مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

الغروب ، لم يجب عليه ذلك وإن أمن من ضرره ، فضلا عمّا لو تضرّر به أو شقّ عليه استمساكه ؛ إذ لا يصدق عليه اسم الاستمناء ولا الجنابة العمدية الموجبة لفساد الصوم.

وكونه قادرا على المنع عن خروجه لا يجعل فعله من حيث هو عمديّا ، بل لو بقي المني بنفسه في المجرى ، جاز له الاستبراء وإخراجه ببول ونحوه ؛ فإنّه وإن صحّ حينئذ توصيفه بالجنابة العمديّة بلحاظ تعمّده في الإخراج إلى الظاهر الذي يتمّ به سببيته للجنابة ، ولكن لا دليل على أنّ مطلق الجنابة التي يصح اتّصافها بالعمد ولو بهذا الاعتبار موجبة للبطلان ؛ إذ الأخبار الدالّة عليه وردت في الملاعبة والتقبيل والجماع ونحوها ، فلا تتناول مثل الفرض.

وكلمات الأصحاب أيضا غير شاملة له ؛ فإنّهم وإن أطلقوا في فتاواهم ومعاقد إجماعاتهم المحكية القول بأنّ الجنابة العمدية مفسدة للصوم ، ولكن المتبادر من إطلاقها كونها من أصلها عن عمد كموارد الأخبار لا مثل الفرض.

نعم ، لو كان حصولها في الوقت الذي يجب الإمساك عنه اختياريّا ، بأن احتلم ، مثلا ، في الليل في زمان يسع للغسل ولكن أمسك ماءه اختيارا ثمّ أنزله في اليوم ، اندرج في موضوع كلماتهم ؛ إذ لا فرق حينئذ بينه وبين ما لو حصل ذلك بسبب اختياري ـ كما لو استمنى في الليل وأنزل في اليوم ـ في كونه لدى العرف من المصاديق الواضحة للجنابة العمدية التي يمكن دعوى استفادتها من أخبار الباب بالفحوى وعدم القول بالفصل ، بخلاف مسألة الاستبراء ، التي لا يلتفت الذهن أصلا إلى إسراء حكم الجنابة العمدية إليها ، ولذا لا يخطر بذهن المحتلم حين انتباهه من النوم الاستمساك لدى قدرته عليه ، ولا الامتناع من

٤٤١

الاستبراء قبل الاغتسال ولو مع علمه ببقاء شي‌ء من المني في المجرى ، كما لا يخفى على من لاحظ ما استقرّ عليه سيرة المتشرّعة.

ثم إنّه لو قلنا بمفطّرية الاستبراء لدى العلم ببقاء المني ، فليس مشقّة الصبر عليه إلى الغروب أو تضرّره به موجبا لرفع هذا الحكم ، كما هو الشأن في ما لو تضرّر بالإمساك عن الجماع أو غيره من المفطرات.

(والحقنة بالجامد جائزة) على المشهور ، كما نسب (١) إليهم ، خلافا لما عن المصنّف في المعتبر من القول بحرمته تعبّدا (٢) ، وقوّاه في المدارك (٣).

وعن العلّامة في المختلف القول بأنّه مفسد للصوم (٤).

وعن الصدوق إطلاق القول بأنّه لا يجوز للصائم الاحتقان (٥).

وعن المفيد أنّه أطلق القول بأنّه مفسد (٦).

وعن السيد في جمله أنّه حكي عن قوم من أصحابنا وجوب القضاء والكفّارة بالحقنة ، وعن آخرين القضاء خاصّة من غير تفصيل (٧).

وعن ابن الجنيد أنّه قال : يستحب للصائم الامتناع من الحقنة ؛ لأنّها تصل إلى الجوف (٨).

__________________

(١) راجع : الجواهر ١٦ : ٢٧٢.

(٢) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٦٤ ، وراجع : المعتبر ٢ : ٦٥٩ و ٦٧٩.

(٣) مدارك الأحكام ٦ : ٦٤ وفيه بعد أن نقل عن المصنّف ما في المتن ، قال : وهو المعتمد.

(٤) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٦٣ ، وراجع : مختلف الشيعة : ٢٢١.

(٥) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٦٣.

(٦) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٦٣ ، وراجع : المقنعة : ٣٤٤.

(٧) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ١٣ : ١٤٤ ، وراجع : جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) ٣ : ٥٤.

(٨) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٦٣. والعلامة في مختلف الشيعة : ٢٢١.

٤٤٢

ولكن لا يبعد أن يكون مراد من أطلق اسم الاحتقان هو الاحتقان بالمائع ؛ إذ لا يطلق عرفا على استدخال الجامد اسم الحقنة ، كما صرّح به في المسالك (١).

وكيف كان ، فيدلّ على نفي البأس عن الحقنة بالجامد : مضافا إلى الأصل ، وحصر ما يضرّ الصائم في غيره في الصحيح (٢) : خصوص صحيحة علي بن جعفر أنّه سأل أخاه عن الرجل والمرأة ، هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان؟ فقال : لا بأس (٣).

