مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

بأجزاء خارجية مستهلكة فيه ، كما هو الشأن في شرب التتن والتنباك ونظائره ، بل قد يقوى في النظر إلحاقه في مثل الفرض بالطعام والشراب ، خصوصا بعد تعارفه.

وهكذا الكلام في ما لو استعمل آلة لجذب البخار أو الغبار من انبيق ونحوه ، فعمد إلى ابتلاعه بهذه الآلة وإن لا يخلو عن تأمّل ، والله العالم.

(و) يجب أيضا الإمساك (عن البقاء على الجنابة عامدا حتى يطلع الفجر من غير ضرورة على الأشهر) بل المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، كما ادّعاه في الجواهر (١) ، بل عن الانتصار والخلاف والوسيلة والغنية والسرائر وظاهر التذكرة والمنتهى : دعوى الإجماع عليه (٢).

فما في المتن من نسبته إلى الأشهر المشعر بمشهوريّة خلافه أيضا ؛ لعلّه أراد به الأشهريّة من حيث الرواية ، وإلّا فلم ينقل الخلاف فيه عن أحد ، عدا أنّه حكي عن ابن بابويه في كتاب المقنع أنّه قال : سأل حمّاد بن عثمان أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل ، فأخّر الغسل إلى أن طلع الفجر ، فقال له : قد كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يجامع نساءه من أوّل الليل ويؤخّر الغسل حتّى يطلع الفجر ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب (٣)

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٢٣٦.

(٢) الحاكي عنها صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٣٦ ، وراجع : الانتصار : ٦٣ ، والخلاف ٢ : ١٧٤ ، المسألة ١٣ ، والوسيلة : ١٤٢ ، والغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٩ ، والسرائر ١ : ٣٧٧ ، وتذكرة الفقهاء ١ : ٢٦٠ ، ومنتهى المطلب ٢ : ٥٦٥.

(٣) أقشاب جمع قشب : وهو من لا خير فيه. مجمع البحرين ٢ : ١٤٣.

٤٠١

يقضي يوما مكانه (١).

ومن طريقته ـ رحمه‌الله ـ في الكتاب المذكور : الإفتاء بمضمون الأخبار التي ينقلها فيه.

وعن المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد : التردّد فيه ، والميل إلى الجواز (٢).

وفي الحدائق نقل عن المولى المحقّق مير محمد باقر الداماد في رسالة الرضاع اختياره صريحا (٣).

وكيف كان ، فما يدلّ على المشهور : صحيحة ابن أبي يعفور ، قال :قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثمّ ينام حتّى يصبح ، قال : يتمّ صومه ويقضي يوما آخر ، وإن لم يستيقظ حتّى أصبح أتمّ يومه وجاز له (٤).

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما ـ عليهما‌السلام ـ ، قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثمّ ينام قبل أن يغتسل ، قال : يتمّ صومه ويقتضي ذلك اليوم إلّا أن يستيقظ قبل أن يطلع الفجر ، فإن انتظر ماء يسخن أو يستقي فطلع الفجر فلا يقتضي صومه (٥).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، أنّه قال في رجل

__________________

(١) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٣٧ ، وانظر : المقنع : ١٦.

(٢) الحاكي هو البحراني في الحدائق الناضرة ١٣ : ١١٣ ـ ١١٤ ، وراجع : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٧١ و ٥ : ٣٥ و ٤٥.

(٣) الحدائق الناضرة ١٣ : ١١٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١٢ ، الاستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٦٩ ، الفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٣ ، الوسائل : الباب ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

(٥) الكافي ٤ : ١٠٥ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١٣ ، الإستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٧٠ ، الوسائل : الباب ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٣.

٤٠٢

احتلم أول الليل أو أصاب من أهله ثمّ نام متعمّدا في شهر رمضان حتّى أصبح ، قال : يتمّ صومه ذلك ثمّ يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربّه (١).

وصحيحة أحمد بن محمد عن أبي الحسن ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان ، أو أصابته جنابة ثمّ ينام حتّى يصبح متعمّدا ، قال : يتمّ ذلك اليوم وعليه قضاؤه (٢).

وموثّقة سماعة قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتّى يدركه الفجر ، فقال :عليه أن يقضي يومه ويقضي يوما آخر ، فقلت : إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضي شهر رمضان ، قال : فليأكل يومه ذلك وليقض ، فإنّه لا يشبه رمضان شي‌ء من الشهور (٣).

وصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ :الرجل يجنب من أوّل الليل ثمّ ينام حتّى يصبح في شهر رمضان ؛ قال : ليس عليه شي‌ء ، قلت : فإنّه استيقظ ثمّ نام حتّى أصبح ، قال :فليقض ذلك اليوم عقوبة (٤).

