دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ٢

دكتور محمد بيومي مهران

دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

دكتور محمد بيومي مهران


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٢

تعتمد عليه ، غير اعتمادها إلى افتراضات فرويد ، هذا فضلا عن معارضتها لكل ما جاء في التوراة والقرآن العظيم بشأن قصة خروج بني إسرائيل من مصر ، مثل محاجة موسى فرعون وتقديم المعجزات الباهرة (١) ، وتنكيل الله تعالى بفرعون وقومه (٢) ، فضلا عن الجدل الذي طال واستطال حول ألوهية الفرعون المزعومة (٣) ، ومحاولة فرعون قتل موسى (٤) ، وخروج بني إسرائيل من مصر ليلا (٥) ، وأن فرعون قد تبعهم ولكن الله فرق لهم البحر ، فاتخذوا لهم فيه سبيلا إلى النجاة ، بينما هلك فرعون وجنده غرقا في البحر (٦) ، وأن موسى تلقى رسالة ربه على طور سيناء (٧) ، وغير ذلك من أحداث فصلناها من قبل في قصة موسى عليه‌السلام ، تجاهلها فرويد في نظريته هذه ، وارتضى أن الخروج تم بسهولة لمكانة موسى في مصر ، سواء أكانت هذه المكانة دينية أو سياسية أو عسكرية ، وأن التفاصيل التي ذكرتها التوراة عن موسى والخروج ، ليست أكثر من أسطورة دينية تسجل تراثا انحدر من زمن سحيق على نحو يخدم ميولها (٨).

وانطلاقا من كل هذا ، فإننا نرفض رأي فرويد هذا ، لأنه مبني على

__________________

(١) أنظر : سورة الأعراف : آية ١٠٣ ـ ١٢٦ ، طه : آية ١٧ ـ ٢٤ ، ٤٢ ـ ٧٦ ، الشعراء : آية ١٠ ـ ٥١ ، النمل : آية ٨ ـ ١٤ ، القصص : آية ٢٩ ـ ٤٢.

(٢) سورة الأعراف : آية ١٣٠ ـ ٣٦ ، خروج ٧ / ١٩ ـ ٢٤ ، ٨ / ١١ ـ ٣٢ ، ٩ / ١ ـ ٣٥ ، ١٠ / ١ ـ ٢٩.

(٣) سورة الشعراء : آية ٢٩ ، القصص : آية ٣٨ ، النازعات : آية ٢٢ ـ ٢٦ ، ثم قارن : سورة المؤمنون : آية ٤٥ ـ ٤٩.

(٤) سورة غافر : آية ٢٦ ـ ٢٨.

(٥) سورة طه : آية ٧٧ ، الشعراء آية ٥٢ ، الدخان : آية ٢٣ ـ ٢٤.

(٦) سورة البقرة : آية ٥٠ ، يونس : آية ٩٠ ـ ٩٢ ، طه : آية ٧٧ ـ ٩٩ ، الشعراء : آية ٥٢ ـ ٦٨ ، القصص : آية ٤٠ ، الدخان : آية ٢٣ ـ ٢٤ ، الذاريات : آية ٤٠ ، خروج ١٤ / ٥ ـ ٣١.

(٧) سورة طه : آية ٩ ـ ١٦ ، القصص : آية ٢٩ ـ ٣٥ ، خروج ٣ / ١ ـ ١٨.

(٨) ٣٨ S.Freud ,op ـ cit ,P ..

٣٠١

افتراضات ، وأحيانا تخيلات ، تتعارض مع الحقائق الدينية والتاريخية ، ومن ثم فالإيمان بها إنما يتعارض مع إيماننا بما جاء في القرآن الكريم بشأن قصة موسى عليه‌السلام ، وهذا ما نبرأ إلى الله منه.

(٤) رعمسيس الثاني : هو فرعون موسى : ـ

يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن فرعون موسى الذي حدث الخروج في عهده ، إنما هو رعمسيس الثاني (١٢٩٠ ـ ١٢٢٤ ق. م) ، ولعل من أشهر المنادين بهذا الرأي ، أو لبرايت وإيسفلت وروكس وأونجر (١) ، معتمدين في ذلك على أن رعمسيس الثاني إنما وجد جالية من العبرانيين كبيرة ، سخرها فيما اختط له وزراؤه ومهندسوه من العمائر والمنشآت ، وكان على أي حال ، فيما أثبتت وثائق التاريخ يسخر الأسرى ومن حكمهم في إقامة ما يريد ، فلقد حفظ لنا من النصوص عند «معبد السبوع» بالنوبة ، ما يتحدث فيه ، «ستاو» نائب الملك بالنوبة ، عما كان من استخدامه أسرى من قبائل «التمحو» (٢) غربي مصر في بناء هذا المعبد (٣) ، وعند معبديه في أبو سنبل ، ما يتحدث فيه «رعمسيس عشاحب» عن مليكه من أنه أتى بأفواج العمال من أسرى سيفه من كل البلاد ، وأنه ملأ بيوت الأرباب بأبناء «رتنو» (٤) الأسيويين.

ومن ثم فقد بدأ فريق من المؤرخين يربطون بين الجهود التي بذلت في إنشاء مدينة «بي رعمسيس» (قنتير) وبين ما روته التوراة في قصة الخروج

__________________

(١) ١٩٤.p ، ١٩٥٧ W. F. Albright, From the Stone Age to Christianty, N. Y, F وكذا

O. Eiasfeldt, The Exodus and Wanderings, in CAH, II, Part, ٣٢٣ ـ ٣١٩.p ، ١٩٧٥ ، ٢ وكذاG Roux ,op ـ cit ,P. ٢٤٢ وكذاM.F.Unger ,op ـ cit ,P. ٣٣١

(٢) أنظر عن التحو (محمد بيومي مهران : مصر والعالم الخارجي في عصر رعمسيس الثالث ص ١٤٥ ـ ١٥٣).

(٣) أحمد عبد الحميد يوسف : المرجع السابق ص ٨٥.

(٤) ٤٩٨ J.H.Breasted ,ARE ,No ..

٣٠٢

من تسخير فرعون للعبرانيين في إنشاء مدينة ضخمة في أرض جوشن بشرق الدلتا ، تقول التوراة «فجعلوا عليهم (أي بني إسرائيل) رؤساء تسخير لكي يذلوهم بأثقالهم ، فبنوا لفرعون مدينتي مخازن فيثوم ورعمسيس» (١) ، واعتمادا على هذا النص رأى البعض أن بني إسرائيل بنوا لفرعون التسخير مدينتين ، الواحدة فيثوم ، والثانية رعمسيس ، وقد دلت الحفائر على أن الأولى قد أعيد بناؤها ، وأن الثانية قد أنشئت في عهد رعمسيس الثاني ، وأن الإشارة إلى المدينتين في سفر الخروج لا يمكن أن تكون مصادفة ، لأن ذلك إنما يتطابق مع كل ما نعرفه من المصادر الأخرى عن إقامة بني إسرائيل في مصر ، لدرجة أنها يمكن أن تعتبر تقاليد يمكن الاعتماد عليها ، فإذا كان ذلك كذلك ، فإن هذه المعلومات لها وزن تاريخي أكثر من الافتراض المبهم حول الظروف التاريخية ، وتاريخ دخول بني إسرائيل مصر.