وموثّقة الحسن بن فضّال ـ المروية عن الكافي ـ عن أبيه ، قال :كتبت إلى أبي الحسن ـ عليه‌السلام ـ : ما تقول في اللّطف يستدخله الإنسان وهو صائم؟ فكتب ـ عليه‌السلام ـ : لا بأس بالجامد (٤).

وعن الشيخ بإسناده مثله ، إلّا أنّه قال : في التلطّف من الأشياف (٥).

وبهذه الموثّقة يقيّد إطلاق الصحيحة الاولى لو لم نقل بانصرافها في حدّ ذاتها إلى الجامد.

ولا يعارضها : صحيحة البزنطي عن أبي الحسن ـ عليه‌السلام ـ ، أنّه سأله عن الرجل يحتقن يكون به العلّة في شهر رمضان ، فقال : الصائم

__________________

(١) مسالك الأفهام ٢ : ١٩.

(٢) التهذيب ٤ : ١٨٩ / ٥٣٥ و ٢٠٢ / ٥٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ / ٢٤٤ و ٨٤ / ٢٦١ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٤ : ١١٠ / ٥ ، التهذيب ٤ : ٣٢٥ / ١٠٠٥ ، الوسائل : الباب ٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٤) الكافي ٤ : ١١٠ / ٦ ، الوسائل : الباب ٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٠٤ / ٥٩٠ ، الإستبصار ٢ : ٨٣ / ٢٥٧ ، الوسائل : الباب ٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٣.

٤٤٣

لا يجوز له أن يحتقن (١) لما تقدّمت الإشارة إليه من أنّ الاحتقان لا يطلق عرفا على استدخال الجامد.

ولو سلّم صدق اسمه عليه عرفا وعدم انصرافه عنه ، وجب تقييده بالموثّقة التي هي حجّة كافية ، كما تقرّر في محلّه.

(وبالمائع محرّمة) كما يدلّ عليه الصحيحة (٢) المزبورة ، ومفهوم القيد الوارد في الموثّقة (٣).

ويؤيّده أيضا : ما عن الرضوي قال : لا يجوز للصائم أن يقطّر في اذنه شيئا ولا يسعط ولا يحتقن (٤).

(ويفسد بها الصوم على تردّد) ينشأ من إمكان حمل الأخبار المزبورة على إرادة محض التكليف ، فيشكل حينئذ رفع اليد بها عمّا يقتضيه الأصل والصحيحة الحاصرة لما يضرّ بالصائم في غيرها.

ومن هنا قوّى في المدارك ـ وفاقا لما حكاه عن الشيخ في جملة من كتبه وابن إدريس والمصنّف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر ـ القول بحرمته تعبّدا (٥).

ولكن مع ذلك القول بالإفساد أقوى ؛ إذ المتبادر من النهي في مثل هذه الموارد إرادة الحكم الوضعي ، لا محض التكليف ، بل في الجواهر :الأقوى إن لم ينعقد إجماع ـ كما حكاه في المختلف عن السيد ـ وجوب

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٤ / ٥٨٩ ، الإستبصار ٢ : ٨٣ / ٢٥٦ ، الوسائل : الباب ٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤.

(٢) أي : صحيحة البزنطي ، التي تقدّمت آنفا.

(٣) أي : موثّقة الحسن بن فضّال ، التي تقدّمت في الصفحة السابقة.

(٤) مستدرك الوسائل ٧ : ٣٢٥ ، وراجع : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٢١٢.

(٥) مدارك الأحكام ٦ : ٦٣ ـ ٦٤ ، ولا حظ أيضا الهامش (٣) من صفحة ١٥٢.

٤٤٤

الكفّارة به أيضا ؛ لاندراجه في من أفطر متعمّدا.

اللهم إلّا أن يدّعى انسباق غيره منها ، وفيه بحث (١).

أقول : دعوى الانسباق في محلّها ، بل لا يقال عرفا على من أفسد صومه بغير الأكل والشرب ، بل بالاحتقان أو الجماع ونحوه ، أو بالرياء وقصد غيره : إنّه أفطر ، بل يقال : أفسد أو أبطل.

اللهم إلّا أن يدّعى ظهوره في خصوص المقام ـ أي : في مثل قوله : من أفطر في شهر (٢) رمضان متعمّدا فعليه عتق رقبة ، كما في مكاتبة المشرقي (٣) ـ في إرادة الأعم ؛ لمناسبته للحكم.

ولكنه لا يخلو عن تأمّل ، خصوصا بعد وقوعه جوابا عن السؤال عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاما ، كما لا يخفى.

فالقول بعدم الكفّارة على تقدير عدم كونه إجماعيّا أيضا أشبه بالقواعد ، والله العالم.

وهنا (مسألتان :)

(الاولى : كلّ ما ذكرنا أنّه يفسد الصيام) عدا البقاء على الجنابة الذي تقدّم بعض الكلام فيه ، وسيأتي تمامه عند التعرّض لحكمه حال الجهل والنسيان (إنّما يفسده إذا وقع عمدا) بأن يكون مختارا في فعله وذاكرا لصومه (سواء كان عالما) بكونه مفطرا (أو جاهلا) على الأظهر ، سواء كان عن تقصير أو قصور ، كما هو ظاهر المتن وغيره ، بل في المدارك نسبة القول بعدم الفرق بين الجاهل والعالم إلى

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٢٧٤ ، وراجع : مختلف الشيعة : ٢٢١.

