مصابيح الظلام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-0-0
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥٢

أمّا أوّلا ؛ فلأنّ الكلام إنّما هو في مسح الرأس لا الرجلين ، والخبر ورد في الثاني دون الأوّل ، وعدم القول بالفصل غير معلوم.

وأمّا ثانيا ؛ فلأنّ المطلوب وجوب المسح بثلاث أصابع لا بمجموع الكفّ ، والخبر يدلّ على الثاني دون الأوّل ، بل ويدلّ على بطلان الأوّل وعدم جواز الاكتفاء بثلاث أصابع.

وبالجملة ؛ مدّعى الشيخ غير ظاهر من الخبر أصلا ، لو لم نقل بظهور خلافه.

والأجود الاستدلال لهما (١) بصحيحة زرارة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمه مقدار ثلاث أصابع ولا تلقى عنها خمارها» (٢) ، لظهور أنّ الإجزاء إنّما يطلق على أقلّ الواجب ، ولا اختصاص له بالمرأة للإجماع المركّب.

ورواية معمّر بن عمر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «يجزي في المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع وكذلك الرجل» (٣).

أقول : قد ظهر لك من الإجماعين وغيرهما ـ سيّما ما ذكره في «التبيان» من أن القول بعدم إجزاء أقلّ من ثلاث أصابع مذهب أبي حنيفة وتلميذيه (٤) ـ أنّ المسمّى كان مذهب الشيعة والثلاثة مذهب العامّة ، فيجوز الحمل على التقيّة ، بل

__________________

(١) في (ف) و (ز ١) و (ط) : لها.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٠ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٧٧ الحديث ١٩٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤١٦ الحديث ١٠٨٤ مع اختلاف يسير.

(٣) الكافي : ٣ / ٢٩ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٦٠ الحديث ١٦٧ ، الاستبصار : ١ / ٦٠ الحديث ١٧٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤١٧ الحديث ١٠٨٦.

(٤) التبيان : ٣ / ٤٥١ ، لاحظ! أحكام القرآن للجصّاص : ٢ / ٣٤٤.

٢٦١

لعلّه (١) متعيّن.

مع أنّ الرواية الأخيرة ضعيفة ، ومخالفة للإجماع في وجوب الاستيعاب الطولي ، والاولى يمكن أن يكون المراد بحسب الطول لا العرض ، فيكفي الإصبع الواحد مثلا ، فيوافق سائر الأخبار والإجماعات وغيرها.

قال السيّد السند السيّد محمّد صاحب «المدارك» : والجمع بين الروايات يتحقّق إمّا بتقييد الأخبار المتقدّمة بهذين الخبرين ، أو بحملهما على الاستحباب.

ثمّ قال : والمعتمد الثاني ، لقوّة دلالة تلك الأخبار على الاكتفاء بالمسمّى مع مطابقتها لمقتضى الأصل والعمومات (٢) ، انتهى كلامه أعلى الله مقامه.

أقول : ما اختاره من الحمل على الاستحباب متعيّن ، لو لم يحمل على التقيّة ، ولا يمكن الحمل على الأوّل ، نظرا إلى قوّة تلك الأخبار المطلقة من حيث كثرتها وصحّة سند أكثرها ، وعدم قصور الباقي عن الصحّة ، كما عرفت ، وموافقتها لإطلاق الآية ، واعتضاد دلالتها بعمل الأصحاب والإجماعين المنقولين ، وبالإجماع المنقول في القدمين ، كما ادّعاه المصنّف ، موافقا للمحقّق في «المعتبر» ، والعلّامة في «التذكرة» (٣).

وليس شي‌ء من هذه المرجّحات موجودا في الأخبار المقيّدة ، مضافا إلى ما عرفت من موافقتها للعامّة.

نعم ؛ قوّة الدلالة موجودة فيها لو ثبت إطلاق الإجزاء على أقلّ الواجب ، كما هو الظاهر ، إلّا أنّها تكون أقوى دلالة من «إذا مسحت بشي‌ء» (٤). إلى آخره ،

__________________

(١) لم ترد في (ز ٣ ، د ١ ، د ٢ ، ف ، ط ، ز ١) : لعلّه.

(٢) مدارك الأحكام : ١ / ٢٠٩.

(٣) المعتبر : ١ / ١٥١ ، تذكرة الفقهاء : ١ / ١٧١ المسألة ٥٢.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٤١٤ الحديث ١٠٧٦.

٢٦٢

محلّ تأمّل.

مع أنّها لا تقاوم شيئا من المرجّحات المذكورة ، سيّما وجميعها ، فلا تصلح للتقييد ، لاشتراط التقاوم بين المطلق والمقيّد ، وهو في المقام مفقود ، بل المقيّد مرجوح ، كما عرفت.