وانطلاقا من هذا كله ، فقد نظر بعض الباحثين إلى رعمسيس الثاني ، على أنه «فرعون التسخير» (٢) ، وهو أمر يتفق تماما مع نشاطه البنائي الكبير ، بخاصة وأنه قد استقر في شرق الدلتا ، وأن الانطباع العام الذي يعطيه لنا سفر الخروج أن بني إسرائيل إنما كانوا يقيمون في مكان ما ليس بعيدا عن البلاط الملكي في قنتير ، هذا فضلا عن أن المزمور (٧٨) إنما يعطينا تأكيدا بأنهم قد عاشوا في «أرض مصر في حقول صوعن» (٣) ، وصوعن هو الإسم العبري لمدينة «تانيس» (على مبعدة ١٩ كيلا من قنتير) حيث كان بلاط الفرعون في هذه المنطقة في عهد رعمسيس الثاني ، وليس في فترة مبكرة على أيام تحوتمس الثالث.

__________________

(١) خروج ١ / ١١.

(٢) ١٢٠ M.Noth ,op ـ cit ,P ..

(٣) مزمور ٧٨ / ١٢ ، ٤١.

٣٠٣

ويذهب «جاك فنجان» (١) إلى أن بني إسرائيل قد استخدموا ، بادئ ذي بدء ، في عهد «سيتي الأول» ، ولكنهم لم يحملوا أثقالهم إلا في أيام رعمسيس الثاني ، مما دفعهم إلى الهروب ، وفي هذا الوقت ولد موسى عليه‌السلام ، وتربى ثم عاش في البرية ، وأخيرا عاد إلى مصر ، كما يروي سفر الخروج (٢ ـ ٢٥) وهكذا فإن عصر رعمسيس الثاني يجب أن يكون عصر رحيل القوم المستعبدين ، ومن ثم فيجب أن يكون وصول الإسرائيليين إلى فلسطين وتوغلهم في البلاد والتقاء مرنبتاح بهم في حوالي عام ١٢٢٠ ق. م ، وهذا بالكاد يعطيهم الوقت للتيه في البرية مدة الأربعين سنة ، وربما كان هذا الرقم تقليديا ، لأن التيه في الواقع كان أقصر من ذلك (٢) ، وأما «وليم أولبرايت» فيحدد عام ١٢٩٠ قبل الميلاد ، تاريخا للخروج ، على أساس أن حكم رعمسيس الثاني في رأيه كان في الفترة (١٣٠١ ـ ١٢٣٤ ق. م) وأن السنين العشرة الأولى من حكمه قد شغلت بالنشاط العمراني الكبير في المدينة التي حملت اسمه (بررعمسيس) (٣) ، ويذهب «كيلر» إلى أن المطابقة المدهشة بين هذا التاريخ (أي عام ١٢٩٠ ق. م) وبين طول مدة إقامتهم بمصر ، والتي يحددها سفر الخروج (١٢) بمدة ٤٣٠ سنة ، تكاد تكون تامة ، وهي في نفس الوقت جديرة بالاعتبار ، ومن ثم فإن الهجرة الإسرائيلية إلى مصر يجب أن تكون قد حدثت في عام ١٧٢٠ ق. م (٤).

غير أن هناك من العقبات ما يقف في وجه قبولنا لوجهة النظر هذه ، منها

__________________

(١) ١٣٤ ، ١٢٠.J.Finegan.,op ـ cit ,P.

(٢) إن فترة التيه أربعون سنة على وجه التأكيد كما تشير إلى ذلك والإنجيل والقرآن العظيم (سورة المائدة : آية ٢٦ ، عدد ١٤ / ٣٣ ، أعمال الرسل ٧ / ٣٦).

(٣) W.F.Albright ,op ـ cit ,P. ١٩٤. وكذاM.F.Unger ,op ـ cit ,P. ٣٣٢

(٤) جون الدر : الأحجار تتكلم ص ٥٥ (كترجم) ، وكذاW.Keller ,The Bible as History , ١٩٦٧ ، ١٢٢ ـ ١٢١.P.

٣٠٤

(أولا) أنها تجعل من رعمسيس الثاني فرعونا للتسخير وللخروج في آن واحد ، وهذا يتعارض مع بعض نصوص التوراة ، التي تفرق بينهما (١) ، هذا وقد أشرنا من قبل ، إلى تحريض الملأ من قوم فرعون على أن يقوم فرعون ، بعد إيمان السحرة بدعوة موسى ، وفضيحة فرعون أمام موسى بين الناس ، بمذبحة جديدة بين بني إسرائيل ، وإلى هذا أشار القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ، قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) (٢) ، وقال تعالى : (قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ ، وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) (٣) ، ونحن نعرف أن بني إسرائيل قد عانوا من قبل ، من إبان مولد موسى مثل التنكيل الوحشي من فرعون وملئه ، كما يقول تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (٤) ، ومن ثم فهناك ، فيما يرى صاحب الظلال ، أحد احتمالين ، أولهما : أن فرعون الذي أصدر ذلك الأمر الأخير ، كان قد مات وخلفه ابنه وولي عهده ، ولم يكن الأمر منفذا في العهد الجديد ، حتى جاء موسى وواجه الفرعون الجديد ، الذي كان يعرفه وهو ولي العهد ، ويعرف قصته ، والاحتمال الثاني أن فرعون الذي تبنى موسى ما يزال على عرشه ، ولكنه تراخى أو وقف ذبح الأبناء واستحياء النساء ، فالحاشية تشير بتجديده ، وتخص به الذين آمنوا مع موسى وحدهم للإرهاب

__________________

(١) خروج ٢ / ٢٣ ـ ٢٥ ، ٤ / ١٩.

(٢) سورة الأعراف : آية ١٢٧.

(٣) سورة غافر : آية ٢٥ ـ ٢٦.

(٤) سورة القصص : آية ٤.

٣٠٥

والتخويف (١) ، وبدهي أن الاحتمال الأول يثير الشك حول أن يكون رعمسيس الثاني هو فرعون الخروج.