(٢) في المصادر : «من أفطر يوما من شهر ..».

(٣) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١١.

٤٤٥

الأكثر ، فقال بعد أن نفى الريب عن فساد صوم العامد العالم بذلك ما لفظه : وإنّما الخلاف في الجاهل ، فذهب الأكثر إلى فساد صومه كالعالم.

وقال ابن إدريس : لو جامع أو أفطر جاهلا بالتحريم ، فلا يجب عليه شي‌ء. ونحوه قال الشيخ في موضع من التهذيب.

وإطلاق كلامهما يقتضي سقوط القضاء والكفّارة. واحتمله في المنتهى إلحاقا للجاهل بالناسي.

وقال المصنّف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر : والذي يقوى عندي : فساد صومه ووجوب القضاء ، دون الكفّارة ، وإلى هذا القول ذهب أكثر المتأخّرين ، وهو المعتمد (١). انتهى ما في المدارك.

وفي الجواهر ذكر التفصيل بين الجاهل المقصّر في السؤال ، فيجب عليه القضاء والكفّارة ، وبين غير المقصّر ؛ لعدم تنبّهه ، فلا يجب عليه الكفّارة خاصة.

وقال : اختاره بعض مشايخنا قولا رابعا.

ثم رجّح في ذيل كلامه هذا القول (٢).

واختار شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ هذا التفصيل (٣) ، ولكن لم يوجب على القاصر لا القضاء ولا الكفّارة ، فهو قول خامس في المسألة.

أقول : ما نسبه في المدارك إلى الأكثر من كون الجاهل بالحكم كالعالم ربما نسبه غيره إلى المشهور ، واستظهر منهم القول بوجوب القضاء

__________________

(١) مدارك الأحكام ٦ : ٦٦ ، وراجع : السرائر ١ : ٣٨٦ ، والتهذيب ٤ : ٢٠٨ ذيل الحديث ٦٠٢ ، ومنتهى المطلب ٢ : ٥٦٩ ، والمعتبر ٢ : ٦٦٢.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ٣٥٥.

(٣) كتاب الصوم : ٥٧٩.

٤٤٦

والكفّارة (١).

وفي الاستظهار نظر ؛ إذ لا يظهر ممّا نسب إليهم الالتزام بمساواة الجاهل للعالم مطلقا ، بل في فساد صومه ، فلا يظهر من ذلك التزامهم بالكفّارة.

وكيف كان ، فمستند القول بالفساد : إطلاق ما دلّ على اعتبار الإمساك عن الأشياء المزبورة في ماهيّة الصوم ، بل لا معنى للصوم إلّا الإمساك عن تلك الأشياء ، فيمتنع تحقّق مفهومه بدونه ، وتحقّقه من الناس تعبّد شرعي ، فصوم من أكل وشرب ناسيا صوم حكمي لا حقيقي.

هذا ، مع أنّ تقييد مفطريّة المفطرات بالعلم بمفطريتها ، الراجع إلى اشتراط وجوب الإمساك عنها بالعلم بوجوبه غير معقول.

نعم ، قد يعقل ذلك بالنسبة إلى بعضها غير المقوّم لحصول مسمّى الصوم عرفا ببعض التقريبات التي تقدّمت الإشارة إليها في كتاب الصلاة في توجيه صحّة صلاة من أخلّ بالجهر والإخفات في مواضعهما ، ولكن الالتزام به موقوف على مساعدة دليل عليه ، كما سنشير إليه.

والحاصل : أنّ ظواهر الأدلّة الدالّة على وجوب الإمساك عن الأشياء المذكورة : كون الإمساك عنها من حيث هو معتبرا في ماهيّة الصوم الشرعي ، وأنّه يبطل بارتكاب شي‌ء منها ، ولا يصح تقييد ذلك بالعلم به ، إلّا أن يدلّ دليل شرعي عليه ، فيتكلّف في توجيهه.

واستدلّ له أيضا : بإطلاقات الأوامر الواردة بالقضاء والكفّارة عند تناول شي‌ء من المفطرات ، مع ورود بعضها في جاهل الموضوع الذي

__________________

(١) الناسب هو صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٥٤.

٤٤٧

هو أولى بالمعذورية من جاهل الحكم ، بل ظهور كثير من الأسئلة ـ التي وقع في جوابها الأمر بالقضاء أو الكفّارة ـ في كون موردها الجاهل ، كما لا يخفى على المتتبّع.

واستدلّ للقول بالصحة ، وأنّه ليس عليه قضاء ولا كفّارة ، بالأصل الخالي عن المعارض ؛ لانحصاره بعمومات القضاء والكفّارة المخصوصين بغير الجاهل : إمّا بحكم التبادر أو لأجل تقييد أكثرها بمتعمّد الإفطار غير الصادق هنا وإن كان متعمّدا للفعل ، لأنّ تعمّد الإفطار لا يكون إلّا مع العلم بكونه مفطرا.

