مصابيح الظلام - ج ٥

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٥

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-5-1
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤٨

الصلاتين وبين يديها سبحة [وهي ثمان ركعات] ، وإن شئت طوّلت ، وإن شئت قصّرت ، ثمّ صلّ الظهر فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة هي ثمان ركعات إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت» (١).

ويمكن حمل الأمر في هذه الأخبار على رفع الحظر ، لكونه واردا مورد توهّم الحظر.

وبالجملة ، الأخبار السابقة أكثر عددا بمراتب ، وأكثر صحاحا ، ومشتهرة بين الأصحاب ، وموافقة للسنة النبوية.

وورد عنهم عليهم‌السلام : الأمر بالأخذ بما اشتهر بين الأصحاب ، وبما وافق السنة وبما حكم به الأعدل ونحوه ، وبالأخذ بمحكمات أحاديثهم ، وردّ المتشابهات إلى المحكمات (٢) ، مضافا إلى المرجّحات الاجتهاديّة الاخر.

وسيّما بعد ملاحظة الأخبار الاخر ، مثل صحيحة عبد الله بن محمّد قال : كتبت إليه : جعلت فداك روى أصحابنا ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنّهما قالا : «إذا زالت الشمس ، فقد دخل وقت الصلاتين إلّا أنّ بين يديها سبحة إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت».

وروى بعض مواليك عنهما عليهما‌السلام أنّ وقت الظهر على قدمين من الزوال ، ووقت العصر على أربعة أقدام [من الزوال] ، فإن صلّيت قبل ذلك لم يجزك ، وبعضهم يقول : يجزي ، ولكنّ الفضل في انتظار القدمين والأربعة أقدام ، وقد أحببت جعلت فداك أن أعرف موضع الفضل في الوقت. فكتب عليه‌السلام «القدمان

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٤٩ الحديث ٩٩٠ ، الاستبصار : ١ / ٢٥٤ الحديث ٩١٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٣٤ الحديث ٤٧٢٧.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الباب ٩ من أبواب صفات القاضي.

٤٤١

والأربعة أقدام صواب جميعا» (١).

وعن محمّد بن الفرج قال : كتبت أسأل عن أوقات الصلاة ، فأجاب : «إذا زالت الشمس فصلّ سبحتك ، واحبّ أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على القدمين ، ثمّ صلّ سبحتك ، واحبّ أن يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام» (٢).

فظهر وجه الجمع منها ، وأمّا ما ورد (٣) من أنّ أقلّ من القدمين مثلا أحبّ إليّ ونحو ذلك (٤) ، فمع عدم الصحّة ، لا يقاوم ما ذكر من الأدلّة من وجوه ظهرت لك ، وربّما كان محمولا على مصلحة خاصّة في مقام خاصّ ، فتأمّل!

قوله : (مضافا).

قد عرفت أنّ لفظ «الوقت» يطلق على معان ، وأنّ أوّل وقت الظهر مثلا بالنسبة إلى المكلّفين ، بالقياس إلى فعل النافلة متفاوت ، ويظهر من بعض الأخبار أنّ أوّل وقت الظهر بعد القدم ، وبعض بعد القدمين ، وغير ذلك (٥).

قوله : (نعم).

قد مرّ الكلام فيه مستوفى ، ويرد على المصنّف ومن وافقه : أنّ ما استدلّ به

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٤٩ الحديث ٩٨٩ ، الاستبصار : ١ / ٢٥٤ الحديث ٩١٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٨ الحديث ٤٧٧٠.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٥٠ الحديث ٩٩١ ، الاستبصار : ١ / ٢٥٥ الحديث ٩١٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٨ الحديث ٤٧٧١.

(٣) في (ز ٣) : رواه.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٤٦ الحديث ٩٧٨ ، الاستبصار ١ / ٢٤٩ الحديث ٨٩٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٦ الحديث ٤٧٦٢.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ١٤٠ الباب ٨ من أبواب المواقيت.

٤٤٢

على أفضلية الإتيان بعد نافلة الاولى يشمل العشاءين ، وكما ورد في العشاء أنّها يؤتى بها بعد ذهاب الشفق (١) ـ وإن فرغ من نافلة المغرب ـ ورد في الظهرين أيضا مثله ، كما عرفت فتأمّل!

قوله : (والخبر المشعر). إلى آخره.

