مصابيح الظلام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-0-0
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥٢

كتابه هذا ذكر ما ينافي ما أفتى به صريحا كثيرا ، حتّى صرّح جدّي رحمه‌الله بأنّه بدا له فيما ذكره أوّلا (١).

قلت : وعلى تقدير عدم البداء ، ربّما يذكر الرواية باعتقاد أنّ معناها شي‌ء لا ينافي فتواه ، بل موجّهة بتوجيه ظاهر ، كما هو عادته وعادة الكليني في إيرادهما الروايات الظاهرة في الجبر والتشبيه وغيرهما في أصول الدين وفروعه ، بحيث يجزم بأنّ مرادهما ليس ما هو ظاهرها ، لكونه خلاف الإجماع ، وخلاف رأي الشيعة ، وغير ذلك.

ولذلك ما نسب إليه وإلى الكليني شي‌ء ممّا ذكر في مقام نقل المذاهب ، بل في المقام المذكور يدّعون إجماع الشيعة ، وربّما لا يدّعون ، لكن نعلم أنّ المذهب خلافه.

ومن ذلك إيرادهما الأخبار الكثيرة المتضمّنة للأمر بدعاء أو قراءة ، أو ذكر في التعقيب ، أو في يوم عرفة ، أو يوم عيد .. وأمثالهما ممّا لا يحصى كثرة ، بل غالب المستحبّات التي لا حدّ لها بلفظ الأمر ، أو لفظ «عليه» أو أمثالهما من العبارات التي هي مع قطع النظر عن القرينة تكون ظاهرة في الوجوب ، من دون قرينة في ذلك الحديث على خلافه أو غيره من الأحاديث.

وما ذكرنا في غاية الكثرة بلا شبهة ، ومن هذا ما نسب أحد من فقهائنا ، واحدا منهما إلى مخالفة سائر الفقهاء في إيجابهم المسح وما ادّعوا عليه الإجماع بلا شبهة.

بل نحن ذكرنا عن «أمالي الصدوق» كثيرا أنّه جعل من دين الإماميّة الإقرار بكذا وكذا (٢).

__________________

(١) روضة المتّقين : ١ / ١٧ ـ ٢٢.

(٢) أمالي الصدوق رحمه‌الله : ٥٠٩ و ٥٢٠.

٤٤١

ومع ذلك نسب هو أو أبوه أو الكليني إلى خلافه من جهة أنّه روى في «الفقيه» ، أو الكليني في «الكافي» ما هو ظاهر في خلافه ، أو غير ذلك.

هذا كلّه ؛ مع ما عرفت من أنّ خروج معلوم النسب غير مضرّ في إجماعنا بلا شبهة ، فعلى تقدير تصريح الصدوق بالخلاف لا يضرّ الإجماع ، فما ظنّك بما ذكره؟

وينادي بما ذكرنا من أنّ مراد الصدوق والكليني ليس التخيير بين المسح والاكتفاء بغسل ما حوله أنّ التخيير في ذلك فاسد قطعا ، إذ يغسل ما حولها يتحقّق أحد الواجبين قطعا ، ولم يبق شي‌ء لتحقّق التخيير بينه وبين غيره ، فغسل ما حولها واجب على أيّ تقدير.

وأمّا مسح الجبيرة ، فأمّا أن يكون واجبا مطلقا ، كما هو مذهب غيرهما من الفقهاء ، أو مستحب مطلقا ، وأمّا أنّه واجب تخييري بين وقوعه وعدمه فقطعي الفساد ، إذ الواجب ما لا يجوز تركه لا إلى بدل ، وأمّا ما يجوز تركه لا إلى بدل ؛ فهو مباح أو مستحب أو مكروه بالبديهة.

وتوجيه كلامهما بأنّه إن قصد المسح مع الغسل يجب عليه ، وإن لم يقصد المسح معه يكفي غسل ما حوله ، مع ركاكته لا نفع فيه أصلا ، لبقاء المحذور على حاله ، إلّا أن يوجّه بأنّه إن لم يقصد المسح يجب تركه حينئذ ، فالتخيير بين وجوب الفعل ووجوب الترك.

والمراد من الاكتفاء بغسل ما حولها هو هذا المعنى. فمع أنّه في غاية البعد ، والركاكة لا معنى للتخيير المذكور ، إذ التخيير إنّما هو بين فعلين لا بين فعل وترك ذلك ، إلّا أن يوجّه بكون التخيير بين قصدين ، وفيه أيضا ما فيه.

وممّا ينادي بما ذكرنا من أنّ مراد الفقهاء في التيمم إنّما هو بعد العجز عن المائيّة أنّ العلّامة قال في «المنتهى» : لو كان الجرح ممّا يمكن شدّه وغسل الباقي ومسح

٤٤٢

الخرقة التي عليه بالماء الذي في يده وجب ولا يتيمم ، وإن لم يمكن ذلك يتيمم (١) ، وصرّح بذلك في «النهاية» أيضا (٢).

وقال أيضا في «المنتهى» : لو كان على جميع الأعضاء جبائر أو دواء يتضرّر بإزالته جاز المسح على الجميع ، ولو استضرّ بالمسح يتيمم ، (٣) ومثل ذلك عبارة «المعتبر» (٤) والشهيد السابقة (٥).

وبالجملة ؛ من تأمّل في كلامهم في التيمم ، لا يبقى له مجال التوهّم.

