دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ٢

دكتور محمد بيومي مهران

دراسات تاريخيّة من القرآن الكريم - ج ٢

المؤلف:

دكتور محمد بيومي مهران


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٢

وقد دلت الحفائر على أن الأولى قد أنشئت في عهد رعمسيس الثاني ، والثانية قد أعيد بناؤها ، كما سنشير فيما بعد بالتفصيل ، ومنها (سابعا) أن تحوتمس الثالث كان بناء عظيما ، دون شك ، وكما يقول أصحاب هذه النظرية ، ولكن مشاريعه البنائية كانت في الصعيد ، وبخاصة في العاصمة طيبة (١) (الأقصر الحالية) ، هذا فضلا عن أن عاصمة الفراعين المصريين لم تكن أبدا في الدلتا ، فيما قبل الأسرة التاسعة عشرة ، كما أنه لم تكن هناك اهتمامات رئيسية بمشروعات بنائية في الدلتا ، وبخاصة في شرقها ، حيث كان يقيم بنو إسرائيل هناك (٢) ، بل إنه بالكاد يفهم أن التحامسة قد كرهوا هذا المكان لاتصاله بالغزاة الهكسوس المكروهين وربما كان هذا هو السبب في عدم وجود آثار للأسرة الثامنة عشرة في «تانيس» عاصمة الهكسوس ، وأما في الأسرة التاسعة عشرة ، والتي كان ملوكها من هذه المنطقة ، فقد وجد لدى رعمسيس الثاني الباعث السياسي لاختيار عاصمة ملكه في الدلتا ، فبنى أو أعاد بناء «فيثوم» ، ثم بنى «بي رعمسيس» التي حملت اسمه (٣) ، ومنها (ثامنا) أن الفترة ما بين عامي ١٥٠٠ ، ١٢٠٠ ق. م ، إنما تمثل فترة التقدم الذي أظهره الصناع الكنعانيون في وسائلهم الفنية تحت التأثير الإيجي ، ومن ثم فقد كان هذا العصر هو العصر الذهبي لصناعة الفخار الكنعاني ، ومن العجيب أن يتطابق ازدهار الفن ، مع غزو البلاد بواسطة هؤلاء البدو ، الذين كانوا بالتأكيد أقل مدينة من السكان الأصليين ، ولهذا فمن الطبيعي جدا أن يتفق دخول هؤلاء البرابرة أرض كنعان ، مع فترة التدهور التي نملك عليها الكثير من الأدلة ، والتي جاءت بعد عام ١٢٠٠ ق. م.

ومنها (تاسعا) أن النتائج التي توصل إليها «جون جارستانج» من أن

__________________

(١) أنظر : سليم حسن : مصر القديمة ٤ / ٤٥٥ ـ ٤٩٦.

(٢) ١٨٣.A.Lods ,op ـ cit ,P.

(٣) ١٢٧ ـ ١٢٦.p ، ١٩٣٣ ، ١٩. A.Gardiner ,JEA ,

٢٨١

أريحا وحاصور ، قد دمرتا حوالي عام ١٤٠٠ ق. م (١) ، هناك من يتقدم بحادث تدميرهما إلى عام ١٥٠٠ ق. م ، ومن يتقدم إلى ما بعد عام ١٦٠٠ ق. م ، بفترة وجيزة (٢) ، وهناك من يتأخر به إلى ما بين عامي ١٢٥٠ ، ١٢٠٠ ق. م (٣) ، هذا فضلا عن أن تخريب مدن كنعان ، ليس بالضرورة أن يكون قد تم على أيدي بني إسرائيل الخارجين من مصر ، ومن المرجح أنه حدث في فترة الفوضى التي صحبت عهد إخناتون (١٣٦٧ ـ ١٣٥٠ ق. م) والتي انتهت بانسحاب السيادة المصرية إلى حين ، وأما عن «أريحا» ، فإن حفائر «سيللين» و «جارستانج» و «مس كنيون» دلت على أنها كانت دائما معرضة لهجوم البدو المشاغبين ، والذين كانوا دائما يهاجمونها حتى يفتحوا طريقهم إلى فلسطين ، وقد وجدت «مس كنيون» أن الحائط القديم ، والذي كان قد بنى من الآجر الطيني المسطح ، قد هدم وأعيد بناؤه أكثر من ١٧ مرة ، وأن الآجر المتبقي من انهياره الأول يشير إلى أنه كان بفعل الزلازل ، وأن الأخير كان بفعل الغزاة الآراميين ، حوالي عام ١٢٠٠ ق. م (٤) ، وعلى حال ، فلا يوجد حتى الآن أي دليل في الموقع يساعدنا على تحديد التاريخ الذي احتل فيه يشوع أريحا (٥) ، وقد كانت مدينة في القرن الرابع عشر قبل الميلاد ، ولكنها اختفت تماما في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، وإذا كانت جدران

__________________

(١) J.Finegan ,op ـ cit ,P وكذا J. Garstang, Joshu, Judges, the Foundations of Bible History,

F ٣٨٢ ، F ١٨٤.p. ١٦٤

(٢) ١٨٢. A.Lods ,op ـ cit ,P.

(٣) ١٦٠.p ،. ١٩٦٧W.Keller ,the Bible as History ,

(٤) وكذاJ.Finegan ,op ـ cit ,P. ١٥٧ ـ ١٥٦ وكذا

JandJ.B.E.Garstang ,the Story of Jericho , ١٩٤٠K.M.Kenyon ,in PEQ ,F ١١٤.p ، ١٩٥٥ ، F ٥٥.p ، ١٩٥٤ ، F ٨٨.p ، ١٩٥٣ ، ٦٤.p ، ١٩٥٢.

(٥) أريحا : وتعني مدينة القمر أو مكان الروائح العطرية ، وهي تل السلطان الحالية ، وتقع على مبعدة خمسة أميال غربي نهر الأردن ، ١٣ ميلا شمال شرقي القدس ، وقد أثبتت الحفريات أنها واحدة من أقدم مدن العالم (محمد بيومي مهران : إسرائيل ٢ / ٦٠٥).

٢٨٢

المدينة قد انهارت أمام قوات يشوع ، فهناك احتمال على أن الزلازل ربما كانت هي السبب ، لأن الموقع الجيولوجي للمدينة يبعث على مثل تلك الأحداث هذا إلى أن الجدار الأول ، والذي يرجع إلى عصر البرونز المبكر ، كان فيما يبدو ، قد انهار بسبب الزلازل كذلك (١).

