دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ٢

دكتور محمد بيومي مهران

دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

دكتور محمد بيومي مهران


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٢

الفصل الثّاني

معجزة انفلاق البحر

علم فرعون أن بني إسرائيل قد فروا بليل ، وأنهم قد أخذوا معهم (١) ما

__________________

(١) جاء في التوراة في ختام قصة يوسف عليه‌السلام أنه أوصى عند موته أن يحمل بنو إسرائيل عظامه معهم حين يخرجهم الرب من مصر إلى الأرض التي وعدهم بها (تكوين ٥٠ / ٢٤ ـ ٢٦) وأخرج أبو يعلي والحاكم بسنده عن سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل ، فقال أصحابه يا رسول الله وما عجوز بني إسرائيل ، قال : إن موسى لما سار ببني إسرائيل من مصر ضلوا الطريق ، فقال ما هذا؟ فقال علماؤهم نحن نحدثك ، إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقا من الله أن لا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا ، قال : فمن علم موضع قبره ، قالوا : ما ندري أين قبر يوسف إلا عجوز من بني إسرائيل فبعثنا إليها فأتته ، فقال : دلوني على قبر يوسف ، قالت : ، والله لا أفعل حتى تعطيني حكمي ، قال : وما حكمك ، قالت : أكون معك في الجنة ، فكره أن يعطيها ذلك فأوحى الله إليه أعطيها حكمها ، فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقع ماء ، فقالت : انضبوا هذا الماء فأنضبوا ، قالت : احفروا واستخرجوا يوسف ، فلما أقلوها إلى الأرض إذا الطريق مثل ضوء النهار» (محمد ناصر الدين الألباني : سلسلة الأحاديث الصحيحة بيروت ١٤٠٣ ه‍ ، حديث رقم ٣١٣). وتذهب رواية إسلامية عن عروة بن الزبير عن أبيه أن الله حين أمر موسى بالمسير ببني إسرائيل أمره أن يحتمل يوسف معه حتى يضعه في الأرض المقدسة ، فسأل موسى عمن يعرف موضع قبره ، فما وجد ، إلا عجوزا من بني إسرائيل فقالت : يا بني الله : أنا أعرف مكانه ، إن أنت أخرجتني معك ولم تخلفني بأرض مصر دللتك عليه ، (وأضافت رواية الخازن : ألا ينزل موسى غرفة من غرف الجنة إلا نزلتها معك ، فأجابها إلى ذلك ، بعد أن سأل ربه ، فقالت : هو في (النيل في جوف الماء) فخرجت به العجوز حتى أرته إياه في ناحية من النيل في الماء ، فاستخرجه موسى صندوقا من مرمر ، فاحتمله معه ، قال عروة : فمن ذلك تحمل اليهود موتاها ـ

٢٤١

أعاره المصريون لهم من الأمتعة والذهب والفضة (١) وطبقا لرواية التوراة ، فلقد تغير قلب فرعون وملئه على بني إسرائيل ، «وقالوا : ما ذا فعلنا حتى أطلقنا إسرائيل من خدمتنا (٢)» ، وهنا لم يجد الفرعون مناصا من أن يلحق بالفارين حتى يعيد ما سرقوه ، إن لم يردهم إلى ما كانوا عليه من ذل العبودية ، أو يفتك بهم ويستأصل شأفتهم من البلاد ، ومن ثم فقد أمر بما يسمى في عصرنا الحاضر «التعبئة العامة» ، فأرسل في المدائن حاشرين يجمعون الجند ، وإن كان هذا الجمع ، كما يقول صاحب الظلال ، قد يشي بانزعاج فرعون ، وبقوة موسى ومن معه وعظيم خطرهم ، حتى ليحتاج الملك بزعمه ، إلى التعبئة العامة ، ولا بد إذن من التهوين من شأن المؤمنين (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ، وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ ، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) ، مستيقظون لمكائدهم محتاطون لأمرهم ، ممسكون بزمام الأمور ، قال الزمخشري : وهذه معاذير اعتذر بها إلى قومه لئلا يظن به ما يكسر من قهره وسلطانه (٣).

وتقول التوراة : وشدد الرب قلب فرعون حتى سعى وراء بني إسرائيل ، وأدركتهم جميع خيل مركبات فرعون وفرسانه وجيشه ، وهم نازلون عند البحر ، ورأى بنو إسرائيل الخطر الزاحف من خلفهم ، وهو يقترب منهم ، فتملكهم الذعر والخوف ، وأيقنوا أنهم هالكون ، وصاحوا

__________________

ـ من كل أرض إلى الأرض المقدسة (تاريخ الطبري ١ / ٤١٩ ، الكامل لابن الأثير ١ / ١٠٥ ، تفسير الخازن ١ / ٥٧ ـ ٥٨ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٣٥).

(١) خروج ١٢ / ٣٥ ـ ٣٦ ، وانظر : تاريخ الطبري ١ / ٤١٣ ـ ٤١٤ ، تفسير الخازن ١ / ٥٧ ، الدر المنثور ٥ / ٨٤ ، ابن الأثير ١ / ١٠٦.

(٢) خروج ١٤ / ٥.

(٣) سورة الشعراء : آية ٥٢ ـ ٥٦ ، في ظلال القرآن ٥ / ٢٥٩٧ ـ ٢٥٩٨ ، تفسير الكشاف ٣ / ٢٤٨.

٢٤٢

بموسى «ما ذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر ، أليس هذا هو الكلام الذي كلمناك به في مصر ، قائلين : كف عنا فنخدم المصريين ، لأنه خير لنا أن نخدم المصريين من أن نموت في البرية» (١) ، ويصبح موسى عليه‌السلام في مأزق حرج ، فقد كانت بحيرة البوص على يمينه ، وحصن مجدل ، بما فيه من حامية ، أمامه ، سادا الطريق من جهة الشمال ، وعلى يساره مستنقعات فرع النيل البيلوزي ، وخلفه الفرعون وقواته الضاربة ، وهكذا وقف موسى وقومه أمام البحر ، ليس معهم سفن ، ولا هم يملكون خوضه ، وما هم بمسلحين ، وقد قاربهم فرعون بجنوده شاكي السلاح يطلبونهم ولا يرحمون ، وقالت دلائل الحال كلها : أن لا مفر والبحر أمامهم ، والعدو خلفهم (٢) ، وهنا صاح بنو إسرائيل : «إنا لمدركون» ، وقالوا يا موسى : أوذينا من قبل أن تأتينا ، كانوا يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا ، ومن بعد ما جئتنا اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا ، إنا لمدركون البحر من بين أيدينا ، وفرعون من خلفنا ، وفي

__________________

(١) خروج ١٤ / ٨ ـ ١٢.

