناسبة بين الحكم والموضوع كاشفة عن أنّ المراد بالمثل في كلّ مورد هي مصاديقه القابلة لأن يتعلّق بها الزكاة ، لا ما ينصرف إلى الذهن من مفهوم «المثل» المقيّد بقبوله للزكاة.

توضيحه : أنّه فرق بين ما لو قال : ما تجب الزكاة في مثله القابل لأن يتعلّق به الزكاة ، سواء كان حقيقيّا أو حكميّا ففيه الخمس ، أو قال : ما تجب الزكاة في مثله حقيقيّا كان أو حكميّا ففيه الخمس ؛ فإنّه لا يبعد في الأوّل دعوى انصرافه عن المثل الاعتباري في ما كان له مثل حقيقي بالتقريب المزبور.

وأمّا في الثاني فلا ؛ فإنّه وإن لم يكن المراد منه أيضا في الواقع إلّا مصاديقه القابلة لأن يتعلّق به الزكاة ، ولكن هذا التقييد إنّما هو من قبل العقل الحاكم بعدم معقوليّة إرادة الأفراد غير القابلة للحكم ، فلا يعقل فيه الانصراف بعد فرض كون الحكم معلّقا على طبيعة مرسلة.

٥٥

فالإنصاف أنّ الاستظهار المزبور ـ بعد فرض إرادة القيمة من مثله ـ في غير محلّه.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ المراد بمثله ليس قيمته كي يتمسّك بإطلاقه ؛ فإنّه تأويل بعيد ، بل المراد به مثله حقيقة ، ولكنّ وجوب الزكاة فيه مبنيّ على التوسّع ، وتنزيل ما لا يتعلّق بعينه الزكاة منزلة قيمته التي يتعلّق بها الزكاة التفاتا إلى مقدار ماليّته التي هي عمدة ما يتعلّق به الغرض في أمثال المقام ، فليتأمّل.

ثمّ لو سلّم أنّ المراد بالمثل هو خصوص المثل الاعتباري أعني القيمة فقد يغلب على الظنّ أنّ المقصود به ليس مطلقه ، سواء كان من جنس الدينار أو الدرهم ، بل خصوص الدينار ؛ لما أشرنا إليه آنفا من أنّ المظنون أنّه لم يرد بالمثل في هذه الصحيحة إلّا ما أريد منه في صحيحته الواردة في المعدن ، التي هي إ في ذلك.

فيتّجه حينئذ ما يظهر من المتن وغيره من أنّه إنّما يجب الخمس فيه (إن بلغ عشرين دينارا) بحسب القيمة من أيّ جنس يكون ، كما في المعدن ، إلّا أنّ التعويل على مثل هذا الظنّ الناشئ من الحدس والتخمين في صرف النصّ عن ظاهره مشكل.

فالأظهر ثبوت الخمس فيه إذا كان من غير النقدين ببلوغ قيمته نصاب أحدهما مطلقا ؛ لإطلاق النصّ.

وأمّا في النقدين فببلوغ كلّ منهما نصابه دون نصاب الآخر ؛ لما عرفت من تطرّق احتمالات في النصّ مقتضية لهذا التفصيل ، فالأصل براءة الذمّة عن الخمس عند عدم بلوغه نصابه وإن بلغ قيمته نصاب الآخر ، بخلاف العكس ؛ فإنّ إطلاق النصّ حينئذ يقتضي ثبوته ، سواء أريد بالمثل : الحقيقي ، كما هو مآل سائر الاحتمالات ، أو المثل

٥٦

الاعتباري أعني القيمة ، والله العالم.

ثمّ إنّ وظيفة هذا الباب إنّما هو بيان تعلّق الخمس بالكنز المفروغ عن تملّك الواجد له ، كما في نظائره ، ولكن جرت عادة الأصحاب على شرح موضوعه ، أي : بيان ما يملكه الواجد منه وما لا يملكه في هذا الباب.

