مصابيح الظلام - ج ٥

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٥

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-5-1
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٤٨

الاعتراض وجه ، لأنّ إطلاق الأمر بالغسل يقتضي الطهارة من دون انفصال شي‌ء من الغسالة بعد زوال العين ، ومقتضى عموم المفهوم انفعال الغسالة بأجمعها ، وهذان لا يجتمعان بالبديهة ، وخروج شي‌ء من الغسالة من دون عصر لا دليل على كونه مطهّرا أصلا ، والقياس بالعصر الذي هو إجماعيّ فاسد بالبديهة.

والحاصل أنّ الغسل لغة وعرفا لا فرق فيه بين أن يكون غسل الكثافات الطاهرة شرعا أو النجاسات ، بل اللغة والعرف لا يكون فيهما نجاسة شرعيّة أصلا ، لأنّ النجاسة وظيفة شرعيّة لا طريق للعرف واللغة فيها أصلا.

ومعلوم أنّ غسل الكثافة الطاهرة لا يتوقّف على انفصال شي‌ء من الغسالة بعد زوال عين تلك الكثافة ، وكذا لو قلنا بعدم انفصال الغسالة مطلقا.

وأمّا إذا قلنا بأنّ الغسالة بأجمعها تنجس بمجرّد ملاقاة الماء عين النجس ، فمعلوم تحقّق نجسين متعدّدين شرعا يحتاج كلّ منهما إلى التطهير الشرعي ، فإزالة عين النجاسة فقط ، كيف يكفي لتطهير كليهما؟ وكذلك خروج شي‌ء من الغسالة من غير عصر.

نعم ، بعد العصر يتحقّق طهارة كليهما إجماعا.

ومن الشرائط الشرعيّة للغسل اللغوي تحقّق الغسل مرّتين في البول ، أو مطلق النجاسة.

وقس عليه سائر الشرائط الشرعيّة ، مثل كونه بالماء ، وكون الماء طاهرا ، أو غير ذلك ، فتأمّل جدّا!

وبالجملة ، ما دلّ على الطهارة بالغسل المتحقّق بالصب مع الاستيلاء إنّما ينفع ما ذكره لو لم نقل بانفعال الغسالة (١) بمجرّد الملاقاة ، إذ بعد تسليم هذا الانفعال

__________________

(١) في (ز ٣) : القليل له.

١٢١

كيف يمكن الاكتفاء بمجرّد الغسل المذكور مع الحكم بأنّ الغسالة بأجمعها نجسة؟ إذ لا معنى للنجس الشرعي إلّا وجوب الاجتناب المستتبع لوجوب الغسل.

فكما أنّ التطهير بالغسل لا يتحقّق إلّا بالعصر في صورة توقّف خروج أجزاء العين النجسة بأجمعها عليه ، كذلك الحال في صورة تغيّر الغسالة لونا أو طعما أو رائحة ، لعدم تحقّق الإزالة إلّا بخروج المتغيّر ، وتوقّف الطهارة عليه إجماعا ، مع حصول الغسل العرفي وإن لم يخرج المتغيّر ، لأنّ الغسالة نجسة مع التغيّر إجماعا.

وكذلك الحال إذا غسل بالماء المضاف والماء النجس ونحوهما ، إلى غير ذلك.

فكذلك لا يتحقّق الغسل إلّا بالعصر في صورة كون الماء بمجرّد الملاقاة ينجس ، إذ عرفت أنّ النجاسة الشرعيّة معناها معنى واحد في المتنجّس والنجس ، وهو وجوب الاجتناب المذكور.

فلا بدّ من إخراج جميع الغسالة حتّى تحصل الطهارة ، إلّا أنّ طهارة المتخلّف بعد العصر المتعارف إجماعيّة ، وهو مقتضى الأخبار الدالّة على حصول الطهارة بالغسل.

مع أنّ المتعارف في الغسل إخراج ما يراد إزالته وخروجه بالعصر المذكور ، يعني الأعم من الغمز وغيره ، والإطلاق ينصرف إلى المتعارف ، وإن لم يكن العصر داخلا في مفهوم الغسل.

فإذا بني الأمر على أنّ الشارع قال بانفعال الماء في الغسل بالملاقاة وصيرورته نجسا ، لزم من ذلك إخراج الكلّ على الطريق المتعارف في الغسل ، وانحصار المطهّر الشرعي من الغسل فيما هو الغالب والمتعارف تحقّقه من الناس ، سيّما وأفتى المشهور من القدماء والمتأخّرين بوجوب العصر.

مع أنّ النجاسة مستصحبة حتّى يحصل اليقين بالطهارة ، واليقين إمّا من الإجماع أو الأخبار.

١٢٢

والإجماع إنّما يتحقّق بعد العصر المعتبر عند المشهور ، لأنّ خلاف المشهور هو النادر ، وأين هو من الإجماع؟ مع أنّ الظاهر من قول المصنّف : (خلافا لبعض المتأخّرين) عدم الخلاف ممّن تقدّم عليه ، وخلاف بعض المتأخّرين لا يضرّ الإجماع ووفاق الكلّ.

وأمّا الأخبار ، فقد عرفت أنّها منصرفة إلى الأفراد الغالبة والشائعة ، مع أنّ العمل مقصور على العصر ، وثمرة الفتوى في العمل ، فتأمّل!

