مصابيح الظلام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-0-0
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥٢

١

٢

٣
٤

٣٥ ـ مفتاح

[صلاة الاستسقاء]

يستحبّ صلاة الاستسقاء عند عوز الأنهار (١) وفتور الأمطار ، للإجماع والتأسّي والنصوص (٢).

وخطبتاها كخطبتي العيدين بعد الصلاة على المشهور ، بل الإجماع للتسوية بينها وبين صلاة العيدين في النصوص (٣) ، وللنصّ الخاصّ به (٤) ، لكن في الموثّق : «أنّ الخطبة فيه قبل الصلاة» (٥) ، وهو شاذّ.

__________________

(١) كذا ، والظاهر الصحيح : غور الأنهار.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ٨ / ٥ الباب ١ من أبواب صلاة الاستسقاء.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٨ / ٥ الباب ١ من أبواب صلاة الاستسقاء.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٥ الحديث ٩٩٨٨.

(٥) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٥٠ الحديث ٣٢٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١١ الحديث ١٠٠٠٤.

٥
٦

قوله : (يستحبّ صلاة الاستسقاء).

الاستسقاء : طلب السقي من الله تعالى عند الحاجة ، ويكون بالدعاء ، كما ورد في «الصحيفة السجاديّة» وغيرها (١).

بل لا تأمّل في جواز الدعاء بأيّ نحو كان عند الحاجة ، للعمومات ، ويكون بالصلاة أيضا أي بالصلاة الموظّفة له ، وإلّا فالصلاة لطلب الحاجة بعدها ، أو لحصول القرب لأن تقضى الحاجة بعدها أمر على حدة.

والصلاة عبادة توقيفيّة لا بدّ من ثبوتها من الشرع بحسب الكيفيّة والماهيّة ، وكونها مطلوبة لأمر كذا.

أمّا المطلوبيّة ؛ فبعنوان الاستحباب مجمع عليها بين الأصحاب.

بل في «المنتهى» : إنّه إجماع من أهل العلم سوى أبي حنيفة ، فإنّه قال : لا تسنّ لها الصلاة بل الدعاء (٢).

ويدلّ عليه بعد الإجماع فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) ، وغيرها من الأئمّة عليهم‌السلام ، مثل عليّ والرضا عليهما‌السلام (٤) ، بل الحسنين عليهما‌السلام أيضا على الظاهر (٥) ، ولعلّ غيرهم أيضا فعل ، لكن الآن ليس ببالي.

__________________

(١) راجع! الصحيفة السجاديّة الجامعة : ١٠٧ و ١٠٨ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٣٥ ـ ٣٤٠.

(٢) منتهى المطلب : ٦ / ١١٣ ، لاحظ! شرح فتح القدير : ٢ / ٩١.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٦٢ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٣٨ الحديث ١٥٠٥ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٤٩ الحديث ٣٢٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥ الحديث ٩٩٨٨ ، ٧ الحديث ٩٩٩٣ و ٩٩٩٥.

(٤) بحار الأنوار : ٨٨ / ٢٩٣ ـ ٢٩٥ و ٣١١ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ١٧٩ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٨ الحديث ٩٩٩٧.

(٥) لم نعثر عليه في مظانّه.

٧

وأمّا الأخبار ؛ ففي غاية الكثرة ، منها كالصحيح ، عن هشام بن الحكم ، عن الصادق عليه‌السلام : «صلاة الاستسقاء مثل صلاة العيدين يقرأ ويكبّر فيها كما يقرأ ويكبّر فيها ، يخرج الإمام فيبرز إلى مكان نظيف في سكينة ووقار وخشوع ومسألة ، ويبرز معه الناس ، فيحمد الله ويمجّده ويثني عليه ويجتهد في الدعاء ويكثر من التسبيح والتكبير والتهليل ، ويصلّي مثل صلاة العيدين ركعتين في دعاء ومسألة واجتهاد ، فإذا سلّم الإمام قلّب ثوبه وجعل [الجانب] الذي على المنكب الأيمن على الأيسر والذي على الأيسر على الأيمن فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صنع كذلك» (١) .. إلى غير ذلك من الأخبار (٢).