وأمّا ما ذكر في «المدارك» في الأخبار من أنّ الوارد في الجرح ليس إلّا غسل ما حوله (٦). فأوّلا لم يكن كلامه منحصرا في الجرح ، بل كلامه جار وصريح في القرحة أيضا ، وقد عرفت التصريح بالمسح على الخرقة فيها.

وأمّا الجرح ؛ فحسنة الوشّاء (٧) يشمله ، إذ الدواء على يدي الرجل يكون لآفة البتة ، إمّا القرحة أو الجرح أو غيرهما ، وليس الجرح أندر منهما لو لم يكن أغلب.

والمعصوم عليه‌السلام ما استفصل في الجواب أنّ هذا الدواء من جهة الجرح أو غيره ، وترك الاستفصال يفيد العموم ، مع أنّ انقطاع الظفر نوع من الجرح ، مع أنّ عدم القول بالفصل يكفي ، وهو رحمه‌الله مداره عليه في إثبات الأحكام ، كما لا يخفى ، فتأمّل!

__________________

(١) منتهى المطلب : ٣ / ٣٤.

(٢) نهاية الإحكام : ١ / ١٩٦ و ١٩٧.

(٣) منتهى المطلب : ٢ / ١٣١.

(٤) المعتبر : ١ / ١٦٢.

(٥) راجع! الصفحة : ٤٣٦ من هذا الكتاب.

(٦) مدارك الأحكام : ١ / ٢٣٩.

(٧) وسائل الشيعة : ١ / ٤٦٥ الحديث ١٢٣٥ و ١٢٣٦.

٤٤٣

مع أنّك عرفت دعوى الإجماع على إلحاق القروح والجروح بالجبيرة ، بل ملاحظة كلام الفقهاء ربّما يكشف عنه ، وأنّ الإجماع الذي ادّعوا في الجبيرة يشمل القروح والجروح ، والإجماع المنقول حجّة.

مع أنّ الأخبار المعارضة الدالّة على التيمم غير مختصّة بالجرح ، بل شاملة للقروح ، بل الكسر أيضا.

لما رواه الشيخ ، عن ابن أبي عمير ـ في الصحيح ـ عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «يؤمّم المجدور والكسير إذا أصابتهما الجنابة» (١).

وما رواه الكليني والصدوق ـ مرسلا ـ عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ (٢) المبطون والكسير يؤمّمان ولا يغتسلان» (٣).

ولا شكّ في أنّ الكسير لا يتيمم إلّا بعد العجز عن المسح على الجبائر ، ولا خلاف لأحد في ذلك.

مع أنّ هذه الأخبار كلّها في الغسل.

نعم ؛ مقتضى بعض ما مرّ في الوضوء الشمول للغسل أيضا.

ويمكن التخصيص بالوضوء ، إلّا أنّ الفتاوى تمنع ، والفتاوى إذا كانت معتبرة تكون معتبرة في أنّ الجرح أيضا لا بدّ فيه من المسح ، مع أنّه ظاهر من الآية والأخبار أنّ التيمم طهارة اضطراريّة بعد العجز عن المائيّة ، كما لا يخفى على المتتبّع المتأمّل.

حتّى أنّهم عليهم‌السلام قالوا : إنّ التيمم إهلاك الدين إذا كان المسافر يسافر إلى

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٨٥ الحديث ٥٣٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٤٨ الحديث ٣٨٣٣.

(٢) لم ترد في المصدر : إن.

(٣) الكافي : ٣ / ٦٨ الحديث ٥ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥٩ الحديث ٢١٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٤٦ و ٣٤٨ الحديث ٣٨٢٥ و ٣٨٣٥ مع اختلاف يسير.

٤٤٤

أرض يقتضي التيمم من البرد والثلج ، قالوا عليهم‌السلام : لا تسافر إلى الأرض التي توبق وتهلك فيها دينك (١).

وأيضا ورد في أنّ من وجد ماء يباع ، يشتريه لوضوئه بأيّ ثمن يريد صاحبه ، وإن كان في غاية الغلاء (٢) .. إلى غير ذلك ممّا يدلّ على كونه اضطراريّا.

وقوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) (٣) فسّر ب : إن لم تتمكّنوا من الماء وفاقا (٤).

وكذا الحال في الأخبار الدالّة على ذلك ، بل وأشدّ دلالة وأوضحها وقد عرفت اتّفاق الأصحاب أيضا على تقديم المائيّة ، وأنّ بعد العجز يرتكب الترابية.

مع أنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينية ، فمع التمكّن من الطهارة المائيّة لو تركت وارتكبت الترابية لا يحصل إلّا البراءة الاحتمالية ، بل البراءة الوهميّة ، لما عرفت ممّا دلّ على أنّ الترابية بعد العجز ، لا مع التمكّن من المائيّة.

وإذا تطهر بالمائيّة تحصل البراءة اليقينيّة من ملاحظة الأخبار والأقوال والإجماع.

نعم ؛ لو تيمم حينئذ مع الوضوء ربّما يكون أحوط ، لكن الاحتياط لا لزوم فيه أصلا ، مع أنّ كونه احتياطا لا بدّ فيه من تأمّل.

هذا إذا كانت الجبيرة في موضع التيمم أو فيه ، لكن يمكن في التيمم المسح على البشرة دون غسلها في الغسل ، ومسحها في المسح.

