تفسير المراغي - ج ٢١

أحمد مصطفى المراغي

(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) أي وحين قال المنافقون كمعتّب بن قشير ، والذين فى قلوبهم ضعف فى الإيمان لقرب عهدهم بالإسلام : ما وعدنا الله ورسوله من الظفر والنصر على العدو إلا وعدا باطلا بغرّنا به ويوقعنا فيما لا طاقة لنا به ، ويسلخنا عن دين آبائنا ، ويقول : إن هذا الدين سيظهر على الدين كله ، وإنه سيفتح لنا فارس والروم ، وها نحن أولاء قد حصرنا هاهنا حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته.

(وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) أي وحين قالت جماعة من المنافقين كعبد الله بن أبىّ وأصحابه : يا أهل المدينة ليس هذا المقام بمقام لكم فارجعوا إلى منازلكم ليكون ذلك أسلم لكم من القتل.

وقد يكون المعنى : لا مقام لكم فى دين محمد فارجعوا إلى ما كنتم عليه من الشرك وأسلموا محمدا إلى أعدائه.

(وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ) أي ويطلب جماعة منهم من النبي صلى الله عليه وسلم الرجوع إلى بيوتهم وتركهم للقتال ، وهم بنو حارثة ، معتذرين بمختلف المعاذير كقولهم : إن بيوتنا مما يلى العدو ذليلة الحيطان يخاف عليها من السرّاق ، والحقيقة أنهم كاذبون فيما يقولون ، وهم مضمرون غير ذلك.

ثمّ بين السبب الحقيقي لهذه المقالة ، فقال :

(إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) أي وما يريدون بالاستئذان إلا الفرار من القتال والهرب من عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم مساعدة المؤمنين.

ثم بين وهن الدين وضعفه فى قلوبهم إذا ذاك ، وأنه معلق بخيط دقيق ينقطع بأدنى هزة ، فقال :

(وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً) أي ولو دخل عليهم الأحزاب من جوانب بيوتهم ، ثم طلبوا إليهم أن يرتدوا عن دينهم ويرجعوا إلى شركهم بربهم ـ لفعلوا ذلك مسرعين من شدة الهلع والجزع.

١٤١

وفى هذا إيماء إلى أن الإيمان لا قرار له فى نفوسهم ، ولا أثر له فى قلوبهم ، فهو لا يستطيع مقابلة الصعاب ، ولا مقاومة الشدائد ، فلا تعجب لاستئذانهم وطلبهم الهرب من ميدان القتال.

والخلاصة : إن شدة الخوف والهلع الذي تمكن فى قلوبهم مع خبث طويتّهم ، وإضمارهم النفاق ـ تحملهم على الإشراك بالله والرجوع إلى دينهم عند أدنى صدمة تحصل لهم من العدو ، فإيمانهم طلاء ظاهرى لا أثر له فى نفوسهم بحال ، فلا عجب إذا هم تسللوا لواذا ، وبلغ الخوف من نفوسهم كل مبلغ.

ثم بين أن لهم سابقة عهد بالفرار وخوف اللقاء من الكماة ، فقال :

(وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ) أي ولقد كان هؤلاء المستأذنون وهم بنو حارثة قد هربوا يوم أحد وفرّوا من لقاء عدوهم ، ثم تابوا وعاهدوا الله ألا يعودوا إلى مثلها وألا ينكثوا على أعقابهم حين قتالهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم بين ما للعهد من حرمة فقال :

(وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) أي وعهد الله يسأل عن الوفاء به يوم القيامة ويجازى عليه.

ثم أمر الله رسوله أن يقول لهم : إن فراركم لا يؤخر آجالكم ، ولا يطيل أعماركم ، فقال :

(قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ) أي قل لهؤلاء المستأذنين الفارّين من قتال العدو ومنازلته فى الميدان : لن ينفعكم الهرب ولا يدفع عنكم ما أبرم فى الأزل من موت أحدكم حتف أنفه ، أو قتله بسيف ونحوه فإن المقدّر كائن لا محالة والأجل إن حضر لم يتأخر بالفرار ، وكان علىّ يقول عند اللقاء : دهم الأمر ، وتوقّد الجمر.