ثمّ اعلم! أنّ العصر المعتبر يكون مرّتين فيما يجب غسله مرّتين عند المحقّق (١) ، ومرّة بين الغسلتين عند الشهيد في «اللمعة» (٢) ، وبعد الغسلتين عند الصدوق (٣).

والظاهر أنّ العلّامة موافق للمحقّق ، ولذا احتجّ بالفرق بين الغسل والصبّ ، وبأنّ الماء ينجس بالملاقاة فيجب إزالته (٤).

ومعلوم أنّ رأيه ليس رأي الصدوق ، حتّى يقال : يظهر من هذا الدليل كون العصر بعد الغسلتين ، كما قاله في «المدارك» (٥) ، فيكون هذا الدليل ينفع الصدوق لما عرفت من أنّ دليل الفقيه ربّما يكون أخص من مدّعاه.

نعم ، لا بدّ من ثبوت مدّعاه ، مع أنّ العصر الذي يتوقّف عليه إخراج من النجاسة لا تأمّل لأحد فيه ، بل التأمّل إنّما هو فيما يتوقّف عليه إخراج الغسالة الثانية ، فتأمّل!

ومقتضى الأدلّة السابقة كون الأمر كما ذكره المحقّق والعلّامة ، لكون العصر

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٤٣٥.

(٢) اللمعة الدمشقيّة : ١٦.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٠ ذيل الحديث ١٥٦.

(٤) منتهى المطلب : ٣ / ٢٦٥.

(٥) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٢٨.

١٢٣

هو الفارق بين الصب والغسل ، ولأنّه المقتضي لزوال أجزاء النجاسة والمتنجّس ، فالأوّل للأوّل ، والثاني للثاني ، على حسب ما عرفت ، ولأنّه المقتضي لحصول الطهارة على اليقين بعد حصول النجاسة على اليقين ، من جهة الإجماع والمتبادر من الأخبار ، فتأمّل!

والظاهر أنّ الشهيد في «اللمعة» قائل بأنّ الغسالة كالمحلّ بعدها (١) ، ومرّ مستنده (٢).

وأمّا الصدوق فكلامه عين عبارة «الفقه الرضوي» ، وقد مرّت سابقا ، وسنذكرها.

واعلم! أيضا أنّ مقتضى الأدلّة المذكورة كون العصر المعتبر منحصرا في صورة الغسل بالقليل ، وبذلك جزم في «التذكرة» و «النهاية» (٣) ، ووافقه من تأخّر عنه (٤).

بل الظاهر أنّ المحقّق أيضا موافق لهم ، كما عرفت من دليله الثاني (٥) وتقريب دليله الأوّل ، لما عرفت من أنّ مراده من النجاسة هنا أعم من نجس العين ، بل لا وجه لقصره فيه ، لعدم تأمّل أحد فيه ، وكون التأمّل في المتنجّس.

وأمّا الصدوق وإن قال : الثوب إذا أصاب البول غسل في ماء جار مرّة ، وإن غسل بماء راكد فمرّتين ثمّ يعصر (٦) ، وهو عبارة «الفقه الرضوي» (٧) ، وظاهرها اعتبار العصر في كلّ راكد.

__________________

(١) اللمعة الدمشقيّة : ١٦ ، وفيها : كالمحلّ قبلها ، لكن في الروضة البهيّة : ١ / ٦٤ نسب هذا القول إلى القيل.

(٢) راجع! الصفحة : ١١٠ و ١١١ من هذا الكتاب.

(٣) تذكرة الفقهاء : ١ / ٨٠ و ٨١ المسألة ٢٥ ، نهاية الإحكام : ١ / ٢٧٩.

(٤) ذكرى الشيعة : ١ / ١٢٣ ، روض الجنان : ١٦٧ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٢٨.

(٥) المعتبر : ١ / ٤٣٥.

(٦) الهداية : ٧١.

(٧) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٩٥ ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٥٥٣ الحديث ٢٦٩٩.

١٢٤

ويحتمل أن يكون المراد من الراكد القليل ، لندرة وقوع الكرّ في ذلك الزمان ، كما مرّ وسيجي‌ء.

ويحتمل أن يكون مراده من العصر ، العصر المتعارف للتجفيف ، بأنّ قوله : (ثمّ يعصر) متعلّق بمجموع ما تقدّم.

ثمّ اعلم! أيضا أنّ العلّامة أوجب في «النهاية» في طهارة الجسد والأجسام الصلبة الدلك للاستظهار في إزالة النجاسة (١) ، ولرواية عمّار السابقة في نجاسة الخمر في غسل الآنية ، إذ فيها : «لا يجزيه حتّى يدلكه بيده ويغسله ثلاث مرّات» (٢).

ولا شبهة في أنّه لو لم يحصل الاطمينان في زوال النجاسة إلّا بالدلك ، يكون لازما جزما. وأمّا إذا حصل ، فلا حاجة إليه للاستظهار لحصوله ، ولذا لم يرد في الأخبار الواردة في غسل البول من المخرج أو الجسد إشارة إلى الدلك.

وأمّا رواية عمّار ، فلعلّ الدلك لإزالة ما عسى أن يكون مستكنّا وعدم حصول الاطمينان إلّا به ، أو يكون مستحبّا جمعا بينها وبين روايته الاخرى ، الخالية عن ذكر الدلك ، ومرّت أيضا (٣).