هذا ؛ مع أنّ الآية ، كما عرفت تنهض لإثبات المطلب ، وتخصيصها وتقييدها بخبر الواحد مشروط بالتقاوم ، مثل اعتضاد الخبر بالشهرة بين الأصحاب أو ما ضاهاها ، إن كانت دلالة الآية غير ضعيفة ، وأنّ الصحّة بمجرّدها غير كافية في تخصيص الآية وتقييدها (١) ، ودلالة الآية هنا قويّة بالإجماعات المنقولة والأخبار الصحاح وغيرها عن أهل البيت عليهم‌السلام في تفسيرها ، وقد عرفت فقد الشرط ، لا سيّما وأن تكون الآية معتضدة بالأخبار المطلقة الواردة في المقام.

ومع ذلك يكون المرجّح المشترط في مقيّدها موجودا في الأخبار المطلقة.

وبما ذكرنا ظهر الجواب عن مختار المصنّف في هذا الباب ، من كون الحمل الأوّل أولى نظرا إلى بعد الثاني عن لفظ الإجزاء ، إذ البعد بنفسه لا يصير منشأ لتعيين الحمل الأوّل ، بل لا بدّ فيه من التقاوم.

والامور الباعثة للتقاوم مفقودة في الأخبار ، بل وكلّها موجودة في المطلقة ، كما عرفت.

وبالجملة ؛ مقتضى القواعد الاصوليّة وجوب العمل على الراجح وترك المرجوح ، ولمّا كان الجمع عند أصحابنا بإرجاع المرجوح إلى الراجح ـ سيّما في مقام الاستحباب ـ أولى من الطرح ، حملنا المقيّدة على الاستحباب ، وإن كان بعيدا ، تحصيلا لما هو الأولى.

__________________

(١) في (ك) : أو تقيّدها بخبر الواحد ، وقد عرفت.

٢٦٣

ولو لا ذلك لكان الواجب طرحه ، كما هو مقتضى الأخبار الواردة في علاج تعارض الأخبار.

مع أنّك عرفت أنّ الشيخ رحمه‌الله رجع ، وليس إلّا لظهور ضعفه على فرض إرادته أقلّ الواجب باصطلاحنا ، لا أقلّ الواجب باصطلاحه ، لما عرفت من أنّه قال : الواجب عندنا على ضربين : ضرب على تركه العقاب ، وضرب على تركه اللوم والعتاب (١).

وقد عرفت أيضا ما في هذا الفرض ، فلم يبق سوى الصدوق وهو يقول : بوجوب المسح بثلاث أصابع لا موضع ثلاث أصابع (٢).

فالخبران لا ينفعانه (٣) أصلا ، بل مرسلة حمّاد السابقة (٤) ربّما تكون صريحة في ردّ مذهبه.

مع أنّه رحمه‌الله قال : وحدّ مسح الرأس أن تمسح بثلاث أصابع مضمومة ، وحدّ مسح الرجلين أن تضع كفّيك على أطراف أصابع رجليك فتمدّها إلى الكعبين ، فتبدأ باليمنى في المسح قبل اليسرى (٥) ، ويعترفون في الرجل بكون مسحه بكلّ الكفّ مخالفا للإجماع.

وسيجي‌ء أيضا في تقديم اليمنى وكون المسح مقبلا ما يؤيّد ما ذكرناه من عدم معلوميّة إرادة أقلّ الواجب باصطلاحنا.

وكيف كان ؛ الأحوط المسح بثلاث أصابع موضع ثلاث أصابع ، بل مقتضى

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٤١ ذيل الحديث ١٣٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨ ذيل الحديث ٨٨.

(٣) في (ف) و (ز ١) : فالخبر المذكور لا يعارضه أصلا.

(٤) راجع! الصفحة : ٢٦٠ من هذا الكتاب.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨ الحديث ٨٨ مع اختلاف.

٢٦٤

النصوص والفتاوى كون المسح أزيد ممّا ذكر ، لأنّ الكلام في أقلّ ما يتحقّق به الإجزاء أو الفضيلة ، لا ما هو الإجزاء والفضل ، فالسعي في جعل المسح غير زائد من الثلاث ، لأجل الواجب أو (١) لأجل الفضل غلط محض ، بل كلّما زاد عن الثلاثة لا يضرّ الفضيلة فضلا عن الإجزاء.

نعم ؛ مسح كلّ الرأس حرام ، لأنّه بدعة ، وكذا الحال في مسح غير الناصية.

وادّعى على ذلك الشيخ الإجماع في «الخلاف» (٢) ، وحرّمه ابن حمزة أيضا (٣) ، والظاهر حرمته عند سائر الأصحاب أيضا (٤) لكونه بدعة.

فما في «الدروس» من أنّه مكروه (٥) ، فيه ما فيه ، سيّما مع تصريحه بأنّ الشيخ ادّعى الإجماع على كونه بدعة.

قوله : (والأحوط أن). إلى آخره.