١٤٢

أىّ يومى من الموت أفرّ

يوم لا يقدر أم يوم قدر

يوم لا يقدر لا أرهبه

ومن المقدور لا ينجى الحذر

(وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً) أي وإن نفعكم الفرار بأن دفع عنكم الموت فمتّعتم لم يكن ذلك التمتع إلا قليلا ، فإن أيام الحياة وإن طالت قصيرة ، فعمر تأكله الدقائق قليل وإن كثر ، ولله درّ أحمد شوقى إذ يقول :

دقات قلب المرء قائلة له

إن الحياة دقائق وثوانى

ولما كانوا ربما يقولون : بل ينفعنا لأنا طالما رأينا من هرب فسلم ، ومن ثبت فاصطلم ـ أمره الله بالجواب عن هذا ، فقال :

(قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً) أي قل لهم : لا أحد يستطيع أن يمنع عنكم شرا من قتل أو بلاء قدره الله عليكم ، أو يؤتيكم خيرا إن لم يكن أراده لكم.

والخلاصة : هل احترزتم فى جميع أعمالكم عن سوء فنفعكم الاحتراز ، أو اجتهد غيركم فى منع الخير عنكم فتمّ له ما أراد؟.

وإجمال القول : إن النفع والضر بيده سبحانه ، وليس لغيره فى ذلك تصريف ولا تبديل.

ثم أكد هذا بقوله :

(وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) أي ولا يجد هؤلاء المنافقون وليا ينفعهم غير الله ، ولا نصيرا يدفع السوء عنهم.

وبعد أن أخبر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بمقالة المنافقين لأهل المدينة ، وأمره بوعظهم ـ حذّرهم بدوام علمه بمن يخون الله ورسوله بقوله :

(قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا) أي إن ربك أيها الرسول ليعلم حق العلم من يثبّطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصدونهم

١٤٣

عنه ، وعن شهود الحرب معه نفاقا منهم وتخذيلا عن الإسلام ، ويعلم الذين يقولون لأصحابهم وخلطائهم من أهل المدينة : تعالوا إلى ما نحن فيه من الظلال والثمار ، ودعوا محمدا فلا تشهدوا معه مشهدا ، فإنا نخاف عليكم الهلاك.

قال قتادة : كان المنافقون يقولون لإخوانهم من ساكنى المدينة من الأنصار :

ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس (يريدون أنهم قليلو العدد) ولو كانوا لحما لا لتهمهم أبو سفيان وأصحابه ، فدعوه فإنه هالك.

(وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً) أي ولا يأتون الحرب إلا زمنا قليلا ، فقد كانوا لا يأتون المعسكر إلا ليراهم المخلصون ، فإذا غفلوا عنهم تسللوا لواذا وعادوا إلى بيوتهم ثم ذكر بعض معايبهم من البخل والخوف والفخر الكاذب ، فقال :

(١) (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) أي بخلاء عليكم بالنفقة والنصرة ، فهم لا يودون مساعدتكم لا بنفس ولا بمال.

(٢) (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) أي فإذا بدأ الخوف بكرّ الشجعان وفرّهم فى ميدان القتال ـ رأيتهم ينظرون إليك وقد دارت أعينهم فى رءوسهم فرقا وخوفا كدوران عين الذي قرب من الموت وغشيته أسبابه ، فإنه إذ ذاك يذهب لبّه ، ويشخص بصره ، فلا يتحرك طرفه.

(٣) (فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) أي فإذا كان الأمن تكلموا فصيح الكلام ، وفخروا بما لهم من المقامات المشهودة فى النجدة والشجاعة ، وهم فى ذلك كاذبون.

قال قتادة : أمّا عند الغنيمة فأشح قوم وأسوؤه مقاسمة ، يقولون : أعطونا أعطونا قد شهدنا معكم ، وأما عند البأس فأجبن قوم وأخذ له للحق ا ه.

ثم بين ما دعاهم إلى بسط ألسنتهم فيهم ، فقال :

١٤٤

(أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) أي هم بخلاء حريصون على الغنائم إذا ظفر بها المؤمنون ، لا يريدون أن يفوتهم شىء مما وصل إلى أيديهم.

والخلاصة : إنهم حين البأس جبناء ، وحين الغنيمة أشحاء.

أفي السلم أعيار جفاء وغلظة

وفى الحرب أمثال النساء العواتك

وبعد أن وصفهم بما وصفهم به من دنىء الصفات ـ بيّن ما دعاهم إليها ، وهو قلة ثقتهم بالله لعدم تمكن الوازع النفسي فى قلوبهم ، فقال :

(أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ) أي هؤلاء الذين بسطت أوصافهم لم يصدّقوا الله ورسوله ، ولم يخلصوا له العمل ، لأنهم أهل نفاق ، فأبطل الله أعمالهم ، وأذهب أجورها ، وجعلها هباء منثورا.

(وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) أي وكان ذلك الإحباط هيّنا على الله لا يبالى به إذ هم قوم فعلوا ما يستوجبه ويستدعيه ، فاقتضت حكمته أن يعاملهم بما يقتضيه عدله وتدل عليه حكمته.

