مصابيح الظلام - ج ٥

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٥

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-5-1
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤٨

وغير خفيّ أنّ الحقّ معه ، وأنّ هذا الاحتياط واجب ، لعدم ثبوت رفع الحدث والخبث شرعا. وعرفت أنّه أمر لا طريق للعقل إليه ، ولا معنى لتجويزه بأصالة الإباحة بعد القول باشتراط الماء.

والعلّامة اعتبر إطلاق اسم الماء عرفا ، قال : وطريق معرفة ذلك في مسلوب الصفات أن يقدّر صفاته ، ثمّ يعتبر ممازجته ، فيحمل عليه المسلوب (١) ، انتهى.

ووجّه اعتباره التقديري في «النهاية» بأنّ الإخراج عن الاسم سالب للطهوريّة. والمسلوب لا يخرج عن الاسم بسبب الموافقة في الأوصاف ، فنعتبره بغيره ، كما يفعل في حكومات الجراح (٢).

ووافقه الشهيد في «الدروس» (٣) ، والشيخ علي رحمه‌الله ووجهه بمثل ما وجهه العلّامة (٤).

ولا بدّ فيه من تأمّل ، وكذا فيما اعتبراه من الوصف بحسب الشدّة والضعف ، من أنّه المتوسّط بين الشديد والضعيف.

والظاهر أنّ العبرة بالإطلاق العرفي مطلقا ، بشرط علم أهل العرف بالممزوج وقدره.

والظاهر عدم ثبوت إطلاق حقيقي عرفي في المساوي ولا الأكثر إلّا نادرا ، وفي صورة الشكّ في تحقّق الإطلاق الحقيقي يكون التطهير والتيمّم معا ، وغسل الخبث (٥) ثانيا بعد التمكّن من الماء الخالي عن الشبهة.

__________________

(١) مختلف الشيعة : ١ / ٢٣٩.

(٢) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ١١٥ ، لاحظ! نهاية الإحكام : ١ / ٢٣٦ و ٢٣٧.

(٣) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٢٢.

(٤) جامع المقاصد : ١ / ١٢٣ و ١٢٤.

(٥) في (ك) : الجنب.

١٤١

قوله : (بل جوّز السيّد). إلى آخره.

عن الشيخ في «الخلاف» أنّ في أصحابنا من قال بأنّ الجسم الصيقلي كالسيف والمرآة والقوارير إذا أصابته نجاسة كفى في طهارته مسح النجاسة عنه ، ونسب ذلك إلى المرتضى وقال : لست أعرف به أثرا (١) ، واختار عدم الطهارة إلّا بالغسل ، لأنّ النجاسة معلومة ، والحكم بزوالها يحتاج إلى شرع ، وبطريقة الاحتياط.

واختاره الفاضلان (٢) وكلّ من تأخّر عنهما (٣) ، واعترض في «الذخيرة» على الدليل بأنّه استصحاب وليس بحجّة (٤).

وفيه ، أنّ الاستصحاب حجّة ، كما حقّقنا في «الفوائد» (٥) ، ورسالة على حدة (٦).

ومع ذلك نقول : إن أراد أنّ الجسم الصيقلي لم ينفعل بملاقاته النجاسة رطبا أصلا ، وأنّه لا تفاوت بين ملاقاته لها يابسين جافين ، وبين ملاقاته لها رطبين أو أحدهما رطبة ، بل وإن كانت بولا من الكلب أو غيره ، أو خمرا أو غيرها من المائعات النجسة ، فإنّ الجسم الصيقلي يكون طاهرا عنده لم ينفعل أصلا ورأسا بملاقاته البول المذكور والمني الرطب وأمثالهما أيضا. فمع أنّه خلاف الإجماعات المنقولة ، بل خلاف ضروري الدين ، وخلاف ما يظهر من الأخبار أيضا من انحصار عدم الانفعال فيما إذا كان جافّا ملاقيا ليابس من النجس.

__________________

(١) الخلاف : ١ / ٤٧٩ المسألة ٢٢٢.

(٢) المعتبر : ١ / ٤٥٠ ، تذكرة الفقهاء : ١ / ٧٨ ، تحرير الأحكام : ١ / ٢٥ ، منتهى المطلب : ٣ / ٢٨٦.

(٣) انظر! الدروس الشرعية : ١ / ١٢٦ ، جامع المقاصد : ١ / ١٨٤ و ١٨٥ ، الحدائق الناضرة : ٥ / ٢٩٩ و ٣٠٠.

(٤) ذخيرة المعاد : ١٨٠.

(٥) الفوائد الحائرية : ٢٧٤ الفائدة ٢٧.

(٦) لاحظ! الرسائل الاصولية : ٤٢٣ ـ ٤٤٤.

١٤٢

انحصار عدم الانفعال فيما إذا كان جافّا ملاقيا ليابس من النجس.

