مصابيح الظلام - ج ٥

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٥

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-5-1
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤٨

٩٤ ـ مفتاح

[تعيين مقدار الكرّ]

الكرّ بالوزن ألف ومائتا رطل بالنصّ (١) والإجماع ، وفسّره الأكثر بالعراقي الذي وزنه مائة وثلاثون درهما (٢) ـ كما مرّ ـ والآخرون بالمدني الذي هو رطل ونصف بالعراقي (٣).

وبالمساحة ما بلغ كلّ من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصفا على المشهور ، للخبر (٤) ، وأسقط القمّيون النصف (٥) ، للصحيح (٦).

وفي الأوضح متنا والأصحّ سندا : ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته (٧).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ١٦٧ الحديث ٤١٦.

(٢) المقنعة : ٦٤ و ٦٦ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٣ ، المبسوط : ١ / ٦ ، السرائر : ١ / ٦٠ ، شرائع الإسلام : ١ / ١٣ ، مختلف الشيعة : ١ / ١٨٤ ، مدارك الأحكام : ١ / ٤٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦ ذيل الحديث ٢ ، لاحظ! المعتبر : ١ / ٤٧ ، مختلف الشيعة : ١ / ١٨٥.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ١٦٦ الحديث ٤١٣.

(٥) مختلف الشيعة : ١ / ١٨٣.

(٦) وسائل الشيعة : ١ / ١٥٩ الحديث ٣٩٧.

(٧) وسائل الشيعة : ١ / ١٦٤ الحديث ٤٠٨.

٣٢١

والراوندي : ما بلغ مجموع أبعاده الثلاثة عشرة أشبار ونصفا (١) ، واوّل بما يرجع إلى المشهور ، بحمله على ما إذا تساوت الأبعاد (٢).

وسيّد ابن طاوس اكتفى بكلّ ما روي (٣) ، جمعا وأخذا بالمتيقّن ، ويرجع إلى قول القمّيين ، فالزائد مندوب.

__________________

(١) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ١٨٤ ، ذكرى الشيعة : ١ / ٨١.

(٢) الحبل المتين : ٣٠٨ ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ١ / ٢٧٣ و ٢٧٤.

(٣) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ١ / ٨١ ، مدارك الأحكام : ١ / ٥٢ ، كشف اللثام : ١ / ٢٦٨.

٣٢٢

قوله : (بالنصّ). إلى آخره.

هو مرسلة ابن أبي عمير ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «الكرّ [من الماء الذي لا ينجسه شي‌ء] ألف ومائتا رطل» (١) وابن أبي عمير مراسيله في حكم المسانيد ، وهو ممّن أجمعت العصابة ، وممّن لا يروي إلّا عن الثقة (٢).

ومع جميع ذلك الأصحاب أفتوا بهذه الرواية ، بحيث ظهر إجماعهم عليه ، قال في «المعتبر» : وعلى هذا عمل الأصحاب (٣).

وقال الصدوق في أماليه : من دين الإماميّة الإقرار بأنّ الكرّ ألف ومائتا رطل بالمدني ، وروي : «أنّ الكرّ ثلاثة أشبار طولا ، في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا» (٤) ، انتهى.

ومعلوم أنّ قيد المدني ليس في الرواية ، فهو من فهمهم في زمانه.

وكيف كان ، لا تأمّل في كون الكرّ ألفا ومائتا رطل إجماعيا عند الشيعة.

ويظهر من كلام الصدوق رحمه‌الله كونه الأصل في قدر الكرّ المعمول به عند الشيعة ، وأنّ المساحة ليست بهذه المثابة ، كما أنّ الظاهر من غيره أيضا ذلك (٥).

ويظهر منه أنّ المشهور في زمانه كان تحديد الرطل المذكور بالمدني.

ولعلّه كان بناؤهم على أنّ المعصوم عليه‌السلام كان من أهل المدينة ، وكلّ أهل بلد تكلّمه على وفق اصطلاح بلده ، ولهذا اختار المرتضى رحمه‌الله ذلك أيضا (٦) للاحتياط ،

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤١ الحديث ١١٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٦٧ الحديث ٤١٦.

(٢) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٣) المعتبر : ١ / ٤٧.

(٤) أمالي الصدوق : ٥١٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٦٥ الحديث ٤٠٩.

(٥) الروضة البهيّة : ١ / ٣٣.

(٦) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٢٢ ، الانتصار : ٨.

٣٢٣

لكن الشيخين ومن تبعهما فسّروه بالعراقي (١) ، لأنّ المرسل عراقي (٢) ، وليس إرساله إلّا عن مشايخه وهم عراقيّون. والمعصوم عليه‌السلام كان عارفا باصطلاح البلدان سيّما العراق ، فكلامه على اصطلاح الراوي أنسب ، ولذا في أكثر الأخبار : إنّ الصاع تسعة أرطال (٣) ، ولأنّه أوفق بتقدير المساحة وأقرب إليه.