ومنها (ثانيا) أن الفترة الأولى من حكم رعمسيس الثاني ، والتي شغلت ببناء المدينة ، كما يقول أصحاب هذا الرأي ، لا تتناسب ، مدة بقاء موسى في مدين أربعين عاما ، كما تقول التقاليد اليهودية والمسيحية (٢) ، وإن كنا نحن المسلمين لدينا ما يتناقض ذلك ، ذلك أن الله تعالى قد أخبرنا في كتابه الكريم أنها سنون ثمان أو عشرا ، وهو الأرجح ، كما بينا من قبل ، قال تعالى : (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ، قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) (٣) ، ومنها (ثالثا) أننا لا نستطيع حتى الآن أن نحدد تاريخا معينا لبناء مدينة «بر رعمسيس» بالنسبة إلى عهد الفرعون ، فضلا عن أن يكون ذلك في العقد الأول منه بالذات ، وهو الذي حدثت فيه كل حروبه تقريبا في غربي آسيا (حملات العام الرابع والخامس والثامن من حكمه) ، ومن ثم فربما كان النصف الثاني من عهد رعمسيس الثاني أكثر ملاءمة لبناء المدينة من النصف الأول ، وأن لزواجه ببنت ملك الحيثيين «خاتوسيل» في عام حكمه الرابع والثلاثين (حوالي عام ١٢٥٦ ق. م) ، نتيجة لمعاهدة التحالف بين البلدين في العام الحادي والعشرين من عهد رعمسيس الثاني (حوالي عام ١٢٦٩ ق. م) إلى جانب أسباب أخرى ، أثر في بناء المدينة ،

__________________

(١) في ظلال القرآن ٥ / ٣٠٧٧ ـ ٣٠٧٨ ، وانظر : البداية والنهاية ١ / ٢٥٠.

(٢) خروج ٧ / ٧ ، أعمال الرسل ٧ / ٢٣ ، ٣٠ ، قاموس الكتاب المقدس ٢ / ٩٣١ ، شاهين مكاريوس : تاريخ الأمة الإسرائيلية ـ القاهرة ١٩٠٤ ص ٤٠.

(٣) سورة القصص : آية ٢٧ ـ ٢٨.

٣٠٦

مما يجعل بناءها في فترة متأخرة من عهده ، وليس ، على أية حال ، في العقد الأول من عهده (١).

ومنها (رابعا) أن فترة التيه ، وهي أربعون سنة ، ليست رقما تقليديا ، كما يقول أصحاب هذا الرأي ، وإنما هي حقيقة دينية وتاريخية مؤكدة كل التأكيد ، ذلك أن هذا الرقم إنما جاء في التوراة والإنجيل والقرآن العظيم (٢) ، وبدهي أنه ليس من العلم ، فضلا عن الإيمان بكتب السماء ، أن نشك في أمر أجمعت عليه هذه الكتب ، ومنها (خامسا) أن القول بدخول بني إسرائيل مصر عام ١٧٢٠ ق. م ، أمر غير مقبول ، لأنه يجعل دخولهم مصر مع أو قبل دخول الهكسوس مصر ، ذلك لأن الهكسوس ، طبقا للوحة الأربعمائة سنة (٣) ، قد دخلوا مصر ما بين عامي ١٧٣٠ ، ١٧٢٠ ق. م ، بل إن «ردفورد» إنما يذهب إلى أن بداية حكم الهكسوس في مصر يجب أن تكون في وقت ما في السنوات العشر التي تقع ما بين عامي ١٦٦٠ ، ١٦٤٩ قبل الميلاد (٤) ، ومن المعروف ، كما فصلنا من قبل ، أن يوسف عليه‌السلام دخل مصر على أيام الهكسوس وبعد فترة لا تقل عن ربع قرن بحال من الأحوال ، استدعى أباه وإخوته ، بل إن هناك ، كما رأينا من قبل ، من يجعل دخول بني إسرائيل مصر على أيام أمنحتب الثاني (١٤٣٦ ـ ١٤١٣ ق. م) ، وإن كنا نرجح الرأي الأول ، الذي يذهب إلى أنهم دخلوا على أيام الهكسوس ، ومن ثم فإن هذه الفترة من دخول بني إسرائيل مصر وحتى خروجهم منها ، كما

__________________

(١) أنظر : محمد بيومي مهران : مصر والعالم الخارجي في عصر رعمسيس الثالث ـ الإسكندرية ١٩٦٩ ص ٤٦ ـ ٦٢ ، مصر ـ الجزء الثاني ـ الإسكندرية ١٩٨٤ ص ١٧٥ ـ ١٨٣.

(٢) سورة المائدة : آية ٢٦ ، عدد ١٤ / ٣٣ ـ ٣٤ ، أعمال الرسل ٧ / ٣٦ ، ٤٢.

(٣) أنظر : محمد بيومي مهران : حركات التحرير في مصر القديمة ـ القاهرة ١٩٧٦ ص ١٣٧ ـ ١٣٩ ، وكذاP.Montet ,Le Stele de L\'an ٤٠٠ ، Kemi ,IV , ٢١٥ ـ ١٩١.p ، ١٩٣٣.

(٤) D. B. Rdeford, The Hyksos Invasion in History and Tradition, Orientaba,

٢٨.p ، ١٩٧٠ ، ٣٩.

٣٠٧

يرى أصحاب هذا الرأي ، لا تتفق وبقائهم في مصر مدة ٤٣٠ سنة ، وبالتالي فإن رعمسيس الثاني قد يكون فرعون التسخير ، ولكنه ليس فرعون الخروج.

(٥) مرنبتاح : هو فرعون موسى : ـ

يعتمد أصحاب هذا الرأي الذي يذهب إليه مرنبتاح (١٢٢٤ ـ ١٢١٤ ق. م) هو فرعون موسى ، على نص التوراة الخاص ببناء مدينتي فيثوم ورعمسيس (١) ، وعلى ما جاء في «لوح إسرائيل» (٢) ، والذي ذكر فيه اسم إسرائيل لأول مرة في النصوص المصرية ، وهكذا رأت جمهرة كبيرة من المؤرخين أن مرنبتاح هو فرعون الخروج ، وأن أباه رعمسيس الثاني هو فرعون التسخير ، وتتفق آراء «نافيل» و «بتري» و «سايس» على أن خروج بني إسرائيل من مصر إنما حدث على أيام مرنبتاح ، ذلك لأن «نافيل» ظل متمسكا برأي «لبسيوس» من أن رعمسيس الثاني هو مضطهد اليهود ، وأن ولده مرنبتاح هو الفرعون الذي خرجوا في عهده من مصر (٣) ، وأما «سايس» فإنه يرى أن الآثار المصرية إنما تحصر هذا الحادث في عصر مرنبتاح (٤) ، وأما «بتري» فيرى في كتابه «تاريخ مصر» (٥) أن الخروج تم في عصر مرنبتاح ، وفي عام ١٢١٣ ق. م بالذات ، ثم يقدم لنا في كتابه «مصر وإسرائيل» (٦) التقويم التالي : دخول بني إسرائيل مصر في عام ١٦٥٠ ق.

__________________

(١) خروج ١ / ١١.

