مصابيح الظلام - ج ٥

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٥

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-5-1
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤٨

قوله : (عند الأكثر).

ومنهم المرتضى ، وابن الجنيد ، وابن إدريس ، وعامّة المتأخّرين (١) ، لصحيحة معاوية بن عمّار أو ابن وهب ، عن الصادق عليه‌السلام : «لكلّ صلاة وقتان وأوّل الوقت أفضله» (٢).

وصحيحة ابن سنان عنه عليه‌السلام مثله غير أنّ فيه : «وأوّل الوقتين أفضلهما ـ ثمّ قال ـ ووقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا ، لكنّه وقت لمن شغل أو نسي أو سها أو نام ، ووقت المغرب حين تجبّ الشمس إلى أن تشتبك النجوم ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلّا من عذر أو علّة» (٣).

وصحيحة الاخرى عنه عليه‌السلام مثله ، إلّا أنّه لم يتعرّض فيها لذكر وقت الفجر والمغرب (٤).

وقوله عليه‌السلام : «ليس لأحد». إلى آخره ، وإن كان ظاهرا في مذهب الشيخين (٥) ، إلّا أنّ صدر الحديث يقتضي تأويله ، بأن يكون المراد سلب الإباحة

__________________

(١) نقل عن السيد في المعتبر ٢ / ٢٦ و ٢٧ ، نقل عن ابن جنيد في مختلف الشيعة : ٢ / ٤ ، السرائر : ١ / ١٩٦ و ١٩٧ ، التنقيح الرائع : ١ / ١٧٠ ، تحرير الأحكام : ١ / ٢٧ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ٣٢١.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٤٠ الحديث ١٢٥ ، الاستبصار : ١ / ٢٤٤ الحديث ٨٧١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٢١ الحديث ٤٦٨٢.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٩ الحديث ١٢٣ ، الاستبصار : ١ / ٢٧٦ الحديث ١٠٠٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٠٨ الحديث ٤٩٣٧.

(٤) الكافي : ٣ / ٢٧٤ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٩ الحديث ١٢٤ ، الاستبصار : ١ / ٢٤٤ الحديث ٨٧٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٢٢ الحديث ٤٦٨٤.

(٥) المقنعة : ٩٤ ، الخلاف : ١ / ٢٧١ المسألة ١٣ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٥٨.

٤٢١

بالمعنى الأخصّ ، وهو المتساوي الطرفين.

وجواز تأويل كلّ منهما بالآخر يقتضي تعيين ما ذكرنا ، للأصل وللسبق ، إذ به يظهر أنّ الثاني على نهج الأوّل.

ولانضمام قوله عليه‌السلام : «ولا ينبغي». إلى آخره فإنّه أيضا ظاهر في عدم الحرمة ، ولأنّ العذر أعمّ من الضروري ، والعامّ لا يدلّ على الخاصّ.

ولصحيحة معاوية (١) ، وللأخبار المعتبرة الكثيرة ، مثل صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «اعلم! أنّ أوّل الوقت أبدا أفضل فعجّل الخير ما استطعت ، وأحبّ الأعمال إلى الله ما دام عليه العبد وإن قلّ» (٢).

وصحيحته الاخرى عنه عليه‌السلام أنّه قال له : أوّل الوقت أفضل أو وسطه أو آخره؟ فقال : «أوّله ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إنّ الله يحبّ من الخير ما يعجّل» (٣).

ورواية معاوية بن ميسرة ، عن الصادق عليه‌السلام قال له : إذا زالت الشمس في طول النهار ، للرجل أن يصلّي الظهر ، والعصر؟ قال : «نعم ، وما احبّ أن يفعل ذلك كلّ يوم» (٤).

ورواية قتيبة الأعشى ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «إنّ فضل الوقت الأوّل على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا» (٥).

وقوية الأزدي عنه عليه‌السلام : «لفضل الوقت الأوّل على الأخير خير للمؤمن من

__________________

(١) مرّت الإشارة إلى مصادرها آنفا.

(٢) الكافي : ٣ / ٢٧٤ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٤١ الحديث ١٣٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٢١ الحديث ٤٦٨١.

(٣) الكافي : ٣ / ٢٧٤ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٤٠ الحديث ١٢٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٢٢ الحديث ٤٦٨٣.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٤٧ الحديث ٩٨٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٢٨ الحديث ٤٧٠٦.

(٥) الكافي : ٣ / ٢٧٤ الحديث ٦ ، ثواب الأعمال : ٥٨ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٢٣ الحديث ٤٦٨٦.

٤٢٢

ولده وماله» (١).

وفي «الفقيه» عن الصادق عليه‌السلام : «أوّل الوقت رضوان الله ، وآخره عفو الله ، والعفو لا يكون إلّا عن ذنب» (٢) ، والمفيد رحمه‌الله قائل بمضمونها (٣) ، فظهر الوهن في نسبة القول بالاضطرار إليه.