وبه تقيّد المطلقات أيضا ؛ لوجوب حملها على المقيّد.

مع أنّه على فرض التعارض يجب التخصيص بغير الجاهل ؛ لموثّقة زرارة وأبي بصير ، قالا : سألنا أبا جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، عن رجل أتى أهله في شهر رمضان أو أتى أهله وهو محرم ، وهو لا يرى إلّا أنّ ذلك حلال له ، قال : ليس عليه شي‌ء (١) ، المعتضدة بروايات معذورية الجاهل :كصحيحة عبد الصمد ، الواردة في من لبس قميصا حال الإحرام ، وفيها : وأيّ رجل ارتكب أمرا بجهالة فلا شي‌ء عليه (٢).

وفي صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج ، المتضمّنة لحكم تزويج المرأة في عدّتها ، وفيها : قلت : فبأيّ الجهالتين أعذر : جهالته بأنّ ذلك محرّم عليه ، أم جهالته أنّها في العدّة؟ فقال : إحدى الجهالتين أهون من

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٠٨ / ٦٠٣ ، الوسائل : الباب ٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٧٢ / ٢٣٩ ، الوسائل : الباب ٤٥ من أبواب تروك الإحرام ، الحديث ٣.

٤٤٨

الأخرى ، الجهالة بأنّ الله حرّم عليه ، وذلك أنّه لا يقدر على الاحتياط معها ، فقلت : فهو في الأخرى معذور؟ فقال : نعم (١).

ويتوجّه على الاستدلال بالأصل : ما عرفت.

وأمّا ما قيل من انصراف أدلّة القضاء والكفّارة بمتعمّد الإفطار ، أو وجوب صرفها إليه ؛ جمعا بين الأدلّة ، ففيه : أنّه لا مقتضي للانصراف ولا للصرف بالنسبة إلى أدلّة القضاء أصلا.

وورود بعض أخبارها أو بعض الأسئلة الواقعة فيها في متعمّد الإفطار لا يقتضي صرف ما عداه إليه ؛ إذ لا تنافي بينهما ، كما هو واضح.

هذا ، مع أنّه لا مجال للارتياب في أنّ مناط وجوب القضاء ـ على ما يستفاد من النصوص والفتاوى ـ عدم الخروج عن عهدة التكليف بأدائه ، فمن أخلّ بصوم شهر رمضان ، الذي هو عبارة عن الإمساك عن الأشياء المعدودة مع النيّة ، سواء لم يمسك عن شي‌ء منها أو أمسك عن بعض دون بعض أو عن الجميع ولكن لا مع النيّة ، وجب عليه قضاؤه جزما.

وتقييد اعتبار تلك الأشياء في ماهية الصوم بصورة العلم بكونها كذلك قد عرفت ما فيه.

ومن هنا يظهر عدم صحة الاستشهاد للمدّعى بالروايات الدالّة على معذورية الجاهل ، كالصحيحتين (٢) المزبورتين ؛ إذ غاية ما يمكن دعوى

__________________

(١) الكافي ٥ : ٤٢٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٣٠٦ / ١٢٧٤ ، الإستبصار ٣ : ١٨٦ / ٦٧٦ ، الوسائل : الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الحديث ٤.

(٢) أي : صحيحتي عبد الصمد وعبد الرحمن بن الحجّاج.

٤٤٩

استفادته من مثل هذه الأخبار بعد التسليم إنّما هو معذوريته في ارتكاب ما صدر منه جهلا من مخالفة الأحكام الواقعية المتوجّهة إليه حتى بالنسبة إلى آثاره الوضعية القابلة لأن يعذر فيها ، أي الآثار الشرعية المجعولة لها القابلة لأن يتخلّف عنها ، وليس فساد الصوم بتناول المفطرات جهلا منها ، بل هو من لوازمها العقلية غير القابلة للتخلّف ؛ لاستحالة حصول امتثال الأمر بالكفّ عن المفطرات بمخالفته.

وكون الجاهل معذورا في مخالفته لا يجعل المخالفة موافقة حتى يوصف فعله بالصحة ، فكما أنّه لو جهل بأصل صوم شهر رمضان فلم يصمه ، لا يفهم من هذه الأخبار أنّه بمنزلة من صامه في كونه آتيا بما يوافق أمره ، فكذلك لو جهل ببعض أجزائه وشرائطه المعتبرة فيها ، ولذا لم يحكم الإمام عليه‌السلام في الصحيحة الأخيرة (١) بصحة العقد الفاقد لشرائط الصحة ، الصادر منه جهلا ، بل بفساده وكونه معذورا في أن يتزوّجها ثانيا بعد انقضاء عدتها ، فمثل هذه الرواية على خلاف المطلوب أدلّ.

والحاصل : أنّه لا يستفاد من مثل هذه الأخبار أزيد من أنّ الجاهل لا يؤاخذ على ما صدر منه جهلا ، ولا يترتّب على فعله أثر العمد ، وهذا لا يجدي في إثبات المدّعى بعد أن أشرنا إلى أنّ فساد الصوم ليس من آثار تعمّد الإفطار ، بل هو على طبق الأصل ، كفساد تزويج المرأة في عدتها.

