مصباح الفقيه - ج ١٤

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٩

عليها بخيل ولا ركاب» إلّا أنّ المذكور في كتاب الإحياء أنّ البحرين أسلم أهلها طوعا فهي كالمدينة المشرّفة أرضها لأهلها ، وقد صرّح في الروضة بالأوّل في الخمس وبالثاني في إحياء الموات ، فلعلّه غفلة (١). انتهى.

(والأرضون الموات) عرفا.

وربّما عرّفوها بالتي لا ينتفع بها لعطلتها بانقطاع الماء عنها ، أو استيجامها ، أو استيلاء الماء عليها ، أو التراب ، أو الرمل ، أو ظهور السبخ فيها ، أو غير ذلك من موانع الانتفاع.

وملخّصه : كلّ أرض معطّلة غير ممكن الانتفاع بها إلّا بعمارتها وإصلاحها.

(سواء ملكت ثمّ باد أهلها أو لم يجر عليها ملك كالمفاوز وسيف البحار) بالكسر ، أي : ساحلها غالبا.

واحتمال إرادته قسما مستقلّا لا المثال للأرضين الموات التي لم يجر عليها ملك ، يبعده : أنّه على هذا التقدير تزيد الأقسام عن الخمسة ، مع أنّه لا دليل عليه بخصوصه ، بل ظاهره بمقتضى حصره الأنفال في الخمسة جعل الأقسام الثلاثة الآتية أيضا مثالا لها ، فيعتبر حينئذ في كونها من الأنفال صدق كونها من الموات عرفا ، كما هو الغالب فيها ، وفيه بحث سيأتي تحقيقه إن شاء الله.

ويدلّ على كون الأرضين الموات مطلقا من الأنفال ـ مضافا إلى عدم الخلاف فيه ظاهرا ، بل عن كثير من الأصحاب دعوى الإجماع عليه (٢)

__________________

(١) كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٥١ ، وراجع : الروضة البهية ٢ : ٨٤ و ٧ : ١٣٧.

(٢) راجع : كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٥١.

٢٤١

أغلب الأخبار المتقدّمة وغيرها من النصوص الكثيرة الآتية.

ثمّ إنّ التقييد بكون الأرض الميتة المملوكة ممّا باد أهلها في المتن وغيره بحسب الظاهر ؛ للاحتراز عمّا كان لها مالك معروف ، فإنّها له بلا خلاف فيه على الظاهر ولا إشكال لو لم يكن ملكه لها بالإحياء.

وأمّا لو كانت مملوكة بالإحياء ففي زوال ملكيتها بعروض الخراب لها ورجوعها إلى ملك الإمام ، كما كان قبل الإحياء ، وعدمه قولان في باب الإحياء ، لا يخلو ثانيهما عن قوّة ، وتحقيقه موكول إلى محلّه.

ولو ماتت عمارة المفتوحة عنوة ، فالظاهر أنّه كالملك الخاص المملوك بالنواقل في عدم صيرورتها للإمام ، كما عن بعض التصريح به (١) ، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه (٢) ، فإطلاق أنّ الموت له ـ عليه‌السلام ـ في بعض النصوص والفتاوى محمول على الموات بالأصل أو بالعارض مع بواد أهلها ، أو معروفيتهم إذا كان الملك بالإحياء على أحد القولين ، كما يشهد له جملة من الأخبار المقيّدة للأرض الخربة ببواد أهلها ، كالمرسلة المتقدّمة (٣) وغيرها ممّا ستعرفه.

وربما يستشعر ، بل يستظهر من بعض النصوص والفتاوى : أنّ الأرض التي باد أهلها إنّما تصير نفلا إذا عرضها الخراب ، مع أنّ الأظهر أنّها تصير نفلا بمجرّد بواد أهلها وإن بقيت عامرة ، لا لمجرّد اندراجها في ميراث من لا وارث له ، بل لوقوع التصريح في بعض الأخبار بأنّ كلّ

__________________

(١) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس : ٥٥١ ـ ٥٥٢ ، والمحكي عنه هو صاحب الرياض. انظر : الرياض ١ : ٤٩٦.

(٢) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس : ٥٥٢ ، نقلا عن صاحب الرياض. راجع رياض المسائل ١ : ٤٩٦.

(٣) وهي مرسلة حماد بن عيسى ، المتقدّمة في صفحة ٢٣٩.

٢٤٢

أرض لا ربّ لها من الأنفال ، وهي للإمام ، كما في خبر أبي بصير ، الآتي ، بل في جملة من الأخبار عدّ من الأنفال : كلّ قرية جلا أهلها أو هلكوا ؛ من غير تقييدها بالخراب ، كخبر حريز المروي عن تفسير العياشي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته ، أو سئل عن الأنفال ، فقال : «كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل ، نصفها يقسّم بين الناس ، ونصفها للرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ» (١).

وعن أبي إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته عن الأنفال ، فقال : «ما كان من أرض باد أهلها فذلك الأنفال فهو لنا» (٢).