والصحيح المشار إليه بقوله : (للصحيح) ، هو الصحيح الذي احتجّ به العلّامة للشيخ والصدوق (٦) ، لوجوب مسح الرأس بمقدار ثلاث أصابع ، أعني صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر (٧) ، وإنّما كان الاحتياط ذلك ، لا الواجب ، مع صحّة سند الخبر وصراحته في المطلوب ، لما عرفت من اشتراط التقاوم بين المطلق والمقيّد ،

__________________

(١) في (ف) ، و (ز ١) و (ط) : لا لأجل.

(٢) الخلاف : ١ / ٨٣ المسألة ٣٠.

(٣) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٥٠.

(٤) منهم أبو الصلاح في الكافي في الفقه : ١٣٢ ، العلّامة في تذكرة الفقهاء : ١ / ١٦٢.

(٥) الدروس الشرعيّة : ١ / ٩٢.

(٦) مختلف الشيعة : ١ / ٢٩٠.

(٧) تهذيب الأحكام : ١ / ٩١ الحديث ٢٤٣ ، الاستبصار : ١ / ٦٢ الحديث ١٨٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤١٧ الحديث ١٠٨٥.

٢٦٥

ومع فقده ـ كما فيما نحن فيه ـ لما عرفت ، فلا ، بل يجب طرحه ، أو حمله على الاستحباب والاحتياط.

وبهذا يظهر ما في قوله : (لأنّ المجمل يحمل على المبيّن ، والمطلق على المقيّد).

قوله : (وأن لا ينقص). إلى آخره.

لا ريب فيما ذكره تحرّزا عن شبهة خلاف الخصم ، وعملا بمقتضى الأدلّة الدالّة على جواز المسامحة في أدلّة السنن.

٢٦٦

٤٨ ـ مفتاح

[حدّ الوجه]

حدّ الوجه طولا وعرضا هو ما اشتمل عليه الإبهام والوسطى ، بمعنى أنّ الخطّ المتوهّم من قصاص الشعر إلى طرف الذقن ، وهو الذي يشتمل عليه الإصبعان غالبا إذا أثبت وسطه وادير على نفسه حتّى يحصل شبه دائرة ، فذلك القدر هو الذي يجب غسله ، كما فهمه شيخنا البهائي رحمه‌الله من الصحيح (١) ، ونعم ما فهم.

ولا يجب تخليل الشعور ، لأنّ الوجه اسم لما يواجه به ، وللصحاح (٢). وقيل : يجب إذا خفّت بحيث ترى البشرة في خلاله في بعض الأحيان (٣).

والمستفاد من بعض الروايات أنّ تخليل شعر الوجه من بدع العامّة (٤).

__________________

(١) الحبل المتين : ١٣.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ١ / ٤٧٦ الباب ٤٦ من أبواب الوضوء.

(٣) تذكرة الفقهاء : ١ / ١٥٤ و ١٥٥ المسألة ٤٣.

(٤) كشف الغمّة : ٢ / ٢٢٥ و ٢٢٦.

٢٦٧
٢٦٨

قوله : (حدّ الوجه). إلى آخره.

هذا التحديد إجماعي ، نقل الإجماع عليه الشيخ في «الخلاف» وابن زهرة (١).

ويدلّ عليه صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال له : أخبرني عن حدّ الوجه الذي ينبغي أن يوضّأ الذي قال الله تعالى ، فقال : «الوجه الذي قال الله وأمر الله بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه ، إن زاد [عليه] لم يؤجر وإن نقص [منه] أثم ، ما دارت عليه الوسطى والإبهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن ، وما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه» ، قلت : الصدغ من الوجه؟ قال : «لا» (٢).

وقد نقل هذا الخبر ، عن حريز ، عن أحدهما عليهما‌السلام (٣).

ورواية إسماعيل بن مهران الضعيفة ب ـ سهل ـ قال : كتبت إلى الرضا عليه‌السلام أسأله عن حدّ الوجه ، فكتب : «من أوّل الشعر إلى آخر الوجه ، وكذلك الجبينين» (٤) يعني من أوّلهما إلى آخر الوجه.

وقوله : (ونعم ما فهم). إلى آخره.

علّل رحمه‌الله فهمه بأنّ الجار والمجرور في قوله : «من قصاص» ، إمّا متعلّق بقوله : «دارت» ، أو صفة مصدر محذوف ، والمعنى : أنّ الدوران يبتدئ من

__________________

(١) الخلاف : ١ / ٧٦ ، غنية النزوع : ٥٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨ الحديث ٨٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٠٣ الحديث ١٠٤٨ مع اختلاف.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٤) الكافي : ٣ / ٢٨ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٥٥ الحديث ١٥٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٠٤ الحديث ١٠٤٩.

