مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ» (١) (٢).

بل قضية إطلاق موثّقة سماعة ، المتقدّمة (٣) النافية للقضاء عمّن بدأ بالنظر قبل الأكل ، المعتضد بمفهوم العلّة الواقعة في ذيلها ، كإطلاق فتاوى الأصحاب : نفي القضاء أيضا في مثل الفرض ، فالأظهر صحّة الصوم وسقوط القضاء مع المراعاة مطلقا.

ولكن الظاهر اختصاص هذا الحكم بشهر رمضان ؛ لمخالفته للأصل وإطلاق الروايات الدالّة على فساد الصوم بتناول المفطر بعد طلوع الفجر ، واختصاص ما دلّ على الصحّة مع المراعاة ـ وهو موثّقة سماعة وصحيحة معاوية بن عمّار ، المتقدّمتين (٤) ـ بصوم شهر رمضان.

أمّا الموثّقة : فواضح ؛ لوقوع التصريح في السؤال بوقوعه في شهر رمضان.

وأمّا الصحيحة : فإنّه وإن لم يقع فيها التصريح بذلك ، ولكن يفهم ذلك ممّا فيها من الأمر بإتمامه والقضاء ، كما لا يخفى.

فما في المدارك ـ بعد أن ذكر أنّ مقتضى رواية الحلبي : فساد الصوم بتناول المفطر بعد طلوع الفجر مطلقا ، وحكى عن العلّامة وغيره التصريح بهذا الإطلاق ـ من قوله : وينبغي تقييده بغير الواجب المعيّن ، أمّا المعيّن فالأظهر مساواته لصوم رمضان في الحكم (٥) انتهى ، لا يخلو

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٢) الكافي ٤ : ٩٧ / ٧ وفيه : «لم يستبن» بدل «لم يتبيّن» ، التهذيب ٤ : ٣١٧ ـ ٣١٨ / ٩٦٧ ، الوسائل : الباب ٤٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٣) تقدّمت في صفحة ٤٩٤.

(٤) تقدّمتا في صفحة ٤٩٤ و ٤٩٦.

(٥) مدارك الأحكام ٦ : ٩٣.

٥٠١

عن نظر ؛ لأنّه تقييد بلا دليل.

(وكذا) يجب القضاء خاصة (بالإفطار تقليدا) لمن أخبر (أنّ الليل دخل ثم تبيّن فساد الخبر) وإن جاز له التقليد لعمى وشبهه ، أو كان المخبر عدلا أو عدلين وقلنا بحجيّة قوله ، فضلا عمّا لو لم يكن كذلك ؛ إذ لا منافاة بين جواز التقليد وثبوت القضاء عند انكشاف الخطأ ، كما تقدّمت الإشارة إليه آنفا.

وقد ظهر في ما مرّ : وجه وجوب القضاء ونفي الكفّارة في مثل الفرض ، فلا نطيل بالإعادة.

فما عن جملة من الأصحاب (١) من نفي القضاء على تقدير جواز التقليد وإرساله إرسال المسلّمات محلّ نظر ، إلّا أن يكون مجمعا عليه ، وهو غير معلوم ، بل مقتضى إطلاق المتن وغيره : خلافه ، بل قد يتّجه الالتزام بثبوته على تقدير عدم جواز التقليد ما لم يتبيّن مصادفته للّيل ، فلا يتوقّف حينئذ على تبيّن فساد الخبر ؛ لحصول الإفطار في الوقت الذي يجب عليه ترتيب أثر بقاء اليوم بحكم الأصل.

اللهم إلّا أن يقال : إنّ تنجّز التكليف بالقضاء فرع إحراز فوات الواجب في وقته ؛ لأنّه بأمر جديد ، ومتفرّع على الفوت ، فما لم يحرز موضوعه لا يتنجّز التكليف به ، والأصل لا ينهض بإثباته ، كما تقدّم تحقيقه في مسألة الجلد المشكوك ذكاته في آخر كتاب الطهارة (٢).

ولكن يتوجّه عليه ما مرّ مرارا من أنّ القضاء وإن قلنا : إنّه بأمر جديد ، ولكن الأمر الجديد حيثما ورد يكشف عن عدم اختصاص

__________________

(١) راجع : جواهر الكلام ١٦ : ٢٨٢.

(٢) راجع : كتاب الطهارة : ٦٥٣ ـ ٦٥٤ (الطبعة الحجرية).

٥٠٢

مطلوبية ما تعلّق به الأمر الأول بخصوص وقته بحيث تفوت بفواته ، بل هو باق بصفة المطلوبية حتى يخرج المكلّف عن عهدته ، فحينئذ لا يتوقّف تنجّز التكليف بالقضاء على إحراز فوت الواجب ، بل يكفي فيه عدم إحراز حصوله في ذلك الوقت ، إلّا أن يكون هناك أصل حاكم كأصالة الصحّة أو قاعدة الشك بعد الفراغ أو بعد خروج الوقت ونحوه ، وهو مفقود في الفرض ، أو يقال : بأنّ التكليف بالقضاء تعلّق في عناوين أدلّته بإيجاد المفطرات في نهار رمضان ، فإذا أحرز موضوعه بالأصل ، يترتّب عليه حكمه ، وهو سببية الأكل فيه للقضاء ، كسائر الموضوعات الخارجية التي جعل الشارع لها أحكاما شرعية ، تكليفية كانت أو وضعية ، كما في ما نحن فيه الذي هو نظير سببية إتلاف مال الغير للضمان الذي يحرز موضوعه بالاستصحاب ، فليتأمّل.

