مصابيح الظلام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-0-0
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥٢

وُجُوهَكُمْ) (١) الآية ، لأنّه للفور ، وبالفاء في قوله تعالى (فَاغْسِلُوا) الآية ، لأنّها تفيد التعقيب بلا مهلة ، وفعل الجميع دفعة غير ممكن ، فيحمل على الممكن.

وبقوله عليه‌السلام : «الوضوء لا يبعّض» في موثّقة أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام (٢).

وبقوله عليه‌السلام : «أتبع وضوءك بعضه بعضا» في حسنة الحلبي (٣) ، ويتوقّف حصول البراءة اليقينيّة عليها.

وبالوضوء البياني ، وبما ورد في بعض الأخبار ـ مثل قويّة أبي بصير ، وصحيحة زرارة المتقدّمين (٤) ـ من الأمر بإعادة الجميع إذا نسي ، فقدّم ما يجب تأخيره ، إذ لو لا وجوب المتابعة لكفى فعل ما تقدّم ، ولا يجب إعادة ما أخّره (٥).

ولا يخفى ما في الكلّ ، سوى ما ذكره من أنّ البراءة اليقينيّة تحصل به ، وفيه ؛ أنّ ما دلّ على اعتبار الجفاف يقتضي حصول اليقين بالبراءة للمجتهد.

وأمّا الأمر ؛ فليس للفور ، كما حقّق ، وكذا هذه الفاء.

سلّمنا ؛ لكن لا نسلّم في المقام ، لاقتضائهما وجوب الفوريّة بمجرّد الإرادة للقيام والتهيّؤ له ، ولم يقل به أحد ، مضافا إلى ما فيه من الامتناع.

فظهر فساد دعوى الإجماع على كون هذا الأمر للفور ، كما اتّفق لبعض (٦) ، مضافا إلى ما ستعرف.

__________________

(١) المائدة (٥) : ٦.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٥ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٨٧ الحديث ٢٣٠ ، الاستبصار : ١ / ٧٢ الحديث ٢٢٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٤٦ الحديث ١١٧٦.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٤ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٩٩ الحديث ٢٥٩ ، الاستبصار : ١ / ٧٤ الحديث ٢٢٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٥٢ الحديث ١١٩٤.

(٤) راجع! الصفحة : ٣٣٦ من هذا الكتاب.

(٥) مختلف الشيعة : ١ / ٣٠٠ و ٣٠١.

(٦) منتهى المطلب : ٢ / ١١٦.

٣٤١

سلّمنا الدلالة على الفور ، لكنّها من جهة التعليق على قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) (١) ، ولا شكّ في أنّه إذا قام إلى فعل الصلاة وصارت في شرف التحقّق ، حتّى صدق حينئذ أنّه فعل الصلاة ، فلا بدّ من تحقّق الوضوء تماما قبل الدخول في فعلها ، وليس هذا إلّا بالفور في نفس الوضوء وجميع أجزائه ، فحال الأجزاء حينئذ حال نفس الدخول والمباشرة ، وهذا لا يقتضي الفوريّة مطلقا.

على أنّا نقول : إذا تعذّر الحقيقة فأقرب المجازات متعيّن إجماعا ، وهو الذي اقتضته الأدلّة ، فيلزم من ذلك وجوب الفور الحقيقي لا المتابعة العرفيّة عند استحالة فعل الجميع دفعة.

سلّمنا ؛ لكن أقربية المجاز بملاحظة ما ذكر وسنذكر ليست بأولى من الحمل على ما قاله المحقّقون.

مع أنّ قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً) (٢) عطف على ما هو الظاهر ، وقد مرّ ، ولا شكّ في عدم اعتبار الموالاة في الغسل مطلقا.

وأمّا قوله عليه‌السلام : «فإنّ الوضوء لا يبعّض» تعليل للإعادة في صورة الجفاف الذي جعله العلّامة شرطا للإعادة.

فظهر أنّ المراد من التبعيض كون بعضه جافّا مطلقا ، ويشرع في الإتمام ، كما عليه المعظم.

مع أنّه لو كان كذلك ، لزم أن يكون في حال الاضطرار أيضا يراعى المتابعة العرفيّة ، ولم يقل به المستدلّ ولا غيره ، لما عرفت من الإجماع على أنّ الاضطرار يكون المعتبر فيه الجفاف.

وأمّا قوله عليه‌السلام : «أتبع وضوءك بعضه بعضا» ؛ فالمراد منه الترتيب ، كما لا

__________________

(١) المائدة (٥) : ٦.

(٢) المائدة (٥) : ٦.

٣٤٢

يخفى على المتأمّل في عبارة ذلك الحديث ، مع أنّ الاحتمال كاف.

وأمّا الوضوء البياني ، فالجواب عنه هو الجواب عن توقّف حصول يقين البراءة عليها.