٢٦٩

القصاص منتهيا إلى الذقن. إلى أن قال : وتمّت الدائرة المستفادة من قوله عليه‌السلام : «مستديرا» (١).

وفيه ؛ أنّه مع كونه معنى غريبا بحسب فهم العرف لم يسبق إلى ذهن أحد منهم غير صحيح أيضا ، لأنّ الابتداء في الدوران من قصاص الشعر إلى الذقن ، معناه ليس إلّا أنّ من ابتداء القصاص يكون الدوران والاستدارة ، فيكون الإصبعان يدوران ويستديران أوّل القصاص وابتداءه ، ثمّ بعده يدوران أيضا مستديرين في كلّ جزء جزء من الوجه إلى أن تنتهي الاستدارة إلى الذقن ، ففي الذقن ومنتهاه أيضا يدوران ، وهذا منتهى دورهما.

وهذا محال ، بل محالات لا تحصى ، لأنّها عبارة عن استدارات للإصبعين لا تعدّ ولا تحصى ، أوّل تلك الاستدارات من القصاص وآخرها إلى الذقن ، وفي الخطّ الأوّل من خطوط الوجه كيف يمكن أن يتحقّق دوران الإصبعين مستديرين؟

فإنّ هذا الدوران لا يمكن تحقّقه إلّا في سعة مساوية لمجموع سعة الوجه ، فكيف يمكن تحقّقه في خطّ لا سعة له أصلا؟ بل يكون له طول خاصّة.

وقس على هذا الخطوط التي يقع الدوران المذكور في كلّ واحد واحد منها إلى أن ينتهي الخطوط بالخطّ الأخيري الذي يكون وسط الذقن أو آخره.

فظهر أنّ المراد من الدوران ليس إلّا جريان الإصبعين ، ولذا نبّه ـ صلوات الله عليه ـ على ذلك بقوله : «وما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه» ، لأنّه عطف تفسير ، كما لا يخفى.

وأمّا على فهمهما ؛ فلا يمكن تحقّق الدوران من ابتداء القصاص إلى الذقن ، بل القصاص والذقن منتهى تحقّق الدائرة من الطرف الطولي خاصّة ، مع أنه لا معنى

__________________

(١) الحبل المتين : ١٤.

٢٧٠

للطول والعرض والاستدارة ، على أنّ الفعل إذا نسب إلى فاعلين لا جرم تحقّق صدوره من كلّ واحد منهما ، نحو جاء الزيدان.

وفي الحديث : «دار عليه الإبهام والوسطى» ، ومن المعلوم أنّه لا يصدر من كلّ إصبع سوى نصف الدائرة ، وليس ذلك دائرة لا لغة ولا عرفا.

وأيضا نصّ كلام المعصوم عليه‌السلام أنّ الإبهام والوسطى يكون ابتداء دورانهما من قصاص الشعر ، ومجموع الإصبعين ابتداء جريانهما من القصاص ، وهذا بعينه فهم الفقهاء.

وأمّا على فهمهما ؛ فلا يتحقّق ابتداء جريانهما ، ولا جريان أكثرهما.

بل إمّا النقطة الفوقانيّة من رأس كلّ واحدة منهما ، أو نقطة الوسط الحقيقي فيما بينهما ، وما بقي لا يكون ابتداء جريانهما إلّا أسفل من القصاص قطعا.

بل الأنسب على فهمهما ابتداء جريان النقطة الفوقانيّة من إحدى الإصبعين من القصاص ، وانتهاؤه إلى الذقن ، ومن الإصبع الاخرى بالعكس ، وجميع ما ذكر أجنبي بالنسبة إلى هذا الحديث.

على أنّا نقول : الدائرة لا ابتداء لها ولا انتهاء ولم يشترط في اعتبارها فرض الابتداء والانتهاء ، فيكون قوله عليه‌السلام : «من قصاص الشعر إلى الذقن» لغوا محضا ، بل مخلّا بالغرض ، فاللازم الاختصار ، وعدم ذكره أو تبديله بعبارة اخرى مثل : أن يقول : منتهى نقطتي هذه الدائرة إلى القصاص والذقن.

مع أنّ الدائرة إذا فرضت ابتداءها من موضع ، فلا بدّ أن يصير الانتهاء إلى ذلك الموضع ، لا موضع آخر.

وممّا ذكر ظهر وجه عدم سبق ما فهما إلى ذهن أحد من فقهائنا ، مع كونهم الأئمّة في فنّ فهم الحديث ، أصحاب الأفهام السليمة ، وأرباب الذكاء والفطنة ، والقوّة القدسيّة ، والماهرين المطّلعين المتتبّعين الشاهدين ، والغائبين على أثر

٢٧١

الشاهدين.

وقوله صلوات الله عليه : «مستديرا» حال من «الوجه» ، أو من ضمير «عليه» ، أو من لفظة «ما» لا من «الإصبعين» ، ولذا لم يقل : مستديرين ، على أنّه على تقدير كونه حال «الإصبعين» عرفت الحال.