وأمّا الموثّقة : فموردها الجاهل المعتقد للخلاف ، وهو في مثل هذه المسألة التي هي من الضروريّات لا يكون غالبا إلّا عن القصور ، وعدم

__________________

(١) أي : صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج.

٤٥٠

تصوّر الحرمة حتى يتنجّز في حقّه التكليف بالفحص والسؤال ، فإن تمّ الاستدلال بها فإنّما يتمّ في القاصر ، فلا يصح الاستشهاد بها للقول بالصحة مطلقا.

واستدلّ للقول بعدم القضاء والكفّارة على القاصر ووجوبهما على المقصّر.

أمّا الثاني : فلإطلاق أدلّتهما.

وأمّا الأوّل : فللموثّقة المزبورة التي قد أشرنا إلى اختصاص موردها بالقاصر.

وقاعدة : كلّما غلب الله على عباده فهو أولى بالعذر ؛ الوارد بعض أدلّتها في نفي القضاء عن المغمى عليه (١) ، فبهذه الملاحظة يندفع توهّم اختصاصها بالمعذوريّة من جهة التكليف دون القضاء ، فهذه الرواية (٢) كالرواية المزبورة حاكمة على إطلاق أدلّة القضاء والكفّارة ؛ لأنّ الجهل مع القصور ممّا غلب الله عليه.

ويتوجّه على الاستدلال بالقاعدة : أوّلا : النقض بما لو جهل بأصل التكليف بصوم شهر رمضان أو شي‌ء من الفرائض اليومية ، أو بموضوعه بأن غفل عن كونه شهر رمضان ، أو نسي الفريضة في وقتها ، فتركه لذلك ، مع أنّه لا خلاف نصّا وفتوى في أنّه يجب عليه تداركها بعد أن حصل له العلم والالتفات.

هذا ، مع أنّ شمول القاعدة للمريض وغيره من اولى الأعذار أوضح من شمولها للجاهل.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٧ / ١٠٤٢ ، علل الشرائع : ٢٧١ / ٩ ، الوسائل : الباب ٢٤ من أبواب ما يصح منه الصوم ، الحديث ٦ ، والباب ٢٥ من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث ٨.

(٢) الظاهر : القاعدة.

٤٥١

وحلّه : أنّ التكليف بالقضاء إنّما يتنجّز على المكلّف بعد أن حصل له الالتفات والعلم بترك الفعل جامعا لشرائط الصحة في وقته وإن كان ذلك الترك موافقا لتكليفه الفعلي الثابت له في ذلك الوقت ، كما في المريض ونحوه ، فضلا عمّا لو كان تكليفه الفعلي الثابت في حقّه في الواقع هو الفعل ، ولكن لم يحصل موافقته لأجل الجهل به أو بموضوعه أو نسيان شي‌ء منهما ، فليس ثبوت القضاء حينئذ منافيا لتلك القاعدة.

وليس مفاد تلك القاعدة : أنّ الترك غير المستند إلى اختياره ليس موجبا للقضاء ، أو أنّ ترك شي‌ء من الشرائط أو أجزاء المركّب الذي تعلّق التكليف به ليس موجبا لفساد ذلك المركّب ؛ إذ لا مدخلية للقاعدة بالأحكام الوضعية غير المنوطة بالاختيار ، فضلا عن مثل الصحة والفساد الذي هو عقلي محض ، كما تقدّمت الإشارة إليه آنفا.

وأمّا الخبر النافي للقضاء عن المغمى عليه ، المعلّل : بما غلب الله على عباده ، فهو أولى بالعذر ، فهو ما رواه الصدوق بإسناده عن علي بن مهزيار أنّه سأله ـ يعني أبا الحسن الثالث عليه‌السلام ـ عن مسألة المغمى عليه ، فقال : لا يقضي الصوم ولا الصلاة ، وكلّما غلب الله على عباده فهو أولى بالعذر (١).

وقضية العلّة المنصوصة في هذه الرواية : عدم إناطة القضاء بمطلق الفوت ، بل بالفوت الذي لم يكن مسبّبا عن عذر مستند إلى الله تعالى ، وهذا بعمومه مخالف لغيره من النصوص والفتاوى ، ولا يلتزم المستدلّ أيضا بذلك في غير مورد الرواية ، وإنّما غرضه في المقام إثبات أنّه لو تناول شيئا من المفطرات جهلا أو نسيانا لا يقدح ذلك بصومه

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في صفحة ٤٥١.

٤٥٢

حتى يجب عليه قضاؤه ، وإلّا فهو معترف بأنّه لو ترك الصوم أو الصلاة نسيانا أو جهلا بحكمهما وجب عليه قضاؤه ، بخلاف المغمى عليه ، فالقاعدة المزبورة أجنبيّة عن مدّعاه ، فالتعليل الواقع في الرواية من العلل التعبّديّة التي يجب فيها الاقتصار على موردها ، فكأنّه أريد بذلك التنبيه على عدم شأنية المغمى عليه من حيث هو ـ كغير البالغ والمجنون ـ لأن يتوجّه إليه التكليف بشي‌ء ؛ كي يكون عروض مانع عن أدائه ـ كما في المريض والنائم ـ مقتضيا لوجوب قضائه ، والله العالم.