ولصحيحة ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام قال : «الكرّ ستمائة رطل» (٤) وبأنّ المراد بالرطل ، المكّيّ ، وهو ضعف العراقي.

ويقرّ به أنّ ابن أبي عمير روى عن ابن المغيرة يرفعه إلى الصادق عليه‌السلام قال : «الكرّ ستمائة رطل» (٥).

وصحيحة ابن مسلم المذكورة ، وهي عن ابن المغيرة ، عن الخزّاز ، عن ابن مسلم ، فربّما يظهر كون الروايتين واحدة ، وأنّها هي المشهورة المذكورة ، فإنّ ابن مسلم سأل الصادق عليه‌السلام في مكّة ، فأجابه عليه‌السلام على اصطلاح مكّة ، وكان ذلك معهودا معروفا من الراوي ، ولذا ربّما عبّر بستّمائة ، وربّما عبر بألف ومائتي رطل نقلا بالمعنى على اصطلاح العراقي.

وممّا يعيّن ذلك موافقته لرواية الأشبار الثلاث (٦) ، وستعرف كونها صحيحة وكونها أقوى من رواية أبي بصير (٧) وأرجح ، بحيث يتعيّن الفتوى بها.

__________________

(١) المقنعة : ٦٤ ، المبسوط : ١ / ٦ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٣ ، المهذّب : ١ / ٢١ ، غنية النزوع : ٤٧.

(٢) وهو ابن أبي عمير في الرواية التي مرّت آنفا.

(٣) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٤٠ الباب ٧ من أبواب زكاة الفطرة.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٤١٤ الحديث ١٣٠٨ ، الاستبصار : ١ / ١١ الحديث ١٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٦٨ الحديث ٤١٨.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٣ الحديث ١١٩ ، الاستبصار : ١ / ١١ الحديث ١٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٦٨ الحديث ٤١٧.

(٦) مرّت آنفا.

(٧) وسائل الشيعة : ١ / ١٦٦ الحديث ٤١٣.

٣٢٤

على أنّه قد عرفت أنّ الماء طاهر حتّى يستيقن نجاسته ولا يحصل اليقين بها إلّا إذا كان أقلّ من ألف ومأتي رطل بالعراقي.

وأمّا إذا كان أقلّ منه بالمدني فلا يحصل اليقين البتّة ، لاحتمال إرادة العراقي ، ولو كان احتمالا مرجوحا ، فما ظنّك بالتساوي؟

ولكن الظاهر ، بل المعلوم : أنّه إذا حصل الرجحان يكون ظنّا اجتهاديّا يجب العمل به ويتعيّن ، لانتهائه إلى اليقين.

والظنّ الذي لم يعتبر في الحكم بالنجاسة إنّما هو الظنّ في موضوع الحكم الشرعي لا في نفسه ، مثل الظن بملاقاة الماء القليل النجاسة ، أو الظن بالتغيّر ، وأمثال ذلك.

لكن الظن في كونه مدنيّا مفقود ، لأنّ ما ذكره الصدوق رحمه‌الله وإن كان مفيدا لظنّ ما لكن يعارضه ما ذكرناه ، بل يغلب عليه.

وعلى تقدير التساوي فالأصل طهارة الماء حتّى يستيقن النجاسة ، وإن كان بالظنّ الاجتهادي وهو مفقود.

وأمّا ما احتجّ به المرتضى رحمه‌الله فقد ظهر جوابه ، وأمّا تمسّكه بالاحتياط (١) ففي غاية الضعف ، لأنّ الاحتياط لا يعارض أصل البراءة فضلا عن الاستصحاب والعمومات والخصوصات التي ذكرنا ، مع أنّ الاحتياط ربّما يكون في العراقي ، مثل ما إذا انحصر الماء في الكرّ العراقي الملاقي للنجس.

قوله : (للخبر).

أقول : هو رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن الكرّ من الماء كم يكون قدره؟ قال : «إن كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله ثلاثة أشبار

__________________

(١) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ١٨٥.

٣٢٥

ونصف في عمقه من الأرض ، فذلك الكرّ من الماء» (١) ، وهي ضعيفة بأحمد بن محمّد بن يحيى.

لكن الظاهر أنّ قوله : «ابن يحيى» وهم ، لأنّ الرواية عن الكليني ، وليس في «الكافي» هذه الزيادة (٢) ، وكذلك ليس في «الاستبصار» (٣) ، لكن في السند عثمان ابن عيسى ، وهو واقفي ، إلّا أنّه ممّن أجمعت العصابة (٤).

وأمّا أبو بصير ، فليس فيه غبار ، لأنّه مشترك بين الثقات ، وليس واحد منهم واقفيا ، كما حقّقت في الرجال (٥).

فالرواية قويّة بعثمان ، ومتقوّية أيضا بشهرة العمل ، حتّى ابن زهرة ادّعى الإجماع على العمل بمضمونها (٦).