وممّا يشهد على فهم الفقهاء ويمنع فهمهما أنّه يخرج على فهمهما كثير من الجبينين ، وكثير من اللحية عند الفكّ الأسفل بحيث يحصل القطع بدخول الخارج في الوجه العرفي.

وقد عرفت أنّ المطلقات ترجع إلى العرف ، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما يتكلّم بلسان قومه ، وكذا غيره من الحجج ـ صلوات الله عليهم ـ بعد قول الله تعالى.

ويدلّ على دخول الجبينين بعد الأخبار ، مثل صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «ألا أحكي لكم وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم»؟ قالوا : بلى ، فدعا بقعب. إلى أن قال : ثمّ غرف فملأها [ماء] فوضعها على جبينيه ، ثمّ قال : «بسم الله» ، وأسدله على أطراف لحيته ، ثمّ أمرّ يده على وجهه وظاهر جبينيه مرّة واحدة» (١). إلى غير ذلك من الأخبار.

ويشهد له أيضا أنّه على فهمهما لا يبقى مجال لتوهّم دخول الصدغ حتّى يسأل زرارة ـ الذي هو في أعلى درجة الفهم والفقه ـ بقوله : الصدغ من الوجه؟

وكيف ما زبره المعصوم عليه‌السلام ، أو ما ضحك تعجّبا منه؟ بل أجاب بقوله : «لا» (٢) ، إذ هذان واضحان في خفاء دخوله وخروجه.

ويشهد أيضا رواية سهل (٣) ، إذ حقّق في محلّه أنّه ثقة ، أو ضعفه غير

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٢٥ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٧ الحديث ١٠٢١ مع اختلاف يسير.

(٢) راجع! الصفحة : ٢٦٩ من هذا الكتاب.

(٣) الكافي : ٣ / ٢٨ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٥٥ الحديث ١٥٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٠٤ الحديث ١٠٤٩.

٢٧٢

مضرّ أصلا.

مع أنّ الرواية المذكورة رواها «الكافي» ، وقد قال في أوّله ما قال ، ورواه الشيخ أيضا معتمدا عليه ، كما لا يخفى على المطّلع.

ويشهد أيضا ملاحظة الأخبار الواردة في الوضوءات البيانيّة (١) وغيرهما ممّا ظهر منه كيفيّة الوضوء ، إذ يظهر على المتأمّل فيها أنّ الوجه الذي يجب غسله ليس الدائرة التي فهمها المصنّف وشيخنا البهائي (٢) ، بل أزيد ، إذ لو كان ذلك ، لكانوا ينبّهون على لزوم الاقتصار على الدائرة ، وعدم جواز التعدّي أصلا ، إذ ورد عنهم عليهم‌السلام : «من تعدّى في وضوئه كان كناقضه» (٣) ، وأمثال هذا.

فكيف في جميع تلك الأخبار لم يتعرّضوا أصلا ورأسا لعدم جواز التعدّي من الدائرة؟ وملاحظة ذلك ، كيلا يتحقّق البطلان والحرمة.

على أنّ الفهم المذكور فرع أن تكون خلقة الناس ـ إلّا النادر منهم ـ بحيث يكون طول الوجه بقدر ما بين الإصبعين لا يزيد ولا ينقص أصلا ورأسا ، وفيه ما فيه.

ثمّ اعلم! أنّ صريح الصحيحة المزبورة (٤) خروج الصدغين عن الوجه ، والمشهور مع قولهم بكون حدّ الوجه ما جرى عليه الإصبعان من القصاص إلى الذقن ـ على ما ذكر ـ يقولون بخروج الصدغين عن الوجه ، وقيل : إنّه إجماعي (٥). وفي «الذخيرة» : أنّه مذهب جمهور العلماء (٦).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٧ الباب ١٥ من أبواب الوضوء.

(٢) الحبل المتين : ١٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥ الحديث ٧٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٣٨ الحديث ١١٥٣.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٧ الحديث ١٠٢١.

(٥) تذكرة الفقهاء : ١ / ١٥٣ المسألة ٤٢.

(٦) ذخيرة المعاد : ٢٦.

٢٧٣

فظهر أنّ الصدغ عند الفقهاء ليس ما بين العين والاذن الذي عرّف بعض أهل اللغة ذلك به (١) ، مع أنّ أهل اللغة ربّما يعرفون اللفظ بالأعم ، فلعلّ المراد ليس المجموع.

ويؤيّده أنّهم قالوا : الصدغ : ما بين الاذن والعين والشعر المتدلّي عليه (٢) ، والشعر لا يتدلّى على المجموع ، وهذا الشعر هو الذي يسمّى بالفارسيّة «زلف» ، ومنه قول الشاعر :

صدغ الحبيب وحالي

كلاهما كالليالي

ويومي إليه تفسير العذار بأنّه الشعر النابت على العظم الناتي الذي يتّصل أعلاه بالصدغ ، وأسفله بالعارض ، فتأمّل جدّا!