وأمّا الجواب عن الروايات الدالّة على إعادة الجميع عند نسيان الترتيب ، فبعدم الدلالة على كون الإعادة لفوت المتابعة ، إذ لم تفت المتابعة أصلا على ما هو الظاهر من الخبر ، والمذكور منه.

والتقدير في الخبر بحصول الفصل المنافي للمتابعة العرفيّة ، فيه ما فيه.

وتوجيه هذه الروايات على الوجه الوجيه مشترك بين الفقهاء ، فما هو الجواب عن المستدلّ ، فهو الجواب عن الخصم ، فتأمّل جدّا!

ثمّ اعلم أنّ الأدلّة المذكورة لو تمّت لاقتضت عدم تحقّق الامتثال بالإخلال بها ، لا أنّها واجبة والإخلال بها غير مفسد للوضوء ، بل هو صحيح ، والمفسد هو الجفاف ليس إلّا ، كما هو رأيه ، ونسبه الشيخ إلى الشيعة ، كما هو ظاهر «الخلاف» (١) ، وإن خالف هو بنفسه في «الجمل» و «المبسوط» وغيرهما (٢).

وهذا أيضا اعتراض آخر على جميع أدلّته ، ومعلوم أنّه ومن شاركه رجّح ما دلّ على الجفاف على تلك الأدلّة ، وهذا يصير سببا لنهاية قوّة ما دلّ على الجفاف الذي هو مستند المعظم ، لو لم نقل الجميع.

وهو صحيحة معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ربّما توضّأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي ، فقال : «أعده» (٣) ،

__________________

(١) الخلاف : ١ / ٩٣ المسألة ٤١.

(٢) الرسائل العشر (الجمل والعقود) : ١٥٩ ، المبسوط : ١ / ٢٣ ، النهاية للشيخ الطوسي : ١٥ ، الاقتصاد : ٢٤٣.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٥ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٨٧ الحديث ٢٣١ ، الاستبصار : ١ / ٧٢ الحديث ٢٢١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٤٧ الحديث ١١٧٧.

٣٤٣

لأنّ وجوب الإعادة ظاهر في البطلان ، كما هو طريقة فهم العرف ، والفقهاء في الفقه.

وموثّقة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا توضّأت بعض وضوئك فعرضت لك الحاجة حتّى يبس وضوئك فأعد وضوؤك فإنّ الوضوء لا يبعّض» (١) ، وغيرها من الأخبار.

والموثّق حجّة ، كما حقّق في محلّه ، مع الانجبار بفتاوى الأصحاب. ومفهوم الشرط حجّة وعام ، كما حقّق أيضا في محلّه.

والحديث الأوّل أيضا له ظهور في عدم البطلان ما لم يتحقّق الجفاف ، إذ لو كان الإخلال بالمتابعة مضرّا ومفسدا ، لكان عليه‌السلام يقول في الجواب : إنّ مع الإخلال بها بطل وضوئك ، وقع الجفاف أو لم يقع ، فلم تسأل عن الجفاف؟ فقرّره المعصوم عليه‌السلام على اعتقاده في عدم الضرر في عدم المتابعة.

والأخبار الدالّة على عدم وجوب مراعاة المتابعة حال النسيان في غاية الكثرة (٢) ، ومضمونها وفاقي أيضا ، وهي تضرّ بأدلّة القائل بالمتابعة ، فتأمّل!

ثمّ اعلم! أنّ الثابت من الأخبار الدالّة على الجفاف هو المذهب المشهور ، كما لا يخفى ، فابن الجنيد وابن إدريس لا دليل لهما.

وفي «المدارك» : لو كان الهواء رطبا بحيث لو اعتدل لجفّ البلل لم يضرّ ، لوجود البلل حسّا ، وكذا لو أسبغ الوضوء بحيث لو كان معتدلا لجفّ (٣).

وفيه ؛ أنّ الإطلاق ينصرف إلى الفرد الشائع الغالب مع احتمال ما ذكره ، لعدم

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٥ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٨٧ الحديث ٢٣٠ ، الاستبصار : ١ / ٧٢ الحديث ٢٢٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٤٦ الحديث ١١٧٦.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ١ / ٤٥١ و ٤٥٢ الحديث ١١٨٨ و ١١٨٩ و ١١٩٢ ، ٤٦٩ ـ ٤٧١ الحديث ١٢٤٣ و ١٢٤٥ و ١٢٥٠.

(٣) مدارك الأحكام : ١ / ٢٣٠.

٣٤٤

الاستفصال من المعصوم عليه‌السلام ، ولتعليقه عليه‌السلام بالجفاف ، وإلّا والاحتياط واضح ، والله يعلم.

واللازم على مختار صاحب «المدارك» صحّة وضوء من غسل وجهه في وقت ولم يغسل يده ـ مثلا ـ مدّة مديدة ، بل وأيّاما عديدة من جهة شدّة الرطوبة وعدم تحقّق اليبس بالمرّة ، ولعلّه لا يرضى به ، فتأمّل!