وقد يقال في صورة عدم جواز التقليد بوجوب الكفّارة أيضا : إمّا بدعوى صدق الإفطار متعمّدا بعد فرض كونه مكلّفا في مرحلة الظاهر بترتيب أثر اليوم شرعا ، أو بدعوى ترتّبها على مطلق الإفطار غير السائغ شرعا.

وقد أشرنا في الفرع السابق إلى عدم خلوّ كلّ من الدعويين من النظر ، بل المنع.

نعم ، لا يبعد صدقه مع التفاته تفصيلا إلى تكليفه وإقدامه على الأكل بلا مبالاة بمصادفته لليوم ، ولكن هذا بحسب الظاهر خارج عن مفروض كلماتهم ، كما أشرنا إليه في الفرع السابق.

(و) الخامس : (الإفطار للظلمة الموهمة دخول الليل) أي الموقعة له في الغلط والاشتباه ما لم يظنّ معها بدخول الليل ، فإنّه يوجب القضاء دون الكفّارة.

٥٠٣

وقد أشكل على كثير من المتأخّرين تصوّر موضوع هذا الحكم ؛ نظرا إلى أنّ المراد بالوهم إن كان معناه المصطلح ـ وهو ما يقابل الشك والظن ـ يشكل الالتزام بنفي الكفّارة بعد قضاء العرف وضرورة العقل بعدم جواز الإفطار بمجرّد احتمال انقضاء اليوم احتمالا موهوما في مقابل الاستصحاب وقاعدة الشغل التي هي من الفطريات في مثل المقام ، الموجبة لاندراجه في موضوع متعمّد الإفطار بحكم العرف وشهادة العقل ؛ إذ الجزم بحصول الإفطار غير معتبر في صدق اسم العمد ، كما مرّت الإشارة إليه مرارا.

وإن أريد من الوهم الظن ـ كما هو أحد إطلاقاته ـ ومن غلبة الظن في عبارة المصنّف ـ رحمه‌الله ـ ونحوها الظن القويّ لا مطلقه ، يشكل الالتزام بهذا التفصيل ؛ إذ لا يساعد عليه دليل ، كما ستعرف.

وحكي (١) عن الشهيد في بعض تحقيقاته أنّه فرّق بين الوهم والظنّ :بأنّ المراد من الوهم : ترجيح أحد الطرفين لا لأمارة شرعية ، ومن الظن : الترجيح لأمارة شرعية.

وقد تعجّب منه غير واحد ممّن تأخّر عنه ، فإنّه مع غرابته غير مستقيم ؛ لأنّ الظن المجوّز للإفطار ، الموجب لسقوط القضاء معه لا يفرّق فيه بين أسبابه ، بل مورد سقوط القضاء مع حصول الظنّ هو الذي سمّاه الشهيد وهما.

والذي ينبغي أن يقال في تحقيق المقام : إنّ تناول المفطر عند عروض ظلمة وشبهها من الأسباب الموهمة دخول الليل يتصوّر على أنحاء :

__________________

(١) الحاكي عنه هو العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٩٨. وراجع الروضة في شرح اللمعة ٢ :٩٦.

٥٠٤

فإنّه ربما يكون حال تناول المفطر ملتفتا إلى حالته تفصيلا ، ويجد نفسه شاكّا أو ظانّا بدخول الليل أو بعدمه ، ومع ذلك يقدم على الإفطار ، ولا مجال للارتياب في فساد صومه في مثل الفرض على تقدير أن يرى نفسه شاكّا أو ظانّا ببقاء اليوم ، بل ولا في وجوب الكفّارة عليه.

ولكن هذا الفرض بحسب الظاهر خارج عن موضوع كلماتهم ؛ فإنّ محلّ الكلام في من لم يرتدع عن عزمه على صوم اليوم ، ولكن تناول المفطر بانيا على انقضاء اليوم وحصول وقت الإفطار ، وهذا ينافي الظنّ ببقاء اليوم أو التردّد فيه.

نعم ، يمكن أن يجتمع مع الظنّ بدخول الليل تنزيلا له منزلة العلم ، كسائر الموارد التي يعوّل عليه العقلاء في مقاصدهم ، وهذا بخلاف صورة التردّد أو الظنّ بالخلاف ، كما لا يخفى على المتأمّل.

