مصابيح الظلام - ج ٥

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٥

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-5-1
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤٨

وظاهره أنّ الراوي اعتقد كون الذهاب للأثر لازما ، لكن شكّ في كفاية المسح في ذلك.

فأجاب عليه‌السلام بما أجاب ، ففهم منه الكفاية ، لا أنّه لا يجب ذهاب الأثر لكون الخفّ ممّا لا يتمّ فيه الصلاة ، كما توهّم بعض ، مع أنّ عدم البأس من جميع الوجوه ظاهر في الطهارة.

وصحيحة الحلبي قال : نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر ، فدخلنا على الصادق عليه‌السلام. إلى أن قال : إنّ بيننا وبين المسجد زقاقا قذرا ، قال : «لا بأس ، الأرض تطهّر بعضها بعضا» ، قلت : فالسرقين الرطب أطأ عليه؟ قال : «لا يضرّك مثله» (١).

لعلّ (٢) المراد أنّ الأرض تطهّر بعضها بعض المتنجّسات ، أو المراد بعضا آخر من الأرض ، والمراد منه مماسّ البعض الآخر مجازا ، لا نفس ذلك البعض ، أو المراد الجزء النجس من الأرض الذي لاصق أسفل النعل ونحوه ، كما يقال : الماء يطهّر البول والغائط مجازا ، لا نفس ذلك البعض ، فتدبّر!

وفي الرواية دلالة على طهارة السرقين.

وحسنة المعلّى بن خنيس أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء أمرّ عليه حافيا؟ فقال : «أليس وراءه شي‌ء جاف؟» قلت : بلى ، قال : «فلا بأس ، إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» (٣).

وفيها دلالة على ما ذكر وعلى انفعال القليل بالملاقاة ، وكون المتنجّس منجّسا.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٨ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٨ الحديث ٤١٦٨ مع اختلاف يسير.

(٢) في (د ٢) : لأنّ.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٩ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٨ الحديث ٤١٦٧.

٢٠١

وبالجملة ، لا تأمّل في ثبوت المطلوب من مجموع ما ذكر ، مع ملاحظة الفتاوى الجابرة للسند والدلالة بعدم القول بالفصل.

بل قلنا : لم يخالف في المطهّرية في الخفّ ومثله أحد من المتقدّمين والمتأخّرين ، فما ذكره المصنّف رحمه‌الله من قوله : (خلافا للخلاف). إلى آخره محلّ تأمّل ، لأنّ الذي نقل عن «الخلاف» وجعل منشأ الخلاف ، أنّه قال فيه : إذا أصاب أسفل الخفّ نجاسة ، فدلكه في الأرض حتّى زالت يجوز فيه الصلاة عندنا.

ثمّ قال : دليلنا إنّا بيّنا فيما تقدّم أنّ ما لا تتمّ الصلاة فيه بانفراده جازت الصلاة فيه وإن كانت فيه نجاسة ، والخفّ لا تتمّ الصلاة فيه بانفراده ، وعليه إجماع الفرقة (١) ، انتهى.

وجه التأمّل أنّه رحمه‌الله عند ذكر الحكم شرط الدلك على خصوص الأرض إلى أن تزول النجاسة ، حتّى يجوز فيه الصلاة عندنا ، وعند الاستدلال صرّح بجواز وجود النجاسة حال الصلاة وعدم الحاجة إلى الزوال أصلا ، فضلا أن يكون بالدلك بالأرض الذي شرطه.

ثمّ قال : عندنا تجوز الصلاة فيما لا تتم فيه الصلاة ، إذا كان نجسا بالمرّة ، ولا تأمّل في كون الحكمين عندنا كذلك.

فظهر من ذلك أنّه غفل وتوهّم مسألة بمسألة اخرى عند استدلاله.

وممّا ينادي بذلك أيضا ، أنّه قال في استدلاله : إنّا بيّنا فيما تقدّم أنّ ما لا تتمّ الصلاة فيه ، جازت الصلاة فيه ، ولم يجعل دليله في المقام سوى ما تقدّمه ، وفيما تقدّم ليس من الأرض والدلك بها عين ولا أثر بالمرّة ، غير ما دلّ على جواز الصلاة في النجس إذا كان ممّا لا تتمّ فيه الصلاة.

__________________

(١) الخلاف : ١ / ٢١٧ المسألة ١٨٥.

٢٠٢

وينادي بذلك أيضا ، أنّه في الحكم الأوّل أيضا قال : عندنا ، مع أنّه لم يذهب أحد إلى أنّ الدلك بالأرض يوجب جواز الصلاة خاصّة لا غيره ، ولا هو في موضع من المواضع.