وقال رحمه‌الله أيضا : لو والى في وضوئه فاتّفق الجفاف أو التجفيف ، لم يقدح ذلك في صحّة الوضوء ، لأنّ مورد الأخبار الجفاف الحاصل بالتفريق ، كما يدلّ عليه صحيحة معاوية ، وكلام الأصحاب لا ينافي ذلك ، فما ذكر في «الذكرى» (١) من الأخبار الكثيرة بخلافه غير واضح (٢) ، انتهى.

وربّما يلزمه أنّ من غسل وجهه في وقت وجفّفه ، ثمّ غسل يده بعد مدّة مديدة ، وهكذا سائر الأجزاء ، يكون ذلك الوضوء صحيحا ، إلّا أن يقول بالجفاف التقديري.

والشهيد رحمه‌الله فهم مطلق الجفاف (٣). وما ذكره في «المدارك» مدلول الموثّقة ، وأمّا الصحيحة ؛ فربّما كانت دلالتها خفية.

ثمّ قال رحمه‌الله : لو تعذّر بقاء البلل للمسح جاز الاستيناف ، للضرورة ، ونفي الحرج وصدق الامتثال ، واختصاص وجوب المسح بالبلل بحالة الإمكان ، ويحتمل الانتقال إلى التيمم لتعذّر الوضوء (٤) ، انتهى.

والأمر كما قال ، لكن هذا بعد السعي بقدر المقدور في تحصيل البلل ، بأن

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٧٠.

(٢) مدارك الأحكام : ١ / ٢٣٠.

(٣) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٧٠.

(٤) مدارك الأحكام : ١ / ٢٣٠.

٣٤٥

يكثر غاية الإكثار في الماء الذي يصبّ على اليد ، ويسارع غاية المسارعة في غسلها والفراغ منه والاشتغال بالمسح والفراغ منه.

وإن توقّف البقاء على الغسل مرّتين وجب من باب المقدّمة ، وإن توقّف على الكلّ وجب ، وكذا إن توقّف على الدخول في بيت يحفظ الهواء أو الريح الشديدة ، أو في مكان كثير الرطوبة ، إلى غير ذلك ممّا له مدخلية في البقاء.

وقال رحمه‌الله : لو نذر المتابعة في الوضوء الواجب أو الندب إن فعله ، انعقد نذره قطعا ، لما في ذلك من المسارعة إلى فعل الطاعة ، ومتى أخلّ بها أثم ولزمته الكفّارة ، والأظهر صحّة الوضوء ، لأنّ المنذور هنا أمر خارج عن حقيقته ، فلا يكون الإخلال به مؤثرا في صحّته (١) ، انتهى.

أقول : إذا نوى وضوء فلا إشكال ، وإن نوى خصوص ذلك المنذور وفعل غيره ، فإن بدا له ونقل نيّته إلى الغير ، مع عدم تعيين وقت هذا الوضوء للمنذور ، فلعلّه أيضا كذلك ، إلّا أنّه رحمه‌الله لا يرضى بالعدول في الأثناء إلّا فيما ورد النص به ، كما هو ببالي.

أمّا لو نوى ذلك المنذور ، أي الذي نذر ازدياد المتابعة عليه ولم يزدد ، فالفرق بينه وبين ما سيذكر من كون المنذور الوضوء المتتابع من صحّة هذا ، وبطلان ذلك يحتاج إلى التأمّل.

قال : لو كان المنذور هو الوضوء المتتابع ، اتّجه البطلان مع قصد المنذور ، لعدم المطابقة ، ولو نوى غيره أجزأ وكفّر مع تشخيص الزمان (٢) ، انتهى.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ١ / ٢٣٠ و ٢٣١ مع اختلاف يسير.

(٢) مدارك الأحكام : ١ / ٢٣١.

٣٤٦

٥٣ ـ مفتاح

[وجوب المباشرة وطهارة الماء]

تجب المباشرة بالنفس ، وطهارة الماء وإباحته وإطلاقه ، وخلاف الإسكافي في الأوّل (١) شاذّ يدفعه ظاهر (فَاغْسِلُوا) (٢) وآية (وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (٣) ، كما فسّرت في الخبر (٤).

وكذا خلاف الصدوق في الأخير حيث جوّز بماء الورد (٥) ، لضعف الخبر الذي استند إليه ، وظاهر (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) (٦) ، فإنّ الماء حقيقة في المطلق.

ويحتمل قويّا الجواز ، لصدق الماء على ماء الورد ، لأنّ الإضافة فيه ليست إلّا بمجرّد اللفظ ، كماء السماء دون المعنى ، كماء الزعفران والحناء ممّا يخلط

__________________

(١) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٣٠١.

(٢) المائدة (٥) : ٦.