ومع ذلك لم يقل السيّد بالاكتفاء في الطهارة بالتمسّح ، إذ زوال العين كاف بأيّ نحو كان ، بل لا يحتاج إلى زوال العين أصلا ، لأنّه لم ينفعل الملاقاة رطبا فيكون طاهرا ، وإن كان غريقا في بحار النجاسات ، بل وإن لم يمكن إزالة النجاسات عنه ، لتعذّر الانفكاك عنها.

وإن قال بأنّ الجسم المذكور ينفعل بالملاقاة رطبا أو مائعا ، فيصير متنجّسا أو نجسا ، فقد عرفت أنّ النجاسة ليست مجرّد اللفظ والعبارة ، بل معناه أحكام شرعيّة لا طريق للعقل إليها ، فكما كان تنجّسه وانفعاله يتوقّف على الشرع ، فكذلك رفع هذه الحالة التي لا طريق للعقل إليها أصلا ، ويعبّر عنه بالطهارة الشرعيّة.

وبديهي أنّ العقل لا طريق له في الطهارة الشرعيّة ، والنظافة العرفيّة لا دخل لها في الطهارة الشرعيّة ، ولذا لم تصر الطهارة الشرعيّة دائرة مع النظافة العرفيّة ، حتّى تصير النجاسة الشرعيّة دائرة مع الكثافة العرفيّة.

وصاحب «الذخيرة» أنكر كون الأصل في الأشياء الطهارة (١) ، كما مرّ (٢) ، والمقرّ يقول : الأصل الطهارة إلى أن يحصل العلم بالنجاسة ، لا بعد حصول العلم أيضا.

ودليله لم يقتض إلّا ذلك ، مثل ما في الموثّقة : «كلّ شي‌ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر» (٣) فإطلاقه يقتضي الاجتناب مطلقا ، إلى أن يثبت من الشرع خلافه.

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ١١٦ مع اختلاف يسير.

(٢) راجع! الصفحة : ٢٣ من هذا الكتاب.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٨٤ الحديث ٨٣٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٦٧ الحديث ٤١٩٥.

١٤٣

الشرع بيقين لا ينقض هذا الحكم إلّا أن يثبت منه خلافه بيقين ، ويعمل به في أمثال المقام ، على أنّ النجاسة والطهارة ممّا وقع الإجماع على استصحابهما ، كأكثر الأحكام الشرعيّة ، فلاحظ وتتبّع الموارد.

ولذا حكم السيّد بلزوم المسح هنا لا أقل (١) ، كما هو غير خفيّ ، لا أنّه أيضا غير لازم ، بل اللازم زوال العين كيف كان ، بل اللازم الطهارة مع عدم الزوال ، بل اللزوق التام بحيث لا يمكن الإزالة ، إذ لم يرد حديث في أنّ الجسم المذكور انفعل وتنجّس.

بل في الحديث : أنّ نجس العين نجس ـ إن ورد حديث كذلك ـ لكنّه لم يرد أيضا أنّ نجس العين ينجّس.

بل الوارد الأمر بغسله ، فإن كان شاملا للمقام يتعيّن الغسل جزما ، ولا ينفع المسح قطعا ، وإن لم يرد فيه الأمر بالغسل فلم يمسح ، إذ لم يرد الأمر بالمسح جزما.

وإن بنى على أنّ نجاسة الأشياء لا تثبت إلّا من الإجماع أو بضميمته ، فغير خفيّ أنّ مقتضى كلام المجمعين والطريقة المستقرّة (٢) بين الشيعة أنّه إذا كان شي‌ء محكوما بالنجاسة فلا بدّ في الحكم بطهارته من مستند شرعي ، إمّا الإجماع أو الأخبار التي تكون حجّة ، كما لا يخفى على المطّلع.

وممّا ذكر ظهر فساد ما قاله المصنّف من أنّ غاية ما يستفاد. إلى آخره ، لأنّ وجوب الاجتناب من الأعيان النجسة إنّما ثبت من الأمر بغسلها ، كما قال سابقا ، وهو المعلوم في أكثر النجاسات ، فمع هذا كيف لا يتعيّن غسلها قطعا؟

وكفاية المسح عن الغسل حينئذ فاسد بالبديهة. وإن قال بأنّه غير شامل

__________________

(١) نقل عنه الشيخ في الخلاف : ١ / ٤٧٩ المسألة ٢٢٢.

(٢) في (ك) : المستمرّة.