ثم أبان مقدار الجبن والهلع الذي لحق بهم ، فقال :

(يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) أي هم من شدة الهلع والخوف ، وعظيم الدهشة والحيرة ، لا يزالون يظنون أن الأحزاب من غطفان وقريش لم يرحلوا ، وقد هزمهم الله ورحلوا ، وتفرقوا فى كل واد.

وإجمال القول : إنهم لما لم يقاتلوا لجبنهم ، وضعف إيمانهم ، فكأنهم غائبون ، فظنوا أن الأحزاب لم يرحلوا ، وقد كانوا راحلين منهزمين لا يلوون على شىء.

(وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ) أي وإن يأت الأحزاب ويعودوا مرة أخرى تمنّوا أن لو كانوا مقيمين فى البادية بعيدين عن المدينة ، حتى لا ينالهم أذى ولا مكروه ، ويكتفون بأن يسألوا عن أخباركم كل قادم من جانب المدينة ، وفى هذا كفاية لديهم لجبنهم ، وخور عزائمهم.

(وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) أي ولو كان هؤلاء المنافقون فيكم فى الكرة

١٤٥

السابقة ، ولم يرجعوا إلى المدينة ، وكان القتال قتال جلاد وكرّ وفرّ ، وطعن وضرب ، ومحاربة بالسيوف ، ومبارزة فى الصفوف ـ ما قاتلوا إلا قتالا يسيرا رياء وخوفا من العار ، لا قتالا يحتسبون فيه الثواب من الله وحسن الأجر.

وبعد أن فصّل أحوالهم ، وشرح نذالتهم ، وعظيم جبنهم ـ عاتبهم أشد العتب ، وأبان لهم أنه قد كان لهم برسول الله معتبر لو اعتبروا ، وأسوة حسنة لو أرادوا التأسى ، فقال :

(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) أي إن المثل العالية ، والقدوة الحسنة ماثلة أمامكم لو شئتم ، فتحتذون الرسول فى أعماله ، وتسيرون على نهجه لو كنتم تبتغون ثواب الله ، وتخافون عقابه إذا أزفت الآزفة ، وعدم النصير والمعين ، إلا العمل الصالح ، وكنتم تذكرون الله ذكرا كثيرا ، فإن ذكره يؤدى إلى طاعته ، ويحقق الائتساء برسوله.

وخلاصة ذلك : هلا اقتديتم بالرسول ، وتأسيتم بشمائله؟.

ولما ذكر سبحانه حال المنافقين ـ ذكر حال المؤمنين حين لقاء الأحزاب ، فقال :

(وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) أي ولما أبصر المؤمنون الصادقون المخلصون لله فى القول والعمل ـ الأحزاب الذين أدهشت رؤيتهم العقول ، وتبلبلت لها الأفكار ، واضطربت الأفئدة ـ قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار الذي يعقبه النصر فى نحو قوله : «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ؟ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ» وقوله : «أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ» وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : «سيشتد الأمر باجتماع الأحزاب عليكم ، والعاقبة لكم عليهم» وقوله : «إنهم سائرون إليكم تسعا أو عشرا» أي فى آخر تسع ليال أو عشر من حين الإخبار.

١٤٦

وصدق الله ورسوله فى النصرة والثواب ، كما صدق الله ورسوله فى البلاء والاختبار ، ومازادهم ذلك إلا صبرا على البلاء ، وتسليما للقضاء ، وتصديقا بتحقيق ما كان الله ورسوله قد وعدهم.

ثم وصف سبحانه بعض الكملة من المؤمنين الذين صدقوا عند اللقاء ، واحتملوا البأساء والضراء ، فقال :

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) أي ومن المؤمنين بالله ، المصدقين برسوله ، رجال أوفوا بما عاهدوا الله عليه من الصبر فى اللأواء وحين البأساء ، فاستشهد بعض يوم بدر ، وبعض يوم أحد ، وبعض فى غير هذه المواطن ، ومنهم من ينتظر قضاءه والفراغ منه كما قضى من مضى منهم على الوفاء لله بعهده ، وما غيّروه وما بدلوه.

أخرج الإمام أحمد ومسلم والترمذي والنسائي فى جماعة آخرين عن أنس قال : «غاب عمى أنس بن النضر عن بدر ، فشق عليه ، وقال : أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه ، لئن أرانى الله تعالى مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد ليرينّ الله تعالى ما أصنع ، فشهد يوم أحد ، فاستقبله سعد بن معاذ رضى الله عنه ، فقال : يا أبا عمرو إلى أين؟ قال : واها لريح الجنة أجدها دون أحد ، فقاتل حتى قتل ، فوجد فى جسده بضع وثمانون من ضربة وطعنة ورمية ، ونزلت هذه الآية : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) إلخ.