وعرّف الصدغ في «المسالك» بأنّه ما حاذى العذار فوقه بين العين والاذن (٣) ، فتدبّر.

وصرّح بذلك المحقّق الشيخ علي في «حاشية الشرائع» ، والشهيد في «الذكرى» حيث قالا بأنّه ما حاذى العذار (٤).

وقال بعض الفقهاء : هو المنخفض الذي بين أعلى الاذن وطرف الحاجب (٥).

وقال في «المنتهى» : هو الشعر الذي بعد انتهاء العذار ، وتنزل عن رأسها قليلا (٦).

وصرّح المحقّق مولانا مراد في حاشيته على «من لا يحضره الفقيه» (٧) بأنّ

__________________

(١) الصحاح : ٤ / ١٣٢٣ ، القاموس المحيط : ٣ / ١١٣.

(٢) الصحاح : ٤ / ١٣٢٣ ، القاموس المحيط : ٣ / ١١٣.

(٣) مسالك الأفهام : ١ / ٣٥.

(٤) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٢٢.

(٥) مشارق الشموس : ١٠١ ، لم نعثر على حاشية الشرائع.

(٦) منتهى المطلب : ٢ / ٢٤.

(٧) مخطوط.

٢٧٤

الصدغ هو الشعر المتدلّي بين العين والاذن ، أو منبت ذلك الشعر ، دون مجموع ما بين العين والاذن.

والمحقّق الشيخ علي اقتصر في تعريف الصدغ بقوله : ما حاذى العذار فوقه ، ثمّ عرّف العذار بما ذكرنا (١).

مع احتمال أن يكون المراد في الحديث وكلام المشهور أنّ الصدغ بأجمعه ليس من الوجه ، وإن كان قليل منه من الوجه (٢) ، لا أنّ مجموع الصدغ خارج عنه.

لا يقال : مقتضى كلام اللغوي كون فهمهما حقّا ، لأنّ الصدغ على ظاهر تعريفه لا يكون بأجمعه خارجا عن الوجه ، كما اعترف ، والظاهر من الحديث خروج المجموع عنه.

لأنّا نقول : على فهمهما أيضا لا يكون المجموع خارجا ، لأنّ الإصبعين يشملان ما زاد عن العين ، ولا يقتصران على العين جزما ، ولا ينتهي رأسهما إلى منتهى العين قطعا (٣).

نعم ؛ على فهمهما يكون ما دخل أقلّ منه على فهم المشهور ، وقد عرفت أنّ المشهور أيضا يقولون بخروج الصدغ ، بل هو إجماعي ، فكلّما قلنا من طرف المشهور ، فهو لازم على فهمهما أيضا.

ومجرّد الأقليّة في الدخول لا يرفع اللزوم ، ولا يدفع ما ذكرناه من الأدلّة والشواهد على ما فهمه المشهور.

واعلم! أنّ المراد من القصاص ، ما هو بالنسبة إلى وسط الناصية ، لا ما هو

__________________

(١) جامع المقاصد : ١ / ٢١٣.

(٢) لم ترد في (ك) : وإن كان قليل منه من الوجه.

(٣) في (ك) : رأسهما منه إلى العين قطعا.

٢٧٥

بالنسبة إلى النزعتين ، لأنّ النزعتين داخلتان في الرأس ، ولذا يكون حدّ وجه الأنزع وجه مستوي الخلقة ، يبتدئ في الغسل من قصاص الشعر المستوي ، لا قصاص شعر نفسه ، فيخرج عن وجهه موضع المسح وما تحته من الرأس وما فوقه إلى قصاص شعر نفسه.

وكذلك الحال في الأغمّ ، في أنّه يرجع إلى قصاص المستوي ، لا قصاص نفسه ، لما ذكر من الدليل ، وكذلك الحال فيمن زاد طول إصبعيه عن المستوي ، أو قصر طولهما عنه ، أو زاد سعة عرض الوجه عن سعة عرض المستوي ، أو قصر سعته عن سعة عرض المستوي ، فإنّ الكلّ يرجعون إلى المستوي ، ولا فرق فيما ذكر بين الرجل والمرأة والخنثى وغيرهم.

ومن الصحيحة المذكورة أيضا يظهر عدم دخول العذار في الوجه ، لأنّ الصدغ إذا لم يكن داخلا ، فالعذار بطريق أولى ، ولعدم وصول الإصبعين من مستوي الخلقة إليه قطعا.

وكذلك الحال في البياض الذي بين العذار والاذن ، وإن قال بعض الأصحاب بدخول العذار (١) ، واختاره المحقّق الشيخ علي في حواشي «الشرائع» (٢) ، والشهيد الثاني في «المسالك» (٣).