بل كلامه وكلام غيره في غاية الصراحة في كون الأرض مطهّرا ، مع أنّه حال استدلاله صرّح بأنّ منشأ جواز الصلاة ليس إلّا كون الخفّ ممّا لا تتمّ فيه الصلاة ، وصرّح هو وغيره أيضا بأنّ ما لا تتمّ الصلاة فيه يجوز الصلاة فيه (١) ، مع القطع بعدم إزالة النجاسة منه أصلا ، من دون توقّف على ذلك أصلا ، فضلا أن يكون ذلك الدلك بالأرض ، فإنّه لا مدخليّة للأرض فيه بوجه من الوجوه.

فكيف يجوز أن ينسب إلى «الخلاف» أنّه قال فيه : الإزالة بالأرض علّة لجواز الصلاة خاصّة؟ لأنّه فاسد قطعا ، كما لا يخفى على المتأمّل.

قوله : (يعني). إلى آخره.

الذي فهم الأصحاب منه هو الذي ذكرنا ، وأمّا ما ذكره المصنّف لعلّه لا يرضى أحد بما هو الظاهر منه ، فتأمّل!

فروع :

الأوّل : ذكر بعض المتأخّرين أنّ إطلاق النصوص والفتاوى يقتضي عدم الفرق في الأرض بين الطاهرة وغيرها (٢).

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٣٨ ، ذكرى الشيعة : ١ / ١٣٨.

(٢) الرّوضة البهيّة : ١ / ٦٦ ، مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ٣٦٠.

٢٠٣

وقد قطع في «الذكرى» باشتراط طهارتها (١) ، ووافقه جماعة (٢). ومرّ ذلك عن ابن الجنيد (٣).

والنصوص ، وإن كانت مطلقة إلّا أنّه ربّما يظهر من صحيحة الأحول (٤) ، وحسنة المعلّى اعتبار طهارتها (٥) ، مضافا إلى ملاحظة أكثر المواضع من اشتراط طهارة المطهّر فيها سابقا على التطهير ، كما ظهر من شرح قول المصنّف : اعتبر السيّد وجماعة في الإزالة ورود الماء (٦).

بل ظهر منه اتّفاق الفقهاء على ذلك ، وأنّ النجس ينجّس الشي‌ء الذي لاقاه بملاقاته ، فكيف يطهّره بتلك الملاقاة؟ لكون التنجيس والتطهير ضدّين ظاهرين.

نعم ، وقع الخلاف في أنّ المطهّر الطاهر قبل الملاقاة ، هل ينجس وينفعل من النجس بملاقاته ومع ذلك يطهر ذلك النجس بتلك الملاقاة ، يعني يؤثّر كلّ من المتلاقيين في الآخر؟ ويجوز ذلك أم لا يجوز ذلك أيضا؟

الثاني : نقل عن جماعة من المتأخّرين اشتراط جفاف الأرض (٧) ، ومرّ ذلك عن ابن الجنيد أيضا (٨) ، وعن العلّامة في «النهاية» عدم الاشتراط ، وأنّه يكفي معرفة زوال العين. أمّا لو وطئ وحلا ، فاستقرب عدم الطهارة (٩) ، ووافقه على عدم

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ١ / ١٢٩.

(٢) جامع المقاصد : ١ / ١٧٩ ، مسالك الأفهام : ١ / ١٣٠.

(٣) نقل عنه في حدائق الناضرة : ٥ / ٤٥٢.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٧ الحديث ٤١٦٥.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٨ الحديث ٤١٦٧.

(٦) الناصريّات : ٧٢ و ٧٣ المسألة ٣ ، نهاية الإحكام : ١ / ٢٧٩ ، ذكرى الشيعة : ١ / ١٣١ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ١٢٦.

(٧) جامع المقاصد : ١ / ١٧٩ ، مسالك الأفهام : ١ / ١٣٠ ، كفاية الأحكام : ١٤ ، معالم الدين في الفقه : ٢ / ٧٥٧.

(٨) راجع! الصفحة : ٢٠٠ من هذا الكتاب.

(٩) نهاية الإحكام : ١ / ٢٩١.

٢٠٤

الاشتراط الشهيد الثاني رحمه‌الله ، وذكر أنّ الرطوبة اليسيرة التي لا يحصل منها تعدّ غير قادحة على القولين (١).

فظهر أنّ منشأ اشتراط الجفاف أنّ انفعال الرطب منها بمجرّد المماسّة يضادّ عندهم حصول الطهارة ، مع أنّ المتبادر من لفظ «التراب» الوارد في الأخبار هو اليابس.