واعلم! أيضا أنّ ما يرسب فيه النجاسة ويعسر عصره بالمعنى الذي ذكرناه ، يغسل ما ظهر في وجهه ، للعمومات ، وبطلان السراية عندنا ، وخصوص صحيحة إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا عليه‌السلام في الطنفسة والفراش يصيبهما البول ، كيف يصنع به وهو ثخين كثير الحشو؟ قال : «يغسل ما ظهر من وجهه» (٤).

ويؤيّده رواية إبراهيم بن عبد الحميد السابقة في مبحث غسل الآنية (٥).

__________________

(١) نهاية الإحكام : ١ / ٢٧٧ و ٢٧٨.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٤ الحديث ٤٢٧٢.

(٣) راجع! الصفحة : ٧٤ من هذا الكتاب.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٠ الحديث ٣٩٧٢.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٠ الحديث ٣٩٧٣ ، راجع! الصفحة : ٧٨ من هذا الكتاب.

١٢٥

قوله : (ومنهم من قال). إلى آخره.

لا يخفى أنّ جمعا من الأصحاب ذكروا ذلك ، كما صرّح به في «المدارك» ، وغيره في غيره (١) بل في «المعالم» : أنّ هذا هو المتعارف بين المتأخّرين (٢).

وقد عرفت أنّهم ما اعتبروا العصر إلّا فيما يرسب فيه ماء الغسالة والصابون ، والفواكه لا يرسب فيهما الماء رسوبا يخرج بالعصر ، وتنجّس هذه الامور على ضربين.

ضرب ينجّس ظواهرها من دون سريان للنجاسة في أعماقها أصلا ورأسا وهذا يطهّر بمجرّد صبّ الماء عليه من دون حاجة إلى العصر أصلا. نعم ، يدلكه لو احتيج إليه. وضرب سرت النجاسة في أعماقها إمّا أوّلا ، وإمّا بعد صبّ الماء عليه للغسل ، بأن تسري الغسالة النجسة في العمق.

والقسم الأوّل من هذا الضرب كيف يمكن الحكم بطهارته بمجرّد ملاقاة الماء لظاهره وعدم نفوذه في الأعماق ، أو نفوذه فيها لكن لا تخرج منها النجاسة ، من جهة عدم إمكان العصر وتوقّف الإخراج عليه؟

وأيضا ربّما كانت الرطوبة السارية فيها مستقرّة ، لا تدع أن يدخل الماء في الغسل في الأعماق حتّى يلاقي النجاسة ويذيبها ، أو يغسلها ويزيلها ، كما هو الحال في العجين النجس ونحوه ، والأرز المطبوخ بالماء النجس ونحوه ، مثل الزبيب المنقوع في الماء النجس.

والحاصل أنّه مع بقاء عين النجاسة لا يمكن الحكم بالطهارة أصلا.

والعفو عن المتخلّف في الحشايا والحكم بطهارته إنّما هو في الغسالة من الغسلة

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٣١ ، ذخيرة المعاد : ١٦٢ و ١٦٣.

(٢) معالم الدين في الفقه : ٢ / ٦٥٨.

١٢٦

الثانية ، أو الاولى بعد خروج عين النجاسة وزوالها بالمرّة ، لا مع بقائها أيضا ، إذ لم يفت أحد بذلك قطعا.

بل كلامهم صريح ببقاء النجاسة وعدم ارتفاعها في مثل ذلك إلّا بالوضع في ماء كثير يدخل في الأعماق ويذهب النجاسة ويزيلها عنها ، أو يترك في الشمس أو النار حتّى تزول الرطوبات بالمرّة عنها ، فيترك في الماء الكثير ، فيدخل في الأعماق بحيث يزيل عنها النجاسة ، كما ذكروا ذلك في العجين النجس والأرز المطبوخ بالماء النجس وأمثالهما ممّا لا يدخل الماء في أعماقه إلّا بعد الجفاف التام ، بحيث يتيسّر بسببه دخول الماء في الأعماق وإذابة النجاسة وإزالتها عنها إذا كان فيها النجس العين ، مثل الدم ونحوه.

وأمّا إذا لم يكن عين النجس بل المتنجّس بالملاقاة ، فيكفي في دخول الماء في الأعماق بحيث تحقّق غسلها.

هذا إذا كان الماء كثيرا لا ينفعل ، وأمّا إذا كان قليلا ، فلا يطهر عند من قال بانفعال الغسالة في القليل ، أو كانت الغسالة تتغيّر أحد أوصافها الثلاثة ، أو كان في الغسالة أجزاء النجس العين ، إلّا أن يخرج الكلّ بالغسل والعصر ، أو الدقّ أو الليّ ، أو تصير النجاسة مستهلكة فيها ، مع إشكالهم في الاستهلاك أيضا ، لأنّ الاستهلاك يوجب طهارة الأمر المستهلك ، لا ما كان ملاقيا له أيضا ، وسيجي‌ء التحقيق في ذلك.

وما ذكره في «المدارك» إن كان يتمّ ، فإنّما هو بالنسبة إلى القسم الثاني من الضرب الثاني.