(٣) الكهف (١٨) : ١١٠.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٧ الحديث ٨٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٧٧ الحديث ١٢٦٧.

(٥) الهداية : ٦٥.

(٦) النساء (٤) : ٤٣ والمائدة (٥) : ٦.

٣٤٧

بغيره ، مع تأيّد الخبر بعمل الصدوق وضمانه صحّة ما رواه في «الفقيه» (١) وعدم المعارض الناصّ.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣.

٣٤٨

قوله : (تجب المباشرة بالنفس).

هنا مسائل :

الاولى : المشهور وجوب مباشرة المكلّف جميع أفعال الوضوء ، بل صرّح في «المنتهى» بكون ذلك إجماعيّا (١) ، ويظهر من كلام «المعتبر» أيضا (٢) والسيّد في «الانتصار» جعله ممّا تفرّد به الإماميّة (٣).

والدليل على ذلك بعد الإجماعات ، أنّ المتبادر من لفظ «اغسلوا» و «امسحوا» الوارد في الآية (٤) والأخبار (٥) وما يؤدّي مؤدّاه ، المباشرة بالنفس ، بل حقيقة في ذلك بلا شبهة.

وأمّا ما ذكره المصنّف من ورود النهي عن الشرك المفسّر بالمشاركة في بعض الأخبار ؛ فموقوف على القائل به على الأقوى ، أو عدم الاتّفاق على عدم الحرمة إن صحّ سنده ، وسنده غير صحيح ، بل ضعيف.

وفي «الوافي» جعل هذا من الآداب ، وفعله مكروها (٦) ، كما هو ظاهر غيره من الفقهاء (٧).

وفي الخبر الآخر : «لا احبّ أن اشرك في صلاتي أحدا» (٨).

__________________

(١) منتهى المطلب : ٢ / ١٣٢.

(٢) المعتبر : ١ / ١٦٢.

(٣) الانتصار : ٢٩.

(٤) المائدة (٥) : ٦.

(٥) راجع! وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٧ الباب ١٥ من أبواب الوضوء.

(٦) الوافي : ٦ / ٣٣٠.

(٧) لاحظ! مدارك الأحكام : ١ / ٢٥١.

(٨) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٧ الحديث ٨٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٥٤ الحديث ١٠٥٧ ، وسائل الشيعة :

٣٤٩

وسيذكر المصنّف أنّ ترك الاستعانة مستحبّ.

وفي «المختلف» : قال ابن الجنيد : يستحبّ أن لا يشرك الإنسان في وضوئه غيره ، بأن يوضّأه أو يعينه عليه (١) ، انتهى.

لا يخفى عدم وجدان دليل على كلامه إلّا أصل العدم والبراءة ، لو قلنا بجريانهما في ماهيّة العبادة ، مع أنّهما معارضان بما هو أقوى منهما ، مضافا إلى الأدلّة التي ذكرت.

وأمّا صحيحة أبي عبيدة الحذّاء قال : وضّأت أبا جعفر عليه‌السلام بجمع وقد بال فناولته ماء فاستنجى ثمّ صببت عليه كفّا من ماء فغسل وجهه وكفّا غسل به ذراعه الأيمن ، وكفّا غسل به ذراعه الأيسر (٢) ، الحديث ؛ فصريحة في أنّ المعصوم عليه‌السلام باشر الغسل والمسح بنفسه المقدّسة.

نعم ؛ يظهر منه عدم كراهة الاستعانة ، وسيجي‌ء الكلام فيها ، ولعلّ ابن الجنيد جعل الوضوء من قبيل غير العبادات ، مثل غسل الثوب والجسد ، وأمثال ذلك ، فلذا لم يشترط له النيّة ، كما سيجي‌ء.

الثانية : هل يحرم ذلك على الغاسل والماسح أيضا أم لا؟ الأظهر الأوّل ، لأنّه إعانة في الإثم.

الثالثة : إنّ هذا التحريم والبطلان إذا كانت التولية أو المشاركة في نفس الفعل (٣) على سبيل الاختيار ، وأمّا الاضطرار ؛ فجوّزهما الأصحاب ، بل اتّفقوا

__________________

١ / ٤٧٧ الحديث ١٢٦٧.

(١) مختلف الشيعة : ١ / ٣٠١.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٥٨ الحديث ١٦٢ ، الاستبصار : ١ / ٦٩ الحديث ٢٠٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٩١ الحديث ١٠٢٧ مع اختلاف يسير.

(٣) في (ف) و (ز ١) : الغسل.

٣٥٠

على الجواز ، كما قال في «المعتبر» (١).