١٤٤

للمقام ، بل منحصر في الثوب والجسد ، ففيه ، أنّه ورد الأمر بالغسل في الأواني ، وربّما كانت آنية صيقليّة ، مع أنّه إذا لم يكن شاملا للمقام فمن أين تحكم بالنجاسة فيه مع عدم دليل؟ ولم يأمر بالمسح الذي لا دليل عليه أصلا؟

وكيف يمكن حكمك بالنجاسة من جهة ورود الأمر بالغسل في الثوب ونحوه وتقول بعدم وجوب الغسل وكفاية المسح؟

فإن كان التعدّى من مورد النصّ بسبب تنقيح المناط ، فلازم ذلك وجوب الغسل في المقام أيضا ، وإلّا فكيف تحكم بالنجاسة من دون دليل بزعمك؟

وإن بنى على أنّ الدليل هو الإجماع ، فمن المعلوم من المجمعين أنّه إذا صار شي‌ء محكوما بالنجاسة شرعا فلا بدّ في الحكم بغير النجاسة فيه من دليل شرعي ، إذ تغيّر حكم شرعي إلى حكم آخر شرعي مغاير للأوّل كيف يمكن بغير دليل شرعي؟ وأيّ دليل على كون المسح مطهّرا ، وأنّ بعده تتبدّل النجاسة الثابتة شرعا بالطهارة الشرعيّة؟

على أنّ ما ذكره المصنّف ـ إن تمّ ـ لزم عدم تنجّس الأشياء بنجس العين ، وإن كانت ملاقية له رطبا ، بل غريقة فيه ملتزقة له بحيث لا يمكن الانفكاك ، لأنّ الذي يجب الاجتناب عنه خصوص نجس العين ، لا المتنجّس منه ، بل لا يكون شي‌ء متنجّسا منه أصلا ، لعدم وجوب اجتناب عنده إلّا من نفس الأعيان.

فقوله : (فكلّ ما علم زوال النجاسة حكم بتطهيره) ، فيه ما فيه ، لأنّه لم يكن نجسا أصلا حتّى يحكم بتطهيره بعد زوال العين ، والنجس زال وذهب.

ولا يمكن تطهيره ، إلّا أن يكون مراده من قوله : تطهيره ، يعني زوال عين النجاسة عنه.

وفيه أيضا ما فيه : لأنّ المعنى حينئذ : أنّ ما زال عين النجاسة عنه ، حكم بأنّه زال عين النجاسة عنه.

١٤٥

مع أنّ هذا التطهير لا نزاع فيه ، ولا يمكن النزاع فيه بعد الزوال ، بل الكلام إنّما هو في الطهارة الشرعيّة ، وكونها مجرّد زوال عين النجاسة ، فيه ما فيه.

قوله : (كالثوب والبدن).

فيه أيضا ما فيه ، لأنّ الذي ورد الأمر بغسله في الثوب والبدن هو قليل من النجاسات.

مع أنّ أكثرها ورد في الثوب خاصّة ، فلازم ما ذكره كفاية مجرّد زوال العين في الثوب والبدن أيضا في أكثر النجاسات ، بل كفاية ذلك في البدن أيضا ، إلّا في نادر من النجاسات.

مع أنّه إن أراد خصوص الثوب والبدن ، ففيه ، أنّ كثيرا من الأشياء ورد الأمر بغسلها من النجاسة ، وإن أراد كلّ ما ورد الأمر بالغسل فيه ، والثوب والبدن من باب المثال ، ففيه ، أنّه على هذا لا وجه لموافقته مع السيّد في قصر هذا الحكم في خصوص الصيقلي ، بل ما لم يرد الأمر بالغسل فيه من الأجسام التي ليست بصقيلة لا تعدّ ولا تحصى ، بل الذي ورد أيضا ، ربّما لم يرد فيه إلّا بالنسبة إلى خصوص نجاسته.

وممّا ذكر ظهر ما في قوله : (ومن هنا) يظهر. إلى آخره. لأنّ ما ذكره لا خصوصيّة له بالبواطن أصلا ، بل الظواهر كلّها كذلك إلّا ما قلّ ، مع أنّ المستثنى عند الفقهاء خصوص البواطن ، إذ لا نعرف خلافا في ذلك من أحد منهم.

واستدلّ على ذلك بموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام عن رجل يسيل من أنفه الدم ، هل عليه أن يغسل باطنه يعني جوف الأنف؟ فقال : «إنّما عليه أن يغسل ما ظهر [منه]» (١).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٩ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٠ الحديث ١٣٣٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٨ الحديث ٤٠٩٨.

١٤٦

وصحيحة صفوان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن عبد الحميد بن أبي الديلم أنّه قال للصادق عليه‌السلام : رجل شرب الخمر فبصق فأصاب ثوبي من بصاقه؟ فقال : «ليس بشي‌ء» (١).

وهاتان سندهما في غاية الاعتبار ، بل حجّة ، وعلى القول. الضعيف بأنّهما ضعيفتان ، فمنجبرتان بالفتاوى والاصول.

ويؤيّده أيضا طهارة ما خرج من ممرّ البول والغائط والمني والدم من الرطوبات والقيح والمذي وغير ذلك ، إلّا أن يقال : الامور المذكورة لا تصير نجسة إلّا بعد الخروج.