(و) تفصيل القول فيه : أنّ الكنز إمّا أن يكون في دار الحرب أو دار الإسلام ، وعلى التقديرين إمّا أن يكون عليه أثر الإسلام أم لا ، فإن (كان في أرض دار الحرب) سواء كان عليه أثر الإسلام أم لم يكن ، وسواء كانت الأرض ملكا لواحد خاصّ منهم أم لا (أو) في (دار الإسلام ، وليس عليه أثر) ، وكانت الأرض مباحة أو مملوكة للإمام ـ عليه‌السلام ـ ، أو لقاطبة المسلمين فهو لواجده و (وجب) عليه فيه (الخمس) بلا خلاف فيهما على الظاهر ، بل عن جماعة من الأصحاب التصريح في الأوّل بأنّ الأصحاب قطعوا به (١). وعن الخلاف نفي الخلاف فيه (٢). وعن ظاهر الغنية الإجماع عليه (٣).

واستظهر غير واحد عدم الخلاف فيه في القسم الثاني أيضا ؛ لأصالة عدم جريان يد محترمة عليه ، فيجوز تملّكه بحكم قوله ـ عليه‌السلام ـ : (من سبق الى من لم يسبق إليه مسلم فهو له) (٤) وغير ذلك من أدلّة حيازة المباحات.

واحتمال تبعيّة ما يوجد في أرض المسلمين لملكهم في عدم جواز

__________________

(١) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس ص ٥٢٥.

(٢) كما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٢٥ ، وراجع : الخلاف ٢ : ١٢٢ ، المسألة ١٤٨ ، والغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٧.

(٣) كما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٢٥ ، وراجع : الخلاف ٢ : ١٢٢ ، المسألة ١٤٨ ، والغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٧.

(٤) عوالي اللآلي ٣ : ٤٨٠ / ٤.

٥٧

تملّكه كنفس الأرض قد عرفت ضعفه في المعدن.

ويشهد له أيضا ـ مضافا إلى ذلك ـ بعض الأخبار الآتية.

وإن وجده في دار الإسلام ، وكان عليه أثره ، فعن الفاضلين والشهيدين وغيرهم (١) ـ بل عن بعض نسبته إلى أكثر المتأخّرين (٢) ، وعن جامع المقاصد : أنّه الأشهر (٣) ـ أنّه لقطة ؛ لأصالة عدم التملّك بمجرّد الوجدان ، وبقائه على ملك مالكه.

ولأنّه مال ضائع في دار الإسلام عليه أثر الإسلام فيكون لقطة كغيره ممّا يوجد في بلد المسلمين ممّا جرى عليه يد مسلم ولو بحكم الغلبة.

ولأنّ اشتماله على أثر الإسلام مع كونه في دار الإسلام أمارة قويّة على كونه ملكا لمسلم ، فلا يحلّ التصرّف فيه كسائر ما يوجد في بلدهم.

ولموثّقة محمد بن قيس عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ قال : «قضى علي ـ عليه‌السلام ـ في رجل وجد ورقا في خربة : أن يعرّفها ، فإن وجد من يعرّفها ، وإلّا تمتّع بها» (٤).

وأجيب عن الأصول : باندفاعها بأصالة عدم جريان يد محترمة عليه ، فيجوز تملّكه ، كما في ما يوجد في دار الحرب.

ووجود أثر الإسلام مع كونه في دار الإسلام لا يوجبان العلم بكونه لمسلم ، بل غايتهما الظنّ بذلك ، فلا يعوّل عليه في مقابل الأصول المعتبرة ، كما لا يعوّل على الظنّ الحاصل من أحدهما اتّفاقا ، واعتضاد

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٩ ، وراجع : شرائع الإسلام ١ : ١٨٠ ، وتحرير الأحكام ١ : ٧٣ ، وقواعد الأحكام ١ : ٦١ ، والبيان : ٢١٥ ، ومسالك الأفهام ١ : ٤٦٠.

(٢) الناسب هو العاملي في مدارك الأحكام ٥ : ٣٧١.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ٣٨ : ٣١٥ ، وراجع : جامع المقاصد ٦ : ١٧٥.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٩٨ / ١١٩٩ ، الوسائل : الباب ٥ من أبواب كتاب اللقطة ، الحديث ٥.

٥٨

إحدى الأمارتين بالأخرى لدى الاجتماع غير مجد بعد أن لم يدلّ دليل على اعتبارهما.