(٢) لوح إسرائيل : محفوظ بالمتحف المصري بالقاهرة برقم ٢٥ ٣٤٠ ، وقد عثر عليه «بتري» عام ١٨٩٦ م في خرائب معبد مرنبتاح الجنازي في طيبة الغربية ، وقد نشره كثير من العلماء ، منهم بتري وبرستد وكونتز وإرمان وويلسون وغيرهم.

(٣) ٩٣.p ، ١٩١٣. E. Naville, Archaeology of The Old Testament, London,

(٤) ١٨٩٦ A. H. Sayce, The Egypt of The Hebrews and Herodotus, London,

(٥) ١١٥.p ، ١٩٢٧ W.M.F.Petrie ,A History of Egypt ,III ,London ,.

(٦) ٣٨.p ، ١٩٢٥. W.M.F.Petrie ,Egypt and Israel ,London ,

٣٠٨

م ، وبداية الاضطهاد في عام ١٥٨٠ ق. م ، ثم الخروج من مصر في عام ١٢٢٠ ق. م ، وبناء معبد سليمان في عام ٩٧٣ ق. م ، وأن الاضطهاد قد استمر ، طبقا للتقاليد اليهودية والمسيحية ، أربعة قرون (١).

ويرى الدكتور عبد الحميد زائد أن حفائر «بيير مونتيه» في تانيس إنما تثبت صحة الرأي القائل بخروج اليهود في عهد مرنبتاح ، وأنه لا يوجد أي نشاط لملوك الأسرة الثامنة عشرة هناك ، فقد كانت «بي رعمسيس» من إنشاء رعمسيس الثاني ، وليست من عمل ملك آخر ، وقد جاء في المزامير (١٢ ، ٤٣ ، ١٣٨) ما يفيد أن الحوادث التي سبقت خروج اليهود قد وقعت في تانيس ، وتميل جمهرة العلماء إلى ترجيح خروج بني إسرائيل من مصر في الأيام الأولى لعهد مرنبتاح (٢) ، وأما «فيليب حتى» فيرى أن الفرعون الذي «لم يكن يعرف يوسف» إنما هو رعمسيس الثاني ، وأن الخروج قد حدث على أيام ولده مرنبتاح (٣) ، وأما «رولي» فالرأي عنده أن الخروج كان في عهد مرنبتاح ، وفي عام ١٢٢٥ ق. م (٤) ، ولعل من الأفضل أن نناقش أدلة المعارضين والمؤيدين كل على حدة.

(١) أدلة المعارضين ومناقشتها : ـ

ما ذهب إليه أستاذنا الدكتور أحمد فخري طيب الله ثراه ، من أن تحقيق هذا الموضوع من تاريخ العبرانيين واحتساب الزمن ، ثم ما جاء من نتائج التنقيبات الأثرية في فلسطين ، جعل خروج بني إسرائيل في عهد

__________________

(١) تكوين ١٥ / ١٣ ، أعمال الرسل ٧ / ٦.

(٢) عبد الحميد زائد : الشرق الخالد ـ القاهرة ١٩٦٦ ص ٣٧٨.

(٣) فيلب حتى : تاريخ سورية ولبنان وفلسطين ـ بيروت ١٩٥٨ ، ١ / ١٩٣ (مترجم).

(٤) H.H.Rowley ,From Joseph to Jashua ,London , ٥٥٠.p ، ١٩٥٠. وكذاM.F.Unger ,op ـ cit ,P. ٣٣٢.

٣٠٩

مرنبتاح أمرا غير مؤكد (١) ، ويجب أن يكون في عهد الأسرة الثامنة عشرة ، إلا أنه حتى الآن لم توجد أدلة أثرية تؤيد هذا الرأي (٢) ، ومنها (ثانيا) ما عرف بتقرير موظف الحدود ، والذي يذكر صاحبه أنه سمح لقبائل البدو من أدوم بالعبور من قلعة مرنبتاح لرعي ماشيتهم بالقرب من فيثوم ، ومن البدهي أن هذا لا يمكن أن يحدث لو كان الإسرائيليون لا يزالون بمصر ، حتى كتابه التقرير في السنة الثامنة من عهد مرنبتاح (٣) ، ومنها (ثالثا) ما يراه البعض من أن هذه النظرية إنما تضعف بحقيقة أن جسد الفرعون قد وجد في طيبة الغربية ، وبذلك فلا يمكن أن يكون قد غرق في البحر الأحمر ، طبقا للتقاليد الإسرائيلية (٤) ، ومنها (رابعا) أن مرنبتاح قد اعتبرهم من نزلاء فلسطين ، ولم يذكر أنهم كانوا من رعايا أرض الكنانة ، وهذا يعني أن بني إسرائيل قد نزلوا فلسطين قبل عهد مرنبتاح ، وبالتالي فقد خرجوا من مصر قبل عهده (٥).

ويمكن الرد على ذلك في النقاط التالية ، والتي منها (أولا) أن لوح إسرائيل الذي يرى البعض أنه اعتبرهم من نزلاء فلسطين ، وبالتالي فقد خرجوا قبل عهد مرنبتاح ، قد جاء فيه بعد المقدمة «الأمراء منبطحون يصرخون طالبين الرحمة ، وليس من بين الأقواس التسعة من يرفع رأسه ، الخراب للتحنو ، بلاد خاتي هادئة ، وكنعان قد استلبت في قسوة ، وأخذت عقلان ، وقبض على جازر ، وصارت ينوعام كأن لم يكن لها وجود ،

__________________

(١) أحمد فخري : مصر الفرعونية ـ القاهرة ١٩٧١ ص ٣٥٩.

(٢) محمد عبد القادر : الساميون في العصور القديمة ص ١٩٧.

(٣) J.A.Wilson ,ANET , ٢٥٩ ـ ٢٥٨.p ، ١٩٦٦. وكذاA.H.Gardiner ,Egyptian Grammar , ٧٧ ـ ٧٦.p ، ١٩٦٦.

J. H. Breasted, ARE, III, No.

٦٣٨ ـ ٦٣٦. وكذا.

(٤) خروج ١٤ / ٢٦ ـ ٣١ ، ١٥ / ١ ـ ٢١ ، وكذاW.O.E.Oesterley ,The Lgecy of Egypt ,OXford , ٢٢٣.p ، ١٩٤٧.

(٥) عبد العزيز صالح : مصر والعراق ص ٢٣٦ ، R.O.Faulkner ,CAH ,II ,Part , ٢٣٤.p ، ١٩٧٥ ، ٢.