مع عدم تحقّق إجماع على تنجّس البواطن لو لم نقل بالإجماع على العدم ، مضافا إلى الاصول والعمومات.

قوله : (كما يستفاد من الصحاح). إلى آخره.

هي صحيحة زرارة عن الصادق عليه‌السلام : «في كتاب علي عليه‌السلام : أنّ الهرّ سبع ، ولا بأس بسؤره وإنّي أستحي من الله أن أدع طعاما ، لأنّ الهرّ أكل منه» (٢).

وصحيحة ابن مسلم عنه عليه‌السلام : «لا بأس بأن يتوضّأ من فضل السنّور إنّما هي من السباع» (٣).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٨٢ الحديث ٨٢٧ ، الاستبصار : ١ / ١٩١ الحديث ٦٧٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٣ الحديث ٤٢١٢.

(٢) الكافي : ٣ / ٩ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٢٧ الحديث ٦٥٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٧ الحديث ٥٨٠ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٢٥ الحديث ٦٤٤ ، الاستبصار : ١ / ١٨ الحديث ٣٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٧ الحديث ٥٨١ نقل بالمعنى.

١٤٧

وصحيحة أبي العبّاس المذكورة مكرّرا ، وغيرها من الصحاح والمعتبرة.

منها موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام سئل عمّا يشرب منه باز ، أو صقر ، أو عقاب ، فقال : «كلّ شي‌ء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه ، إلّا أن ترى في منقاره دما ، فإن رأيت في منقاره دما ، فلا تتوضّأ منه ولا تشرب» (١) ، إلى غير ذلك ممّا دلّ على ذلك بإطلاقه ، أو ترك الاستفصال ، أو نصّا كالموثّقة.

والعلّامة في «النهاية» (٢) شرط الغيبة ، مع احتمال التطهير بالولوغ في ماء جار أو كثير (٣) ، لكن في «المنتهى» اكتفى بزوال العين ، ونسب ما ذكره في «النهاية» إلى بعض المخالفين (٤).

والشيخ في «الخلاف» أيضا ـ بعد ما حكم بجواز الوضوء من سؤر الهرّة التي أكلت الفأرة ـ حكى عن بعض المخالفين اعتبار الغيبة عن العين ، ثمّ قال : والذي يدلّ على ما قلناه إجماع الفرقة على أنّ سؤر الهرّة طاهر ولم يفصلوا (٥).

والمحقّق أيضا حكم بالطهارة غابت أو لم تغب ، لعموم الأخبار (٦).

أقول : مقتضى ظاهر الأخبار الحكم بالطهارة ما لم يرى الدم في المنقار أو الفم ، من دون اشتراط حصول العلم أو الظن بزوال العين ، كما لا يخفى.

ولعلّ ذلك مراد الفقهاء أيضا سيّما المحقّق ، فإنّه قال : إذا أكلت الهرّة ميتة ثمّ شربت لم ينجس الماء وإن قلّ ، سواء غابت أو لم تغب ، وذكره عن «المبسوط»

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٩ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٣٠ الحديث ٥٩٠ مع اختلاف يسير.

(٢) في (ف) و (ز ١) زيادة : فصرّح.

(٣) نهاية الإحكام : ١ / ٢٣٩.

(٤) لاحظ! منتهى المطلب : ١ / ١٦١.

(٥) الخلاف : ١ / ٢٠٣ المسألة ١٦٧.

(٦) المعتبر : ١ / ٩٩.

١٤٨

أيضا لعموم الأخبار (١) ، منها صحيحة زرارة (٢) ، بل لعلّ عبارة «المنتهى» أيضا كذلك (٣) ، فلاحظ.

ويشهد عليه عدم معهوديّة غسل الدوابّ وأمثالها بين المسلمين بتنجّسها بالدم من الجراحة وغيرها ، وبالبول والغائط ، ومن أكل النجاسة وتمرّغها فيها ، ومن المني حال السفاد ، وأمثال ذلك.

قوله : (والظاهر لا يكفي). إلى آخره.

فيه ، أنّه إن أراد أنّه كذلك واقعا ، ففيه أنّه مخالف لما قرّره من توقّف كلّ شي‌ء في المقام على ورود خبر ، وأيّ خبر ورد في ذلك؟ إذ الذي ورد في بعض المواضع أمر صاحب الثوب أو البدن بالغسل (٤). وهذا لا يقتضي احتراز غيره عنه أيضا إلّا بعد العلم بالغسل المذكور.

وإن أراد النقض على الفقهاء ، ففيه ، أنّهم لا يحكمون إلّا من نصّ ، أو إجماع مركّب أو بسيط ، أو أصل.

