مصابيح الظلام - ج ٥

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٥

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-5-1
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤٨

وهي مع ضعف سندها ـ والضعيف ليس بحجّة عنده ـ ظاهرها موافق للعامّة ، إن كان مراده حال التمكّن من الماء فلا يكون حجّة ، ويجب طرحها لما مرّ مرارا.

وإن كان مراده حال العجز عن الماء ، يكون ظاهرة فيما ادّعيناه ، لأنّ الظاهر من سؤال الراوي ـ حيث قال بعد ذكر البول والتمسّح بالأحجار : فيجي‌ء منّي البلل ما يفسد سراويلي ـ نجاسة السراويل بمجي‌ء البلل من المخرج لظاهر الفساد ، إذ مع عدمها وطهارة السراويل لا إفساد ، ويبعد إطلاقه على مجرّد البلل.

ويظهر منه أنّه كان هذا الإفساد ظاهرا عنده ، بحيث لا تأمّل فيه ، وإلّا لكان المناسب أن يستفهم عنه لا أن يحكم به. وحينئذ يكون سؤاله عن حال هذه السراويل حال عدم التمكّن من الماء ، وكانوا يسألون عن مثل هذا ، كما ستعرف في بحث لباس المصلّي.

ويمكن أن يكون سؤاله عن بدنه المتنجّس أيضا ، لأنّ إفساد السراويل بالنجس الرطب غالبا توجب إفساد البدن أيضا. والمعصوم عليه‌السلام أقرّ الراوي على معتقده ، وأجاب عن إشكاله بأنّه «لا بأس».

مع أنّ المصنّف اختار الصلاة في الثوب النجس حال عدم الماء مطلقا ، للأخبار المعتبرة الدالّة عليه ، وهذا الخبر من جملتها. فما هو الكلام في تلك المعتبرة المشهورة ، فهو الكلام فيها ، ولا دلالة في نفي البأس على طهارة البلل المتحقّق وأنّه يجوز معه الصلاة حال التمكّن من الماء ، حتّى يستشعر منه الدلالة على الطهارة.

ومنها رواية حكم بن حكيم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أبول فلا اصيب الماء وقد أصاب يدي شي‌ء من البول فأمسحه بالحائط والتراب ثمّ تعرق يدي فأمسح وجهي ، أو بعض جسدي ، أو يصيب ثوبي ، قال : «لا بأس» (١).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٥ الحديث ٤ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٠ الحديث ١٥٨ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٠ الحديث ٧٢٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠١ الحديث ٣٩٧٥.

١٠١

وقد عرفت الجواب عنها عند ذكر صحيحة عيص بن القاسم (١) واعتراف المصنّف به ، مع ما عرفت ممّا مرّ في (٢) رواية سماعة (٣).

وورد في المني : أنّ الثوب الذي فيه المني إذا أصابه المطر يبتل على الرجل أو يعرق فيه أو ينشف منه بعد الغسل أنّه لا بأس بهذا كلّه (٤) ، ومعلوم أنّ المني نجس يقينا ، فتأمّل جدّا!

قوله : (فإنّ عدم الدليل). إلى آخره.

قد عرفت الأدلّة ، بل كونه ضروريّا لا يحتاج إلى الدليل.

مع أنّه على ما ذكره لزم إنكار نجاسة النجاسات جميعا ، لأنّ كثيرا منها لم يرد فيه أمر بالغسل فيه ، كأرواث ما لا يؤكل لحمه وغيرها.

وما ورد فيه الأمر به ، فقد عرفت أنّ الأمر بالغسل في لغة العرب معناه معروف وعرفته.

ومعلوم أنّ للنجاسة الشرعيّة أحكاما شرعيّة كثيرة غاية الكثرة متلازمة وقد عرفتها ، وظهر كثير منها من كلام المصنّف أيضا.

وأين الحكم الشرعي من المعنى العربي؟ فضلا عن جميع الأحكام المذكورة مع تلازمها ، فإنّ العرب لم يكن لهم اطّلاع بالشرع أصلا ، فضلا عن حكمه ، فضلا عن أحكام كثيرة (٥) ، فلم يثبت من الحديث سوى الموضوع له عند العرب ، أو

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٩٩ من هذا الكتاب.

(٢) في (ك) : زيادة : الجواب عن.

(٣) مرّ آنفا.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٥ الحديث ٤٠٦٠ نقل بالمضمون.

(٥) في (ف) و (ز ١) : شرعيّة.

١٠٢

المعنى المستعمل فيه باستعمال العرب.

والبناء على أنّ لفظ «الغسل» انتقل من لغة العرب إلى معنى جديد شرعي خلاف ما اتّفق عليه الكلّ ومنهم المصنّف ، بل خلاف البديهة.