وما قال المصنّف : (عند عوز الأنهار وفتور الأمطار) ، موافق لما ذكره بعض الفقهاء (٣).

وقال بعض آخر : يصلّي عند الجدب ، وبعض آخر قال : عند فتور الأمطار وجفاف الآبار (٤) ، وبعض آخر قال : إذا أجدبت البلاد وقلّت الأمطار (٥).

وفي «مصباح المتهجّد» : إذا أجدبت البلاد وقلّت الأمطار وقحط الزمان ، يستحبّ أن يلتجئ الناس إلى الله تعالى ويستسقوا الغيث (٦).

وبعض آخر قال : الاستسقاء طلب السقيا من الله عند الحاجة إليها (٧).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٦٣ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٤٩ الحديث ٣٢٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥ الحديث ٩٩٨٨ مع اختلاف يسير.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٥ الباب ١ من أبواب صلاة الاستسقاء.

(٣) شرائع الإسلام : ١ / ١٠٨.

(٤) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٩٧.

(٥) النهاية للشيخ الطوسي : ١٣٨.

(٦) مصباح المتهجّد : ٥٢٦.

(٧) مسالك الأفهام : ١ / ٢٧٢ ، روض الجنان : ٣٢٤ ، ذخيرة المعاد : ٣٤٦.

٨

ورأينا بعض العلماء أنّه كان يتأمّل في جواز هذه الصلاة بمجرّد الحاجة إلى السقيا ، ويقول : الشرط هو جفاف الآبار والأنهار وفتور الأمطار.

وربّما كان الظاهر من إطلاقات الأخبار أنّ الاحتياج إلى السقيا كاف.

نعم ؛ في مرفوعة محمّد ، عن الصادق عليه‌السلام المرويّة في «الكافي» أنّه سأله عن تحويل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردائه إذا استسقى؟ فقال : «علامة بينه وبين أصحابه يحوّل الجدب خصبا» (١).

وفي «الفقيه» : أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا استسقى قال : «اللهمّ اسق عبادك وبهائمك ، وانشر رحمتك ، أحي بلادك الميتة» يردّدها ثلاث مرّات (٢).

وقنوت هذه الصلاة كما في «المصباح» : «اللهمّ قد انضاحت جبالنا واغبرّت أرضنا وهامت دوابّنا [وقنط اناس منّا أو من قنط منهم الناس وتاهت البهائم] وتحيّرت في مراتعها [وعجّت] عجيج الثكلى على أولادها» ، وأمثال ذلك في الخطب ، بل وأشدّ مثل : «فدقّ [لذلك] عظمها وذهب لحمها وذاب شحمها وانقطع درّها» ، بل وأشدّ أيضا من هذا مثل : «اللهمّ خرجنا إليك حين فاجأتنا المضايق الوعرة وألجأتنا المحابس العسرة وعضّتنا علائق الشين فتأثّلت علينا لواحق المين واعتكرت علينا حدابير السنين» (٣). إلى غير ذلك من أمثال ما ذكر من الشدائد.

فلعلّه بملاحظة هذه الامور وتتبّع تضاعيفها ، يظهر عدم كفاية مجرّد الحاجة ، بل لا بدّ من تحقّق العوز والفتور ، ومن ذلك يتحقّق الجدب.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٦٣ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٩ الحديث ٩٩٩٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٣٥ الحديث ١٥٠٣.

(٣) مصباح المتهجّد : ٥٢٨ ـ ٥٣٠ مع اختلاف يسير.

٩

وربّما يؤيّده طريقة المسلمين في الأعصار والأمصار من أنّهم بمجرّد الحاجة لا يخرجون إلى البريّة ، ولا يصلّون هذه الصلاة جماعة.

ويمكن الفرق بين إيقاعها جماعة وفرادى بأنّ مجرّد الحاجة تكون كافيا في الفرادى خاصّة.

وعن العلّامة في «المنتهى» أنّه قال : وتصلّى هذه الصلاة جماعة وفرادى وهو قول أهل العلم (١).