وكذلك الأرض الممسوح عليها ، بل وغيرها أيضا ، مع أنّ المطلق لا يفهم منه عموم ، ويؤيّده حسنة المعلّى المذكورة (٢).

ومستند النافي للاشتراط إطلاق لفظ «الأرض» الواردة في الأخبار.

ويمكن الجواب عنه بما ذكرنا للمشترط.

ولا شكّ في كون الاحتياط في مراعاة الجفاف ، بل يشكل الاكتفاء بالرطب منها ، لأنّ شغل الذمّة اليقيني يتوقّف على البراءة اليقينيّة.

الثالث : لا يشترط جفاف النجاسة قبل الدلك ، ولا أن يكون لها جرم ، كما اشترطهما بعض العامّة (٣) ، فلو كان الأسفل متنجّسا بنجاسة غير مرئيّة كالبول اليابس طهر بالمشي على الأرض ، لعموم بعض الأخبار المذكورة (٤) ، وإطلاق الفتاوى.

الرابع : ذكر جماعة من المتأخّرين أنّ كلّ ما يجعل وقاية الرجل في المشي حكمه حكم النعل ، وأنّ خشبة الأقطع ملحقة بالقدم أو النعل (٥).

__________________

(١) روض الجنان : ١٧٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٨ الحديث ٤١٦٧.

(٣) لاحظ! الفقه على المذاهب الأربعة : ١ / ٢٢.

(٤) انظر! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٧ الباب ٣٢ من أبواب النجاسات.

(٥) ذكرى الشيعة : ١ / ١٣٠ ، مسالك الأفهام : ١ / ١٣٠ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٧٥.

٢٠٥

وتأمّل الشهيد الثاني في إلحاق الخشبة وهو بمكانه (١).

واستبعد بعض المتأخّرين إلحاق القبقاب ، لعدم صدق النعل عليه ، فيه ما فيه (٢).

نعم ، يمكن التأمّل فيه ، لكونه من الأفراد النادرة من الوقاية فتأمّل!

وربّما قيل بجريان الحكم في أسفل العصا أيضا (٣) على ما أظن.

وفيه أيضا ما فيه ، لعدم عموم يشمله.

وكذا الحال في كعب الرمح. نعم ، ما يستلزم الحرج والعسر لا ضرر في ذلك.

ويمكن أن يكون من يمشي على ركبتيه ، أو عليهما وعلى كفّيه ، يكون ركبته وكفّه مثل أسفل القدم ، لعموم قوله عليه‌السلام : «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضا» (٤).

لا يقال : يلزم تخصيص العام بأزيد ممّا يرضى به المحقّقون.

لأنّا نقول : لعلّ المتبادر البعض الذي عادته مماسّة الأرض حال المشي ، ولذا جعل بعضا من الأرض ، وأطلق عليه ذلك ، فيدخل أسفل العصا ونحوه أيضا ، لكن الاحتياط واضح ، لعدم وثوق تامّ بما ذكر ، فتدبّر.

الخامس : عن العلّامة في «النهاية» : لو دلك النعل أو القدم بالأجسام الصلبة كالخشب ، أو مشى عليها ، فإشكال (٥).

ولعلّ منشأه إطلاق صحيحة زرارة السابقة (٦) ، وأنّ المعروف من الأصحاب

__________________

(١) روض الجنان : ١٧٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ٣٦٠ ، ذخيرة المعاد : ١٧٣.

(٣) الحدائق الناضرة : ٥ / ٤٥٢ و ٤٥٥.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٨ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٧ الحديث ٤١٦٦.

(٥) نهاية الإحكام : ١ / ٢٩١.

(٦) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٨ الحديث ٤١٧١.

٢٠٦

اختصاص الحكم بالأرض ، بحيث لا يعلم قائل بالتعدّي إلى غيرها.

وفيه ، أنّ الإطلاق لا عموم فيه ، بحيث يثبت تطهير النجس الثابت شرعا ، مع لزوم تحصيل البراءة اليقينيّة.

فعلى هذا لو كانت الأرض مفروشة بغير ما هو من الأرض ، أيّ شي‌ء يكون ، لا يحصل الطهارة بالمشي عليها.

أمّا لو كانت مفروشة بما هو منها مثل الأحجار والصخور والحصى ، فيحصل الطهارة بالمشي عليها بحسب الظاهر ، إذ ليس ذلك إلّا مثل نقل الحجر من موضعه إلى موضع آخر في البراري.