(٢) في ظلال القرآن ٥ / ٢٥٩٨ ، محمد بيومي مهران : إسرائيل ١ / ٤٥٠.

(٣) تذهب روايات المفسرين والمؤرخين إلى كثير من المبالغة ، بل الخيال ، في تقدير أعداد جيش فرعون ، فتذهب رواية إلى أن فرعون تبع بني إسرائيل في ألف ألف (مليون) وقيل في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان (مليون وسبعمائة ألف) وتذهب أخرى إلى أنهم مليون وستمائة ألف ، وتذهب رواية ثالثة إلى أنهم مليون ومائة ألف ، وتذهب رابعة إلى أنهم مليون وخمسمائة ملك ، مع كل ملك ألف ، وخرج فرعون في جمع عظيم ، وكانت مقدمته سبعمائة ألف فارس ، وتذهب رواية خامسة إلى أن فرعون كان في سبعة آلاف (٧ مليون) وكان بين يديه مائة ألف ألف ناشب ، ومائة ألف ألف حراب ، ومائة ألف ألف معهم الأعمدة ، وبدهي أن سكان مصر جميعا وقت ذاك ، ربما لم يبلغوا هذا العدد ، ثم إننا حتى لو صدقنا مبالغات التوراة ومن تابعها من المفسرين عن أعداد بني إسرائيل وقت الخروج ، فإن عددهم (ستمائة ألف غير الأولاد والشيوخ) لا يتطلب بحال من الأحوال هذه الملايين من جنود مصر ، لمطاردتهم ، ثم كيف تمكن فرعون من جمع هذه الملايين من الرجال والخيل من كل أنحاء مصر ، حين علم فجأة بخروج بني إسرائيل ، وراءهم مطاردا ، وربما كان أقرب إلى الصواب ـ

٢٤٣

رواية قالوا يا موسى : أين ما وعدتنا ، فكيف نصنع ، هذا فرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا ، والبحر أمامنا إن دخلناه غرقنا (١).

وهكذا سدت السبل أمام بني إسرائيل ، ولم يجد موسى عليه‌السلام من وسيلة لإنقاذهم سوى طلب العون والرحمة من الله ، ومن ثم فهو يصيح في وجوه الخائفين الفزعين من أتباعه «إن معي ربي سيهدين» ، قال الرازي : قوّى نفوسهم بأمرين أحدهما أن ربه معه ، وهذا دلالة النصر والتكفل بالمعونة ، والثاني قوله «سيهدين» أي إلى طريق النجاة والخلاص ، وإذا دله على طريق نجاته وهلاك أعدائه فقد بلغ النهاية في النصر ، وروى ابن أبي حاتم عن عبد الله بن سلام : أن موسى عليه‌السلام لما انتهى إلى البحر قال : يا من كان قبل كل شيء ، والكائن بعد كل شيء ، اجعل لنا مخرجا ، فأوحى الله (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ) (٢) ، وهنا تحدث المعجزة الكبرى ، إذ أوحى الله إلى موسى (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ، وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ ، وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣).

ولعل سؤال البداهة الآن : أين ومتى وكيف تم انغلاق البحر لموسى عليه‌السلام؟

__________________

ـ ما قاله الإمام النسفي «فخرج موسى ببني إسرائيل من أول الليل ، وكانوا سبعين ألفا ، وقد استعاروا حليهم ، فركب فرعون في ستمائة ألف من القبط فقص أثرهم (تفسير الطبري ١ / ٢٧٥ ـ ٢٧٩ ، تفسير الخازن ١ / ٥٨ ، الدر المنثور ٥ / ٨٤ ، تفسير أبي السعود ٦ / ٢٤٤ ، تفسير النسفي ٣ / ٦٠ ، تفسير البغوي ١ / ٥٨ ، تاريخ الطبري ١ / ٤١٤ ـ ٤١٥ ، ابن كثير : البداية والنهاية ١ / ٢٧٠ ، تاريخ اليعقوبي ١ / ٣٦ ، ثم قارن خروج ١٤ / ٥ ـ ٩).

(١) تاريخ الطبري ١ / ٤١٥ ، تفسير الخازن ١ / ٥٨.

(٢) تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٨ نختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٦٤٨.

(٣) سورة الشعراء : آية ٦٣ ـ ٦٧.

٢٤٤

(١) مكان انغلاق البحر :

قام جدل طويل بين العلماء حول تحديد هذا البحر الذي انغلق لموسى عليه‌السلام ، فهو البحر الأحمر ، في رأي التوراة ، وهو بحيرة المنزلة أو جزء منها ، في رأي آخر ، وهو المنطقة التي كان يطلق عليها في العصور الهلينستية والرومانية «بحر سربونين» (Sirbonian Sea) أي «سبخة البردويل» في رأي ثالث ، أو هو النهاية الشمالية لخليج السويس ، في رأي رابع ، أو إحدى البحيرات المرة ، دونما تحديد لواحدة منها بالذات ، في رأي خامس ، أو حتى خليج السويس ، في رأي سادس (١).

وهو عند المفسرين والمؤرخين المسلمين بحر القلزم (بحر السويس ـ أي البحر الأحمر وخليج السويس) أو هو عند التقاء خليج السويس بمنطقة البحيرات ، أو هو النيل (أي أحد فروع النيل في الدلتا الشرقية) أو هو بحر «إساف أو ساف» من وراء مصر ، فلقد أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في تفسير قوله تعالى : (فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) قال : في البحر ، بحر يقال له ساف من وراء مصر ، أغرقهم الله فيه ، بل إن هناك رواية عن ابن عباس جاءت في تفسير الفخر الرازي تذهب إلى أن موسى لما انتهى إلى البحر مع بني إسرائيل أمرهم أن يخوضوا البحر فامتنعوا ، إلا يوشع بن نون ، فإنه ضرب دابته وخاض في البحر حتى عبر ثم رجع ، فأبوا أن يخوضوا ، وربما كان هذا يشير إلى بعض البحيرات وربما إلى بحيرة المنزلة بالذات (٢).