هو موثّقة أبي بصير ، عن الباقر عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو لا أنّي أخاف أن أشقّ على أمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل» (٢).

وفي «الكافي» : وروي : «إلى نصف الليل» (٣) ، انتهى.

وهي موثّقة ذريح (٤).

وفي رواية رجاء بن أبي ضحّاك ـ المشهور في أحوال الرضا عليه‌السلام في سفره إلى خراسان ـ أنّه عليه‌السلام كان يصلّي العشاء قريب ما يمضي من الليل الثلث (٥).

مع أنّه ورد في الأخبار أنّ السفر مقتض لتوسعة زائدة في فضيلة الصلوات حتّى أنّه يصلّي العشاء قبل ذهاب الشفق المغربي من دون بأس أصلا والمصلّي بعده كذلك (٦). إلى غير ذلك.

مع أنّه لم يظهر أنّه عليه‌السلام في جميع المواضع كان بغير قصد إقامة.

وربّما يؤيّده صحيحة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخّر

__________________

(١) راجع! وسائل الشيعة : ٤ / ٢٠٤ الباب ٢٣ من أبواب المواقيت.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٦١ الحديث ١٠٤١ ، الاستبصار : ١ / ٢٧٢ الحديث ٩٨٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٨٥ الحديث ٤٨٦٣.

(٣) الكافي : ٣ / ٢٨١ ذيل الحديث ١٣.

(٤) وسائل الشيعة : ٤ / ١٥٨ الحديث ٤٧٩٧.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ١٩٤ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٥٥ الحديث ٤٤٩٦.

(٦) راجع! وسائل الشيعة : ٤ / ٢٠٢ الباب ٢٢ من أبواب المواقيت.

٤٤٣

ليلة من الليالي العشاء الآخرة ما شاء الله ، فجاء عمر فدقّ الباب ، فقال : يا رسول الله ، نام النساء نام الصبيان ، فخرج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ليس لكم أن تؤذوني ولا تأمروني ، إنّما عليكم أن تسمعوا وتطيعوا» (١) ، فتأمّل!

فظهر كثرة الرواية واعتبار إسنادها ، فإنّ رواية رجاء (٢) أيضا في غاية الاعتبار ، كما لا يخفى على المطّلع.

وأمّا ما ذكره من الصحيح ، فموافق للعامّة ، ومخالف للمشتهر بين الأصحاب ، من الأخبار الكثيرة المعتبرة الموافقة للمشهور ، والمخالفة للعامّة.

مع أنّه بعد تأويلها ، يمكن أن يكون المراد أوّل وقت استحباب فعلها ، لا أنّه أفضل أوقات فعلها.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٨ الحديث ٨١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٩٩ الحديث ٤٩١٣ مع اختلاف يسير.

(٢) مرّ آنفا.

٤٤٤

١٠١ ـ مفتاح

[وقت صلاة الجمعة]

وقت صلاة الجمعة الزوال إلى أن يمضي مقدار الأذان والخطبة وركعتي الفرض ، وما يلزم ذلك من صعود المنبر ونزوله والدعاء أمام الصلاة ، فإذا مضى ذلك فقد فاتت ولزم أداؤها أربعا بلا خطبة ، وفاقا للحلبي والجعفي (١) ، لأنّه المنقول من فعل صاحب الشرع (٢) ، وللصّحاح (٣).

منها : «إنّ من الامور امورا مضيّقة وامورا موسّعة ، وإنّ الوقت وقتان والصلاة ممّا فيه السعة ، فربّما عجّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وربّما أخّر ، إلّا صلاة الجمعة ، فإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق ، إنّما لها وقت واحد حين تزول الشمس» (٤).

والأكثر على امتداده إلى أن يصير ظلّ كلّ شي‌ء مثله (٥) ، ولا حجّة لهم

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٥٣ نقل عن الجعفي في ذكرى الشيعة : ٤ / ١٣٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٦ الحديث ٩٤٥٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٥ ـ ٣٢٠ الباب ٨ من أبواب صلاة الجمعة.

(٤) وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٦ الحديث ٩٤٥١.

(٥) المعتبر : ٢ / ٢٧٥ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ٩ و ١٠ المسألة ٣٧٥ ، مدارك الأحكام : ٤ / ١٠.

٤٤٥

يعتد بها.

