مصابيح الظلام - ج ٥

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٥

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-5-1
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤٨

٨٣ ـ مفتاح

[كيفيّة إزالة النجاسة]

الواجب إزالة العين ، كما في المعتبرة (١) ، أمّا اللون والريح فلا ، على الأصح ، بل ادّعى المحقّق عليه الإجماع (٢). وقد ورد في دم الحيض الذي لم يذهب أثره بالغسل : «اصبغيه بمشق» (٣).

ولا بدّ من تثنية (٤) الغسل من البول في الثوب والبدن إن غسل بالقليل ، للصحاح المستفيضة (٥).

وربّما يلحق به المني ، لأنّ له قواما وثخنا فهو أولى بالتعدّد (٦) ، ويأتي الكلام فيه وفي إلحاق سائر النجاسات ، كما فعله آخرون (٧).

وربّما يكتفى في الكلّ بالمرّة المزيلة (٨) ، وفيه اطراح للصحاح.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٩ الحديث ٤١٠٢ و ٤١٠٣.

(٢) المعتبر : ١ / ٤٣٥.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٩ و ٤٤٠ الحديث ٤١٠٢ و ٤١٠٤.

(٤) بتوسط العصر وتعقيبه فيما يعصر. «منه رحمه‌الله».

(٥) انظر! وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٥ الباب ١ و ٢ من أبواب النجاسات.

(٦) منتهى المطلب : ٣ / ٢٦٤ ، تحرير الأحكام : ١ / ٢٤.

(٧) اللمعة الدمشقية : ١٦ ، جامع المقاصد : ١ / ١٧٣.

(٨) لاحظ! المبسوط : ١ / ٣٧ ، البيان : ٩٣ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٣٧.

٦١

أمّا بول الصبي ، فلا خلاف في الاكتفاء فيه بصبّ الماء للحسن (١) ، وكذا الصبيّة ، كما يستفاد منه ، وفاقا للصدوق (٢) وإن خالف الأكثر (٣).

ويكفي في الآنية صبّ الماء فيها وتفريغه مرّتين ، والثلاث أحوط ، كما يأتي ولا فرق بين المثبتة وغيرها.

ويجب في ولوغ الكلب أن يغسل بالتراب أوّلا ثمّ بالماء مرّتين عند الأكثر (٤) ، كما في الصحيح (٥) ولفظة «مرّتين» ليست في كتب الحديث المتداولة وإن نقله في «المعتبر» (٦). والإسكافي أوجب السبع إحداهنّ بالتراب (٧) ، للموثّق (٨) وغيره (٩) ، ولا يخلو من قوّة.

وأمّا الخنزير ، فلا بدّ فيه من السبع ، كما في الصحيح (١٠) ، وإن اكتفى بعضهم بالثلاث مستحبّا للزائد (١١).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣٩٦٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٠ ذيل الحديث ١٥٦ ، الهداية : ٧٢.

(٣) تذكرة الفقهاء : ١ / ٨٢ ، جامع المقاصد : ١ / ١٧٣ و ١٧٤ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٣٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٨ ذيل الحديث ١٠ ، المختصر النافع : ٢٠ ، قواعد الأحكام : ١ / ٩ ، غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : ١ / ١١٢.

(٥) وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٦ الحديث ٥٧٤.

(٦) المعتبر : ١ / ٤٥٨.

(٧) نقل عنه في المعتبر : ١ / ٤٥٨ ، مختلف الشيعة : ١ / ٤٩٥.

(٨) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٦٨ الحديث ٣٢١٤٣.

(٩) السنن الكبرى للبيهقي : ١ / ٢٤٠.

(١٠) وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٥ الحديث ٥٧٢.

(١١) المبسوط : ١ / ١٥ ، الخلاف : ١ / ١٨٦ المسألة ١٤٣.

٦٢

قوله : (الواجب إزالة العين). إلى آخره.

لا يخفى أنّ الوارد من الشرع إنّما الأمر بغسل الثوب وغيره من الأعيان النجسة.

وألفاظ الأعيان موضوعة لنفس الأعيان لا أعراضها ، فإذا ازيلت العين بالماء صدق غسلها ، لأنّ الغسل لغة وعرفا ليس إلّا الإزالة بالماء أو غيره (١) ، كما سيجي‌ء.

وإن قلنا باستحالة انتقال الأعراض وأنّه لا بدّ من أجزاء جوهرية ، لأنّ الأحكام الشرعيّة تابعة للأسامي العرفيّة واللغويّة ، لا القواعد الحكميّة ، فليس الواجب إلّا [غسل] ما يسمّى في العرف عذرة مثلا ، ولون العذرة مثلا بحسب العرف غير نفس العذرة.

هذا ، مضافا إلى الإجماع الذي ادّعاه المحقّق (٢) ، والأخبار مثل حسنة ابن المغيرة الواردة في الاستنجاء أنّ حدّه أن ينقّي ما ثمّة ، وإن بقي الريح ، لأنّ الريح لا ينظر إليها (٣) ، والعلّة المنصوصة تشمل كلّ موضع يتحقّق ، كما حقّق.

ورواية علي بن أبي حمزة (٤) ، ورواية عيسى بن أبي منصور (٥) ، ورواية أبي بصير (٦) ، حيث تضمّنت هذه الروايات عدم ضرر بقاء لون دم الحيض بعد

__________________

(١) في (ز ٣) : وغيره.