٣١٠

وإسرائيل قد خرجت وأزيلت بذرتها ، وأصبحت خارو أرملة لمصر» (١) ، فالنص إذن يتحدث عن جهود الفرعون في السنة الخامسة من الحكم عن جهود الفرعون الحربية ضد الأقواس التسعة ، والتي يرى «جاردنر» أنها الشعوب المختلفة في وعلى حدود مصر (٢) ، وضد التحنو وخاتي (الحيثيين) وكنعان ، ثم ضد عقلان وجازر وينوعام وإسرائيل وخارو ، وليس في هذا من دليل على أن بني إسرائيل كانوا في فلسطين وقت ذاك ، لأن النص إنما يتحدث عن حروب الفرعون في فلسطين ، وحروبه ضد الحيثيين ، أي خاتي ، وهي دولة ، وعن تحنو وإسرائيل ، وهما أقوام ، وعن عقلان وجازر وبنو عام ، وهي مدن ، أي عن حروب مرنبتاح في مصر ، وخارج مصر ، على الحدود الشرقية والغربية ، بل وقد تجاوز ذلك حتى بلاد الحيثيين (آسيا الصغرى).

هذا فضلا عن أن اسم «إسرائيل» في النص إنما كان مصحوبا بالمخصص الذي كان يشار به إلى «قوم» وليس إلى «منطقة» مثل ليبيا وعقلان وجازر وبنو عام ، ومن هنا يمكن أن نستنتج أن إسرائيل كانت ما تزال قبيلة أو مجموعة قبائل ، ولم تكن بعد مثل الليبيين والحيثيين تسكن منطقة مأهولة بالسكان منذ فترة طويلة (٣) ، ويفسر الدكتور عبد الحميد زائد (٤) ، ذلك بأن المخصص الذي كتب به الإسرائيليون ، يختلف عن المخصصات التي كتبت بها بقية الجماعات التي هزمت أو الأقطار التي قضى عليها مرنبتاح ، فجميع تلك البلاد قد وضع لها المخصص الخاص بالبلاد الأجنبية ، أما اسم

__________________

(١) B. Porter and R. L. Moss, Topographical Bibligraphy of Ancient Egyptian Hieroglyphic A. Gardiner, op ـ cit, P.

٢٧٣. وكذاTexts ,II ,P. ١٥٩

(٢) A.Gardiner ,Egypt of The Pharaohs , ٣٠٣.p ، ١٩٦٤.

(٣) A.Lods ,op ـ cit ,P. ١٨٨ ـ ١٨٧.

(٤) عبد الحميد زائد : المرجع السابق ص ٧٤٦.

٣١١

«إسرائيل» فقد مثل برجل وامرأة وثلاثة خطوط رأسية خاصة بالجمع ، ولا سبيل في هذه القصيدة إلى التشكيك بما قد يقال من احتمال خطأ الكاتب المصري القديم وسهوه ، كما ذهب إلى ذلك «جون ويلسون» (١) ، ومن ثم فهذا المخصص على هذه الصورة إنما يشير إلى أقوام أجانب أو قبائل أجنبية ، وليس إلى أرض أجنبية (٢) ، وفي الواقع أننا لو نظرنا إلى ترتيب المناطق ، كما جاء على اللوح ، فإننا نجد أنها قد كتبت من الشمال إلى الجنوب ، ومن الجنوب إلى الشمال ، في داخل كل قطاع ، ولا شك في أن الكتاب المصري إنما كان موفقا واعيا ، فلقد وردت أسماء الشعوب والبلاد الأجنبية في ذلك النص تسع عشرة مرة ، لم يغفل رسم الأرض الأجنبية في واحدة منها ، مما سبق اسم إسرائيل أو لحق به ، بل كان من دقته أنه في ذكر اسم الشرطة المصرية وقد كان رجالها يتخذون من بجاة النوبة ، قد اقتصر مع رسم رمز الناس ، على رمز يدل على الأجنبي ، دون رسم الأرض ، لأنهم في غير أرض لهم (٣).

وانطلاقا من هذا كله ، يمكننا القول أن إسرائيل إنما ذكرت على أنهم أقوام عاشوا على الحدود المصرية ، وأنهم كانوا لا وطن لهم طوال تاريخهم ، ومن ثم فإن التوراة تسميهم «أبناء إسرائيل» ، وأنهم ليسوا سكان هذه الأرض أو تلك ، ومن ذلك نعرف أن عناصر النقش نفسه إنما تعارض القول بأن الإسرائيليين كانوا يسكنون فلسطين ، بل على العكس ، فإنها تميل إلى أن الأرض التي كانت ، في نظرهم ، تفيض بالمن والسلوى لم تكن قد احتلت بعد ، إذ كانت كنعان ما تزال بعد ، الأرض الموعودة ، ولم تصبح بعد

__________________

(١) ٣٧٨ ، No. ١٨.J.A.Wilson ,ANET ,P.

(٢) ٥٤٤.p ، ١٩٧٥. O.Eissfeldt ,CAH ,Part ,٢ ,Cambridge ,

(٣) أحمد عبد الحميد يوسف : المرجع السابق ص ١٤٥.

٣١٢

الأرض المملوكة ، وإذا اعترفنا بذلك ، فضلا عن أهمية الرموز المختلفة المخصصة التي استعملت للأقوام المختلفين وإذا قبلنا ترجمة «إدوارد نافيل» ورأيه في كلمة «بذرة» ، فمن البدهي إذن القول بأن النقش يشير هنا إلى خروج بني إسرائيل من مصر ، وفي الوقت نفسه ، فإنه يعني أن جنسا أجنبيا من البدو ويدعى «إسرائيل» قد خرج من مصر ، ومن ثم يصبح لا وجود لهم بالنسبة إلى مصر ، والواقع أن ما جاء في متن هذا اللوح ، على ما يظن ، إنما يعدو سجلا معاصرا لخروج بني إسرائيل من مصر ، كما يدل على أنه قد وقع في السنة الخامسة من عهد مرنبتاح ، فيما يعتقد «نافيل» (١).

ومنها (ثانيا) أن تقرير موظف الحدود إنما يتحدث عن السماح لبدو أدوم بالعبور من قلعة مرنبتاح في العام الثامن من حكم مرنبتاح ، ومن المعروف أن بدو أدم ليسوا من بني إسرائيل ، وإن كانوا أبناء عمومة ، فالإسرائيليون إنما هم أبناء يعقوب عليه‌السلام ، والذي لقب «إسرائيل» (٢) ، وأما الأدوميون فهم أبناء شقيقه التوأم «عيسو» (العيص من المصادر العربية) والذي دعي «أدوم» ، وبدهي أن الذين لجأوا إلى مصر من قحط كنعان إنما هم الإسرائيليون أبناء يعقوب ، وليسوا الآدوميين أبناء عيسو ، هذا وقد كان الآدوميون وقت خروج بني إسرائيل من مصر ، وتجوالهم في التيه ، فيما تروي التوراة (٣) ، يسكنون في شرق الأردن ، مكونين مملكة قوية ذات حضارة مزدهرة (٤) ، كما كان لهم موقف معارض من الإسرائيليين ، حتى أنهم منعوهم من أن يمروا في طرقهم (٥) ، كما أن كلمة «بدو» تعادل الكلمة

__________________

(١) سليم حسن : مصر القديمة ٧ / ١١٢ ، وكذا ٦ ـ ٣.p ، ٢١.E.Naville.JEA ,

(٢) أنظر عن لقب «إسرائيل» (محمد بيومي مهران : إسرائيل ١ / ٢٩ ـ ٣٢ ، ١٩٩ ـ ٢٠٥).