لكن في دلالتها ضعف ، لأنّ الظاهر منها الشكل المستدير ، لأنّه لم يذكر إلّا العمق والسعة ، لأنّ قوله عليه‌السلام : «إن كان الماء ثلاثة أشبار ونصف» مطلق ، أي في جميع السعة ، لا أنّه في الطول فقط أو العرض كذلك ، حتّى يصير شكلا مربّعا فيكون البعد أزيد من ثلاثة أشبار ونصف من الزاوية إلى الزاوية بزيادة متفاوتة متكثّرة جدّا ، كما هو في المربّع.

مع أنّه لم يذكر البعد الثالث مع التعرّض لخصوص العمق ، فلا يقال : إنّ الإخلال بذكر الثالث مع إرادة الثلاثة شائع ذائع ، لأنّ الشائع إنّما هو فيما لم يتعرّض

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢ الحديث ١١٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٦٦ الحديث ٤١٣ مع اختلاف يسير

(٢) الكافي : ٣ / ٣ الحديث ٥.

(٣) الاستبصار : ١ / ١٠ الحديث ١٤.

(٤) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣١ الرقم ١٠٥٠.

(٥) تعليقات على منهج المقال : ٣٧١ ـ ٣٧٣ و ٣٨٤.

(٦) غنية النزوع : ٤٦.

٣٢٦

لذكر واحد منها بالنصّيّة بالخصوص ، مثل أن يقال : ثلاثة ونصف في ثلاثة ونصف ، من دون النص بذكر خصوص العمق ، فإنّ النص به ينادي بأنّ الأوّل مطلق غير مختص بطول ولا عرض ، وأنّه ليس فيه طول ولا عرض.

ولو كان المراد المربّع والأبعاد ثلاثة لكان التعرّض لخصوص العمق بين الأبعاد لغوا مستدركا لا وجه له ولا رجحان ، بل يكون مخلّا بالمقصود ، لكونه موهما بخلافه لا أقلّ ، بل يكون دليلا عليه.

وممّا يشهد على ما ذكرناه رواية الحسن بن صالح بن حيّ عنهم عليهم‌السلام : «إذا كان الماء في الركي كرّا لم ينجّسه شي‌ء» ، قلت : وكم الكرّ؟ قال : «ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها» (١) أي سعتها ، لأنّ الركي جمع الركية ، وهي البئر ، وعرضها قطرها ، فهو شكل مستدير بلا تأمّل!

ويشهد عليه الوجدان من الخارج فإنّ المتعارف من البئر الشكل المستدير لا المربّع ، بل لا يوجد أصلا بالمربع ، والإطلاق ينصرف إلى المتعارف الغالب ، فضلا أن لا يكون غيره.

ويعضده أيضا كون الكرّ مكيالا يكال به الأشياء ، والمكيال بشكل الاستدارة.

والشيخ حمل رواية الحسن على التقيّة (٢) ، وهو مضعّف للعمل برواية أبي بصير ، موجب لحملها على التقيّة.

قوله : (للصحيح).

أقول : هو رواية إسماعيل بن جابر ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الماء الذي لا

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٢ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠٨ الحديث ١١٨٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٣ الحديث ٨٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٦٠ الحديث ٣٩٨.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠٨ ذيل الحديث ١٢٨٢.

٣٢٧

ينجّسه شي‌ء؟ قال : «كرّ» ، قلت : ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار» (١).

وفي صحّتها تأمّل ، لأنّ الشيخ رواها بطريقين : أحدهما عن عبد الله بن سنان (٢) ، والاخرى عن محمّد بن سنان (٣) ، والراوي عنهما واحد ، وهو محمّد بن خالد.

والذي يظهر من الرجال : أنّ محمّد بن خالد لم يدرك عبد الله (٤) ، والظاهر كون «عبد الله» وهما ، من جهة أنّه روى عن محمّد بن سنان ، ثمّ روى عن ابن سنان اكتفاء بالقرينة ، فتوهّم من لفظ «ابن سنان» كونه عبد الله ، لأنّ الإطلاق ينصرف إليه.

وكيف كان ، حصل الريبة بلا شبهة ، لكن الذي ظهر لي أنّ محمّد بن سنان ثقة ، كما حقّقته (٥).

وصرّح العلّامة في «المختلف» بكونه ثقة عنده أيضا (٦) ، مع انجبارها بعمل القمّيين ، فإنّهم كانوا يخرجون من قم من كان يعمل بالأحاديث الضعاف أو المجهولة أو المرسلة ، فما ظنّك بما اتّفق الكلّ على العمل به ، سيّما في مقابل رواية أبي بصير (٧) وغيرها ، مع أنّها في الحقيقة هي صحيحة إسماعيل بن جابر عن الصادق عليه‌السلام عن

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣ الحديث ٧ ، الاستبصار : ١ / ١٠ الحديث ١٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٥٩ الحديث ٣٩٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٤١ الحديث ١١٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧ الحديث ١٠١.