وأمّا لو كانت مفروشة بالمطبوخ من الأرض كالآجر والجص ، فيشكل حصول الطهارة بالمشي عليهما ، بملاحظة تحصيل البراءة اليقينيّة الذي هو واجب.

٢٠٧
٢٠٨

٩١ ـ مفتاح

[تطهير الشمس بالتجفيف]

الشمس تطهّر الأرض والبارية والحصر من البول بالتجفيف على المشهور ، للمعتبرة (١) ، وليست صريحة في الطهارة ، بل جواز الصلاة عليها فحسب ، كما عليه الراوندي وجماعة (٢) ، ويدلّ عليه الموثّق نصّا (٣).

وفي الصحيح : «كيف تطهر من غير ماء؟» (٤).

وأمّا الصحيح الآخر : «إذا جفّفته الشمس فصلّ فيه فهو طاهر» (٥) ، فيحتمل أن يكون من قبيل «كلّ يابس ذكي» (٦) ، جمعا بين النصوص.

وربّما يلحق بالبول كلّ نجاسة مائعة (٧) ، وبالأرض وأخويها كلّ ما لا

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٢ الحديث ٤١٤٩.

(٢) نقل عن الراوندي في مختلف الشيعة : ١ / ٤٨٢ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٧٩ ، المعتبر : ١ / ٤٤٦.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٢ الحديث ٤١٥٠ و ٤١٥١.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٣ الحديث ٤١٥٢.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥١ الحديث ٤١٤٦.

(٦) وسائل الشيعة : ١ / ٣٥١ الحديث ٩٣٠.

(٧) الخلاف : ١ / ٢١٨ المسألة ١٨٦.

٢٠٩

يمكن نقله كالأشجار والأبنية (١). كما هو ظاهر الخبر (٢) ، وفيه ما فيه.

__________________

(١) شرائع الإسلام : ١ / ٥٥ ، مختلف الشيعة : ١ / ٤٨٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٢ و ٤٥٣ الحديث ٤١٥٠ و ٤١٥١.

٢١٠

قوله : (الشمس تطهّر). إلى آخره.

المشهور أنّ الشمس تطهّر ما تجفّفه من البول وسائر النجاسات التي لا جرم لها ، بأن تكون مائيّة ، أو تكون لها جرم لكن ازيل بغير تطهير ، وأنّ تطهيرها خاص بالأرض والبواري والحصر ممّا لا ينقل عادة ، مثل الأبنية والنباتات.

وعن «المنتهى» : اختصاصه بالبول (١).

وعن الشيخ في «الخلاف» و «النهاية» : أنّه مخصوص بالأرض والحصر والبواري (٢).

وعن المفيد وسلّار : أنّه جمع بين التخصيصين (٣).

وعن الراوندي : أنّ الأرض والبارية والحصر حسب إذا أصابها البول فجفّفتها الشمس ، حكمها حكم الطاهر في جواز السجود عليها (٤).

ونقله في «المعتبر» عن صاحب «الوسيلة» أيضا (٥) ، لكن في «الذخيرة» : أنّ عبارة «الوسيلة» هكذا : أنّها لا تطهر بذلك ، لكن يجوز الصلاة عليها ، إذا لم يلاق شيئا منها بالرطوبة دون السجود عليها (٦).

حجّة القول بالطهارة وجوه :

الأوّل : الإجماع ، نقله الشيخ في «الخلاف» (٧).

__________________

(١) منتهى المطلب : ٣ / ٢٧٤.

(٢) الخلاف : ١ / ٢١٨ المسألة ١٨٦ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٥٣.

(٣) المقنعة : ٧١ ، المراسم : ٥٦.

(٤) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٤٨٢.

(٥) المعتبر : ١ / ٤٤٦ ، لاحظ! الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٧٩.

(٦) ذخيرة المعاد : ١٧٠.

(٧) الخلاف : ١ / ٢١٨ المسألة ١٨٦.

٢١١

الثاني : إنّ المقتضي للتنجيس هو الأجزاء ، وعدمت بإسخان الشمس. ولعلّه بناء على عدم حجّية الاستصحاب.

الثالث : عموم قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فحيثما أدركتني الصلاة صلّيت» (١) ، وغيره من العمومات.

الرابع : الأخبار مثل صحيحة زرارة أنّه سأل الباقر عليه‌السلام عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلّي فيه ، فقال : «إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر» (٢).

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفّت من غير أن تغسل؟ قال : «نعم لا بأس» (٣) ، والمطلق يجب تقييده بالشمس بالإجماع.