أقول : وربّما يستشعر من تعليل القضاء في هذه الصحيحة : بكونه عقوبة : كونه تكليفا جديدا غير مسبّب عن فساد الصوم ، بل هو من

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٥ / ١ ، الوسائل : الباب ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١٤ ، الإستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٦٨ ، الوسائل : الباب ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١١ ، الإستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٦٧ ، الوسائل : الباب ١٥ و ١٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥ و ٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٥ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧١ ، الوسائل : الباب ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

٤٠٣

قبيل الكفّارة ، ولكن تسميته قضاء يدفع هذا الإشعار ، فكونه عقوبة لعلّه بلحاظ تنزيله منزلة العامد.

ويدلّ عليه أيضا : المستفيضة الآتية الدالّة على وجوب القضاء على من نسي غسل الجنابة حتى خرج الشهر بالفحوى.

وأوضح منها دلالة عليه : موثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمّدا حتّى أصبح ، قال : يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكين ، قال : وقال ـ عليه‌السلام ـ : إنّه حقيق أن لا أراه يدركه أبدا (١).

وعن المصنّف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر أنّه بعد نقل هذه الرواية قال :وبهذا أخذ علماؤنا إلّا شاذّا (٢).

ففيه شهادة باعتماد العلماء عليه ، فيتأكّد بذلك الوثوق به.

ورواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه ـ عليه‌السلام ـ ، قال :إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل يومه (٣).

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه ، قال : سألته عن احتلام الصائم ، قال : فقال : إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له أن ينام (٤) حتى يغتسل ، وإن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام ساعة

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٦ ، الوسائل : الباب ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

(٢) الحاكي عنه البحراني في الحدائق الناضرة ١٣ : ١١٦ ، وراجع : المعتبر ٢ : ٦٥٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٧ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٣ ، الوسائل : الباب ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٣.

(٤) في التهذيب بدل «فليس له أن ينام» : «فلا ينم».

٤٠٤

حتّى يغتسل ، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتّى يصبح فعليه عتق رقبة أو إطعام ستّين مسكينا ، وقضاء ذلك اليوم ، ويتمّ صيامه ولن يدركه أبدا (١).

واستدلّ للقول بالجواز : بقوله تعالى «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ» (٢) فإنّ إطلاقه يقتضي جوازه في كلّ جزء من أجزاء الليل ولو في الجزء الأخير.

وبقوله تعالى : «(فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) ـ إلى قوله ـ (حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ)» (٣) فإنّه يقتضي جواز المباشرة كجواز الأكل والشرب في الجزء الأخير من الليل ، ويلزمه جواز البقاء على الجنابة إلى الصبح.

وما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن العيص بن القاسم ، قال :سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل فأخّر الغسل حتّى يطلع الفجر ، قال : يتمّ صومه ولا قضاء عليه (٤).

وما رواه الصدوق ـ في الصحيح ـ عن العيص بن القاسم أنّه سأل أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن رجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل ، قال : لا بأس (٥).

وما رواه الشيخ عن حبيب الخثعمي ـ في الصحيح ـ عن أبي عبد الله

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٢ / ٦١٨ ، الإستبصار ٢ : ٨٧ / ٢٧٤ ، الوسائل : الباب ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤.

(٢) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٣) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٤) التهذيب ٤ : ٢١٠ / ٦٠٨ ، الإستبصار ٢ : ٨٥ / ٢٦٤ ، الوسائل : الباب ١٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٤.

(٥) الفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٥ ، الوسائل : الباب ١٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

٤٠٥

ـ عليه‌السلام ـ ، قال : كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ثمّ يجنب ثمّ يؤخّر الغسل متعمّدا حتّى يطلع الفجر (١).

ورواية سليمان بن أبي زينبة ، قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أوّل الليل فأخّر الغسل حتّى طلع الفجر ، فكتب إليّ بخطّه أعرفه مع مصادف : يغتسل من جنابته ويتمّ صومه ولا شي‌ء عليه (٢).

ورواية إسماعيل بن عيسى ، قال : سألت الرضا ـ عليه‌السلام ـ ، عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام حتّى يصبح ، أيّ شي‌ء عليه؟ قال : لا يضرّه هذا ولا يفطر ولا يبالي ، فإنّ أبي ـ عليه‌السلام ـ قال : قالت عائشة : إنّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أصبح جنبا من جماع من غير احتلام ، قال : لا يفطر ولا يبالي ، ورجل أصابته جنابة فبقي نائما حتّى يصبح ، قال : لا بأس يغتسل ويصلّي ويصوم (٣).

وصحيحة أبي سعيد القمّاط أنّه سئل أبو عبد الله عمّن أجنب في أوّل الليل في شهر رمضان ، فنام حتّى أصبح ، قال : لا شي‌ء عليه وذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال (٤).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢١٣ / ٦٢٠ ، الإستبصار ٢ : ٨٨ / ٢٧٧ ، الوسائل : الباب ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٢١٠ / ٦٠٩ ، الإستبصار ٢ : ٨٥ / ٢٦٥ ، الوسائل : الباب ١٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٥.