فإن حكمنا ببقاء ثوب الرجل على النجاسة إلى أن يثبت خلافه ، إنّما هو من الاستصحاب عند القائل به ، ومقتضى الاستصحاب وإن كانت نجاسته حتّى يثبت خلافه ، إلّا أن ثوب غيره الملاقي للثوب والبدن النجسين له أو بدنه ، وبدنه كذلك أيضا كان طاهرا قطعا ، وبمجرّد ملاقاة الثوب أو البدن المذكورين لا يحصل العلم بنجاسة ثوب نفسه أو بدن نفسه ، لاحتمال وقوع الطهارة في ثوب الرجل الذي

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٩٩ ، المبسوط : ١ / ١٠.

(٢) الكافي : ٣ / ٩ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٢٧ الحديث ٦٥٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٧ الحديث ٥٨٠.

(٣) منتهى المطلب : ١ / ١٦١.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٨ الباب ١٩ من أبواب النجاسات.

١٤٩

غاب أو بدنه.

فالاستصحابان متعارضان ، كما ذكر العلّامة نظيره في الصيد الذي وقع في ماء قليل ومات ، بحيث احتمل كون موته من الصيد ، أو الماء الذي وقع فيه ، فإنّه حكم بطهارة الماء المذكور ونجاسة الصيد وحرمة أكله ، لتعارض أصالة طهارة الماء وأصالة عدم التذكية شرعا (١).

على أنّه أيّ مانع من أنّهم يعتبرون هذا في خصوص المقام بناء على إجماع منهم؟

على أنّ الآدمي المذكور بعد غيبته لا يجب الاحتراز عنه ، فتأمّل!

على أنّه إن كانت عين النجاسة باقية فالغيبة لغو عند الكلّ ، وإن زالت العين فالمتنجّس لا ينجّس مطلقا عند المصنّف.

وأمّا القوم ، وإن قالوا بأنّ المتنجّس نجس ، إلّا أنّ دليلهم الأخبار والإجماع ، ولم يرد حديث ولا إجماع في المقام ـ يعني بعد غيبة الآدمي ، واحتمال تطهيره ـ أنّه ينجّس.

واستصحاب المنجّسيّة السابقة معارض باستصحاب الطهارة السابقة ، من دون دليل على الانفعال بملاقاة مورد. الاستصحاب من حديث أو إجماع ، لما عرفت.

على أنّ الظاهر من قوله عليه‌السلام : «كلّ شي‌ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر» (٢). وقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : «حتّى تستيقن أنّه نجّسه» (٣) وغير ذلك من

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ١ / ٦٢ ، منتهى المطلب : ١ / ١٧٢ ، تحرير الأحكام : ١ / ٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٨٤ الحديث ٨٣٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٦٧ الحديث ٤١٩٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦١ الحديث ١٤٩٥ ، الاستبصار : ١ / ٣٩٢ الحديث ١٤٩٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٥٢١ الحديث ٤٣٤٨.

١٥٠

الأخبار ، عدم التنجّس إلّا من ملاقاة ما هو نجس واقعا ، لا ملاقاة مورد الاستصحاب أيضا.

نعم ، إن أراد أن يصلّي فيه غير صاحبه ممّن علم بنجاسته ، يكون كما ذكره المصنّف.

قوله : (ولو استند). إلى آخره.

الظاهر أنّ دليل اعتبار الاستناد إلى إخباره مع عدم ظهور خلافه ، الإجماع وبعض الأخبار.

أمّا الإجماع ، فلأنّ المسلمين في الأعصار والأمصار لا يقتصرون في غسل الثياب النجسة على المباشرة بأنفسهم ، أو المشاهدة أو الشياع المفيد للعلم ، أو شهادة العدلين ، أو العدل الواحد أيضا.

بل يكتفون بإخبار كلّ من غسل من المسلمين من النساء والرجال بأنّه غسل ، أو بإظهار ذلك بأيّ نحو يحصل لهم العلم بأنّه مخبر ، أو مظهر لفعله.

وأمّا بعض الأخبار ، فمثل حسنة ميسر عن الصادق عليه‌السلام قال له : آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله فاصلّي فيه فإذا هو يابس ، قال : «أعد صلاتك ، أما أنّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي‌ء» (١). وجه الدلالة أنّه عليه‌السلام ما نهى الراوي عمّا فعله ، ولم ينكر عليه بأنّك كيف تفعل هذا؟ وإن كانت الجارية تبالغ ، ولم يكن فيه أثر المني؟ أنّه كيف كان يحصل لك العلم من فعل الغير؟

ويؤيّده أيضا قوله عليه‌السلام : «أما أنّك» ، مع ما عرفت من أنّ الغسل هو ما يعدّ عرفا غسلا ، فإذا زالت العين وعلم أنّه بالغسل زال ، صدق الامتثال العرفي وهو كاف ، إلّا فيما ثبت خلافه في المقام ، لم يثبت الخلاف ، وإن لم يعلم ، فالأصل في أفعال

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٣ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٢ الحديث ٧٢٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٨ الحديث ٤٠٦٧.