ولكن هذا مع الالتفات التفصيلي إلى حالته ، وأمّا بدونه فقد يجتمع تناول المفطر في زمان لا يعتقد بكونه ليلا لا اعتقادا جزميّا ولا ظنيّا مع بنائه على الخروج عن عهدة التكليف بالصوم بما صدر منه : إمّا غفلة عن احتمال الخلاف ، كما لو سمع الأذان ، أو رأى ظلمة وشبهها ، فارتسم في متخيّلته دخول الليل ولم يخطر بذهنه خلافه حتى يتردّد فيه أو يرجّح أحد طرفيه أو يذعن به إذعانا تصديقا ، ومثله لا يسمّى شاكّا ولا ظانّا ولا معتقدا بالليل ، بل يطلق عليه في العرف اسم التوهّم والتخيّل ، نظير ما قد يتخيّل الإنسان أمورا لا واقعية لها إلى أن يستغرق في الفكر ويذهل عن كونها أمورا وهمية ، فيرتّب عليها أثر الوجود ، ثم يلتفت إلى حالته فيراها غير متأصّلة ، فهذا النحو من الجزم الناشئ من الوهم ليس من سنخ العلم والاعتقاد ، ولعلّه ملحق بالسهو لدى العرف حكما إن لم يكن مندرجا في موضوعه.

٥٠٥

وقد لا يحصل له الغفلة عن احتمال الخلاف بحيث يلحق بالساهي ، ولكن لا يعتني به من باب المسامحة والتمحّلات العرفية الباعثة لهم على ترتيب أثر الصحة على الأمور التي لا يعلمون بصحتها ، بل ربما يعلمون إجمالا بفسادها ، وقد نبّهنا في كتاب الصلاة على عدم المضادّة بينه وبين قصد الصوم المسقط للتكليف المعلوم لديهم أنّه من طلوع الفجر إلى الغروب ، فإنّ أدلّ دليل على إمكان الشي‌ء وقوعه ، ونحن نشاهد أنّ كثيرا من أهل السواد يصلّون ويصومون ويأتون بسائر العبادات الواجبة والمستحبّة بقصد القربة والخروج عن عهدة التكليف بها ، ولا يراعون شرائطها وأجزاءها حقّ رعايتها ، بل يتسامحون فيها كمال المسامحة ، ويعترفون بتقصيرهم فيها ، وجهلهم بأحكامها ، بل ربما يذعنون بنقصها ، وعدم كونها على ما ينبغي ، ومع ذلك يتسامحون فيها تنزيلا لها على مقاصدهم العرفية القابلة للمسامحة.

أمّا القسم الأول الذي قد أشرنا إلى كونه ملحقا بالسهو : فلا شبهة في عدم كونه موجبا للكفّارة ، بل قد يتأمّل في سببيته للقضاء أيضا ؛ لما أشرنا إليه من إمكان دعوى كونه من أقسام السهو الذي لا خلاف نصّا وفتوى في عدم كونه موجبا للقضاء ، أو دعوى اشتراط العمد في المفطرية ، وهو بهذا العنوان لم يصدر عمدا.

ولكن لا يخلو كلّ من الدعويين عن النظر.

أمّا الأولى : فلانصراف ما دلّ على حكم السهو عنه لو سلّم اندراجه فيه موضوعا.

وأمّا الثانية : فلما مرّ في تفسير العمد المعتبر في المفطرية من أنّ المراد به ما يقابل السهو والنسيان ، لا العمد من حيث مبطليته للصوم ، فإلحاقه بالجازم بدخول الليل الذي حصل له الجزم بلا تحرّ ، الذي

٥٠٦

ستعرف أنّ الأشبه فيه وجوب القضاء لو لم نقل بأنّه أيضا من أقسامه ، إلّا أنّه جزمه جزم غير مستقر لا يخلو عن قوة.

وأمّا القسم الثاني : وهو ما كان مبنيّا على المسامحة ، كما هو الغالب في موارده ، المنصرف إليه إطلاق المتن ونحوه ، فلا شبهة في فساد صومه.

وأمّا الكفّارة : فالأشبه عدمها بناء على ما قوّيناه من اختصاصها بمن أفطر متعمّدا ، فإنّه لم يتعمّد بفعله الإفطار في نهار رمضان حتى يطلق عليه هذا العنوان ، وإلّا لم يجتمع مع عزمه على الصوم ، والمفروض خلافه. وابتناؤه على المسامحة إنّما يصحّح العقاب عليه ؛ لا اندراجه تحت هذا العنوان عرفا.

نعم ، لو بنينا على ترتّب الكفّارة على مطلق الإفطار غير السائغ شرعا ، اتّجه الالتزام بها في المقام لو لم ينعقد الإجماع على خلافه ، ولكنك عرفت ـ في ما سبق ـ ضعف المبنى.

هذا كلّه في ما إذا لم يحصل له بواسطة الظلمة ونحوها الظنّ بدخول الليل.

(و) أمّا (لو غلب على ظنّه) وكان في السماء علّة من غيم أو عجّة (١) ونحوها ، كما هو منصرف كلماتهم في هذا المقام ، حيث إنّ الغالب أنّ الظلمة الموهمة لا تكون إلّا عن علّة سماوية مانعة عن تحصيل العلم بالغروب ، فلا خلاف بين علمائنا ظاهرا ـ كما ادّعاه في المدارك (٢) ـ في أنّه يجوز له الإفطار تعويلا على ظنّه ، كما أنّه يجوز الدخول في الصلاة حيثما عرفته في مبحث المواقيت (٣).