وبناء هذا القول على عدم العمل بالصحيحة المذكورة ، والرجوع إلى الصدق اللغوي ـ على ما أظن ـ وفيه ما فيه ، إذ يلزم دخول ما ليس داخلا عندهم أيضا ، مع كون الصحيحة مستجمعة لشرائط الحجّية ، ومعتضدة بالاصول ، وبعمل الجلّ ،

__________________

(١) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٢ / ٢٢٩.

(٢) نقل عنه في مدارك الأحكام : ١ / ١٩٨.

(٣) مسالك الأفهام : ١ / ٣٦.

٢٧٦

إذ باقي الفقهاء على عدم الدخول.

بل عبارة «التذكرة» تؤمي إلى كونه إجماعيّا (١). وصرّح في «المنتهى» بعدم استحباب غسله أيضا (٢) ، وفي «التحرير» بتحريمه إذا اعتقده (٣).

وأمّا البياض المذكور ؛ فالظاهر اتّفاق الكلّ على الخروج. وأمّا العارضان ؛ فقد قطع الشهيدان بدخولهما في الوجه (٤) ، وادّعى الشهيد الثاني عدم الخلاف في ذلك (٥).

وعن العلّامة أنّه صرّح في «المنتهى» بعدم وجوب غسله من غير نقل خلاف (٦).

وقال في «النهاية» : لا يجب غسل ما خرج عن الإصبعين منهما ، لخروجه عن حدّ الوجه (٧) ، فيظهر من هذا أنّ الذي صرّح بعدم وجوب غسله ، هو القدر الزائد عن الإصبعين.

ولا شكّ في أنّ مراده لا بدّ أن يكون كذلك ، إذ لا يمكن الحكم بخروج مجموع العارض ، مع تعريفه بالشعر المنحط عن القدر المحاذي للأذن إلى الذقن ، كما عرّفه في «الدروس» (٨) ، وفي اللغة عرّفه بصفحة الخدّ (٩).

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ١ / ١٥٢ ، المسألة ٤٢.

(٢) منتهى المطلب : ٢ / ٢٣.

(٣) تحرير الأحكام : ١ / ١٠.

(٤) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٢٢ ، الروضة البهيّة : ١ / ٧٤ ، مسالك الأفهام : ١ / ٣٦.

(٥) مسالك الأفهام : ١ / ٣٦.

(٦) منتهى المطلب : ٢ / ٢٣.

(٧) نهاية الإحكام : ١ / ٣٦.

(٨) الدروس الشرعيّة : ١ / ٩١.

(٩) الصحاح : ٣ / ١٠٨٦.

٢٧٧

فلعلّ مراد الشهيدين ما ناله الإصبعان ، ومراد «المنتهى» ما خرج عنهما.

وكيف كان ؛ الأمر كما في «الفقيه» (١) بمقتضى الصحيحة المذكورة (٢).

ولا يجب غسل ما زاد وما استرسل من اللحية وزاد عنها ، لما عرفت من كون الحدّ إلى الذقن.

وأمّا مواضع التحذيف ، وهي ما بين الصدغ والنزعتين من منابت الشعر الخفيف الذي يتّصل بالرأس ، سمّيت بذلك لكثرة حذف النساء والمترفين الشعر منها ، فقيل : لا يجب غسلها لنبات الشعر عليها متّصلا بشعر الرأس (٣).

وفيه ؛ أنّ ذلك لا يوجب كونه من الرأس أو خارجا عن الوجه ، وجعل حدّ قصاص شعر الرأس يوجب دخولها في الوجه ، لعدم عدّها من شعر الرأس عرفا.

واورد عليه بأنّ المتبادر من مبدأ التحديد منتهى شعر الناصية (٤).

أقول : فيما ادّعى من التبادر تأمّل ، بل الظاهر والمتبادر أعم منه ، فإذا كانت مواضع التحذيف خارجة عن شعر الرأس وشعرها غير معدود من شعر الرأس ـ كما هو المتبادر والمعروف عرفا ـ يتعيّن دخولها في الوجه ، ولا وجه للتأمّل ، وهذا هو المعروف من الفقهاء ، إلّا النادر منهم ، وهو المحقّق في الكتب الاستدلاليّة (٥).

وبالتأمّل فيما ذكرناه في هذه الحاشية يظهر كون الوجه على ما حدّه المعصوم عليه‌السلام ، وهو الذي فهمه الفقهاء لا شيخنا رحمه‌الله (٦) ، ويظهر فساد أدلّته في ردّ

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨ ذيل الحديث ٨٨.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٧ الحديث ١٠٢١.

(٣) قال به العلّامة في تذكرة الفقهاء : ١ / ١٥٣ المسألة ٤٢.

(٤) ذخيرة المعاد : ٢٧.