مع أنّ الأصل عدم النقل ، مع أنّ المعنى الجديد لم يرد فيه حديث ، ولم يثبت من خبر ولا آية اصلا ، فضلا عن أن يراد أنّ أحكامه الكثيرة المتلازمة ، أيّ قدر؟ وما هي؟

وأمّا المتشرّعة ، فلا تأمّل منهم في أنّ وجوب غسل ما يلاقي الملاقي داخل في معنى لفظ «النجس» باصطلاحهم.

وكذا إذا كان في الأمر بغسل شي‌ء إجماع على كون منشأه النجاسة الاصطلاحيّة.

قوله : (صدور الذين). إلى آخره.

قد عرفت أنّه ليس من المسائل الاجتهاديّة والتقليديّة ، فضلا أن يكون من الوسواس أو من الشيطان ، وكفران نعم الله.

إذ ضروري دين المكلّفين ـ حتّى النساء ـ ودين المميّزين من الأطفال ، أنّ الإناء المملوء من بول الآدمي ، أو الكلب والخنزير ، أو غيره من الأعيان النجسة المائعة أو الرطبة إذا صبّ من الإناء ، ومسح الإناء بخرقة أو شعر الخنزير والكلب أو غيره من الأعيان النجسة أو المتنجّسة ، ويكون المسح إلى حدّ زوال عين النجاسة من الإناء ، ولم يغسل بعد ، لا يجوز أن يصب فيه اللبن ومثله للشرب والثريد ومثله للأكل ، والماء للشرب ، فضلا عن الوضوء والغسل وتطهير النجس ، حتّى يتحقّق غسل ذلك الإناء بالنحو الذي ثبت من الشرع.

هذا ، مضافا إلى ما عرفت من الأخبار المتواترة ، خصوصا ما ورد في

١٠٣

خصوص الإناء النجس ، بل الإناء المتنجّس أيضا ، من خصوص الأمر بالغسل لا غير ، لخصوص الاستعمال لا غير.

وكذلك الحال في الفرش وغيرها ، كما مرّ الإشارة (١) ، وأفتى بتلك الأخبار جميع الفقهاء الأخيار ، حتّى المصنّف أيضا.

فكيف إذا أراد المكلّف امتثال تلك الأوامر ، يصير مقلّدا وسواسيّا ، كافرا بأنعم الله ، جاهلا في الدين؟! بل إذا أراد الاحتياط من تلك الأوامر يصير أيضا كذلك.

ومن كلامه يظهر أنّه كان يمنع أهله وخدّامه ومقلّديه عن غسل الأواني ومثلها للاستعمال ، كي لا يصيرون وسواسيّين تابعين للشيطان ، كافرين بنعم الرحمن ، جاهلين في الدين.

ونعلم يقينا أنّه ما كان يفعل كذلك ، بل كان يقتصر على الغسل البتّة.

وقوله : (غلب عليهم التقليد) طعن على من أفتاهم بذلك.

وفيه أيضا ما فيه ، مع أنّه لا وجه لأن يقول : المتنجّس لا ينجّس ، بل عليه أن يقول بطهارة ذلك المتنجّس من الإناء وأمثاله ، لأنّ النجاسة الشرعيّة عبارة عن وجوب اجتناب ، وليس في الإناء ومثله وجوب أصلا ، لأنّهما لا يصلّيان.

وسيصرّح بما ذكرنا في تطهير الأجسام الصيقليّة ، فلاحظ وتأمّل.

فأيّ تعجّب أشدّ من أن يكون مسح نجس العين من الإناء مثلا بنجس العين الآخر ـ مثل شعر الكلب والخنزير ـ حتّى تزول العين مطهّرا للإناء ومثله ، بحيث لا يجوز غسله ولو للاحتياط؟!

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٧٧ و ٧٨ من هذا الكتاب.

١٠٤

٨٥ ـ مفتاح

[اعتبار ورود الماء على النجاسة وعدمه]

اعتبر السيّد وجماعة في الإزالة ورود الماء على النجاسة ، فلو عكس نجس الماء ولم يفد المحل طهارة (١) ، بناء على أصلهم من تنجّس القليل بورود النجاسة عليه دون العكس.

وأبطله الشهيد رحمه‌الله بحصول امتزاج الماء بها على التقديرين ، والورود لا يخرجه عن التلاقي (٢).

وكأنّه التزم نجاسة الماء في الحالين مع طهارة المحلّ.

وظنّي أنّ القائل بانفعال القليل بمجرّد الملاقاة لا بدّ له من ارتكاب أحد الأمرين : إمّا تخصيص ذلك بالملاقي بالنجاسة العينيّة دون المتنجّس ، أو عدم جواز الإزالة بالقليل مطلقا ، والثاني خلاف الإجماع بل الضرورة من الدين ، فتعيّن الأوّل كما مرّ.