وعن أبي بصير عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، قال : «لنا الأنفال» قلت :وما الأنفال؟ قال : «منها المعادن والآجام ، وكل أرض لا رب لها ، وكلّ أرض باد أهلها فهو لنا» (٣).

ولا داعي لتقييدها بالأخبار التي قيّدتها بالخراب ؛ إذ لا تنافي بينهما ، خصوصا مع كون القيد جاريا مجرى الغالب ، بل ربما يستشعر من بعض الأخبار : أنّ توصيف الأرض التي باد أهلها بالخراب ؛ لكونه لازما عاديا لها ، لا لمدخليته في صيرورتها من الأنفال ، كخبر عبد الله بن سنان ، المروي عن تفسير العياشي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته عن الأنفال ، قال : «هي القرى التي قد جلا أهلها وهلكوا فخربت فهي لله وللرسول» (٤).

وكيف كان فالذي يقوى في النظر أنّ كلّ أرض ليس لها مالك

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ : ٤٧ / ٤ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٢٥.

(٢) تفسير العياشي ٢ : ٤٧ / ٩ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٢٦.

(٣) تفسير العياشي ٢ : ٤٨ / ١١ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٢٨.

(٤) تفسير العياشي ٢ : ٤٧ / ٦ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٢٤.

٢٤٣

بالفعل هي نفل ، سواء كانت ميتة أو محياة ، وسواء كانت مسبوقة بملك أحد أم لم تكن ، كما يؤيّد ذلك : المستفيضة المتقدّمة (١) في صدر الكتاب الناطقة بأنّ الأرض كلّها لهم.

هذا ، مع أنّه لا يترتّب على هذا التعميم ثمرة مهمة بالنسبة إلى الأرض العامرة التي باد أهلها بعد ما ستعرف من أنّ الإمام ـ عليه‌السلام ـ وارث من لا وارث له.

اللهم إلّا أن نلتزم باختلاف العنوانين من حيث المصرف ، كما سيأتي التكلّم فيه.

نعم ، ربما يثمر في المحياة التي لم تدخل في ملك أحد ؛ فإنّ مقتضى ما ذكرناه كونها من الأنفال ، فيجري عليها أحكامها وإن خصّصنا الأنفال بالأرضين الموات ، كما يظهر من فتاوى الأصحاب ، فتلحق بالمباحات الأصلية ، فليتأمّل.

ثمّ إنّ ما في أخبار الباب من جعل الأرض التي لا ربّ لها قسيما للأرض الموات ، وكذا الأرض الخراب ، أو الأرض التي باد أهلها قسما آخر مقابلا لهما إنّما هو بملاحظة المبائنة الجزئية المتحقّقة بين المفاهيم التي ينصرف إليها إطلاق هذه العناوين ، فكأنّه أريد بالأرض التي لا ربّ لها في الروايات التي جعلت قسيما للأرض التي باد أهلها : الأراضي التي لم يجر عليها ملك أحد ، سواء كانت عامرة أو مواتا ، والله العالم.

(و) منها : (رؤوس الجبال وما يكون بها وبطون الأودية والآجام) من النبات والأشجار والأحجار ونحوها (وكذا بطون الأودية والآجام) وما يكون فيهما من معدن أو نبات أو غير ذلك ، والمرجع في تشخيصها العرف.

__________________

(١) تقدّمت في صفحة ٧.

٢٤٤

والآجام كما في الروضة (١) وغيرها (٢) : بكسر الهمزة وفتحها مع المدّ ، جمع أجمة بالتحريك ، وهي : الأرض المملوءة من القصب ونحوه.

والمراد بـ «نحوه» سائر الأشجار ، لا خصوص ما كان من أشباه القصب ، كما هو صريح بعض (٣) حيث قال في تفسيرها : هي الأراضي المملوءة من القصب وسائر الأشجار.

ثم قال : والمراد منها ما يقال بالفارسية : «بيشه».

وفي شرح القاموس أيضا فسّرها بهذه الكلمة.

فالأرض المملوءة من سائر الأشجار كأنّها أظهر مصاديقها ، كما ربما يؤيّد ذلك ما تسمعه من كلمات اللغويين من تفسيرها بالشجر الملتفّ.

وعن المدقّق الخوانساري في حاشيته على الروضة قال مشيرا إلى التفسير المذكور : إنّه هو المعروف في معناها.

وفي القاموس : أنّها الشجر الكثير الملتفّ. وكأنّه سقط منه لفظ «ذات» (٤). انتهى.

أقول : ولكن يبعّد احتمال السقط في عبارة القاموس وقوع هذا التفسير في كلام غيره أيضا.

ففي مجمع البحرين قال : الأجمة كقصبة : الشجر الملتفّ ، والجمع أجمات كقصبات ، وأجم كقصب والآجام جمع الجمع (٥) انتهى.

وعن المصباح المنير نحوه (٦) ، فلعلّه من مسامحاتهم في التعبير.

__________________

(١) الروضة البهية ٢ : ٨٤.

(٢) كالمدارك ٥ : ٤١٥.

(٣) وهو النراقي في مستند الشيعة ٢ : ٩٢.

(٤) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس : ٥٥٢.

(٥) مجمع البحرين ٦ : ٦.