وروى صاحب الكشاف أن رجالا من الصحابة نذروا أنهم إذا لقوا حربا مع رسول الله ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا ، وهم عثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعيد بن زيد ، وحمزة ومصعب بن عمير ، وجمع غيرهم.

ثم بيّن العلة فى هذا الابتلاء والتمحيص ، فقال :

(لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ)

١٤٧

أي إنه سبحانه إنما يختبر عباده بالخوف والزلزال ليميز الخبيث من الطيب ، ويظهر أمر كل منهما جليا واضحا كما قال : «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ» وقال : «ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ» ثم يثيب أهل الصدق منهم بصدقهم بما عاهدوا الله عليه ، ووفائهم له به ، ويعذب المنافقين الناقضين لعهده ، المخالفين لأوامره ، إذا استمروا على نفاقهم حتى يلقوه ، فإن تابوا ونزعوا عن نفاقهم ، وعملوا صالح الأعمال غفر لهم ما أسلفوا من السيئات ، واجترحوا من الآثام والذنوب.

ولما كانت رحمته ورأفته بخلقه هى الغالبة قال :

(إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) أي إنه تعالى من شأنه الستر على ذنوب التائبين والرحمة بهم ، فلا يعاقبهم بعد التوبة ، وفى هذا حثّ عليها فى كل حين ، وبيان نفعها للتائبين.

ثم رجع يحكى بقية القصص وفصّل ذلك تتميما للنعمة التي أشار إليها إجمالا بقوله :

«فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها» ووسط بينهما بإيضاح ما نزل بهم من الطامة التي تحير العقول والأفهام ، والداهية التي نزلت فيها الأقدام ، وما صدر من من الفريقين المؤمنين وأهل الكفر والنفاق من الأحوال والأقوال ، لإظهار عظمة النعمة ، وإبانة جليل خطرها ، ومجيئها حين اشتداد الحاجة إليها فقال :

(وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) أي فأرسلنا ريحا وجنودا لم تروها ، ورددنا الذين كفروا بالله ورسوله من قريش وغطفان بغمّهم ، بفوت ما أمّلوا من الظفر ، وخيبتهم فيما كانوا طمعوا فيه من الغلبة والنصر على محمد وصحبه ، إذ لم يصيبوا مالا ولا إسارا ، ولم يحتج المؤمنون إلى منازلتهم ومبارزتهم لإجلائهم عن بلادهم ، بل كفى الله المؤمنين القتال ، ونصر عبده ، وأعز جنده. وهزم الأحزاب وحده. فلا شىء بعده.

١٤٨

روى الشيخان من حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول «لا إله إلا الله وحده ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، فلا شىء بعده».

ورويا أيضا عن عبد الله بن أوفى قال : «دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال : اللهم منزّل الكتاب ، سريع الحساب ، اهزم الأحزاب ، اللهم اهزمهم وزلزلهم».

وروى محمد بن إسحاق أنه لما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ، ولكنكم تغزونهم» وقد تحقق هذا فلم تغزهم قريش بعد ذلك ، بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم حتى فتح الله تعالى مكة.

(وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) أي وكان الله عزيزا بحوله وقوته ، فردّهم خائبين لم ينالوا خيرا.

ولما قص أمر الأحزاب وذكر ما انتهى إليه أمرهم ذكر حال من عاونوهم من اليهود فقال :

(وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ) أي وأنزل الله يهود بنى قريظة الذين عاونوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم بعد أن نقضوا العهد بسفارة حيىّ بن أخطب النضيري ، إذ لم يزل بزعيمهم كعب بن أسد حتى نقض العهد وكان مما قاله له : جئتك بعزّ الدهر ، أتيتك بقريش وأحابيشها ، وغطفان وأتباعها ، ولا يزالون هاهنا حتى يستأصلوا محمدا وأصحابه ، فقال له كعب :

بل والله جئتنى بذلّ الدهر ، ويحك يا حيىّ إنك مشئوم ، فدعنا منك ، فلم يزل يفتل له فى الذورة والغارب (يخادعه) حتى أجابه ، واشترط له حيىّ إن ذهب الأحزاب ولم يكن من أمرهم شىء أن يدخل معهم فى الحصن فيكون أسوتهم.