__________________

(١) الناصريّات : ٧٢ و ٧٣ المسألة ٣ ، منتهى المطلب : ٣ / ٢٦٨ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ١٢٦ ، ذخيرة المعاد : ١٦٣.

(٢) ذكرى الشيعة : ١ / ١٣١.

١٠٥

ويؤيّده أنّه لا يستفاد من الدليل الدالّ عليه أزيد من ذلك ، وعلى هذا فيجب التزام وجوب المرّتين في كلّ نجاسة ، ليزال بالاولى العين ويكون الغسالة والمحل متنجّسين (١) ، ويحصل بالثانية التطهير ، ويكونان طاهرين ، من غير فرق بين الورودين. وله شواهد من الروايات ، إلّا أنّه لم أجد به قائلا ، والأمر فيه عندي سهل ، كما سيظهر.

__________________

(١) قيل : والغسالة كالمحلّ قبلها فيغسل من غسالة الاولى مرّتين والثانية مرّة ، وقيل : بل هي كالمحلّ بعدها فيغسل من الاولى مرّة ولا غسل من الثانية ، وهو الموافق لما اخترناه «منه رحمه‌الله».

١٠٦

قوله : (اعتبر السيّد). إلى آخره.

أقول : المشهور عدم اعتبار ذلك فيها ، لأنّ لفظ «الغسل» الوارد في الأخبار محمول على ما يعد في عرف العرب غسلا ، وهو غير مقيّد بالورود أو غيره ، بل أعم.

فهو كاف ، سيّما بعد ورود الصحيح : «اغسله في المركن مرّتين ، فإن غسلته في ماء جار فمرّة» (١) ، والموثّق الذي في طريق تطهير الإناء (٢) ، وسيذكرهما المصنّف في بحث انفعال الماء القليل ، وذكرناه في بحث كيفيّة الغسل ، وذكرت غيرهما أيضا ممّا هو ظاهر في ما ذكر.

لكن اعتبر جماعة ورود الماء على النجاسة فيها (٣). ونسب إلى السيّد اعتباره في عدم انفعال القليل مطلقا ، لكن حكي عنه أنّه قال : يتقوّى في نظري الآن ما ذهب إليه الشافعي من عدم انفعال الماء القليل بوروده على النجاسة ، إلى أن أتأمّل في ذلك (٤).

وقوّى ذلك بعض المتأخّرين ، بأنّ الأصل طهارة الماء للعمومات الدالّة عليها (٥) ، مضافا إلى الاصول ، خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي (٦).

والدليل منحصر في مفهوم ما ورد في أخبار صحاح من أنّ الماء إذا كان قدر

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٠ الحديث ٧١٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣٩٦٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٨٤ الحديث ٨٣٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٦ الحديث ٤٢٧٦.

(٣) منتهى المطلب : ٣ / ٢٦٨ ، البيان : ٩٥ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٢٩.

(٤) نسبه اليه في الحدائق الناضرة : ١ / ٣٢٤ ، لاحظ! الناصريّات : ٧٢ و ٧٣ المسألة ٣.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ١٣٣ الباب ١ من أبواب الماء المطلق.

(٦) مدارك الأحكام : ١ / ٤٠ ، ذخيرة المعاد : ١٢٥.

١٠٧

كرّ لم ينجسه شي‌ء (١) ، والمنطوقات الواردة في المواضع الخاصة ، والمفهوم لا عموم له ، لفقد اللفظ الدالّ عليه ، والمنطوقات كلّها في صورة ورود النجاسة على الماء خاصّة ، فيبقى العكس على الطهارة.

فأبطله الشهيد بأنّ المزج يحصل في الغسل عادة على التقديرين (٢).

مع أنّك عرفت أنّ المفهوم إذا كان حجّة يكون بعنوان العموم لا غير ، لأنّ المفهوم مفهوم أداة الشرط ، ومعنى الشرط ليس إلّا أنّ المشروط يعدم عند عدمه ، كما هو الحال فيما يفهم من عبارة : الشرط فيه كذا ، أو شرطه كذا ، أو شرطت كذا ، إلى غير ذلك.

فإذا كان شرطا كان مفاده ما ذكر ، وإلّا فليس المفهوم مفهوم شرط ، فلا يكون المفهوم حجّة أصلا ، كما ذهب إليه السيّد (٣).

على أنّه لو تمّ ما ذكر لزم عدم انفعال الماء القليل في صورة الغسل مطلقا ، كما ذهب إليه في «الذكرى» وشارح «الإرشاد» (٤).