وصحيحة زرارة وحديد بن حكيم عن الصادق عليه‌السلام السطح يصيبه البول أو يبال عليه أيصلّي في ذلك الموضع؟ فقال : «إن كان تصيبه الشمس والريح وكان جافّا فلا بأس إلّا أن يكون يتّخذ مبالا» (٤) ، وسيجي‌ء الكلام فيها.

ورواية أبي بكر عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «يا أبا بكر! ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر» (٥).

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٤٥٢ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٥٣٠ الحديث ٢٦٣٩ مع اختلاف يسير.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٥٧ الحديث ٧٣٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥١ الحديث ٤١٤٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٧٣ الحديث ٨٠٣ ، الاستبصار : ١ / ١٩٣ الحديث ٦٧٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥١ الحديث ٤١٤٨.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٩٢ الحديث ٢٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٧٦ الحديث ١٥٦٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥١ الحديث ٤١٤٧ مع اختلاف يسير.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٧٣ الحديث ٨٠٤ ، الاستبصار : ١ / ١٩٣ الحديث ٦٧٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٢ الحديث ٤١٥٠.

٢١٢

وموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ، ولكن قد يبس الموضع القذر ، قال : «لا تصلّ عليه ، وأعلم الموضع حتّى تغسله». وعن الشمس هل تطهّر الأرض؟ قال : «إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثمّ يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة ، وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطبا فلا يجوز الصلاة عليه حتّى ييبس ، وإن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصلّ على ذلك الموضع ، وإن كان غير الشمس أصابه حتّى ييبس فإنّه لا يجوز ذلك» (١).

واعترض على الأوّل بأنّه نقل إجماع في موضع النزاع ، فلا يقبل.

وفساد هذا الاعتراض غير خفيّ ، لأنّ الإجماع عندنا ليس اتّفاق الكلّ ، ولا يضرّ خروج معلوم النسب منه ، كما حقّق.

بل الاعتراض غير وارد على إجماع أهل السنّة أيضا ، لأنّه اتّفاق أهل عصر واحد.

وبالجملة ، ما دلّ على حجّية خبر الواحد يشمل الإجماع المنقول.

واعترض على الثاني والثالث بأنّ صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع (٢) يقتضي البقاء على النجاسة ، وكون الشمس غير مطهّر ، وسنذكرها مع الكلام فيها ، وعلى صحيحة زرارة أنّه يجوز حمل الطهارة فيها على المعنى اللغوي ، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيها.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٧٢ الحديث ٨٠٢ ، الاستبصار : ١ / ١٩٣ الحديث ٦٧٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٢ الحديث ٤١٤٩ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٧٣ الحديث ٨٠٥ ، الاستبصار : ١ / ١٩٣ الحديث ٦٧٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٣ الحديث ٤١٥٢.

٢١٣

وهذا الاعتراض أيضا مردود ، لأنّ المعنى اللغوي معنى يعرفه النساء والصبيان ، فضلا عن الرجال ، فضلا عن مثل زرارة ، فضلا عن أن يسأل عن حصولها عن مثل الباقر عليه‌السلام من الشارع ومن شأنه بيان الحكم الشرعي.

مع أنّ المقام مقام سؤال عن حال النجاسة الشرعيّة الثابتة في السطح وتجفيف الشمس إيّاها ، فأيّ ربط للنظافة اللغويّة في المقام ، وأن تكون الشمس لها مدخليّة فيها ، فضلا عن تجفيفها إيّاها ، فضلا عن جواز الصلاة عليها؟

مع أنّ سؤاله عن صحّة الصلاة عليها بلا شبهة ، وأين هذا من مجرّد النظافة اللغويّة وعدم الكثافة بحسب العرف واللغة؟

مع أنّ الحقيقة الشرعيّة ثابتة في زمان الصادقين عليهما‌السلام ومن بعدهما على ما حقّق في محلّه.

وعلى تقدير عدم ثبوتها في زمان الصادقين عليهما‌السلام في لفظ «الطهارة» ، نقول : لا شكّ في أنّ المراد منه ، ليس مجرّد المعنى اللغوي ، لما عرفت وستعرف ، فتعيّن المعنى المصطلح عليه ، لما حقّق في محلّه أنّ القرينة الصارفة عن المعنى اللغوي تكفي لتعيين المعنى الاصطلاحي ، وعليه مدار المعترض وغيره في المقامات الفقهيّة ، ولا يقولون : لعلّ المراد معنى آخر غير المعهود المصطلح عليه.