(٣) التهذيب ٤ : ٢١٠ / ٦١٠ ، الإستبصار ٢ : ٨٥ / ٢٦٦ ، الوسائل : الباب ١٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٦.

(٤) الفقيه ٢ : ٧٤ / ٣٢٢ ، الوسائل : الباب ١٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

٤٠٦

ورواية حمّاد بن عثمان ، المتقدّمة (١) نقلا عن المقنع في أوّل المبحث.

وأجيب عن الآية الأولى : بورود إطلاقها في مقام جواز أصل الرفث في الليل في مقابل النهار ، فلا إطلاق لها من هذه الجهة ، مع أنّها على تقدير الإطلاق يجب تقييده بالأخبار.

وعن الثانية : بمنع شمول الغاية لغير الجملة الأخيرة ، وعلى تقدير الشمول يجب ارتكاب التخصيص فيه بالنسبة إلى زمان تحصيل الطهارة ؛ جمعا بين الأدلّة.

وعن الأخبار ، أمّا عن الرواية الأولى : فبالحمل على التأخير لا عن عمد ؛ جمعا بينها وبين الطائفة الاولى من الأخبار ، أو بالحمل على التقية ؛ لموافقتها لمذهب جمهور العامة.

وعن الثانية : فبعدم اقتضائها جواز التأخير عمدا إلى الفجر ، بل جواز النومة الاولى ، ونحن لا ننكر ذلك ، ولكن نقيّده بما إذا كانت مع نيّة الغسل.

وعن الثالثة : فبالحمل على التقية ؛ لما فيها من الإشعار بمداومة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ على هذا الفعل وإكثاره ، ومداومته على الفعل المكروه بعيد.

ويمكن حمله على صورة العذر ؛ جمعا بين الأدلّة.

ونحوه الجواب عن رواية إسماعيل ورواية حمّاد بن عثمان ، بل أمارات التقية من هاتين الروايتين ، خصوصا الأخيرة منهما لائحة ، كما لا يخفى على العارف بأساليب كلامهم ، وطرق بيانهم للأحكام الصادرة

__________________

(١) تقدّمت في صفحة ٤٠١.

٤٠٧

عن علّة.

وما فيها من الإنكار على هؤلاء الأقشاب مبالغة في التقية.

مع إمكان أن يكون قوله عليه‌السلام في ذيل الرواية : «يقتضي يوما مكانه» هو جواب السائل ، ويكون ما صدر منه من حكاية فعل رسول الله نقلا لقول هؤلاء الأقشاب مستندا لفتواهم بعدم وجوب القضاء ، فكأنّه ـ عليه‌السلام ـ قال على سبيل الإنكار والتعريض : قد كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يرتكب هذا العمل المكروه الموجب للإخلال بالوتر الواجب عليه ، حاشاه عن ذلك ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب من صحة صومه ؛ استنادا إلى هذه الحكاية ، بل يقضي يوما مكانه.

وأمّا عن مكاتبة سليمان ، فكالصحيحة الأولى : بالحمل على التأخير لا عن عمد أو التقية.

وعن صحيحة القمّاط : بالحمل على التقية.

وفي الذخيرة أجاب عنها أيضا : باستضعاف السند ؛ لما ذكره من أنّ أبا سعيد في كتب الرجال لا موثّق ولا ممدوح (١).

ولكن في الحدائق نسبه إلى السهو ، وذكر : أنّ أبا سعيد القمّاط هو خالد بن سعيد ثقة ، وحديثه صحيح (٢).

والأولى في الجواب عنه : بالحمل على النوم بنيّة الغسل ، وليس في الرواية ما ينافيه ، والتعليل لا يأبى عن ذلك.

وعمدة الجواب عن جميع هذه الأخبار ، هو : أنّ مخالفتها للمشهور أو

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٤٩٧.

(٢) الحدائق الناضرة ١٣ : ١١٩.

٤٠٨

المجمع عليه بين أصحابنا وموافقتها للجمهور أخرجها عن صلاحية المكافئة للأخبار المتقدّمة.

وفي الذخيرة بعد أن أورد أخبار الطرفين ، وأجاب عن كلّ من الأخبار المزبورة التي استدلّوا بها للجواز بما يقرب ممّا ذكرناه ، قال ما لفظه : وتحقيق المقام : أنّ التعارض بين الأخبار ثابت ، ويمكن الجمع بينهما بوجهين : أحدهما : حمل أخبار المنع على الأفضلية ، وثانيهما : حمل أخبار الترخيص على التقية.

والأول وإن كان وجها قريبا ، بل ليس فيه عدول عن الظاهر في أكثر الأخبار التي أوردت في جامع المنع ، لكن لا يبعد أن يقال : إنّ الترجيح للثاني ؛ لما في رواية إسماعيل من الإشعار الواضح عليه.