وقوّاه الشيخ في «المبسوط» في مواضع منه ، وحكاه عن بعض الناس (٥) ، واختاره في «الخلاف» في مسألة الولوغ (٦) ، واختاره المحقّق الشيخ علي في بعض فوائده (٧).

وربّما يعزى إلى جماعة من متقدّمي الأصحاب : وجه اللزوم عدم العموم في

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ١٥٨ الباب ٩ من أبواب الماء المطلق.

(٢) ذكرى الشيعة : ١ / ١٣١.

(٣) الذريعة إلى اصول الشريعة : ١ / ٤٠٦.

(٤) ذكرى الشيعة : ١ / ٨٤ و ٨٥ ، لاحظ! مدارك الأحكام : ١ / ١٢٢. مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ٢٨٦ و ٢٨٧.

(٥) المبسوط : ١ / ٧.

(٦) الخلاف : ١ / ١٧٩ المسألة ١٣٥.

(٧) لاحظ! رسائل المحقق الكركي : ١ / ٨٣.

١٠٨

المفهوم ، وعدم ورود المنطوقات في صورة الغسل أصلا (١) ، ففي صورة الغسل لا ينفعل مطلقا على التقديرين ، فلا وجه لاشتراط الورود أصلا.

نعم ، ورد في بعض الأخبار أنّه يغسل اليد ثمّ يدخلها الإناء (٢) ، فتأمّل جدّا! لأنّ الفقهاء أفتوا بذلك ، فلعلّه مستثنى عند المشهور ، كغسل الإناء من الولوغ ، بل مطلقا.

قال الشيخ والمحقّق : لو وقع إناء الولوغ في الماء القليل نجس الماء ، ولم يحصل من الغسلات شي‌ء (٣).

فالظاهر منهما ومن غيرهما صبّ الماء في الإناء وتحريكه حتّى يستوعب ما نجس منه ثمّ تفريغه ، يفعل كذلك مرّتين في الولوغ بعد التعفير ، وثلاثا في غيره ، كما ورد في الموثّقة (٤).

وذكر جماعة من الأصحاب : أنّه لو ملأ الإناء ماء كفى إفراغه عن تحريكه ، وأنّه يكفي في التفريغ مطلقا وقوعه بآلة ، لكن بشرط عدم إعادتها إلى الإناء إلى أن يطهر (٥). وفيه أنّه خلاف المنصوص.

نعم ، لو لم يمكن بغير آلة بأن كان مثبتا ، يكون الأمر ، كما ذكروه ، إلّا أنّه لا يكون بمل‌ء الإناء ، بل بصبّ الماء في الإناء وغسل الأطراف والسطح السافل ثلاثا.

ويمكن الاكتفاء في غسل الأطراف بمرّتين ، لكن السافل يغسل ثلاثا ، والأحوط غسل الكلّ ثلاثا ، بل لا يكتفى بأقلّ منه في العمل.

__________________

(١) في (ف) و (ز ١) : أيضا.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٧ الباب ٢٧ من أبواب الوضوء.

(٣) المبسوط : ١ / ١٤ ، المعتبر : ١ / ٤٦٠.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٦ الحديث ٤٢٧٦.

(٥) ذخيرة المعاد : ١٧٨ ، الحدائق الناضرة : ٥ / ٤٩٨.

١٠٩

وبالجملة ، لو تمّ ما ذكروه من عدم العموم في المفهوم ولزوم الاقتصار على المنطوقات ، يلزم طهارة الغاسلة مطلقا ، وعدم الانفعال في الغسل مطلقا ، كما قاله الجماعة المذكورون.

وقال بعضهم : إنّ الغسالة كالمحلّ بعدها (١) ، واختاره في «الخلاف» محتجّا بأنّ الماء في الغسلة الاولى لاقى عين النجاسة ، بخلاف الغسلة الثانية ، فإنّه لم يلاق العين مطلقا. وبناء (٢) على أنّ الذي ثبت من المنطوقات من انفعال القليل هو ما إذا لاقى عين النجاسة لا المتنجّس أيضا (٣).

والمفهوم إمّا ليس له عموم عنده يشمل المتنجّس ، أو المتبادر من النجس فيه هو نفس نجس العين ، وليس نظره إلى ما قاله المصنّف سابقا ، لغاية وضوح فساده. بل إلى ما ذكرنا ، كما سيعترف به المصنّف.

وربّما قيل بأنّ الغسالة تنجس بعد الخروج والانفصال لا حين الغسل (٤) ، أمّا عدم الانفعال حين الغسل فلما عرفت ، وأمّا الانفعال بعد الغسل ، فلرواية العيص ابن القاسم عن الصادق عليه‌السلام عن رجل أصابه قطرة من طشت فيه وضوء ، قال : «إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصاب» (٥).