وأمّا إذا كانت في موضع التيمم ، ولا يمكن مسح البشرة في التيمم ، فلا وجه

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩١ الباب ٢٨ من أبواب التيمّم.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ٣ / ٣٨٩ الباب ٢٦ من أبواب التيمّم.

(٣) النساء (٤) : ٤٣ ، المائدة (٥) : ٦.

(٤) التبيان : ٣ / ٤٥٨ ، زبدة البيان : ٥٣ ، تفسير الصافي : ١ / ٤٥٤.

٤٤٥

لتوهّم تجويز التيمم حينئذ ، كما أشرنا.

ثمّ اعلم أنّ العضو إذا كان مريضا مثل وجع العين وأمثاله ، لا يجري فيه حكم الجبيرة والقروح والجروح إذا أمكن غسل ما حوله خاصّة ، بل لا بدّ من التيمم ، لفقد ما يدلّ على كونه مثل الجبيرة من النصّ والإجماع.

بل ظاهر الفقهاء أيضا التيمم ، إلّا أنّه نقل عن الشيخ في «الخلاف» و «المبسوط» أنّه جعل الجمع بين التيمم وغسل الباقي أحوط (١) ، وفيه ما فيه.

واعلم أيضا أنّه إذا زال العذر في وضوء الجبيرة للقروح والجروح بعد الصلاة لا يجب إعادة الصلاة إجماعا ، لكن الأحوط بل الأقرب أنّ مع رجاء الزوال لا يجوز ، إلّا إذا تضيّق الوقت في نظره ، فما ذكر مع عدم الرجاء أو معه ، إلّا أنّه عند ضيق الوقت في نظره ، لكن زال واتّفق البقاء ، وأمّا إعادة الوضوء ؛ فمحلّ خلاف بين الأصحاب.

والقائل بالعدم تمسّك بالاستصحاب (٢) ، والقائل بالإعادة بأنّ الضرورة تتقدّر بقدرها (٣) ، والثاني أقوى ، بل كونه محلّ الاستصحاب محلّ تأمّل ، كما حقّقناه في محلّه.

وهكذا الحال في الوضوءات للأعذار ، مثل غسل الرجل للتقيّة ، أو مسح الخفّين لها ، أو للبرد ، أو عدم التمكن من المسح بماء الوضوء. إلى غير ذلك فتأمّل.

__________________

(١) نقل عنه في كشف اللثام : ٢ / ٥٠٣ ، لاحظ! الخلاف ١ / ١٥٤ المسألة ١٠٥ ، المبسوط : ١ / ٣٥.

(٢) الشهيد في ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٠١.

(٣) قاله الشيخ في المبسوط : ١ / ٢٣ ، لاحظ! المعتبر : ١ / ١٦٢ ، ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٠١.

٤٤٦

٥٦ ـ مفتاح

[مستحبّات الوضوء]

يستحب السواك عند الوضوء ، والاستقبال ، والتسمية ، وغسل الكفّين قبل إدخالهما الإناء من حدث النوم والبول مرّة ومن الغائط مرّتين ، والمضمضة والاستنشاق والاستنشار ، وإدارة المسبحة والإبهام في الفم.

وضرب الوجه بالماء وفتح العين ، والدعاء بالمأثور عند كلّ فعل ، وإمرار اليد بالغسل ، وتخليل شعر الوجه وإن كان كثيفا على المشهور ، ولا مستند له يعتدّ به ، كما مرّت الإشارة إليه.

وبدأة الرجل بظاهر ذراعيه والمرأة بباطنهما ، والإسباغ بمدّ ، وهو رطل ونصف بأرطال المدينة ، كما في الصحيح (١) ، فيكون رطلين وربعا بأرطال العراق ، وقول البزنطي بكونه رطلا وربعا بالعراقي (٢) شاذّ. وفي «التحرير» أنّه تعويل على رواية ضعيفة (٣).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٣٦ الحديث ٣٧٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٨١ الحديث ١٢٧٥.

(٢) لاحظ! تحرير الأحكام : ١ / ٦٢ ، بحار الأنوار : ٧٧ / ٣٥٠.

(٣) تحرير الأحكام : ١ / ٦٢.

٤٤٧

والرطل العراقي مائة وثلاثون درهما ، أحد وتسعون مثقالا على الأصحّ الأشهر ، كما يؤيّده الخبر (١). وقيل : مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، تسعون مثقالا (٢). والدرهم ستّة دوانيق باتّفاق الخاصّة والعامّة ونصّ أهل اللغة (٣). والدانق ثماني حبّات من أوسط حبّ الشعير ، بلا خلاف منّا ، والخبر الوارد بخلافه (٤) ضعيف ، وعلى ما قلنا يكون المدّ بالمعيار المتعارف في زماننا ربع منّ تبريزي واف ، والأولى وحدة الغسل بغرفتين.

وترك الاستعانة ، والشمس ، والآجن (٥) ، وسؤر الحائض الغير المأمونة ، واليهودي ، والنصراني ، والمشرك ، والناصب ، وولد الزنا ، وما أصابته الوزغة ، والحيّة ، والعقرب ، والقليل الذي أصابته النجاسة ولم يتغيّر ، وماء البئر الذي أصابته ولما ينزح منها ما قدر ، والمستعمل في رفع الحدث الأكبر ، وقيل بعدم الإجزاء في الأخير (٦) ، ومستنده ضعيف ، كلّ ذلك مستفاد من النصوص. وتزول الكراهة في الكلّ عند الاضطرار ، كما في الأخبار (٧).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٩ / ٣٤٠ الحديث ١٢١٧٩.