على أن الحماس لإثبات أن البحر الذي انغلق هو البحر الأحمر ،

__________________

(١) ٣٢٣.p ، ١٩٧٥. The Cambridge Ancient History, III, Part. ٢, Cambridge,

(٢) تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٩ ، تفسير روح المعاني ١ / ٢٥٥ ، تفسير النسفي ٣ / ١٨٥ ، تفسير الخازن ١ / ٥٨ ، تفسير الدر المنثور ٥ / ١٢٩ ، تفسير البيضاوي ٤ / ٦٧ ، تفسير أبي السعود ٤ / ٣٧٧ ، صفوة التفاسير ١ / ٤٦٨ ، تاريخ ابن خلدون ١ / ٩٤.

٢٤٥

وصل بالبعض إلى أن يتعسفوا له الحلول ، وأن يتكلفوا النظريات ومن هنا قامت نظرية تنادي بأن فرعون قد غرق في البحر الأحمر ، مع خلاف على المكان الذي وقع فيه هذا الحادث العظيم ، فهناك ما كان يفكر فيه الحجاج المسيحيون القدامى ، وهو الطريق الشمالي لخليج السويس ، قرب مدينة السويس الحالية (١) ، وهناك من يرون أن البحر الأحمر كان يمتد إلى الشمال بعد خليج السويس الحالي ، ومن هؤلاء علماء الحملة الفرنسية (١٧٩٨ ـ ١٨٠١ م) الذين افترضوا أن خليج السويس كان في العصور اليونانية يمتد شمالا حتى بحيرة التمساح الحالية ، ثم جاء «لينان دي بلفون» وقام بدراسة برزح السويس ، والمنطقة التي تليها حتى البحر المتوسط في الفترة ما بين عامي ١٨٢١ ، ١٨٤٠ م ، وذهب إلى أن تربة البحيرات المرة قبل أن تملؤها المياه قبل حفر قناة السويس ، كانت بها أصداف ونباتات لها مثيل على ساحل البحر الأحمر ، ومن ثم فقد رأى أن مياه البحر الأحمر كانت تغطي هذه الأماكن في فترة غير بعيدة جدا ، لا تمتد إلى أبعد من العصور التاريخية (٢) ، بل وزاد البعض فذهب إلى أن خليج السويس ربما كان في الألف الثانية قبل الميلاد (حيث تم الخروج في أخرياته) ما يزال على اتصال بالبحيرات المرة ، بل ومع بحيرة التمساح كذلك ، هذا فضلا عن أن بحيرة البلاح إنما كانت على اتصال بالبحر المتوسط ، ومن ثم فقد كان هناك برزخ ضيق نسبيا بين بحيرة التمساح وبحيرة الملاح ، لعل الحادث العظيم كان قد وقع فيه (٣).

ويتشكك كثير من العلماء ، ومنهم جادرنر وكوثمان ، فيما قدمناه آنفا ،

__________________

(١) قاموس الكتاب المقدس ١ / ١٦٤ ، وكذاMartin Noth ,the History of Istrael ,London ١٩٦٥, ١١٦.p ،.

(٢) E.Noville ,in JEA , ٤٨ ـ ٣٦.p ، ١٩٢٤ ، ١٠.

(٣) M.Noth ,oP ـ cit ,P. ١١٦.

٢٤٦

لعدم وجود أدلة تدعم هذا الرأي (١) ، بل إن «مارتن نوث» إنما يذهب إلى أنه ليس هناك شيء مؤكد بالنسبة لهذا الأمر ، سوى أن هذا الحادث قد وقع على حدود الدلتا الشرقية ، ومن المستحيل التحقق من مكان الحادث العظيم بدقة أكثر من ذلك ، حتى لو كانت لدينا معلومات صحيحة عن امتداد فروع البحر والبحيرات في منطقة قناة السويس الحالية في الفترة التي وقع فيها هذا الحادث (٢).

على أن هناك من يرى أن مكان انغلاق البحر إنما كان إلى الجنوب من مدينة السويس ، ومن هذا الفريق «روبرتسون» الذي خفض مستوى البحر الأحمر بما يتراوح ما بين خمسة عشرة عقدة ، وعشرين عقدة ، ليجعل عبوره من قبالة الطور ممكنا ، وبذلك يقدم للناس اتساعا معقولا ، بين سلسلة الجبال المعروفة باسم جلال الشمالية والجنوبية (٣) ، وربما قريب من هذا ما يراه البعض من أن هناك مكانا في خليج السويس يدعى «بركة قارون» يقولون : إن العبور كان بها ، وهي بعيدة عن السويس كثيرا ، بينما هناك من يرى أن بني إسرائيل قد عبروا في مكان ما ، شمالي المكان المعروف باسم «عيون موسى» في البر الأسيوي ، وهو لا يبعد كثيرا عن مدينة السويس (٤).

هذا ويرى فريق من العلماء في نص التوراة «كلم بني إسرائيل أن يرجعوا وينزلوا أمام فم الحيروث بين مجدل والبحر ، أمام بعل صفون ، مقابلة تنزلون عند البحر» (٥) ، بعض الإشارات الموجزة ، والتي تعتبر واضحة

__________________

(١) ٣٦ E.Noville ,op ـ cit ,P ..

(٢) ١١٥ M.Noth ,op ـ cit ,P ..

(٣) سليم حسن : مصر القديمة ٧ / ١٢٨.

(٤) عبد الوهاب النجار : المرجع السابق ص ٢٠٣.

(٥) خروج ١٤ / ٢.

٢٤٧

بما يكفي للقول بأنها تخص منطقة كان يطلق عليها في العصور الهلينستية والرومانية «بحر سربونين» (أي سبخة البردويل الحالية) ، ولكن رغم أن الإشارة دقيقة ، فإنها موجودة فقط في النص الكهنوتي (١) ، وربما كانت تصور مجهودا متأخرا ، لوضع الحادث العظيم والحاسم في مكان يتفق والوضع التقليدي للأحداث التاريخية ، ذلك لأن أقدم رواية في «البنتاتوك» (٢) تبدو وكأنها على غير دارية بمثل هذا المكان المحدد بدقة ، والذي لم نتوصل إليه حتى الآن ، وإن أشير فقط ، وبغموض ، إلى مكان «على البحر» (٣).