(٣) عدد ٢٠ / ١٤ ـ ١٧.

(٤) محمد بيومي مهران : إسرائيل ٢ / ٥٤٧ ـ ٥٥٢ ، وكذاJ.Finegan ,op ـ cit ,P ١٥٢ ..

(٥) عدد ٢٠ / ٢٢ ـ ٢٩.

٣١٣

المصرية «شاسو» ، وهم يمثلون القبائل الأسيوية المحيطة بمصر بصفة عامة ، هذا فضلا عن أن لنا رأيا خاصا فيما يختص بتاريخ الخروج في عهد مرنبتاح ، يتفق وما جاء في القرآن الكريم عن غرق الفرعون في البحر ، وهو ليس في السنة الخامسة على أية حال ، كما سنشير إليه في مكانه من هذه الدراسة.

ومنها (ثالثا) أن تحقيق تاريخ الخروج واحتساب الزمن ، ونتائج الحفريات الأثرية في فلسطين ، إنما تؤيد هذا الرأي ولا تعارضه ، ذلك أننا لو افترضنا أن الخروج كان في السنة الخامسة من عهد مرنبتاح ، كما يقول الكثير من العلماء ، أي في عام ١٢٢٠ ق. م ، ثم عدنا إلى الوراء مدة ٤٣٠ سنة ، وهي المدة التي حددتها التوراة (١) لإقامة بني إسرائيل في مصر ، لوصلنا إلى عام ١٦٥٠ ق. م ، وهو تاريخ دخول بني إسرائيل مصر ، وهو تاريخ يتفق تماما مع عصر الهكسوس ، إلا إذا قبلنا وجهة نظر النص السبتاجوني ، والذي بكلمة واحدة تختزل هذه المرحلة إلى النصف ، وأما التنقيبات الأثرية ، فقد ناقشناها من قبل ، وتبيّن لنا أنه لا يوجد حتى الآن دليل أثري واحد نستطيع أن نحدد به وقت دخول بني إسرائيل أرض كنعان ، بل إن حفائر «فيشر» في بيسان (بيت شان القديمة) قد كشفت عن قلعة مصرية عثر بها على لوحات من عهد سيتي الأول ورعمسيس الثاني ، بل وكذا تمثال لرعمسيس الثالث من الأسرة العشرين ، ويقول «فيشر» إن هذه الآثار إنما تقدم برهانا كافيا على أن بيسان ظلت في أيدي المصريين فعلا ، من عام ١٣١٣ إلى عام ١١٦٧ ق. م ، وقد أثبتت الحفائر المتوالية أن أيدي الرعامسة ظلت قوية باستمرار على الأرض الموعودة (٢).

__________________

(١) خروج ١٢ / ٤٠ ـ ٤١.

(٢) ٨٨.p ، ١٩٢٤ ، ١٠. A.Gardiner ,JEA ,

٣١٤

ومنها (رابعا) أن اكتشاف جثة مرنبتاح في طيبة الغربية ، وتناقض ذلك مع التقاليد العبرية التي ترى أن الفرعون غرق في البحر الأحمر ، إنما تلك وجهة نظر التوراة ، كما جاءت في سفر الخروج (١) ، ولكننا نحن المسلمين لدينا ما يناقض ذلك تماما ، فلقد أخبرنا الله تعالى في القرآن الكريم أن الفرعون قد أنجى ببدنه بعد غرقه ، ليكون آية لمن خلفه ، كما أشرنا إلى ذلك من قبل بالتفصيل ، وصدق الله العظيم ، حيث يقول : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) (٢) ، ومن ثم فإن وجود جثة مرنبتاح بين جثث الفراعين لا تحل المشكلة ، كما أنها لا تعقدها كذلك ، هذا فضلا عن أن كل الفراعين الذين دارت حولهم روايات تاريخ الخروج ، وأيهم فرعون موسى ، من أمثال أحمس الأول وتحوتمس الثالث وأمنحتب الثاني وتوت عنخ آمون ورعمسيس الثاني ومرنبتاح وسيتي الثاني ، قد اكتشفت جثثهم (٣) ، وفي هذا إعجاز للقرآن ما بعده إعجاز.

ومنها (خامسا) أن نص التوراة (ملوك أول ٦) والذي يتحدث عن إقامة سليمان عليه‌السلام ، لهيكله بعد خروج بني إسرائيل من مصر بمدة ٤٨٠ سنة ، والذي اعتبره بعض العلماء المادة الأساسية في المشكلة (٤) ، فقد ناقشناه من قبل ، وتبيّن لنا مدى الصعوبات التي تقف عائقا في وجه قبولنا إياه ، فضلا عن أن هذا الرأي الذي يرجح الخروج في عهد مرنبتاح ، إنما يعتمد كذلك على نص توراتي آخر (خروج ١) والذي يتحدث عن

__________________

(١) خروج ١٤ / ٢٦ ـ ٣١ ، ١٥ / ١ ـ ٢١.

(٢) سورة يونس : آية ٩٢ ، وانظر : تفسير الطبري ١٥ / ١٩٤ ـ ١٩٨ ، تفسير القرطبي ص ٣٢١٨ ـ ٣٢٢٠ ، تفسير ابن كثير ٤ / ٣٢٦ ـ ٣٢٩ ، تفسير المنار ١١ / ٣٨٧ ـ ٣٩٠.

(٣) أنظر : سليم حسن : مصر القديمة ٤ / ٢١٧ ، ٥٠١ ، ٦٩٢ ـ ٦٩٣ ، ٦ / ٣٥٧ ـ ٣٥٩ ، ٨ / ٦٧٣ ـ ٦٩٨ ، أحمد فخري : مصر الفرعونية ص ٣٩٠ ـ ٣٩٢ ألن جاردنر : مصر الفراعنة ص ٣٥٠ ـ ٣٥١ ، وكذاC.D.Noblecourt ,op ـ cit ,P.F ٢١٥ ، ١٧٣.

(٤) ١٤١.p ، ١٩٥٤. M. F. Unger, Archaeology andThe old Testament, Michigan,

٣١٥

تسخير بني إسرائيل في مدينتي فيثوم ورعمسيس ، وهكذا استطاع العلماء أن يستخرجوا من التوراة تاريخين للخروج في وقتين مختلفين ، يكاد الواحد منهما يبعد عن الآخر بأكثر من قرنين من الزمان.