(٢) تحرير الأحكام : ١ / ٦٢ و ٦٣ ، منتهى المطلب : ١ / ٤٩٧ ط. ق.

(٣) الصحاح : ٤ / ١٤٧٧ ، لسان العرب : ١٠ / ١٠٥ ، مجمع البحرين : ٦ / ٦١.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٤٨١ الحديث ١٢٧٧.

(٥) الآجن : اسم فاعل من أجن الماء إذا تغيّر لونه وطعمه ، والظاهر أنّ تغيير الريح لازم لتغييرهما ، ولو فرض انفكاكه عنهما بأن يتغيّر ريحه فقط ، فالظاهر عدم كراهة الوضوء به ، لأنّه لم يثبت تسميته آجنا ، كذا قيل. «منه رحمه‌الله».

(٦) المبسوط : ١ / ١١ ، الخلاف : ١ / ١٧٢ المسألة ١٢٦ ، لاحظ! مدارك الأحكام : ١ / ١٢٦.

(٧) وسائل الشيعة : ١ / ٤٧٨ الباب ٤٨ من أبواب الوضوء ، ١٥ / ٣٦٩ الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس.

٤٤٨

قوله : (يستحب السواك) .. إلى آخره.

أقول : استحباب السواك مطلقا وللوضوء والصلاة ـ سيّما صلاة الليل ـ مجمع عليه بين الأصحاب [و] وارد في الروايات أيضا.

منها : موثّقة إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من أخلاق النبيّين السواك» (١).

ومنها : روايته أيضا عنه عليه‌السلام قال : «السواك من سنن المرسلين» (٢) .. إلى غير ذلك من الأخبار.

وصحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام : «وعليك بالسواك عند كلّ وضوء» (٣).

وقول الصادق عليه‌السلام في رواية معلّى بن الخنيس حين سأله عن الاستياك بعد الوضوء؟ قال : «الاستياك قبل أن يتوضّأ» ، قال : قلت : أرأيت إن نسي حتّى يتوضّأ؟ قال : «يستاك ثمّ يتمضمض ثلاث مرّات» (٤).

ويظهر منها أنّ الاستياك قبل التمضمض.

ورواية محمّد بن مروان عن أبي جعفر عليه‌السلام في وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : «عليك بالسواك لكلّ صلاة» (٥).

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤٩٥ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٥ و ٦ الحديث ١٣٠٢.

(٢) الكافي : ٦ / ٤٩٥ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٦ الحديث ١٣٠٤.

(٣) الكافي : ٨ / ٧٩ الحديث ٣٣ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٦ الحديث ١٣٤٣.

(٤) المحاسن : ٢ / ٣٨١ الحديث ٢٣٤٢ ، الكافي : ٣ / ٢٣ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨ الحديث ١٣٥٠

(٥) المحاسن : ٢ / ٣٨١ الحديث ٢٣٤٠ ، الكافي : ٦ / ٤٩٦ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة ٢ / ١٨ الحديث ١٣٥٢.

٤٤٩

ورواية القدّاح : «ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك» (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو لا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك مع كلّ صلاة» (٢) ، أي : أوجبت ، لأنّ لفظ الأمر حقيقة في الوجوب كصيغته.

وعن الصادق عليه‌السلام : «إذا قمت بالليل فاستك فإنّ الملك [يأتيك] ليضع فاه على فيك» (٣) الحديث. إلى غير ذلك من الأخبار.

بل ورد استحباب السواك لقراءة القرآن أيضا مثل قوله عليه‌السلام : «إنّ أفواهكم طرق القرآن فطهّروها بالسواك» (٤). إلى غير ذلك.

والاستياك بعود رطب أو يابس (٥) ، وأولاه عود الأراك ويكون بالعرق أيضا.

وفي المعتبر عن الباقر عليه‌السلام : «لا تدع السواك في كلّ ثلاثة أيّام ولو بأن تمرّه مرّة واحدة» (٦).

وعن علي عليه‌السلام : «أدنى السواك أن تدلك بإصبعك» (٧).

وورد : «استاكوا عرضا» (٨) ، فهو أولى من الطول ، وقيل بكراهة السواك طولا ، وكراهة الاستياك في الخلاء ـ لما مرّ ـ وفي الحمّام (٩) ، لما ذكره الصدوق من أنّه

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٢٢ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٩ الحديث ١٣٥٣.

(٢) المحاسن : ٢ / ٣٨١ الحديث ٢٣٤١ ، الكافي : ٣ / ٢٢ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٩ الحديث ١٣٥٤.

(٣) الكافي : ٣ / ٢٣ الحديث ٧ ، علل الشرائع : ١ / ٢٩٣ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢١ الحديث ١٣٦٢.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٢ الحديث ١١٢ ، المقنع : ٢٤ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣ الحديث ١٣٦٨.

(٥) في (ف) و (ز ١) و (ط) : كما يظهر من الأخبار.

(٦) الكافي : ٣ / ٢٣ الحديث ٤ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٣ الحديث ١١٩ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤ الحديث ١٣٧٣ مع اختلاف يسير.

(٧) الكافي : ٣ / ٢٣ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤ الحديث ١٣٧٤.

(٨) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٣ الحديث ١٢٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٣ الحديث ١٣٦٩.