(٦) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٢٠ ، وراجع : المصباح المنير : ١٠.

٢٤٥

وكيف كان ، فما ذكره الأصحاب في تفسيرها أوثق ، خصوصا بالنسبة إلى ما أريد بها من أخبار الباب وفتاوى الأصحاب.

ويدلّ على كون هذه الثلاثة من الأنفال ـ مضافا إلى اندراجها غالبا في الأرضين الموات ، فتعمّها أدلّتها ـ خصوص قوله ـ عليه‌السلام ـ في مرسلة حمّاد المتقدّمة (١) : «وله رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام» الحديث.

وخبر داود بن فرقد ، المروي عن تفسير العياشي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، في حديث ، قال ، قلت : وما الأنفال؟ قال : «بطون الأودية ورؤوس الجبال والآجام والمعادن ، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، وكلّ أرض ميتة قد جلا أهلها وقطائع الملوك» (٢).

وعنه أيضا بسنده عن أبي بصير عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : «لنا الأنفال» قلت : وما الأنفال؟ قال : «منها المعادن والآجام ، وكلّ أرض لا ربّ لها ، وكلّ أرض باد أهلها فهو لنا» (٣).

وعن المفيد في المقنعة عن محمد بن مسلم قال في حديث : وسألته عن الأنفال ، فقال : «كلّ أرض خربة أو شي‌ء كان يكون للملوك ، وبطون الأودية ، ورؤوس الجبال ، وما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكلّ ذلك للإمام خالصا» (٤).

وفي مرفوعة أحمد بن محمد بعد أن ذكر اختصاص ما كان من فتح لم يقاتل عليه بالإمام ـ عليه‌السلام ـ قال : «وبطون الأودية ، ورؤوس الجبال ، والموات كلّها هي له» (٥) الحديث.

__________________

(١) تقدّمت في صفحة ٢٣٩.

(٢) تفسير العياشي ٢ : ٤٩ / ٢١ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٣٢.

(٣) تفسير العياشي ٢ : ٤٨ / ١١ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٢٨.

(٤) المقنعة : ٢٩٠ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٢٢.

(٥) التهذيب ٤ : ١٢٦ / ٣٦٤ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٧.

٢٤٦

وفي صحيحة حفص بن البختري ، المتقدّمة (١) ، عدّ منها بطون الأودية ، وكذا في صحيحة محمد بن مسلم (٢) أو حسنته.

وما في الأخبار المتقدّمة من ضعف السند مجبور بما عرفت ، مع أنّ بعضها صحيحة ، واختصاص موردها ببعض الثلاثة ـ وهو بطون الأودية ـ غير ضائر بعد عدم القول بالفصل ، اللهمّ إلّا أن يناقش فيه بما سنشير إليه.

وفي المدارك قال في شرح العبارة : وإطلاق النصّ وكلام أكثر الأصحاب يقتضي اختصاصه ـ عليه‌السلام ـ بهذه الأنواع الثلاثة من أيّ أرض كانت.

ومنع ابن إدريس من اختصاص الإمام ـ عليه‌السلام ـ بذلك على الإطلاق ، بل قيّده بما يكون في موات الأرض أو الأرضين المملوكة للإمام.

وردّه الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في البيان : بأنّه يفضي إلى التداخل وعدم الفائدة في ذكر اختصاصه بهذين النوعين.

وهو جيّد لو كانت الأخبار المتضمّنة لاختصاصه ـ عليه‌السلام ـ بذلك على الإطلاق صالحة لإثبات هذا الحكم ، ولكنّها ضعيفة السند ، فيتّجه المصير إلى ما ذكره ابن إدريس ؛ قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق (٣). انتهى.

أقول : القائلون بأنّ هذه الثلاثة للإمام وإن كانت في ملك الغير إن أرادوا أنّها له وإن كانت مسبوقة بملك الغير ، بأن صار ملكه واديا أو

__________________

(١) تقدّمت في صفحة ٢٣٨.

(٢) تقدّمت في صفحة ٢٣٩.

(٣) مدارك الأحكام ٥ : ٤١٥ ـ ٤١٦ ، وراجع : السرائر ١ : ٤٩٧ ، والبيان : ٢٢٢.

٢٤٧

أجمة أو جبلا وإن كان الأخير كالمحال عادة ، ففيه : أنّ إطلاقات الأدلّة منصرفة عن مثل ذلك جزما ، بل لا يظنّ بهم الالتزام بذلك.

نعم ربما يلتزم به القائلون بخروج الأرض عن ملك مالكه بمطلق الموت إذا كان ملكه بالإحياء ، لا لاندراجها تحت هذه العناوين ، بل لصيرورتها خرابا ، وقد أشرنا آنفا إلى ضعفه أيضا.