وقويّة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «أحبّ الوقت إلى الله أوّله حين يدخل وقت الصلاة ، فصلّ الفريضة ، فإن لم تفعل فإنّك في وقت منهما حتّى تغيب الشمس» (٤).

ويدلّ عليه أيضا الصحاح الكثيرة الدالّة على امتداد وقت الظهرين إلى الغروب ، والعشاءين إلى نصف الليل (٥).

وذكرنا بعضها في بحث امتداد الوقت للظهرين والعشاءين (٦) ، فإنّها في غاية الظهور في كون الامتداد على سبيل الاختيار لا الاضطرار ، إلى غير ذلك من الأخبار ، مضافا إلى أصل البراءة عن زيادة التكليف ، وأصالة الاستصحاب والإطلاقات والعمومات.

مع أنّ الأعذار التي ذكرها في «التهذيب» أعذار سهلة (٧) ، فبملاحظتها ربّما يظهر ارتفاع النزاع ، بل الأعذار التي ذكرها في «المبسوط» أيضا أعمّ من

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٢٧٤ الحديث ٧ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٤٠ الحديث ٦٥٢ ، ثواب الأعمال : ٥٨ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٤٠ الحديث ١٢٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٢٢ الحديث ٤٦٨٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٤٠ الحديث ٦٥١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٢٣ الحديث ٤٦٨٧ مع اختلاف يسير.

(٣) المقنعة : ٩٤.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٤ الحديث ٦٩ ، الاستبصار : ١ / ٢٦٠ الحديث ٩٣٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٥٥ الحديث ٤٧٨٧.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ١٢٥ الباب ٤ و ١٨٣ الباب ١٧ من أبواب المواقيت.

(٦) راجع! الصفحة : ٤١٢ و ٤١٣ من هذا الكتاب.

(٧) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٩ ذيل الحديث ١٢٣.

٤٢٣

الضروري ، فإنّه رحمه‌الله عنه قال : والعذر أربعة : السفر والمطر والمرض وشغل يضرّ تركه بدينه ودنياه (١) ، وهو أيضا يرجّح الأفضليّة.

ويدلّ عليها أيضا الأخبار التي نذكر بعضها في أنّ أدنى العذر كاف.

وبالجملة ، المشهور في غاية القوّة ، وإن كان الاحتياط في قول الشيخ.

قوله : (ثمّ المستفاد). إلى آخره.

مثل رواية زرارة أنّه سأل الصادق عليه‌السلام : عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبه ، ثمّ قال بعد ذلك لعمرو بن سعيد : «أقرئه منّي السّلام وقل له : إذا كان ظلّك مثلك فصلّ الظهر ، وإذا كان ظلّك مثليك فصلّ العصر» (٢).

وصحيحة الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا صلّيت في السفر شيئا من الصلاة في غير وقتها فلا يضرّك» (٣).

ورواية عمر بن يزيد ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : انصرف من عند هؤلاء فأمرّ بالمساجد فاقيمت الصلاة ، فإن أنا نزلت اصلّي معهم لم أستمكن من الأذان والإقامة وافتتاح الصلاة ، فقال : «ائت منزلك وانزع ثيابك ، وإن أردت أن تتوضّأ فتوضّأ وصلّ فإنّك في وقت إلى ربع الليل» (٤) إلى غير ذلك من الأخبار (٥).

وهذه الأخبار أيضا تدلّ على أفضليّة الوقت الأوّل لا كونه للاختيار.

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٧٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢ الحديث ٦٢ ، الاستبصار : ١ / ٢٤٨ الحديث ٨٩١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٤ الحديث ٤٧٥٣ مع اختلاف يسير.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٥٨ الحديث ١٥٧٤ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣٥ الحديث ٦١٦ ، الاستبصار : ١ / ٢٤٤ الحديث ٨٦٩ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١١٥ الحديث ٤٦٦١.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٠ الحديث ٩١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٩٦ الحديث ٤٩٠٥ مع اختلاف يسير.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ١٩٣ الباب ١٩ من أبواب المواقيت.

٤٢٤

٩٩ ـ مفتاح

[المحافظة على أوّل الوقت]

قد ورد الحثّ الأكيد على المحافظة على الوقت الأوّل في النصوص المستفيضة ، ففي الصحيح : «الصلوات المفروضات في أوّل وقتها إذا اقيم بحدودها أطيب ريحا من قضيب الآس حين يؤخذ من شجره في طيبه وريحه وطراوته ، فعليكم بالوقت الأوّل» (١).

وفيه : «لفضل الوقت الأوّل على الأخير خير للرجل من ولده وماله» (٢). إلى غير ذلك.

بل المستفاد من كثير منها المحافظة على المبادرة إلى الأوّل فالأوّل (٣) ، وفي الحديث النبوي : «لا ينال شفاعتي غدا من أخّر الصلاة بعد وقتها» (٤).