(٢) أدلة المؤيدين ومناقشتها :

وهكذا يبدو لنا مما سبق بوضوح أن أدلة المعارضين لهذا الرأي الذي يرجح أن مرنبتاح هو فرعون الخروج (فرعون موسى) لم تكن بكافية لإسقاطه ، أو حتى صرف النظر عنه ، بل إننا نستطيع أن نعضده بحجج أخرى ، غير ما ذكرنا ، منها (أولا) أن التوراة إنما تذكر أن مدينة «رعمسيس» (بر رعمسيس) كانت هي المدينة التي بدأت منها مسيرة الإسرائيليين نحو سيناء ، حيث التيه أربعين سنة ، ومن المعروف أن مدينة «بر رعمسيس» إنما كانت من إنشاء رعمسيس الثاني وحده ، وليس من عمل ملك آخر ، بل إننا لنعرف أنه ابتداء من عصر هذا الفرعون قد انتقل مركز الثقل من الصعيد إلى شرق الدلتا ، حيث المدينة التي حملت اسمه ، وغدت عاصمة البلاد على أيام الرعامسة (١) ، ومنها (ثانيا) أنه من المعروف تاريخيا أن رعمسيس الثاني (١٢٩٠ ـ ١٢٢٤ ق. م) إنما قدّر له أن يجلس على عرش الكنانة ٦٧ عاما وهي أطول فترة عرفها التاريخ المصري لحكم ملك من الملوك ، إذا استثنينا ببي الثاني الذي حكم ٩٤ عاما (٢) ، ومن ثم فهو قد حكم الفترة التي تتطلبها التقاليد الإسرائيلية ، كما جاءت في التوراة ، بشأن هروب موسى إلى مدين ثم بقائه هناك أربعين عاما ، حتى إذا ما علم بوفاة الفرعون عاد إلى مصر لإطلاق سراح بني إسرائيل (٣) ، وإن اختلفت وجهة النظر الإسلامية في

__________________

(١) أنظر : محمد بيومي مهران : مصر والعالم الخارجي في عصر رعمسيس الثالث ص ٤٦ ـ ٦٢ ، مصر ـ الجزء الثاني ص ١٣٣ ـ ١٣٦.

(٢) أنظر : محمد بيومي مهران : مصر ١ / ٤٤٢ ـ ٤٤٣ ، ٢ / ١٣٠.

(٣) خروج ٢ / ٢٣ ، ٤ / ١٩ ، ٧ / ٧ ، أعمال الرسل ٧ / ٣٠ ، قاموس الكتاب المقدس ٢ / ٩٣١ ، شاهين مكاريوس : المرجع السابق ص ٤٠.

٣١٦

هذه المدة ، فهي في القرآن الكريم ، سنون ثمان ، والأرجح أنها كانت عشرا (١) ، كما أشرنا من قبل.

ومنها (ثالثا) أن القائمة القديمة «للملوك الذين ملكوا في أرض أدوم قبل ما ملك ملك لبني إسرائيل (٢) ، لا تذكر إلا ثمانية ملوك بين «بالع بن بعود» ، والذي وحّد ببلعام بن باعور ، طبقا لتقاليد جاءت في التوراة (٣) وبين هدار ، فإذا سمحنا بفترة من ٢٥ إلى ٣٠ سنة ، كحد وسط لكل عهد ، فسوف نحصل على مجموع من السنوات ما بين مائتين وأربعين عاما ، وهذه الفترة تتناسب مع الفترة منذ خروج بني إسرائيل من مصر ، طبقا لهذه النظرية ، وبين قيام ملكية شاؤل (طالوت في القرآن) قبل القرن العاشر قبل الميلاد ، بعقد أو عقدين من الزمان (٤) ، ومنها (رابعا) أن هذه النظرية التي تذهب إلى أن مرنبتاح هو فرعون موسى ، إنما يمكن أن تعطينا تفسيرا لما حدث في فلسطين في الفترة من ١٤٠٠ إلى ١٣٠٠ ق. م (القرن الرابع عشر قبل الميلاد) فيما يتصل بوجود أسماء «شمعون» و «أشير» ، فربما كانا اسمين لمجموعتين عبريتين لم تهاجر إلى مصر ، وهذا يخالف التقاليد العبرية (٥) فضلا عما جاء في القرآن الكريم بشأن دعوة يوسف عليه‌السلام أهله أجمعين إلى مصر (٦) ، أو ربما كانا اسمين لأماكن أو مدن كنعانية ، أطلقها الإسرائيليون عليها فيما بعد ، وهذا ما نميل إليه ونرجحه ، وربما كان نفس الشيء صحيحا بالنسبة

__________________

(١) سورة القصص : آية ٢٧ ـ ٢٨.

(٢) تكوين ٣٦ / ٣١ ـ ٣٩.

(٣) عدد ٢٢ / ١٤ ـ ٤١.

(٤) أنظر عن قيام ملكية شاؤل (طالوت) : محمد بيومي مهران : إسرائيل ٢ / ٦٦٨ ـ ٦٧٤ (الإسكندرية ١٩٧٨).

(٥) تكوين ٤٦ / ٢٦ ـ ٢٧.

(٦) سورة يوسف : آية ٩٢ ـ ١٠٠.

٣١٧

إلى «يعقوب إل» و «يوسف إل» (١).

ومنها (خامسا) أن الفترة الأولى من عهد مرنبتاح قد تميزت بالاضطرابات والحروب ، مما اضطره إلى الخروج إلى غربي آسيا ، لإخماد ثورة شبت هناك في السنة الثالثة من حكمه ، أو لأن شعوب البحر كانت قد وصلت إلى حدوده الشرقية في تلك السنة ، ومن ثم فقد زحف إلى فلسطين وسورية ، ثم وجه إلى العصاة ضربة قاسية انتهت بإذلالهم (٢) ، ورغم أن البعض يرى أن مرنبتاح ، الذي كان مهددا في دولته بالليبيين ، لا يمكن أن يقوم بفتوحات في فلسطين وسورية في السنتين الأولى والثانية من حكمه ، فإن العلماء يكادون يجمعون على قيامه بهذا النشاط الحربي في فلسطين (٣) ، ولعل مما يؤكد ذلك نعت «قاهر جازر» الذي نلتقي به في نقش معبد عمدا ، هذا فضلا عن أنه من العسير أن نوافق على أن نص «لوح إسرائيل» مختلف تماما ، إذ يصعب عندئذ أن نجد تفسيرا مقبولا في قائمة الأقاليم المذكورة ، بل إن مجرد ذكر إسرائيل يخلع على النص شبهة من الحق لا يمكن إنكارها ، لأنه لم يرد في أي نص مصري من قبل (٤) ، وأيا ما كان الأمر ، ففي السنة الخامسة من عهد مرنبتاح تتعرض حدود مصر الغربية للخطر ، ذلك أن شعوب البحر ، فضلا عن قبائل «ريبو» ، أخذوا يتدفقون نحو غرب الدلتا ، فخرج إليهم الفرعون بقواته ، حيث دارت بين الفريقين معركة حامية الوطيس ، انتهت بهزيمة ساحقة للغزاة (٥) ، وإن اختلف

__________________

(١) ١٨٨.A.Lods ,op ـ cit ,P.