ومنها (عاشرا) أن الدليل الأثري من عبر النهر (شرق الأردن) وكذا من لخيش (٢) ودبير ، لا يتفق مع الخروج المبكر ، فلقد قام «نلسون جلوك» بمسح أثري لمنطقة شرق الأردن ، وتوصل إلى أن الفترة فيما بين عامي ١٩٠٠ ، ١٣٠٠ ق. م ، تمثل ثغرة في السكان المقيمين في المنطقة ، فإذا كان خروج بني إسرائيل من مصر ، حوالي عام ١٤٠٠ ق. م ، فالمفروض ، والأمر كذلك ، ألا يلتقوا بالملوك الآدوميين والعمونيين والمؤابيين ، الذين عاقوا تقدمهم ، كما تقول التوراة ، وإنما كان هناك بدو متفرقون هنا وهناك ، والأمر كذلك بالنسبة للدليل الأثري من «لخيش» و «دبير» (٣) ، ومنها (حادي عشر) أن الحفريات التي أجريت في دبير ، (تل بيت مرسيم الحالية على مبعدة ١٣ ميلا جنوب غربي جبرون) (٤) اكتشفت طريق الفرعون أمنحتب الثالث ، والذي كان ما يزال يستعمله الموظفون في دبير ، مما يدل على أن مصر كانت ما تزال صاحبة السيادة هناك حتى عصر أمنحتب الثالث ، وأن الإسرائيليين لم يكونوا قد قدموا بعد إلى هذه المنطقة ، وفي نهاية عصر البرونز المتأخر وجدت آثار حريق هائل ، وفوقها بقايا إسرائيلية ، مما يدل على عدم وصول

__________________

(١) F .. ١٤٤J.Garstang ,op ـ cit ,P. وكذا ١٥٩J.Fingan ,op ـ cit ,P

(٢) لخيش : وهي تل الدوير الحالية ، على مبعدة خمسة أميال جنوب غرب بيت جبرين ، وقد أثبتت الحفائر أنها سكنت منذ عصر البرونز المبكر (محمد بيومي مهران : إسرائيل ٢ / ٦١٤).

(٣) ٣٣٤ M.F.Unger ,op ـ cit ,P ..

(٤) ١٦٣,op ـ cit ,P .. J.Finegan وكذا ٢٥٥ Ibid.,P

٢٨٣

الإسرائيليين حتى هذا العصر (١) ، ومنها (ثاني عشر) أن حفائر متحف جامعة بنسلفانيا في بيت شان (٢) (بيسان) في سهل يزرعيل أثبتت أن المنطقة ظلت تحت سيطرة الحاميات المصرية (٣) ، كما كانت على أيام أمنحتب الثالث ، وحتى أيام رعمسيس الثاني ، حيث وجدت أسماؤها على معبد المدينة (٤) ، مع أنها ذكرت من بين المدن التي استولى عليها يشوع (٥).

ومنها (ثالث عشر) أن التاريخ يحدثنا أن «حتشبسوت» حكمت مع أختها تحوتمس الثاني (١٥١٠ ـ ١٤٩٠ ق. م) ، كزوجة وليست كملكة ، ثم حكمت بعد ذلك مع ابن أخيها تحوتمس الثالث ، كوصية على العرش ، وإن ظلت المراسيم تصدر باسمه فترة ما بين أربع وسبع سنوات ، بل إن «جاردنر» يرى أن هناك نصا لم ينشر بعد ، يحدد تتويج حتشبوت كملك بالسنة الثانية (٦) ، واستمرت كذلك حتى عام ١٤٦٨ ق. م ، حيث خلفها تحوتمس الثالث ، والذي خلفه ولده أمنحتب الثاني ، وإذا ما طبقنا ذلك على ما أرتآه «جارستانج» من أن موسى عليه‌السلام هرب من مصر بعد وفاة حتشبسوت ، وجلوس عدوها تحوتمس الثالث على العرش ، ثم خروج بني إسرائيل في أخريات عهده ، لرأينا ذلك إنما يتناقض مع ما جاء في التوراة والقرآن العظيم من أن موسى عليه‌السلام قد خرج من مصر إلى مدين لأنه قتل مصريا على سبيل الخطأ (٧) ، كما أننا لو صدقنا «جارستانج» ومن تابعه في رأيه ، من أن

__________________

(١) ١٩٢ M. G. Kyle, Excavations Kirjath Sepher\'s Ten Cities, op ـ cit, P وكذا A.F.Albright ,

٧٩ ، ٢٢ ـ ٢١. ، ١٧ ، ١٢٨ ٥٥ p ١٣ AASOR

(٢) أنظر :

١٩٣٠ A. Rowe, The Topography and History of Beth ـ Shan, Pcnnsylvania,

(٣) ١٢٥W.F.Albright ,op ـ cit ,P ..

(٤) ١٤٢M.F.Unger ,op ـ cit ,P ..

(٥) يشوع ١٧ / ١١.

(٦) ١٨٤ A.Gardiner ,op ـ cit ,P ..

(٧) سورة القصص : آية ١٥ ـ ٢٢ ، خروج ٢ / ١١ ـ ١٥.

٢٨٤

هروب موسى من مصر كان بسبب استيلاء تحوتمس الثالث على العرش ، لكان على موسى ألا يعود إلى مصر إلا بعد وفاة تحوتمس الثالث ، خاصة وأن التوراة تشير إلى أن عودة موسى إلى مصر كانت مرتبطة بوفاة من كان يطالبه بالقصاص (١) ، هذا فضلا عن أن تدمير أريحا إن كان في عام ١٤٠٧ أو عام ١٤٠٠ ق. م ، فهذا يعني أنه حدث في أخريات ، عهد تحوتمس الرابع ، أو أوائل عهد أمنحتب الثالث ، وفي كلا العهدين كانت مصر ، دون شك ، ما تزال تحتفظ بامبراطوريتها الواسعة في آسيا الغربية ، بل إن تحوتمس الرابع إنما يعتبر واحدا من الفراعين العظام ، وأنه قام بواجبه تماما في الحفاظ على الامبراطورية المصرية هذا فضلا عن أن أمنحتب الثالث كان ، على الأقل ، في النصف الأول من حكمه كبير ملوك الشرق الأدنى دون منازع.

ولعل سؤال البداهة الآن : كيف استطاع بنو إسرائيل دخول كنعان ، وهي ولاية مصرية ، ثم تدمير أريحا وعاي وبيت أيل وغيرها من فلسطين ، دون أن يحرك الفرعون ساكنا؟ في الحقيقة إن هذا أمرا لا يمكن قبوله بسهولة ، ما لم تعضده أدلة قوية ، وهذا ما لم يثبت حتى الآن ، فضلا عن أنه أمر تحيط به عوامل الشك والريبة من كل جانب ، ومن ثم ، فإنني أتردد كثيرا في الأخذ بهذا الرأي.

ومنها (ثالث عشر) أن بعثة «جامعة ستراسبرج» كشفت عام ١٩٦٥ م عن نص في معبد أمنحتب الثالث في «صولب» في التوبة السودانية ، وفيه ذكر لقبائل من بدو الصحراء ، ومنهم قبيلة «يهوه» في عصر أمنحتب الثالث (٢) ، ولعلنا نستنتج من هذا أن قبيلة يهوه البدوية كانت عصر أمنحتب الثالث (١٤٠٥ ـ ١٣٦٧ ق. م) ما تزال في مصر ، وإن كنا على غير يقين من أن اسم

__________________

(١) خروج ٢ / ٢٣ ـ ٢٥ ، ٤ / ١٩.