هذا ويذهب فريق من الباحثين إلى أن المراد بالبحر هنا «بحيرة المنزلة أو جزء منها» ، على أساس أن ترجمة «يم سوف» بالبحر الأحمر ، ترجمة خاطئة ، والصحيح «بحيرة البوص أو القصب» ، ذلك لأن كلمة «يم» ما تزال تعيش في لغتنا العربية ، ونفهم أن من معناه «الماء» ، وأما قديما فكانت تطلق على فروع النيل ، وأما كلمة «سوف» فهي كلمة دخلت في اللغة العبرية من اللغة المصرية القديمة ، وتعني «البوص» وهو نبات يكثر وجوده في المياه الضحضاحة عند مصبات الترع والمصارف العامة ، وفي بحيرة المنزلة ، قبالة «قنتير» (وهو مدينة بي رعمسيس التي بدأ منها الخروج) بصفة خاصة ، ولما كان هذا النبات الذي تمتد فروعه كالسيوف ينمو بكثرة ، وبارتفاع عظيم ، في هذه الجهة ، وكانت بلاد مصر ، ولا سيما العاصمة «بي رعمسيس» (قنتير) تأخذ منه حاجتها ، وكانت كلمة «البردي» التي أطلقت عليه من بعد لم تعرف وقت ذاك ، لأنها لم تظهر في اللغة المصرية القديمة ، إلا في عهد الدولة

__________________

(١) أنظر عن : النص الكهنوتي وغيره من مصادر التوراة (محمد بيومي مهران : إسرائيل ـ الجزء الثالث ـ الإسكندرية ١٩٧٩ ص ٩٧ ـ ١٠٦).

(٢) أنظر عن «البنتاتوك» (محمد بيومي مهران : إسرائيل ٣ / ٣٢ ، ١٣٦).

(٣) ٣٢٣.p ، ١٩٧٥ ٢ CAH ,III ,Part وكذا ١١٦ ـ ١١٥M.Noth ,op ـ cit ,P.

٢٤٨

الحديثة ، فقد عرفت مصر القديمة هذه البحيرة باسم «يم سوف» (١) وليس هناك من ريب في أن النصوص المصرية مليئة بالإشارات إلى مستنقعات القصب في مجاورات «صوعن» (تانيس) أو مستنقعات البردي في شرق الدلتا ، وهكذا يتضح لنا أن المعنى من كلمة «سوف» التي جاءت في الأصل العربي ، وترجمت في التوراة إلى «بحر سوف» فإن معناها العبري هو «بحر القصب» ، والذي ترجم خطأ إلى «البحر الأحمر» ، وهو لا يعني شيئا سوى «بحيرة المنزلة» إن لم يكن جزء منها ، بخاصة وأن مدينة «بي رعمسيس» هي «قنتير» الحالية ، وليست «تانيس» ، كما يعتقد بعض الأثريين من قبل (٢).

هذا فضلا عن أن «اليم» في اللغة العربية «البحر أو النهر» ، وهو كذلك في اللغة المصرية القديمة ، إذ «اليم» لفظة سامية عرفت في اللغة المصرية القديمة منذ الأسرة الثامنة عشرة ، حوالي القرن السادس عشر قبل الميلاد ، وكان المصريون يطلقون على البحر والنهر ، وما اتسع من لج الماء لفظة «أليم» ، ومنه جاء اسم منخفض الفيوم بعد إضافة «فاء التعريف» في المصرية إليه (وكانت في الدولة القديمة تدعى تاحنت إن مرور) ، على أن الذي يستوقف النظر هنا أن اللفظ ورد في القرآن الكريم ثماني مرات (٣) ، لم يذكر في أحد ما غير ما يخص مصر ، ليس غير ، حيث ذكر بمفهوم النيل ثلاثا ، وأطلق على البحر الذي غرق فيه فرعون أربعا ، والثامنة بشأن عجل السامري ، فكأنما يشير القرآن الكريم إلى موضع معلوم ، كما يدعوه أهله

__________________

(١) سليم حسن : المرجع السابق ص ١٢٩ ، أبكار السقاف : إسرائيل وعقيدة الأرض الموعودة ـ القاهرة ١٩٦٧ ص ١٩٦.

(٢) أنظر : محمد بيومي مهران : مصر والعالم الخارجي في عصر رعمسيس الثالث ص ٤٦ ـ ٦٢ ،

١٩٣٠ ، ٣٠. M.Hamza ,ASAE وكذا W.Hayes ,The Scepter of Egypt ,II ,p.

وكذا , ٦٨ ـ ٣١.p ،

١١. وكذا ٢٥٦. ٥٥٩ ـ ٤٣٣.p ، ١٩٥٢ ، L. Habachi, ASAE, L

(٣) سورة الأعراف : آية ١٣٦ ، طه : آية ٣٩ ، ٣٩ ، ٧٨ ، ٩٧ ، القصص : آية ٧ ، ٤٠ ، الذاريات : آية ٤٠.

٢٤٩

باسمه المعلوم (١) ، هذا ورغم أن كثيرا من المفسرين يرون أنه بحر القلزم ، يعنون بذلك البحر الأحمر ، غير أن طائفة منهم ترى أنه النيل ، ولعلهم يعنون أحد فروع النيل ، ويرون أن العرب كانت تسمي الماء والملح والعذب بحرا ، إذا كثر ، هذا إلى أن فريقا ثالثا ذهب إلى أنه بحر ساف (بحر سوف) ، بل إن الإمام الفخر الرازي روى عن ابن عباس أن يوشع بن نون ضرب دابته وخاض في البحر حتى عبر ثم رجع (٢) ، كما رأينا من قبل ، وبدهي أن يوشع لا يمكنه أن يخوض البحر الأحمر بدابته ، ومن ثم فربما هذه الرواية قد تشير إلى مكان آخر ، غير البحر الأحمر ، وربما كانت بحيرة المنزلة.

هذه هي الآراء المختلفة التي دارت حول مكان انغلاق البحر لموسى عليه‌السلام ، وكل منها له مؤيدوه ومعارضوه ، ومن ثم فإنني لا أستطيع أن أجزم بمكان بعينه انغلاق فيه البحر لموسى ، ما دمنا لا نملك نصا صريحا واضحا ، وكل ما قدمناه إنما هو اجتهادات ، وفوق كل ذي علم عليم ، والله وحده يعلم الغيب من الأمر ، وهو وحده العليم بكل شيء.