(٢) المعتبر : ١ / ٤٣٦.

(٣) الكافي : ٣ / ١٧ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٢٢ الحديث ٨٤٩ ، و: ٣ / ٤٣٩ الحديث ٤١٠٢.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٩ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٧٢ الحديث ٨٠٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٩ الحديث ٤١٠١.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٧٢ الحديث ٨٠١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٩ الحديث ٤١٠٣.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٧ الحديث ٧٤٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٤٠ الحديث ٤١٠٤ ، تنبيه : والظاهر الصحيح رواية محمد بن احمد بن يحيى الأشعري.

٦٣

غسله ، وأن يصبغ بمشق ، لأنّ الظاهر أنّ الصبغ لا يزيل اللون ، بل فائدته إخفاؤه عن الحسّ.

ونقل عن العلّامة رحمه‌الله في «النهاية» أنّ بقاء اللون غير مضرّ ، ولو بقيت الرائحة وعسر إزالتها فالأقرب الطهارة ، كاللون يجامعه مشقّة الإزالة ، فلو بقي اللون والرائحة وعسر إزالتهما ففي الطهارة إشكال (١) ، انتهى. قد ظهر لك عدم الإشكال.

قوله : (ولا بدّ). إلى آخره.

المشهور أنّه يغسل الثوب والبدن عن البول مرّتين ، وفي «المعتبر» أسنده إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه (٢).

وللصحاح الدالّة عليه صحيحة أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام عن الثوب يصيبه البول ، قال : «اغسله مرّتين» (٣).

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام مثله (٤).

وصحيحة ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام قال : «اغسله في المركن مرّتين ، فإن غسلته في ماء جار فمرّة واحدة» (٥). ومثله عبارة «الفقه الرضوي» (٦).

ورواية الحسين بن أبي العلاء عن البول يصيب الجسد ، قال : «صبّ عليه

__________________

(١) نهاية الإحكام : ١ / ٢٧٩.

(٢) المعتبر : ١ / ٤٣٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥١ الحديث ٧٢٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٥ الحديث ٣٩٦٠ مع اختلاف يسير.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥١ الحديث ٧٢١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٥ الحديث ٣٩٥٩.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٠ الحديث ٧١٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣٩٦٦.

(٦) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٩٥ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٥٥٣ الحديث ٢٦٩٩.

٦٤

الماء مرّتين ، فإنّما هو ماء» ، وسألته عن الثوب يصيبه البول ، قال : «اغسله مرّتين» (١).

قوله : (وربّما). إلى آخره.

الملحق هو العلّامة رحمه‌الله في «المنتهى» و «التحرير» فإنّه قال : ما له قوام وثخن كالمني أولى بالتعدّد في الغسلات (٢).

قال : ويؤيّده قول الصادق عليه‌السلام : «فإنّما هو ماء» (٣) ، وصحيحة ابن مسلم عنه عليه‌السلام أنّه ذكر المني فشدّده وجعله أشدّ من البول (٤).

واعترض على الاولى : بمنع أولويّة التعدّد بعد إزالة العين ، بل غايته توقّف إزالته على أمر زائد ، وأقلّه الحت والفرك ، وقريب منه الكلام في الرواية الاولى.

وأمّا الثانية ، فلا دلالة لها بوجه ، إذ الظاهر أنّ التشديد فيه إنّما هو في وجوب إزالته ، وبطلان الصلاة مع الإخلال بها ، ردّا على من ذهب إلى طهارته من العامّة (٥).

قوله : (وربّما يكتفى). إلى آخره.

المكتفي الشهيد في «البيان» (٦) ، ومال إليه في «الذكرى» محتجّا بالإطلاق (٧).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٥ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٤٩ الحديث ٧١٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٥ الحديث ٣٩٦٢.

(٢) منتهى المطلب : ٣ / ٢٦٤ ، تحرير الأحكام : ١ / ٢٤.

(٣) مرّ آنفا.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٢ الحديث ٧٣٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٤ الحديث ٤٠٥٥.

(٥) بدائع الصنائع : ١ / ٨٤.

(٦) البيان : ٩٣.

(٧) ذكرى الشيعة : ١ / ١٢٤.

٦٥

وفيه ، أنّ التقييد أولى وأقوى من الحمل على الاستحباب أو الطرح ، كما حقّق في محلّه وسلّم ، سيّما مع ما عرفت من الشهرة ، بل الإجماع المذكور.

ثم اعلم! أنّ ظاهر عبارة البعض اعتبار المرّتين مطلقا (١) ، وصرّح في «المعتبر» في مسألة الولوغ باعتبار التعدّد في المقام في الكثير مطلقا ، واكتفى في تحقّق المرّتين في الجاري بتعاقب الجريتين (٢).

وربّما يظهر من «المنتهى» اعتباره في الراكد والجاري أيضا ، وتحقّق التعدّد بتعدّد مرور الماء عليه (٣).

واعتبر (٤) الشيخ نجيب الدين التعدّد في الراكد أيضا دون الجاري (٥) ، وهو ظاهر صحيحة ابن مسلم و «الفقه الرضوي» (٦).