(٢) مراد كامل : الكتب التاريخية في العهد القديم ـ القاهرة ١٩٦٨ ص ١٩.

٢٨٥

«يهوه» هنا له صلة ببني إسرائيل أم لا ، ومع ذلك ، فهو ، على الأقل ، يثير ظلالا من شك حول نظرية الخروج في عهد تحوتمس الثالث أو ولده أمنحتب الثاني.

(٣) توت عنخ آمون : هو فرعون موسى : ـ

يعتمد هذا الرأي على آراء العالم اليهودي «سيجموند فرويد» (١٨٥٦ ـ ١٩٣٩ م) في موسى الذي يراه مصريا ، وليس عبرانيا ، وفي ديانة إخناتون ، ومن ثم فقد عقد مقارنة بين الديانتين ، الموسوية والمصرية القديمة ، وخلص منها إلى أنهما على طريق نقيض ، فبينما نرى في الموسوية وحدانية متشددة (١) ، نرى في المصرية القديمة وثنية مفرقة في التعدد ، هذا فضلا عن أننا نكاد نعرف شعبا آخر في تاريخ العالم القديم وصل إلى الدرجة التي وصل إليها المصريون من تجاهل للموت ، ولا بذل ما بذلوا لتأمين معيشتهم في الآخر ، في الوقت الذي أغفلت فيه الموسوية الحياة الأبدية تماما ، فلم يرد في أي موضع من التوراة ذكر لإمكان حياة بعد الموت (٢) ، وهو أمر تزيد غرابته ، إذا تبين لنا أن الإيمان بالآخرة يتفق تماما مع عقيدة التوحيد (٣).

__________________

(١) لا ريب في أن دعوة موسى عليه‌السلام ، شأنها في ذلك شأن بقية دعوات الأنبياء الكرام ، إنما هي دعوة توحيدية صحيحة غير أن دعوة موسى تلقاها عن ربه ، شيء ، وما سجلته توراة اليهود ، وليست توراة موسى ، عن التوحيد شيء آخر ، وقد قدمنا دراسة مفصلة عن الديانة اليهودية ، اعتمادا على ما جاء في توراة اليهود المتداولة اليوم ، والتي تبعد عن دعوات التوحيد كثيرا أو قليلا (محمد بيومي مهران : إسرائيل ـ الجزء الرابع ـ الباب الأول (٧ فصول) الديانة اليهودية ص ١ ـ ٢١٨).

(٢) أنظر عن الحياة بعد الموت ، كما قدمتها توراة اليهود (محمد بيومي مهران : النبوة والأنبياء عند بني إسرائيل ـ ص ١٠٢ ـ ١٠٦ ، إسرائيل ٤ / ٢٣٤ ـ ٢٣٦ ، وكذا : حبيب سعيد : أديان العالم ص ١٨٢ ـ ١٨٣ ، وكذا : ١٨.p ، ١٩٦٩ S.Freud ,Moses and Monotheism ,N.Y ,

١٣٧ –١٣٤ P ١٩٣٩The old Testament Prophets E.W.Heaton وكذا ـ. ، E

.Renan F ١٢٨ i p Histoire du Peuple d\'Israel ٢٩ وكذا

(٣) S.Freud ,Moses and Monotheism ,N ,Y , ٢٠ ـ ١٨.p ، ١٩٣٩.

٢٨٦

وهنا يبدأ «فرويد» يتحدث عن ديانة إخناتون ، ثم يعقد مقارنة بينها وبين ديانة العبرانيين ، فيقدم لنا صورة عن عقيدة الشمس منذ نشأتها حتى أيام إخناتون (١٣٦٧ ـ ١٣٥٠ ق. م) ، ثم اعتناق الفرعون لعقيدة التوحيد ، وتمجيده لها في أناشيده (١) ، وعلى أن إله الشمس هو الخالق والحافظ لكل الكائنات ، وعن الحرارة التي تبدو في تسبيحاته ، والتي تسبه تلك التي تسري بعد ذلك ببضعة قرون في المزامير التي تمجد «يهوه» إله اليهود (٢) ، غير أن إخناتون ، على وجه اليقين ، لم يعبد الشمس على أنها شيء مادي ، وإنما على أنها الكائن مقدس تنم هذه الأشعة عن قدرته ، وهو أمر ذهب إليه من قبل كثير من الباحثين ، من أمثال إرمان وبرستد وهول وغيرهم (٣) ، هذا فضلا عن إخناتون قد أضاف إلى فكرة عالمية الرب شيئا جديدا أوضح فيه فكرة الوحدانية ، وهي الطبيعة الخاصة به ، ومن ثم فهو يقول في تسبيحاته «اللهم إنك أنت الإله الواحد الذي ليس معه سواه» (٤) ، ومن هنا فقد أغلقت معابد الآلهة في كل أنحاء الإمبراطورية المصرية ، وصودرت ممتلكاتها ، وعطلت شعائرها ، وضرب الحجز على خزائن الكهنوت ، وذهب إخناتون في حماسه إلى حد أنه أمر بفحص الآثار المصرية ، ومحو كلمة «الآلهة» حيثما وجدت منقوشة عليها في صيغة الجمع ، لأن الله واحد لا يجمع (٥) ، كما حرم

__________________

(١) أنظر : عن عقيدة الشمس قبل أيام إخناتون ، وعن التوحيد في دعوة إخناتون وأناشيده (محمد بيومي مهران : إخناتون ص ٢٩٥ ـ ٣١٥ ، ص ٣٣٧ ـ ٣٨٢).

(٢) ٢١ S.Frued ,op ـ cit ,P ..

(٣) محمد بيومي مهران : إخناتون ص ٣٤٩ ـ ٣٥٠ ، أدولف إرمان : ديانة مصر القديمة ص ١٢٥ ـ ١٤٦

ـ القاهرة ١٩٥٢ (مترجم) ، وكذا ٣٠٠ ـ ٢٩٨.H.R.Hall ,op ـ cit ,P.

٢١ ـ ٢٢ S. Freud, op ـ cit., P.

(٤) ٢٨٠ ـ ٢٧٨.p ، ١٩٣٩. J.H.Breasted ,The Dawn of Consciencen ,N.Y.,

(٥) أدولف إرمان : المرجع السابق ص ١٣٣ – ١٣٨ وكذا ٢٢ ـ ٢١. S.Freud ,op ـ cit ,P وكذاJ.H ٢٨٠

. ٢٢Breasted ,op ـ cit ,P ..