وقيل : بل يمتدّ بامتداد الظهر ، التفاتا إلى مقتضى البدليّة وأصالة البقاء (١) ، فيحمل الروايات على الأفضليّة. ولا يخلو من قوّة ، إلّا أنّ المختار أقوى ، لاستغنائه عن التأويل (٢).

ونقل عن السيّد جواز تقديمها على الزوال (٣) ، وهو شاذ.

نعم ، في تقديم الخطبة على الزوال بحيث إذا فرغ زالت ، قول بالجواز ، وعليه جماعة (٤) ، للصحيح (٥) ، لكن الأصح المنع ، لظاهر الآية (٦) والحسن (٧) وغيرهما (٨) ، والصحيح مجمل لا يصلح للمعارضة.

__________________

(١) السرائر : ١ / ٣٠١ ، الدروس الشرعية : ١ / ١٨٨ ، البيان : ١٨٦.

(٢) قال في «التذكرة» : فلو جاز التأخير عمّا حدّدناه لأخّرها بعض الأوقات ، يعني : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

«منه رحمه‌الله» [تذكرة الفقهاء : ٤ / ٩ و ١٠ المسألة ٣٧٥].

(٣) نقل عنه في الخلاف : ١ / ٦٢٠ المسألة ٣٩٠.

(٤) المبسوط : ١ / ١٥١ ، الخلاف : ١ / ٦٢٠ المسألة ٣٩٠ ، المعتبر : ٢ / ٢٨٧ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٣٥.

(٥) وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٦ الحديث ٩٤٥٢.

(٦) الجمعة (٦٢) : ٩.

(٧) وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٣ الحديث ٩٤٤٤.

(٨) وسائل الشيعة : ٧ / ٣٤٩ الحديث ٩٥٤٦.

٤٤٦

قوله : (فإذا مضى). إلى آخره.

يعني أعمّ من أن تكون الخطبة طويلة أو قصيرة ، وكذا الصلاة تطول قراءتها وأذكارها وقنوتها وتشهّدها أم لا.

ويحتمل أن يكون وقتها القدر الذي كان المتعارف من الرسول وعليّ والحسن ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ أنّهم يصلّون فيه ، فلو وقعت أقصر منه ، يكون الوقت باقيا إلى انقضائه ، وهذا هو الظاهر من دليليه.

أمّا الأوّل ، فظاهر.

وأمّا الصحاح ، فإنّ المراد الصلاة المتعارفة لانصراف الإطلاق إليها.

مع أنّ في الصحاح ـ بعد القدر الذي نقله المصنّف ـ ورد هكذا : «ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيّام» (١).

وورد هذا في كثير من الأخبار ، وظاهر أنّ الظهر في سائر الأيّام كان وقتها بعد الفراغ من نافلتها.

ولا يمكن أن يكون المراد وقت ظهر من لا يتنفّل ـ يعني أوّل الزوال ـ لأنّه باطل قطعا ، للزوم وقوع الجمعة قبل الزوال ، بل ربّما كانت صلاة الجمعة المتعارفة يزيد زمانها عن زمان نافلة الظهر بحسب المتعارف.

فيمكن أن يكون المراد بعد القدمين من الزوال ، لما مرّ الإشارة إلى ما دلّ على أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا مضى من في‌ء جدار مسجده ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى ذراعان صلّى العصر ، بل عرفت أنّ جدار مسجده كان قامة (٢).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣ الحديث ٤٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٦ الحديث ٩٤٥١.

(٢) راجع! الصفحة : ٤٣٨ و ٤٣٩ من هذا الكتاب.

٤٤٧

واحتمل كون المراد من القامة ، قامة رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ يعني الذراع ـ فيصير ظلّ كلّ شي‌ء مثله.

فربّما يظهر منها امتداد وقت صلاة الجمعة إلى أن يصير ظلّ كلّ شي‌ء مثله ، لأنّ الظاهر اتّصال وقت العصر بوقت صلاة الجمعة يوم الجمعة ، لتقديم نافلة العصر مثل نافلة الظهر فيه.

وفي صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما يصلّي العصر في وقت الظهر في سائر الأيّام كي إذا قضوا الصلاة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجعوا إلى رحالهم قبل الليل ، وذلك سنّة إلى يوم القيامة» (١).