١٥١

المسلمين الصحّة ، يجب حملها عليها.

على أنّه يظهر من الأخبار المتواترة والإجماعات بل الضرورة جواز مباشرة المسلمين بعضهم بعضا ، وكذلك المسلمات على سبيل الرطوبة ومساورتهم كذلك حال العرق ، أو غيره من الرطوبات ، وجواز صلاة أحدهم في ثوب الآخر ، مع حصول العلم العادي بمباشرة أيديهم الغائط عند الاستنجاء لا أقلّ منه ، ومباشرة الثوب الحيض والاستحاضة وغيرهما من الدماء بالنسبة إلى من يعلم صدور هذه الدماء منها (١) ووقوعها منها (٢).

بل بملاحظة أنفسنا وغيرنا فنجزم أنّه لا تنفكّ أيدينا وثيابنا عادة عن النجس بمنجّس ما ، كما لا يخفى على المطّلع بأحواله والمتأمّل في أحوال غيره ، وأنّه مثله فيما ذكر ، سيّما الأطفال الصغار مطلقا ، مع المباشرة لتلك الأطفال وعدم الاحتراز عنهم.

بل ربّما صرّحوا بكراهة مساورة المتّهمين بالنجاسة منّا ، فتأمّل!

مع أنّه كثيرا ما يحصل الاطّلاع بتنجيس المسلم أو المسلمة بما ذكر من النجاسات بالمشاهدة ، أو إخباره أو إخبار غيره بحيث يحصل العلم ، وغير ذلك من القرائن المفيدة لذلك.

لكن في «المعالم» قال : ويكفي زوال العين في غير الآدمي على المشهور في كلام المتأخّرين ، ولعلّ الوجه ما قرّرناه في طهر البواطن من الآدمي (٣) ، انتهى.

والذي قرّره هو أصالة البراءة ، ومنع حجّية الاستصحاب ، وعرفت ما فيه ، وعرفت ما قرّرناه في المقامين.

__________________

(١) في (د ١) : منه.

(٢) في (د ١) : منه.

(٣) معالم الدين في الفقه : ٢ / ٧٩٧ المسألة ٤٠.

١٥٢

ويظهر ممّا ذكره عدم قوله بالطهارة في الآدمي ، وإن كان زوال العين بغيبته ، وعرفت الحال فيه.

ثمّ قال : بعد حصول العلم بالنجاسة لا بدّ من العلم بالطهارة ، أو شهادة العدلين ، أو العدل الواحد ، لعموم مفهوم قوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ) (١) الآية (٢).

مع أنّه لا يقول بالاستصحاب مطلقا ، ولا في خصوص النجاسة ولا الطهارة ، ولا يقول بعموم المفهوم أيضا.

والعموم في قبول شهادة العدلين لم يذكره هو ولا غيره ، سيّما وأن يكون سنده صحيحا على رأيه ، إلّا أن يقول بالانجبار بالاشتهار ، وهو كذلك إن كان موجودا.

وربّما اختار بعض العلماء في مقام التطهير القصر في المباشرة أو المشاهدة في مقام العمل على ما أظن (٣) ، ولعلّه كان احتياطا منه ، وإلّا فهو حرج وعسر ، مضافا إلى مخالفته ما ذكرناه.

بل ما ذكره في «المعالم» أيضا كذلك ـ سيّما على القول بأنّ العدالة هي الملكة المعهودة ، كما اختاره هو وأكثر المتأخّرين ، وخصوصا على القول بلزوم ترك ما ينافي المروّة أيضا.

ومرّ التحقيق في ذلك ، بل مرّ أيضا أنّ المؤمن الواحد أيضا حجّة ، لما ورد في بعض الأخبار من أنّ «المؤمن وحده حجّة والمؤمن وحده جماعة» (٤).

وهو أيضا ممّا دلّ على قبول قول المؤمن في التطهير ، بل قبول إظهاره منه وإن

__________________

(١) الحجرات (٤٩) : ٦.

(٢) معالم الدين في الفقه : ٢ / ٨١٧ المسألة ١٠.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ٢٩٧.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٦ الحديث ١٠٩٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٢٩٧ الحديث ١٠٧١٣.

١٥٣

لم يكن بالقول ، ولذا قالوا : لو ادّعى ولم يكن منكر لدعواه وخصم في مقابله ، يسمع دعواه من غير بيّنة ، فلاحظ قولهم وتأمّل.