وإن أرادوا أنّ الغير لا يملكها وإن وقعت في ملكه كالجبال والأودية والآجام الواقعة في ملك الغير ، أو الأراضي المفتوحة عنوة التي هي ملك المسلمين : فهو حقّ ـ كما صرّح بذلك شيخنا المرتضى (١) رحمه‌الله ـ فإنّ هذه الثلاثة لا تدخل في ملك الغير وإن وقعت فيه كغيرها من الموات الأصلية الواقعة فيه ، فهذه الثلاثة كغيرها من الموات الأصلية أينما وجدت مملوكة للإمام ؛ لإطلاقات أدلّتها ، سواء اندرجت عرفا في موضوع الموات أم لا ، إلّا أنّها بحسب الظاهر يعدّ عرفا منها ، ولكن انفرادها بالذكر في الفتاوى ؛ لتبعية النصوص ، وفي النصوص ؛ لكونها من الأفراد الخفية التي ينصرف عنها إطلاق أرض الموات ، كما أشار إليه المحقّق الأردبيلي ـ رحمه‌الله ـ في ما حكي (٢) عنه حيث قال : إنّ هذه الثلاثة ـ يعني رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام ـ داخلة في الموات إلّا أنّ ذكرها للتوضيح واحتمال صرف الموات إلى غيرها.

وفي عبارة المتن أيضا إشارة إليه ، كما تقدّم التنبيه عليه آنفا ، والله العالم.

__________________

(١) كتاب الخمس : ٥٥٣.

(٢) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب الخمس : ٥٥٣ ، وراجع : مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٣٣٤.

٢٤٨

(وإذا فتحت دار الحرب فما كان لسلطانهم من قطائع) وهي الأراضي المقتطعة له (أو صفايا) أي : المنقولات النفيسة التي تكون للملوك (فهي للإمام) عليه‌السلام ـ ، وهذا بحسب الظاهر هو ثالث الأقسام التي أرادها المصنّف.

وكيف كان ، فيشهد له جملة من الأخبار التي تقدّم كثير منها ، كمرسلة حمّاد (١) ، وموثّقة سماعة (٢) ، وخبر داود بن فرقد (٣) ، المروي عن تفسير العياشي ، ورواية محمد بن مسلم (٤) ، المروي عن المقنعة.

وصحيحة داود بن فرقد قال ، قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «قطائع الملوك كلّها للإمام وليس للناس فيها شي‌ء» (٥).

وخبر الثمالي ، المروي عن تفسير العياشي عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، قال : «ما كان للملوك فهو للإمام» (٦).

ولا يخفى أنّ هذا في ما (إذا لم تكن) القطائع والصفايا (مغصوبة) في أيديهم (من مسلم أو معاهد) محترم المال ؛ لقصور الإطلاقات عن شمول مثل ذلك ، وقضاء الأصول والقواعد بوجوب ردّه إلى صاحبه.

مضافا إلى ما في ذيل المرسلة المتقدّمة (٧) من التصريح بذلك حيث قال : «وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب لأنّ

__________________

(١) تقدّمت في صفحة ٢٣٩.

(٢) تقدّمت في صفحة ٢٤٠.

(٣) تقدّمت في صفحة ٢٤٦.

(٤) تقدّمت في صفحة ٢٤٦.

(٥) التهذيب ٤ : ١٣٤ / ٣٧٧ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٦.

(٦) تفسير العياشي ٢ : ٤٨ / ١٧ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٣١.

(٧) تقدّمت في صفحة ٢٣٩.

٢٤٩

الغصب كلّه مردود».

(وكذا له أن يصطفي من الغنيمة ما شاء من فرس) جواد (أو ثوب) مرتفع (أو جارية) حسناء ، أو سيف فاخر ماض (أو غير ذلك ما لم يجحف.)

ولقد أجاد في المدارك حيث قال : هذا القيد مستغنى عنه ، بل كان الأولى تركه (١).

ويشهد للمدّعى ـ مضافا إلى عدم الخلاف فيه بيننا على الظاهر ، بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا أجمع (٢) ـ جملة من الأخبار ، كصحيحة ربعي عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ «كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ـ إلى أن قال ـ وكذلك الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، يأخذ كما أخذ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ» (٣).

وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : سألته عن صفو المال ، قال : «الإمام يأخذ الجارية الروقة (٤) ، والمركب الفاره ، والسيف القاطع ، والدرع قبل أن تقسّم الغنيمة ، فهذا صفو المال» (٥).

وموثّق أبي الصباح الكناني قال ، قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «نحن قوم فرض الله طاعتنا ، لنا الأنفال ، ولنا صفو المال» (٦) الحديث.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ٤١٧.

(٢) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٢٤. وراجع : منتهى المطلب ١ : ٥٥٣.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢٨ / ٣٦٥ ، الإستبصار ٢ : ٥٦ / ١٨٦ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب قسمة الخمس ، الحديث ٣.

(٤) الجارية الروقة : الجميلة الحسناء. الصحاح ٤ : ١٤٨٦.

(٥) التهذيب ٤ : ١٣٤ / ٣٧٥ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٥.

(٦) الكافي ١ : ١٨٦ / ٦ و ٥٤٦ / ١٧ ، التهذيب ٤ : ١٣٢ / ٣٦٧ ، الوسائل : الباب ٢ من أبواب الأنفال ، الحديث ٢.