(٤) لاحظ! جامع الرواة : ٢ / ١٠٨ و ١٠٩ ، معجم رجال الحديث : ١٦ / ٦٣.

(٥) انظر! تعليقات على منهج المقال : ٢٩٧ و ٢٩٨.

(٦) مختلف الشيعة : ٧ / ٧ و ٨.

(٧) مرّ آنفا.

٣٢٨

الماء الذي لا ينجّسه شي‌ء؟ قال : «ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته» (١).

وغير خفيّ أنّه بشكل الاستدارة ، لما ذكرته في رواية أبي بصير ، فإنّ جميعه جار هنا أيضا.

بل يزيد عليه التصريح بلفظ السعة في مقابل التصريح بلفظ العمق ، فإنّ السعة على الإطلاق في غاية الوضوح في الدلالة على إرادة مطلق السعة ، لا خصوص الطول والعرض حتّى يكون من الزاوية إلى الزاوية ربّما يقرب أربعة أشبار وربّما ينقص عنه ، ويتفاوت تفاوتا كثيرا.

ومعلوم أنّ الذراع عبارة عن شبرين ، كما هو الغالب في مستوي الخلقة ، فيكون المراد أربعة أشبار عمقه وثلاثة أشبار قطره وسعته ، فيكون تسعة أشبار محيط السعة والقطر ، فيضرب نصفه في نصف القطر فيكون محصوله ستّة أشبار وثلاثة أرباع شبر ، فيضرب في أربعة أشبار العمق فيكون مجموع محصول ضربه سبعة وعشرين شبرا ، وهو بعينه محصول ضرب ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار.

فظهر اتّحاد الروايتين ، لأنّ الراوي واحد ، وكذا المروي عنه ، وكذا متن سؤال الراوي ، وكذا محصول جواب المعصوم عليه‌السلام.

ولما كان الكرّ بشكل الاستدارة أجاب المعصوم عليه‌السلام بشكل الاستدارة.

ولما كان المطلوب مقدار مائه لا خصوصيّة الشكل فلا بدّ من مراعاة ضرب يفهم منه حصول المقدار المذكور ، بأيّ شكل يكون ، والضرب في شكل الاستدارة خفيّ دقيق لا يفهمه كلّ أحد ، عبّر عنه بشكل المربّع الذي يفهم ضربه كلّ مكلّف يريد أن يعرف مقدار الماء الذي هو كرّ ، بأيّ شكل يكون.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٤١ الحديث ١١٤ ، الاستبصار : ١ / ١٠ الحديث ١٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٦٤ الحديث ٤٠٨.

٣٢٩

والحاصل ، أنّ المعتبر في الكرّ هو المقدار جزما لا خصوصيّة الشكل قطعا ، والمقدار بعينه باق على حاله وهو المعتبر في الجواب ، فظهر أنّ الأقوى هو كرّ القمّيين.

ويعضده ، بل يعيّنه في الفتوى والعمل به موافقته لألف ومائتي رطل العراقي.

قوله : (بكلّ ما روي).

أي رواية يجوز العمل بها ، بأن لا تكون شاذة لم يعمل بها أحد ، فإنّ الشاذ لا عمل عليه بل يجب طرحه ، فانحصر في رواية القمّيين (١) ورواية أبي بصير (٢) ، فيكون كرّ القمّيين معتبرا عنده في عدم قبول النجاسة ، ورواية أبي بصير في عدم قبول الكراهة واستحباب التجنّب.

ويحتمل أن يكون مراد السيّد غير ما ذكر ، مثل أن يكون مراده التخيير ، كما أنّ من عمل بالوزن يلزمه مراعاة الوزن ، ومن عمل بالمساحة فالمساحة ، مع التفاوت بينهما تحقيقا ، وإن لم يكن تفاوت تقريبا ، والكرّ تحقيقي لا تقريبي.

مع أنّه على تقدير كونه تقريبيّا أيضا يظهر التخيير ، إذ الوجوب العيني لا يقبل الدرجات أصلا.

وممّا يشهد على كونه تقريبيّا عدم معلوميّة اتّفاق الأشبار من مستوي الخلقة ، ولا اتّفاق كيفيّة الشبر والمساحة ، وكذا الحال في الوزن.

أقول : يمكن الجواب عن الكلّ بأنّ الأصل طهارة الماء حتّى يحصل العلم بالنجاسة ، وكلّ مكلّف بفهمه وجزمه ، وإن كان الحكم واحدا لا اختلاف فيه أصلا ، كما أنّ حكم الله واحد عندنا ، فيكون الكرّ أمرا تحقيقيّا ، فتأمّل جدّا!

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٣٢٧ و ٣٢٨ من هذا الكتاب.

(٢) راجع! الصفحة : ٣٢٥ و ٣٢٦ من هذا الكتاب.

٣٣٠

ونقل عن ابن الجنيد أنّ الكرّ ما بلغ تكسيره مائة شبر (١) ، مع أنّه بحسب الوزن عنده خمسمائة رطل على ما نسب إليه (٢) ، فما أبعد ما بينهما وهو عجيب.