وجزم العلّامة والشهيدان والمحقّق الشيخ علي بسقوط التعدّد فيهما معا (٧) ، ولعلّ مستنده أنّ ما دل على المرّتين مطلقا ينصرف إلى الغسل في القليل ، بقرينة الصحيحة و «الفقه الرضوي» ، لقوله عليه‌السلام : «اغسله في المركن مرتين» (٨) مع ضميمة عدم تعارف الغسل في الراكد الكرّ وأزيد ، فتأمّل جدّا!

__________________

(١) كالكركي في جامع المقاصد : ١ / ١٧٣.

(٢) المعتبر : ١ / ٤٦٠.

(٣) منتهى المطلب : ٣ / ٣٥٢.

(٤) في (د ٢) : واختار.

(٥) الجامع للشرائع : ٢٢.

(٦) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣٩٦٦ ، الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٩٥ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٥٥٣ الحديث ٢٦٩٩.

(٧) تذكرة الفقهاء : ١ / ٨١ ، اللمعة الدمشقيّة : ١٦ ، الروضة البهيّة : ١ / ٦٢ ، جامع المقاصد : ١ / ١٧٣.

(٨) مرّ آنفا.

٦٦

وعن «التحرير» و «المنتهى» أنّ اعتبار المرّتين في الثوب فقط (١) ، ولعلّه لم يعمل برواية الحسين بن أبي العلاء (٢) ، لكونه ممدوحا لا ثقة ، وإن كان الطريق إليه صحيحا.

ووثّقه بعض ، لما قيل فيه : إنّه أوجه أخويه (٣) ، وأخوه عبد الحميد ثقة (٤).

وفيه ، أنّ حسنه قريب من التوثيق ، وهو يكفي في مقام التبيين ، سيّما وفي «الفهرست» : أنّ له كتابا يعدّ في الاصول ، أخبرنا به جماعة من أصحابنا ، عن الصدوق ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن ابن أبي عمير وصفوان ، عنه (٥).

وفي روايتهما عنه إشعار بوثاقته ، لقول الشيخ رحمه‌الله في «العدّة» أنّهما لا يرويان إلّا عن الثقة (٦). مع أنّهما ممّن أجمعت العصابة (٧).

ومثل هذه الحسنة ، صحيحة علي بن الحكم الثقة ، عن أبي إسحاق النحوي ـ وهو ثعلبة بن ميمون ، وهو أيضا كالثقة ، بل وثّقه الثقة أيضا ـ عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن البول يصيب الجسد ، قال : «صبّ عليه الماء مرّتين» (٨) ، مع انجبارهما بالشهرة العظيمة ، لو لم نقل بالإجماع.

ورواية الكليني [والشيخ] ـ أوّلهما ـ مكررا ، فلا وجه للتأمّل بعد جميع ما ذكر.

__________________

(١) تحرير الأحكام : ١ / ٢٤ ، منتهى المطلب : ٣ / ٢٦٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٤٩ الحديث ٧١٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٥ الحديث ٣٩٦٢.

(٣) رجال النجاشي : ٥٢ الرقم ١١٧.

(٤) رجال النجاشي : ٢٤٦ الرقم ٦٤٧.

(٥) الفهرست : ٥٤ الرقم ١٩٤.

(٦) عدّة الاصول : ١ / ١٥٤.

(٧) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٨) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٤٩ الحديث ٧١٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٥ الحديث ٣٩٦١.

٦٧

وهل الاستنجاء حكمه حكم غسل سائر الأعضاء ، أم يكفي فيه غسل واحد؟ الأظهر الثاني ، كما مرّ في محلّه.

وهل يجب في المرّتين كونهما على سبيل التحقيق ، أم يكفي التعدّد التقديري ، بحيث لو انفصلا تقديرا يتحقّق الغسلتان ، أو يكون عوض الفصل غسلا ، فيكون ثلاثة أغسال منفصلات؟

قد مرّ التحقيق في الاستنجاء (١) ، وأنّ الأظهر هو الأوّل ، لأنّه الظاهر من اللفظ والمتبادر منه.

نعم ، يمكن أن يكون مع الاتّصال والامتداد الزائد الكثير يصدق عرفا تعدّد الغسل ، ولا بدّ من التأمّل في ذلك.

قوله : (أمّا بول الصبي). إلى آخره.

أمّا إجزاء الصبّ في بول الصبي قبل الأكل من دون حاجة إلى التعدّد ولا إلى العصر ، فيدلّ عليه ـ مضافا إلى أصالة البراءة ، والإجماع المنقول عن الشيخ رحمه‌الله في «الخلاف» (٢) ـ ما رواه الشيعة في كتب الإمامة ، مثل «كشف الغمّة» وغيره (٣).

ورواه العامّة أيضا ـ معتمدين عليه بحسب الظاهر ـ عن زينب بنت جحش قالت : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما ، فجاء الحسين عليه‌السلام ، فجعلت اعلله لئلّا يوقظه ، ثمّ غفلت عنه فدخل. إلى أن قالت : فاستيقظ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو يبول على صدره. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «دعي ابني حتّى يفرغ من بوله» وقال : «ولا تزرموا بول ابني» ، ثمّ دعا بماء فصبّ عليه» ثمّ قال : «يجزي الصبّ على بول الغلام ، ويغسل بول

__________________

(١) راجع! الصفحة : ١٦٤ و ١٦٥ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

(٢) الخلاف : ١ / ٤٨٥ المسألة ٢٢٩.