__________________

(١) مصطلح دارج ، أراد : العجاجة وهو الغبار ، وقيل : هو من الغبار ما ثوّرته الريح. لسان العرب ٢ :٣١٩.

(٢) مدارك الأحكام ٦ : ٩٥.

(٣) راجع : كتاب الصلاة (الطبعة الحجرية) : ٧١.

٥٠٧

ولكنهم اختلفوا في أنّه لو انكشف الخلاف ، هل يجب عليه قضاء الصوم كإعادة الصلاة لو وقع جميعها قبل الوقت؟ على قولين : حكي (١) أوّلهما ـ أي وجوب قضائه ـ عن المفيد وأبي الصلاح والمصنّف في المعتبر ، بل ربّما نسب (٢) إلى المشهور ، ونسب القول بنفي القضاء إلى الشذوذ (٣).

واستدلّ له : بأنّه تناول ما ينافي الصوم عمدا ، فلزمه القضاء.

وما رواه الشيخ عن محمد بن عيسى عن يونس عن أبي بصير وسماعة عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، في قوم صاموا شهر رمضان ، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا أنّه الليل ، فأفطر بعضهم ، فقال : على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، إنّ الله عزوجل يقول «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» (٤) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه لأنّه أكل متعمّدا (٥).

وحكي (٦) عن الشيخ في جملة من كتبه وابن بابويه في «من لا يحضره الفقيه» وجمع من الأصحاب منهم المصنّف ـ رحمه‌الله ـ في الكتاب أنّه (لم يفطر) أي : لم يفسد صومه ، فلا يجب عليه قضاؤه ؛ للمعتبرة المستفيضة الدالّة عليه.

__________________

(١) الحاكي هو العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٩٥ ، وراجع : المقنعة : ٣٥٨ ، والكافي في الفقه : ١٨٣ ، والمعتبر : ٦٧٨.

(٢) الناسب هو الشيخ الأنصاري في كتاب الصوم : ٥٩٢ و ٥٩٣.

(٣) راجع : جواهر الكلام ١٦ : ٢٨٦.

(٤) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٧٠ / ٨١٥ ، الإستبصار ٢ : ١١٥ / ٣٧٧ ، الوسائل : الباب ٥٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٦) الحاكي عنهم هو العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٩٥ ، وراجع : النهاية : ١٥٥ ، والتهذيب ٤ : ٢٧٠ ، والاستبصار ٢ : ١١٦ ، والفقيه ٢ : ٧٥ ذيل الحديث ٣٢٨.

٥٠٨

كصحيحة زرارة عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ في حديث ، قال لرجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك ، فقال :ليس عليه قضاء (١).

وصحيحته الأخرى ، قال : قال أبو جعفر ـ عليه‌السلام ـ : وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ، ومضى صومك ، وتكفّ عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئا (٢) قوله ـ عليه‌السلام ـ : «إذا غاب القرص» أي بزعمك ، وإلّا امتنع الرؤية بعده ، كما لا يخفى.

واحتمال أن يكون المراد بمضيّ الصوم فساده ، بعيد في الغاية.

وخبر أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، عن رجل صام ثم ظنّ أنّ الشمس قد غابت وكان في السماء علّة فأفطر ، ثم إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب ، فقال : قد تمّ صومه ولا يقضيه (٣).

ورواية الشحّام عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، في رجل صائم ظنّ أنّ الليل قد كان وأنّ الشمس قد غابت ، وكان في السماء سحاب فأفطر ، ثم إنّ السحاب انجلى ، فإذا الشمس لم تغب ، فقال : تمّ صومه

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١٨ / ٩٦٨ ، الوسائل : الباب ٥١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٧ ، التهذيب ٤ : ٢٧١ / ٨١٨ ، الإستبصار ٢ : ١١٥ / ٣٧٦ ، الوسائل : الباب ٥١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٧٠ / ٨١٦ ، الإستبصار ٢ : ١١٥ / ٣٧٤ ، الوسائل : الباب ٥١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٣.

٥٠٩

ولا يقضيه (١).

وأجيب عن دليل القائلين بوجوب القضاء : أمّا عن أنّه تناول المفطر فعليه القضاء : فبأنّ القواعد العامة لا تصلح معارضة للنصوص الخاصّة المخصّصة للعمومات المنافية لها.

وعن موثّقة سماعة : بالقدح في سندها ، وقبولها للحمل على التقية ؛ لموافقتها لمذهب العامّة ؛ وللاستحباب.

أقول : أمّا حملها على الاستحباب مع ما فيها من التعليل والاستشهاد بالآية ففي غاية البعد.

وأمّا القدح في سندها فلا ينبغي الالتفات إليه ؛ بناء على ما حقّقناه في محلّه.

نعم ، هي قاصرة عن مكافئة المستفيضة النافية للقضاء ، خصوصا مع موافقتها للعامّة ، فحملها على التقيّة لا يخلو عن وجه وإن كان قد يستشكل فيه بموافقتها للشهرة بين الأصحاب ، كما ادّعاه غير واحد ، وهي مقدّمة على سائر المرجّحات ، كما تقرّر في محلّه ، ولذا تردّد في المسألة بعض ، وجعل القضاء أحوط.