والمذكور في عبارة الجماعة القائلين بعدم التطهير بالقليل هو العجين بالماء النجس ، والنقيع كذلك ، وأمثال ذلك.

نعم ، القسم الثاني من الضرب الثاني داخل في قولهم ومرادهم ، من جهة

١٢٧

نعم ، القسم الثاني من الضرب الثاني داخل في قولهم ومرادهم ، من جهة قولهم بانفعال الماء في الغسل أيضا ، على حسب ما مرّ.

ومع ذلك يرد عليه أنّه لو كان من الشرع دليل على النجاسة وعدم الطهارة ، فمن الشارع ثبت الضرر والحرج ، كما هو الحال في القسم الأوّل من الضرب الثاني الذي لا يمكن خروج أجزاء العين النجسة منه بوجه من الوجوه.

ولو لم يكن ، فعدم الدليل كاف لا حاجة إلى التمسّك بلزوم الحرج والضرر ، والقياس مع الفارق الواضح ، إذ عرفت الوجه في الحكم بطهارة ما بقي بعد العصر.

وأين هو من المقام؟ إلّا أن يكون مراده أنّ بعد تسليم العموم في انفعال القليل بحيث يشمل صورة الملاقاة في الغسل يكون التعارض بينه وبين عموم نفي الضرر والحرج عموما من وجه ، يصلح أن يصير كلّا منهما مخصّصا للآخر ، فتبقى الاصول سالمة.

لكن الظاهر أنّ ما دلّ على الانفعال مطلقا خاصّة بالنسبة إلى عموم نفيهما ، أو أخصّ بمراتب ، بحيث يترجّح كونه مخصّصا ، لا أنّ هذا وعكسه سواء في النظر.

ومع هذا لا يتحقّق الضرر غالبا ، لأنّ فرض سراية النجاسة في الأعماق ، مع عدم التمكّن من الجاري ، أو الكثير ، أو البئر أصلا ، مع عدم الشمس المطهّرة ، أو غيرها من المطهّرات التي أمكنت ، وكانت مطهّرة له شرعا ، ومع ذلك لا يكون فيه نفع آخر مطلقا ولا يمكن استعماله فيما لا يشترط فيه الطهارة نادر جدّا ، بحيث يكاد يلحق بالعدم ، ومثله غير عزيز في الشرع.

ومنه يعلم عدم الحرج أيضا ، فإنّ مثله لا يكون حرجا في الدين ، فإنّه إنّما يكون فيما يعمّ به البلوى ، أو لا يكون بهذه الندرة.

وممّا ذكر ظهر حال المائعات المتنجّسة ، وكذا المياه المضافة ، لأنّ التطهير فرع ملاقاة الماء ومماسّته كلّ جزء جزء.

١٢٨

ولا يحصل العلم بذلك مع العلم ببقاء الماء على إطلاقه حال المماسّة وعدم خروجه عن الإطلاق حال التطهير.

وكذا الحال في السمن والدهن كذلك ، لعدم العلم بوصول الماء كلّ جزء جزء منهما ، مع ما بينهما وبين الماء حال المماسّة من المنافرة التامّة.

ومع حصول العلم على فرض التسليم في صورة الذوبان بالماء الكرّ الحارّ شديد الحرارة ، لم يعلم البقاء على الإطلاق ، وعدم الصيرورة مرقا ، وإن نقل عن العلّامة تطهّرهما بذلك (١) ، لأنّ النجاسة كانت يقينيّة ، إلى أن يحصل اليقين بالزوال وحصول الطهارة على وفق ما ثبت من الشرع.

وما قيل من تطهّر جميع ذلك بمجرّد ملاقاة الكثير من الماء (٢) ، فيه ما فيه.

نعم ، لو استهلك الامور المذكورة في الكرّ أو الجاري ، أو ما وافقهما في عدم الانفعال بمجرّد الملاقاة يحكم بصيرورتها طاهرة من جهة الاستهلاك وصيرورتها ماء ، والأصل في الماء الطهارة حتّى يحصل العلم بنجاسته.

وما قاله المصنّف من إطلاق الأمر بالغسل الشامل للقليل والكثير ظاهر الفساد ، إذ لم يوجد ممّا ذكره من الإطلاق عين ولا أثر ، إذ الوارد هو الأمر بغسل الثوب والجسد والإناء والفرش ، وما ماثلها.

وعلى فرض الإطلاق ، عرفت أنّ الأحكام المذكورة من المشهور بناء على انفعال الماء بمجرّد الملاقاة مطلقا إلّا ما استثنوه ، مثل الاستنجاء ونحوه.

فالإطلاق يصير مقيّدا البتّة ، ولذا قيّدوا المطلقات الواردة في الثوب ونحوه بوقوع العصر وخروج النجاسة به ، مع احتمال كون العصر داخلا في مفهوم الغسل

__________________

(١) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٢ / ٣٣١ ، لاحظ! تذكرة الفقهاء : ١ / ٨٧ و ٨٨.

(٢) تذكرة الفقهاء : ١ / ٨٧ و ٨٨ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٣١ ، ذخيرة المعاد : ١٦٣.

١٢٩

عند بعضهم ، بل وعند كلّهم ، فتأمّل!

وممّا ذكر ظهر الحال في تطهير الأرض وترابها بالقليل من الماء مع انفصال الغسالة في الصلبة منها أو عدمه ، وعدمه في الرخوة.