٢٨٧

إخناتون جميع الأساطير وأعمال السحر ، وعدم السماح بعمل أي صنم لإلهه «آتون» (١) لأن الإله الحق لا صورة له ، هذا فضلا عن التغيير في التعبير الشكلي لإله الشمس ، فلم يصور بصورة هرم صغير وصقر ، وإنما بأسلوب يكاد يكون عقلانيا ، يبدو فيه قرص الشمس وقد انبعثت منه أشعة نهايتها على شكل الأيدي ، وأخيرا فلم يرد أي ذكر للإله «أوزير» ، إله الموتى ورب الآخرة عند المصريين ، ولا لمملكة الموتى والحساب في الآخرة (٢).

ثم يبدأ «فرويد» في عقد مقارنة بين الديانتين ، الأخناتونية والموسوية ، مع إقراره بأن ذلك سيكون أمرا صعبا ، ذلك لأن تعطش كهنة آمون الحاقدين للثأر من ديانة آتون ، قد حرمنا الكثير من المعلومات عنها ، بسبب تحطيم الغالبية العظمى من آثار إخناتون ، كما أننا لا نعرف ديانة موسى عليه‌السلام ، إلا في شكلها ، كما تم تثبيتها بعد موسى عليه‌السلام ، بثمانية قرون ، على الأقل ، (إذا أخذنا بالرأي الذي ينادي بأن الخروج كان على أيام مرنبتاح) على يد رجال الدين اليهودي ، في العصر الذي تلا السبي البابلي (٥٨٦ ـ ٥٣٩ ق. م) ، حيث ابتعثت دولة يهوذا في ظل الحماية الفارسية على يد «عزرا» الذي جاء من السبي ، فيما يرى كثير من المؤرخين ، حوالي عام ٣٩٨ ق. م (٣) ، هو الذي يعزي إليه إرساء العقيدة اليهودية ، كما تطالعنا الآن (٤).

__________________

(١) ٢٢٧ A.H.Gardiner ,op ـ cit ,P ..

(٢) ٢٦ ـ ٢٢. S.Freud ,op ـ cit ,P وكذا ٣٠٠ J.H.Breasted ,op ـ cit ,P

(٣) أنظر : نجيب ميخائيل : المرجع السابق ص ٤٦٩ ،

W. F. Albright, The Archaeology of Plastine and the Bible, P. F

١٦٩ H. Rowley, The Servant of The Lord and other Essay on The S. A. Cook, op ـ cit, p.

٤١٣ وكذاJ.Finegan ,op ـ cit ,P. ٢٣٩ وكذاOld Testament , ١٥٩ ـ ١٣١.p ، ١٩٥٢.

وكذا ٢٣٠M.Noth ,op ـ cit ,P ٢٣٠ ..

(٤) إذا كان «عزرا» هذا ، هو «عزيز» الذي جاء ذكره في القرآن الكريم ، وهذا ما نميل إليه ونرجحه ، فإن اليهود وقت ذاك القرن (القرن ٤ ق. م) قد أشركوا بربهم ، وجعلوا من عزيز ـ

٢٨٨

هذا ويقدم لنا «فرويد» بعض المقابلات بين الديانتين ، لعل من أهمها (أولا) أن صيغة إعلان الإيمان (الشهادة اليهودية) إنما تنطق على الوجه التالي «شمع يسرائيل أدوناي إلو هينو أدوناي أحاد» وترجمته إلى اللغة العربية كالتالي «اسمع يا إسرائيل ، الرب إلهنا إله واحد» ، فإذا لم يكن بالصدفة هذا التشابه في اللفظين بين «أتون» المصري ، و «أدوناي» العبري و «أدونيس» السوري ، وإذا كان هذا التشابه بالعكس نتيجة تماثل في الأصل من حيث اللفظ والمعنى ، أمكن أن نترجم الجملة العبرية هكذا «اسمع يا إسرائيل آتون إلهنا إله واحد» ، ومنها (ثانيا) أنه من السهل أن نبيّن أوجه الشبه والخلاف بين الديانتين ، فكلاهما مظهر لوحدانية مطلقة دقيقة (١) ، ويميل «فرويد» أن يرد ، من أول وهلة ، لهذا الطابع الأساسي فيهما كل نقاط التشابه القائمة بينهما ، ومنها (ثالثا) أن الدين اليهودي ، كما قدمته لنا توراة اليهود المتداولة اليوم ، كان يجهل الآخرة والحياة بعد الموت ، وهي معتقدات لا تتعارض مع الوحدانية مهما بلغت من الشدة ، والأمر كذلك بالنسبة لديانة إخناتون ، وهذا التوافق بين اليهودية والآتونية في هذه النقطة ، إنما يعتبر أول حجة جديدة ، إلى جانب مصرية موسى ، وإن كانت ليست بالحجة الوحيدة (٢).

ومنها (رابعا) أن موسى عليه‌السلام لم يعط اليهود دينا جديدا فحسب ، وإنما فرض عليهم الختان كذلك ، ورغم أن التوراة ترجعه إلى عصر الآباء

__________________

ـ ابنا لله ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، قال تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ، ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (التوبة : آية ٣٠)

(١) أنظر عن الوحدانية في الآتونية واليهودية (محمد بيومي مهران : إخناتون ص ٤٦٢ ـ ٤٧٧ ، إسرائيل ٤ / ٨٣ ـ ١٢١).

(٢) ٢٩ ـ ٢٧. S.Freud ,op ـ cit ,P.

٢٨٩

الأولين ، وأن الرب غضب على موسى عند تركه وكاد أن يقتله ، لو لا أن أسرعت زوجته المدينية وقامت بختان ابنها (١) ، غير أن الحقيقة التي لا شبهة فيها أن الختان جاء إلى اليهود من مصر ، وأنه لا يوجد شعب آخر في حوض البحر المتوسط يتبع هذه السنة غير المصريين ، الذين تدل آثارهم على أنهم عرفوا الختان منذ عصور ما قبل التاريخ ، حوالي عام ٤٠٠٠ ق. م ، كما تدل على ذلك أجسام بلغ من حفظها أن أمكن فحصها والاستدلال منها على اتباع المصريين لسنة الختان ، هذا فضلا عن صور تمثل عملية الختان يقوم بها جراح مصري في قبر جبانة مثقف من الدولة القديمة ، وآخر في الكرنك من الدولة الحديثة (٢) ، كما أن رواية التوراة (٣) يفهم منها أن إبراهيم عليه‌السلام قام بعملية الختان بعد عودته من مصر ، وإنجابه ولده إسماعيل عليه‌السلام ، هذا فضلا عن أن النص نفسه إنما دونه أحبار السبي البابلي ، فيما بين القرن السادس والخامس ق. م. (٤) ، أي بعد عهد سيدنا إبراهيم عليه‌السلام ، بما يربو عن ألف وخمسمائة عام ، كما أنه لم يدخل في صلب أسفار الشريعة في صورتها الحالية ، إلا في عام ٤٠٠ ق. م ، فلا غرو أن يتعارض تعارضا جذريا مع روايات أخرى في سفر التثنية (٥) ، والتي ربما كانت أصداء خافتة لوقائع في صورة من أساطير عن نشأة سنة الختان ، تلك السنة كانت عادة مصرية متأصلة (٦).