ويؤيّدها قويّة عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام : «الماء الذي يغسل به الثوب ، أو يغتسل به [الرجل] من الجنابة لا [يجوز أن] يتوضّأ منه وأشباهه» (٦).

__________________

(١) لاحظ! الحدائق الناضرة : ١ / ٤٨١.

(٢) في (ف) : وبناؤه.

(٣) الخلاف : ١ / ١٧٩ و ١٨٠ تنبيه : نقل بالمعنى مع توضيح منه.

(٤) مختلف الشيعة : ١ / ٢٣٩.

(٥) المعتبر : ١ / ٩٠ ، ذكرى الشيعة : ١ / ٨٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢١٥ الحديث ٥٥٢.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٢١ الحديث ٦٣٠ ، الاستبصار : ١ / ٢٧ الحديث ٧١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢١٥ الحديث ٥٥١.

١١٠

والرواية الاولى أوردها الشيخ في «الخلاف» (١) ، والمحقّق في «المعتبر» (٢) ، والعلّامة في «المنتهى» (٣) على وجه الاعتماد.

ووجه قوّة الثانية سندا يظهر من كتب الرجال ، ومرّ سابقا ، والروايتان ظاهرتان في عدم اعتبار ورود الماء ، وعدم نفعه في عدم الانفعال بمجرّد الملاقاة.

على أنّا لو سلّمنا عدم عموم المفهوم ، وعدم عموم المنطوق الدالّ على الانفعال بمجرّد الملاقاة ، بحيث يشمل الغسل ، لا نسلّم انحصار الغسل الصحيح في صورة ورود الماء ، لما عرفت من الصحيح والموثّق وغيرهما ، وما ستعرف.

غاية الأمر ، عدم نجاسة الغسالة في صورة الورود لو تمّ ما ذكروه.

ونسب إلى السيّد أنّه احتج بأنّا لو حكمنا بنجاسة الماء القليل الوارد على النجاسة لأدّى إلى أنّ الثوب لا يطهر من النجاسة إلّا بإيراد كرّ من الماء عليه ، والتالي باطل بالمشقّة المنفيّة بالأصل ، فالمقدّم مثله ، بيان الشرطيّة : أنّ الملاقي للثوب ماء قليل ، فلو نجس لم يطهّر الثوب ، لأنّ النجس لا يطهر غيره (٤).

وفيه ، أنّ السيّد لم يظهر منه كونه قائلا بالفرق ، فضلا عن أن يستدلّ بما لا ينفعه أصلا ، لأنّ النجاسة الشرعيّة من الأحكام الشرعيّة التعبديّة ، لا طريق للعقل إليها أصلا.

ألا ترى حكم الشرع بنجاسة شي‌ء في حالة دون اخرى ، ووجوب غسل قدر دون قدر ، وتطهيره بشي‌ء دون شي‌ء ، إلى غير ذلك.

مع أنّ ما حكم بنجاسته شرعا ليس أسوأ ممّا لم يحكم بها. عند العقل ، لو لم

__________________

(١) الخلاف : ١ / ١٧٩ ذيل المسألة ١٣٥.

(٢) المعتبر : ١ / ٩٠.

(٣) منتهى المطلب : ١ / ١٤٢.

(٤) نسب إليه في مختلف الشيعة : ١ / ٢٣٨ و ٢٣٩ ، لاحظ! الناصريّات : ٧٢ و ٧٣ المسألة ٣.

١١١

يكن الأمر بالعكس ، كالقي‌ء والمدّة (١) والنخامة والبلاغم ، وأشدّ منها نفرة وقذارة ، والكافرة التي في غاية الوجاهة والصفاء والنزاهة والنظافة بحيث كانت لها العشّاق الوالهون.

وبالجملة ، ما ذكر بديهي لا يحتاج إلى الإثبات ، فعلى هذا فأيّ مانع من أن يكون حال الغسل لا ينفعل مطلقا ، أعم من أن يكون بعد الانفصال ينفعل أم لا؟ كما عرفت.

بل لا مانع من كون النجس يطهر ، كما هو الحال في حجر الاستنجاء ، وغيره من آلات الاستنجاء وغيرها ، مثل الأرض للتطهير ، كما سيجي‌ء.

وإن أراد أنّه ليس من العقل ، بل من النقل ، ففيه ما عرفت من حجر الاستنجاء وغيره ، فإن الحجر ما لم يلاق الموضع الرطب لا يطهر ، وبمجرّد الملاقاة ينفعل إجماعا.

مع أنّه مرّ أنّ بعض الأجسام لا تطهر في الاستنجاء (٢) ، وإن كانت مثل الحجر والكرسف ينظف ، بل لا بدّ من تثليث الحجر وإن وقع النقاء قبله ، أو وقع النقاء من مسح أطرافه بالمسحات الثلاث وأزيد ، وأنّه إن تعدّى النجاسة عن الموضع المعتاد قدر شعرة لا ينفع غير الماء ، إلى غير ذلك.