مثلا قولهم عليهم‌السلام : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شي‌ء» (١) فيه قرينة صارفة عن النجاسة اللغويّة ، لأنّ عدم الكرّية لا دخل له فيها ، ووجودها لا دخل له في عدمها بالبديهة ، فتعيّن المصطلح عليه ، ولا يعترضون بأنّه لعلّ المراد الكراهة الشرعيّة ، وقس على ذلك حال سائر المواضع.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٢ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠ الحديث ١٠٨ ، الاستبصار : ١ / ٦ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٥٨ الحديث ٣٩٢.

٢١٤

وبالجملة ، عند تعذّر الحقيقة يتعيّن المجاز المشهور المعروف الشائع ، سيّما محل النزاع في الحقيقة الشرعيّة ، لأنّه لشهرته وشيوعه وكثرة وروده ودورانه ، صار بحيث اعتقد المحقّقون الانتقال إليه وكونه هو الحقيقي لا المعنى السابق ، وأين هذا من غير المعروف وغير الشائع؟ مع أنّه عرفت مكرّرا أنّ النجاسة الشرعيّة ليس لها معنى سوى المنع من استعمالات ، ويقابلها الطهارة الشرعيّة.

وفي المقام سأل زرارة عن السطح الذي عليه النجاسة الشرعيّة أو المكان الذي يصلّي فيه ، فأجاب عليه‌السلام بأنّه : «إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه» (١) ، أي : لا مانع من الصلاة عليه ، لأنّ صيغة الأمر هنا في مقام الحظر ، وحقّق أنّها لا تفيد سوى رفع ذلك الحظر.

ثمّ فرّع عليه قوله عليه‌السلام : «فهو طاهر» يعني إذا كانت الشمس جفّفته يكون طاهرا ، ومفهوم الشرط حجّة عند المعترض أيضا جزما ، فمفهومه أنّه لو لم يكن تجفيف الشمس تكون النجاسة باقية على حالها ، وإذا تحقّق الشرط المذكور ، ارتفع ذلك المانع وهو تلك النجاسة ، فلا مانع من الصلاة عليه فهو طاهر ، أي : ارتفع منه النجاسة المذكورة.

فظهر أنّ المراد الطهارة الاصطلاحيّة ، مع أنّه لو كان المراد الطهارة اللغويّة أيضا ثبت المطلوب ، إذ معناها عدم قذارة أصلا ، فإذا كان نجسا فهي أعظم القذارات وأهمّها في المقام ، لو لم نقل بانحصار المقام فيها ، لما عرفت من أنّ السؤال والجواب ليسا إلّا بالنسبة إلى المنع الشرعي ، فتأمّل جدّا!

وممّا ينادي بما ذكرنا أنّ المعصوم عليه‌السلام قال : «إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه» مطلقا من غير اشتراط عدم رطوبة ، فيما يلاقي الموضع من الثوب أو الجسد.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٥٧ الحديث ٧٣٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥١ الحديث ٤١٤٦.

٢١٥

ولو كان نجسا لما كان يرخّص على الإطلاق ، سيّما إذا كان السؤال عن وجود النجس الشرعي وعلاجه وجوابه عليه‌السلام بأنّ العلاج التجفيف بالشمس ، ومع ذلك لم يكتف بذلك ، بل فرّع عليه قوله عليه‌السلام : «فهو طاهر» على سبيل الإطلاق أيضا.

وممّا يؤكّد الدلالة ملاحظة الأخبار الاخر على ما ستعرف ، بل يظهر من ملاحظة مجموع الأخبار المناسبة للمقام اشتهار نسبة المطهّريّة الشرعيّة إلى الشمس ، ولذا كانوا يسألون أنّ الموضع ينجس ولا تراه الشمس ما ذا حكمه؟ أو ينجس وتراه الشمس كيف حكمه؟ فلاحظ المجموع وتأمّل جدّا.

هذا مع فهم المعظم من الأصحاب ، بل اشتهار ذلك بين الشيعة في الأعصار والأمصار ، بل لم يتأمّل أحد منهم في المطهّريّة في البول في الأرض ، سوى ما نقل عن الراوندي وصاحب «الوسيلة» (١) ، وستعرف غفلتهما وخطأهما ، وفساد منشأ توهّمهما.

ومن جملة الأخبار ما في «الفقه الرضوي» : «وما وقعت الشمس عليه من الأماكن التي أصابها شي‌ء من النجاسات ، مثل البول وغيره طهّرتها ، وأمّا الثياب فلا تطهر إلّا بالغسل» (٢) ، وأشرنا مكرّرا إلى اعتبار «الفقه الرضوي».