وكذا في رواية حمّاد بن عثمان ، المنقولة عن المقنع حيث أسند الحكم بالقضاء المتكرّر المستفيض في الأخبار إلى الأقشاب إن كان قوله : «يقضي يوما» مقولا لقول هؤلاء ، وذلك مضاف إلى ترجيح الشهرة بين الأصحاب ، ومخالفة جمهور العامة ، وبعد حمل الكفّارة على الاستحباب (١). انتهى.

وفيه : أنّ حمل أخبار المنع على الأفضلية وإن أمكن على بعد في ما ورد الأمر بالكفّارة ، كما أشار إليه في ذيل عبارته ، ولكن هذا لا يكفي في رفع التنافي بين الروايات ، فإنّ جملة من أخبار الجواز ممّا وقع فيها الاستشهاد بفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إ في أنّه ليس البقاء على الجنابة موجبا لهذه المرتبة من المنقصة التي لا يكاد يتدارك

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٤٩٨.

٤٠٩

نقصه بالقضاء والكفّارة ، كما هو صريح جملة من أخبار المنع.

فالحقّ : أنّ أخبار الجواز مع هذا النوع من الأخبار من قبيل المتعارضين اللذين لا يساعد العرف على الجمع بينهما بما ذكر ، بل يرونها من المتناقضين اللذين يجب الرجوع فيهما إلى المرجّحات ، وهي مع أخبار المنع ، كما هو واضح.

فالقول بالبطلان ـ كما هو المشهور ـ أقوى ، بل الأقوى : وجوب الكفّارة أيضا ، كما يدلّ عليه جملة من الأخبار المزبورة.

واقتصار كثير منها على القضاء لا ينافي وجوبها بالنصوص المزبورة وإن كان قد يستشعر منها من باب السكوت في مقام البيان ، خصوصا من الصحيح (١) الذي ورد فيه الأمر بالاستغفار : عدم وجوبها ، إلّا أنّ هذا لا يصلح معارضا للنصوص المستفيضة التي وقع فيها التصريح بها.

وضعف سندها غير قادح بعد استفاضتها واعتضادها بالشهرة ، مع ما فيها من الموثّق الذي شهد المصنّف في العبارة المتقدّمة (٢) المحكية عنه بأخذ العلماء به عدا شاذّ منهم.

فما في المدارك من أنّ هذه الروايات كلّها ضعيفة السند ، فيشكل التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل.

ومن هنا يظهر رجحان ما ذهب إليه ابن أبي عقيل ـ رحمه‌الله ـ والمرتضى من أنّ الواجب بذلك القضاء دون الكفّارة (٣). انتهى ،

__________________

(١) أي : صحيح الحلبي الذي تقدم في صفحة ١١٢.

(٢) تقدّمت في صفحة ٤٠٤.

(٣) مدارك الأحكام ٦ : ٧٦. ولا يخفى أنّ صاحب الرياض فيها [١ : ٣٠٩] نسب القول المذكور الى السيد المرتضى في أحد قوليه ، وقال في المنتهى ٢ : ٥٧٣ : وهو الظاهر من كلام السيد ، ولكن نسب صاحب الحدائق فيها [١٣ : ١٢٠] كلام السيد صاحب المدارك الى السهو.

٤١٠

ضعيف.

ثم إنّه نسب (١) إلى ظاهر المشهور عدم الفرق في الفساد بالبقاء على الجنابة عمدا بين صوم شهر رمضان وغيره من أنواع الصيام.

ولكن حكي (٢) عن المعتبر أنّه قال : لقائل أن يخصّ هذا الحكم برمضان دون غيره من الصيام.

أقول : وجهه ورود النصوص الدالّة عليه على كثرتها فيه ، ولا قياس يقتضي التعدية عنه ، هكذا قيل (٣) في توجيه.

وهو لا يخلو عن نظر ؛ إذ المتبادر من الصوم في سائر الموارد التي تعلّق به أمر ندبي أو وجوبي ليس إلّا إرادة الماهيّة المعهودة التي أوجبها الشارع في شهر رمضان ، فورود النصّ في خصوص شهر رمضان لا يوجب قصر الحكم عليه بعد أنّ المتبادر من الأمر به في سائر رمضان ، ليس إلّا العبادة المخصوصة التي أوجبها الشارع في شهر رمضان ، فالتعدّي عن مورد النصّ في مثل هذه الموارد من هذا الباب لا من باب القياس.

ولكن قد يشكل ذلك في المقام بدلالة بعض النصوص على عدم كون البقاء على الجنابة عمدا منافيا لصوم غير شهر رمضان في الجملة ، حيث يستكشف من مثل هذه الأخبار : أنّ البقاء على الجنابة ليس كسائر المفطرات مأخوذا في ماهيّة اليوم شرعا من حيث هي ، فيشكل حينئذ التخطّي عن مورد النص :

__________________

(١) الناسب هو البحراني في الحدائق الناضرة ١٣ : ١٢١ ، وصاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٤٠.