ويمكن الاستدلال بالعمومات الدالّة على وجوب الصلاة وكونها مفروضة لا تسقط في وقت ولا حال من الأحوال ، والحسن الذاتي والفضائل والامور المهمّة ، وأنّها ليست بصحيحة بغير الوضوء ، وأنّ «الميسور لا يسقط بالمعسور» (٢) ، و «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٣) ، و «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» (٤) ، وغير ذلك ، كما إذا لم يكن يد يغسل ، أو رجل يمسح ، أو بعضهما. إلى غير ذلك من أمثال ما ذكر ، وورد في التيمم : «ألا يمّموه؟» (٥) ، ولا قائل بالفصل.

ثمّ الواجب المباشرة ، وبعد العجز المشاركة ، وبعد العجز التولية ، وكذا الواجب مباشرة الجميع ، وبعد العجز البعض الأقرب إلى الحقيقة فالأقرب فيها وفي الأوّلين ، ووجهه ظاهر من الأدلّة ، ويستحب إعانته لعموم الآية (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) (٦).

وربّما يقال بالوجوب ، لصيغة الأمر ، إلّا ما أخرجه الدليل ، وفيه تأمّل ظاهر ، وهو أنّ نفس البرّ لم يكن واجبا إجماعا ، فعدم وجوب المعاونة بطريق أولى ، وإلّا لزم مزيّة الفرع على أصله فافهم ، ولعلّه أحوط.

ولو توقّف على اجرة وجبت ولو زادت عن اجرة المثل مع القدرة ، إلّا مع

__________________

(١) المعتبر : ١ / ١٦٢.

(٢) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥ مع اختلاف يسير.

(٣) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٧ مع اختلاف يسير.

(٤) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٦ مع اختلاف يسير.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٤٦ الحديث ٣٨٢٤.

(٦) المائدة (٥) : ٢.

٣٥١

الإجحاف.

والظاهر الوجوب على العبد والأمة والولد والأجير ، إذا أمره المولى أو الأب أو المستأجر ، إذا كانت الإجارة لخصوص هذا الفعل ، أو مطلقا ، فتأمّل جدّا!

ولو أمكن الغسل بنحو يتحقّق المباشرة وجب وتعيّن ، مثل غمس العضو في الماء إن تحقّق مع ذلك كون المسح ببلّة الوضوء مهما أمكن.

وإن أمكن التيمم مباشرة يجمع بينهما ، لتوقّف البراءة اليقينيّة عليهما ، مع احتمال كون ذلك مثل عدم التمكّن من المسح ببقيّة البلل وقد مرّ.

وكيف كان ؛ لا بدّ أن تتحقّق النيّة منه ، لعدم عجزه عنها ، ولكونه عابدا لله مصلّيا ومتوضّئا والوضوء وضوؤه لا وضوء المباشر ، والعبادة والوضوء مطلوبان منه ، ولذا يولّى من باب المقدّمة ، ويتوجّه إليه الامتثال ، وهو الممتثل لا المباشر ، فلا وجه لما قيل : من أنّ النيّة تتعلّق بالمباشر ، لأنّه الفاعل [للوضوء] حقيقة ، ولو نويا كان أحوط (١).

قوله : (وطهارة الماء وإطلاقه). إلى آخره.

أمّا الطهارة (٢) ، فيدلّ عليها ـ مضافا إلى البداهة من الدين ـ توقيفيّة العبادة ، ومقتضى شغل الذمّة اليقيني ، وكون العبادة اسما للصحيحة لا الأعم.

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن الحمامة والدجاجة وأشباههن تطأ العذرة ثمّ تدخل في الماء يتوضّأ منه للصلاة؟ قال : «لا ، إلّا أن يكون الماء كثيرا قدر كرّ من ماء» (٣). إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة غاية

__________________

(١) مدارك الأحكام : ١ / ٢٤٠.

(٢) في (ك) : أمّا وجوب طهارة الماء.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٤١٩ الحديث ١٣٢٦ ، الاستبصار : ١ / ٢١ الحديث ٤٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ١٥٩

٣٥٢

الكثرة ، مثل قولهم عليهم‌السلام : «إذا تغيّر الماء فلا تتوضّأ ولا تشرب» ، وأمثال ذلك (١).

وجه دلالتها ـ على القول بثبوت الحقيقة الشرعيّة في الوضوء ـ واضح ، وعلى القول بعدم الثبوت ، ففي المقام قرينة واضحة على عدم إرادة المعنى اللغوي ، وهي سؤال الراوي ، فمعها أقرب المجازات إلى الفهم متعيّن ، وهو المعنى المستعمل في عرف المتشرّعة.

وقوله : وإطلاقه ، المعروف بين الأصحاب اشتراط كون الوضوء بالماء المطلق ، وهو الذي يتبادر من لفظ «الماء» الخالي عن القرينة ، أو يصحّ إطلاق اللفظ الخالي عنها عليه ، ويقابله المضاف.

والمراد المطلق العرفي ، فلو كان ممزوجا بما لا يسلب الإطلاق ويصحّ إطلاق الماء الخالي عن القرينة عليه ولا يصحّ سلب اللفظ عنه عرفا ، يصحّ الوضوء عنه من غير توقّف على عدم وجدان المطلق الحقيقي.