(٩) قاله الشهيد في ذكرى الشيعة : ٢ / ١٨١.

٤٥٠

يورث وباء الأسنان (١) ، وسيجي‌ء في كتاب الصوم والحجّ بعض ما يتعلّق بالمقام.

وورد عنهم عليهم‌السلام في السواك : «أنّه من السنّة ، ومطهرة للفم ، ومجلاة للبصر ، ويرضي الرحمن ، ويبيّض الأسنان ، ويذهب بالحفر ، ويشدّ اللثة ، ويشهّي الطعام ، ويذهب بالبلغم ، ويزيد في الحفظ ، ويضاعف الحسنات ، وتفرح به الملائكة» (٢). إلى غير ذلك من الأخبار (٣).

قوله : (والتسمية عند الوضوء).

باتّفاق الأصحاب والأخبار المستفيضة.

منها : صحيحة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا سمّيت في الوضوء طهر جسدك كلّه ، وإذا لم تسم لم يطهر من جسدك إلّا ما مرّ عليه الماء» (٤).

وصحيحة العيص بن القاسم عنه عليه‌السلام : «من ذكر اسم الله على وضوئه فكأنّما اغتسل» (٥). وظاهرها أنّ التسمية في أيّ موضع منه يؤثر الأثر المذكور.

ويحتمل أن يكون المراد أوّل الوضوء ، كما هو ظاهر صحيحة عيص بن القاسم عنه عليه‌السلام : «من ذكر اسم الله على وضوئه فكأنما اغتسل».

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٣ ذيل الحديث ١١٧.

(٢) الكافي : ٦ / ٤٩٥ الحديث ٦ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٤ الحديث ١٢٦ ، الخصال : ٤٨١ الحديث ٥٣ ، ثواب الأعمال : ٣٤ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٧ و ٨ الحديث ١٣١١.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٢ / ٥ الباب ١ من أبواب السواك.

(٤) الكافي : ٣ / ١٦ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٥٥ الحديث ١٠٦٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٤ الحديث ١١٠٨.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣١ ، الحديث ١٠١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٥٨ الحديث ١٠٣٧ ، الاستبصار : ١ / ٦٧ الحديث ٢٠٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٣ الحديث ١١٠٦.

٤٥١

وصريح صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : «إذا وضعت يدك في الإناء فقل : بسم الله وبالله اللهمّ اجعلني من التوّابين واجعلني من المتطهّرين ، فإذا فرغت فقل : الحمد لله رب العالمين» (١). إلى غير ذلك من الأخبار.

وفي الوضوء البياني قال : «ثمّ عرف ملأها ماء فوضعها على جبينه ثمّ قال : بسم الله وأسدله» (٢) الحديث.

وإذا ترك عالما عامدا لم يكن عليه شي‌ء لما تقدّم ، إنّما حرم نفسه عن نيل الثواب من الله تعالى.

وأمّا ما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ رجلا توضّأ وصلّى ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعد وضوءك وصلاتك ، ففعل وتوضّأ وصلّى ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعد وضوءك وصلاتك ، ففعل وتوضّأ وصلّى ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعد وضوءك وصلاتك» ، فأتى أمير المؤمنين عليه‌السلام وشكا ذلك إليه فقال : «هل سمّيت حين توضّأت؟» فقال : لا ، قال عليه‌السلام : «فسمّ على وضوئك» ، فسمّى وصلّى فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم يأمره أن يعيد» (٣) ، فيجب حمله على شدّة تأكيد الاستحباب ، لأنّ الوجوب مخالف للإجماع والأخبار.

وصرّح بعض بكون الإعادة على جهة التأديب ، فإنّ لصاحب الشريعة السياسة بمثل ذلك وأعظم منه ، لئلّا يتهاون الناس بالسنن (٤).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٧٦ الحديث ١٩٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٣ الحديث ١١٠٥ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٣ / ٢٥ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٧ الحديث ١٠٢١ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٥٨ الحديث ١٠٧٥ ، الاستبصار : ١ / ٦٨ الحديث ٢٠٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٤ الحديث ١١٠٩.

(٤) منهم الفيض الكاشاني في الوافي : ٦ / ٣٣٠ ، البحراني في حدائق الناضرة : ٢ / ١٥٢.

٤٥٢

ومن ظاهر الخبر استظهر بعض المتأخّرين استحباب إعادة الوضوء والصلاة لمن ترك التسمية على وضوئه (١) ، فتأمّل!

وحمل الشيخ على أنّ المراد بالتسمية النيّة (٢) بعيد.

وحمل كلام الشيخ بعض محدّثي المتأخّرين على أنّ المراد بالنيّة هو (٣) إخطار العمل بالبال الله تعالى ، لئلّا يصدر على الغفلة (٤).

ولا يبعد أن يصدق عليه التسمية ، لتضمّنه اسم الله سبحانه ، وهذا أيضا بعيد.

واعلم! أنّ المراد من التسمية قول : «بسم الله» ، أو (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فقط ، أو مع دعاء آخر ، ويمكن أن يكون المراد أعم من ذلك ، أي : ذكر اسم الله تعالى بأيّ نحو ، وبأيّ اسم منه تعالى. والأوّل أظهر ، بل هو الظاهر.

ولو نسي التسمية قال في «الذكرى» : الأقرب التدارك في الأثناء ، إذ لا يسقط الميسور بالمعسور ، وكما في الأكل (٥) ، وفيهما تأمّل سيّما الثاني.