(٢) الحاكي هو البحراني في الحدائق الناضرة ١٣ : ١٢١ ، وصاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٤٠ ، وراجع : المعتبر ٢ : ٦٥٦.

(٣) القائل هو صاحب الجواهر فيها ١٦ : ٢٤٠.

٤١١

منها : ما عن الصدوق ـ في الصحيح ـ عن حبيب الخثعمي ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : أخبرني عن التطوّع ، وعن هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أوّل الليل فاعلم أنّي قد أجنبت فأنام متعمّدا حتى ينفجر الصبح ، أصوم أم لا أصوم؟ قال : صم (١).

وموثّقة ابن بكير قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح ، يصوم ذلك اليوم تطوّعا؟ فقال : أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار؟ (٢).

وموثّقته الأخرى أيضا عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى من النهار ما مضى ، قال : يصوم إن شاء ، وهو بالخيار إلى نصف النهار (٣).

وكيف كان ، فهذه الروايات صريحة في عدم كون البقاء على الجنابة مانعا عن الصوم تطوّعا ، بل قضية ترك الاستفصال في الموثّقة الأخيرة ، وكذا مفهوم قوله ـ عليه‌السلام ـ في الموثّقة الاولى : أليس هو بالخيار؟ إلى آخره ، الذي هو بمنزلة التعليل للجواز : جوازه في الواجب غير المعيّن أيضا.

ولكن يجب تخصيصه بما عدا قضاء شهر رمضان ؛ لوقوع التصريح بالمنع عنه في ما عن الصدوق والشيخ ـ في الصحيح ـ عن عبد الله بن سنان ، أنه سأل أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، عن الرجل يقضي شهر

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٤٩ / ٢١٢ ، الوسائل : الباب ٢٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٥ / ٣ ، الوسائل : الباب ٢٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

(٣) التهذيب ٤ : ٣٢٢ / ٩٨٩ ، الوسائل : الباب ٢٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٣.

٤١٢

رمضان فيجنب من أوّل الليل ولا يغتسل حتى يجي‌ء آخر الليل وهو يرى أنّ الفجر قد طلع ، قال : لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره (١).

وعن الكليني أيضا ـ في الصحيح ـ عن ابن سنان ، يعني عبد الله ، أنّه كتب إلى أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، وكان يقضي شهر رمضان ، وقال : إنّي قد أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة ، فلم اغتسل حتى طلع الفجر ، فأجابه ـ عليه‌السلام ـ ولا تصم هذا اليوم وصم غدا (٢).

وفي موثّقة سماعة ـ المتقدّمة (٣) ـ قال : فقلت : إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضي شهر رمضان ، قال : فليأكل يومه ذلك وليقض فإنّه لا يشبه رمضان شي‌ء من الشهور.

والمراد بقوله ـ عليه‌السلام ـ : «لا يشبه رمضان شي‌ء من الشهور» على الظاهر : أنّ القضاء ليس حاله حال صوم شهر رمضان في وجوب الإمساك في ذلك اليوم وقضائه.

ويحتمل أن يكون المقصود به بيان اختصاص هذا الحكم ـ أي : عدم جواز البقاء على الجنابة ـ بصوم شهر رمضان أداء وقضاء ، كما اختار القول بذلك ـ أي : باختصاص المنع بصوم رمضان وقضائه ـ غير واحد من متأخّري المتأخّرين.

ولكن الاعتماد على هذا الظاهر لا يخلو عن إشكال ؛ إذ التعليل بامتداد الخيار إلى الزوال إنّما يناسب هذا الحكم لو كان الصوم قابلا للتبعيض ، ولم يكن فعل المنافيات في أوّل اليوم منافيا لاختيار الصوم

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٤ ، التهذيب ٤ : ٢٧٧ / ٨٣٧ ، الوسائل : الباب ١٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٤ : ١٠٥ / ٤ ، الوسائل : الباب ١٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٢.

(٣) تقدّمت في صفحة ٤٠٣.

٤١٣

بعده. ولكنك عرفت في محلّه أنّ الصوم لا يتبعّض.

وامتداد خياره مشروط بعدم حصول شي‌ء ممّا يجب على الصائم الإمساك عنه ، فلا يصلح حينئذ أن يكون توسعة زمان اختيار عنوان الصوم علّة لنفي البأس عن الإصباح جنبا.

اللهم إلّا أن يكون شرط صحة الصوم الاجتناب عن البقاء جنبا حين إحداث النية المعتبرة في صحته ، أي : حين اندراجه في موضوع الصائم شرعا ، فيصح حينئذ التعليل ، ولكن مقتضاه شرطية الطهارة من الجنابة في المندوب أيضا ، ولكن زمانها موسّع بتوسعة زمان اختيار عنوانه ، وهذا خلاف ظاهر كلمات القائلين بعدم الاشتراط ، كما أنّه خلاف ما يقتضيه إطلاق صحيحة الخثعمي ، الدالّة على جواز الصوم تطوّعا لمن أصبح جنبا.