نعم ، يستحبّ التأخير في مواضع :

منها تأخير المستحاضة الظهر والمغرب إلى آخر وقت فضيلتهما ، لتجمع

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ١١٨ الحديث ٤٦٧٢ مع اختلاف يسير.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ١٢٢ الحديث ٤٦٨٥.

(٣) انظر! وسائل الشيعة : ٤ / ١١٩ الحديث ٤٦٧٣ ، ١٢٠ الحديث ٤٦٧٧.

(٤) وسائل الشيعة : ٤ / ١١١ الحديث ٤٦٤٧.

٤٢٥

بينهما وبين العصر والعشاء بغسل واحد ، كما في الصحاح (١).

وتأخير الصائم المغرب إلى ما بعد الإفطار لرفع الانتظار كما في الصحيح (٢).

وتأخير المفيض من عرفة العشاءين إلى المشعر الحرام ، للإجماع والصحيح (٣).

وتأخير القاضي للفرائض صاحبة الوقت إلى آخره ، وفيه قول مشهور بالوجوب (٤) ويأتي.

وتأخير صاحب العذر الراجي للزوال ، لتقع صلاته على الوجه الأكمل وأوجبه السيّد وجماعة (٥).

وتأخير المدافع للأخبثين إلى أن يخرجهما ، للصحيح (٦).

وإذا كان التأخير مشتملا على صفة كمال ، كاستيفاء الأفعال وتطويل الصلاة ، واجتماع البال ومزيد الإقبال ، وإدراك فضيلة الجماعة ، والسعي إلى مكان شريف ، ونحو ذلك ، كما يستفاد من النصوص (٧).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢ / ٣٧١ الباب ١ من أبواب الاستحاضة.

(٢) وسائل الشيعة : ١٠ / ١٤٩ الحديث ١٣٠٧٩.

(٣) وسائل الشيعة : ١٤ / ١٢ الحديث ١٨٤٦٢.

(٤) مدارك الأحكام : ٣ / ١١٣ و ٤ / ٢٩٨ ـ ٣٠٣.

(٥) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٤٩ ، الانتصار : ٣١ و ٣٢ ، المراسم : ٧٦ ، مختلف الشيعة : ٢ / ١٠٢.

(٦) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥١ الحديث ٩٢٥٢.

(٧) وسائل الشيعة : ٤ / ١٩٥ الحديث ٤٩٠٢ ، ١٩٦ الحديث ٤٩٠٥ ، ١٩٧ الحديث ٤٩٠٨ ، ٨ / ٣٠٨ الباب ٩ من أبواب الصلاة الجماعة.

٤٢٦

قوله : (من كثير منها). إلى آخره.

مثل صحيحة ابن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام : «إذا دخل وقت الصلاة فتحت أبواب السماء لصعود الأعمال ، فما احبّ أن يصعد عمل أوّل من عملي ، ولا يكتب في الصحيفة أحد أوّل منّي» (١).

ورواية سعيد بن الحسن ، عن الباقر عليه‌السلام قال : قال : «أوّل الوقت زوال الشمس وهو وقت الله الأوّل وهو أفضلهما» (٢) إلى غير ذلك.

ومرّ في بحث كون أوّل الوقتين أفضل ، أخبار كثيرة ظاهرة فيما ذكر ، مضافا إلى آية (سارِعُوا) (٣) وآية (فَاسْتَبِقُوا) (٤) وأنّ في التأخير آفات ، فربّما يحدث مانع من هذا الفيض الكبير ، والفضل العظيم من الموت أو غيره ، وورد هذا المضمون في الأخبار أيضا (٥).

قوله : (في الحديث). إلى آخره.

الظاهر أنّ هذا الحديث لا دخل له في المقام ، لأنّ المراد من الوقت فيه ، هو وقت الإجزاء لا الفضيلة.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٤١ الحديث ١٣١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١١٩ الحديث ٤٦٧٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٤٠ الحديث ٦٥٠ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٨ الحديث ٥٠ ، الاستبصار : ١ / ٢٤٦ الحديث ٨٨٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٢٠ الحديث ٤٦٧٧.

(٣) آل عمران (٣) : ١٣٣.

(٤) المائدة (٥) : ٤٨.

(٥) راجع! وسائل الشيعة : ٤ / ١١٩ الحديث ٤٦٧٤.

٤٢٧

قوله : (تأخير المستحاضة).

مرّت الأخبار في ذلك في مبحث الاستحاضة والتحقيق فيه (١).

وأمّا تأخير الصائم لرفع الانتظار ، فهو المعروف من الأصحاب ، والصحيح الدالّ عليه صحيحة الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «إن كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم ، وإن كان غير ذلك فليصلّ وليفطر» (٢).