(٣) كشف الغمّة : ٢ / ٥٧ ، أمالي الطوسي : ٣١٦ الحديث ٦٤١ ، بحار الأنوار : ٤٤ / ٢٢٩ الحديث ١١.

٦٨

الجارية» (١) الحديث.

وهي منجبرة بالفتاوى والشهرة والقبول عند الخاصّة والعامّة ، وإثبات الإمامة والمنقبة ، وغير ذلك ممّا ستعرف.

وحسنة الحلبي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن بول الصبي؟ قال : «تصب عليه الماء ، فإن كان قد أكل فاغسله غسلا ، والغلام والجارية شرع سواء» (٢).

وقوله : «والغلام والجارية شرع سواء» ، متعلّق بقوله عليه‌السلام : «فإن كان قد أكل» لا بمجموع ما قاله ، يعني أنّ الغلام والجارية حكمهما سواء بعد الأكل ، أو أنّ الغلام بعد الأكل والجارية مطلقا حكمهما سواء ، بقرينة ما عرفت من الإجماع والنص والفتاوى من علمائنا ، حتّى الصدوق رحمه‌الله (٣).

ورواية السكوني المتضمّنة للأمر بغسل لبن الجارية وبولها ، وعدم غسل لبن الغلام وبوله قبل أن يطعم (٤) ، وقد مضت في بحث نجاسة البول (٥).

وممّا يدلّ على ما ذكرناه عبارة «الفقه الرضوي» ، وهي هكذا : «وإن أصابك بول في ثوبك ، فاغسله بماء جار مرّة ، ومن ماء راكد مرّتين [ثمّ اعصره] ، وإن كان بول الغلام الرضيع فتصب عليه الماء صبّا ، وإن كان قد أكل الطعام فاغسله ، والغلام والجارية سواء».

__________________

(١) المعجم الكبير : ٢٤ / ٥٧ الحديث ١٤٧ ، تاريخ ابن عساكر (ترجمة الامام الحسين عليه‌السلام) : ١٨١ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٦ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٤٩ الحديث ٧١٥ ، الاستبصار : ١ / ١٧٣ الحديث ٦٠٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣٩٦٨ مع اختلاف يسير.

(٣) الهداية : ٧٢.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٠ الحديث ١٥٧ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٠ الحديث ٧١٨ ، الاستبصار : ١ / ١٧٣ الحديث ٦٠١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣٩٧٠.

(٥) راجع! الصفحة : ٤١٨ و ٤١٩ (المجلّد الرابع) من هذا الكتاب.

٦٩

ثمّ نقل عن علي عليه‌السلام : «أنّ لبن الجارية وبولها تغسل منهما الثوب دون لبن الغلام وبوله» (١).

وهذا بعينه عبارة كلام الصدوق رحمه‌الله في «الفقيه» (٢) ، فما نسبه المصنّف إليه وهم ظاهر ، إذ عبارته في غاية الوضوح في جعله التسوية بينهما في الغسل بعد الأكل ، والتفرقة بينهما قبل الأكل فلاحظ ، فإنّه شرط في الصبّ كون البول من الغلام الرضيع ، ثمّ قال : وإن كان قد أكل الطعام غسل ، والغلام والجارية في هذا سواء (٣).

وقد روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام إنّ «لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ، فإنّ لبنها يخرج من مثانة أمّها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب قبل أن يطعم و [لا] بوله ، لأنّ لبن الغلام يخرج من [المنكبين و] العضدين» (٤).

ففي كلامه مواضع من الدلالة : منها الشرط ، ومنها قرب رجوع الإشارة في قوله : «هذا» إلى الأخير ، مع أنّه هو المتيقّن ، والزائد منفي بالأصل ، ولذا اختار المشهور رجوع القيد إلى خصوص الأخير ، مع صلاحيته للرجوع إلى المجموع ، قالوا ذلك فيما تعقّب الجمل المتعاطفة ، والحكم في ذلك وفي المقام واحد.

وممّا ذكر ظهر وجه آخر للرجوع إلى خصوص الأخير في الحسنة أيضا.

ومنها قوله : وقد روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام متّصلا بذلك.

ولا ينافيهما موثّقة سماعة قال : سألته عن بول الصبي يصيب الثوب؟ قال : «اغسله» ، قلت : فإن لم أجد مكانه؟ قال : «اغسل الثوب كلّه» (٥).

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٩٥ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٥٥٣ و ٥٥٤ الحديث ٢٦٩٩ و ٢٧٠٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٠ ذيل الحديث ١٥٦.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٠ ذيل الحديث ١٥٦.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٠ الحديث ١٥٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٨ الحديث ٣٩٧٠.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥١ الحديث ٧٢٣ ، الاستبصار : ١ / ١٧٤ الحديث ٦٠٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٨ الحديث ٣٩٦٩.

٧٠

وحسنة الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : وسألته عليه‌السلام عن الصبي يبول في الثوب ، قال : «تصب عليه الماء قليلا ثمّ تعصره» (١) ، لأنّه ليس فيهما أنّه قبل أن يأكل أم بعده ، فنحملهما إمّا على أنّه بعد الأكل ، أو على التقيّة ، أو على الاستحباب ، أو على العصر المتعارف الذي لا يترك غالبا للتجفيف ، وإن كان الأخير بعيدا بالنسبة إلى الموثّقة.