وأمّا الموثّقة : فلا يبعد أن يكون محطّ النظر فيها سؤالا وجوابا هو الكفّارة ، لا صحة الصوم وفساده الذي يترتّب عليه وجوب القضاء.

نعم ، مقتضى إطلاق قوله عليه‌السلام : لا شي‌ء عليه (١) هو نفي القضاء أيضا ، إلّا أنّ تقييد ما دلّ على اعتبار الكفّ عن مباشرة النساء في ماهيّة الصوم من الكتاب والسنّة بعدم اعتقاد حلّيته ، وكذا تقييد ما دلّ على كونه موجبا للقضاء بغير مثل الفرض ليس بأهون من صرف هذه الموثّقة إلى خصوص الكفّارة ، خصوصا مع استلزامه ارتكاب هذا النحو من التصرّف في سائر أدلّة المفطرات والأوامر المطلقة المتعلّقة بالقضاء عند تناول شي‌ء منها ؛ إذ لا قائل بالفصل بينهما كما عليه يبتني الاستدلال ، فالأقوى : عدم الفرق بين العالم والجاهل بالحكم ، قاصرا كان أم مقصّرا في وجوب القضاء.

وأمّا الكفّارة : فمقتضى إطلاقات كثير من أدلّتها : ترتّبها على تناول المفطر مطلقا ، عالما كان أم جاهلا ، كالمستفيضة المتقدّمة (٢) في مسألة

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في الصفحة ٤٤٨.

(٢) راجع : الصفحات ٤٣٦ ـ ٤٣٨.

٤٥٣

الاستمناء ، والروايات المتقدّمة (١) في مسألة البقاء على الجنابة ، والأخبار الآتية في قاضي شهر رمضان ، وغير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.

ووقوع السؤال في كثير من الأخبار التي ورد فيها الأمر بالكفّارة عمّن أفطر متعمّدا ـ كما ستسمعها في محلّه إن شاء الله تعالى ـ لا يوجب صرف ما عداها من الأخبار المطلقة إليه.

ولكن الإنصاف : إمكان الخدشة في المطلقات : بورودها مورد حكم آخر ، كشرعية أصل الكفّارة أو مقدارها ، أو كون بعض المصاديق الخفيّة مندرجا تحت عنوان معلوم الحكم أو غير ذلك ، كما لا يخفى على من أمعن النظر فيها ، فالتمسّك بإطلاقها لإثبات الكفّارة على الجاهل لا يخلو عن إشكال.

هذا ، مع ظهور بعض الأخبار في اختصاصها بالعامد ، كرواية أحمد بن محمد بن أبي نصر عن المشرقي عن أبي الحسن ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أياما متعمّدا ما عليه من الكفّارة؟ فكتب ـ عليه‌السلام ـ : من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوما بدل يومه (٢).

وموثّقة سماعة عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته عن معتكف واقع أهله ، قال : عليه مثل ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا : عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين

__________________

(١) راجع : الصفحة ٤٠٢ وما بعدها.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٧ / ٦٠٠ ، الإستبصار ٢ : ٩٦ / ٣١١ ، الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١١.

٤٥٤

مسكينا (١).

إذ الوصف الوارد في مثل هذه الموارد كالقيود الواردة في كلمات العلماء ، المسوقة لبيان إعطاء الضابط ، أو تعرّف حال الموضوع ونحوه ظاهر في إرادة المفهوم ، فيفهم من مثل هذين الخبرين أنّه لا كفّارة على من أفطر لا عن عمد ، كما لو تناول جهلا بمفطريته ؛ إذ لا عمد مع الجهل ، فيقيّد بذلك سائر الأخبار المطلقة لو لم نقل بانصرافها في حدّ ذاتها إلى العامد ، ولكن هذا في ما إذا كان الجاهل غافلا أو معتقدا عدم مفطريته.

وأمّا مع الالتفات والتردّد وإقدامه على الفعل بلا فحص عن حكمه ، فهو مندرج في موضوع العامد الذي لا يقصر عن شموله جميع ما ورد في الكفّارة ، حتى الخبرين المزبورين اللذين علّقاها على الإفطار متعمّدا ؛ إذ لا يعتبر في صدق اسم العمد الجزم بكونه كذلك ، فلعلّ من خصّها بالعالم أراد به ما يتناول مثل الفرض ، أي : مطلق العامد ، وإلّا ففيه ما عرفت.

اللهم إلّا أن يقال : إنّه وإن صدق على فعل المتردّد المقصّر في الفحص المقدّم على الفعل اسم العمد الموجب لاستحقاق المؤاخذة عليه ، ولكنه ينصرف عنه إطلاق قوله : من أفطر متعمّدا (٢) فعليه كذا كما هو مناط الحكم على ما يظهر من الخبرين المزبورين.