فلعلّ ما ذكر مستند الأكثر ، مضافا إلى الأخبار الدالّة على امتداد الوقت إلى صيرورة ظلّ كلّ شي‌ء مثله وقد تقدّمت (٢) ، إذ بإطلاقها تشمل يوم الجمعة أيضا ، لأنّ الظهر المذكور فيها أعمّ من ظهر يوم الجمعة ، وظهر يوم الجمعة أعمّ من أن تكون صلاتها صلاة الجمعة ، أم صلاة الظهر ، بل في بعض تلك الأخبار : «صلّ الاولى» موضع «صلّ الظهر» (٣).

هذا ، مضافا إلى قولهم عليهم‌السلام : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّاها حين زوال الشمس (٤) ، فتأمّل جدّا!

على أنّا نقول : كلّ واحدة منها تشمل بعمومها صلاة الجمعة ، لقولهم عليهم‌السلام :

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣٨ الحديث ٦٣١ ، ٢٤٠ الحديث ٦٤٢ ، الاستبصار : ١ / ٤٢١ الحديث ١٦٢١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٠٧ الحديث ٩٤٢٧.

(٢) راجع! الصفحة : ٤٢٤ و ٤٣٧ و ٤٣٨ من هذا الكتاب.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٥٣ الحديث ١٠٠٤ ، الاستبصار : ١ / ٢٥٨ الحديث ٩٢٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٥٨ الحديث ٤٧٩٧.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٢ الحديث ٤٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٦ الحديث ٩٤٥٢.

٤٤٨

أتى جبرئيل عليه‌السلام بمواقيت الصلاة (١) ، فإنّ «المواقيت» جمع مضاف. بل فيها قرينة على إرادة العموم ، لا أنّ خصوص غير الجمعة أتاه جبرئيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ وقت صلاة الجمعة لم يكن ممّا أتى به جبرئيل عليه‌السلام ، إذ لا شبهة في أنّه ليس كذلك ، فتأمّل جدّا!

لكنّ الظاهر أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كان بمجرّد الزوال يشرع في صلاة الجمعة وبعد الفراغ منها كان يصلّي العصر ، ويبعد كلّ البعد الامتداد إلى أن يصير ظلّ كلّ شي‌ء مثله.

وأمّا ما يشمل ، فيمكن أن يقال يخرج المقام بما دلّ من الأخبار وغيرها ، لكن في إخراجها لا بدّ من التأمّل ، إذ يحتمل أن يكون المراد من الوقت الواحد ، هو الوقت الأوّل الخالي عن الثاني الذي آخره قريب الغروب ، بقرينة قولهم عليهم‌السلام في تلك الأخبار : «وأنّ الوقت وقتان» (٢).

لكن ظاهر صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام الضيق ، إذ فيها : «أنّ الصلاة ممّا فيه السعة فربّما عجّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وربّما أخّر إلّا صلاة الجمعة ، لأنّها من الامور المضيّقة ، إنّما لها وقت واحد حين تزول الشمس ، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر سائر الأيّام» (٣) فإنّ تعجيل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتأخيره كان في وقت الفضيلة.

وممّا يشهد على الضيق رواية ابن أبي عمير قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن الصلاة يوم الجمعة؟ فقال : «أتى بها جبرئيل عليه‌السلام مضيّقة إذا زالت الشمس لم أبدأ بشي‌ء قبل المكتوبة» (٤). قال القاسم : وكان ابن بكير يصلّي ركعتين وهو شاكّ في

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٥٢ الحديث ١٠٠١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ١٥٧ الحديث ٤٧٩٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣ الحديث ٤٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٦ الحديث ٩٤٥١.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٣ الحديث ٤٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٦ الحديث ٩٤٥١ مع اختلاف يسير.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٢٠ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٩ الحديث ٩٤٦٤ مع اختلاف يسير.

٤٤٩

الزوال ، فإذا استيقن الزوال بدأ بالمكتوبة (١).

وصحيحة ابن سنان عنه عليه‌السلام قال : «إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة» (٢).

وقويّة سماعة عنه عليه‌السلام : إنّ وقت الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس (٣) ، ومثلها رواية مسمع عنه عليه‌السلام (٤) ، إلى غير ذلك.

قوله : (التفاتا). إلى آخره.

لا يخفى أنّ هذه القاعدة ليست قويّة بالقوّة التي تقابل ظواهر تلك الأخبار ، وفعل الشارع في العبادة التوقيفية.