وفي الموثّق ـ كالصحيح ـ عن زرارة والفضيل عن الباقر عليه‌السلام : «في رمضان تصلّي وتفطر إلّا أن تكون مع قوم ينتظرون الإفطار ، فلا تخالف عليهم ، وأفطر ثمّ صلّ» (٣) ، الحديث.

ومقتضى الروايتين انحصار الاستحباب في صورة الانتظار ، إلّا أنّ الأصحاب ألحقوا بها ما إذا نازعته نفسه وتشوّشه (٤) ، كما سيجي‌ء في موضعه إن شاء الله.

بل ربّما كان مطلق الانتظار كذلك ، لما يظهر من الأخبار الواردة في حقوق الإخوان ، ومعاشرة المؤمنين.

وفي «الغوالي» عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا وضع عشاء أحدكم واقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء ، ولا يعجّل حتّى يفرغ» (٥).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٢٥ و ٢٢٦ و ٢٣١ و ٢٣٢ (المجلّد الأوّل) من هذا الكتاب.

(٢) الكافي : ٤ / ١٠١ الحديث ٣ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٨١ الحديث ٣٦٠ ، تهذيب الأحكام : ٤ / ١٨٥ الحديث ٥١٧ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ١٤٩ الحديث ١٣٠٧٩.

(٣) تهذيب الأحكام : ٤ / ١٩٨ الحديث ٥٧٠ ، وسائل الشيعة : ١٠ / ١٥٠ الحديث ١٣٠٨٠.

(٤) التنقيح الرائع : ١ / ١٧١ ، جامع المقاصد : ٢ / ٢٧.

(٥) عوالي اللآلي : ١ / ١٤٦ الحديث ٧٧ ، مستدرك الوسائل : ١٦ / ٢٨٧ الحديث ١٩٩٠٨ مع اختلاف يسير.

٤٢٨

بل ظاهر هذه الرواية تقديم التعشّي على الصلاة ، صونا لمنازعة النفس في أثنائها ، مضافا إلى ما دلّ على الاهتمام التامّ في حضور القلب وطمأنينته في الصلاة ، وعدم مشغولية الخاطر بالأفكار وظهر ممّا ذكر وجه إلحاقهم بالانتظار منازعة النفس.

وما قيل من أنّه مأمور بجهاد النفس فيجاهد نفسه (١) ، ليس بشي‌ء ، لأنّه أمر في غاية الصعوبة ، لا يتأتّى حصوله تلك الساعة.

مع أنّه ربّما لا يتأتّى منه الجهاد من جهة أنّ الطبيعة مجبولة بشهوة ، بدل ما يتحلّل منه ، فربّما يخرج الجهاد عن طاقته.

وأمّا تأخير المفيض من عرفة ، فإنّه مستحبّ ، وإن مضى ربع الليل بالإجماع (٢).

وفي الصحيح عن ابن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «لا تصلّي المغرب حتّى تأتي جمعا وإن ذهب ثلث الليل» (٣) وسيجي‌ء تمام التحقيق إن شاء الله تعالى.

وأمّا استحباب تأخير القاضي ، فسيأتي تحقيقه.

وأمّا تأخير صاحب العذر لأن يصلّي بعد زوال عذره على الوجه الأكمل ، فقد مرّت الأخبار الدالّة عليه ، وإيجاب السيّد وجماعة (٤) ، لعلّه في صورة كون زواله بعنوان السرعة ضروريّا ، ولا نزاع فيه ، وجعل إيجابهم في الأعمّ ، فيه ما فيه.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٦ / ١٩١ و ١٩٢.

(٢) لاحظ! السرائر : ١ / ١٩٩ منتهى المطلب : ٢ / ٧٢٣ ط. ق ، مدارك الأحكام : ٣ / ١١٣ ، جامع المقاصد : ٢ / ٢٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ٥ / ١٨٨ الحديث ٦٢٥ ، الاستبصار : ٢ / ٢٥٤ الحديث ٨٩٥ ، وسائل الشيعة : ١٤ / ١٢ الحديث ١٨٤٦٢.

(٤) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٤٩ ، الانتصار : ٣١ و ٣٢ ، الكافي في الفقه : ١٣٦ ، المراسم : ٧٦ ، السرائر : ١ / ١٣٥ ، راجع! الصفحة : ٣٦٩ ـ ٣٧٢ (المجلّد الرابع) من هذا الكتاب.

٤٢٩

ويحتمل أن يكون مراد المصنّف التأخير ، لأجل حصول الطهارة المائيّة ، بناء على أنّ المصنّف يرضى بالتيمّم في أوّل الوقت ، وكون إيجاب السيّد وجماعة ، إشارة إلى أنّهم قالوا بوجوب التأخير إلى ضيق الوقت ، ومضى التحقيق في مبحثه.