ولكن يتوجّه عليه : أنّه إن سلّم الانصراف ، فليس على وجه ينعقد

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٩٢ / ٨٨٨ ، الإستبصار ٢ : ١٣٠ / ٤٢٥ ، الوسائل : الباب ٦ من أبواب الاعتكاف ، الحديث ٥.

(٢) كلمة «متعمدا» لم ترد في الطبعة الحجرية.

٤٥٥

للّفظ ظهور في ما عداه حتى يندرج ذلك في الموضوع الذي فهم من التقييد أنّه لا كفّارة عليه ، فلا يفهم حينئذ حكم هذا الفرد ـ أي المتردّد ـ من هذين الخبرين ، بل من سائر الروايات المطلقة غير القاصرة عن شموله.

فالأقوى في الجاهل الملتفت المتردّد المقصّر في الفحص والسؤال :وجوب الكفّارة دون غير الملتفت ، أو الجازم بالخلاف ولو كان عن تقصيره في ترك التعلّم.

كما يشهد لذلك ، مضافا إلى ما ذكر : الموثّقة المزبورة المصرّحة بأنّه لا شي‌ء عليه ؛ لأنّها كالنص بالنسبة إلى نفي الكفّارة.

ودعوى : أنّ الغالب في من لا يرى النكاح في شهر رمضان إلّا حلالا كونه قاصرا ، فالرواية منزلة على الغالب ؛ ممنوعة ، بل الغالب أنّ الجهل بمثل هذه المسألة التي هي من الضروريّات منشؤه المسامحة في الدين ، مع كون فاعله عالما إجمالا بجهله بكثير من الأحكام المتعلّقة بأفعاله ، كما هو واضح.

ويؤيّده أيضا : الروايات المتقدّمة الدالّة على معذورية الجاهل ، فليتأمّل.

وأولى بالمعذورية : ما إذا كان مرخّصا ـ في مرحلة الظاهر ـ في الفعل ، كالمجتهد الذي أدّى نظره إلى عدم مفطرية أكل ما لا يعتاد أكله كالبرد (١) والحصى ، فلا يجب عليه الكفّارة جزما وإن قلنا به في القاصر أيضا ؛ ضرورة انصراف أدلّة الكفّارة عمّا إذا كان صدوره برخصة شرعية ولو كانت بطريق ظاهري ، بل قد يقال فيه بنفي القضاء أيضا

__________________

(١) البرد : شي‌ء ينزل من السحاب يشبه الحصى. مجمع البحرين ٣ : ١١.

٤٥٦

بناء على أنّ امتثال الأمر الظاهري يقتضي الإجزاء.

ولكن المبنى ضعيف ، كما تقرّر في محلّه ، فعليه ـ بعد أن انكشف خطأه في اجتهاده السابق ـ قضاء ما مضى وإن كان ذلك بطريق ظنّي معتبر ، بأنّ تبدّل اجتهاده ، فضلا عمّا لو حصل له القطع بذلك ، كغيره من أفراد الجاهل ، والله العالم.

(ولو كان) وقوعه (سهوا) بأن نسي [و] (١) تناول المفطر (لم يفسد) صومه (سواء كان الصوم واجبا أو ندبا) بلا خلاف فيه على الظاهر فتوى ونصّا.

ففي الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، أنّه سئل عن رجل نسي فأكل وشرب ، ثم ذكر ، قال : لا يفطر إنّما هو شي‌ء رزقه الله فليتمّ صومه (٢).

وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، قال : كان أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ يقول : من صام فنسي فأكل وشرب فلا يفطر من أجل أنّه نسي ، فإنّما هو رزق رزقه الله فليتمّ صومه (٣).

وموثّقة عمّار أنّه سأل أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الرجل نسي وهو صائم فيجامع أهله ، قال : يغتسل ولا شي‌ء عليه (٤).

وخبر داود بن سرحان عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في الرجل ينسى فيأكل في شهر رمضان ، قال : يتمّ صومه ، فإنّما هو شي‌ء أطعمه

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) الكافي ٤ : ١٠١ / ١ ، الفقيه ٢ : ٧٤ / ٣١٨ ، التهذيب ٤ : ٢٧٧ / ٨٣٨ ، الوسائل : الباب ٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٦٨ / ٨٠٩ و ٢٧٧ / ٨٣٩ ، الوسائل : الباب ٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٩.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٤ / ٣١٩ ، الوسائل : الباب ٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

٤٥٧

الله (١).

ورواية أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : رجل صام يوما نافلة فأكل وشرب ناسيا ؛ قال : يتمّ ذلك وليس عليه شي‌ء (٢) إلى غير ذلك من الروايات الدالّة عليه.

وقضية إطلاق أغلب النصوص وفتوى المعظم ، بل الكلّ ـ كما يظهر من بعض (٣) ـ عدم الفرق بين أنحاء الصوم.

مضافا إلى صراحة بعضها ـ كخبر أبي بصير المتقدّم ـ في النافلة.