وقد يقال في توجيه الموثّقة : بأنّ المراد بقوله : على الذي أفطر صيام ذلك اليوم الإمساك في بقية النهار ؛ دفعا لتوهّم بطلان الصوم بذلك ، وجواز تناول المفطر بعده عمدا ، كما يؤيّده الاستشهاد بقوله تعالى «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» فقوله ـ عليه‌السلام ـ «فمن أكل قبل أن يدخل الليل» معناه أنّه أكل بعد أن انكشف له الخطأ ، كما يؤيّده تعليل

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٧١ / ٨١٧ ، الإستبصار ٢ : ١١٥ / ٣٧٥ ، الوسائل : الباب ٥١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤.

٥١٠

القضاء : بأنّه أكل متعمّدا ؛ إذ المتبادر من قوله : «أكل متعمّدا» كونه بعنوان حصوله في اليوم عمديّا ، لا من حيث هو أكل ، وإلّا لتحقّق الأكل عمدا بهذا المعنى في ناسي الصوم أيضا ، فلا يناسبه التعليل.

وفيه : أنّ هذا التأويل وإن لم يكن بعيدا بالنظر إلى ألفاظ الرواية ، ولكنه بعيد عمّا يتفاهم منه عرفا ؛ إذ المتبادر منه ليس إلّا ما فهمه القائلون بوجوب القضاء ، فلا يحسن إرادة مثل هذا المعنى من مثل هذه الرواية إلّا على سبيل التورية من باب التقية ، كإِرادة المعنى الحقيقي من مثل قولك : يدي خالية ؛ في جواب من سألك أن تعطيه شيئا من الدراهم والدنانير.

فعلى هذا لا داعي لحمل قوله ـ عليه‌السلام ـ : «فمن آكل» إلى آخره ، على إرادته في خصوص المورد ، بل معناه العام تفريعا على الآية مشيرا إلى اعتبار العمدية في المفطرية.

والانصاف : أنّ إرادة التورية من هذه الرواية غير بعيدة عن مساقها ؛ فإنّ هذا النحو من التعليلات القابلة للتأويل مشعر بصدورها عن علّة.

وربما جمع أيضا بين الأخبار : بحمل الموثّقة على الظنّ الضعيف ، والروايات النافية للقضاء على الظنّ القوي.

وفيه : أنّه لا شاهد له.

وفي الجواهر حمل الموثّقة على صورة الجهل بأنّ في السماء علّة ، وزعمه أنّ السحاب الذي غشيهم هو الليل ، أي : سواده ، وسائر الروايات على صورة العلم بذلك (١).

وهو أيضا لا يخلو عن نظر.

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٢٨٤.

٥١١

فالأولى ردّ علم الموثّقة إلى أهلها ، أو حملها على التقية ، فالقول بعدم وجوب القضاء هو الأظهر ، ولا اختصاص له بما إذا علم بأنّ في السماء علّة ، بل المدار على : إن أذعن بدخول الليل إذعانا يبيح له تناول المفطر ، ولكن مع الفحص والتحرّي لا بدونه ، كما لو كان في بيت مظلم فحصل له الجزم بدخول الليل بواسطة الساعة ونحوها ، أو إخبار من يعتقد بقوله ، ثم انكشف خطأه ؛ فإنّ هذا خارج عن منصرف النصوص والفتاوى ، فيرجع في حكمه إلى القاعدة ، وهي :فساد صومه بتناول المفطر ما لم يدلّ دليل تعبّدي على خلافه.

وأمّا إذا تفحّص ونظر إلى السماء ، فزعم دخول الليل وأفطر ثم تبيّن خطأه ، اندرج في موضوعها ، ولكن لا يتّفق حصول هذا الفرض في الخارج ، إلّا أن يكون في السماء علّة موجبة له من سحاب أو غبار أو دخان أو عجّة ونحوها ، ولكنه لا يجب علمه بذلك ، بل قد يشتبه عليه الحال ، فيراها ظلمة الليل ، فلو أفطر والحال هذه ، لم يجب عليه القضاء ؛ لإطلاق الروايات المزبورة ، خصوصا صحيحة زرارة الثانية التي ليس فيها إشعار باختصاصه بوجود العلّة في السماء ، فضلا عن العلم بها ، ولكن قد أشرنا إلى إمكان دعوى انصرافها إلى ما لو باشر بنفسه التحرّي والفحص ووقع في الخطأ لا بدونه.

فتلخّص ممّا ذكر : أنّ من تناول المفطر لدى الظلمة الموهمة وشبهها : إمّا أن يكون حال التناول جازما بدخول الليل ومتحرّيا ، فلا قضاء عليه ولا كفّارة ، وبدون التحرّي فعليه القضاء خاصة.

وكذلك من سبق إلى الإفطار لأجل الملازمة المغروسة في ذهنه قبل أن يتصوّرها تفصيلا ، ويذعن بها أو يتردّد فيها.