ويحتمل أن يكون المقصود بقوله ـ عليه‌السلام ـ : «أليس هو بالخيار؟» إلى آخره ، التنبيه على أنّ عدم تعيّن الصوم عليه يجعله بمنزلة البقاء على الجنابة لعذر ، وهو ليس منافيا للصوم.

ويحتمل أيضا أن لا يكون المقصود به التعليل ، بل بيان كونه باقيا على ما هو عليه من الخيار إلى الزوال ، كما في موثّقته الأخيرة ، فيدلّ بالالتزام على عدم كون البقاء على الجنابة منافيا ، ولكنه خلاف سوق التعبير ؛ إذ لا يناسبه الاستفهام التقريري.

ويحتمل قويّا أن يكون هذا الكلام طفرة عن الجواب على سبيل التورية من باب التقيّة ، كغيره من الأخبار المتقدّمة الدالّة على جواز البقاء على الجنابة في صوم شهر رمضان ، المحمولة على التقية.

فالإنصاف : أنّ التعليل الواقع في هذه الرواية لا يخلو عن تشابه ،

٤١٤

فلا يجوز التعدّي عن مورده ، وهو الصوم تطوّعا.

وأمّا الموثّقة الأخيرة وإن كان ظاهرها بمقتضى إطلاق الجواب من غير استفصال : عموم الحكم في الصوم غير المعيّن ، واجبا كان أم مندوبا ، ولكن بعد أن علم بعدم إرادة قضاء شهر رمضان منه لا يبعد دعوى انصرافه إلى النافلة لو لم نقل بانصراف السؤال في حدّ ذاته إليها ، فالالتزام بجواز البقاء على الجنابة في ما عدا صوم النافلة ، الذي هو القدر المتيقّن من مورد أخبار الجواز ـ كصوم الكفّارة ونحوه ـ في غاية الإشكال ، بل لو لم يكن الصوم تطوّعا محلا للمسامحة ، لكان للتأمّل فيه أيضا مجال ؛ لما أشرنا إليه من قوّة احتمال كون الأخبار الدالّة عليه من قبيل الأخبار الواردة في صوم شهر رمضان جارية مجرى التقية ، فيشكل حينئذ رفع اليد عمّا أشرنا إليه من أنّ المتبادر من إطلاق الأمر بالصوم في أيّ مورد ورد إنّما هو إرادة الطبيعة المعهودة التي أوجبها الشارع في شهر رمضان ، إلّا أنّ رفع اليد عن الأخبار الخاصة بمثل هذا الاحتمال من غير معارض صريح مخالف للقواعد ، خصوصا في مثل المورد القابل للتسامح ، فالقول بجوازه في النافلة دون غيره ـ كما قوّاه في الجواهر (١) ـ لا يخلو عن قوة.

نعم ، الأشبه كون الواجب بالعرض ـ أي : الصوم الذي وجب بنذر وشبهه ـ بحكم أصله ، فإنّ معروض الوجوب ذاته من حيث هي ، فلا يختلف بذلك أثرها.

ثم إنّه لو تعذّر الغسل للصوم الواجب ، فهل يجب عليه التيمّم بدله؟ فيه خلاف ، كما نبّه عليه شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ ، فقال :

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٢٤٤.

٤١٥

ولو لم يتمكّن المكلّف من الغسل فهل يجب عليه التيمّم؟ فيه قولان : من عموم المنزلة في صحيحة حمّاد هو بمنزلة الماء (١) وفي الروايات : هو أحد الطهورين (٢) وهو مذهب المحقّق والشهيد الثانيين ، خلافا للمحكي عن المنتهى ، ولعلّه للأصل ، ومن أنّ المانع هو حدث الجنابة ، والتيمّم لا يرفعه ، وهو طهور بمنزلة الماء في كلّ ما يجب فيه الغسل ، لا في ما توقّف على رفع الجنابة ، فالتيمّم يجب في كلّ موضع يجب فيه الغسل ، لا في ما يشترط بعدم الجنابة.

ويشعر به قوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة محمد بن مسلم : فإن انتظر ماء يسخّن أو يستقى فطلع الفجر فلا يقتضي صومه (٣) (٤) حيث إنّه لم يأمره بالتيمّم ، ولذلك لم يذكروا في كتاب الطهارة من التيمّم الواجب ما كان لصوم واجب ، كما عدوّا الصلاة والطواف الواجبين ، بل مقتضى ذكرهم وجوب الغسل للصوم ذكر التيمّم أيضا له بمقتضى المقابلة.