قلت : ولعلّ الأخبار الدالّة على أنّها مثل صلاة العيد يؤيّد ذلك وسنذكرها ، فلاحظ وتأمّل!

وكيف كان ؛ لا يبعد الاكتفاء بمجرّد الحاجة ، وعدم الحاجة إلى أزيد منها للجماعة أيضا للإطلاقات ، وعدم معلوميّة الاشتراط بما ذكر ممّا زاد عن قدر الحاجة ، وعدم ثبوت المنع في صورة تحقّق مجرّد الحاجة ، سيّما والمقام ؛ مقام الاستحباب.

قوله : (وخطبتاها).

أقول : لم يتعرّض لكيفيّتها ، وكيفيّتها كيفيّة صلاة العيدين. نعم ، في قنوتها يطلب المطر والرحمة ، كما هو المناسب.

ويدلّ على اتّحادهما في الكيفيّة الحسن ـ كالصحيح ـ المذكور ، وفي «الكافي» في رواية ابن المغيرة قال : «يكبّر في صلاة الاستسقاء كما يكبّر في العيدين ، في الاولى سبعا ، وفي الثانية خمسا ، ويصلّي قبل الخطبة ويجهر بالقراءة ويستسقى وهو قاعد» (٢).

__________________

(١) منتهى المطلب : ٦ / ١٢٣.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٦٣ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٦ الحديث ٩٩٩٠ مع اختلاف يسير.

١٠

ورواية طلحة بن زيد ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى الاستسقاء ركعتين ، وبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، وكبّر سبعا وخمسا وجهر بالقراءة» (١).

وفي «دعائم الإسلام» : روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «لا يكون الاستسقاء إلّا في براز من الأرض ، يخرج الإمام في سكينة ووقار وخشوع ومسألة ، ويخرج معه الناس فيستسقي لهم ، قال ـ يعني الصادق عليه‌السلام ـ : «وصلاة الاستسقاء كصلاة العيدين يصلّي الإمام ركعتين يكبّر فيهما كما يكبّر في صلاة العيدين ، ثمّ يرقى المنبر [فإذا استوى عليه] ، وجلس جلسة خفيفة ، ثمّ قام فحوّل رداءه فجعل ما على عاتقه الأيمن على الأيسر ، وما على الأيسر على الأيمن ، كذلك فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام ، وهي من السنّة ، ثمّ يكبّر الله رافعا صوته». إلى أن قال : «ويخطب ويعظ الناس» (٢).

وفي «قرب الإسناد» بسنده ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه عن علي عليهم‌السلام ، قال : «كان يكبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العيدين والاستسقاء في الاولى سبعا ، وفي الثانية خمسا ، ويصلّي قبل الخطبة ويجهر بالقراءة» (٣).

وفي «المدارك» بعد ذكر رواية هشام المذكورة ، قال : ويستفاد من هذه الرواية أنّ هذه الصلاة مثل صلاة العيد كيفيّة ووقتا وخطبة (٤) ، انتهى.

ونقل عن «الذكرى» : أنّ وقتها وقت صلاة العيد (٥).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٥٠ الحديث ٣٢٦ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١١ الحديث ١٠٠٠٣.

(٢) دعائم الإسلام : ١ / ٢٠٢ و ٢٠٣ ، مستدرك الوسائل : ٦ / ١٨١ الحديث ٦٧١٨ مع اختلاف يسير.

(٣) قرب الإسناد : ١١٤ الحديث ٣٩٦ ، الكافي : ٣ / ٤٦٣ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٧ الحديث ٩٩٩٥.

(٤) مدارك الأحكام : ٤ / ١٩٣.

(٥) نقل عنه في الحدائق الناضرة : ١٠ / ٤٨٤ ، لاحظ! ذكرى الشيعة : ٤ / ٢٥٣.

١١

ونقل عن ابن أبي عقيل التصريح بكون الخروج في صدر النهار ، وعن أبي الصلاح : عند انبساط الشمس ، وعن ابن الجنيد بعد صلاة الفجر (١).

قال : والشيخان لم يعيّنا وقتا ، إلّا أنّهما حكما بمساواتها لصلاة العيد (٢).