٢٥٠

وكأنّه من عطف الخاص على العام تنبيها على مزيد اختصاصه بذلك ، ردّا على العامّة القائلين بسقوط ذلك بعد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، كما نبّه عليه في الجواهر (١).

وفي مرسلة حمّاد ، المتقدّمة (٢) : «وللإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها : الجارية الفارهة ، والدابة الفارهة ، والثوب ، والمتاع ممّا يشتهي ، فذلك له قبل القسمة» الحديث.

والبحث عن اشتراط جوازه بما إذا كان هناك مال آخر للغانمين ، وأن يكون لذلك المال في حدّ ذاته شأنية الاصطفاء كالأمثلة المذكورة في الروايات ، وغير ذلك ممّا يتعلّق بالمقام صرف للعمر في ما لا يترتّب على تحقيقه فائدة مهمة ، كما هو الشأن في كلّ مقام جرى الكلام في بيان تكليف الإمام الذي هو المرجع في بيان الأحكام من غير أن يكون له تعلّق بتكليفنا بالفعل ، كما هو واضح.

(وما يغنمه المقاتلون) في سريّة أو جيش (بغير إذنه) عليه‌السلام ـ (فهو له) على المشهور ، كما في الجواهر (٣) وغيره ، بل عن الروضة والمسالك نفي الخلاف عنه (٤) ، وعن الحلّي دعوى الإجماع عليه (٥).

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ١٢٥.

(٢) تقدّمت في صفحة ٢٣٩.

(٣) جواهر الكلام ١٦ : ١٢٦.

(٤) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٢٦ ، وراجع : الروضة البهية ٢ : ٨٥ ، ومسالك الأفهام ١ : ٤٧٤.

(٥) كما في جواهر الكلام ١٦ : ١٢٦ ، وحكاه صاحب الحدائق فيها ١٢ : ٤٧٨ ، وراجع : السرائر ١ : ٤٩٧.

٢٥١

والأصل فيه : مرسلة العباس الورّاق عن رجل سمّاه عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام ، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» (١) وضعف سندها مجبور بما عرفت.

وقد يستدلّ له أيضا : بمفهوم القيد الوارد في صحيحة معاوية بن وهب أو حسنته بإبراهيم بن هاشم ، قال ، قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ :السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسّم؟ قال : «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام ـ عليه‌السلام ـ أخرج منها الخمس لله وللرسول ، وقسّم بينهم أربعة أخماس ، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ» (٢).

وناقش فيه شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ بما لفظه : ولا يخفى عدم دلالتها على المطلوب إلّا إذا اعتبر مفهوم القيد في قوله : «مع أمير أمّره الإمام» مع تأمّل فيه أيضا ؛ لأنّ المفروض أنّ ضمير «قاتلوا» راجع إلى السريّة التي يبعثها الإمام ، فالقيد لا يكون للتخصيص قطعا (٣). انتهى.

أقول : ولكن ذكر هذا القيد في الجواب مع كونه مفروضا في السؤال مشعر بأنّ له دخلا في الاستحقاق لو لم نقل بكونه ظاهرا في ذلك ، فالإنصاف أنّه لا يخلو عن تأييد ، والعمدة ما عرفت.

ثم إنّ صاحب المدارك حكى عن المنتهى تقوية أنّ هذه الغنيمة تساوي غيرها في أنّه ليس فيها إلّا الخمس ، واستجوده ؛ لإطلاق الآية ،

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣٥ / ٣٧٨ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٦.

(٢) الكافي ٥ : ٤٣ / ١ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٣.

(٣) كتاب الخمس : ٥٥٣.

٢٥٢

وضعف الرواية (١) ، وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة ، فقال : «يؤدّي خمسا (٢) ويطيب له» (٣) (٤).

وأجيب عنه : بوجوب تقييد الإطلاق بما عرفت ، مع أنّ في شموله لغير المخاطبين الذين لم يكن جهادهم إلّا بأمر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، من حيث هو بحثا معروفا في الأصول.

وأمّا الحسنة : فلا تصلح لمعارضة المرسلة المعتضدة بالشهرة.

مع إمكان كون ما تضمّنته الحسنة من باب التحليل ، أو لكون الرجل الذي يكون معهم في لوائهم مأذونا من الإمام ـ عليه‌السلام ـ في القتال معهم ولو باستفادته من الأخبار الآمرة بالتقية.

وكذا لا يصلح لمعارضتها ما تطابقت عليه النصوص والفتاوى من المعاملة مع أرض السواد وغيرها ممّا فتحت في زمان أهل الجور معاملة الأرض المفتوحة عنوة من الحكم بكونها للمسلمين ؛ لإمكان حصول القتال فيها بأمر الإمام وإجازته ، كما يؤيّد ذلك ما هو المعلوم من حال بعض أمرائهم من مراجعة الأمير ـ عليه‌السلام ـ ، والمشاورة معه في مثل هذه الأمور.

مع أنّ الذي يغلب على الظنّ أنّ بناء هذه الأحكام في زمان قصور

__________________

(١) جملة «وضعف الرواية» لم ترد في المدارك ، وجاءت في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٥٣.