فلو لم يوجد ما يكفي للطهارة ، وأمكن المزج بما لا يسلبه الإطلاق وجب من باب المقدّمة.

ونقل عن الشيخ عدم الوجوب ، وأنّه إن فعل وجب الوضوء وإلّا فلا ، متمسّكا بقوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً) الآية (٢) (٣).

وفيه ؛ أنّه واجد يقينا ، غاية ما في الباب أنّه غير متمكّن من استعماله قبل المزج ومتمكّن بعده ، وهو متمكّن من المزج ، فهو متمكّن من الطهارة ، مع أنّهم فسّروها بلم يتمكّنوا ، كما سيجي‌ء.

__________________

الحديث ٣٩٤ مع اختلاف يسير.

(١) راجع! وسائل الشيعة : ١ / ١٣٧ الباب ٣ من أبواب الماء المطلق.

(٢) المائدة (٥) : ٦.

(٣) نقل عنه في الحدائق الناضرة : ٤ / ٢٦٣ ، لاحظ! الخلاف : ١ / ٥٧ و ٥٨ المسألة ٧.

٣٥٣

مع أنّه قطع النظر عنه (١) أيضا لا يتوجّه ما ذكره ، فتأمّل!

وكذا في تحصيل الماء للغسل والطهارة من الخبث ، والدليل على اشتراط المطلق ـ مضافا إلى الإجماع الذي ادّعاه المحقّق في «الشرائع» ، والعلّامة في «النهاية» ، وابن زهرة في «الغنية» والشهيدان في «الذكرى» و «الروضة» (٢) ، وربّما يظهر من الشيخ في «التهذيب» (٣) أيضا ، كما ستعرف ـ القاعدة الشرعيّة في العبادات التوقيفيّة.

ويدلّ أيضا قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) (٤) ، حيث علّق وجوب التيمم على فقد الماء.

وهو حقيقة في المطلق لأنّه المتبادر ، ولعدم صحّة السلب ، بخلاف المضاف ، ومفهوم الحصر في مضمرة أبي بصير ، لما سأله عن الوضوء باللبن؟ قال : «لا ، إنّما هو الماء والصعيد» (٥) ، وهو من أقوى المفاهيم ، بل ربّما كان أقوى من كثير من المنطوقات.

والرواية وإن كانت مضمرة ، إلّا أنّها منجبرة بعمل الأصحاب وظاهر القرآن وغيره.

مع أنّ إضمار مثل أبي بصير لعلّه لا يضرّ ، لاشتراكه بين ثقات أجلّة.

__________________

(١) في (ك) : عن التفسير.

(٢) شرائع الإسلام : ١ / ١٢ ، نهاية الإحكام : ١ / ٢٢٥ ، غنية النزوع : ٥٠ ، ذكرى الشيعة : ١ / ٧١ ، الروضة البهيّة : ١ / ٣٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٢١٨ ذيل الحديث ٦٢٦.

(٤) المائدة (٥) : ٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ١٨٨ الحديث ٥٤٠ ، الاستبصار : ١ / ١٤ الحديث ٢٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٠٢ الحديث ٥٢٠ مع اختلاف.

٣٥٤

والقول بأنّ يحيى بن القاسم موثوق ، توهّم صدر من بعض ، كما حقّقنا في الرجال (١).

وأيضا عمل المسلمين في الأعصار والأمصار ، وامتناعهم عن الوضوء بغير ماء المطلق ، وأنّ بعد انعدامه يتيمّمون ، توضح صحّة الإجماعات التي ادّعوها.

وكذلك الحال في الأخبار الدالّة على أنّ بعد انعدام الماء يتيمّمون (٢) ، تصرح بصحّة مذهب الأصحاب.

وقوله : (وكذا خلاف الصدوق) ، إشارة إلى ما قاله في «الفقيه» : لا بأس بالوضوء والغسل والاستنجاء بماء الورد (٣) مستندا برواية محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن أبي الحسن عليه‌السلام في الرجل يغتسل بماء الورد ويتوضّأ به للصلاة؟ قال : «لا بأس بذلك» (٤).

وهي شاذّة شديد الشذوذ ، كما صرّح به الشيخ في «التهذيب» و «الاستبصار» ، بل قال : أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهرها ، وما يكون هذا حكمه لا يعمل به (٥) ، انتهى.

فإذا لم تكن حجّة ، فكيف تعارض الحجج الكثيرة الواضحة؟ مع أنّه وشيخه قالا : روايات يونس التي رواها محمّد بن عيسى عنه لا يجوز العمل بها (٦).

__________________

(١) تعليقات على منهج المقال : ٣٧١.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٣٤١ الباب ١ ، ٣٤٢ الباب ٢ و ٣ من أبواب التيمّم.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦ ذيل الحديث ٣ ، وفيه : والاستياك بماء الورد.