أو لا يكون بجازم ، فإقدامه على الإفطار حينئذ ، إمّا لعدم مبالاته

٥١٢

بوقوع الأكل في اليوم وفساد صومه على تقدير عدم دخول الليل ، فعليه القضاء والكفّارة ، وإمّا لبنائه على انقضاء اليوم وحصول وقت الإفطار ؛ تعويلا على الأمارة الموهمة إمّا تسامحا أو بزعم حجّيتها ، فعليه القضاء خاصة ، بل لا قضاء أيضا لو كان متحرّيا ، وحصل له الظنّ بدخول الليل ، وكان في السماء علّة كالقطع به مع التحرّي ، والله العالم.

(و) السادس : (تعمّد القي‌ء) فإنّه يوجب القضاء خاصّة ، كما ذهب إليه الشيخ وأكثر الأصحاب على ما نسب إليهم في المدارك (١).

وفي الجواهر : على المشهور شهرة عظيمة ، بل إجماع من المتأخّرين ، بل في الخلاف وظاهر الغنية والمحكي من المنتهى : الإجماع عليه (٢).

وقال ابن إدريس : إنّه محرّم ، ولا يجب به قضاء ولا كفّارة (٣).

وحكي (٤) عن السيد المرتضى ـ رحمه‌الله ـ أنّه حكى عن بعض علمائنا قولا بأنّه موجب للقضاء والكفّارة ، وعن بعضهم أنّه ينقّص الصوم ولا يبطله. ثم قال : وهو الأشبه.

والأصحّ الأوّل.

لنا على وجوب القضاء : أخبار مستفيضة :

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : إذا تقيّأ

__________________

(١) مدارك الأحكام ٦ : ٩٨ ، وراجع : النهاية : ١٥٥ ، والمبسوط ١ : ٢٧٢.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ٢٨٧ ، وراجع : الخلاف ٢ : ١٧٨ ، المسألة ١٩ ، والغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٩ ، ومنتهى المطلب ٢ : ٥٧٩.

(٣) السرائر ١ : ٣٧٨.

(٤) الحاكي عنه هو العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٩٨ ، وراجع : جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٤.

٥١٣

الصائم ، فعليه قضاء ذلك اليوم ، وإن ذرعه (١) من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه (٢).

وصحيحته الأخرى أيضا عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه (٣).

وموثّقة سماعة ، المروية عن التهذيب ، قال : سألته عن القي‌ء في شهر رمضان ، فقال : إن كان شي‌ء يبدره فلا بأس ، وإن كان شي‌ء يكره نفسه عليه فقد أفطر وعليه القضاء (٤).

وعن الصدوق (٥) بإسناده عن سماعة بن مهران نحوه ، إلّا أنّه قال :سأل أبا عبد الله عليه‌السلام.

وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، عن أبيه ـ عليه‌السلام ـ أنّه قال : من تقيّأ متعمّدا وهو صائم فقد أفطر ، وعليه الإعادة ، وإن شاء الله عذّبه وإن شاء غفر له ، وقال : من تقيّأ وهو صائم فعليه القضاء (٦).

ومرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ،

__________________

(١) أي : سبقه وغلبه في الخروج. النهاية لابن الأثير ٢ : ١٥٨.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٨ / ٢ ، الوسائل : الباب ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٣.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٨ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٦٤ / ٧٩١ ، الوسائل : الباب ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٢٢ / ٩٩١ ، الوسائل : الباب ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

(٥) الفقيه ٢ : ٦٩ / ٢٩١ ، الوسائل : الباب ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ذيل الحديث ٥.

(٦) التهذيب ٤ : ٢٦٤ / ٧٩٢ ، الوسائل : الباب ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٦.

٥١٤

قال : من تقيّأ متعمّدا وهو صائم قضى يوما مكانه (١).

وخبر علي بن جعفر ـ المروي عن كتابه ـ عن أخيه ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته عن الرجل يستاك وهو صائم فيقي‌ء ما عليه؟ قال : إن كان تقيّأ متعمّدا فعليه قضاؤه ، وإن لم يكن تعمّد ذلك فليس عليه شي‌ء (٢).

ولا يعارضها خبر عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عن أبيه ـ عليهما‌السلام ـ ، قال : ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء والاحتلام والحجامة (٣) لوجوب حمله على ما لو ذرعه القي‌ء بشهادة غيره من الأخبار المزبورة ، فالقول بعدم وجوب القضاء كما اختاره السيد في عبارته المحكية عنه بعد أن نسبه إلى بعضهم ؛ ضعيف.

وأضعف منه : ما حكي (٤) عن ابن إدريس من القول بحرمته تعبّدا ؛ لانتفاء ما يدلّ عليه ؛ إذ الأخبار المزبورة إنّما تدلّ على فساد الصوم ووجوب القضاء عليه ، لا حرمته تعبّدا ، كما هو واضح.

ويتلوهما في الضعف : القول بوجوب الكفّارة أيضا ؛ لمخالفته للأصل.

مضافا إلى عدم نقل الخلاف فيه عمّا عدا البعض الذي أرسل عنه السيد في عبارته المحكية عنه ، وإشعار بعض الأخبار المتقدّمة وعدم

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٦٤ / ٧٩٣ ، الوسائل : الباب ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٧.