وكذلك ما ذكره الصدوق من أنّه ألف ومائتا رطل بالمدني وثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار (٣).

وأعجب منه أنّه روى في «الفقيه» أنّه «إذا كان الماء قدر قلّتين لم ينجّسه شي‌ء» (٤) إلّا أنّ ذكره ذلك ليس لأجل فتواه به ، كما قال جدّي : إنّه روى في «الفقيه» ما لم يفت به (٥) أو يكون مراده الفتوى والعمل بها حال التقيّة ، لأنّه مذهب الشافعي (٦) ، أو مراده تأويلها إلى ألف ومائتي رطل ، ولهذا قال في أماليه : وروي : «ثلاثة أشبار» (٧) ، فتأمّل!

وما اختاره الشيخ ومن تبعه من كونه ثلاثة أشبار ونصف في ثلاثة أشبار ونصف ، مع كونه بالوزن ألفا ومائتي رطل بالعراقي (٨) عجيب أيضا ، بل أزيد تفاوتا ممّا اختاره الصدوق رحمه‌الله ، كما عرفت.

وممّا ذكر ظهر حال ما ورد في الأخبار من أنّه قدر قلّتين ، أو قدر حبّ من حباب المدينة ، أو أكثر من راوية (٩) ، بأن يكون المراد ما وافق ثلاثة أشبار ، وألفا

__________________

(١) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ١٨٣.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦ ذيل الحديث ٢ ، أمالي الصدوق : ٥١٤.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٦٦ الحديث ٤١٥.

(٥) روضة المتّقين : ١ / ١٧.

(٦) الأم : ١ / ٤ ، مختصر المزني : ٩ ، فتح الباري : ١ / ٤٠٨.

(٧) أمالي الصدوق : ٥١٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٦٥ الحديث ٤٠٩.

(٨) المبسوط : ١ / ٦ ، الخلاف : ١ / ١٨٩ المسألة ١٤٧ ، المهذّب : ١ / ٢١ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٧٣.

(٩) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ١٦٤ الباب ١٠ من أبواب الماء المطلق.

٣٣١

ومأتي رطل بالعراقي ، وإن لم يقبل التوجيه فلا بدّ من الطرح أو العمل به في حال التقيّة.

وهذه الروايات أيضا ممّا رجّح ما اخترناه ، لنهاية بعد حملها على المدني ، فضلا عن حملها على ثلاثة أشبار ونصف.

٣٣٢

٩٥ ـ مفتاح

[كيفيّة تطهير الماء]

يطهر الماء المنفعل بالتغيّر بزوال تغيّره بنزحه أو غوره أو استهلاكه في الماء الطاهر ، وفي طهارته بزواله بغير ذلك كتصفيق الرياح ونحوه قولان : من أنّ الأصل في الماء الطهارة وإنّما ينجس بالتغيّر وقد زالت العلّة (١) ، ومن أنّه محكوم بنجاسة شرعا فلا يرتفع الحكم إلّا بدليل (٢) ، وقد مرّ نظيره في تطهير الصقيل.

ويطهر المنفعل بدون التغيّر على القول به في البئر بما مرّ ، وفي غيره بإلقاء كرّ عليه دفعة ، كذا قيل (٣).

وفي طهارته بإتمامه كرّا قولان : للأوّل نظير ما للأوّل وأنّ بالبلوغ تستهلك النجاسة ، فيستوي ملاقاتها قبل الكثرة وبعدها (٤) ، وعموم «إذا بلغ

__________________

(١) الجامع للشرائع : ١٨ ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ١ / ٢٤٦ و ٢٤٧.

(٢) المبسوط : ١ / ٦ ، شرائع الإسلام : ١ / ١٣ ، منتهى المطلب : ١ / ٦٤ و ٦٥.

(٣) شرائع الإسلام : ١ / ١٢ ، نهاية الإحكام : ١ / ٢٥٧.

(٤) رسائل الشريف المرتضى : ٢ / ٣٦١ المسألة ١٧ ، السرائر : ١ / ٦٣ ، الجامع للشرائع : ١٨.

٣٣٣

الماء كرّا لم يحمل خبثا» (١) وللثاني ما للثاني هناك (٢) ، وعدم الطهارة في المسألتين أشهر ، لكن الطهارة في الثاني أظهر.

وربّما يفرّق فيها بين الإتمام بطاهر أو نجس (٣) ، ولا يخلو من قوّة. لا نصّ في شي‌ء من هذه المسائل.

__________________

(١) عوالي اللآلي : ١ / ٧٦ الحديث ١٥٦ ، مستدرك الوسائل : ١ / ١٩٨ الحديث ٣٤١.

(٢) الخلاف : ١ / ١٩٤ المسألة ١٥٠ ، مختلف الشيعة : ١ / ١٨٠ ، المعتبر : ١ / ٥١ ، إيضاح الفوائد : ١ / ٢٠ ، مدارك الأحكام : ١ / ٤٢.