وأمّا تأخيرها لدفع الأخبثين فبالإجماع (١) ، وصحيحة هشام عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة وهو بمنزلة من هو في ثيابه» (٢) وغير ذلك ، بشرط التمكّن من الصبر ، وإلّا فيجب القطع ، وهذا كسابقه مشروط بسعة الوقت للصلاة أداء.

وظاهر ما ذكر من الأخبار الوجوب ، إلّا أنّ الأصحاب حملوا على الاستحباب للإجماع (٣).

وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج أنّه سأل الكاظم عليه‌السلام عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع أن يصبر عليه أيصلّي على تلك الحال أو لا يصلّي؟ فقال : «إن احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصلّ وليصبر» (٤).

ولا يخفى أنّه إن كان بمنزلة من هو في ثيابه ، ويحرم الصلاة معه ، فكيف يأمر بالصلاة معه والصبر؟

وفي «المدارك» : ولو عرضت المدافعة في أثناء الصلاة ، فلا كراهة في الإتمام (٥).

__________________

(١) منتهى المطلب : ٥ / ٣٠٨ و ٣٠٩ ، روض الجنان : ١٨٦ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٤٧٠ ، الحدائق الناضرة : ٦ / ٣٢٧.

(٢) المحاسن : ١ / ١٦٣ الحديث ٢٣٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٣ الحديث ١٣٧٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥١ الحديث ٩٢٥٢.

(٣) منتهى المطلب : ٥ / ٣٠٨ و ٣٠٩ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ٢٢ و ٢٣ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٤٧٠.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٦٤ الحديث ٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٠ الحديث ١٠٦١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٤ الحديث ١٣٢٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٥١ الحديث ٩٢٥١.

(٥) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٧١.

٤٣٠

وألحق بعضهم الريح بالأخبثين (١) ، لمنافاته لإقبال القلب والاطمينان ، بل كلّ شي‌ء يكون كذلك ، فحكمه كذلك.

قوله : (وإذا كان التأخير). إلى آخره.

قد مرّت الأخبار الدالّة على ذلك ، ومنها التأخير في الحرّ ، لما مرّ في رواية زرارة في الصلاة في القيظ ، حيث قال عليه‌السلام : «إذا كان ظلّك مثلك فصلّ الظهر ، وإذا كان ظلّك مثليك فصلّ العصر» (٢).

ولصحيحة معاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام : «كان المؤذّن يأتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [في الحرّ] في صلاة الظهر فيقول له الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أبرد أبرد» (٣).

ولما رواه الصدوق في «العلل» بسنده إلى أبي هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا اشتدّ الحرّ فأبردوا بالصلاة فإنّ الحرّ من فيح جهنّم» (٤) ، والرواية متضمّنة لعلّة ظاهرة معلومة.

ومثلها ما رواه في «الغوالي» : أنّ خبّاب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرمضاء ، فقال : «أبردوا بالصلاة ، فإنّ شدّة الحرّ من فوح جهنّم» (٥).

ولما يظهر من الأخبار الكثيرة ، من رجحان مراعاة عدم ما يشوّش الخاطر ويمنع طمأنينة القلب وإقباله (٦).

__________________

(١) قواعد الأحكام : ١ / ٣٦ ، روض الجنان : ١٨٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٤ الحديث ٤٧٥٣ مع اختلاف يسير.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٤٤ الحديث ٦٧١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٢ الحديث ٤٧٤٥.

(٤) علل الشرائع : ٢٤٧ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٢ الحديث ٤٧٤٦.

(٥) عوالي اللآلي : ١ / ٣٢ الحديث ٩ و ١٠ ، مستدرك الوسائل : ٣ / ١٤٩ الحديث ٣٢٣٦.

(٦) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٧٦ الباب ٣ من أبواب أفعال الصلاة.

٤٣١

وتأمّل الصدوق في ذلك ، وقال : معنى «أبرد» عجّل (١) ، وعن الشيخ : أنّه إذا كان الحرّ شديدا جاز تأخيرها قليلا رخصة (٢).

واستشكل في «المدارك» ذلك ، معلّلا بأنّ ما دلّ على أفضليّة أوّل الوقت صحاح معتبرة ، فكيف يخرج عن مقتضاها بمثل هذا الخبر (٣)؟

وفيه ، أنّ الصحيح في غاية الظهور ، والحمل على التعجيل في غاية البعد ، بعد ملاحظة ما ذكرناه ، فتأمّل! فإنّ المكلّف إن كان لا يمكنه جهاد النفس من شدّة الحرّ لإقبال القلب والطمأنينة ، فلا وجه للاستشكال ، وكذا إذا كان في غاية الصعوبة فتأمّل جدّا!

هذا ، ومرّ أولويّة التأخير لغير ما ذكر هنا ، مثل أولويّة تأخير العشاء إلى ذهاب الحمرة المغربيّة ، بل وأزيد منه ، واستحباب التأخير للنافلة.