ولما أيد الله المؤمنين وكبت أعداءهم وردهم خائبين ورجعوا إلى المدينة ووضع الناس

١٤٩

السلاح ـ أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن انهض إلى بنى قريظة من فورك ، فأمر الناس بالسير إليهم ، وكانوا على أميال من المدينة بعد صلاة الظهر وقال صلى الله عليه وسلم «لا يصلينّ أحد منكم العصر إلا فى بنى قريظة» فسار الناس فأدركتهم الصلاة ، فصلى بعض فى الطريق ، وقال آخرون : لا نصليها إلا فى بنى قريظة فلم يعنّف واحدا من الفريقين.

(وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) أي وألقى الرعب فى قلوبهم حين نازلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاصرهم خمسا وعشرين ليلة ، فنزلوا على حكم سعد بن معاذ سيد الأوس ؛ لأنهم كانوا حلفاءهم ، فأحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له : إن هؤلاء نزلوا على حكمك فاحكم فيهم بما شئت ، فقال رضى الله عنه : وحكمى نافذ فيهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعم» فقال إنى أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذريتهم وأموالهم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله» ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأخاديد فخدّت فى الأرض وجيء بهم مكتوفى الأيدى فضربت أعناقهم وكانوا ما بين سبعمائة وثمانمائة وسبى من لم ينبت منهم مع النساء ، وسبى أموالهم.

والخلاصة ـ إنه قذف الرعب فى قلوبهم ، حتى أسلموا أنفسهم للقتل ، وأهليهم وأموالهم للأسر.

(وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) أي وأورثكم مزارعهم ونخيلهم ، ومنازلهم وأموالهم التي ادّخروها ، وما شبتهم من كل ثاغية وراغية ، وأرضا لم تطئوها وهى الأرضون التي سيفتحها المسلمون حتى يوم القيامة ، قاله عكرمة واختاره أبو حيان.

(وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) أي وكان الله قديرا على أن يورّثكم ذلك ، وعلى أن ينصركم عليهم ، إذ لا يتعذر عليه شىء أراده ، ولا يمتنع عليه فعل شىء شاءه.

١٥٠

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (٢٩) يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠))

تفسير المفردات

زينة الدنيا : زخرفها ونعيمها ، فتعالين : أي أقبلن باختياركن واخترن أحد الأمرين ، أمتعكن : أي أعطكن المتعة ، وهى قميص وغطاء للرأس وملحفة ـ ملاءة ـ بحسب السعة والإقتار ، وأسرحكن : أي أطلقكن ، سراحا جميلا : أي طلافا من غير ضرار ولا مخاصمة ولا مشاجرة ، بفاحشة : أي فعلة قبيحة كنشوز وسوء خلق واختيار الحياة الدنيا وزينتها على الله ورسوله ، مبينة : أي ظاهرة القبح من قولهم : بيّن كذا بمعنى ظهر وتبين ، ضعفين : أي ضعفى عذاب غيرهن أي مثليه ، يسيرا : أي هيّنا لا يمنعه عنه كونهن نساء النبي ، بل هذا سبب له.

المعنى الجملي

بعد أن نصر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، فردّ عنه الأحزاب ، وفتح عليه قريظة والنضير ، ظن أزواجه رضى الله عنهن أنه اختص بنفائس اليهود وذخائرهم فقعدن حوله وقلن يا رسول الله : بنات كسرى وقيصر فى الحلي والحلل ، والإماء والخول ـ الخدم والحشم ـ ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق ، وآلمن قلبه الشريف بمطالبهن من توسعة الحال ومعاملتهن معاملة نساء الملوك وأبناء الدنيا من التمتع بزخرفها من المأكل والمشرب ونحو ذلك فأمره الله تعالى أن يتلو عليهن ما نزل فى شأنهن :

١٥١

روى أحمد عن جابر رضى الله عنه قال : «أقبل أبو بكر رضى الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والناس ببابه جلوس ، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس فلم يؤذن له ، ثم أقبل عمر رضى الله عنه فاستأذن فلم يؤذن له ، ثم أذن لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما فدخلا ، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت ، فقال عمر لأكلمنّ النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك ، قال : يا رسول الله! لو رأيت ابنة زيد ـ امرأة عمر ـ سألتنى النفقة آنفا فوجأت عنقها ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال «هنّ حولى يسألننى النفقة» فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها ، وقام عمر إلى حفصة ، كلاهما يقول : تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده ، فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن : والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده ، وأنزل الله عز وجل الخيار ، فبدأ بعائشة رضى الله عنها فقال لها إنى أذكر لك أمرا ما أحب أن تعجلى فيه حتى تستأمرى أبويك ، قالت وما هو؟ فتلا عليها : «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ» الآية. قالت عائشة رضى الله عنها : أفيك أستأمر أبوىّ؟ بل أختار الله تعالى ورسوله ، وأسألك ألا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت ، فقال صلى الله عليه وسلم «إن الله تعالى لم يبعثنى معنّفا ولكن بعثني معلّما ميسرا ، لا تسألنى امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها» رواه مسلم والنسائي.