بل الظواهر لا تكاد تقبل الحمل المذكور ، للتصريح فيها بأنّ الصلاة ممّا فيه السعة ، وأنّها لها وقتان إلّا صلاة الجمعة.

ومعلوم أنّ التوسعة والوقت الثاني بعنوان الحلال المرجوح ، وإلّا فالأصل عدمهما ، مع أنّه لم يقل به أحد ، فالجمعة حينئذ مثل غيرها فكيف يستثنى ويبالغ في استثنائها؟ فتأمّل!

والحمل على شدّة الفضيلة ينافي قاعدة البدلية وأصالة البقاء فتدبّر ، لأنّ تحقّق مرجوحيّته في المبدل أقلّ منها في البدل ، غير مسلّم وخلاف الأصل ، مع أنّ مقتضى الخاصّ نفي الوقت أصلا ورأسا ، ومقتضى البدلية أنّ حال البدل حال المبدل منه مطلقا ، والخاصّ مقدّم ، وتخصيص كلّ من الخاصّ والعامّ ، فيه ما فيه.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٢٠ ذيل الحديث ٤.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٢٠ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٩ الحديث ٩٤٦٣.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٢٠ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٨ الحديث ٩٤٦٢.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٣١ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٦ الحديث ٩٤٥٠.

٤٥٠

وكذا الكلام في أصالة البقاء ، لأنّها أيضا لا تعارض ما ذكر ، فضلا أن يغلب عليه ، فضلا أن يجعل به البراءة اليقينية في العبادة التوقيفية.

مع أنّ البقاء إلى الغروب ، خلاف طريقة المسلمين في الأعصار والأمصار.

قوله : (نعم في). إلى آخره.

يدلّ على ذلك صحيحة ابن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ، ويخطب في الظلّ الأوّل ، فيقول جبرئيل عليه‌السلام : يا محمّد قد زالت الشمس فانزل وصلّ ، وإنّما جعل الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتّى ينزل الإمام» (١).

وقوله عليه‌السلام : «فهي صلاة» يقتضي عدم جواز الخطبة قبل الزوال ، والظاهر من قوله عليه‌السلام : «كان يصلّي» أنّ هذا كان عادته ، وقوله عليه‌السلام : «حين تزول الشمس قدر شراك» معناه زالت الشمس قدر شراك ، فظاهر أنّ شروعه في الصلاة كان بعد ما مضى من الفي‌ء قدر شراك.

ومعلوم أنّ شروعه فيها كان متّصلا بالفراغ من الخطبتين ، والنزول من المنبر ، كما يدلّ عليه قوله عليه‌السلام : «فانزل فصلّ» فلا جرم يكون المراد من الظلّ الأوّل الفي‌ء قبل أن يصير قدر شراك ، كما دلّ عليه صدر الحديث ، فلا تكون شاذّة مخالفة للآية (٢) ، والأخبار الكثيرة المعتبرة المشتهرة بين الأصحاب الموافقة للقاعدة وطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار ، مضافا إلى قاعدة البدلية.

مع أنّ الجمعة من الامور التي تعمّ بها البلوى ، وتقع في محضر جماعة كثيرة غاية الكثرة.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٢ الحديث ٤٢ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣١٦ الحديث ٩٤٥٢.

(٢) الجمعة (٦٢) : ٩.

٤٥١

فلو كان الصادر عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخطبة قبل الزوال على سبيل الدوام ـ وكان ذلك عادته ، كما يدلّ عليه قوله عليه‌السلام : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم». إلى آخره ـ لاشتهر اشتهار الشمس ، لا أن يصير الأمر بالعكس ، وخلاف ذلك.

٤٥٢

١٠٢ ـ مفتاح

[وقت صلاة العيد]

وقت صلاة العيد ما بين طلوع الشمس إلى الزوال للإجماع ، والمعتبرين (١) ، وظاهر الشيخين تأخيرها إلى الارتفاع (٢) ، وهو أحوط ، لاقتضاء النص كون الطلوع وقتا للخروج لا للصلاة.

وقيل : يستحب زيادة التأخير في الفطر عن الأضحى إجماعا ، لاستحباب الإفطار وإخراج الفطرة فيه قبل الصلاة ، بخلاف الأضحى ، فإنّ الإفطار فيه بعدها (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٧٣ الحديث ٩٨٩٣ و ٩٨٩٤.