وسيجي‌ء استحباب التأخير في المغرب ، لحصول اليقين بدخول الوقت عند حصول المظنّة ، وغير ذلك.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٤٤ ذيل الحديث ٦٧١.

(٢) الخلاف : ١ / ٢٩٣.

(٣) مدارك الأحكام : ٣ / ١١٥.

٤٣٢

١٠٠ ـ مفتاح

[استحباب التفريق بين الظهرين والعشاءين]

قيل : يستحبّ التفريق بين كلّ من الظهرين والعشاءين (١) ، وادّعى الشهيد معلوميّته من المذهب كمعلوميّة جواز الجمع (٢) ، واستثنى المفيد ظهري الجمعة (٣).

وحدّ بأن يؤتى بالثانية بعد انقضاء وقت فضيلة الاولى (٤) ، وقيل : بأن يؤتى بها بعد نافلتها (٥). وهو أظهر ، كما يستفاد من النصوص الكثيرة (٦) ، مضافا إلى إطلاق ما دلّ على فضيلة أوّل الوقت فالأوّل (٧).

نعم ، إن فرغ من نافلة المغرب ولمّا يذهب الشفق انتظر ذهابه للعشاء ،

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٢ / ٣٣٢ و ٣٤٦ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٤٦.

(٢) ذكرى الشيعة : ٢ / ٣٣٥.

(٣) المقنعة : ١٦٥ ، لاحظ! مدارك الأحكام : ٣ / ٤٦.

(٤) ذكرى الشيعة : ٢ / ٣٣٢ ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ٦ / ١٢٤.

(٥) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٥.

(٦) وسائل الشيعة : ٤ / ١٣٢ الحديث ٤٧١٧ ، ١٣٤ الحديث ٤٧٢٤ و ٤٧٢٥ و ٤٧٢٧.

(٧) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ١١٨ الباب ٣ من أبواب المواقيت.

٤٣٣

لكن لا يؤخّر العشاء إن أدرك الذهاب ولمّا يتنفّل ، والخبر المشعر بفضيلة تأخيرها عنه (١) ضعيف.

وفي الصحيح : سئل متى تجب العتمة؟ فقال : «إذا غاب الشفق ، والشفق الحمرة وليس الضوء من الشفق» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ١٨٥ الحديث ٤٨٦٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٠٤ الحديث ٤٩٢٨.

٤٣٤

قوله : (يستحبّ التفريق). إلى آخره.

الظاهر عدم الشبهة في ذلك ، وأنّه كان طريقة صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام.

ويظهر أيضا من تضاعيف الأخبار ، مثل ما ورد في المستحاضة من أنّها تقدّم هذه وتؤخّر هذه ، وكذلك ورد في المسافر أيضا (١).

وما ورد في الصحيح : «أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كان في سفر أو عجّلت به حاجة يجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء» (٢).

وما ورد في أخبار صحاح : أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الصلاتين من دون عذر ليتسع الوقت (٣) ، وهذا ظاهر في أنّ عادته كانت التفريق.

وفي قويّة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : «إذا كنت مسافرا لم تبال أن تؤخّر الظهر حتّى يدخل وقت العصر فتصلّي الظهر ثمّ [تصلّي] العصر ، وكذلك المغرب والعشاء [الآخرة] تؤخّر المغرب حتّى تصلّيها في آخر وقتها وركعتين بعدها ثمّ تصلّي العشاء» (٤).

وقويّة طلحة بن زيد عن جعفر ، وعن أبيه عليهما‌السلام : «أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في الليلة المطيرة يؤخّر من المغرب ويعجّل من العشاء فيصلّيهما جميعا ويقول : من لا يرحم لا يرحم» (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ١٣٥ و ١٣٦ الباب ٦ من أبواب المواقيت.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٣١ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣٣ الحديث ٦٠٩ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢١٩ الحديث ٤٩٦٦.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٤ / ٢٢٠ الباب ٣٢ من أبواب المواقيت.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣٤ الحديث ٦١٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٣٦ الحديث ٤٧٣٠.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢ الحديث ٩٦ ، الاستبصار : ١ / ٢٦٧ الحديث ٩٦٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٩٧

٤٣٥

وصحيحة الفضيل ، قال : كان علي بن الحسين عليه‌السلام يأمر الصبيان أن يجمعوا بين المغرب والعشاء ويقول : «هو خير من أن يناموا» (١).

وقوية عبد الله بن سنان ، قال : شهدت المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فحين كان قريبا من الشفق نادوا وأقاموا الصلاة فصلّوا المغرب ثمّ أمهلوا الناس حتّى صلّوا ركعتين ثمّ قام المنادي في مكانه في المسجد فأقام الصلاة فصلّوا العشاء ، فسألت الصادق عليه‌السلام [عن ذلك] فقال : «نعم ، قد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمل بهذا» (٢).