__________________

(١) تكوين ١٧ / ١٠ ـ ١١ ، خروج ٤ / ٢٤ ـ ٢٦.

(٢) ١٠ no ، ٣٠٣. J.Breasted ,op ـ cit ,P ..

(٣) تكوين ١٧ / ١٠ ـ ١١ ، ٢٣ ـ ٢٧ ، وانظر : محمد بيومي مهران : قصة أرض الميعاد بين الحقيقة والأسطورة (٢) مجلة الأسطول ـ العدد ٦٧ ، الإسكندرية ١٩٧١ ص ٥ ـ ٦.

(٤) ١٥٢A.Lods ,op ـ cit ,P ..

(٥) تثنية ٥ / ١ ـ ٣ ، وكذاA.Lods ,op ـ cit ,P. ١٩٩.

(٦) محمد بيومي مهران : المرجع السابق ص ٦ ، وكذاA.P.Davies ,Ten Commandments ,N.Y , ٦٠ ـ ٥٩.p ، ١٩٥٦.

٢٩٠

وهنا يتساءل فرويد : إذا كان موسى يهوديا راغبا في تحرير بني جلدته من نير المصريين ، فما الذي دعاه إلى فرض سنة الختان على قومه ، وكل ما يتوقع منها أن تجعل اليهود مصريين ، وما الداعي لتخليد ذكرى مصر فيما بينهم ، رغم أن جهوده كانت موجهة إلى عكس ذلك ، وهذا كله يدل على أن موسى لم يكن يهوديا ، بل كان مصريا (١) ، الأمر الذي يترتب عليه أن الديانة الموسوية كانت على الأرجح ديانة مصرية ، ولكن ليست الديانة السائدة بين الشعب ، وإنما ديانة إخناتون التي تتفق مع اليهودية في كثير من النقاط.

وهنا يتجه «فرويد» إلى هدفه مباشرة ، وهو أن موسى كان مصريا ، وكان طموحا عالي الهمة ، وربما راودته فكرة أن يصبح في يوم ما زعيم شعبه ، ورئيس الإمبراطورية المصرية ، ولما كان من المقربين إلى فرعون (إخناتون) فقد أبدى حماسة شديدة بالعقيدة الجديدة التي فهم أفكارها الرئيسية وتشربها ، ولكن عند ما زحفت الرجعية على إثر موت إخناتون ، رأى موسى أن كل آماله وتدابيره تنهار ، فمصر لم يعد عندها ما تعطيه له ، اللهم إلا إذا كفرت بمعتقداتها التليدة ، وهكذا أصبح موسى رجلا فقد وطنه ، وهنا واتته فكرة : إن إخناتون الحالم قد بلبل فكر شعبه وترك إمبراطوريته تتمزق إربا ، فإذا موسى ، بما جبل عليه من علو الهمة ، يتصور خطة ينشئ بها إمبراطورية أخرى يكون دينها هو الدين الجديد الذي نبذته مصر ، وربما كان في ذلك الوقت حاكما للإقليم المتاخم للحدود الشرقية ، حيث تقيم في «جوشن» بعض القبائل السامية منذ أيام الهكسوس ، فمن هذه القبائل يقرر موسى أن يتخذ له شعبا جديدا ، ومن ثم فقد قام بإنشاء علاقات مع القبائل السامية في أرض جوشن ونصب نفسه زعيما عليها ، وقادها إلى الخروج «بيد

__________________

(١) ليس صحيحا ، على وجه اليقين ، أن موسى كان مصريا ، وسوف نناقش هذه القضية بالتفصيل في هذه الدراسة (الباب الرابع ـ الفصل الأول).

٢٩١

قوية» ، ويمكننا خلافا للتراث العبراني افتراض أن الخروج تم بسلام وبدون مطاردة ، فإن سلطة موسى جعلت ذلك ممكنا ، ولم يكن هناك حينئذ قوة مركزية يمكنها أن تمنعه ، ثم يرى «فرويد» أن الخروج من مصر حدث خلال فترة السنوات الثماني التي تلت موت إخناتون وسبقت استيلاء «حورمحب» على العرش (١) ، بل إن «آرثر ويجال» إنما يحدد الخروج بعام ١٣٤٦ ق. م ، ويرى أنه تم في آخر عهد «توت عنخ آمون» (٢).

وفي الواقع فإن «كارل إبراهام» إنما سبق «فرويد» في القول بأن إخناتون إنما كان مصلحا ، ونبيا عظيما ، ففي عصره لم ترسم الآلهة في شكل آدمي ، وهكذا كان إخناتون رائد التوحيد الموسوي ، بل الأبعد من ذلك أنه كان رائد المسيح عليه‌السلام ، ففكرة إخناتون عن الإله أقرب إلى الفكرة المسيحية منها إلى الفكرة الموسوية (٣) ، هذا ويذهب المؤرخ"Weech " إلى أن موسى قد دعا بني إسرائيل إلى التوحيد ، وكانت هذه العقيدة قد ظهرت في العالم قبل ذلك على يد «إخناتون» ، ويبدو أن موسى ، وقد أمضى طفولته وصباه وشبابه في مصر ، قد عرف هذه العقيدة وتأثر بها ودعا إليها (٤) ، وعلى أية حال ، فنحن وإن كنا نرفض الربط بين وحدانية موسى عليه‌السلام ، ودعوة إخناتون ، ذلك الربط الذي يصل عند «فرويد» إلى أن الأولى منقولة عن الثانية ، فلا نشك في وجود مقابلات بين الديانتين ، حتى وإن كانت غير مباشرة ، فالوحدانية المطلقة كانت من أوضح الصور الشائعة بينهما ، وعلى سبيل المثال ، فإله إسرائيل يقول «لا يكن لك آلهة أخرى أمامي» (٥) ،

__________________

(١) ٣٢ ـ ٢٩.S.Freud ,op ـ cit ,P.

(٢) ١٤٦.p ، ١٩٦٨.A.Weigal ,Histoire de L\'Egypte Ancienne ,Paris ,

(٣) ٣٦٤ ـ ٣٤٦.p ، ١٩١٢. C.Abraham ,Imago ,I ,

(٤) ٨٨.E.H.Weech ,Civilization of the Near East ,P.

(٥) خروج ٢٠ / ٣.

٢٩٢

وإخناتون يصف إلهه بأنه «الإله الذي لا إله إلا هو» ، ثم التأكيد بعد ذلك في التعاليم الآتونية ، والضغط المستمر على «الإله الواحد ، والخالق لكل شيء» ، فآتون ، كيهوه ، هو الإله الخالق لكل من يأتي إلى هذه الحياة وما يأتي إليها (١).