وما روى العامّة من أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإهراق الذنوب عليها (١) معارض بما روي من أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأخذ موضع البول ثمّ إلقاء الذنوب (٢) ، مع عدم معلوميّة حجّيته أصلا ورأسا ، فكيف يخرج به عن القواعد الثابتة؟ فتأمّل جدّا!

وسيجي‌ء في مطهّرية النار كيفيّة تطهير العجين ونحوه.

والمعادن المذابة بالنار ـ كالفضّة والاسرب ونحوهما ـ إذا لاقاها النجاسة حال الذوبان والميعان ينجس جميعها ، وبعد الانجماد يطهر ظواهرها بالغسل.

ولا مانع من لبسها حال الصلاة وإن كانت تحتك بالإصبع ونحوه ، وبالاحتكاك يزول شي‌ء منها وينقص ، بعد الإدخال في غير القليل من الماء ، أو الغسل بالقليل في خلال الاستعمالات ، لعدم العلم بنجاسة الظواهر ، واستصحاب طهارتها وطهارة ما لاقاها.

وكذلك الحال في الظرف النجس من النحاس إذا اطلي بالرصاص ، للاستعمال في الشرب ومثله ، من الأكل [وغيره].

والماء النجس إذا شرب الحديد كالظرف المذكور.

وأمّا إذا صار الماء النجس جامدا ، فلا يكاد يطهر بالغسل ، لأنّه يذوب شيئا فشيئا إلى أن يفنى ، والله يعلم.

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل : ٢ / ٥٥٠ الحديث ٧٧٤٠ ، صحيح البخاري : ١ / ٩١ الحديث ٢٢٠ ، ٤ / ١١٤ الحديث ٦١٢٨ ، سنن أبي داود : ١ / ١٠٣ الحديث ٣٨٠.

(٢) سنن أبي داود : ١ / ١٠٣ الحديث ٣٨١.

١٣٠

٨٧ ـ مفتاح

[أحكام النجاسات]

يشترط في الإزالة إطلاق الماء على المشهور ، خلافا للسيّد والمفيد فجوّزا بالمضاف (١) ، بل جوّز السيّد تطهير الأجسام الصقيلة بالمسح (٢) ، بحيث يزول العين ، لزوال العلّة.

ولا يخلو من قوّة ، إذ غاية ما يستفاد من الشرع وجوب اجتناب أعيان النجاسات ، أمّا وجوب غسلها بالماء عن كلّ جسم فلا ، فكلّ ما علم زوال النجاسة عنه قطعا حكم بتطهيره ، إلّا ما خرج بالدليل ، حيث اقتضى فيه اشتراط الماء كالثوب والبدن.

ومن هنا يظهر طهارة البواطن كلّها بزوال العين ، مضافا إلى نفي الحرج ، ويدلّ عليه الموثّق (٣). وكذا أعضاء الحيوان المتنجّسة غير الآدمي ، كما يستفاد

__________________

(١) الناصريّات : ١٠٥ المسألة ٢٢ ، نقل عن المفيد في المعتبر : ١ / ٨٢.

(٢) نقل عنه في الخلاف : ١ / ٤٧٩ المسألة ٢٢٢ ، المعتبر : ١ / ٤٥٠.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٩ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٠ الحديث ١٣٣٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٨ الحديث ٤٠٩٨.

١٣١

من الصحاح (١).

أمّا الآدمي فاشترط بعضهم غيبته زمانا يمكن فيه الإزالة (٢) ، وليس بشي‌ء ، إذ العضو الباطن لا يحتاج فيه إلى ذلك ، والظاهر لا يكفي فيه ذلك ، بل لا بدّ فيه من العلم بإزالة النجاسة أو الظنّ المعتبر شرعا ، ولو استند إلى إخباره مع عدم قرينة خلافه.

والإسكافي جوّز إزالة الدم بالبصاق (٣) ، وله الموثّقان (٤) ، وحملهما على غير الثوب والبدن من الصقال ممكن.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٧ الحديث ٥٨٠ و ٥٨١ ، ٢٣٠ الحديث ٥٩٠ ، ٣ / ٤١٣ الحديث ٤٠٢٠.

(٢) ذكرى الشيعة : ١ / ١٣٢.

(٣) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٤٩٣.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٢٠٥ الحديث ٥٢٤ و ٥٢٥.

١٣٢

قوله : (إطلاق الماء).

اشتراطه في التطهير هو المشهور بين الأصحاب ، لأنّ النجاسة مستصحبة حتّى تثبت الطهارة ، ولا تثبت إلّا بالإزالة بالماء المطلق ، ولأنّ الغالب في الإزالة بالغسل بحسب العرف كونها بالماء ، ولما ورد في الأخبار من الأمر بالإزالة بالماء ، مثل ما ورد في الاستنجاء : «ولا يجزي من البول إلّا الماء» (١) و «إذا انقطعت درّة البول فصبّ الماء» (٢) ، إلى غير ذلك ممّا ورد في الاستنجاء.

وفي حسنة الحلبي السابقة في بول الصبي : «وإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا ، والغلام والجارية [في ذلك] شرع سواء» (٣).