(٣) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٧٣.

٣٣٤

قوله : (ويطهر الماء). إلى آخره.

تطهير الماء النجس إجماعي ، بل بديهي الدين إذا كان بالاستهلاك ، كما مرّ في مطهّريّة الاستحالة (١) ، وربّما يطهر بالازدياد وبالنقص وغيرهما.

أمّا تطهيره بالازدياد فبإلقاء الكرّ الطاهر من الماء عليه إلى أن يزول التغيّر إن كان نجاسة النجسة بالتغيّر ، أو مطلقا إن كانت بالملاقاة ، ويكون الطاهر الذي يلقى عليه كرّا ، أو غير كرّ ويكون الإلقاء المذكور بحيث يمزج به ، أو يكون بمجرّد الملاقاة ، فهاهنا أقسام :

الأول : أن يكون بإلقاء كرّ طاهر بحيث يحصل المزج به ، وحصول التطهير به متّفق عليه بين الفقهاء لا نزاع فيه أصلا.

بل ربّما يظهر أنّه متّفق عليه بين المسلمين ، حكموا لقبوله التطهير في مبحث تطهير المياه ومبحث بيع الأعيان النجسة القابلة للطهارة وغيرهما.

ويدلّ عليه ـ بعد الاتّفاق المذكور ـ الرواية السابقة في ماء الحمّام ، أنّه «كماء النهر يطهّر بعضه بعضا» (٢) ، والإطلاقات الكثيرة في أنّ الماء طهور (٣) ، إذ ظاهرها أنّه يطهّر كلّ نجس ومتنجّس ، كما لا يخفى على من لاحظ متونها.

ويعضده معتبرة السكوني أنّ «الماء يطهّر ولا يطهر» (٤) ، ولا يجوز حملها على أنّه لا يطهّر أصلا ، لما عرفت ، فتعيّن كون المراد يطهّر كلّ شي‌ء حتّى نفسه ، ولا

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٥٢ من هذا الكتاب.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ١٥٠ الحديث ٣٧٣.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ١٣٣ الباب ١ من أبواب الماء المطلق.

(٤) الكافي : ٣ / ١ الحديث ١ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢١٥ الحديث ٦١٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٣٤ الحديث ٣٢٧.

٣٣٥

يطهّر من غيره ، كما فهموه.

وأيضا تتبّع جميع موارد مطهّريّة الماء للأشياء يقتضي تطهيره لنفسه بعنوان المزج مع النجس ، لأنّ تطهيره في الموارد إنّما هو بملاقاة الطاهر للنجس بنفسه حتّى يطهّره ، فما لم يلاقه لم يطهّره ، ولا يكفي ملاقاة ما جاوره واتّصل به بالبديهة ، بل لا بدّ من مباشرة نفس النجس ، وهذا إنّما يتمّ بالمزج ، فإنّ الاتّصال السابق بالملاقي لنفس الطاهر لم يكن من المطهّرات في موضع من المواضع.

وأيضا إذا شاع الطاهر في النجس وامتزجا بحيث لم يتميّز أحدهما عن الآخر مطلقا وصارا ماء واحدا عرفا ، فإمّا أن يكون الكلّ نجسا ، وهو باطل بالإجماع والنصوص الدالّة على عدم انفعال الكرّ ما لم يتغيّر ، أو يكون متّصفا بالطاهر وعدم الطاهر ، وهو أيضا باطل ، لاستحالة اجتماع الضدّين والنقيضين في محلّ واحد ، إذ كلّ جزء من أجزاء الممزوج ماء واحد ، بحيث لا يكون مائين متعدّدين : أحدهما نجس والآخر ليس بنجس أو طاهر ، فتعيّن طهارة الكلّ ، فتأمّل جدّا!

وبالجملة ، لا تأمّل في حصول الطهارة في الصورة المذكورة ، إلّا أنّه وقع الإشكال في أنّه هل يشترط الإلقاء على النجس دفعة واحدة بالوحدة العرفيّة ، أم ليس بشرط؟ ظاهر المشهور الاشتراط.

ولعلّه لعدم وقوع الإجماع إلّا بعد تحقّق هذا الشرط ولأنّه قبل ما تتحقّق الدفعة إذا تحقّق مزج بعض الكرّ بالنجس بحيث صار ماء واحدا فلا مانع من كون المجموع نجسا ، لأنّ المانع من النصّ والإجماع عدم انفعال الكرّ لا عدم انفعال أنقص منه ، بل مقتضى النصوص انفعاله.

نعم ، إذا صار الكرّ دفعة واحدة متّحدا مع النجس ، بحيث لم يصدق عرفا أنّ بعض الكرّ خاصّة صار متّحدا مع النجس ، بل صدق في العرف أنّ الكرّ صار متّحدا ، لم يضرّ ولم يرد عليه ما ذكر.