وحملت الحسنة بنوع آخر ، وهو أنّ العصر واجب ، إذا توقّف عليه إخراج عين النجاسة من الثوب.

قيل : فإنّ ذلك واجب عند من قال بنجاسة هذا البول (٢).

ولا ينافيهما أيضا رواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام. إلى أن قال : «ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم» (٣) ، لضعفها ولعدم المنافاة بين عدم وجوب الغسل ووجوب الصبّ.

وأمّا بول الصبيّة ، فعمومات أخبار وجوب الغسل من البول تشملها ، ولا مخصّص يقاومها ، لأنّ الإجماع غير واقع في هذا الحكم ، والنصوص المذكورة تدلّ على وجوب غسله.

منها ما ذكرنا عن «كشف الغمّة» (٤) ، ومنها ما ذكرنا من «الفقه الرضوي» (٥) ، وما ذكرنا عن الصدوق رحمه‌الله (٦).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٥ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٤٩ الحديث ٧١٤ ، الاستبصار : ١ / ١٧٤ الحديث ٦٠٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣٩٦٧.

(٢) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٣٣.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٠ الحديث ٧١٨ ، الاستبصار : ١ / ١٧٣ الحديث ٦٠١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٨ الحديث ٣٩٧٠.

(٤) راجع! الصفحة : ٦٨ من هذا الكتاب.

(٥) راجع! الصفحة : ٦٩ و ٧٠ من هذا الكتاب.

(٦) راجع! الصفحة : ٧٠ من هذا الكتاب.

٧١

وهو مضمون رواية السكوني السابقة ، رواها في «العلل» عن ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه : «أنّ عليّا عليه‌السلام قال : لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ..» (١) الحديث.

وروى في «المقنع» مرسلا مثله (٢) ، والراوندي في نوادره بإسناده مثله (٣) ، فلا يبقى لحسنة الحلبي (٤) مقاومة للعمومات حتّى تخصصها لو قلنا برجوع القيد إلى المجموع لا خصوص الأخير ، وقد ظهر فساده.

وقال المحقّق رحمه‌الله في «المعتبر» : والمعتبر أن يطعم ما يكون غذاء ، ولا عبرة بما يلعق دواء ، ومن الغذاء في الندرة ، ولا تصغ إلى من يعلّق الحكم بالحولين فإنّه مجازف ، بل لو استقلّ بالغذاء قبل الحولين ، يتعلّق ببوله وجوب الغسل (٥). وهو الظاهر من الأخبار ، وكلام الأخيار.

والقائل باعتبار الحولين هو ابن إدريس رحمه‌الله (٦) ، ولم نعرف مأخذه.

ويجب في الصب استيعاب محلّ النجاسة ، ولعلّه لم يتأمّل في ذلك أحد من الأصحاب.

وربّما يتوهّم من كلام «التذكرة» الاكتفاء بالرشّ عند بعض الأصحاب (٧).

وليس كذلك ، لأنّ مراده من الرشّ هو الصبّ ، بقرينة اشتراطه في الرشّ أن

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٩٤ الحديث ١.

(٢) المقنع : ١٥.

(٣) نوادر الراوندي : ١٨٨ الحديث ٣٣٦.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣٩٦٨.

(٥) المعتبر : ١ / ٤٣٦.

(٦) السرائر : ١ / ١٨٧.

(٧) تذكرة الفقهاء : ١ / ٨٢.

٧٢

يصيب الماء جميع موضع البول.

ويحتمل المغايرة أيضا ، فإنّ في الصب اتّصال أجزاء الماء غالبا ، وزيادة الغلبة والاستيلاء والقوّة القاهريّة ، فإن كان مراده ذلك ، فلا شكّ في عدم اعتبار الرشّ المذكور وإن كان مصيبا لجميع موضع البول.

وهل يجب الانفصال في الصبّ إذا توقّف عليه زوال عين النجاسة؟ الظاهر من القائلين بالنجاسة ذلك.

وقيل باحتمال عدم وجوبه وإن توقّف عليه ، لإطلاق النص (١).

وفيه ، أنّ الإطلاق كيف ينفع مع العلم بالنجاسة ، ووجود عين النجس وبقائه في الثوب وعدم استهلاكه بمجرّد الملاقاة للماء؟ فإنّ نجس العين بمجرّد إصابة الماء كيف يصير منقلبا؟ ومع عدم الانقلاب كيف يصير طاهرا؟ فتأمّل جدّا!

قوله : (ويكفي في الآنية صبّ الماء). إلى آخره.

هذا مختار الشهيد رحمه‌الله في «اللمعة» (٢) ، ولم نجد له دليلا سوى التخريج ممّا ورد في غسل البول من الثوب والبدن (٣) ، وأنّه ظهر منه أنّ الإطلاقات الواردة في غسله محمولة على المرّتين.

فلعلّ غيره أيضا كذلك ، لاتّحاد الكلّ في الأمر بالغسل ، فلعلّ الغسل الشرعي هو ما يكون مرّتين ، فلم يبق وثوق في الحمل على المرّة.

مع أنّ النجاسة مستصحبة حتّى يحصل اليقين بالطهارة ، ولا يحصل إلّا بالمرّتين.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٣٣.

(٢) اللمعة الدمشقيّة : ١٦.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٥ الباب ١ من أبواب النجاسات.