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد السابقة في أنّ المتنجّس ينجّس : «فإن أصبت مسّ شي‌ء منه فاغسله ، وإلّا فانضحه بالماء» (٤).

والأخبار التي مرّت في ذلك ، لتضمّنها أنّ من لم يكن عنده ماء يمسح ذكره بالحائط (٥) ، وهي كثيرة واضحة الدلالة ، فلاحظ.

وكذا ما مرّ في بحث الاستبراء ممّا تضمّن ذلك (٦) ، وما سيجي‌ء في لباس المصلّي ، وتطهير الثوب من النجاسات وغير ذلك.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٣٤٨ الحديث ٩٢٣.

(٢) الكافي : ٣ / ١٧ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٥٦ الحديث ١٠٦٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٤٩ الحديث ٩٢٦.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣٩٦٨.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠٠ الحديث ٣٩٧٣.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٠١ الحديث ٣٩٧٥.

(٦) راجع! الصفحة : ٢١٧ (المجلّد الثالث) من هذا الكتاب.

١٣٣

ومثل حسنة الحسين السابقة في البول يصيب الجسد : «صبّ عليه الماء مرّتين» (١).

ومثلها رواية أبي إسحاق السابقة (٢) ، وما ورد في بول الصبي أنّه «تصب عليه الماء» (٣).

وصحيحة الحلبي في من أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره أنّه «يصلّي فيه ، فإذا وجد الماء غسله» (٤) إلى غير ذلك.

فالمطلقات الواردة في الغسل مقيّدة بما ثبت ، مضافا إلى عدم قائل بالفصل ، مضافا إلى مؤيّدات اخر ، مثل قوله تعالى (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) (٥) ، (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) (٦) في معرض الامتنان ، فلو كان غيره أيضا طهورا لما ناسب تخصيص الماء بالذكر في ذلك المقام.

وما ورد من الأخبار المستفيضة : «إنّ الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا» (٧).

وكذلك رواية السكوني المشهورة أنّ الماء يطهّر ولا يطهّر (٨).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٥ الحديث ٣٩٦٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٥ الحديث ٣٩٦١.

(٣) الكافي : ٣ / ٥٦ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٤٩ الحديث ٥؟ ٧ ، الاستبصار : ١ / ١٧٣ الحديث ٦٠٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣٩٦٨.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٧١ الحديث ٧٩٩ ، الاستبصار : ١ / ١٨٧ الحديث ٦٥٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٤٧ الحديث ٤١٣٣ مع اختلاف يسير.

(٥) الأنفال (٨) : ١١.

(٦) الفرقان (٢٥) : ٤٨.

(٧) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٥ الحديث ٣٩٣٤.

(٨) الكافي : ٣ / ١ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢١٥ الحديث ٦١٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٣٤ الحديث ٣٢٧.

١٣٤

ويدلّ عليه أيضا أنّ المضاف ينفعل بالنجاسة بإجماع العلماء ، سواء كان قليلا أو كثيرا ، والنجاسة ـ أيّ نجاسة كانت ـ فإذا انفعل يصير الثوب نجسا حال الغسل لملاقاته الثوب ، وكذا بعد خروجه ، للاستصحاب وعدم دليل على كون الخروج مطهّرا وإن كان بالعصر ، إذ الباقي كان نجسا قبل العصر فكذا بعده ، استصحابا للحالة السابقة.

وأيضا الإجماع واقع على اشتراط طهارة الثوب والبدن في الصلاة مهما أمكن.

وكذا يفهم من الأخبار ذلك ، وهي منحصرة في الغسل بالماء ، إذ ليس دليل على الطهارة بغيره ، لما ستعرف ما في أدلّة القائل بالتطهير به ، وهو المفيد والسيّد مطلقا (١) ، وابن أبي عقيل عند الضرورة على ما حكي عنه (٢).

حجّة القائل بالجواز بالمضاف وجوه :

الأوّل : الإجماع المنقول ، حكاه في «المختلف» عن المرتضى (٣) ، والمحقّق قال : إنّ المفيد والمرتضى أضافا القول بالجواز إلى مذهبنا (٤).

وقال في «المختلف» بالمنع منه ، وأنّه لو قيل بالإجماع على خلاف دعواه أمكن (٥).

وعن المحقّق أنّه قال ـ بعد الإضافة إلى مذهبنا من المفيد والسيّد ـ : أمّا السيّد فإنّه ذكر في الخلاف وجه إضافته إلى مذهبنا ، وهو أنّ من اصولنا العمل بالعقل ما لم

__________________

(١) نقل عن المفيد في المعتبر : ١ / ٨٢ ، الناصريات : ١٠٥ المسألة ٢٢.

(٢) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٢٢٢.

(٣) مختلف الشيعة : ١ / ٢٢٤.

(٤) الرسائل التسع (المسائل المصرية) : ٢١٥ و ٢١٦.

(٥) مختلف الشيعة : ١ / ٢٢٦.

١٣٥

يثبت الناقل عنه ، ونحن نعلم أنّه لا فرق بين الماء والخلّ في الإزالة ، بل ربّما كان أبلغ من الماء. وأمّا المفيد فإنّه ادّعى في «مسائل الخلاف» : أنّ ذلك مروي عن أئمّتنا عليهم‌السلام.