وأيضا منها ما رواه الكليني بسنده إلى الكاظم عليه‌السلام أنّه قال : «حقّ على الله تعالى أن لا يعصى في دار إلّا أضحاها للشمس حتّى تطهّرها» (٣). فإنّ فيها شهادة واضحة على كون الشمس من المطهّرات شرعا واشتهارها في ذلك ، فتأمّل جدّا! إلى غير ذلك من الأخبار فتتبّع تجد.

__________________

(١) نقل عنهما في المعتبر : ١ / ٤٤٦ ، لاحظ! الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٧٩ و ٨٠.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٣٠٣ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٥٧٤ الحديث ٢٧٦٣.

(٣) الكافي : ٢ / ٢٧٢ الحديث ١٨ ، وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٠٦ الحديث ٢٠٥٨٩.

٢١٦

واعترض أيضا على دلالة الصحيحة المذكورة بأنّها معارضة لصحيحة ابن بزيع (١) ، وسنذكرها ونتكلم فيها.

واعترض على صحيحة علي بن جعفر (٢) بأنّ جواز الصلاة عليها لا يستلزم الطهارة ، مع عدم التقييد بالتجفيف بالشمس.

ويمكن الجواب بأنّ تجويز الصلاة عليها مطلقا من غير استثناء موضع السجود ، ولا اشتراط عدم الرطوبة في شي‌ء ممّا يلاقي دليل على الطهارة ، سيّما وغالبا يتحقّق الصلاة عقيب الوضوء ، ورطوبة الوجه والكفّين ممّا يلاقي تلك الأرض جزما ، إذا صلّي عليها.

مع أنّ بلاد الراوي والمروي عنه من البلاد الحارّة التي لا تخلو الأعضاء المذكورة من العرق غالبا ، والبلاد الباردة لا تخلو عن رطوبة : وكذا الحارّة في أوقات المطر ، إلى غير ذلك من أسباب الرطوبة في أحد الملاقيين.

والرواية وإن كانت مطلقة ، إلّا أنّ الإجماع والأخبار الاخر تقيّدها ، وحمل المطلق على المقيّد لا غبار فيه ، سوى أنّه كما يمكن ذلك يمكن التقييد باشتراط عدم رطوبة الملاقي واستثناء موضع السجدة فلا بدّ من الترجيح.

ولعلّ المرجّح ارتكاب محظور واحد ، بخلاف الثاني فإنّه محظوران ، مع أنّ المقيّد من الضروريّات في الأوّل بخلاف الثاني.

نعم ، ملاقاة المجموع رطبا عدم جوازه من الضروريّات بحسب الظاهر. وكون المقيّد الذي لم يذكر ضروريّا ، أولى من كونه نظريّا بحضور (٣) الأوّل في

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٣ الحديث ٤١٥٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥١ الحديث ٤١٤٨.

(٣) في بعض النسخ : لحصول.

٢١٧

الأذهان ، فلا ضرر في عدم التعرّض ، فتأمّل!

والكلام في صحيحة زرارة وحديد سيجي‌ء.

واعترض على رواية أبي بكر (١) بضعف السند والدلالة.

أمّا الأوّل ، فلأنّ من جملة رجاله عثمان بن عبد الملك ، وهو مجهول.

وأمّا الثاني ، فلأنّ أحدا لم يقل بظاهرها.

وفيه ، أنّ الشهرة كافية لجبر السند الضعيف ، فضلا عن المجهول ، سيّما إذا انضمّ إليها الموافقة للصحاح والمعتبرة الكثيرة ، وخصوصا مع تأييد رفع الحرج والعسر في الدين ، إذ لو لم تطهّر الشمس لزما في الدين كثيرا.

إذ تطيين السطوح والجدران وتعميرهما ، وتعمير كلّ مكان وبنيان لا يكاد يتيسّر غالبا عادة بطين طاهر ، لا يحتاج إلى مطهّر شرعي ، كما لا يخفى على من لاحظ أفنية الدور والفضاء الواقع فيها وحواليها ، أنّها لا تسلم من أبوال الأطفال والحيوانات وأرواثهما ، وغير ذلك من النجاسات مثل الدماء وغيرها.

وكذا الحال في السطوح وما ماثلها ، مع أنّه لا يكاد يتيسّر الغسل بماء الكرّ ، أو غير الكرّ بحيث يحصل التطهير ، مع كون المشهور والأقوى انفعال الغسالة ، كما عرفت وستعرف ، فغسل الكلّ لا يتيسّر ، والاحتراز عن المساورة موجب للحرج ، وكذا تطيين كلّ واحد ممّا ذكر ، وتعميره بطين وآلات طاهرة شرعا قلّما نجده.