٣٣٦

ولا فرق في ذلك بين المتغيّر وغيره ، لاشتراط الكرّ فيما ذكر.

ولعلّ نظر من تأمّل في اشتراط الدفعة إلى عموم ما دلّ على مطهّريّة الماء ، وإلى أنّ القدر الممزوج باتّصاله ببقيّة الكرّ لا ينفعل ما لم ينفصل.

وفيه ، أنّ بقاء الوحدة العرفية في الكرّ عرفا مع صيرورة البعض منه متّحدا مع النجس وعدم صيرورة البعض الآخر كذلك محلّ تأمّل ، مع أنّ النجاسة كانت يقينيّة ، ولا ينقض اليقين إلّا بيقين.

وأمّا الكرّ فطهارته يقينيّة ما دام على الوحدة العرفيّة ، مع أنّه لو تمّ ما ذكره لزم عدم لزوم إلقاء الكرّ ، بل يكفي مزج قليل بالنسبة إلى الممتزج ، وربّما جوز هذا أيضا بناء على ما ذكر ، لكن فيه ما فيه.

وأمّا العموم الذي ادّعى فلم نجده ، بحيث يكون ظاهرا معتبرا في مقام تحصيل اليقين بالطهارة للمجتهد.

هذا ، لكن قال المحقّق في «الشرائع» وغيره في الجاري النجس : ويطهر بكثرة الماء الطاهر عليه متدافعا إلى أن يزول التغيّر (١).

قال في «المدارك» : هذا بناء على اشتراط المزج ، وإلّا لكان زوال التغيّر كافيا مطلقا ، وكذا بناء على عدم اشتراط الكرّية في الجاري ، لاشتراط الكرّية في الماء الطاهر الذي يدفع عليه (٢) ، انتهى.

وفيه ، أنّ إلقاء أقلّ الكرّ في المتغيّر يوجب نجاسته جزما إلى أن يزول التغيّر ، وبعد زواله لم يكن التطهير بمزج الطاهر ، لأنّ المراد مزج الطاهر ، إلّا أن يكون المراد الصب والإلقاء من طرف المنبع على أوّل المتغيّر متّصلا بالطاهر ، فيكون باتّصاله

__________________

(١) شرائع الإسلام : ١ / ١٢ ، المعتبر : ١ / ٤٠ ، نهاية الإحكام : ١ / ٢٥٨.

(٢) مدارك الأحكام : ١ / ٣٣.

٣٣٧

بالجاري لا ينفعل حال المزج ، وصيرورتهما ماء واحدا.

لكن على هذا ظاهر أنّه يكفي تمويج الماء الطاهر من قبل المنبع إلى أن يتحقّق المزج المزيل للتغيّر.

ومع هذا يتصوّر هذا في المحقون أيضا إذا كان بعض منه تغيّر وكان غير المتغيّر منه كرّا ، مع أنّهم شرطوا فيه إلقاء الكرّ دفعة إلى أن يزول التغيّر ، لكن الظاهر مرادهم المحقون الذي نجس كلّه ، كما لا يخفى ، وعباراتهم في الجاري لا يأبى عمّا ذكرنا بأن يكون المراد كثرة الماء الطاهر أعم من أن يكون من الخارج أو الداخل ، وربّما يومي إليه قولهم : «متدافعا» فتأمّل جدّا!

وهذا حال الجاري وما يلحق به من ماء الحمّام وماء الغيث.

الثاني : الصورة بحالها ، لكن الإلقاء بمجرّد الملاقاة والاتّصال ، اختار الاكتفاء في التطهير بذلك المحقّق الشيخ علي (١) ، والشهيد الثاني (٢) بعد العلّامة في بعض كتبه ، مثل «التحرير» (٣).

احتجّوا بأنّ الاتّصال بالكثير قبل النجاسة كان كافيا في دفع النجاسة وإن لم يمتزج به ، فكذا بعدها لاتّحاد العلّة ، وبأنّ الامتزاج إن اريد منه امتزاج كلّ جزء لكلّ جزء حقيقة لم يمكن الحكم بالطهارة ، لعدم العلم بذلك ، وإن اكتفى بامتزاج البعض لم يكن المطهّر للآخر إلّا الاتّصال ، وبأنّ الأجزاء الملاقية للطاهر يجب الحكم بطهارتها ، لعموم ما دلّ على المطهّرية ، فتطهر الأجزاء التي تليها لذلك ، وكذا الكلام في بقيّة الأجزاء.

__________________

(١) جامع المقاصد ١ / ١٣٥ و ١٣٦.

(٢) الروضة البهيّة : ١ / ٣٢ ، روض الجنان : ١٣٨.

(٣) تحرير الأحكام : ١ / ٤.

٣٣٨

وفيه ، أنّ الأوّل قياس فاسد ومع الفارق ، لأنّ النجاسة في الأوّل تدفع ، وفي الثاني ترفع ، ولما سيجي‌ء في بحث عدم طهارة القليل بإتمامه كرّا.