وبالجملة ، الأخبار في غاية الكثرة ووضوح الدلالة ، بل ظهر منها أنّ التفريق المستحب لا يحصل بفعل النافلة بين الصلاتين ، بل بأزيد منه ، كما لا يخفى ، فما قال في «المدارك» بأنّه يتحقّق بالتعقيب والنافلة بينهما (٣) ، محلّ نظر ظاهر.

وأمّا ما رواه محمّد بن حكيم ، عن الكاظم عليه‌السلام من أنّ : «الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوّع ، وإذا كان بينهما تطوّع فلا جمع» (٤) فالمراد منه أمر آخر ، لا أنّه التفريق المستحبّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قولا وفعلا.

والظاهر أنّ المراد منه ، أنّ في صورة مطلوبية الجمع ، مثل جمع المستحاضة ، وجمع المزدلفة ، إنّما هو بغير نافلة بينهما.

بل روى هذه الرواية عن محمّد بن حكيم بطريق آخر ، وفيها أنّه قال : سمعته

__________________

الحديث ٤٩١٠.

(١) الكافي : ٣ / ٤٠٩ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٨٠ الحديث ١٥٨٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢١ الحديث ٤٤٠٥.

(٢) الكافي : ٣ / ٢٨٦ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢١٨ الحديث ٤٩٦٤.

(٣) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٦.

(٤) الكافي : ٣ / ٢٨٧ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٢٤ الحديث ٤٩٨٤.

٤٣٦

ـ يعني الكاظم عليه‌السلام ـ يقول : «إذا جمعت بين الصلاتين فلا تطوّع بينهما» (١).

والظاهر اتّحاد الروايتين ، وكون التفاوت من جهة النقل بالمعنى.

قوله : (واستثنى). إلى آخره.

أي المفيد استثنى صلاة الجمعة وظهر الجمعة عن حكم استحباب التفريق ، بأن قال : التفريق بينهما وبين العصر غير مستحبّ (٢) ، قد مرّ الكلام فيه في مبحث الجمعة.

قوله : (وحدّ). إلى آخره.

أي التفريق المستحب ، بأن يؤتى بالثانية بعد انقضاء وقت فضيلة الاولى ، هذا الحدّ من جماعة من الأصحاب ، حيث اعتبروا خروج وقت الفضيلة ، مثل أن يأتي بالعصر بعد ما مضى من الفي‌ء قامة ، وصيرورة ظلّ كلّ شي‌ء مثله (٣) ، كما هو الظاهر من أخبار كثيرة (٤) ستعرفها ، وهو أوفق بكلام الجماعة (٥) ، أو انقضاء سبعي الشاخص من الفي‌ء ، كما هو الظاهر من الأخبار المعتبرة (٦) ، وكلام جماعة (٧).

والأخبار مثل صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام : «إنّ حائط مسجد رسول

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٢٨٧ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٦٣ الحديث ١٠٥٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٢٤ الحديث ٤٩٨٣.

(٢) المقنعة : ١٦٥.

(٣) الخلاف : ١ / ٢٥٩ و ٢٦٠ المسألة ٥ ، المهذّب : ١ / ٦٩ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ٣١٦ و ٣١٧ المسألة ٣٧ ، جامع المقاصد : ٢ / ١٤.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٠ الباب ٨ من أبواب المواقيت.

(٥) في (ز ٣) : وموافق لكلام الجماعة.

(٦) وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٠ الحديث ٤٧٤١ و ٤٧٤٣ و ٤٧٤٤.

(٧) المقنعة : ٩٢ ، الكافي في الفقه : ١٣٧.

٤٣٧

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قامة وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر». إلى أن قال ابن مسكان : وحدّثني بالذراع والذراعين سليمان بن خالد وأبو بصير المرادي وحسين صاحب القلانس وابن أبي يعفور ومن لا احصيه منهم (١) ، انتهى.

ووردت الأخبار المعتبرة الكثيرة بالذراع والذراعين (٢) ، وعن الحلبي أيضا عن الصادق عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي الظهر على ذراع والعصر على نحو ذلك» (٣).

ويحتمل أن يكون المراد من القامة ، قامة رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي الذراع ، لأنّ قامة الرحل (٤) كانت ذراعا ، ولما ورد في أخبار كثيرة من تفسير القامة بالذراع.

مثل رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له : كم القامة؟ فقال : «ذراع ، إنّ قامة رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت ذراعا» (٥). إلى غير ذلك من الأخبار (٦).

فيرجع حينئذ أخبار الذراع والذراعين إلى ظلّ كلّ شي‌ء مثله.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩ الحديث ٥٥ ، الاستبصار : ١ / ٢٥٠ الحديث ٨٩٩ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٤١ الحديث ٤٧٤٣ و ٤٧٤٤.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٠ الباب ٨ من أبواب المواقيت.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٤٨ الحديث ٩٨٧ ، الاستبصار : ١ / ٢٥٣ الحديث ٩١٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٧ الحديث ٤٧٦٤.