(٢) محمد بيومي مهران : مصر ٢ / ١٨٣ ـ ١٨٤ ، دريوتون وفاندييه : مصر ص ٤٨٠ ، وكذاJ.Breasted ,op ـ cit , ١٦٦ ـ ١٦٥.p. وكذاG.Legrain ,ASAE , ٢٧٩ ـ ٢٦٩.p ، ١٩٠١ ، ٢. وكذاANET ,P. ٣٧٨ ـ ٣٧٦.

(٣) J.Wilson ,The culture of Ancient Egypt ,P. ٢٥٥. وكذاE.Naville ,JEA , ١٩٦.p ، ١٩١٥ ، ١٢.

(٤) ٢٧٣. A.Gardiner ,op ـ cit ,P.

(٥) ٧٦ ـ ٧٥.p ، ١٩٣٥ AJSL ,L ٢٥٥ ـ ٢٥٤ J.Wilson ,op ـ cit ,P وكذا W.C.Hayes ,The Scepter of

٣٥٣.p ، ١٩٥٩.١Egypt ,II ,Harvard ,

٣١٨

المؤرخون في مكانها ، ولعل أرجحها ما ذهب إليه «بتري» (١) من أنها كانت في مكان بين الضهرية (١١ كيلا من كوم حمادة) وبين النجيلية (١٥ كيلا من كوم حمادة) بمحافظة البحيرة ، وعلى أي حال ، فأكبر الظن ، أنه في هذه الأوقات العصيبة بدأ تفكير الإسرائيليين في الهروب من مصر ، دون إذن من الفرعون الذي رفض السماح لهم بالخروج مرارا ، بل إن «جان يويوت» يرى أن الهروب إنما تم أثناء الزحف الليبي نفسه (٢) ، ولعل هذا يفسر قول التوراة على لسان فرعون «فيكون إذا حدثت حرب أنهم ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا ويصعدون من الأرض» (٣) ، على أن ما جاء في القرآن الكريم إنما يفيد أن الخروج لم يكن بتدبير من بني إسرائيل ، وإنما كان بأمر من الله لموسى ، وكان ليلا ، وذلك حين أحس موسى عليه‌السلام أن القوم لن يؤمنوا له ، ولن يستجيبوا لدعوته ، ولن يسالموه أو يعتزلوه (فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) ، وأجابه ربه الكريم (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) ، والسري لا يكون إلا ليلا ، فالنص عليه يعيد تصوير مشهد السري بعباد الله ، وهم بنو إسرائيل ، ثم للإيحاء بجو الخفية ، لأن سراهم كان خفية عن عيون فرعون ومن وراء علمه (٤) ، فإذا كانت هناك علاقة بين سري بني إسرائيل ليلا بين الحرب الليبية ، فلا بد أن تكون في أعقابها بفترة ما ، وليس أثناءها ، لأن الفرعون سرعان ما لحق بالقوم قبل أن يعبروا البحر ، فأتبعهم بجنوده ، حيث غرقوا جميعا ، ونجا موسى ومن معه ، هذا فضلا عن هذه الحرب كانت في السنة الخامسة ، ومن المعروف أن فرعون غرق في البحر أثناء مطاردته لبني إسرائيل ، ومن ثم فإن الخروج يجب أن يكون في السنة

__________________

(١) ١٠٩.p ، ١٩٢٧.W.M.F.Petrie ,A History of Egypt ,III ,London ,

(٢) جان يويوت : مصر الفرعونية ـ القاهرة ١٩٦٦ ص ١٤٠ (مترجم).

(٣) خروج ١ / ١٠.

(٤) سورة الدخان : آية ٢٢ ـ ٢٣ ، وانظر : سورة طه : آية ٧٧ ، الشعراء : آية ٥٢ ، في ظلال القرآن ٥ / ٣٢١٣.

٣١٩

الأخيرة من حكمه ، الثامنة أو العاشرة على خلاف في الرأي ، وليس في السنة الخامسة.

ومنها (سادسا) أن الحفريات والأبحاث أثبتت أن ممالك أدوم ومؤاب وعمون (١) ، لم تكن قد تكون حتى القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، مع أن سفر يشوع يذكر هذه الممالك بالاسم ، بل ويذهب إلى أنها كانت نامية ومزدهرة إبان فتوحات يشوع وحملاته الحربية (٢) ، ومنها (سابعا) استمرار السلطة المصرية في فلسطين على أيام أمنحتب الثالث (١٤٠٥ ـ ١٣٦٧ ق. م) بدليل اكتشاف جعول صيد الأسود ، التي وجدت في «لخيش» (تل الدوير على مبعدة خمسة أميال جنوب غرب بيت جبرين) تخليدا لمهارة الفرعون في صيد ١٠٢ أسدا ، خلال السنوات العشر الأولى من حكمه (٣) ، وفي الواقع فإن مصر على أيام أمنحتب الثالث إنما كانت مركز الدنيا وقلبها النابض ، وكان ملوك مصر حكام العالم دون منازع ، على الأقل في النصف الأول من حكم هذا الفرعون ، ومن ثم فقد سعت الدنيا إلى بلاط هذا الإمبراطور العظيم تحمل جزيتها ، وتثبت لنا الاحتجاجات المتذللة التي نقرؤها في رسائل العمارنة التي كان نرسلها أصحابها من حكام الشرق وأمرائه ، يؤكدون فيها ولاءهم وخضوعهم ، وتسلط مصر على العالم (٤) ، وقد استمرت السيادة المصرية على هذا المنوال حتى القرن الثالث عشر ، إلا على أيام أزمة العمارنة ، بدليل وجود جعارين من عهد رعمسيس الثاني ، وكما تدلنا كذلك حروبه وحروب أبيه من قبل على السيادة المصرية في فلسطين وسورية (٥) ،

__________________

(١) أنظر عن هذه الممالك (محمد بيومي مهران : إسرائيل ٢ / ٥٤٧ ـ ٥٥٨).

(٢) جون إلدر : الأحجار تتكلم ـ علم الآثار يؤيد الكتاب المقدس ص ٥٤ (مترجم) ، وكذا M. F.

٣٣٤.p ، ١٩٧٠. Unger, Unger\'s Bible Dictionary, Chicago ,

(٣) J.H.Breasted ,ARE ,II ,P. ٣٤٧ ـ ٣٤٦. وكذاA.H.Gardiner ,op ـ cit ,P. ٢٠٦

(٤) ٢٠٤. J.A.Wilson ,op ـ cit ,P.

(٥) ١٦٢.J.Finegan ,op ـ cit ,P.

٣٢٠