ودعوى كونه لقطة ؛ مدفوعة : بعدم صدقها على المكنوز قصدا.

وعن الموثّقة : بحملها تارة على الخربة المعروفة المالك ، فالمراد : تعريف الورق مالك الخربة. واخرى : بحملها على الورق غير المكنوز. وثالثة :بأنّها قضيّة في واقعة.

ونوقش في الأخير : بأنّ محمّد بن قيس له كتاب عن الباقر ـ عليه‌السلام ـ في نقل قضايا أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ ، وظاهره إرادة بيان الحكم لا مجرّد حكاية. وفي الأوّلين : بما فيهما من البعد.

والإنصاف أنّ حملها على إرادة تعريف مالك الخربة عند معروفيّته ولو على سبيل الإجمال غير بعيد ، بل لا ينسبق إلى الذهن من الأمر بتعريف الكنز الذي يوجد في الخربة إلّا إرادة تعريف ساكنيها دون الأجانب.

هذا ، مع معارضة الموثّقة بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : سألته عن الدار يوجد فيها الورق ، قال : «إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم ، وإن كانت حربة قد جلا عنها أهلها ، فالذي وجد المال أحقّ به» (١).

ونحوها صحيحته الأخرى عن أحدهما ، قال : وسألته عن الورق يوجد في دار ، فقال : «إن كانت معمورة فهي لأهلها ، وإن كانت خربة فأنت أحقّ بما وجدت» (٢).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٨ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٩ ، الوسائل : الباب ٥ من أبواب كتاب اللقطة ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٠ / ١١٦٥ ، الوسائل : الباب ٥ من أبواب كتاب اللقطة ، الحديث ٢.

٥٩

وحملها على التملّك بعد التعريف سنة ، أو على ما لم يكن عليه أثر الإسلام أبعد من حمل الموثّقة على بعض المحامل التي تقدّمت الإشارة إليها.

ولو سلّم التكافؤ فيرجع إلى أصالة الإباحة ، وعدم عروض الاحترام لهذا المال ، الدافعة لأصالة عدم انتقاله من مالكه ، هكذا قيل.

ولكن يتوجّه عليه : أنّ المرجع في تعارض الخبرين ـ بعد تسليم التكافؤ ـ هو التخيير ، لا التساقط والرجوع إلى الأصول العمليّة ، فالحقّ أنّه لا مكافئة بينهما لا سندا ولا دلالة.

وأمّا أصالة عدم عروض الاحترام : فلا تجري في ما يوجد في أرض المسلمين مطلقا ، سواء كان عليه أثر الإسلام أم لم يكن ، إلّا إذا احتمل دفنه قبل صيرورة الأرض للمسلمين ، وإلّا فيحكم بكونه مملوكا لدافنه بمقتضى اليد ، وكون دافنه محترم المال بحكم الغلبة ؛ ضرورة أنّ كلّ من يوجد في أرض المسلمين وبلدهم محقون ماله ودمه ما لم يعلم تفصيلا بخلافه ، ولذا لو علم حياته واطّلاعه عليه وعدم إعراضه عنه ، لا يجوز التصرّف فيه بالضرورة إلّا إذا علم تفصيلا بكون ماله فيئا للمسلمين ، بل الإنصاف عدم جواز التعويل على هذا الأصل ولو مع احتمال سبق الدفن على انتقال الأرض إلى المسلمين ، فلو وجد مالا مذخورا في الأرض التي استولى عليها المسلمون في هذه الأعصار ، وعلم بحياة مالكه أو ورثته وعلمهم به ، لا يجوز التصرف فيه وتملّكه بمجرّد احتمال كونه حربيّا باقيا في دار الحرب بلا شبهة ، بل الحقّ الذي لا مجال للارتياب فيه : أنّ الأصل في مال الغير مطلقا الاحترام ، وعدم جواز التصرّف فيه إلّا أن يدلّ دليل على خلافه ، فلو وجد شخص مجهول الحال في أرض خارجة عن أرض المسلمين والكفّار ، لا يجوز أخذ ماله مع احتمال إسلامه جزما ، بل وكذا لو وجد في دار الحرب ، إلّا أن يقال : بأنّ الغلبة هناك

٦٠