(٢) تاريخ انغلاق البحر : ـ

في الواقع أن تاريخ انغلاق البحر لموسى عليه‌السلام ، إنما يتصل بتاريخ خروج بني إسرائيل من مصر ، وغرق فرعون وجنده ، ونجاة موسى ومن معه ، وهذا ما سوف نناقشه بالتفصيل عند حديثنا عن «فرعون مصر» ، وهو موضوع الفصل الثالث من هذا الباب ، ويكفي أن نشير الآن إلى أننا نرجح أن فرعون موسى إنما هو «مرنبتاح» (١٢٢٤ ـ ١٢١٤ ق. م) ، على أن يكون تاريخ الخروج وغرق الفرعون في العام الأخير من حكمه ، ذلك لأن

__________________

(١) أحمد عبد الحميد يوسف : المرجع السابق ص ٨٧.

(٢) تفسير الفخر الرازي ٤ / ١٣٩ ، تفسير روح المعاني ١ / ٢٥٥ ، تفسير النسفي ٣ / ١٨٥ ، وانظر : محمد بيومي مهران : إسرائيل ١ / ٤٤٦ ـ ٤٤٩.

٢٥٠

التوراة والإنجيل والقرآن العظيم إنما تجمع كلها على أن الفرعون قد غرق في البحر عند ما أراد اللحاق ببني إسرائيل (١).

والقرآن العظيم لا يحدد زمنا بعينه للحادث الجلل ، ذلك لأن التحديد التاريخي ، كما هو معروف ، ليس هدفا من أهداف القصة القرآنية ولا تزيد في دلالتها شيئا ، وأما الحديث النبوي الشريف ، فليس فيه ، على قدر ما أعلم ، سوى أن الحادث الجليل إنما كان يوم عاشوراء ، فلقد روى البخاري ومسلم والنسائي والبيهقي عن ابن عباس قال : قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة ، واليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال : ما هذا اليوم الذي تصومونه ، فقالوا : هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : وأنتم أحق بموسى منهم فصوموه» وأخرج أبو يعلي وابن مردوية عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : فلق البحر لبني إسرائيل يوم عاشوراء» ، وأخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة ، من طرق ، عن ابن عباس أنه قال : قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة فرأى اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فقال : ما هذا اليوم الذي تصومون ، قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجى الله عزوجل فيه بني إسرائيل من عدوهم ، فصامه موسى عليه‌السلام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنا أحق بموسى منكم ، فصامه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمر بصومه» (٢).

وأما التوراة فلا تذكر إلا أن الخروج حدث في شهر أبيب (٣) ، وهو

__________________

(١) أنظر : محمد بيومي مهران : إسرائيل ١ / ٤١٣ ـ ٤٣٦.

(٢) تفسير الدر المنثور ١ / ٦٩ ، تفسير النسفي ٢ / ٧٣ ، تفسير الخازن ١ / ٥٩ ، تفسير ابن كثير ١ / ١٣٨ ، ٢ / ٦٦٧ ـ ٦٦٨ ، صحيح البخاري ٣ / ٥٦ ، ٥٧ ، ٦ / ٩١ ، صحيح مسلم ٨ / ٩ ـ ١٠ ، مسند أحمد ١ / ٢٩٢ ، ٣١٠ ، مجمع الزوائد ٣ / ١٨٨ ، المطالب العالمية ص ٣٤٦٧ ، تفسير القرطبي ص ٣٣٣.

(٣) خروج ١٣ / ٤.

٢٥١

الشهر قبل الأخير من شهور السنة المصرية القديمة ، (المعروفة خطأ بالشهور القبطية) ، وليس العبرية ، غير أن اليهود إنما يحتفلون بخروجهم من مصر في عيدهم الأكبر ، في الشهر الأول من السنة العبرية ، شهر أبيب (نيسان ـ أبريل) ، ويبدو أن الطريقة القديمة للتقويم العبري تجعل بدء السنة في الربيع ، وربما كان بدء التأريخ هو قصة خروج بني إسرائيل من مصر ، في الفترة التي يقع فيها عيدهم الأكبر «عيد الفصح» حيث يتم الاحتفال به بين العشاءين (أي بين المغرب والعتمة) في ليلة الرابع عشر من أبريل (١).

(٣) معجزة انغلاق البحر : ـ

رأينا من قبل كيف أحاط فرعون بقواته الضاربة ببني إسرائيل ، وكيف تملكهم الذعر والخوف ، وأيقنوا أنهم هالكون ، وكيف بلغ بهم الكرب مداه ، وإن هي إلا دقائق تمر ، ثم يهجم الموت ولا مناص ولا معين ، ولكن موسى الذي تلقى الوحي من ربه لا يشك لحظة ، وملء قلبه الثقة بربه ، واليقين بعونه ، والتأكد من النجاة ، وإن كان لا يدري كيف تكون ، فهي لا بد كائنة ، والله هو الذي يوجهه ويرعاه ، «قال كلا إن معي ربي سيهدين» ، وهكذا ، وفي اللحظة الأخيرة ينبثق الشعاع المنير في ليل اليأس والكرب ، وينفتح طريق النجاة من حيث لا يحتسبون (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ ، فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) ، وهكذا وقعت المعجزة ، وانكشف بين فرقي الماء طريق ، ووقف الماء على جانبي الطريق كالطود العظيم (٢) ، وأرسل الله الريح على أرض البحر ، فلحفته حتى صار يابسا كوجه الأرض (٣) ، فلهذا قال : (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا

__________________

(١) أنظر : عن التقويم العبري وعيد الفصح (محمد بيومي مهران : إسرائيل ـ الجزء الرابع ـ الإسكندرية ١٩٧٩ ص ١٥٣ ـ ١٦٣).

(٢) في ظلال القرآن ٥ / ٢٥٩٨ ـ ٢٥٩٩.

(٣) أخرج الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن سعيد بن جبير : أن هرقل كتب إلى معاوية بن أبي ـ

٢٥٢

تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى) (١).