(٢) في التهذيب : خمسها. وفي المدارك والوسائل : خمسنا. وفي كتاب الخمس للشيخ الأنصاري كما في المتن.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢٤ / ٣٥٧ ، الوسائل : الباب ٢ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٨.

(٤) مدارك الأحكام ٥ : ٤١٨ ، وراجع : منتهى المطلب ١ : ٥٥٤.

٢٥٣

يد الأئمّة ـ عليهم‌السلام ـ على الإغماض عن حقّهم في ما يرجع إليهم من حيث الولاية وترتيب أثر العمل الصحيح على عمل المخالفين الموقوف صحته على إذن وليّ الأمر وإجازته من باب الإرفاق والتوسعة على الشيعة أو غير ذلك من الحكم المقتضية له.

والحاصل : أنّ مثل هذه الأخبار لا تصلح معارضة للنصّ الخاص ، الصريح المعتضد بالشهرة ، فما استجوده في المدارك ضعيف.

وأمّا ما نسبه إلى العلّامة في المنتهى فهو المحكي عنه في كتاب الخمس حيث إنّه بعد حكاية قول الشافعي بمساواة ما يغنم بغير إذن الإمام لما يغنم بإذنه ؛ مستدلا بالآية الشريفة ، والجواب عنها : بأنّ الآية تدلّ على وجوب إخراج الخمس لا بيان المالك ، قال : وإن كان قول الشافعي فيه قوة (١). انتهى.

لكن المحكي عنه في موضعين من كتاب الجهاد : موافقة المشهور بحيث يظهر منه عدم الخلاف فيه بيننا ، فقال : كلّ من غزا بغير إذن الإمام فغنم ، كانت الغنيمة للإمام عندنا (٢).

ثمّ إنّه كان على المصنّف ـ رحمه‌الله ـ ذكر ميراث من لا وارث له غير الإمام هنا من الأنفال ؛ إذ هو كذلك عند علمائنا أجمع كما عن المنتهى (٣).

ويدلّ عليه : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، قال : «من مات وليس له وارث من قبل قرابته ولا مولى عتاقة قد ضمن

__________________

(١) راجع : منتهى المطلب ١ : ٥٥٤.

(٢) كما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٥٣ ، وراجع : منتهى المطلب ٢ : ٩٤٧ و ٩٥٤.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٢٨ ، وراجع : منتهى المطلب ١ : ٥٥٣.

٢٥٤

جريرته فماله من الأنفال (١).

وخبر أبان بن تغلب قال ، قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «من مات ولا مولى له ولا ورثة فهو من أهل هذه الآية «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ» (٢) (٣).

والموثقة الآتية ، وقوله ـ عليه‌السلام ـ في مرسلة حمّاد ، المتقدّمة (٤) :«وهو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له» إلى غير ذلك من الأخبار الدالّة عليه.

ولعلّ ترك تعرّض المصنّف ـ رحمه‌الله ـ له هاهنا اكتفاء بما ذكروه في طبقات الإرث.

كما أنّ ترك تعرّضه للمعادن هنا بحسب الظاهر بناء منه على عدم كونها من الأنفال ، بل هي لواجده ، وعليه الخمس ، كما تدلّ عليه الأخبار المتقدّمة في صدر الكتاب ، ولكن الأصحاب اختلفوا في المعادن.

فعن الكليني والمفيد والشيخ والديلمي والقاضي والقمي في تفسيره ، وبعض متأخّري المتأخّرين (٥) : أنّها من الأنفال مطلقا من غير فرق بين ما كان منها في أرضه أو غيرها ، وبين الظاهرة والباطنة ، كما يشهد له جملة

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٦٩ / ٢ ، الفقيه ٤ : ٢٤٢ / ٧٧٣ ، التهذيب ٩ : ٣٨٧ / ١٣٨١ ، الوسائل : الباب ٣ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ، الحديث ١.

(٢) الأنفال ٨ : ١.

(٣) الكافي ١ : ٥٤٦ / ١٨ ، الفقيه ٢ : ٢٣ / ٨٩ ، التهذيب ٤ : ١٣٤ / ٣٧٤ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ١٤.

(٤) تقدّمت في صفحة ٢٣٩.

(٥) كما في مستند الشيعة ٢ : ٩٥ ، وجواهر الكلام ١٦ : ١٢٩ ، وراجع : الكافي ١ : ٥٣٨ (باب الفي‌ء والأنفال ..) والمقنعة : ٢٧٨ ، والنهاية : ٤١٩ ، والمراسم : ١٤٠ ، والمهذب ١ : ١٨٦ ، وتفسير القمّي ١ : ٢٥٤ ، وكفاية الأحكام : ٤٥.

٢٥٥

من الأخبار :منها موثّقة إسحاق بن عمّار ، المروية عن تفسير علي بن إبراهيم ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الأنفال ، فقال : «هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها فهي لله وللرسول ، وما كان للملوك فهو للإمام ـ عليه‌السلام ـ ، وما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، وكلّ أرض لا ربّ لها ، والمعادن منها ، ومن مات ولا مولى له فماله من الأنفال» (١).