فرع :

لو طار الذباب من النجاسة إلى الثوب أو البدن أو الماء القليل ، سواء كانت النجاسة هي الأعيان النجسة ، أو الأشياء المتنجّسة ، فعند الشيخ أنّه عفو (١) ، وكذا عند المحقّق (٢) ، لعسر الاحتراز ولزوم الحرج منه ، لأنّ الذباب لا يمكن إلزامه بالجلوس على الطاهر أو مثله ، سيّما ويحبّ الحلاوة التي في العذرة وأمثالها من المتنجّسات ويتغذّى منها ، ويميل إلى الأشياء الرطبة القذرة التي كثير منها نجس ومتنجّس.

وكذا الحال في البق ، إلّا أنّه يحبّ الحامض ويميل إليه ، وكذلك صراصر الحشر ، إلّا أنّها تميل إلى العذرة ، ورطوبات الحشر ونحوه ، ولعدم وجوب التجسس والتدبّر في إظهار النجاسة ، كما ورد في بعض الأخبار (٣) ، بل الواجب أنّه إذا اتّفق العلم بالنجاسة وجب الاحتراز والغسل ، وإلّا فلا.

والمدار عدم التأمّل والتدقيق في تحصيل العلم بالأفكار ، بأن يقال بجلوس الذباب على العذرة الرطبة اختلط رجله بالعذرة ، والأصل بقاؤه ، أو الظاهر إلى أن جلس على الثوب مثلا.

مع احتمال أنّه لغاية خفّته لم يخلط رجله قذر لا يزول بطيرانه ، إذ لعلّه زال بالطيران بالمرّة ، وإن كان بعيدا غاية البعد.

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٧.

(٢) لم نعثر في مظانه ، نعم نقل عنه في ذكرى الشيعة : ١ / ٨٣.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٦٦ الباب ٣٧ من أبواب النجاسات.

١٥٤

وقد عرفت أنّ زوال العين في الحيوان مطهّر ، بل عدم العلم بالبقاء كاف.

نعم ، مع العلم بالبقاء وتأثّر الثوب ، يجب غسل الموضع الذي علم تأثّره ، كما ورد في بعض الأخبار أنّ الفأرة والدجاجة وأشباههما تطأ العذرة ثمّ تطأ الثوب : أنّه إن استبان من أثرها شي‌ء فاغسله ، وإلّا فلا (١) ، وورد أيضا هذا المضمون في غيره.

لا يقال : نفي العسر والحرج في الدين يقتضي عدم غسل هذا أيضا.

لأنّا نقول : هو فرض نادر غاية الندرة ، إذ حصول العلم بالنجاسة من غير طريق المشاهدة في غاية الإشكال والصعوبة.

بل لم يكتف بعض العلماء بالعلم العادي ، لما ظهر من بعض الأخبار أنّ الثياب السابريّة التي حاكها المجوس طاهرة (٢).

وما ورد من عدم البأس عن وجدان الفأرة المتسلخة في الماء القليل معللا بأنّه لعلّه وقع تلك الساعة (٣) ، إلى غير ذلك من الأخبار.

ومن أنّ الكافور كان في زمان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طاهرا مع أنّه بعلاج النصارى وفي بلادهم ، وكذلك السكّر ، فلا يلزم على هذا حرج وعسر.

قوله : (والإسكافي جوّز). إلى آخره.

قال في مختصره : لا بأس بأن يزال عين الدم من الثوب بالبصاق (٤).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٤ الحديث ١٣٤٧ ، قرب الإسناد : ١٩٣ الحديث ٧٢٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٦٧ الحديث ٤١٩٤ نقل بالمعنى.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٥١٨ الحديث ٤٣٣٩.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٤ الحديث ٢٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤١٨ الحديث ١٣٢٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٤٢ الحديث ٣٥٠.

(٤) نقل عنه في معالم الدين في الفقه : ٢ / ٨٠٠.

١٥٥

وفي بلادهم ، وكذلك السكّر ، فلا يلزم على هذا حرج وعسر.

قوله : (والإسكافي جوّز). إلى آخره.

قال في مختصره : لا بأس بأن يزال عين الدم من الثوب بالبصاق (١).

وليس هذا الكلام صريحا فيما ذكره ، بل ظاهر فيه.

والموثّقتان ، إحداهما : صحيحة عبد الله بن المغيرة ـ وهو ثقة وممّن أجمعت العصابة (٢) ـ عن غياث بن إبراهيم ـ ووثّقه النجاشي من غير طعن بالمذهب (٣) ، والعلّامة والمحقّق وثّقاه مع الطعن بالبتريّة (٤) ـ عن الصادق عليه‌السلام : «لا يغسل بالبزاق شي‌ء غير الدم» (٥).

وثانيهما : بطريق موثّق عنه عن الصادق عليه‌السلام : «لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق» (٦) ، وفي «الكافي» أيضا هكذا : وروي أيضا : «لا يغسل بالريق شي‌ء إلّا الدم» (٧).