واقتحم بنو إسرائيل البحر الذي صار فيه اثنا عشر طريقا ، في كل طريق سبط ، وكأن الطريق إذ انغلقت بجدران ، فقال : كل سبط ، قد قتل أصحابنا ، فلما رأى ذلك دعا الله فجعلها قناطر كهيئة الطيقان ، فنظر آخرهم إلى أولهم ، حتى خرجوا جميعا ، ثم دنا فرعون وأصحابه فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقا ، وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك من أن هذا من فعل رب العرش الكريم ، فأحجم ولم يتقدم وندم في نفسه على خروجه في طلب بني إسرائيل ، لكنه أظهر لجنوده تجلدا ، وقال : ألا ترون البحر فرق مني ، وقد تفتح لي حتى أدرك أعدائي فأقتلهم ، فذلك قول الله (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ ، وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) (٢).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن التوراة قد اختلفت في تفسيرها للمعجزة الكبرى عن القرآن الكريم ، فالتوراة ترجعها إلى ريح شرقية هبت فأزالت الماء وظهرت اليابسة ، وحينئذ عبر بنو إسرائيل (٣) ، ويذهب «روبنسون» إلى أن ريحا شرقية شمالية هبت على هذا الجزء ، بدرجة تكفي لطرد الماء من بعض الأماكن ، وعلى كل حال ، فلقد تغيرت

__________________

ـ سفيان وقال : إن كان بقي فيهم شيء من النبوة فسيخبرني عما أسألهم عنه ، قال وكتب إليه يسأله عن المجرة وعن القوس وعن البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة واحدة ، قال فلما أتى معاوية الكتاب والرسول ، قال هذا شيء ما كنت أو به له أن أسأل إلى يومي هذا ، من لهذا؟ فقالوا : ابن عباس (ابن عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم) وطوى معاوية كتاب هرقل وبعثه إلى ابن عباس فكتب إليه : إن القوس أمان لأهل الأرض من الغرق ، والمجرة باب السماء الذي تشق منه ، وأما البقعة التي لم تصبها الشمس إلا ساعة من نهار ، فالبحر الذي أفرج عن بني إسرائيل (الدر المنثور ١ / ٦٩ ، حلية الأولياء ١ / ٣٢٠).

(١) سورة طه : آية ٧٧.

(٢) سورة الشعراء : آية ٦٤ ـ ٦٦ ، تاريخ الطبري ١ / ٤١٥ ، البداية والنهاية لابن كثير ١ / ٢٧٢.

(٣) خروج ١٤ / ٢١ ـ ٣١.

٢٥٣

المعالم في الصورة الغابرة ، بحيث يتعذر معرفة الموضع بالضبط (١) ، وهناك من يرى أن منسوب الماء ما يزال حتى الآن متأثرا بدرجة عظيمة بالريح في بحيرة المنزلة والبرلس ، ويلاحظ أن الطريق من بلطيم حتى برج البرلس تغطى بالمياه عند ما يهب الهواء غربا ، ثم تصبح جافة عند ما يهب الهواء من الشرق ، ويمكن للإنسان أن يسير عليها بالسيارة (٢) ، وفي أنشودة الاحتفال بهذا الخلاص ، نرى كاتب سفر الخروج يعلن عن قدرته الشعرية فيقول : «بريح أنفك تراكمت المياه ، انتصبت المجاري كرابية» (٣) ، وقد وضعت هذه التقاليد أخيرا في الترجمات النثرية التي ترجع إلى القرن الخامس قبل الميلاد (٤).

ويقول «جراي» رغم أننا لا نستطيع أن ننكر التدخل الإلهي في الخلاص العظيم ، فإنه لم يتضمن انغلاق البحر ، وأن الأمر إنما تم عن طريق عاصفة ممطرة ، بطريقة فجائية غير مألوفة ، في مكان ووقت يتناسبان مع إرادة الله ، ولم تقدم المعجزة بطريقة خارقة للطبيعة ، كما جاءت في التوراة (٥) ، وإنما بطريقة مطابقة لها تماما (٦).

وأما في القرآن الكريم ، فالمعجزة واضحة لا ريب فيها ، وذلك حين أوحى الله إلى نبيّه موسى عليه‌السلام (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ، وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ ، وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (٧) ،

__________________

(١) قاموس الكتاب المقدس ١ / ١٦٤.

(٢) سليم حسن : المرجع السابق ص ١٣٥.

(٣) خروج ١٥ / ٨.

(٤) ١٠٧.p ، ١٩٦٩. J. Gray, Israel, in the Near Eastern Mythology, N. Y.

(٥) خروج ١٢ / ٣٢.

(٦) J.Gray.op ـ cit ,P. ١٠٧.

(٧) سورة الشعراء : آية ٦٢ ـ ٦٧.

٢٥٤

ولعل مما تجدر الإشارة إليه هنا أن الله ، جلت قدرته ، قد أسند فرق البحر إلى ذاته الكريمة ، ليدل على أن القوم عبروه وقطعوه ، وهو معهم ، بعنايته ، وقوله تعالى : (فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) بيانا للمنة العظمى التي امتن الله بها على بني إسرائيل ، والتي ترتبت على فرق البحر ، لأن فرق البحر ترتب عليه أمران : أولهما : نجاتهم ، وثانيهما إهلاك عدوهم ، وكلاهما نعمة عظمى ، والإيمان الصحيح يقتضي بأن نفهم واقعة انفصال البحر لموسى وقومه على أنها معجزة كونية لموسى عليه‌السلام ، وقد زعم البعض أنها كانت حادثة طبيعية ، بدون سند ولا دليل (١).

وانطلاقا من كل هذا ، فإننا نرفض ما يذهب إليه البعض من أن انغلاق البحر ، إنما كان نتيجة المد والجزر ، وبالتالي فتلك علة طبيعية لنظام جغرافي (٢) ، كما نرفض كذلك القول بأن عنصر التهويل قد لعب دوره في القصة حتى أظهرها بهذه الصورة ، وأن هناك رواية مشابهة لها قد رددتها التوراة عن يشوع (٣) ، خادم موسى وفتاه ، وعبوره الأردن على يبس (٤) ، وأن

__________________

(١) محمد سيد طنطاوي : بنو إسرائيل في القرآن والسنة ١ / ٤٥٩ (القاهرة ١٩٦٨).

(٢) ٦.p ، ١٩٦٩. C.Roth ,A Short Hostory of the Jewish Pople ,

(٣) يشوع ١ / ١٠ ـ ١٨ ، ٤ / ٢٣ ـ ٢٤.