٧٣

وفيه ، أنّه لو تمّ ما ذكر لزم كون غسل غير البول من النجاسات أيضا مرّتين ، كما اختاره جماعة في غير الإناء (١).

وهو خلاف ما اختاره المصنّف ، ويلزم أيضا كون غسل البول من غير الثوب والبدن أيضا مرّتين ، كما هو ظاهر كلام جماعة (٢) ، وهو أيضا خلاف ما اختاره.

ومع ذلك حصول ما ذكره من اليقين ، فيه ما فيه ، لاختلاف الأصحاب في تطهير الأواني من النجاسات غير الولوغ.

ومنهم من قال بوجوب غسلها ثلاث مرّات ، منهم الشيخ رحمه‌الله في «الخلاف» و «المبسوط» و «النهاية» وغيرها (٣) ، لموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله عن الكوز أو الإناء يكون قذرا ، كيف يغسل؟ وكم مرّة يغسل؟ قال : «يغسل ثلاث مرّات ، يصب فيه الماء فيحرك فيه ، ثمّ يفرغ ، ثمّ يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ، [ثم] يفرغ ، ثمّ يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ، ثمّ يفرغ منه وقد طهر» (٤).

وفي الموثّق أيضا عنه ، عن الصادق عليه‌السلام في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر ، قال : «يغسله ثلاث مرّات» سئل أيجزيه أن يصب فيه الماء؟ قال : «لا يجزيه حتّى يدلك بيده ويغسله ثلاث مرّات» (٥).

وهذا القول عندي أقوى ، لكون الموثّق حجّة عندي ، سيّما هذا الموثّق.

__________________

(١) تحرير الأحكام : ١ / ٢٤ ، ذكرى الشيعة : ١ / ١٢٤ ، جامع المقاصد : ١ / ١٧٣.

(٢) اللمعة الدمشقيّة : ١٦ ، الروضة البهية : ١ / ٦٢ ، جامع المقاصد : ١ / ١٩٢ ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ٥ / ٣٦٣.

(٣) الخلاف : ١ / ١٨٢ المسألة ١٣٨ ، المبسوط : ١ / ١٥ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٥ ، الرسائل العشر : ١٧١.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٨٤ الحديث ٨٣٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٦ الحديث ٤٢٧٦ مع اختلاف يسير.

(٥) الكافي : ٦ / ٤٢٧ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٨٣ الحديث ٨٣٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٤ الحديث ٤٢٧٢ مع اختلاف يسير.

٧٤

ومنهم من قال بوجوب غسلها من الخمر والمسكر سبع مرّات (١) ، لموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام قال : «يغسل من الخمر سبع مرّات ، وكذلك الكلب» (٢).

ولموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام ، في الإناء يشرب فيه النبيذ ، قال : «يغسله سبع مرّات» (٣).

وحمل الأوّلون هذه على الاستحباب ، لأنّ النبيذ نجاسته مثل نجاسة الخمر.

وفيه تأمّل ، إذ لا يبعد إيجاب السبع فيه ازديادا في التنفير وحسم مادّة الفساد ، لأنّ جماعة من العامة كانوا يطهّرونه ويشربونه (٤) ، إلى أن سرى ذلك في الخاصة وكان غير واحد منهم يشربه.

نعم ، من الفقهاء من اكتفى في تطهيره بالمرّة المزيلة للعين (٥) ، تمسّكا بالأصل واستضعافا للروايات ، وقد عرفت أنّها موثّقات.

والأصل لا يعارض استصحاب النجاسة حتّى يحصل اليقين ، كما هو مقتضى الأخبار وغيرها من أدلّة الاستصحاب.

لا يقال : مرّت رواية عمّار الدالّة على وجوب غسل الدنّ من الخمر (٦) ، لأن يجعل فيه الخلّ والكامخ ، والغسل فيها مطلق لا تعدّد فيه.

لأنّا نقول : القائل بالمرّة يستضعف روايات عمّار ، ولذا لم يتمسّك بها وردّها.

ومع ذلك ، مثل ذلك الإطلاق لا يرجع إلى العموم ، لأنّه في مقام إظهار

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ٦ ، المراسم : ٣٦ ، لاحظ! مختلف الشيعة : ١ / ٤٩٩.

(٢) لم نعثر عليه في كتب الأخبار ، لكن نقل في مدارك الأحكام : ٢ / ٣٩١.

(٣) تهذيب الأحكام : ٩ / ١١٦ الحديث ٥٠٢ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٧٧ الحديث ٣٢١٦٩.

(٤) الفقه على المذاهب الأربعة : ٢ / ٩.

(٥) المعتبر : ١ / ٤٦١.

(٦) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٤ الحديث ٤٢٧٢.

٧٥

نجاسة الخمر وعدم جواز مساورة ظرفها حتّى يطهر بالغسل ، وأمّا كيفيّة التطهير فلا ، سيّما بعد إيراده ما يصرّح بوجوب الغسل ثلاثا في روايات متعدّدة.

ثمّ اعلم! أنّه إن كان ثبوت نجاسة شي‌ء منحصرا فيما ورد الأمر بالغسل مطلقا أمكن القول بطهارة الإناء منه وغيره (١) خاصّة بغسله مرّة ، ومع ذلك فيه أيضا إشكال ، لعدم القول بالفصل.