والأحوط التمسّك بالإطلاق ، كما ذكرنا ، وأنّ الكون في اوّل مستحبات الوضوء ـ كما في رواية زرارة (٦) ، وأمثالها ـ أو أوّل واجباته ـ كما في الوضوء البياني ـ أفضل ، والجمع بينهما أفضل وأكمل.

فعلى ما ذكرنا لو تركها عمدا في الابتدائين ، استحب الإتيان بها في أيّ موضع كان ، للإطلاق.

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٧٤ ، الحدائق الناضرة : ٢ / ١٥٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٥٨ ذيل الحديث ١٠٧٥ ، الاستبصار : ١ / ٦٨ ذيل الحديث ٢٠٦.

(٣) لم ترد في (ز ١ ، ٣) و (ود ١ ، ٢) و (ف ، ط) : هو.

(٤) منهم الفيض الكاشاني في الوافي : ٦ / ٣٢٩.

(٥) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٧٤.

(٦) تهذيب الأحكام : ١ / ٧٦ الحديث ١٩٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٣ الحديث ١١٠٥.

٤٥٣

قوله : (وغسل الكفّين قبل إدخالهما الإناء).

أي اليدين من الزند ، هذا على ما حدّه جماعة من الأصحاب (١) ، والأكثر لم يحدّوه ، بل قالوا : غسل اليدين (٢) ، موافقا لما ورد في الأخبار (٣) ، وبناء التحديد على أنّه هو القدر المتيقّن ، أو ظهوره من عبارة (قبل أن يدخلهما الإناء) ، الوارد في بعض الأخبار (٤) كما ستعرف.

ولذا قال المصنّف أيضا : (قبل إدخالهما الإناء) وظاهره انحصار الاستحباب فيما إذا كان الوضوء بالماء القليل في الإناء الواسع الرأس ، وفاقا للعلّامة (٥) ومن وافقه (٦) ، والشهيد الثاني عمّم الحكم بالنسبة إلى القليل والكثير (٧) ، عملا بالعموم ، كما ستعرف.

قوله : (من حدث النوم) .. إلى آخره.

هذا التفصيل قول العلّامة في إرشاده وغيره (٨) ، بل الظاهر أنّه المشهور ، ونسب إلى «الروضة» مرّتين في الجميع ، وإلى النفليّة : مرّة في الجميع (٩).

__________________

(١) مسالك الأفهام : ١ / ١١٥ ، الروضة البهيّة : ١ / ٧٨ ، جامع المقاصد : ١ / ٢٢٩ ، مدارك الأحكام : ١ / ٢٤٧ ، كفاية الأحكام : ٨ و ٩.

(٢) شرائع الإسلام : ١ / ٢٤ ، ارشاد الاذهان : ١ / ٢٢٣ ، الحدائق الناضرة : ٢ / ١٤٨ و ١٤٩.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٧ الباب ٢٧ من أبواب الوضوء.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٧ الحديث ١١١٧.

(٥) منتهى المطلب : ١ / ٢٩٦.

(٦) ذخيرة المعاد : ٤٢ ، مدارك الأحكام : ١ / ٢٤٧.

(٧) روض الجنان : ٤١.

(٨) إرشاد الأذهان : ١ / ٢٢٣ و ٢٢٤ ، نهاية الإحكام : ١ / ٥٣.

(٩) نسب إليهما في كشف اللثام : ١ / ٥٦٥ ، لاحظ! الروضة البهية : ١ / ٧٨ ، الألفية والنفلية : ٩٢.

٤٥٤

ويدلّ على الأوّل حسنة الحلبي قال : سألته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها الإناء؟ قال : «واحدة من حدث البول ، واثنتان من الغائط ، وثلاث من الجنابة» (١).

وفي رواية حريز ـ التي في طريقها علي بن السندي ـ عن الباقر عليه‌السلام : «أنّه يغسل الرجل يده من النوم مرّة ، ومن البول والغائط مرّتين ، ومن الجنابة ثلاث مرّات» (٢).

ومقتضاها كفاية المرّتين في البول والغائط.

والظاهر أنّ المراد كون الغائط مع البول ، كما هو الغالب ، فيدلّ على التداخل ، وإلّا كان مقتضى الرواية الاولى ثلاث مرّات ، وهذا التداخل ممّا قال به الفقهاء (٣).

والروايات الدالّة على ما ذكر في الجملة كثيرة ، وفي بعضها المنع من الإدخال (٤) ، وحمل الكلّ على الاستحباب والكراهة ، للإجماع والأخبار الدالّة على الجواز ، مثل صحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : أنّه سأل عن الرجل يبول ولم يمس يده شي‌ء أيغمسها في الماء؟ قال : «نعم ؛ وإن كان جنبا» (٥) ، وغيرها من الأخبار (٦).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ١٢ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦ الحديث ٩٦ ، الاستبصار : ١ / ٥٠ الحديث ١٤١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٧ الحديث ١١١٧ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦ الحديث ٩٧ ، الاستبصار : ١ / ٥٠ الحديث ١٤٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٧ الحديث ١١١٨.

(٣) الروضة البهيّة : ١ / ٧٨ ، كشف اللثام : ١ / ٥٦٤ و ٥٦٥.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٨ الحديث ١١١٩.

(٥) الكافي : ٣ / ١٢ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦ الحديث ٩٨ ، الاستبصار : ١ / ٥٠ الحديث ١٤٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٩ الحديث ١١٢٢ مع اختلاف يسير.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٩ الباب ٢٨ من أبواب الوضوء.