والثاني أيضا فاسد ، لأنّ عدم العلم بالمزج الحقيقي لا يقتضي الاكتفاء بمجرّد الاتّصال ، لاحتمال اشتراط المزج العرفي.

بل لا تأمّل في أنّ المكلّف مكلّف بالعرف والمتعارف لا بالحقيقة ، سيّما مع عدم إمكان العلم بها.

وبالجملة ، بعد ما لاحظ أهل العرف أنّ المطهّر لاقى نفس المتنجّس عندهم لا جرم يحكمون بأنّه طهّره ، بخلاف مجرّد الاتّصال الذي اعتبروه ، إذ القطع حاصل بعدم ملاقاة المطهّر للنجس أصلا فكيف يطهّره مع عدم ملاقاته إيّاه أصلا؟ وهو خلاف مطهّريّة الماء بالاستقراء.

وأمّا ما ذكر أخيرا ، فإنّما هو من الشيخ علي خاصة (١) ، فلو كان ظاهرا لما تركه المتقدّم عليه والمتأخّر عنه ، ومع ذلك لم نجد العموم الذي ادّعاه أصلا ، إذ الإجماع لا يدلّ عليه لو لم يدلّ على خلافه ، على حسب ما ظهر منهم اشتراط إلقاء الكرّ دفعة وغير ذلك ممّا ذكره الفقهاء.

وأمّا الأخبار ، فغاية ما ورد فيها الإطلاق ، وهو منصرف إلى الشائع ، والشائع هو ما إذا لاقى الطاهر نفس المتنجّس. بل لم يعهد غيره أصلا ، عن اتّصال سابق أو غيره ، مع أنّ قوله عليه‌السلام : «ماء الحمّام كماء النهر يطهّر بعضه بعضا» (٢) ، ربّما يكون ظاهرا في خلاف ذلك ، سيّما مع اقتضاء اليقين بالنجاسة اليقين بخلافها.

هذا ، مع أنّ الاحتياط أيضا يقتضي عدم الاكتفاء.

__________________

(١) لم نعثر عليه في كتبه ولكن لاحظ! الحدائق الناضرة : ١ / ٣٣٥ ، للتوسع لاحظ! جواهر الكلام : ١ / ٣٠٥ و ٣٠٦.

(٢) الكافي : ٣ / ١٤ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٥٠ الحديث ٣٧٣.

٣٣٩

وما أورد على المشهور بأنّهم يكتفون (١) في تطهير المحقون النجس الكثير الواسع بإلقاء كرّ واحد في طرف من أطرافه ، فتعيّن كون المطهّر للبواقي هو الاتّصال ، فاسد جدّا ، لعدم ظهور ذلك من كلامهم أصلا ورأسا ، بل صريح كلامهم وأدلّتهم تنادي بفساد نسبة ذلك إليهم ، وبالقطع بعدم رضائهم.

بل يعتبرون صريحا المزج العرفي ، ويشترطون جزما الاتّحاد العرفي وعدم الامتياز أصلا بحسب العرف ، كما ذكرنا عنهم ، وعلى تقدير التسليم لا يكون الحكم بالنقض والجدل بل بالأدلّة الشرعيّة.

فلعلّ ما ذكر صحّحه إجماع أو غيره ، مع أنّهم بأجمعهم صرّحوا بإلقاء الكرّ الطاهر على النجس دفعة ، واتّفقوا على ذلك وأمثاله من أحكامهم.

فلو كان مجرّد الاتّصال كافيا لكان الكلّ باطلا فاسدا ، ولكان مجرّد اتّصال الكرّ للنجس كافيا لتطهيره من دون حاجة إلى إلقاء شي‌ء عليه زائدا على الاتّصال ، فضلا أن يشترطوا مع إلقاء الجميع الدفعة العرفيّة أيضا ، إلى غير ذلك.

الثالث : أن يتّصل المطهّر بالنجس من دون إلقاء ، وحكمه ظهر.

الرابع : أن يلقى فيه أقلّ الكرّ من الطاهر ، وظهر أنّه إنّما يصحّ ويطهر في الجاري ، بالنحو الذي ذكرت ، وكذلك فيما هو بحكم الجاري ، حتّى المحقون بالنحو الذي ذكرت.

وأمّا تطهير المتغيّر بالغور ثمّ العود ، فلأنّ العائد بحسب العرف غير الغائر ، بل لو شكّ في اتّحادهما لا يضرّ ، لأنّ الأصل طهارة الماء حتّى يحصل اليقين بالنجاسة ، ولا يحصل من جهة الاستصحاب ، لعدم معلوميّة اتّحادهما ، فاستصحاب نجاسة الأول لا يقتضي الحكم لنجاسة (٢) الثاني.

__________________

(١) في (د ١) و (ف) وبعض النسخ : بأنّكم تكتفون.

(٢) كذا ، والأصحّ : بنجاسة.

٣٤٠