ثم وعظهن بعد أن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة وخصهن بأحكام يجدر بمثلهن أن يستمسكن بها لما لهنّ من مركز ممتاز بين نساء المسلمين ، لأنهن أمهات المؤمنين ، وموضع التجلّة والكرامة ، إلى أنهن فى بيت صاحب الدعوة الإسلامية ، ومنه انبعث نور الهدى والطهر والعفاف ، فأجدر بهن أن يكنّ المثل العليا فى ذلك ، ويكنّ قدوة يأتسى بهن نساء المؤمنين جميعا ، ويا لها منقبة أوتيت لهن دون سعى ولا إيجاف منهن ، بل هى منحة أكرمهن الله بها ، فله الحمد فى الآخرة والأولى.

١٥٢

الإيضاح

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) أي يا أيها الرسول قل لأزواجك : اخترن لأنفسكن إحدى خلتين : أولاهما أن تكنّ ممن يحببن لذّات الدنيا ونعيمها والتمتع بزخرفها فليس لكنّ عندى مقام ، إذ ليس عندى شىء منها ، فأقبلن علىّ أعطكن ما أوجب الله على الرجال للنساء من المتعة عند فراقهم إياهن بالطلاق ، تطييبا لخاطرهن وتعويضا لهن عما لحقهن من ضرر بالطلاق ، وهى كسوة تختلف بحسب الغنى والفقر واليسار والإقتار كما قال تعالى : «وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ» ثم أسرحكن وأطلقن على ما أذن الله به وأدّب به عباده بقوله : «إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» وكان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ تسع نسوة : خمس من قريش : عائشة وحفصة وأمّ حبيبة وسودة وأم سلمة رضى الله عنهن ؛ وأربع من غير القرشيات : زينب بنت جحش الأسدية ، وميمونة بنت الحرث الهلالية ، وصفيّة بنت حيىّ بن أخطب النضيرية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية.

وحين نزلت هذه الآية عرض عليهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وبدأ بعائشة وكانت أحبّ أهله إليه فخيّرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة ، ففرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تابعها بقية نسائه.

ثم ذكر ثانية الخلتين فقال :

(وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) أي وإن كنتن تردن رضا الله ورضا رسوله وثواب الدار الآخرة فأطعنهما فإن الله أعد للمحسنات منكن فى أعمالهن القولية والفعلية ثوابا عظيما تستحقر الدنيا وزينتها دونه ، كفاء إحسانهن.

١٥٣

والخلاصة ـ أنتنّ بين أحد أمرين : أن تقمن مع الرسول وترضين بما قسم لكن وتطعن الله ، وأن يمتعكن ويفارقكن إن لم ترضين بذلك.

وبعد أن خيرهن واخترن الله ورسوله ـ أتبع ذلك بعظتهن وتهديدهن إذا هن فعلن ما يسوء النبي صلى الله عليه وسلم وأوعدهن بمضاعفة العذاب فقال :

(يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) أي من يعص منكن الرسول صلى الله عليه وسلم ويطلب ما يشق عليه ويضق به ذرعا ويغتم لأجله ـ يضاعف لها العذاب يوم القيامة ضعفين ، أي تعذب ضعفى عذاب غيرها ، لأن قبح المعصية منهن أشد ، ومن ثم كان ذم العقلاء للعالم العاصي أشد منه للجاهل العاصي ، وكان ذلك سهلا يسيرا على الله الذي لا يحابى أحدا لأجل أحد ، إذ كونهن نساء رسوله ليس بمغن عنهن شيئا ، بل هو سبب لمضاعفة العذاب.

روى أن رجلا قال لزين العابدين رضى الله عنه : إنكم أهل بيت مغفور لكم ، فغضب وقال : نحن أحرى أن يجرى فينا ما أجرى الله فى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أن نكون كما قلت ، إنا نرى لمحسننا ضعفين من الأجر ، ولمسيئنا ضعفين من العذاب وقرأ هذه الآية والتي بعدها.

وإلى هنا تم ما أردنا من تفسير هذا الجزء من كلام ربنا القديم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وكان الفراغ من مسودّته صبيحة يوم الثلاثاء لسبع بقين من جمادى الآخرة من سنة أربع وستين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية بحلوان من أرباض القاهرة كورة الديار المصرية.