واحتجّ للجماعة القائلين بأنّ سائر النجاسات مثل البول في وجوب غسلها من غير الآنية مرّتين إلّا ما استثني ، بأنّ إيجاب المرّتين في البول مع رقّته وكونه ماء يقتضي إيجابهما في غيره بطريق أولى (٢).

وفيه نظر ظاهر ، إذ ولوغ الكلب لا يكون فيه غير مماسّة لسان الكلب للماء ، ومع ذلك سيجي‌ء ما فيه.

ومع ذلك في المني ما عرفت ، وأيضا الدم أقلّ الدرهم منه معفو عنه.

وبالجملة ، القياس بطريق أولى جريانه في المقام محلّ تأمّل ، لأنّ الحقّ أنّ وجه حجّيته كونه مدلولا التزاميّا عرفا ، وكون المقام منه محلّ تأمّل.

وحجّة القائلين بأنّ غير الثوب والبدن من الأجسام مثلهما في وجوب الغسل مرّتين في إصابة البول أنّ كثيرا من النجاسات ورد الأمر بغسل الثوب منه خاصّة (٣) ، ويتعدّى منه إلى غيره إمّا بتنقيح المناط أو بالقياس بطريق أولى ، بأنّ الثوب والبدن مع شدّة لزومهما الإنسان وكون طهارتهما شرطا لصحّة الصلاة مطلقا يجب فيه المرّتان ، فغيرهما بطريق أولى.

__________________

(١) لم ترد في بعض النسخ : وغيره.

(٢) معالم الدين في الفقه : ٢ / ٦٦٢.

(٣) ذخيرة المعاد : ١٦٢.

٧٦

وفيه أيضا ما فيه ، بل في تنقيح المناط أيضا تأمّل ، ولذا مرّ في الإناء ما مرّ (١) ، إلا أن يتمسّكوا بعدم القول بالفصل ، أي الإجماع المركّب ، وهو اتّفاق فقهائنا على قولين في البول في غير الإناء : المرّة مطلقا أو المرّتين كذلك.

وأمّا القول بالمرّتين في الثوب والبدن خاصّة فمنفي ، وإن اختاره غير واحد من متأخّري المتأخّرين (٢) ، لكن في «المعالم» : أنّ بعض الأصحاب صرّح بقصر الحكم بالمرّتين على مورد النص ، وهو الظاهر من المحقّق رحمه‌الله (٣) ، انتهى.

لكن في الظن أنّ المصرّح من متأخّري المتأخّرين (٤) وظهور ذلك من المحقّق (٥) غير مانع من ذلك ، إذ ربّما يكون لاقتصاره في الثوب والبدن وجه.

وعن بعض الأصحاب : أنّ وجهه كون طهارتهما شرطا لصحّة الصلاة (٦) ، فتأمّل!

وكيف كان ، لا يضرّ ذلك غير المحقّق ، إذ الظاهر أنّ نظرهم إلى الإجماع المركّب وتنقيح المناط.

وكيف كان ، يكفي لإصابة البول غير الثوب والجسد والإناء الغسل مرّتين ، لعدم القول بأزيد منهما ، بأن يكون مرّة لإزالة النجاسة ، والثانية للتطهير ، كما سيجي‌ء في مبحث الغسالة ما يشير إليه.

وخصوصا بعد ملاحظة صحيحة إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا عليه‌السلام أنّه

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٧٤ و ٧٥ من هذا الكتاب.

(٢) جامع المقاصد : ١ / ١٧٣ ، الحدائق الناضرة : ٥ / ٣٥٧.

(٣) معالم الدين في الفقه : ٢ / ٦٥٤.

(٤) مرّ آنفا.

(٥) المعتبر : ١ / ٤٣٥.

(٦) لم نعثر عليه في مظانّه.

٧٧

له : الطنفسة (١) والفراش يصيبهما البول ، كيف أصنع وهو ثخين كثير الحشو؟ قال : «يغسل ما ظهر منه في وجهه» (٢) ، إذ ليس فيها إشارة إلى العدد اصلا.

وصحيحة إبراهيم بن عبد الحميد ، عن الكاظم عليه‌السلام عن الثوب يصيبه البول فينفذ إلى الجانب الآخر ، وعن الفرو وما فيه من الحشو ، قال : «اغسل ما أصاب منه ومس الجانب الآخر ، فإن أصبت مس شي‌ء منه فاغسله ، وإلّا فانضحه بالماء» (٣).

وورد في الأرض النجس بالبول إلقاء الذنوب (٤) ليطهرها (٥) ، فتأمّل جدّا!

والأحوط في سائر النجاسات غسلها مرّتين أيضا ، لما ظهر لك وجهه ، وإن كان الظاهر كفاية الغسل الواحد المزيل للعين الذي لم يتغيّر غسالته لونا أو ريحا أو طعما ، هذا في الذي ثبت نجاسته من الأمر بالغسل.

وأمّا ما ثبت نجاسته من الإجماع خاصّة ، أو الأمر بإعادة الصلاة منه ، أو أمثال ذلك من دون ورود الأمر بغسل ـ كما ذكرنا ـ فيشكل الاكتفاء فيه بالمرّة المزبورة ، إلّا بملاحظة عدم القول بالفصل إن لم يكن قائل به ، ولعلّه كذلك.

قوله : (ولا فرق). إلى آخره.