نعم ، ذكروا أنّه يجب التيمّم لكلّ ما يجب له المائية ، ولكن هذا الكلام على فرض الدلالة لم يبلغ حدّ الإجماع مع مخالفة المصنّف ـ يعني العلّامة ـ في المنتهى ، وتردّده في النهاية كما عن الذكرى.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٠٠ / ٥٨١ ، الإستبصار ١ : ١٦٣ / ٥٦٦ ، الوسائل : الباب ٢٠ و ٢٣ من أبواب التيمّم ، الحديث ٢ و ٣.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٠ / ٥٨٠ ، الوسائل : الباب ٢١ من أبواب التيمم ، الحديث ١.

(٣) في النسخة الخطية وكتاب الصوم للشيخ الأنصاري : فلا شي‌ء عليه ، وما أثبتناه كما في المصادر والطبعة الحجرية.

(٤) الكافي ٤ : ١٠٥ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١٣ ، الإستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٧٠ ، الوسائل : الباب ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ٣.

٤١٦

نعم ، قال في المعتبر : يجوز التيمّم لكلّ من وجب عليه الطهارة المائية. وادّعى عليه إجماع المسلمين.

وكيف كان ، فالأحوط التيمّم ، وعليه فهل يجب أن يبقى مستيقظا لئلا يبطل تيمّمه ، أم لا؟ أقواهما وأحوطهما : الأول (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول : أمّا وجوب التيمّم ـ كما لعلّه المشهور إن لم يكن مجمعا عليه ـ فهو الأقوى ؛ لما عرفته في مبحث التيمّم من أنّ التيمّم غسل المضطر ووضوؤه ، كما وقع التعبير به في الرضوي (٢).

ويومئ إليه قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ لأبي ذر : يكفيك الصعيد عشر سنين (٣).

وفي صحيحة حمّاد : هو بمنزلة الماء (٤) إلى غير ذلك مما عرفته في محلّه.

وأمّا البقاء مستيقظا : فالأولى تفريعه على مسألة ما إذا تيمّم الجنب بدلا من الغسل ، ثم أحدث بالأصغر ، فإن بنينا في تلك المسألة على أنّ موجبات الوضوء لا توجب انتقاض تيمّمه الواقع بدلا من الغسل ، بل تؤثّر في إيجاب ما تقتضيه من الوضوء أو التيمّم كما حكي (٥) القول

__________________

(١) كتاب الصوم : ٥٧٢ ، وراجع : جامع المقاصد ٣ : ٨٣ ، ومسالك الأفهام ١ : ٧٣ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٥٦ ، والذكرى : ٢٥ ، والمعتبر ١ : ٤٠٧ ـ ٤٠٨ ، وجواهر الكلام ٥ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٨.

(٣) التهذيب ١ : ١٩٤ / ٥٦١ و ١٩٩ / ٥٧٨ ، والفقيه ١ : ٥٩ / ٢٢١ ، الوسائل : الباب ١٤ و ٢٣ من أبواب التيمّم ، الحديث ١٢ و ٤.

(٤) التهذيب ١ : ٢٠٠ / ٥٨١ ، الإستبصار ١ : ١٦٣ / ٥٦٦ ، الوسائل : الباب ٢٠ و ٢٣ من أبواب التيمّم ، الحديث ٢ و ٣.

(٥) الحاكي هو العاملي في مدارك الأحكام ٢ : ٢٥٣ وصاحب الجواهر فيها ٥ : ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، وراجع : مفاتيح الشرائع ١ : ٦٥ ، والحدائق الناضرة ٤ : ٤١٧.

٤١٧

به عن السيد وجملة من متأخّري المتأخّرين ، فلا يضرّه النوم بعد أن تيمّم بدلا من الغسل.

وإن قلنا بانتقاضه بمطلق الحدث ، وعليه أن يتيمّم لصلاته الآتية أيضا بدلا من الغسل وإن وجد ماء بقدر أن يتوضّأ ـ كما هو المشهور ـ فعليه أن يبقى مستيقظا ، وإلّا فهو بمنزلة ما لو تيمّم وبال.

وكونه غير مكلّف في حال النوم غير مجد بعد أن كان قبله مكلّفا بإزالة أثر الجنابة مقدمة لصوم اليوم ، فكما أنّ ذلك اقتضى وجوب الغسل عليه مع التمكّن والتيمّم بدلا عنه عند تعذّره ، كذلك اقتضى وجوب إبقاء أثر تيمّمه ، أي : بقاؤه مستيقظا ، وإلّا فنفس التيمّم أو الغسل من حيث هو ليس ممّا يتوقّف عليه الصوم ، بل من حيث توقّف إزالة أثر الجنابة عليه ، كما لا يخفى.

فما في المدارك من منع وجوب البقاء مستيقظا ، معلّلا : بأنّ انتقاض التيمّم بالنوم لا يحصل إلّا بعد تحقّقه ، وبعده يسقط التكليف ؛ لاستحالة تكليف الغافل (١) ؛ ضعيف.