٤٥٥

ويؤيّده التعليل في الغسل عن النوم بأنّه : «لا يدري أنّه أين باتت يده» (١) فتدبّر.

ثمّ إنّ بعض الأخبار ورد بلفظ الإناء وإدخال اليد فيه ، مثل حسنة الحلبي المذكورة (٢) وغيرها (٣).

وبعضها ورد بلفظ مطلق الغسل ، مثل رواية حريز السابقة (٤) ، ومرسلة الصدوق عن الصادق عليه‌السلام : «اغسل يدك من البول مرّة ، ومن الغائط مرّتين ، ومن الجنابة ثلاثا» (٥) ، وقال عليه‌السلام : «اغسل يدك من النوم مرّة» (٦) وغيرهما من الأخبار (٧).

فيمكن حمل المطلق على المقيّد ، كما اختاره الأكثر ، لا من جهة التعارض ، بل من جهة أنّ المطلق محمول على الشائع الغالب ، وكان الشائع القليل مطلقا ، أو الظروف الواسعة لإدخال اليد فيها ، كما يستفاد من بعضها ، أو يبقى المطلق على إطلاقه لعدم التعارض ، وللتسامح في أدلّة السنن ، كما اختاره الشهيد الثاني (٨).

واحتمله الشهيد الأوّل في «الذكرى» معلّلا بأنّ النجاسة الموهومة تزول (٩) .. إلى آخر ما قاله ، فلاحظ!

__________________

(١) الكافي : ٣ / ١١ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٩ الحديث ١٠٦ ، الاستبصار : ١ / ٥١ الحديث ١٤٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٨ الحديث ١١١٩ مع اختلاف يسير.

(٢) مرّت الإشارة إليها آنفا.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٩ الحديث ١١٢٣.

(٤) مرّت الإشارة إليها آنفا.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٩ الحديث ٩١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٨ الحديث ١١٢٠.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٩ الحديث ٩٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٨ الحديث ١١٢١.

(٧) راجع! وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٧ الباب ٢٧ من أبواب الوضوء.

(٨) روض الجنان : ٤١ و ٤٢ ، الروضة البهيّة : ١ / ٧٨.

(٩) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٠٩.

٤٥٦

ثمّ اعلم أنّه لا غسل من حدث الريح ، كما صرّح به ، لعدم دليل عليه ، بل ظاهر الأدلّة العدم ، إذ الريح مع عموم الصدور ، كيف لم يتعرّض لذكره في مقام ذكر البول والغائط والجنابة.

ومقتضى ما ذكر عدم الاستحباب لباقي الأحداث ، وربّما تردّد بعض في ذلك من جهة ما ذكر (١) ، ومن كونها أغلظ من الأصغر سيّما البول ، فيكون أولى.

وفيه ما فيه ، إلّا أن يقال : يفهم ذلك ممّا ورد من أنّ غسل الجنابة والحيض واحد (٢) ، ولا بدّ من التأمّل.

واعلم! أنّ المعتبر من النوم ما يكون حدثا ناقضا وموجبا للوضوء ، كما يظهر من تتبّع الأخبار ، ولأنّ الإطلاق منصرف إليه.

ولا فرق في النوم بين كونه في الليل أو في النهار ، ولا النائم بين كونه مسرولا أو غيره ، مشدود اليد أو غيره ، وإن كان التعليل بأنّه «لا يدري أين باتت يده» يقتضي كونها مكشوفة بمسّ الأشياء ، وهذا هو الظاهر من المطلق ، إلّا أنّ الفتاوى عامّة فتأمّل! ولا يشترط البيتوتة لما ذكر من التعليل ، لأنّ الظاهر كونه من باب المثال.

ولذا ورد مكانه في خبر آخر : «أين كانت يده؟» (٣) وورد أيضا مطلقا من دون تعليل أصلا (٤) ، فتدبّر!

واعلم! أيضا أنّه ورد في الغسل من الجنابة : الغسل من الذراع ، ومن نصف

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٤ الحديث ١٧٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٦٢ الحديث ٤٦٣ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣١٥ الحديث ٢٢٢٩ ، ٣١٦ الحديث ٢٢٣١ و ٢٢٣٥.

(٣) الكافي : ٣ / ١١ الحديث ٢ ، الاستبصار : ١ / ٥١ الحديث ١٤٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٨ الحديث ١١١٩.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٧ الباب ٢٧ من أبواب الوضوء.

٤٥٧

الذراع أيضا (١) على ما هو ببالي ، فيحمل على تفاوت مرتبة الاستحباب ..

وورد في البواقي غسل اليد (٢) وقد عرفت حاله ، وأنّ (٣) المراد القدر الذي يدخل في الإناء فيدور معه ، والغالب إلى الزند ، وربّما كان أزيد من الزند إذا أراد غمس (٤) الأزيد فتأمّل جدّا!

وربّما كان دائرا مع مماسّة اليد الأشياء ، كما يظهر من التعليل المذكور في الغسل من النوم ، وبالجملة ؛ لا أقلّ من الزند ، فتدبّر!

قوله : (والمضمضة والاستنشاق).

على ما هو المعروف من المذهب ، بل نقل العلّامة في «النهاية» عليه الإجماع (٥) ، إلّا أنّه نقل عن ابن أبي عقيل أنّه ليس بفرض ولا سنّة (٦).