وأجاب عمّا قاله السيّد بأنّا عرفنا الفرق بينهما وعمّا ذكره المفيد بمنع دعواه ومطالبته بنقل ما ادّعاه (١).

أقول : الأولى أن يجاب السيّد رحمه‌الله بأنّ الإزالة غير التطهير ، لأنّه رفع النجاسة وهي أحكام شرعيّة ، والعقل لا طريق له إلى واحد منها فضلا عن المجموع ، فكيف يحكم برفعها بمجرّد الإزالة؟ إلّا أن يقول الشارع : إنّ رفعها به.

مع أنّ العقل لا يفرّق بين الزوال من قبل نفسها والإزالة بغير الغسل ، وبين الزوال بالغسل ، والسيّد يوجب الغسل البتّة.

الثاني : قوله تعالى (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٢) وبناؤه على عدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة في لفظ «الطهارة».

واجيب بأنّ الثابت من الآية هو التطهير اللغوي ، لا الشرعي (٣).

ولا يخفى فساد هذا الجواب ، لأنّ لفظ غير العبادة ليس بتوقيفي جزما ، بل التوقيفي هو لفظ «الصلاة» ومثلها ممّا لا يصح إلّا بنيّة ، وغسل الثوب ليس من هذا القبيل.

ولذا صرّح السيّد في مقام هذا الاستدلال بأنّ الثوب لا يلحقه عبادة ، فيرجع في مقام إثبات الحكم الشرعي إلى المعنى اللغوي والعرفي ، إلّا أن يثبت

__________________

(١) الرسائل التسع (المسائل المصريّة) : ٢١٥ و ٢١٦.

(٢) المدّثّر (٧٤) : ٤.

(٣) ذخيرة المعاد : ١١٣.

١٣٦

شرط شرعي ، كما ثبت كون التطهير بالغسل وبغير النجس من المغسول ، ولم يثبت اشتراط كون الغسل بالماء (١).

واجيب عنه أيضا بما ورد في حسنة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام في قوله تعالى (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) قال : «[وثيابك] ارفعها ولا تجرّها ، فإذا قام قائمنا كان هذا اللباس» (٢) (٣).

وفي بعض الروايات : أنّ ثيابه كانت طاهرة ، وإنّما أمره بالتشمير والتقصير (٤) ، وورد أيضا في بعض الأخبار ما يدلّ عليه (٥).

لكن السيّد ما كان يعمل بأخبار الآحاد ، مع أنّ خبر الواحد المخالف لظاهر القرآن حجّيته محلّ تأمّل معروف.

ومع أنّه لم يظهر منها المخالفة ، لأنّ التطهير اللغوي يعم ما فيها ، مع أنّه كثيرا ما يرد ما في بطون الآية بالنحو المذكور في الأخبار المذكورة ، فتأمّل!

واعترض على نفسه بما مفاده : أنّ المطلق ينصرف إلى الغالب الشائع ، والشائع هو الغسل بالماء.

وأجاب بأنّه لو تمّ لزم عدم التطهير من الغسل بالمياه النادرة ، وأنّه باطل إجماعا (٦).

وفيه ، أنّ هذا الإجماع يكفي دليلا لحصول الغسل بالنادر ، ولا يلزم منه خرم

__________________

(١) الناصريات : ١٠٥ المسألة ٢٢.

(٢) الكافي : ٦ / ٤٥٥ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠ الحديث ٥٨٤٣ مع اختلاف يسير.

(٣) لاحظ! ذخيرة المعاد : ١١٣.

(٤) الكافي : ٦ / ٤٥٦ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠ و ٤١ الحديث ٥٨٤٤ و ٥٨٤٦.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨ الباب ٢٢ من أبواب أحكام الملابس.

(٦) الناصريّات : ١٠٦.

١٣٧

قاعدة انصراف الإطلاق إلى الشائع.

وأجاب أيضا بأنّ التطهير ليس بأكثر من إزالة النجاسة عن الثوب ، وقد زالت مشاهدة (١).

وفيه ، أنّ الأمر كما ذكرت لو لم يظهر من الشرع شرط للتطهير ، وهو كونه بالماء ، وقد ظهر من الأدلّة السابقة.

وما أجاب بعض بأنّ الزوال الحسّي غير كاف ، بل لا بدّ من الزوال الشرعي (٢) ، غفلة عن حقيقة الحال ، وعن الفرق بين العبادة التوقيفيّة وغيرها ، ولذا طريقة الكلّ الاستدلال بلفظ «الغسل» ، بأنّ المراد ما يعدّ في العرف واللغة غسلا ، إلّا أن يثبت من الخارج شرط لصحّته شرعا ، ولذا يستدلّون بعدم لزوم ورود الماء على النجاسة ، وعدم اشتراط كونه مرّتين ، وعدم اشتراط العصر ، وغير ذلك ، حتّى يثبت من دليل شرعي شرطيّته.

فإذا ظهر من الآية كفاية الزوال الحسّي لطهارة الثوب ، فلا بدّ من ثبوت الشرط والقيد من دليل آخر ، كما قلنا إنّه يثبت من دليل آخر ، أو بمنع الدلالة على ظهور كفاية الحسّ ، لعدم ظهور كون المراد التطهير للصلاة ونحوها.

وعلى فرض الظهور ، الإطلاق ينصرف إلى الشائع ، وهو الغسل بالماء.