(٢) المقنعة : ١٩٤ ، المبسوط : ١ / ١٦٩.

(٣) الخلاف : ١ / ٦٥٥ المسألة ٤٢٨ ، مدارك الأحكام : ٤ / ١٠٠.

٤٥٣
٤٥٤

قوله : (لاقتضاء النص). إلى آخره.

فيه ، أنّ النصّ هكذا : قال الباقر عليه‌السلام : «ليس في الفطر والأضحى أذان ولا إقامة ، أذانهما طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا» (١).

وظاهر أنّ المراد من الأذان هو العلم لدخول الوقت ، وأضاف الأذان إلى الصلاتين لا إلى الخروج ، فظهر أنّ طلوع الشمس يؤذن بدخول وقتهما ويعلم.

والظاهر أنّ إقامتهما النداء بلفظ «الصلاة» ثلاث مرّات ، كما يظهر من رواية إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه‌السلام (٢).

هذا ، مع أنّ الخروج إلى الصحراء مستحبّ لغير أهل مكّة ولغير المريضين (٣) ونحوهم ، ولازم ما ذكر هو جواز الصلاة حينئذ لو لم يخرجوا ، ولم يذكر في الأخبار الدالّة على جواز الصلاة حينئذ لو لم يخرجوا ، ولم يذكر في الأخبار الدالّة على جواز الصلاة في المصر ونحوه ، أنّهم كانوا يؤخّرون الصلاة إلى الوقت الذي يصلّون في الخارج فيه ، وكذلك لم يذكر فيها أنّ أهل مكّة حين صلاتهم في المسجد الحرام كانوا يؤخّرون ، وكذلك المرضى ونحوهم.

وبالجملة ، ما ذكره المصنّف لو تمّ ، لأقتضى المنع عن الصلاة أوّل اليوم ، لا أنّ التأخير احتياط.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٥٩ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٢٩ الحديث ٢٧٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٩ الحديث ٩٧٦٦ مع اختلاف يسير.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢٢ الحديث ١٤٧٣ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٩٠ الحديث ٨٧٣ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٨ الحديث ٩٧٦٢.

(٣) كذا في النسخ والصحيح : المرضى.

٤٥٥

قوله : (وقيل). إلى آخره.

قد مضى بحث صلاة العيد (١) ، وسيجي‌ء في كتاب الصوم أيضا.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٣٩٨ و ٣٩٩ (المجلّد الثاني) من هذا الكتاب.

٤٥٦

١٠٣ ـ مفتاح

[وقت صلاة الآية]

وقت صلاة الآية من ابتدائها إلى انجلائها. وقيل : إلى الأخذ في الانجلاء (١) ، والأوّل أصح ، كما يستفاد من المعتبرة (٢).

وإذا غاب القرص بعد الانكساف وقبل الانجلاء ، أو ستره غيم ونحوه ، وجبت أداء إلى أن يتحقّق الفوات.

وفي الزلزلة وقتها تمام العمر على المشهور ، وقيل : مع السكون يصير قضاء (٣) ، وهو شاذ. وألحق بها العلّامة الصيحة (٤) ، وهو حسن.

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ١٣٧ ، السرائر : ١ / ٣٢٢.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٩٨ الباب ٨ ، من أبواب صلاة الكسوف والآيات.

(٣) لاحظ! البيان : ٢٠٧ ، مدارك الأحكام : ٤ / ١٣٢.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٤ / ١٨٠ المسألة ٤٨٤.

٤٥٧
٤٥٨

قوله : (وقت صلاة الآية). إلى آخره.

قد مرّ التحقيق في ذلك في موضعه (١) ، فلاحظ.

قوله : (وجبت أداء).

أقول : للاستصحاب ، فمن لم يقل بحجّية الاستصحاب ، مثل المصنّف وصاحب «المدارك» ، ومن وافقهما (٢) ، يشكل هذا الحكم منه.

قوله : (وفي الزلزلة).

قد مرّ التحقيق في ذلك أيضا (٣).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٤٤٥ ـ ٤٥٣ (المجلّد الثاني) من هذا الكتاب.

(٢) مدارك الأحكام : ٤ / ١٣٠ ، الحدائق الناضرة : ١٠ / ٣٠٨.

(٣) راجع! الصفحة : ٤٥٣ ـ ٤٥٦ (المجلّد الثاني) من هذا الكتاب.

٤٥٩
٤٦٠