فما عن العلّامة في أجوبة المسائل المهنّائية والتذكرة من القول بالفساد في الواجب غير المعيّن والمندوب (٤) ـ على تقدير تحقّق النسبة ـ ضعيف.

واستدلّ له أيضا شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ بعموم «كلّما غلب الله تعالى على عباده فهو أولى بالعذر» (٥) بالتقريب الذي تقدّم في الجاهل مع ما فيه.

(وكذا لو أكره على الإفطار أو وجر (٦) في حلقه) بلا خلاف على الظاهر في الأخير ، بل وكذا في الأول إذا بلغ خوفه إلى حدّ اضطرّ من الخوف إلى إطاعة أمره قبل أن يتصوّر الغايات المترتّبة على فعله من

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٠١ / ٣ ، الوسائل : الباب ٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٦.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٧٧ / ٨٤٠ ، الوسائل : الباب ٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١٠.

(٣) وهو صاحب المدارك فيها ٦ : ٦٩.

(٤) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الصوم : ٥٧٩ ، وراجع : تذكرة الفقهاء ١ : ٢٦١ ، وأجوبة المسائل المهنّائية : ٦٧.

(٥) كتاب الصوم : ٥٧٩.

(٦) الوجر : أن توجر ماء أو دواء في وسط الحلق. لسان العرب ٥ : ٢٧٩.

٤٥٨

كونه مفسدا لصومه أو مضرّا ببدنه أو مهلكا له ، أو كون تركه موجبا لوقوعه في ما يخاف منه ؛ لخروج الفعل حينئذ ـ كصورة الإيجار في الحلق ـ عن الاختيار الذي لا شبهة في اعتباره في مفطرية المفطرات ، كما أرسله الأصحاب في كلماتهم إرسال المسلّمات.

ويومي إليه تعليل القضاء على من أفطر لظلمة موهمة : بأنّه أكل متعمّدا في موثّقة سماعة ، قال : سألته عن قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس ، فرأوا أنّه الليل ، فأفطر بعضهم ، ثم إنّ السحاب انجلى ، فإذا الشمس ، فقال : على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، إنّ الله عزوجل يقول (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (١) فمن أكل قبل أن دخل الليل ، فعليه قضاؤه لأنّه أكل متعمّدا (٢) إذ التعليل كما يقتضي بظاهره تعميم الحكم إلى كلّ مورد وجدت العلّة ، كذلك يقتضي قصر الموضوع على مورد ثبوته ، فلو قال :لا تأكل الرمّان ؛ لأنّه حامض ، كما يفهم منه حرمة أكل كلّ حامض ، كذلك يفهم منه جواز أكل غير الحامض من الرمّان.

وأوضح منه دلالة عليه : موثّقة عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم ، قال : ليس عليه شي‌ء إذا لم يتعمّد ذلك ، قلت : فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء؟ قال : ليس عليه شي‌ء ، قلت : فإن تمضمض الثالثة؟ قال : فقال : قد أساء ، ليس عليه شي‌ء ولا قضاء (٣).

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٠ (باب من ظنّ أنّه ليل فأفطر قبل الليل) الحديث ٢ ، الوسائل : الباب ٥٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٢٣ / ٩٩٦ ، الوسائل : الباب ٢٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث

٤٥٩

والشرطية في الخبر بحسب الظاهر جار مجرى التعليل.

وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عن آبائه عليه‌السلام ، أنّ عليّا عليه‌السلام سئل عن الذباب يدخل في حلق الصائم ، قال :ليس عليه قضاء لأنّه ليس بطعام (١) بناء على إرادة أنّه ليس بأكل مستند إليه ، وإلّا فقد عرفت في محلّه أنّه لا مجال للارتياب في أنّه لو أكل الذباب متعمّدا يبطل صومه.

ويؤيّده الأخبار المتقدّمة الواردة في الناسي ، المشعرة بل الظاهرة ـ بواسطة ما فيها من التعليل بالنسيان ، وأنّه شي‌ء رزقه الله ـ في أنّ المناط عدم كونه اختياريا له.

وكيف كان ، فهذا ممّا لا شبهة فيه ، وإنّما الإشكال والخلاف في ما إذا تناوله عمدا تحرّزا عن الضرر الذي يخاف من ترتّبه على مخالفة المكره من قتل أو هتك عرض أو ذهاب مال ونحوه ، كما هو المتبادر من إطلاق اسم المكره في النصوص والفتاوى المسوقة لبيان أحكامه ، حيث يظهر من المصنّف وغيره ـ بل ربما نسب (٢) إلى الأكثر ـ أنّه أيضا كالناسي والمضطر لا يفسد صومه وعن الشيخ في المبسوط : أنّه مفسد لصومه (٣).

واستدلّ على القول الأوّل : بالأصل.

وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما

__________________

(١) الكافي ٤ : ١١٥ (باب في الصائم يزدرد نخامته ..) الحديث ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٢٣ / ٩٩٤ ، الوسائل : الباب ٣٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

(٢) الناسب هو العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٦٩.

(٣) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ٦ : ٧٠ ، وراجع : المبسوط ١ : ٢٧٣.

٤٦٠