ولعلّ مراده السنّة النبويّة الواجبة ، إذ القدماء كانوا يطلقون السنّة في مقابل الفرض على ما ثبت من السنّة ، كما أنّ الفرض ثابت من القرآن ، ويظهر هذا من الأخبار أيضا.

وكيف كان ؛ لا تأمّل في استحبابه للأخبار الكثيرة.

منها : الخبر المشهور في بيان وضوء أمير المؤمنين عليه‌السلام (٧) ، ورواية ابن سنان

__________________

(١) الكافي : ٣ / ١٤١ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٢٦٥ و ٢٦٦ الحديث ٢١١٦ و ٢١١٧.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٧ الباب ٢٧ من أبواب الوضوء.

(٣) في (د ٢) : كأن.

(٤) في (ف) : غسل.

(٥) نهاية الإحكام : ١ / ٢٨ و ٢٩.

(٦) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٢٧٨ و ٢٧٩.

(٧) الكافي : ٣ / ٧٠ الحديث ٦ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٦ الحديث ٨٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٥٣ الحديث ١٥٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٠١ الحديث ١٠٤٦.

٤٥٨

عن الصادق عليه‌السلام : «المضمضة والاستنشاق ممّا سنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١) .. إلى غير ذلك من الأخبار.

فما دلّ على نفيه محمول على عدم الوجوب ، مثل رواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «ليس المضمضة والاستنشاق فريضة ولا سنّة ، إنّما عليك أن تغسل ما ظهر» (٢) ، لما عرفت ، ولشهادة قوله عليه‌السلام : «إنّما عليك» .. إلى آخره ، الظاهر في اللزوم والوجوب.

وكذا فعل الشيخ في «الاستبصار» (٣) والشهيد في «الذكرى» (٤) ، وغيرهما في غيرهما.

ويشهد على ذلك أيضا رواية أبي بكر عن الصادق عليه‌السلام قال : «ليس عليك مضمضة ولا استنشاق لأنّهما من الجوف» (٥).

وكذا رواية أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأل عن المضمضة والاستنشاق قال : «ليس هما من الوضوء هما من الجوف» (٦).

والمراد واجبات الوضوء ، لرواية هذا الراوي عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله عن

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٧٩ الحديث ٢٠٣ ، الاستبصار : ١ / ٦٧ الحديث ٢٠٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٣٠ الحديث ١١٢٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٧٨ الحديث ٢٠٢ ، الاستبصار : ١ / ٦٧ الحديث ٢٠١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٣١ الحديث ١١٢٩.

(٣) الاستبصار : ١ / ٦٧ ذيل الحديث ٢٠١.

(٤) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٧٦ و ١٧٧.

(٥) الكافي : ٣ / ٢٤ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٧٨ الحديث ٢٠١ ، الاستبصار : ١ / ١١٧ الحديث ٣٩٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٣٢ الحديث ١١٣٣.

(٦) الكافي : ٣ / ٢٤ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٣٢ الحديث ١١٣٢.

٤٥٩

المضمضة والاستنشاق؟ فقال : «هما من الوضوء فإن نسيتهما فلا تعد» (١).

وكذلك الحال في رواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «المضمضة والاستنشاق ليسا من الوضوء» (٢) ، لأنّه بعينه روى الرواية السابقة عن الباقر عليه‌السلام ، وقد عرفت أنّ ظاهر هما عدم كونهما من واجبات الوضوء.

وبالجملة : لا تأمّل في استحبابه بعد الفتاوى والإجماع المنقول ، بل كون ذلك طريقة الشيعة في الأعصار والأمصار مع كثرة الأخبار ، وورود الدعاء الموظّف لهما في الأخبار (٣) واشتهاره بين الشيعة ، وظهور المراد من الأخبار المعارضة.

ثمّ اعلم! أنّه يستحب تثليث كلّ واحد منهما باتّفاق الأصحاب ، بل ادّعى ابن زهرة الإجماع على ذلك (٤).

ويدلّ عليه ما ورد في «الكافي» فيمن نسي الاستياك أنّه : «يستاك ثمّ يتمضمض ثلاث مرّات» (٥) ، وهي رواية معلّى بن خنيس السابقة (٦).

ويدلّ عليه ما كتب أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى أهل مصر مع محمّد بن أبي بكر ، وهذا مذكور في «نهج البلاغة» ، وصريح في كون كلّ من المضمضة والاستنشاق ثلاث مرّات (٧).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٧٨ الحديث ٢٠٠ ، الاستبصار : ١ / ٦٧ الحديث ٢٠٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٣١ الحديث ١١٢٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٧٨ الحديث ١٩٩ ، الاستبصار : ١ / ٦٦ الحديث ١٩٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٣١ الحديث ١١٢٨.

(٣) مصباح المتهجد : ٨ ، لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٤٠١ الباب ١٦ من أبواب الوضوء.

(٤) غنية النزوع : ٦٠ و ٦١.

(٥) المحاسن : ٢ / ٣٨١ الحديث ٢٣٤٢ ، الكافي : ٣ / ٢٣ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ١٨ الحديث ١٣٥٠.

(٦) راجع! الصفحة : ٤٤٩ من هذا الكتاب.

(٧) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة : ٤ / ١١٩ ، تنبيه : أورد السيّد الرضي رحمه‌الله هذا الكتاب في نهج

٤٦٠