١٥٤

فهرست

أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

جدال المشركين بالغلظة ، وجدال أهل الكتاب بالحسنى إلا الذين جحدوا وجه الحق ولم يقبلوا النصح       ٥

فى الحديث «لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم      ٥

الحكمة فى كون الرسول أميا...................................................... ٦

لا يكذب بالقرآن إلا من يستر الحق بالباطل........................................ ٦

فى الحديث «ما من نبى إلا وقد أعطى ما آمن على مثله البشر»....................... ٧

طلب المشركون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بمعجزة محسوسة............... ٨

أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين كفى بالله بيني وبينكم شهيداً.... ١٠

استعجال المشركين لنزول العذاب................................................ ١٢

بيان جهلهم فى هذا الاستعجال.................................................. ١٢

الأمر بالهجرة عند خوف الفتنة فى الدين.......................................... ١٣

الموت فى كل حين ينشد الكفنا.................................................. ١٥

جزاء المؤمنين الصالحين الصابرين المتوكلين........................................ ١٥

المشركون لا ينكرون أن الله خالق السموات والأرض.............................. ١٧

سعة الرزق وضيقه بحسب السنن التي وضعت فى الكون............................ ١٧

الدنيا لعب ولهو ، والحياة الحقة هى دار الآخرة.................................... ١٩

١٥٥

كان المشركون إذا اشتدّ بهم الخوف دعوا الله ، وإذا أمنوا كفروا به.................. ٢١

معرفة الله فى فطرة كل إنسان.................................................... ٢١

الامتنان على قريش بسكنى حرم الله.............................................. ٢٢

مثوى الكافرين جهنم وبئس القرار............................................... ٢٣

الذين اهتدوا يزيدهم الله هدى................................................... ٢٣

الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك............................................ ٢٤

خلاصة ما تضمنته سورة العنكبوت.............................................. ٢٥

الصلة بين سورتى العنكبوت والروم.............................................. ٢٦

فرح المشركين بغلبة فارس للروم................................................. ٢٧

الخطر الذي قدّمه أبو بكر لمن ناحبه.............................................. ٢٧

الحروف المقطعة فى أوائل السور.................................................. ٢٨

غلبة الروم لفارس كما وعد الله ، وفرح المؤمنين بذلك............................. ٢٨

الكافرون غافلون عن الآخرة.................................................... ٢٩

الأدلة متظاهرة فى الأنفس والآفاق على وحدانية الله................................ ٣٠

يوم تقوم الساعة يتفرق الناس ، ففريق فى الجنة وفريق في السعير..................... ٣٢

ما يوصل إلى الجنة ويبعد عن النار................................................ ٣٤

صفات الإله المستحق للثناء والتقديس............................................. ٣٦

الأدلة على البعث والإعادة فى خلق الإنسان....................................... ٣٧

الأدلة فى الأكوان المشاهدة والعوالم المختلفة....................................... ٣٩

فى الحديث «كذّبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك» إلخ................................. ٤٢

ضرب الأمثال على الوحدانية.................................................... ٤٣

١٥٦

أمره صلى الله عليه وسلم بعدم المبالاة بأمر المشركين وبإقامة وجهه لهذا الدين القيم.... ٤٥

العقل الإنسانى كصحيفة بيضاء قابلة لكل نقش.................................... ٤٦

فى الحديث «اعبد الله كأنك تراه» إلخ............................................ ٤٧

اختلف أهل الأديان فرقا وشيعا.................................................. ٤٧

أمره صلى الله عليه وسلم بالإنفاق على ذوى القربى والفقراء والمساكين للتكافل بين الأسرة الخاصة والعامة ٥١

تهديد المشركين بالنظر إلى أن من كان قبلهم كانت عاقبتهم الكنال والوبال........... ٥٤

الأدلة على وجود الخالق ووحدانيته............................................... ٥٨

البرهان على البعث والنشور..................................................... ٦٠

من الأدلة على وجود الخالق تنقل الإنسان فى أطوار مختلفة.......................... ٦٥

يوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة.................................. ٦٦

يوم القيامة لا ينفع الظالمين معاذيرهم عما فعلوا.................................... ٦٧

الرسول أدى واجبه ومن خالفه فهو معاند......................................... ٦٨

أمره صلى الله عليه وسلم بتلقى المكاره بصدر رحب وسعة حلم..................... ٦٩

خلاصة ما احتوت عليه سورة الروم من الموضوعات الكريمة......................... ٧٠

المناسبة بين سورتى الروم ولقمان................................................ ٧١