(٤) الكافي : ٣ / ٧٣ الحديث ١٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢١٨ الحديث ٦٢٧ ، الاستبصار : ١ / ١٤ الحديث ٢٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٠٤ الحديث ٥٢٣.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٢١٩ ذيل الحديث ٦٢٧ ، الاستبصار : ١ / ١٤ ذيل الحديث ٢٧.

(٦) رجال النجاشي : ٣٣٣ الرقم ٨٩٦ ، المعتبر : ١ / ٨١ ، ذكرى الشيعة : ١ / ٧١ و ٧٢.

٣٥٥

واحتمل أن يكون المراد بالوضوء ؛ التحسين والتنظيف ، أو يكون المراد بماء الورد ؛ الماء الذي وقع فيه الورد ، لا أن يكون معتصرا منه ، أو يكون المراد ماء النوبة ، ويكون الورد بكسر الواو ، وهو المنتاب (١) الذي ورد النهي عن منعه (٢).

ويمكن أن يقال : لعلّه ظهر على الشيخ أنّ الصدوق أيضا لا يقول بها بسبب القرائن ، لقرب عهده بزمانه ، كما يشهد به حكمه بالشذوذ وشدّة الشذوذ ، وإجماع العصابة على ترك العمل بظاهره ، لأنّه رحمه‌الله في غاية الاطّلاع ب «من لا يحضره الفقيه» ، كما لا يخفى.

وقول المصنّف : (ويحتمل قويّا) لا يخفى ما فيه من التدافع ، لأنّه ادّعى أنّ الماء حقيقة في المطلق ، وهو ظاهر في انحصاره في المطلق ، وإلّا فلا فائدة في الاستدلال.

مع أنّ قوله : (لصدق الماء عليه) ، إن أراد بعنوان الحقيقة ، فلا شكّ في فساده لما عرفت ، مع أنّه يصحّ سلب إطلاق الماء المطلق عنه عرفا بالبديهة ، وهو علامة المجاز بلا شبهة.

مع أنّ صدقه على خصوص ماء الورد دون سائر المياه المضافة المصعدة ، فيه ما فيه ، لأنّ ما ذكر من العلّة جارية في المصعدات الاخر والمعتصرات ، فيلزمه تجويز الطهارة عن الحدث والخبث بالكلّ ، لا خصوص طهارة الحدث بخصوص ماء الورد.

وإن أراد الصدق مجازا ؛ فهو حقّ ، لأمارات المجاز فيه دون الحقيقة ، إلّا أنّه لا ينفعه بل يضرّه ، لاتّفاقه مع الكلّ على عدم جواز الحمل على المجاز ما لم تكن قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي ومعيّنة للمجازي.

__________________

(١) تاج العروس : ٩ / ٢٩٠.

(٢) الكافي : ٢ / ٢٩٢ الحديث ١١ ، المقنع : ٨ ، بحار الأنوار : ٦٩ / ١١٢ الحديث ١١.

٣٥٦

ومع عدم ذلك يجب الحمل على الحقيقي خاصة (١) مع أنّه إن أراد الحقيقي دون المجازي ، فإن أراد الاشتراك اللفظي لزم الإجمال في لفظ «الماء» ، وعدم جواز حمله على معنى ما لم تكن قرينة معيّنة ، ولا يخفى فساده.

وإن أراد المعنوي ؛ وكون ماء الورد مثل ماء المطر ، كما هو ظاهر عبارته ، فلازمه عدم التفاوت أصلا بينه وبين ماء المطر ، وماء البئر والنهر.

فمع أنّه مخالف للبديهة ، نقول : القدر المشترك بين الماء المطلق وخصوص ماء الورد دون غيره ما ذا؟ إذ لا يتصوّر ذلك ممّا ذكره ، بل الذي يظهر من قوله : «ممّا يختلط بغيره» أنّ الفارق هو الخلط بالغير ، حيث جعل ماء الزعفران إضافة معنويّة ، لأنّه خلط بغيره ، بخلاف ماء الورد ، ففيه ؛ أنّه يلزم أنّ كلّ مصعد يكون حكمه حكم ماء الورد والماء الحقيقي ، ولم يقل به أحد.

مع أنّ جعل الفرق بالخلط والتصعيد خلط آخر لا خفاء فيه بالنسبة إلى القواعد.

وقوله : (مع تأيّد الخبر بعمل الصدوق) فيه ما عرفت من كلام الشيخ ، وظهوره في أنّ الصدوق أيضا لم يعمل به ، مع أنّ هذا القدر كيف يكفي للتقاوم؟ كيف؟ وهو كثيرا ما يطرح ما عمل به الصدوق بأدنى مرجّح له.