فأيّ مانع من أن يكون ما ينفعل منه بالملاقاة يطهر شرعا؟

مع أنّ الحكم الشرعي لا يثبت إلّا من الأدلّة الخمسة ، ولم يدلّ شي‌ء منها على ما ذكر ، فإنّ غير الإجماع في غاية الوضوح ، وأمّا الإجماع فهو فيما إذا كان المطهّر نجسا سابقا على الملاقاة.

__________________

(١) المدّة : ما يجتمع في الجرح من القيح (لسان العرب : ٣ / ٣٩٩ ، مجمع البحرين : ٣ / ١٤٤).

(٢) راجع! الصفحة : ١٨٥ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

١١٢

وأمّا إذا كان طاهرا إلّا أنّه لاقى النجس الذي يطهّره حال الغسل ، فقد ذهب الفحول من علمائنا إلى الانفعال بمجرّد الملاقاة وحصول التطهير ، وهو المشهور بين فقهائنا ، لقولهم بعموم المفهوم الذي هو الحقّ ، كما عرفت ، وحصول التطهير بالغسل بالقليل بالإجماع والأخبار.

لا يقال : إذا انفعل بالملاقاة فبعد العصر يبقى منه في الثوب. وكذا الحال في غيره ، إذ يبقى بعد الغسل رطوبة ، فلازم ذلك نجاسة ما يبقى.

لأنّا نقول : مقتضى الأدلّة حصول التطهير بالغسل مع الانفعال بالملاقاة ، ولا استبعاد في ذلك ، لأنّ العصير يطهر ما بقى بمجرّد ذهاب الثلثين ، ويطهر القدر وآلات الطبخ وغير ذلك ، وكذا الحال في تطهير البئر بالنزح ، ويطهر ظرف المسكرات بجعلها خلّا أو مثله ، إلى غير ذلك ، ولذا لم يجعله المستدلّ مانعا ، بل جعل المانع كون النجس يطهّر غيره.

وممّا ذكر ظهر فساد ما ذكره المصنّف من قوله : وظنّي. إلى آخره ، سيّما على ما عرفت من لزوم التطهير على رأي المصنّف من مسح نجاسة الإناء بشعر الكلب والخنزير إلى أن تذهب العين. وقوله بنجاسة الإناء من ولوغ الكلب والخنزير في مائه ، ووقوع الميتة فيه من دون ملاقاة الإناء أصلا ، وعدم انفعال الماء الذي لاقاه لسان الكلب والخنزير والميتة ، مع أنّه قال في الميتة ما قال ممّا عرفت ، وقوله بأنّ هذا الإناء لا يطهر إلّا بالتعفير والغسل جميعا في الولوغ ، والغسل مرّتين في غيره ، إلى غير ذلك ممّا مرّ منه وسيجي‌ء.

وممّا ذكر ظهر أيضا ما في قوله : ويؤيّده أنّه. إلى آخره ، إذ قد عرفت أنّ المفهوم عام ، والمنطوقات غير مختصّة بملاقاة النجاسة العينيّة.

وأشرنا إلى بعضها في مقام إبطال قول المصنّف بأنّ المتنجّس لا ينجّس ، فلاحظ.

١١٣

وقوله : وله شواهد من الروايات ، لم نجدها أصلا ، بل وجدنا ما يشهد بل ويدلّ على خلافه ، مثل رواية العيص (١) وغيرها ، مضافا إلى ما دلّ على انفعال القليل بالمتنجّس.

وقوله : إلّا أنّه لم أجد. إلى آخره. فيه ما عرفت من أنّ القائل هو الشيخ في «الخلاف» (٢). ومن قال بأنّ الغسالة كالمحلّ بعدها.

مع أنّه كتب في الحاشية هكذا قيل : الغسالة كالمحلّ قبلها ، فيغسل من الغسالة الاولى مرّتين والثانية مرّة. وقيل : كالمحلّ بعدها ، فيغسل من الاولى مرّة ولا غسل من الثانية ، وهو الموافق لما اخترناه (٣) ، انتهى.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢١٥ الحديث ٥٥٢.

(٢) الخلاف : ١ / ١٧٩ و ١٨٠.

(٣) انظر! مفاتيح الشرائع : ١ / ٧٦ الهامش ١.

١١٤

٨٦ ـ مفتاح

[لزوم العصر وعدمه]

المشهور توقّف تطهير ما يرسب فيه الماء على العصر إن غسل بالقليل ، إلّا بول الرضيع. خلافا لبعض المتأخّرين (١) ، ومنهم من قال : لا يطهر بالقليل ما لا ينفصل الغسالة منه بالعصر ، كالصابون والفواكه (٢).