القرآن هدى ورحمة للمحسنين.................................................. ٧٢

ما كان يفعله النضر بن الحارث عند سماع القرآن.................................. ٧٣

آراء العلماء فى سماع الغناء...................................................... ٧٤

١٥٧

جواز استعمال الطبل والدفّ فى إعلان النكاح..................................... ٧٥

الاستدلال على وحدانية الله..................................................... ٧٧

حكمة لقمان.................................................................. ٧٨

عظة لقمان لابنه............................................................... ٧٩

وصيته سبحانه بحسن معاملة الوالدين............................................. ٨٢

تأكيد الوصية بالأم خاصة....................................................... ٨٢

حديث سعد بن أبى وقاص مع أمه............................................... ٨٣

وصية لقمان لابنه بإقامة الصلاة.................................................. ٨٤

تحذيره لابنه من تصعير الخد مرحا................................................ ٨٥

الأمر بغضّ الصوت............................................................ ٨٦

تقليد المشركين للآباء والأجداد.................................................. ٨٩

حال المستسلم المفوض أمره إلى الله............................................... ٩٠

المشركون يقرون بأن خالق السموات والأرض هو الله.............................. ٩٢

عظمة الله لا يحيط بها أحد...................................................... ٩٤

الدلائل الأرضية على وحدانية الله سبحانه......................................... ٩٧

الأمر بتقوى الله وخشيته خوفا من ذلك اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون.......... ٩٨

التحذير من غرور الدنيا والشيطان............................................... ٩٩

خمس لا يعلمهن إلا الله....................................................... ١٠٠

مجمل سورة لقمان............................................................ ١٠١

وجه اتصال السجدة بلقمان................................................... ١٠٢

١٥٨

الأيام الستة التي خلق الله فيها العالم............................................. ١٠٤

ماذا يراد باليوم الذي هو كألف سنة؟.......................................... ١٠٥

أطوار خلق الإنسان........................................................... ١٠٥

استبعاد المشركين للبعث وأسباب ذلك......................................... ١٠٦

حال المشركين حين معاينة العذاب.............................................. ١٠٨

علامات أهل الإيمان.......................................................... ١١٠

مآل المؤمن والكافر........................................................... ١١٥

انتقام الله من المجرمين.......................................................... ١١٦

أدلة التوحيد................................................................. ١١٨

استبعاد المشركين حصول النصر للنبى صلى الله عليه وسلم........................ ١٢٠

مجمل ما اشتملت عليه سورة السجدة........................................... ١٢٢

سورة الأحزاب............................................................... ١٢٣

أمر النبي بتقوى الله ونهيه عن طاعة الكافرين والمنافقين............................ ١٢٤

أمر النبي بالتوكل عليه وتفويض الأمور إليه وحده................................ ١٢٥

لا يجتمع خوف من الله وخوف من سواه........................................ ١٢٦

لا تجتمع الزوجية والأمومة فى امرأة............................................. ١٢٧

أبوة محمد صلى الله عليه وسلم للمؤمنين أشرف لهم من أبوّة....................... ١٢٩

قال عمر : يا رسول الله لأنت أحب إلىّ من كل شىء إلخ........................ ١٣٠

كان التوارث فى بدء الإسلام بالحلف والمؤاخاة بين المسلمين....................... ١٣١

أخذ الميثاق على الرسل........................................................ ١٣٢

١٥٩

غزوة الأحزاب ـ وقعة الخندق................................................ ١٣٣

سياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن تدبيره فى هذه الموقعة................ ١٣٧

الشدائد تمحص المؤمن وتظهر نفاق المنافق....................................... ١٤٠

تحريض المنافقين للجند بالفرار من الموقعة........................................ ١٤١

لا ينفع حذر من قدر......................................................... ١٤٢

النفع والضر بيد الله........................................................... ١٤٣

ذكر معايب المنافقين.......................................................... ١٤٤

وصف المنافقين............................................................... ١٤٥

حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب................................................ ١٤٦

بعض الكملة من المؤمنين الذين صدقوا عند اللقاء................................. ١٤٧

كفى الله المؤمنين القتال........................................................ ١٤٨

ذكر ما حل باليهود بعد الموقعة................................................. ١٤٩

اليهود أسلموا أنفسهم للقتل ، وأهليهم وأموالهم للأسر........................... ١٥٠

تخيير النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه........................................... ١٥١

وعظ نساء النبي وتخصيصهن بأحكام يجدر بمثلهن أن يستمسكن بها................ ١٥٢

١٦٠