وأيا ما كان الأمر ، فهناك من الأسباب ما يجعلنا نرفض وجهة نظر «فرويد» هذه ، منها (أولا) أن هذه النظرية تحتاج إلى دراسة جادة عميقة متأنية للديانتين ، الموسوية والآتونية ، وهذا أمر في منتهى الصعوبة ، إن لم يكن محالا ، وقد تنبه فرويد نفسه إلى ذلك فنحن حتى الآن لا نستطيع القول بأننا نملك ، على وجه اليقين ، الصورة الصحيحة للآتونية أو الموسوية ، فالأولى قد أضاع حقد كهان آمون أكثر الكثير من نصوصها ، والثانية لعبت فيها أيدي اليهود بما شاءت لهم أهواؤهم ، كما أن معلوماتنا الحالية عنها إنما ترجع إلى نصوص كتب بعد الأسر البابلي أو أثناه (٥٨٦ ـ ٥٣٩ ق. م) ، وموسى عليه‌السلام عاش في القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، إن لم يكن في القرن السادس عشر قبل الميلاد ، كما رأينا من قبل ، والفرق بين نزول الرسالة على موسى وبين تدوينها ، فرق كبير ، يصل إلى ثمانية قرون على رأي ، وقد يصل إلى أحد عشر قرنا أو حتى عشرة قرون فيما يرى آخرون ، ومنها (ثانيا) أنا لا نعرف عن إخناتون غير أنه الملك الذي جلس على عرش الكنانة في الفترة (١٣٦٧ ـ ١٣٥٠ ق. م) ، وأنه نادى بعبادة الإله الواحد الأحد ومن ثم فقد أغلقت معابد الآلهة في كل أنحاء الإمبراطورية المصرية ، وصودرت ممتلكاتها وعطلت شعائرها ، مما أثار عليه تجار الدين من كهنة آمون وغيرهم ، ومن ثم فقد هاجر من طيبة إلى بقعة عذراء لم تشهد عبادة إله آخر من قبل ، فأقام عليها مدينته الجديدة «آخت آتون» (العمارنة) (٢) ، وبقي

__________________

(١) ١٦ ـ ١٥.p ، ١٩٦٣. w. F. Albright, The Biblical Period, From Abraham to Ezra, N. Y,

(٢) العمارنة ، وتقع على مبعدة ١٩٠ ميلا جنوبي القاهرة ، ٢٦٠ ميلا شمالي الأقصر ، فيما بين ـ

٢٩٣

هناك حينا من جدهر ، يتعبد إلى ربه ويزعم مجالس الدعوة إليه ، وأخيرا تجمعت قوى الشر ضده حتى انتهى أمره ، فصب كهان آمون كل حقدهم عليه وعلى دعوته واصطلموا أتباعه ، ونصّبوا من بعده على العرش صبيّا لما ييّفع ، فمكن لهم وأطلق أيديهم ، فأبادوا ديانة آتون ، وأعادوا ديانة آمون (١).

ولعل سؤال البداهة الآن : ما صلة كل هذا بأستاذية إخناتون لموسى عليه‌السلام؟ وهل كانت دعوة إخناتون إرهاصا لدعوة موسى عليه‌السلام؟ أو هي تمهيد لدعوة التوحيد بين قوم ألفوا تعدد الآلهة ، دون أن يجدوا في ذلك أمرا إدّا؟ أم أن إخناتون نبي ، كما يرى بعض الباحثين؟

إن الإجابة على واحدة من هذه الأسئلة ، لا يستطيع صاحب هذا الكتاب أن يتحمل مسئوليتها أمام الله تعالى ، أو قل : لا يستطيع أن يتحمل وزر الخطأ فيها رجل صحب القرآن الكريم ، وهو لما يعدو السادسة من عمره ، وما يزال وسيظل ، إن شاء الله في صحبته الكريمة ما دام حيا يرزق في هذه الدنيا ، حيث الصحبة الأبدية ، إن شاء الله ، في عالم الآخرة ، ذلك لأننا نحن المسلمين ملتزمين بما جاء في محكم التنزيل عن الأنبياء عليهم‌السلام ، وليس إخناتون ، بالتأكيد ، واحدا ممن جاء ذكرهم في القرآن الكريم ، وفي نفس الوقت نحن نعلم كمسلمين ، أن موسى عليه‌السلام ، نبي

__________________

ـ ملوي وديروط ، في مقابل دير مواس عبر النهر ، وكانت تمتد على مسافة تقرب من الميل شمالي قرية التل ، وحتى الحوطة شرقي النهر ، وتمثل العمارنة (أخيتاتون) في الوقت الحاضر ، قرى بني عمران والحاج قنديل والعمارنة والحوطة ، ثم الخرائب القليلة التي تقع على طول المدينة القديمة ومن ورائها المقابر ، وتحمل «أخيتاتون» اسم مليكها لأن المقطعين آخت وأخن مشتقان من نفس الجزع ، على حين ألحقت كلمة أتون بكل من اسم الملك وعاصمته.

(١) أنظر عن النكسة التي أصابت دعوة إخناتون وعودة الوثنية (محمد بيومي مهران : إخناتون ص ٣٨٣ ـ ٤٢١).

٢٩٤

الله ورسوله ، كما نص على ذلك الذكر الحكيم (١) ، بل ونعلم كذلك أسماء خمسة وعشرين من هؤلاء المصطفين الأخيار (٢) ، غير أننا في الوقت نفسه لا نستطيع القول ، ونحن مطمئنون إلى ما نقوله عن إخناتون إنما هو الحق كل الحق ، ذلك لأن سبحانه تعالى أخبرنا في كتابه العزيز ، أنه ما من أمة إلا وجاءها رسول من عند الله ، العزيز الحكيم ، قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) (٣) ، وقال تعالى : (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ) (٤) ثم يخبر نبيّه ورسوله سيدنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) (٥) ، وقال تعالى : (رُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ، وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) (٦).

ومن هنا كان الخلاف على عدد الأنبياء عليهم‌السلام ، فمن قائل إنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، ومن قائل إنهم ثمانية آلاف نبي ، منهم أربعة آلاف نبي من بني إسرائيل ، ومن قائل إنهم أربعة آلاف ، ومن قائل إنهم ثلاثة آلاف (٧) ، وأن الرسل من الأنبياء ثلاثمائة وثلاثة عشر ، أولهم

__________________

(١) أنظر : عن نبوة موسى عليه‌السلام : سورة البقرة (٨٧) آل عمران (٨٤) الأنعام (٩١ ، ١٥٤) الأعراف (١٠٣ ، ١٠٤ ، ١٤٤) يونس (٧٥) هود (٩٦) ، إبراهيم (٥) مريم (٥١) طه (٢٤ ، ٤٣ ، ٤٧) الأنبياء (٤٨) المؤمنون (٤٥) الفرقان (٣٥) الشعراء (١٠ ، ١٦ ، ٢٧) النمل (١٠) القصص (٣٢ ، ٣٦) العنكبوت (٣٩) الأحزاب (٧) الصافات (١٧ ـ ١٨) غافر (٣٢) الزخرف (٤٦) الدخان (١٧) الذاريات (٣٨).