ويشكل بلزوم الحرج والضرر ، وبأنّ ما يتخلّف في مثله من الماء ربّما كان أقلّ من المتخلّف في الحشايا بعد الدقّ والتغميز ، وقد حكموا بطهارتها بذلك من غير عصر ، وبإطلاق الأمر بالغسل الشامل للقليل والكثير ، فالطهارة أصحّ.

__________________

(١) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ٣٣٣ ـ ٣٣٥ ، السيد العاملي في مدارك الأحكام : ٢ / ٣٢٦ و ٣٢٧.

(٢) لاحظ! الدروس الشرعيّة : ١ / ١٢٤ و ١٢٥ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٣١ ، ذخيرة المعاد : ١٦٣.

١١٥
١١٦

قوله : (العصر). إلى آخره.

المراد من العصر : فعل يخرج الماء المغسول به باجتهاد فيه ، أعم من أن يكون بالتغميز أو الليّ أو الكبس.

احتجّ على ما ذكره المصنّف في «المعتبر» : بأنّ النجاسة ترسخ في الثوب فلا تزول إلّا بالعصر (١) ، وبأنّ الغسل إنّما يتحقّق في الثوب ونحوه بالعصر ، وبدونه يكون صبّا.

واحتجّ عليه في «المنتهى» بأنّ الماء ينجس بملاقاة الثوب ، فيجب إزالته بقدر الإمكان (٢) ، وبصحيحة أبي العبّاس عن الصادق عليه‌السلام : «إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن مسّه جافّا فاصبب عليه الماء» (٣).

وحسنة الحسين عن الصادق عليه‌السلام قال : وسألته عن الثوب يصيبه البول ، قال : «اغسله مرّتين» ، وسألته عن الصبي يبول في الثوب؟ قال : «تصب عليه الماء قليلا ثمّ تعصره» (٤).

واعترض في «المدارك» على الأوّل بأنّه إنّما يقتضي الوجوب ، إذا توقّف عليه خروج عين النجاسة ، والمدّعى أعم.

وعلى الثاني ، بمنع دخول العصر في مفهوم الغسل ، بل الظاهر تحقّقه بالصبّ المشتمل على الاستيلاء والجريان والانفصال.

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٤٣٥.

(٢) منتهى المطلب : ٣ / ٢٦٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦١ الحديث ٧٥٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٤١ الحديث ٤١٠٨.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٥ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٤٩ الحديث ٧١٤ ، الاستبصار : ١ / ١٧٤ الحديث ٦٠٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٥ الحديث ٣٩٦٢ ، ٣٩٧ الحديث ٣٩٦٧.

١١٧

وعلى الثالث ، بمنع نجاسة الماء مع وروده على النجاسة ، سلّمنا ، لكن اللازم منه الاكتفاء بما يحصل به الإزالة ، وإن كان بمجرّد الجفاف.

وما قيل من أنّا نظنّ بانفصال أجزاء النجاسة مع الماء بالعصر بخلاف الجفاف المجرّد ، فدعوى مجرّدة عن الدليل.

على أنّه يمكن أن يقال بطهارة المتخلّف من الماء مع العصر وبدونه ، لعموم ما دلّ على الطهارة بالغسل المتحقّق بصب الماء مع استيلائه وانفصاله.

وقد اعترف الأصحاب بطهارة المتخلّف بعد العصر ، وإن أمكن إخراجه بعصر ثان أقوى.

وعلى الاولى ، بمنع دلالة المغايرة بين الغسل والصب على العصر ، خصوصا مع تصريحهم بأنّ المراد من الصب : الرشّ.

وعلى الثانية ، بأنّها تضمّنت الأمر بالعصر في بول الصبي ، والظاهر أنّه الرضيع ، للاكتفاء في طهارته بالصب الواحد ، فهي متروكة الظاهر.

ويمكن حمل الأمر بالعصر على الاستحباب ، أو ما إذا توقّف عليه إخراج النجاسة. إلى أن قال : فلو قيل بعدم اعتبار العصر إلّا إذا توقّف عليه إخراج النجاسة لكان قويّا ، ومال إليه شيخنا سلّمه الله تعالى (١) ، انتهى ملخّصا.

ويتوجّه عليه أنّ دليل الفقيه ربّما يكون أخصّ ، مع أنّ مراد المحقّق من النجاسة ليس خصوص نجس العين ، بل أعم منه ومن المتنجّس ، كما هو الظاهر من قوله : وتعصر الثياب من النجاسات كلّها (٢).

مع أنّ مراده ومراد غيره من لفظ «النجس» في أمثال المقام هو الأعم بلا

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٢٦.