ثمّ إنّ الظاهر من كلامه أنّ المخالف في اشتراط الإطلاق هو الصدوق خاصّة ، لكن الشهيد في «الذكرى» نبّه على أنّ ابن أبي عقيل جوّز الطهارة من الحدث والخبث ، بغير الماء من المائعات عند الضرورة (٢).

والمحقّق في «المعتبر» ادّعى اتّفاق الناس جميعا على أنّه لا يجوز الوضوء بغير

__________________

(١) في (ك) : على الحقيقي أيضا منه ، وإن أراد.

(٢) ذكرى الشيعة : ١ / ٧٢.

٣٥٧

ماء الورد من المائعات (١) ، فيظهر المخالفة بين الكلامين ، ولا ضير في ذلك ، إذ قد عرفت الحال بالنظر إلى الأدلّة ، وأنّ المتعيّن (٢) شرعا ما عليه المعظم ، ولا إشكال في ذلك أصلا ، ولا محيص عنه مطلقا.

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٨٢.

(٢) في (ك) : فإنّ المعتبر.

٣٥٨

٥٤ ـ مفتاح

[اشتراط النيّة في الوضوء]

يشترط فيه النيّة مقارنة لأوّل فعل منه على المشهور ، بمعنى إخطاره مع مميّزاته بالبال تقرّبا إلى الله تعالى.

ولم يصل إلينا من قدمائنا في ذلك نصّ لا فيه ولا في سائر العبادات ، إلّا ما نقل من ظاهر الإسكافي من استحبابها في الطهارات (١) ، وليس في الكتاب والسنّة إلّا ما يدلّ على اعتبار القصد الباعث ، والهمّة اللازمة الاقتران من المختار دون المخطر بالباطل ، المنطبق عليهما تارة والمتخلّف عنهما اخرى ، كقوله سبحانه (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (٢) ، وقوله عزوجل (إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) (٣) ، وحديث : «إنّما الأعمال بالنيّات ، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى» (٤) ، وغير ذلك.

ومن هنا قيل : لو كلّفنا بإيقاع الفعل من دون نيّة لكان تكليفا بما لا

__________________

(١) نقل عنه الشهيد في ذكرى الشيعة : ٢ / ١٠٥.

(٢) الأعراف (٧) : ٢٩.

(٣) البقرة (٢) : ٢٧٢.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٤٨ الحديث ٨٩ و ٩٢ مع اختلاف يسير.

٣٥٩

يطاق (١) ، فالمكلّف به إنّما هو الخصوصيّة ، وهي الإخلاص دون أصل النيّة ، لعدم القدرة على تركها.

واختلفوا في كيفيّتها في كلّ واحد واحد من العبادات على أقوال شتّى ، أقربها الاكتفاء في الكلّ بقصد الفعل المعيّن لله ، فإن كان متعيّنا في الواقع فذاك ، وإن لم يكن معلوما له وكان له طريق إلى العلم (٢) ، وإلّا فلا بدّ من التعيين حتّى يتميّز ، فإن لم يكن عليه فائتة فليس عليه تعيين الأداء أو القضاء مثلا فيما ينقسم إليهما لتعيّنه ، بخلاف ما لو كان عليه الفائت ، فإنّ عليه التعيين حينئذ.

وكذا القول في الوجوب والندب وسائر القيود في سائر العبادات ، فخذ هذا ودع الفضول واسكت عمّا سكت الله عنه.

ومعنى قولنا : «لله» إمّا لكونه أهلا لذلك ، أو للحياء منه والمهابة ، أو للشكر له والتعظيم ، أو لامتثال أمره وموافقة إرادته ، أو للقرب منه والهرب من البعد عنه ، أو لنيل الثواب عنده ، أو الخلاص من عقابه ، على خلاف في صحّة الأخيرين من غير المتدبّر.

ويبطله النصوص ، وأنّ بعض الناس ليس درجتهم أعلى منه ، وليس في

__________________

(١) مدارك الأحكام : ١ / ١٨٥.

(٢) إذا لم يعلم وجوب غسل الجمعة ـ مثلا ـ أو استحبابه ، ولم يتيسّر له العلم به ، لتعارض الأدلّة أو المفتين ، فإنّه سقط عنه تعيين أحدهما ، لاستحالة تكليف ما لا يطاق. وكذا إذا أمكنه الاستعلام ، للأصل وعدم دليل شرعي ولا عقلي على تكليفه بذلك إذا كان عالما بأنّه عبادة صالحة ، لأن يتقرّب بها إلى الله ، ونوى به ذلك ، فإنّه كما لم يكلّف حينئذ باستعلام مقدار ثوابه حتّى يكون فعله صحيحا ، كذلك لا يكلّف بأن يعلم هل يعقب على تركه أم لا؟

وأمّا إذا كان عالما بأحدهما فلا فائدة في استشعاره حينئذ إذا كان مميّزا عن غيره ، مع أنّه لا دليل عليه. «منه رحمه‌الله».

٣٦٠