(٢) مسائل علي بن جعفر : ١١٧ / ٥٥ ، الوسائل : الباب ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١٠.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٦٠ / ٧٧٥ ، الإستبصار ٢ : ٩٠ / ٢٨٨ ، الوسائل : الباب ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٨.

(٤) الحاكي عنه هو العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٩٨ ، وراجع : السرائر ١ : ٣٧٨.

٥١٥

التعرّض في شي‌ء منها للكفّارة بعدمها.

وإطلاق اسم الإفطار عليه في بعض الأخبار المتقدّمة لو سلّم كونه حقيقيا ، لا يجعله مندرجا في موضوع قوله : من أفطر متعمّدا فعليه كذا بعد انصراف هذا الإطلاق عرفا إلى الأكل والشرب لو لم نقل بكونه حقيقة فيهما ، كما أوضحناه في الاحتقان.

والمراد بلفظ «الإفطار» في مثل هذه الموارد هو مطلق الإفساد ، لا التشبيه بالأكل والشرب حتى يدّعى أنّ مقتضى إطلاق التشبيه مساواتهما في الحكم لا في خصوص القضاء.

مع إمكان أن يقال : إنّه على تقدير إرادة التشبيه ينصرف إلى خصوص القضاء ، لأنّه هو الوجه الظاهري الذي ينصرف إليه التشبيه.

(ولو ذرعه) القي‌ء وسبقه قهرا (لم يفطر) كما يدلّ عليه جميع الروايات المزبورة منطوقا ومفهوما.

ويشهد له أيضا خبر معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في الذي يذرعه القي‌ء وهو صائم ، قال : يتمّ صومه ولا يقضي (١).

وفي حديث الزهري ـ المروي عن الكافي ـ عن علي بن الحسين ـ عليهما‌السلام ـ وأمّا صوم الإباحة فمن أكل أو شرب ناسيا أو قاء من غير تعمّد ، فقد أباح الله له ذلك وأجزأ عنه صومه (٢).

مضافا إلى الأصل والصحيح (٣) الحاصر لما يضرّ الصائم في ما عداه.

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٨ / ٣ ، الوسائل : الباب ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٨٣ ـ ٨٦ / ١ ، الفقيه ٢ : ٤٦ ـ ٤٨ / ٢٠٨ ، التهذيب ٤ : ٢٩٤ ـ ٢٩٦ / ٨٩٥ ، الوسائل :الباب ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨٩ / ٥٣٥ و ٢٠٢ / ٥٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ / ٢٤٤ ، الفقيه ٢ : ٦٧ / ٢٧٦ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

٥١٦

مع أنّه لا خلاف فيه على الظاهر ، عدا أنّه حكي (١) عن ابن الجنيد أنّه أوجب القضاء به إذا كان من محرّم ؛ ولعلّه مبنيّ على إلحاقه بالعامد لكونه مأمورا بقيئه.

وفيه : أنّ هذا إن صلح وجها فهو لعدم البطلان بعمده على تقدير حصول تناوله سهوا بحيث لا يخلّ بصومه أو وقوعه في الليل ، ولم نقل بمانعيّته عن انعقاد الصوم ، لا لكون سبق القي‌ء قهرا من حيث هو ملحقا بعمده ، كما لا يخفى على المتأمّل.

(و) السابع ممّا يوجب القضاء خاصّة : (الحقنة بالمائع) كما عرفته في ما سبق.

(و) الثامن : (دخول الماء الحلق للتبرّد دون التمضمض به للطهارة) يعني من أدخل فمه الماء فدخل حلقه ـ أي : جوفه ـ بغير اختياره ، فإن كان متبرّدا فعليه القضاء ، وإن كان للمضمضة به للطهارة فلا شي‌ء عليه ، على ما صرّح به في المتن وغيره ، بل عن المنتهى : أنّ هذا قول علمائنا (٢).

وحكي (٣) عن طائفة من الأصحاب اختصاص حكم المضمضة للطهارة بما إذا كانت لصلاة فريضة دون غيرها ، واختاره غير واحد من المتأخّرين.

والأصل في المسألة أخبار مستفيضة :

منها : ما عن الشيخ ـ في الموثّق ـ عن سماعة في حديث ، قال : سألته

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة : ٢٢٢.

(٢) حكاه العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ١٠٠ ، وراجع : منتهى المطلب ٢ : ٥٧٩.

(٣) كما في الحدائق الناضرة ١٣ : ٨٧.

٥١٧

عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه ، قال : عليه قضاؤه ، وإن كان في وضوء فلا بأس به (١).

وعن الصدوق بإسناده عن سماعة بن مهران نحوه (٢) ، إلّا أنّه قال :سأل أبا عبد الله ، الحديث.

وخبر الريّان بن الصلت عن يونس ، قال : الصائم في شهر رمضان يستاك متى شاء ، وإن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فلا شي‌ء عليه ، وإن تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه ، فعليه الإعادة ، والأفضل للصائم أن لا يتمضمض (٣).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، في الصائم يتوضّأ للصلاة فيدخل الماء حلقه ، قال : إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه شي‌ء ، وإن كان وضوؤه لصلاة نافلة ، فعليه القضاء (٤).