وخبر أبي بصير ، المروي عن تفسير العياشي عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : «لنا الأنفال» قلت : وما الأنفال؟ قال : «منها المعادن والآجام ، وكلّ أرض لا ربّ لها ، وكلّ أرض باد أهلها فهو لنا» (٢).

وخبر داود بن فرقد ، المروي عنه أيضا عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في حديث ، قال ، قلت : وما الأنفال؟ قال : «بطون الأودية ورؤوس الجبال والآجام والمعادن ، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب» (٣) إلى آخره.

وعن جملة من الأصحاب (٤) ، بل الأشهر (٥) : أنّ الناس فيها شرع سواء ، فهي باقية على إباحتها الأصلية ، سواء كانت في أرض الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، أو في غيرها.

نعم ، الظاهر خروج ما كان في ملك مالك خاص عدا الإمام من

__________________

(١) تفسير القمي ١ : ٢٥٤ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٢٠.

(٢) تفسير العياشي ٢ : ٤٨ / ١١ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٢٨.

(٣) تفسير العياشي ٢ : ٤٩ / ٢١ ، الوسائل : الباب ١ من أبواب الأنفال ، الحديث ٣٢.

(٤) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٢٩.

(٥) كما في الجواهر ١٦ : ١٣٠ نقلا عن الدروس ١ : ٢٦٤.

٢٥٦

حيث إمامته عن محلّ الكلام ؛ إذ لا يظنّ بأحد الالتزام بكون الناس شرعا سواء في المعدن الواقع في دار زيد مثلا ، خصوصا إذا لم يكن ملكها في الأصل بسبب الإحياء.

وكيف كان ، فقد استدلّ للقول المزبور : بالأصل ، بعد تضعيف دليل الخصم : بضعف السند في الخبرين الأخيرين ، وإجمال الموثّقة ، واحتمال عود الضمير «فيها» إلى الأرض التي لا ربّ لها.

هذا ، مع ما عن بعض النسخ من إبدال «منها» بـ «فيها» فعلى هذا تكون أظهر في إرادة المعنى المزبور ، فهي لا تصلح دليلا إلّا للقول المحكي (١) عن الحلّي وغيره من التفصيل بين ما كان في ملك الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، وبين غيره.

وبالسيرة ، ودلالة أخبار خمس المعادن على صيرورتها ملكا لمن يحوزها ، وهو ينافي كونها ملكا للإمام.

وحملها على إرادته في خصوص ما كان في ملكه بعيد.

والالتزام بكونه من باب التحليل ورضى الإمام ـ عليه‌السلام ـ بتملّكها بالحيازة كتملّك الأراضي الموات بالإحياء أيضا لا يخلو عن بعد ، خصوصا بالنسبة إلى غير الشيعة.

أقول : لا ينبغي الالتفات إلى ما في هذه الأخبار من القصور سندا أو دلالة بعد استفاضتها واعتضاد بعضها ببعض ، وبفتوى المشايخ الثلاثة ونظرائهم من أعاظم الأصحاب وأصحاب الحديث ، وبالمستفيضة المتقدّمة الدالّة على أنّ الأرض وما أخرجه الله تعالى منها كلّها للإمام ، فالقول

__________________

(١) الحاكي هو صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٢٩ نقلا عن ابن إدريس في السرائر ١ : ٤٩٧ والعلّامة الحلي في منتهى المطلب ١ : ٥٥٣.

٢٥٧

بأنّها من الأنفال هو الأقوى ، خصوصا ما كان في أرضه ، فإنّه لا ينبغي الارتياب في تبعيته لها ، خصوصا الظاهرة منها كتبعية ما كان في ملك مالك خاص لملكه ، كما تقدّمت الإشارة إليه في محلّه ، مع أنّ هذا هو القدر المتيقّن ممّا دلّت الموثّقة عليه.

ومن هنا يظهر عدم كون استقرار السيرة على تملّكها بالحيازة ، وكذا ما تقتضيه الأخبار الواردة في خمس المعادن مانعا عن الالتزام بكونها من الأنفال ؛ فإنّه يستكشف بالسيرة جواز هذا النحو من الانتفاع في الأرضين الموات ونحوها ممّا ليس لمالك مخصوص ، كما يستكشف بالسيرة جواز سائر الانتفاعات والأخذ من سائر أجزائها وتوابعها من الحجر والشجر والتراب وغير ذلك ، وصيرورتها ملكا لآخذها بالحيازة ، فهذا كاشف إجمالا إمّا عن رضى وليّ الأمر ـ عليه‌السلام ـ بذلك ، أو كونه حكما إلهيّا بحسب أصل الشرع في مثل هذه الأراضي ما لم يتعلّق به نهي خاص عن صاحب الأمر ـ عليه‌السلام ـ ، نظير جواز بعض التصرّفات في الأراضي المتّسعة والأنهار العظيمة المملوكة التي يستكشف جوازه بالسيرة القطعية حسب ما عرفته في مكان المصلّي من كتاب الصلاة ، وستأتي الإشارة إلى أنّ هذا هو العمدة في جواز التصرّفات في سائر أقسام الأنفال وإن كان أخبار التحليل الآتية أيضا وافية بإثباته في الجميع ، والله العالم.