بل بالوجدان والعيان نشاهد الانفعال بالنجاسات التي لا تخلو البيوت والدور عنها عادة ، ولا يمكن غسلها أيضا كذلك.

هذا ، مع أنّ كثيرا من البلدان يربّون زروعهم بالعذرة وغيرها من

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٢ الحديث ٤١٥٠.

٢١٨

القاذورات النجسة غالبا ، كما هو المشاهد ، فلو لم تكن الشمس مطهّرة لزروعهم لزم العسر والحرج الشديد ، كما لا يخفى على الملاحظ المتأمّل.

بل نشاهد المسلمين في الأعصار والأمصار بناؤهم على مطهّريّة الشمس في الامور المذكورة ، هذا بحسب السند.

وممّا يقوّي رواية أبي بكر ، أنّ الراوي عن عثمان ، أحمد بن محمّد بن عيسى ، بواسطة علي بن الحكم ، وأحمد أخرج من قم من روى عن المجهول.

وأمّا الدلالة ، فمن المعلوم أنّه من البديهيّات أنّ المنقولات لا تطهر بالشمس ، بل تطهيرها غالبا بالغسل.

وهو مستفاد من المتواتر من الأخبار أيضا ، فلا حاجة إلى ذكر المخصّص بعد بداهته ، ولا ضرر في عدم التعرّض لذكره.

مع أنّ العام المخصّص بالمخصّص النظري الذي لم يذكر في الخبر العام في غاية الكثرة ونهاية الوفور في الأحكام ، يقول الفقهاء في مقام الاستدلال : خرج ما خرج بالإجماع وبقي الباقي.

ومن المسلّمات أنّ العام المخصّص حجّة في الباقي ، فإذا خرج المنقول بالإجماع والأخبار لم يتحقّق في الاستدلال غبار.

مع أنّ في لفظ إشراق الشمس عليه إيماء إلى كونه من غير المنقول ، وكونه المستقرّ في مكانه لا ينقل ولا يحرّك إلى الشمس ، بل الشمس تشرق عليه.

بل هو موضوع ، والشمس تشرق عليه ، والمتعارف في المنقول أن يقال : وضع في الشمس ، وأمثال هذه العبارة ، وأقصى ذلك أن يقال : رآه الشمس.

وبالجملة ، عبارة ما أشرقت عليه الشمس ، غير ظاهرة في شمولها في مثل الثياب من الامور المنقولة ، لو لم نقل بظهور عدم الشمول.

٢١٩

وعلى فرض تسليم ظهور الشمول ، فظهوره في غاية الضعف ، لا يعارض المخصّصات بوجه من الوجوه.

وعلى فرض تسليم المعارضة ، فالخاص مقدّم البتّة ، وعلى هذا المدار في الفقه ، والبناء في اصوله.

وممّا يعضد الدلالة أيضا فهم الفقهاء ، وكون المدار في الأعصار والأمصار على الفرق بين المنقول وغيره ، والاقتصار في المنقول على الغسل ، وفي غيره الاكتفاء على الشمس ، ولزوم الحرج والعسر في خصوص غير المنقول ، وعدمه في المنقول ، بل واحد من المليّين لم يتأمّل ، فضلا عن المسلمين.

وبالجملة ، إذا كان ظاهر العام ليس بحجّة ، لم يلزم من ذلك سقوط حجّيته بالمرّة ، لأنّه قول من يقول بأنّ العام المخصّص ليس بحجّة وتبطل حجّيته ، ولا يرضى بذلك المعترض ، ولا غيره من المحقّقين منّا.

واعترض في «المدارك» على رواية عمّار (١) بالضعف سندا وعدم الدلالة (٢) ، إذ أقصى ما يدلّ عليه جواز الصلاة في ذلك المحلّ مع يبوسته ، ولم يثبت اشتراط طهارة المسجد ، ولو سلّم يجوز خروج هذا الفرد النجس بسبب هذه الأدلّة.

وفيه ، أنّ الموثّق حجّة ، كما حقّق ، سيّما إذا انجبر بالشهرة وغيرها من الأخبار.

وجواز الصلاة مع اليبوسة من حيث هي هي من غير مدخليّة الشمس ، خلاف المستفاد من هذه الرواية وغيرها ، كما هو ظاهر. أمّا الغير ، فقد عرفت وأمّا هذه الرواية ، فحينما سئل عن المواضع القذر الذي لا تصيبه الشمس ولكنّه يبس ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٢ الحديث ٤١٤٩.

(٢) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٦٤.

٢٢٠