(٢) هم : آدم وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب وموسى وهارون ويونس وداود وسليمان وإلياس واليسع وزكريا ويحيى وعيس ، وكذا ذو الكفل عند كثير من المفسرين ، وسيدهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) سورة فاطر : آية ٢٤.

(٤) سورة الزخرف : آية ٦.

(٥) سورة غافر : آية ٧٨.

(٦) سورة النساء : آية ١٦٤.

(٧) ابن قتيبة : كتاب المعارف ص ٢٦ ، الماوردي : أعلام النبوة ص ٥٢ ، مجمع الزوائد ٨ / ـ

٢٩٥

آدم ، وآخرهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) ، وعلى أي حال ، فليس من المستحب الخوض في إحصاء الرسل والأنبياء ، فإنه لا يعلم إلا بوحي من الله تعالى ، ولم يبيّن الله ذلك في كتابه الكريم ، ولا رسوله فيما صح عنه من الخبر (٢) ، غير أن حديث أبي ذر المشهور ، فيما رواه ابن مردوية ، وقد جاء فيه أنه دخل المسجد النبوي الشريف ، فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس وحده ، فسأله عن أشياء ، منها الصلاة والهجرة والجهاد والصيام والصدقة ، ثم قال : يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، قال قلت يا رسول الله : كم الرسل من ذلك ، قال ثلاثمائة وثلاثة عشر ، جم غفير ، كثير طيب ، قلت يا رسول الله : من كان أولهم ، قال : آدم ، قلت يا رسول الله نبي مرسل؟ قال نعم ، خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه ثم سواه قبيلا ، وقد روى هذا الحديث من وجه آخر عن صحابي آخر ، فقال ابن أبي حاتم عن أبي أمامة ، قال قلت : يا نبي الله كم الأنبياء؟ قال مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا ، والرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر ، جما غفيرا (٣) ، غير أن هناك رواية عن أنس بن مالك تذهب إلى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث بعد ثمانية آلاف نبي ، منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل (٤)

وبدهي أنه ليس في كل هذا ما يشير من قريب أو بعيد ، على أن إخناتون كان واحدا من أنبياء الله الكرام ، وإن كانت آيات القرآن الكريم لا تمنع من أن يكون من الذين لم يقصصهم الله على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهذا يعني

__________________

ـ ٢١٠ ، تفسير ابن كثير ٢ / ٤٢٢ ـ ٤٢٨ ، تفسير الكشاف ٣ / ١٨ ـ ١٩ ، تفسير القرطبي ص ٢٠١٤ ـ ٢٠١٥ ، تفسير روح المعاني ٤ / ٨٨ ـ ٨٩.

(١) أنظر : تفسير القرطبي ص ٤٤٧٢ (دار الشعب ـ القاهرة ١٩٧٠).

(٢) محمود الشرقاوي : الأنبياء في القرآن الكريم ص ٢٤.

(٣) تفسير ابن كثير ٢ / ٤٢٢ ـ ٤٢٦ ، مختصر التفسير ١ / ٤٦٥ مختصر التفسير ١ / ٤٦٥ ، ثم قارن سند الإمام أحمد ٥ / ٢٦٥ ، ٢٦٦ ، تفسير روح المعاني ٢٤ / ٨٨.

(٤) تفسير ابن كثير ٢ / ٤٢٤ ، مجمع الزوائد ٨ / ٢١٠.

٢٩٦

أن سؤالنا ما يزال بغير جواب ، هل كان إخناتون واحدا من أنبياء الله الأطهار؟ أم أنه لا يعدو أن يكون مجرد ملك ثار على دين قومه ، وأتى لهم بدين جديد انتهى بانتهاء حياته؟ في الواقع أنه لا توجد لدى صاحب هذا الكتاب إجابة ، فإنه لا يعلم الغيب إلا الله.

ومنها (ثالثا) أن هذا الرأي يذهب إلى أن فرعون الخروج (فرعون موسى) إنما هو «توت عنخ آمون» طبقا لما صرح به «آرثر ويجال» أو لما ارتآه «فرويد» ، صاحب النظرية ، من أن الخروج تم بعد موت إخناتون بثماني سنوات ، ومن المعروف أن فترة حكم «توت عنخ آمون» كانت ، فيما يرى جاردنر في الفترة (١٣٤٧ ـ ١٣٣٩ ق. م) أو في الفترة (١٣٥٢ ـ ١٣٤٣ ق. م) فيما ترى «كريستيان نوبلكور» ، وكلا التأريخين يقع في الفترة التي حددها «ويجال» (أي في عام ١٣٤٦ ق. م) ، أو ما بين عامي ١٣٥٠ ، ١٣٤٢ ق. م ، فيما يرى فرويد ، غير أن آخر فحص لمومياء «توت عنخ آمون» في عام ١٩٧١ ، قد أثبتت أن الفرعون الشاب كان عمره في لحظة الوفاة فيما بين الثامنة عشرة والعشرين ، كما أثبتت كذلك أنه مات بسبب حادث أو اغتيال ، وذلك من أثر صدمة عنيفة في مؤخر رأسه ، قد تكون ضربة من هراوة أو سقوطا من مرتفع (١) ، ولم يثبت الفحص أنه مات غريقا ، وهو الأمر المؤكد في وفاة فرعون موسى ، كما أشارت إلى ذلك التوراة والقرآن العظيم (٢).

هذا فضلا عن أن أحداث قصة فرعون مع موسى ، وتجبره وعناده وإصراره على الكفر ، ووصف الله تعالى له في القرآن الكريم بقوله تعالى : (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) ، وقوله تعالى :

__________________

(١) ٢١٥ ، ١٧٣.p ، ١٩٦٣. C.D.Noblecourt ,Tutan khamen ,

(٢) سورة يونس : آية ٩٠ ـ ٩٢ ، خروج ١٤ / ٢٦ ـ ٣١.

٢٩٧

(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (١) وقوله تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (٢) ، وقوله تعالى : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى ، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ، قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى) (٣) ، وأخيرا ادعاؤه الألوهية ، كما جاء ذلك في كثير من آي الذكر الحكيم (٤) ، كل هذا وغيره إنما يتناقض وما نعرفه تاريخيا عن «توت عنخ آمون» ، ذلك الطفل الذي ولي العرش صبيا في التاسعة ، وربما الثامنة من عمره ، بتدبير من كهان آمون ، فمكّن لهم وأطلق أيديهم في شئون الدين والدنيا ، ولم يعمر على عرش الفراعين سوى عقد من الزمان ، ثم ذهب غير مأسوف عليه ، وإن كانت الأقدار قد حققت لذلك النكرة بين الفراعين أمجادا كان أولى بها غيره من الفرعين العظام ، وسبحان علام الغيوب الذي أضاع آثار كبار الفراعين ، من أمثال تحوتمس الثالث ورعمسيس الثاني ، وأبقى للدنيا آثار نكرة ، ما كان لها في تاريخ مصر دور يعتد به ، حتى بين المعاصرين لها ، وذلك بسبب الكشف المثير الذي قام به ، «هوارد كارتر» في الرابع من نوفمبر عام ١٩٢٢ م (١٣٤٢ ه‍) في طيبة الغربية ، حيث عثر على مقبرته بكل ما فيها (٥).