المقصد (الثاني : في كيفية التصرّف في مستحقّه) من الأنفال والخمس.

(وفيه مسائل : الاولى) : مقتضى أصول المذهب وقواعده : أنّه (لا يجوز التصرّف في ذلك) أي في ما يستحقّه الإمام ـ عليه‌السلام ـ (بغير إذنه).

٢٥٨

(ولو تصرّف) فيه (متصرّف ، كان غاصبا ، ولو حصل له فائدة ، كانت للإمام) عليه‌السلام ـ من غير فرق بين زمني الحضور والغيبة ، كما هو الشأن في سائر الأملاك بالإضافة إلى مالكها ، ولكن وقع الخلاف بين الأصحاب في الأنفال ، بل في مطلق ما يستحقّه الإمام ـ عليه‌السلام ـ ولو من الخمس في أنّه هل أبيح ذلك للشيعة مطلقا أو في الجملة في زمان الغيبة ، أو مطلقا؟ على وجوه.

فعن الشهيدين وجماعة : التصريح بإباحة الأنفال جميعها للشيعة في زمان الغيبة (١) ، بل نسبه في الروضة والمسالك والذخيرة إلى المشهور (٢) ؛ استنادا إلى أخبار التحليل الآتية.

ولكن ناقش بعض في هذه النسبة : بمخالفتها لظواهر كلماتهم ، بل ستسمع عن الحدائق دعوى الشهرة على خلافه.

وكيف كان ، فعن كثير من الأصحاب (٣) : قصر الإباحة والتحليل على المناكح والمساكن والمتاجر ، بل عن الحدائق نسبته إلى ظاهر المشهور (٤) ، قال فيها على ما حكي عنه : ظاهر المشهور هنا هو تحليل ما يتعلّق من الأنفال بالمناكح والمساكن والمتاجر خاصة ، وأنّ ما عدا ذلك يجري فيه الخلاف الذي في الخمس (٥). انتهى.

__________________

(١) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ٤١٩ ، وراجع : البيان : ٢٢١ ، والدروس ١ : ٢٦٤ ، والروضة البهية ٢ : ٨٥ ، ومسالك الأفهام ١ : ٤٧٥.

(٢) الروضة البهية ٢ : ٨٥ ، وأمّا في المسالك ١ : ٤٧٥ ، والذخيرة : ٤٩١ فليس فيهما النسبة إلى المشهور. فلاحظ.

(٣) راجع : جواهر الكلام ١٦ : ١٣٥.

(٤) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٣٥.

(٥) الحدائق الناضرة ١٢ : ٤٨١ ، وحكاه صاحب الجواهر فيها ١٦ : ١٣٥.

٢٥٩

وحكي عن المفيد قصر التحليل على المناكح (١).

وعن أبي الصلاح في المختلف ما يظهر منه تحريم الثلاثة أيضا ، قال في ما حكي عنه : ويلزم من تعيّن عليه شي‌ء من أموال الأنفال أن يصنع فيه ما بيّنّاه من تشطير الخمس ، لكونه جميعا حقّا للإمام ، فإن أخلّ المكلّف بما يجب عليه من الخمس وحقّ الأنفال ، كان عاصيا لله سبحانه ، ومستحقّا لعاجل اللعن المتوجّه عليه من كلّ مسلم إلى ظالمي آل محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، وآجل العقاب ؛ لكونه مخلّا بالواجب عليه لأفضل مستحقّ ، ولا رخصة في ذلك بما ورد من الحديث فيها ؛ فإنّ فرض الخمس والأنفال ثابت بنصّ القرآن والإجماع من الأمّة وإن اختلف في من يستحقّه ، فإجماع آل محمد دالّ على ثبوته وكيفية استحقاقه وحمله إليهم وقبضهم إيّاه ومدح مؤدّيه وذمّ المخلّ ، ولا يجوز الرجوع عن هذا المعلوم بشاذّ الأخبار (٢). انتهى.

أقول : ولعلّ القائلين بالمنع يريدون في ما عدا الأرضين الموات وتوابعها ممّا لا ينبغي الارتياب في جواز التصرّف فيها ، بل تملّكها بالإحياء أو الحيازة اتكالا على ما ذكروه في كتاب إحياء الموات.

وكيف كان ، فالذي يقتضيه التحقيق هو : أنّ ما كان من الأنفال من قبيل الأرضين الموات والمعادن ورؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام وتوابعها ممّا جرت السيرة على المعاملة معها معاملة المباحات الأصلية ، فلا ينبغي الارتياب في إباحتها للشيعة في زمان الغيبة وقصور اليد عن الاستئذان من الإمام ـ عليه‌السلام ـ ، بل مطلقا ، كما يشهد

__________________

(١) كما في كتاب الخمس للشيخ الأنصاري : ٥٥٤ ، وراجع : المقنعة : ٢٨٥.

(٢) مختلف الشيعة : ٣ : ٢١١ ـ ٢١٢ ، المسألة ١٦٥ ، وراجع : الكافي في الفقه : ١٧٤.

٢٦٠