(٢) شرائع الإسلام : ١ / ٥٤.

١١٨

تأمّل ، وعرفت أنّ المشهور ـ ومنهم المحقّق ـ يقولون : بأنّ الماء في الغسل ينفعل بالملاقاة ، فلازم ذلك وجوب إخراج الغسالة التي نجسة عندهم ، يعني القدر الذي يخرج بالعصر المتعارف ، فبعد الانفصال (١) لا تأمّل عندهم في وجوب الاجتناب ، ووجوب غسله على حسب ما عرفت.

وأمّا منعه دخول العصر في مفهوم الغسل ، ففيه أنّ الفقهاء قالوا بعدم وجوب غسل بول الرضيع ووجوب الصبّ عليه ، مع حكمهم بوجوب إخراج عين النجاسة من الثوب ، وإن كان بول الرضيع ، كما مر (٢).

ووافقهم المعترض في ذلك ، إلّا أنّه قال : مع احتمال الاكتفاء به مطلقا ، لإطلاق النصّ. فجعل هذا احتمالا متأخّرا مخالفا لما قطع الأصحاب ظاهرا ، لأنّه قال : لإطلاق النص ، ولم يضمّ معه كلام الأصحاب.

مع أنّه قال : ويعتبر في الصبّ الاستيعاب لا الانفصال ، على ما قطع به الأصحاب ودلّ عليه إطلاق النص ، إلّا أن يتوقّف عليه زوال عين النجاسة ، مع احتمال الاكتفاء به مطلقا ، لإطلاق النص (٣) ، انتهى.

مع أنّ الظاهر أنّ العامّة أيضا وافقوا الفقهاء فيما ذكر ، فمع جميع ما ذكر كيف منع الدخول في مفهوم الغسل؟ مع أنّ المحقّق ما ادّعى الدخول في المفهوم ، بل ادّعى أنّ الفرق يتحقّق به.

وممّا ذكر ظهر ما في قوله : بل الظاهر. إلى آخره.

وما ذكره من منع نجاسة الماء بوروده على النجاسة ، فيه ما عرفت سابقا ،

__________________

(١) في (ف) و (ز ١) : عند الانفعال.

(٢) راجع! الصفحة : ٦٩ ـ ٧٠ من هذا الكتاب.

(٣) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٣٣.

١١٩

وأنّ النجاسة مطلقا من المسلّمات عندهم ، فلا وجه للاعتراض عليهم في المقام ، فتأمّل! مع أنّك عرفت أنّ ذلك هو الأظهر ، بل الصواب.

وما ذكره من قوله : لكن اللازم منه. إلى آخره. فيه ، أنّ المطهّر هو الغسل بالإجماع والأخبار ، لا أنّه يبقى على النجاسة بعد الغسل إلى أن يحصل الجفاف أو مثله ، فيكون المطهّر هو الجفاف ، أو مثله لا الغسل وفيه ما فيه.

مع أنّه يلزم على هذا تنجيس القطرات والرطوبات السارية إلى يد الغاسل وثيابه ، وغيرهما ممّا مسّه قبل الجفاف ، ولا شكّ في فساده أيضا.

وما ذكره من قوله : (فدعوى مجردة عن الدليل) فيه ، أنّ الوجدان حاكم بما ذكر ، إذ من البديهيّات أنّ الذي يزول ويذهب بالجفاف هو الأجزاء المائيّة خاصّة ، فتأمّل جدّا!

وقوله : على أنّه يمكن أن يقال. إلى قوله : وانفصاله عنه.

لا يخفى ما فيه من التدافع ، لأنّ القائل قال بأنّ الظن حاصل بانفصال أجزاء النجاسة مع الماء بالعصر ، بخلاف الجفاف المجرّد ، فاعترض بأنّه لا دليل عليه ، ثمّ قال : على أنّه. إلى آخره. إذ غير خفيّ أنّ مراد القائل من أجزاء النجاسة ليس إلّا أجزاء العين النجسة ، ولا يقبل الحمل على أجزاء ماء الغسالة ، ولذا اعترض بأنّه مجرّد دعوى.

فإذا سلّم ذلك ، لم يكن لتسليمه معنى ، إلّا أن يقول : سلّمنا عدم خروج الأجزاء من العين النجسة ، وقوله : وانفصاله عنه يقتضي خروج الجميع ، وأنّه لا ضرر حينئذ في الغسالة الخالية عن أجزاء النجسة بالمرّة. وفيه ما فيه.

هذا إن كان الاعتراض أيضا على القائل. وإن كان على العلّامة ، ففيه ، أنّ بعد تسليم الانفعال بمجرّد الملاقاة وكون الغسل من جهة الأمر به ، لم يبق لهذا

١٢٠