الثالث : إطلاق لفظ «الغسل» في الأخبار من دون تقييد بكونه بالماء ، ومرّ كثير من ذلك ، وسيجي‌ء أيضا ، مع كون كثرته في غاية الظهور ، والكلام فيه إيرادا وجوابا ما مرّ في الثاني.

وما أجابوا بأنّ المتبادر من لفظ «الغسل» كونه بالماء ، فيكون حقيقة فيه ،

__________________

(١) الناصريّات : ١٠٥ المسألة ٢٢.

(٢) مختلف الشيعة : ١ / ٢٢٥ و ٢٢٦.

١٣٨

فاسد ، لأنّ تبادره مثل تبادر الإنسان ذي الرأس الواحد واليدين والرجلين من لفظ «الإنسان» لعدم صحّة سلب الغسل عرفا عن الغسل بالمضاف ، كما لا يخفى ، فالصواب الجواب بأنّ المطلق ينصرف إلى الشائع.

ومع ذلك مقيّد بالأخبار المقيّدة (١) الكثيرة ، كما هو الحال في الغسل بالماء النجس ، أو الماء الطاهر إلّا أنّه تغيّر أحد أوصافه بالنجس حال الغسل ، ولم يخرج الجميع بالعصر ، أو خرج ، وأمثال ذلك ، إذ لا شكّ في أنّ المطلق مقيّد بكون المغسول طاهرا شرعا ، أي غير نجس شرعا ، وأنّ العرف واللغة لا دخل لهما في النجاسة ، ولا غيرها من أحكام الشرع.

الرابع : إنّ الغرض من الإزالة ليس إلّا إزالة عين النجاسة ، كما يشهد به حسنة حكم بن حكيم عن الصادق عليه‌السلام (٢) ، ومرّت في بحث أنّ المتنجّس ينجّس.

ورواية غياث بن إبراهيم أنّه «لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق» (٣).

وفيه ، أنّ رواية غياث هكذا : «لا يغسل بالبصاق شي‌ء غير الدم» ، فلا دلالة فيها على ما ذكره ، بل تدلّ على خلافه.

وأمّا الحسنة ، فقد مرّ الكلام فيها (٤) ، مع أنّها لا تدلّ على أنّ مجرّد زوال العين طهارة.

ولو دلّت على ذلك وجب طرحها ، لشذوذها وعدم القائل بمضمونها ، لأنّ المفيد والسيّد يقولان بوجوب الغسل وتعيينه في التطهير ، إلّا أنّهما لا يشترطان كونه بالماء (٥).

__________________

(١) لم ترد في (ف) : المقيّدة.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٦ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٤٣ الحديث؟ ٤١٧.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٥ الحديث ١٣٥٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٠٥ الحديث ٥٢٥.

(٤) راجع! الصفحة : ١٠١ و ١٠٢ من هذا الكتاب.

(٥) نقل عن المفيد في المعتبر : ١ / ٨٢ ، الناصريّات : ١٠٥ المسألة ٢٢.

١٣٩

قال المحقّق : رواية حكم بن الحكيم مطرح باتّفاق منّا ومن الخصم ، وكذلك الكلام في رواية غياث ، والأصحاب حملوها على أنّ شيئا من النجاسات لا تزال بالبصاق سوى الدم ، فإنّ الدم يزال بالبصاق بالوجدان والتجربة ، فالإزالة بالبصاق لا يقتضي الطهارة (١) وسيجي‌ء الكلام فيه.

فإذا ظهر أنّ التطهير لا يكون إلّا بالماء المطلق ، فلو مازج المطلق مضاف روعي فيه إطلاق اسم الماء عليه حقيقة عرفا ، فإن شكّ في الإطلاق ، روعي التبادر وعدم صحّة السلب عرفا ، فإن شكّ فيه مع هذا لم يجز الطهارة به ورفع الحدث والخبث ، لما عرفت من ثبوت الاشتراط بالماء المطلق شرعا للطهارة منهما.

وممّا ذكر ظهر أنّه لو لم يف الماء للطهارة وأمكن مزجها بالمضاف إلى أن يفي ولم يخرج عن الإطلاق ، وجب من باب المقدّمة.

ومرّ عن الشيخ في مبحث التيمّم أنّه غير واجب لرفع الحدث (٢) ، وإن فعل وجب ، وأنّه مخالف للقاعدة الثابتة المسلّمة.

ولو مازج المطلق مضاف مسلوب الصفات ، كقطع الرائحة من ماء الورد وصفرة اللون أيضا ، فالشيخ حكم للأكثر ، وفي صورة التساوي جوز الاستعمال ، محتجّا بأصالة الإباحة (٣). وعن ابن البرّاج عدم جواز استعماله في رفع الخبث والحدث (٤) ، ونقل عنه مباحثة جرت بينه وبين الشيخ ، خلاصتها : تمسّك الشيخ بأصالة الإباحة ، وتمسّكه بالاحتياط (٥).

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٨٤.

(٢) راجع! الصفحة : ٢١٥ (المجلّد الرابع) من هذا الكتاب.

(٣) المبسوط : ١ / ٨.

(٤) المهذّب : ١ / ٢٤.

(٥) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ١١٥ ، لاحظ! المهذّب : ١ / ٢٤.

١٤٠