ومنها (رابعا) أن هذه النظرية لا يمكن أن تكون مقبولة أصلا ، إلا إذا كان موسى عليه‌السلام يعيش فعلا على أيام إخناتون ، وأنه ، كما يقول جون

__________________

(١) سورة الزخرف : آية ٥٤.

(٢) سورة القصص : آية ٤.

(٣) سورة طه : آية ٤٣ ـ ٤٥.

(٤) سورة الشعراء : آية ٢٩ ، القصص : آية ٣٨ ، النازعات : آية ٢٢ ـ ٢٦.

(٥) أنظر : Howard Carter, The Tomb of Tut ـ Ankh ـ Amen, ٣ Vols, London,

١٩٣٣ ـ ١٩٢٣.

٢٩٨

ويلسون ، انتهز فرصة الضعف التي سادت أخريات أيام إخناتون وعهد خليفتيه الضعيفين (سمنخ كارع وتوت عنخ آمون) ثم نجح مع فريق صغير من الإسرائيليين في الخروج من مصر ، وذلك بأن خادعوا فرعونا من الفراعين ، وهربوا إلى صحراء سيناء ، وكان ذلك الفريق أكثر العبرانيين تمصرا (١) ، وحتى لو صدقنا ذلك كله ، فكيف يمكن أن نفسر عدم ذكر إسرائيل في عهد سيتي الأول ورعمسيس الثاني ، والمعروف أن «سيتي الأول» أول من عمل على استرداد الإمبراطورية المصرية بعد أزمة العمارنة ، فقام بأربع حملات إلى سورية وفلسطين ، هذا فضلا عن أن عهد رعمسيس الثاني بالذات ، وهو الذي كتب له نجحا بعيد المدى في استرداد الإمبراطورية المصرية في غربي آسيا ، وبخاصة في حملة العام الثامن (حوالي عام ١٢٨٢ ق. م) والتي أخضع فيها كل فلسطين وسورية ، بل ووصل إلى أطراف بلاد ما بين النهرين وبلاد الحيثيين (٢) ، فإذا تذكرنا أن دخول بني إسرائيل فلسطين ، طبقا لهذه النظرية ، سوف يكون على أيام سيتي الأول (١٣٠٩ ـ ١٢٩١ ق. م) على أساس أن إخناتون مات عام ١٣٥٠ ق. م ، وأن الخروج عام ١٣٤٢ ق. م ، أو حتى ما بين عامي ١٣٥٠ ، ١٣٤٢ ق. م ، ودخول فلسطين عام ١٣٠٢ ق. م ، على أساس أن فترة التيه كانت أربعين عاما ، كما جاء في التوراة والقرآن العظيم (٣) ، فهل استطاع بنو إسرائيل حقا دخول فلسطين في عهد سيتي الأول وهل استطاعوا حقا أن ينزلوا بفلسطين كل هذا الدمار والخراب الذي

__________________

(١) ٢٥٦.p ، ١٩٦٣.J.Wilson ,The Culture of Ancient Egypt ,

(٢) محمد بيومي مهران ؛ مصر ـ الجزء الثاني ـ الإسكندرية ١٩٨٤ ص ١٧٥ ـ ١٨٣ ، وكذاR.O.A.Burn ,JEA , ١٩٥ ـ ١٩٤.p ، ١٩٢١ ، ٧ وكذاFaulkner ,JEA , ٣٩ ـ ٣٧.p ، ١٩٤٧ ، ٣٣. وكذاA H.Goedick ,JEA , ٧٩ ـ ٧٢.p ، ١٩٦٦ ، ٥٢ وكذاGardiner ,Egypt of the Pharaohs , ٢٦٣ ـ ٢٤٧.p ، ١٩٦١A.Weigall ,op ـ cit ,P. ١٥٩ ـ ١٥٧. وكذا.

(٣) سورة المائدة : آية ٢٦ ، عدد ١٤ / ٢٢ ـ ٣٥.

٢٩٩

روته التوراة ، ورعمسيس الثاني حي يرزق ، بل وما يزال يجلس على عرش الكنانة ، ولمدة تقارب ثلاثة أرباع القرن (١٢٩٠ ـ ١٢٢٤ ق. م) دون أن ينجح في القضاء على هؤلاء البدو الرحل ، وهو الذي كتب له أن يهزم أكبر قوة في عصره ، بعد مصر ، وهي قوة الحيثيين ، ثم يصبح بعد ذلك سيد الشرق كله ، وهل من المنطق أن نتصور أنه لم يلتق بهم في حملة السنة الرابعة أو الخامسة أو الثامنة ، أو حتى في حملة عامه الحادي والعشرين ، ثم كيف استطاع أن يخضع كل فلسطين ، ويحارب الحيثيين في شمال سورية ، وبنو إسرائيل يعبثون في فلسطين فسادا وينشرون في ربوعها الخراب والدمار ، بل ويستولون على مدنها الواحدة تلو الأخرى ، كما يحلو لمن كتبوا التوراة ، أن يصفوا عمالهم ، بعد دخولهم فلسطين ، بقيادة يشوع بن نون (١) ، كل هذه أسئلة لا نجد لها جوابا يتفق وخروج بني إسرائيل من مصر ، بعد موت إخناتون بسنوات ثمان ، أي في عام ١٣٤٢ ق. م ، طبقا لنظرية «فرويد» هذه.

ومن هنا ، فإننا نرى «فرويد» نفسه ، يتردد في قبول نظريته هذه ، ثم يفترض أن موسى عليه‌السلام ، ربما عاش في عصر لاحق لإخناتون (وبهذا يهدم نظريته كلها من أساس) وأن هذا سوف يتأخر بتاريخ الخروج بعض الوقت ، ويجعله إلى الزمن المفترض أكثر قربا ، أي إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، وإن كان يعود ثانية ليفضل الخروج في أعقاب موت إخناتون (٢).

وأخيرا (خامسا) فليس لهذه النظرية من أساس من الآثار والتاريخ

__________________

(١) أنظر : سفر يشوع ، محمد بيومي مهران : إسرائيل ٢ / ٦٠١ ـ ٦٢٢ (الإسكندرية ١٩٧٨) ، ف. ب. ماير : يشوع وأرض الموعد ـ ترجمة مرقس داود ـ القاهرة ١٩٤٩. وكذا J. Garstang, Joshua, Judges, The Foundations of Bible History, ١٩٣١.

(٢) ٣٦ ـ ٣٥.S.Freud ,op ـ cit ,P.

٣٠٠