(٥) المعتبر : ١ / ١٤١ ، شرائع الإسلام : ١ / ٢١.

(٦) الحبل المتين : ١٤.

٢٧٨

الفقهاء من أنّ ما فهموه يوجب عدم خروج الصدغ. والمعصوم عليه‌السلام صرّح بخروجه ، ويوجب دخول مواضع التحذيف ، وفي «التذكرة» حكم بخروجها (١) ، ويوجب دخول النزعتين ، وهما خارجان وداخلان في الرأس إجماعا.

ويوجب إسقاط دلالة لفظ «المستدير» ، وجعل شيخنا «مستديرا» حالا عن اسم الموصول وهو كلمة «ما» ، وقال : المراد من دوران الإصبعين من القصاص إلى الذقن دوران أحد الإصبعين ، لأنّ الإصبع الآخر ابتداء دورانه من الذقن ، وانتهاؤه إلى القصاص (٢) ، إلى غير ذلك ممّا عرفت فساده.

ونزيد عليه أنّ في «التذكرة» جعل شعر مواضع التحذيف داخلا في الرأس (٣) ، فلا يبقى لاعتراضك عليه وجه ، فضلا عن جعله موجبا لفساد فهم الفقهاء.

وأمّا دخول النزعتين ، فلا شكّ في فساده ، لأنّ المراد من قصاص شعر الرأس بالنسبة إلى الوجه ، لا بالنسبة إلى الرأس أو العنق أو الاذن أو الصدغ ، وأمثال ذلك.

وكما لا يدخل العنق ولا الاذن والصدغ وأمثالها في الوجه ، ولا وجه لتوهّم الدخول ، كذا لا يتوهّم دخول قدر من الرأس الذي لا شبهة لأحد في كونه من جملة الرأس وإجماعي ، بل بديهي.

مضافا إلى أنّه لم يتحقّق نزاع أصلا في طول الوجه ، ولا تتطرق الشبهة فيه مطلقا ، لبداهة كون ما سوى الوجه داخلا في الرأس وبالعكس ، وادّعوا الإجماع على دخول جميع الطول من القصاص إلى الذقن.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ١ / ١٥٣ المسألة ٤٢.

(٢) الحبل المتين : ١٤.

(٣) تذكرة الفقهاء : ١ / ١٥٣ المسألة ٤٢.

٢٧٩

إنّما الشبهة والنزاع في العرض خاصّة ، وهذا أيضا ممّا يمنع ما فهمه ويعيّن ما فهموه ، ووجوه الناس على قسمين : مستدير عرفي ، وغير مستدير عرفي ، ويسمّى عرفا بالطويل.

والأوّل : ما يكون عرض الوجه مساويا لطوله من قصاص الشعر إلى الذقن غالبا مساواة عرفيّة ، لا أنّه بشكل الدائرة الهندسية ، فيكون عرضه من القصاص إلى الذقن ما جرت وحوت عليه الإصبعان ، كما صرّح به المعصوم عليه‌السلام ، لا أنّه جرى أحد الإصبعين من القصاص إلى الذقن والآخر بالعكس ، كما صرّح شيخنا رحمه‌الله به ، مضافا إلى ما عرفت من مفاسد كثيرة.

مع أنّ المعصوم عليه‌السلام لا يتكلّم إلّا بطريق العرف ، لا طريق الهيئة والهندسة.

وممّا ذكر ظهر أنّ جعل «مستديرا» حالا عن الوجه أقرب لفظا ومعنى ، وجعله حالا عن اسم الموصول كما فعله رحمه‌الله يصحّ أيضا ، وكذا من ضمير «عليه».

وممّا يؤيّد الأوّل تكرار لفظ «الوجه».

على أنّا نقول : المتبادر من عبارة «حال كونه مستديرا» فعليّة الاستدارة وتحقّقها في حال ، وكذا من عبارة «ما جرت عليه الإصبعان» و «ما دارت» لا فرض الاستدارة وفرض الجريان والإدارة ، مع أنّ المناسب للفصل والمميّز أيضا هو المحقّق ، ومعلوم أنّ المتحقّق واقعا هو المستدير العرفي لا هيئة الدائرة ، فالدلالة واضحة والاحتراز لازم واضح على ما عرفت.

وأمّا الحال الفرضي والاستدارة التقديري ـ فمع البعد من وجوه ـ فمعلوم عدم الفرق بينه وبين الحال المحقّق في دورانه مع العامل وذي الحال من ابتداء التحقّق إلى الانتهاء ، كقولك : سار زيد من البصرة إلى الكوفة راكبا ، فإنّ حال الركوب سواء تحقيقيّا أو تقديريّا لا بدّ أن يكون من ابتداء سيره إلى انتهائه ، وقد عرفت استحالة تحقّق الدائرة ابتداء تحقّق الدوران والجريان من القصاص ، وهكذا إلى الذقن.

٢٨٠