وموثّقة عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن رجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم ، قال : ليس عليه شي‌ء إذا لم يتعمّد ذلك ، قلت : فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء ؛ قال :ليس عليه شي‌ء ، قلت : فإن تمضمض الثالثة ؛ قال : فقال : قد أساء

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٢٢ / ٩٩١ ، الوسائل : الباب ٢٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٦٩ / ٢٩٠ ، الوسائل : الباب ٢٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ذيل الحديث ٤.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٧ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٠٥ / ٥٩٣ ، الإستبصار ٢ : ٩٤ / ٣٠٤ ، الوسائل : الباب ٢٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٣٢٤ / ٩٩٩ ، الوسائل : الباب ٢٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ذيل الحديث ١.

٥١٨

ليس عليه شي‌ء ولا قضاء (١).

وهذه الروايات بظاهرها مختلفة المفاد.

وأمّا موثّقة سماعة : فهي بظاهرها مع قطع النظر عمّا يقتضيه الجمع بينها وبين ما عداها ظاهرة الانطباق على ما نسب (٢) إلى المشهور.

ولكن لا يبعد أن يكون قوله ـ عليه‌السلام ـ : «في وضوء» جاريا مجرى التمثيل ، بأن يكون المراد به مطلق ما كان لحاجة شرعية أو عرفية بحيث يعمّ ما قصد به التداوي ، أو إزالة الدم من فمه ونحوهما في مقابل ما ليس كذلك.

كما أنّه يحتمل أن يكون المقصود به التمثيل للطهارة بحيث يتناول الغسل ، لا مطلق الحاجة ، أو يكون المراد خصوصه لا المثال.

وعلى أيّ تقدير ، فإن قلنا بظهور الشرطيّة في إرادة التعليق والانتفاء عند الانتفاء ، فمفهومها أنّ ما ليس كذلك موجب للقضاء مطلقا ، فالمضمضة لا لحاجة من غير عطش هو القدر المتيقّن الذي يفهم حكمه منه على أيّ تقدير.

وأمّا إن قلنا بأنّ الشرطيّة في مثل هذه الموارد المسبوقة بحكم موهمة للعموم بمنزلة الاستدراك ، وليس لها ظهور في إرادة الانتفاء عند الانتفاء ـ كما هو مقتضى الإنصاف ـ فلا تدلّ الرواية إلّا على حكم المضمضة من العطش والمضمضة للوضوء.

نعم ، يستفاد منها حكم المضمضة للغسل أيضا بعدم القول بالفصل

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣٢٣ / ٩٩٦ ، الوسائل : الباب ٢٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

(٢) الناسب هو الشيخ الأنصاري في كتاب الصوم : ٥٩٤.

٥١٩

مع غلبة الظنّ بإرادة التمثيل للطهارة من الوضوء لا خصوصه.

وأمّا المضمضة للتداوي ونحوه أو عبثا لا للتبرّد ، فلا يمكن استفادة حكمها منها ؛ لخروجها عن موضوعها ، ولا يصح إلحاقها بالمضمضة من العطش ؛ لكونه قياسا مع الفارق ؛ لإمكان أن يكون للعطش مدخلية في سببيتها للقضاء ، حيث إنّ له تأثيرا في اقتضاء الطبع أن يسبق إليه الماء ، فيكون أشبه بالعمد ممّا كان للتداوي ونحوه.

فالوجه حينئذ في ما عدا المضمضة من العطش نفي القضاء مطلقا ولو كانت عبثا ، فضلا عمّا لو كانت للتداوي ، كما ستسمع اختياره من المصنّف في الفرع الآتي ؛ لاشتراط العمد في مفطرية الأكل والشرب ، وهو غير حاصل في الفرض.

ويؤيّده أيضا ، بل يدلّ عليه : إطلاق قوله ـ عليه‌السلام ـ : «ليس عليه شي‌ء» من غير استفصال في جواب السؤال عن أنّ الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء في موثّقة عمّار المتقدّمة (١).

ودعوى : انصراف هذه الموثّقة إلى إرادة المضمضة للطهارة ؛ لمعهودية التثليث فيها ، فتعريف الثانية والثالثة في كلام السائل قرينة مرشدة إلى إرادتها ، مدفوعة ؛ بعد تسليم كون معهوديتها على وجه توجب صرف اللام في لفظ الثانية والثالثة إلى إرادة العهد دون الجنس : بأنّ هذا لا يقدح في الاستدلال بإطلاق الجواب عمّا سأله أوّلا ، إذ ليس في سؤاله الأوّل إشعار بإرادة خصوص المضمضة للطهارة ، وقد أجابه ـ عليه‌السلام ـ : بأنّه لا شي‌ء عليه من غير استفصال ، فدلالة سؤاله ثانيا أو ثالثا على أنّ مورد السؤال هي المضمضة للطهارة لا يقتضي قصر

__________________

(١) تقدّمت في صفحة ٥١٨.

٥٢٠