(٤) الرحل : رحل البعير كالسرج ، (مجمع البحرين : ٥ / ٣٨١).

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٣ الحديث ٦٦ ، الاستبصار : ١ / ٢٥١ الحديث ٩٠٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٥ الحديث ٤٧٥٦ مع اختلاف يسير.

(٦) راجع! وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٠ الباب ٨ من أبواب المواقيت.

٤٣٨

ومرّ صحيحة أحمد بن عمر (١) ، وصحيحة أحمد (٢) ، الدالّتان على كون الوقت قامة للظهر وقامة للعصر (٣).

وروى كالصحيح عن حمّاد ، عن محمّد بن حكيم ، عن الكاظم عليه‌السلام أنّه قال : «إنّ أوّل وقت الظهر زوال الشمس ، وآخر وقتها قامة من الزوال ، وأوّل وقت العصر قامة ، وآخر وقتها قامتان» ، قلت : في الشتاء والصيف سواء؟ قال : «نعم» (٤).

وفي كالصحيح عن معاوية بن وهب ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «أتى جبرئيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر ، ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ قامة فأمره فصلّى العصر». إلى أن قال : «ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة فأمره فصلّى الظهر ، ثمّ أتاه حين زاد من الظلّ قامتان فأمره فصلّى العصر» (٥).

وروى في «التهذيب» عن معاوية بن ميسرة ، عن الصادق عليه‌السلام مثل ذلك إلّا أنّه قال : بدل القامة والقامتين ذراع وذراعين (٦).

وروى عن المفضّل بن عمر ، عن الصادق عليه‌السلام مثل الأوّل إلّا أنّه ذكر بدل

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٩ الحديث ٥٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٣ الحديث ٤٧٤٩.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢١ الحديث ٦١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٤ الحديث ٤٧٥٢.

(٣) راجع! الصفحة : ٤٠٢ و ٤٠٣ من هذا الكتاب.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٥١ الحديث ٩٩٤ ، الاستبصار : ١ / ٢٥٦ الحديث ٩١٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٨ الحديث ٤٧٦٩.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٥٢ الحديث ١٠٠١ ، الاستبصار : ١ / ٢٥٧ الحديث ٩٢٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٥٧ الحديث ٤٧٩٤ مع اختلاف يسير.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٥٣ الحديث ١٠٠٢ ، الاستبصار : ١ / ٢٥٧ الحديث ٩٢٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٥٨ الحديث ٤٧٩٥.

٤٣٩

القامة والقامتين : قدمين وأربعة أقدام (١).

وصحيحة يزيد بن خليفة ، عن الصادق عليه‌السلام وأنّه قال له عمر بن حنظلة : أتانا عنك بوقت. إلى أن قال ـ : إذا زالت الشمس لم يمنعك إلّا سبحتك ثمّ لا تزال في وقت الظهر إلى أن يصير الظلّ قامة وهو آخر الوقت ، فإذا صار الظلّ قامة دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتّى يصير الظلّ قامتين (٢) ، الحديث ، إلى غير ذلك.

قوله : (وقيل : بأن يؤتى). إلى آخره.

هذا القول من صاحب «المدارك» (٣) ، والنصوص الدالّة على ذلك صحيحة ذريح عن الصادق عليه‌السلام ، قلت : متى اصلّي الظهر؟ فقال : «صلّ الزوال ثمانية ، ثمّ صلّ الظهر ، ثمّ صلّ سبحتك ، طالت أو قصرت ثمّ صلّ العصر» (٤) ورواية سماعة عن الصادق عليه‌السلام مثله (٥).

ورواية محمّد بن أحمد قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه‌السلام : روي عن آبائك القدم والقدمين والأربع والقامة والقامتين ، وظلّ مثلك ، والذراع والذراعين فكتب عليه‌السلام : «لا القدم ولا القدمين ، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٥٣ الحديث ١٠٠٣ ، الاستبصار : ١ / ٢٥٧ الحديث ٩٢٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٥٨ الحديث ٤٧٩٦.

(٢) الكافي : ٣ / ٢٧٥ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠ الحديث ٥٦ ، الاستبصار : ١ / ٢٦٠ الحديث ٩٣٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٥٦ الحديث ٤٧٩٠ مع اختلاف يسير.

(٣) مدارك الأحكام : ٣ / ٤٥.

(٤) الكافي : ٣ / ٢٧٦ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٣٢ الحديث ٤٧١٧.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٤٦ الحديث ٩٧٦ ، الاستبصار : ١ / ٢٤٩ الحديث ٨٩٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٣٤ الحديث ٤٧٢٥.

٤٤٠