(٤) تروي المصادر الإسلامية أن الصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي كان قد بعثه سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ملك البحرين المنذر بن ساوي فأسلم على يديه وأقام فيهم الإسلام والعدل ، فلما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مات المنذر بعده بقليل ، فارتد أهل البحرين ، فبعث إليهم أبو بكر الصديق رضي‌الله‌عنه العلاء بن الحضرمي ، ثم حدثت معركة بين المسلمين والمرتدين ، انتصر فيها المسلمون انتصارا حاسما ، ففر كثير من المرتدين إلى «دارين» بالبحرين ، فتبعهم العلاء حتى أتى ساحل البحر ليركبوا في السفن ، فرأى أن الشقة بعيدة ، لا يصلون إليهم في السفن حتى يذهب أعداء الله ، فاقتحم البحر بفرسه وهو يقول «يا أرحم الراحمين ، يا حكيم يا كريم ، يا أحد يا صمد ، يا حي يا محي ، يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام ، لا إله إلا أنت يا ربنا» ، وأمر الجيش أن يقولوا ذلك ويقتحموا ، ففعلوا ذلك ، فأجاز بهم الخليج بإذن الله ، يمشون على مثل رملة دمثة فوقها ماء ، لا يغمر أخفاف الإبل ، ولا يصل إلى ركب الخيل ، ـ

٢٥٥

خليج العقبة دعي في سفر الملوك «بحر سوف» (١) (بحر القصب) ، بيد أن سفر القضاة (٢) إنما يتحدث عن رحلة بني إسرائيل البرية من مصر إلى بحر سوف (٣) ، كما أننا لن نقارن أبدا معجزة فرق البحر لموسى عليه‌السلام ، بما جاء في بردية «وستكار» عن أساطير تنسب إلى أحد الكهنة المصريين ، وأنه استطاع بفضل تعاويذ سحره من أن يشق البحيرة ، للملك «سنقرو» مؤسس الأسرة الرابعة ، وأن يضع ماء أحد جانبيها على الجانب الآخر ، ثم يستخرج حلية كانت قد ضاعت من إحدى المغنيات ، ثم يعيد الماء إلى مكانه الأول (٤) ، كما أننا لا نوافق «برستد» من أن هناك انفجارا بركانيا حدث في سيناء ، حينما ضاق الخناق على بني إسرائيل عند خروجهم من مصر ، وأن الزلزال الذي صحب ذلك الانفجار ، وموجة المد التي نتجت عنه ، هما اللذان أفضيا إلى ابتلاع الجنود المصريين الذين كانوا يتعقبون بني إسرائيل الفارين (٥).

__________________

ـ ومسيرته للسفن يوم وليلة ، فقطعه إلى الساحل الآخر ، فقاتل عدوه وقهرهم ، واجتاز غنائمهم ، ثم رجع فقطعه إلى الجانب الآخر ، فعاد إلى موضعه الأول ، وذلك كله في يوم ، ولم يترك من العدو مخبرا ، واستاق الذراري والأنعام والأموال ، ولم يفقد المسلمون شيئا سوى عليقة فرس لرجل من المسلمين ، ومع ذلك رجع العلاء فجاء بها ، ثم قسم الغنائم فأصاب الفارس ألفين ، والراجل ألفا ، مع كثرة الجيش ، وكتب إلى الصديق فأعلمه بذلك ، وروى أن راهبا من هجر رأى ذلك فأسلم ، وقال : خشيت إن لم أفعل أن يمسخني الله ، لما شاهدت من الآيات (ابن كثير : البداية والنهاية ٦ / ٣٦٩ ـ ٣٧١ ، تاريخ ابن خلدون ٢ / ٥٠٥).

(١) ملوك أول ٩ / ٢٦.

(٢) قضاة ١١ / ١٦.

(٣) S.A.Cook ,op ـ cit ,P. ٩١.

(٤) أنظر عن بردية وستكار Die Agyptische Literatur,P.F Max Pieper وكذا A.Erman

, ٥٥. G. Lefebvre, Romans et Contes Egyptiens de L\'Epoque Pharaonique, Paris ٤٦ – ٣٦ LAE, P.

٧٧ ـ ٧٠.p ، ١٩٤٩. وكذا ٢١ , J. Maspero, Popular Stories of Ancient Egypt, P. F.

(٥) ٣٤٢.p ، ١٩٤٦.J.H.Breasted ,A History of Egypt ,N.Y ,

٢٥٦

وأما سبب رفضنا للآراء السابقة ، فذلك لأننا نرى في حادث انغلاق البحر لموسى رأيا آخر ، فهو ، فيما نعتقد ونؤمن به الإيمان كل الإيمان ، أنه معجزة موسى الكبرى ، والمعجزة ، فيما نعلم ، قوى إلهية يعجز البشر عن الإتيان بمثلها ، والحصول على نظير لها ، ولا تأتي إلا في مقام التحدي والإعجاز ، وهي ، كغيرها من معجزات الأنبياء ، من عمل الله ، ولا فضل لأحد فيها سواه سبحانه وتعالى ، فليس لنبي يد في هذه الخوارق التي بهرت الناس وقهرت الخلق ، وقامت أدلة صادقة على صدق من ظهرت على أيديهم في أنهم مبلغون عن الله سبحانه وتعالى ، ومن هنا خاف موسى عليه‌السلام ، حين تحولت عصاه حية تسعى ، فولّى مدبرا ولم يعقب لشدة خوفه منها ، حتى هدأ الله روعه وأمن خوفه ، وعلى هذا الأساس لا يستغرب ولا يستبعد وقوعها ممن لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء (١) ، فإنه جل شأنه ، كما يقول (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٢) ، هذا فضلا عن أن المعجزة إنما هي من البراهين العقلية التي تقرر قيومية الله الخالق عز شأنه ، وإطلاق قدرته من قيود القوانين والعادات المعلومة في حدود مدارك العقول الإنسانية إلى سنن كونية وقوانين للوجود فوق آفاق تلك العقول ، تحدث على وفقها تلك الأحداث الكونية والأعاجيب الإعجازية ، إذا تطلبها أسبابها ، وحانت مناسبتها ، والله سبحانه وتعالى فعال لما يريد لا يسأل عما يفعل (٣).

ويقول الإمام الفخر الرازي أن انغلاق البحر لموسى معجزة من

__________________

(١) أنظر : سورة طه : آية ٦٦ ـ ٦٩ ، النمل : آية ١٠ ، القصص : آية ٣١ ـ ٣٢ ، عبد الرحيم فودة : من معاني القرآن ص ١٠٩.

(٢) سورة يس : آية ٨٢.

(٣) محمد الصادق عرجون : معجزة الأنبياء بين العقل والعلم ـ الإسكندرية ١٩٥٥ ص ٢ ، ثم أنظر عن المعجزة وشروطها : الإمام القرطبي : الجامع لأحكام القرآن ـ القاهرة ١٩٦٩ ص ٧٠ ـ ٧٢.