وإن كان الراوي بتريّا ، فلا مانع من الحمل على التقيّة ، أو أنّ المراد من الغسل مجرّد معناه العرفي ، وهو الإزالة بمائع ، وأمّا الطهارة الشرعيّة ، فإنّما تفهم من جواز الصلاة فيه وأمثال ذلك ، وفهمها من ذلك من الإجماع.

وقيل : إنّ الدم يزال بالبصاق.

__________________

(١) نقل عنه في معالم الدين في الفقه : ٢ / ٨٠٠.

(٢) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٣) رجال النجاشي : ٣٠٥ الرقم ٨٣٣.

(٤) خلاصة الرجال للحلّي : ٢٤٥ و ٢٤٦ ، المعتبر : ١ / ٨٤.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٣ الحديث ١٣٣٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٠٥ الحديث ٥٢٤.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٥ الحديث ١٣٥٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٠٥ الحديث ٥٢٦.

(٧) الكافي : ٣ / ٥٩ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٠٥ الحديث ٥٢٦.

١٥٦

مع أنّه ممّا يعمّ به البلوى ويكثر إليه الحاجة ، فلو كان الأمر كذلك لاشتهر اشتهار الشمس ، لا أن يصير الأمر بالعكس ، إذ لم يقل أحد به ، سوى ما نسب إلى ابن الجنيد ، مع أنّه أيضا لم يصرّح بذلك ، وكلامه محتمل لغير ذلك ، كما قال العلّامة في «المختلف» (١) ، وغيره في غيره (٢).

هذا ، مضافا إلى ما عرفت من الأخبار المصرّحة بعدم إجزاء غير الماء ، مع عدم قائل بالتخصيص بموردها ، فتأمّل جدّا!

هذا ، مع ورود الغسل المطلق في الدم في غير واحد من الأخبار المعتبرة ، والإطلاق ينصرف إلى ما هو بالماء ، كما عرفت.

مع أنّ النجاسة مستصحبة حتّى يحصل اليقين بالطهارة ، وهي شرط في الصلاة ونحوها ، والشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط ، والله يعلم.

وقوله : (وحملهما). إلى آخره.

فيه ، أنّ ما ذكره المصنّف يقتضي الطهارة بمجرّد زوال العين من الصيقلي من دون توقّف على غسل ، فضلا عن أن يكون الغسل بالبصاق.

بل ما ذكره لا يقتضي اختصاصه بالصيقلي ، بل عمّ كلّ شي‌ء ، سوى ما ورد الأمر بالغسل فيه بخصوصه.

مع أنّه أيّ رابطة بين مضمون الموثّقين وما هو من الصقال ، حتّى يكون هو المراد منهما لا غير؟

__________________

(١) مختلف الشيعة : ١ / ٤٩٣.

(٢) ذكرى الشيعة : ١ / ١٣٢.

١٥٧
١٥٨

٨٨ ـ مفتاح

[ما لو جهل موضع الملاقاة أو شكّ]

لو جهل موضع الملاقاة غسل كلّ ما وقع فيه الاشتباه بلا خلاف ، للصحاح المستفيضة (١) ، ولعدم انتقاض اليقين بالشكّ ، كما في الصحيح (٢) ، وإن لم يكن يحكم بنجاسة كلّ جزء جزء لعين ما ذكر.

ولو شكّ في الملاقاة أو لاقى مكروها رشّ بالماء استحبابا ، كما في النصوص (٣) ، وربّما تخصّص بمواردها كالبول والمني المشكوكين ، والمذي وعرق الجنب من الحرام ، والكلب اليابس ، وبول البعير والشاة (٤) ، والأظهر التعميم.

وفي قيام ظنّ الملاقاة مقام العلم ثلاثة أقوال ، ثالثها : القيام إن استند إلى سبب معتبر عند الشارع ، كشهادة عدلين وإخبار المالك (٥) ، وظاهر الروايات العدم مطلقا (٦) ، فيكتفى بالرشّ وإن كان التفصيل أحوط.

__________________

(١) انظر! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٢ الباب ٧ من أبواب النجاسات.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٦٦ الحديث ٤١٩٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٤ الحديث ٤٠٥٧ ، ٤٦٠ الحديث ٤١٧٦ ، ٤٦٦ الحديث ٤١٩٣ ، ٤٧٥ الحديث ٤٢١٦.

(٤) منتهى المطلب : ٣ / ٢٩٣ ، نهاية الإحكام : ١ / ٢٨٩ و ٢٩٠ ، ذكرى الشيعة : ١ / ١٤٢.

(٥) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٥ / ٢٤٤ و ٢٤٥.

(٦) وسائل الشيعة : ١ / ١٣٤ الحديث ٣٢٦ ، ٣ / ٤٦٧ الحديث ٤١٩٥ و ٤١٩٦ ، ٥٢١ الحديث ٤٣٤٨.

١٥٩
١٦٠