قد عرفت الكلام ، وسيشير إليه المصنّف.

__________________

(١) الطنفسة ـ بكسر الطاء وفتح الفاء وبالعكس ـ : البسط والثياب والحصير من سعف ، (القاموس) المحيط : ٢ / ٢٣٥).

(٢) الكافي : ٣ / ٥٥ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤١ الحديث ١٥٩ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥١ الحديث ٧٢٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٠ الحديث ٣٩٧٢ مع اختلاف يسير.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٥ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٠ الحديث ٣٩٧٣.

(٤) الذّنوب : الدلو التي فيها ماء. (القاموس المحيط : ١ / ٧١).

(٥) سنن أبي داود : ١ / ١٠٣ الحديث ٣٨٠ ، صحيح مسلم : ١ / ١٩٩ الحديث ٩٩.

٧٨

قوله : (كما في الصحيح). إلى آخره.

وهي صحيحة أبي العبّاس البقباق حيث سأل الصادق عليه‌السلام عن فضل سؤر الحيوانات؟ فقال : «لا بأس» إلى أن انتهى إلى الكلب فقال : «رجس نجس [لا تتوضّأ بفضله و] اصبب ذلك الماء ، واغسله مرّة بالتراب أوّلا ثمّ بالماء» (١).

ولفظ «مرّتين» غير موجود في الكتب الأربعة ، إلّا أنّ المحقّق رحمه‌الله نقله حين ذكر هذه الرواية وتمسّك بها (٢).

وفي «الغوالي» لابن جمهور أيضا موجود عند ذكر الحديث المذكور (٣).

وفي «الفقه الرضوي» أيضا موجود هذا اللفظ عند ذكره (٤) ، والأصحاب أفتوا كذلك ، حتّى أنّ الشيخ رحمه‌الله في «الخلاف» ، والشهيد في «الذكرى» ادّعيا الإجماع على ذلك (٥) ، وهو الظاهر من «المنتهى» (٦) ، بل لم يوجد خلاف من أحد في ذلك سوى ما نسب إلى ابن الجنيد ، بقوله بالغسل سبعا اولاهنّ بالتراب (٧).

ويؤيّده ما أشرنا سابقا من أنّ الغسل في كثير من الأخبار ورد مطلقا ومع ذلك ورد في كثير منها أنّه مقيّد بالمرّتين ، مع أنّه يظهر من الخبر أنّ المعصوم عليه‌السلام في صدد إظهار شدّة نجاسة الكلب.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٢٥ الحديث ٦٤٦ ، الاستبصار : ١ / ١٩ الحديث ٤٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٥١٦ الحديث ٤٣٣٣ مع اختلاف يسير.

(٢) المعتبر : ١ / ٤٥٨.

(٣) عوالي اللآلي : ٤ / ٤٨ الحديث ١٧١ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٦٠٢ و ٦٠٣ الحديث ٢٨٥٢.

(٤) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٩٣.

(٥) الخلاف : ١ / ١٧٥ المسألة ١٣٠ ، ذكرى الشيعة : ١ / ١٢٥.

(٦) منتهى المطلب : ٣ / ٣٣٦.

(٧) نسب إليه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٤٩٥.

٧٩

مع أنّهم قالوا عليهم‌السلام في البول : يغسل مرّتين (١) فكيف يكتفى في ولوغ الكلب بالغسل الواحد والتعفير؟

مع أنّ الغسل إنّما هو بالماء المطهّر للنجاسات حقيقة هو ، والتعفير لا يكون أشدّ منه بملاحظة الأخبار والفتاوى ، فتأمّل!

هذا ، مضافا إلى استصحاب النجاسة حتّى يحصل اليقين.

وبالجملة ، عدم ذهاب أحد من الفقهاء ورواة الأحاديث إلى كفاية الغسل الواحد بعد التعفير يكفي للحكم بوجوده في الخبر ، بعد ملاحظة كونه حجّة عندهم وتمسّكهم به ، سيّما وعرفت ما زاد على ذلك ، وهو نقل هذا الحديث بهذا اللفظ في كتب الأحاديث وكلام الفقهاء ، ودعاوى الإجماعات وغيرها.

وممّا يؤيّد أيضا ذكر لفظ «مرّة» في التراب وترك ذكره في الماء ، فتأمّل جدّا!

ويؤيّده أنّ الشيخ رحمه‌الله ـ الذي ذكر الحديث في الكتب الأربعة ـ أفتى بالمرّتين ، بل ادّعى الإجماع (٢).

وكيف كان ، لا تأمّل في الفتوى بذلك ، بل الظاهر أنّه من شعار الشيعة. ومنه يظهر أنّ ابن أبي عقيل في أمثال المقامات قائل بانفعال القليل (٣) ، كما ستعرف.

احتجّ ابن الجنيد (٤) بما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا اولاهنّ بالتراب» (٥).

ويؤيّده موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : «أنّه يغسل من الخمر سبعا ، وكذا

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٥ الحديث ٣٩٦١.

(٢) الخلاف : ١ / ١٧٦ المسألة ١٣٠.

(٣) مختلف الشيعة : ١ / ١٧٦.

(٤) لاحظ! المعتبر : ١ / ٤٥٨ ، كشف اللثام : ١ / ٤٨٧.

(٥) سنن ابن ماجة : ١ / ١٣٠.

٨٠