٢٥٧

وجوه ، منها (أولا) أن تفرق ذلك الماء معجزة ، وثانيا : أن اجتماع ذلك الماء فوق كل طرف منه حتى صار كالجبل من المعجزات أيضا لأنه كان لا يمتنع في الماء الذي أزيل بذلك التفريق أن يبدده الله تعالى حتى يصير كأنه لم يكن ، فلما جمع على الطرفين صار مؤكدا لهذا الإعجاز ، وثالثا : أنه إن ثبت ما روى في الخبر أنه تعالى أرسل على فرعون وقومه من الريح والظلمة ما حيّرهم ، فاحتبسوا القدر الذي يتكامل معه عبور بني إسرائيل ، فهو معجز ثالث ، ورابعا : أن الله تعالى جعل في تلك الجدران المائية كوى ينظر منها بعضهم إلى بعض ، فهو معجز رابع ، وخامسا : أن أبقى الله تعالى تلك المسالك حتى قرب منها آل فرعون وطمعوا منها آل فرعون وطمعوا أن يتخلصوا من البحر ، كما تخلص قوم موسى ، فهو معجز خامس (١).

وهكذا نستطيع أن نصل من ذلك كله إلى نتيجة واحدة هي : أن انغلاق البحر لموسى عليه‌السلام ، لا علاقة له ببني إسرائيل فتلك معجزة نبي ، كما أن غرق فرعون لم يكن تكريما للإسرائيليين ، فتلك عاقبة من أصر على كفر ، ولم يؤمن بالله الواحد الأحد ، بل وتجاوزه لكل الحدود البشرية ، فقال : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) (٢) ، ثم يهدد النبي الكريم (قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) (٣) ، وأخيرا اندفاعه في العذاب وإسرافه في القتل للمذنب وغير المذنب على سواء ، وأما حساب بني إسرائيل فعسير عند الله تعالى ، حتى أنه عزوجل ، ليكتب على هؤلاء الذين أنجاهم من فرعون أن يتيهوا في الأرض أربعين عاما ، ثم يحرم عليهم الأرض المقدسة أبدا (٤).

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٩.

(٢) سورة القصص : آية ٣٨.

(٣) سورة الشعراء : آية ٢٩.

(٤) سورة المائدة : آية ٢١ ـ ٢٦ ، سفر العدد ٤ / ٣٤ ، أعمال الرسل ٧ / ٢٦ ، ٤٢.

٢٥٨

(٤) إيمان فرعون عند الغرق :

تحدث القرآن الكريم عن إيمان فرعون حين أدركه الغرق ، فقال تعالى : (وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ ، فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً ، حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ، فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ) (١). والآيات الكريمة تشير إلى أن فرعون حين غشيته سكرات الموت آمن ، حيث لا ينفعه الإيمان ، ولهذا قال تعالى في جواب فرعون حين قال ما قال : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) ، وذلك لأن التوبة ، كما يقول علماء السلف ، قبل المرض والموت ، وروى الترمذي عن ابن عمر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» ، أي ما لم تبلغ روحه حلقومه فيكون بمنزلة الشيء الذي يتغرغر به (٢).

ويقول ابن السعود في تفسيره : إن فرعون حين أدركه الغرق «قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل» ، لم يقل كمقالة السحرة «آمنا برب العالمين رب موسى وهارون» ، بل عبّر عنه تعالى بالموصول ، وجعل صلته إيمان بني إسرائيل به ، تعالى للإشعار برجوعه عن الاستعصاء ، وباتباعه لمن كان يستتبعهم طمعا في القبول والانتظام معهم في سلك النجاة (٣) ، وقال النسفي إن في الآية دليل على إن الإيمان والإسلام واحد ، قال آمنت ، ثم قال : وأنا من المسلمين» ، كرر فرعون المعنى الواحد ثلاث مرات في ثلاث عبارات حرصا على القبول ، ثم لم يقبل منه حيث أخطأ

__________________

(١) سورة يونس : آية ٩٠ ـ ٩٢.

(٢) مختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٢٠٥ ، حسن باجودة : التفسير البسيط للقرآن الكريم ٤ / ٢٨٦ (مكة المكرمة ٢٨٦ ، تفسير القرطبي ص ١٦٦٢.

(٣) تفسير النسفي ٢ / ١٧٤ ـ ١٧٥.

٢٥٩

وقته ، وكانت المرة الواحدة تكفي في حالة الاختيار ، أتؤمن الآن في وقت الاضطرار ، حين أدركك الغرق ، وأيست من نفسك ، وروى الخازن في تفسير عن ابن عباس أنه قال : لم يقبل الله إيمانه عند نزول العذاب وقد كان في مهل ، وقال العلماء : إيمانه ، غير مقبول لأن الإيمان والتوبة عند معاينة الملائكة والعذاب غير مقبولين ، وقيل إنه قال ليدفع ما نزل به من البلية الحاضرة ، ولم يكن قصد به الإقرار بوحدانية الله ، والاعتراف له بالربوبية ، وقيل إن فرعون كان من الدهريين المنكرين لوجود الخالق ، فلهذا قال : «آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل» ، فلم ينفعه ذلك لحصول الشك في إيمانه ، ولما رجع فرعون إلى الإيمان والتوبة حين أغلق بابهما ، بحضور الموت ومعاينة الملائكة ، قيل له : «الآن وقد عصيت من قبل» ، يعني الآن تتوب ، وقد أضعت التوبة في وقتها ، وآثرت دنياك الفانية على الآخرة الباقية ، وقيل إن المخاطب بذلك لفرعون هو جبريل وقيل الملائكة ، وقيل هو الله تعالى ، عرف فرعون قبيح صنعه وما كان عليه من الفساد في الأرض ، بدليل قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) ، والقول الأول أشهر (١) ، ويعضده ما روى عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لما قال فرعون : «آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ، قال قال لي جبريل : لو رأيتني وقد أخذت من حال البحر فدسسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة» (٢) ، وعن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لي جبريل : يا محمد لو رأيتني وأنا أغطه وأدس من الحال في فيه مخافة أن تدركه رحمة الله ، فيغفر له ، يعني فرعون ، وفي بعض الروايات إن جبريل قال : ما بغضت أحدا بغضي لفرعون حين قال : أنا ربكم الأعلى ، ولقد

__________________

(١) تفسير الخازن ٣ / ٢٠٦.

(٢) مختصر تفسير ابن كثير ٢ / ٢٠٦ ، وأنظر : تفسير الدر المنثور ٣ / ٣١٥.

٢٦٠