نعم ، لو غلب عليه النوم ، اندرج في موضوع غير العامد الذي ستعرف حكمه.

ولو أخّر الغسل عمدا إلى أن ضاق الوقت ، أو أجنب عمدا في وقت يعلم بأنّه لا يسع الغسل ، فتيمّم وصام ، فهل يصحّ صومه؟ فيه تردّد ؛ ينشأ : من التأمّل في شمول ما دلّ على شرعيّة التيمّم ونحوه من التكاليف الاضطراريّة لمن ألجأ نفسه إليها بسوء اختياره. مع أن كون ضيق الوقت من حيث هو من مسوّغات التيمّم لا يخلو عن تأمّل ،

__________________

(١) مدارك الأحكام ٦ : ٥٨.

٤١٨

فليتأمّل.

فالأحوط إن لم يكن أقوى في مثل هذه الموارد : الجمع بين الإتيان بالفعل الاضطراري في الوقت وتداركه في خارجه ؛ لعلمه إجمالا بتنجّز التكليف عليه بأحد الأمرين : إمّا الفعل الاضطراري في الوقت أو الاختياري في خارجه ، فيجب في مثله الاحتياط ، كما تقدّم التنبيه عليه في مبحث التيمّم (١) وفي غير مورد من كتاب الصلاة (٢).

بل الأحوط في المقام الكفّارة أيضا ، ولكن الأقوى عدم وجوبها ؛ لكونها تكليفا مغايرا لما علمه بالإجمال ، فينفى وجوبها بالأصل ، ولتمام الكلام في ما يتوجّه عليه من النقض والإبرام مقام آخر.

وهل يلحق بالجنابة الحيض؟ المشهور : نعم ، بل عن المقاصد العليّة : نفي الخلاف فيه (٣).

ويدلّ عليه : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : إن طهرت بليل من حيضتها ، ثمّ توانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم (٤).

خلافا للمحكي (٥) عن النهاية والأردبيلي وصاحب المدارك ؛ استضعافا للخبر.

وفيه : أنّ ضعفه لو كان ، فهو مجبور بالشهرة.

__________________

(١) كتاب الطهارة (الطبعة الحجرية) : ٥١٣.

(٢) انظر على سبيل المثال ص ١٥٨ من كتاب الطهارة (الطبعة الحجرية).

(٣) كما في كتاب الصوم للشيخ الأنصاري : ٥٧٢.

(٤) التهذيب ١ : ٣٩٣ / ١٢١٣ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٥) كما في كتاب الصوم للشيخ الأنصاري : ٥٧٢ ، وراجع : مجمع الفائدة والبرهان ٥ : ٤٧ ومدارك الأحكام ٦ : ٥٧ ، ونهاية الإحكام ١ : ١١٩.

٤١٩

وربّما علّل الإبطال : بأنّ الحيض أشدّ تأثيرا فيه من الجنابة ؛ ضرورة بطلان الصوم بمفاجأته قهرا ، فليس إلّا للمنافاة بينه وبين الصوم ، فالبقاء متعمّدا حتى الصبح مبطل للصوم.

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ ما هو أشدّ تأثيرا من الجنابة هو نفس الحيض ، وأمّا أنّه يبقى منه بعد ارتفاعه أثر مانع عن الصوم كالصلاة ، فهو موقوف على دلالة الدليل عليه ، فمن الجائز كون بطلان الصوم كحرمة الوطء من آثار نفس الحيض ، لا أثره المانع عن الصلاة ، الموقوف رفعه على الاغتسال.

ثمّ إنّ النفساء بحكم الحائض بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن غير واحد : دعوى الوفاق عليه.

ويظهر وجهه ممّا حرّرناه في محلّه من اتّحادهما حكما ، بل موضوعا ، فراجع.

وأمّا المستحاضة : فقد تقدّم الكلام في اشتراط صومها بالغسل مفصّلا في كتاب الطهارة (١) ، وعرفت في ما تقدّم أنّ مدركه منحصر بمضمرة ابن مهزيار (٢) ، التي يتطرّق إليها جهات من الإشكال على وجه لا يمكن استكشاف ما أريد منها من ظاهرها ، فلا يصحّ الاعتماد عليها في إثبات الاشتراط ، ولكنه على إجماله مظنّة الإجماع ، فيشكل حينئذ الجزم بعدمه ، ولذا توقّف فيه غير واحد من المتأخّرين كبعض القدماء على ما

__________________

(١) راجع : كتاب الطهارة (الطبعة الحجرية) : ٣٣١.

(٢) الكافي ٤ : ١٣٦ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٩٤ / ٤١٩ ، علل الشرائع : ٢٩٤ ، الباب ٢٢٤ ، الحديث ١ ، الوسائل : الباب ٤١ من أبواب الحيض ، الحديث ٧ ، والباب ١٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

٤٢٠