وصرّح الفاضلان بأنّه لا يتعيّن لها وقت ، بل العلّامة ادّعى الإجماع في «النهاية» و «التذكرة» على عدم الوقت لها ـ على ما نقل عنه ـ ثمّ قال : الأقرب عندي إيقاعها بعد الزوال ؛ لأنّ ما بعد العصر أشرف (٣) ، انتهى.

لا يخفى أنّ الأحوط مراعاة وقت صلاة العيد فيها ، وكذلك الحال في الخطبتين ، لما مرّ في صلاة العيدين ، مع ما ذكر هنا من الأخبار.

ولا بدّ أن تكونا بعد الصلاة ، لما مرّ من الأخبار المتضمّنة لذكر الخطبة ، وأنّها مؤخّرة عن الصلاة ، وأنّها مثل العيدين ، ولذا تكون الخطبة المذكورة في هذه الأخبار خطبتين كصلاة العيدين ، وإن كان المذكور فيها ليس إلّا بلفظ الخطبة.

وما في موثّقة إسحاق من كون الخطبة قبل الصلاة (٤) ، مرّ الكلام في العيدين أنّه من بدع مبدع ، وأنّه تقيّة أو توهّم.

قال خالي رحمه‌الله : ظاهر الأصحاب أنّ الخطبة هنا كالعيدين خطبتان ، وظاهر الأخبار الاكتفاء بخطبة واحدة ، وتنبّه لذلك في «الذكرى» ـ وإن كان عدل تبعا للمشهور ـ حيث قال : الظاهر أنّ الخطبة الواحدة غير كافية ، بل يخطب اثنتين تسوية بينها وبين صلاة العيد (٥) ، انتهى.

__________________

(١) نقل عنهم العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٣٤٠ ، لاحظ! الكافي في الفقه : ١٦٢.

(٢) نقل عنهما في مختلف الشيعة : ٢ / ٣٤٠.

(٣) المعتبر : ٢ / ٣٦٤ ، نهاية الإحكام : ٢ / ١٠٤ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ٢١٢ المسألة ٥١٥.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٥٠ الحديث ٣٢٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١١ الحديث ١٠٠٠٤.

(٥) ذكرى الشيعة : ٤ / ٢٥٩.

١٢

ثمّ اعترض بأنّ التسوية والتشبيه في الصلاة لا يستلزم المساواة في [كيفيّة] الخطبة لأنّها خارجة (١) ، انتهى.

قلت : ما ذكره إنّما يرد على القول بكون العبادة اسما للأعم ، أو عدم اشتراط الخطبة للصلاة ، ومع ذلك الظاهر أنّ السؤال في مثل كصحيحة هشام ليس عن نفس ماهيّة الصلاة فحسب ، بل عنها وعن المتعلّقات.

ولذا تعرّض المعصوم عليه‌السلام في الجواب لكثير من المتعلّقات الخارجة عنها قطعا ، بل الخطبة ارتباطها بالصلاة أزيد من المذكورات بمراتب شتّى ، بل الذي ذكر في الجواب غير مرعي في العيدين غير الخروج إلى الصحراء في سكينة ووقار ، فلعلّه ذكر لذكر ما بعده من قوله : «وخشوع ومسألة واجتهاد في السؤال».

وممّا ذكرنا فهم الأصحاب ـ ومنهم المصنّف ـ التسوية بالنسبة إلى المتعلّقات الخارجة ، بحيث لم يبق لهم تأمّل ولا تزلزل ، فلاحظ كلماتهم ، فإنّهم مثل الشهيد والمصنّف يقولون (٢).

على أنّا نقول : المعصوم عليه‌السلام كيف يتعرّض لذكر الامور التي ليست مثل الخطبة في الارتباط للجاهل بماهيّة صلاة الاستسقاء ولا يذكر الخطبة؟ مع أنّهم عليهم‌السلام في الجمعة والعيدين قد أكثروا من إطلاق لفظ الخطبة على الخطبتين ، بحيث ظهر كون اللفظ علما للخطبتين ، إذ تعارف التعبير عنهما باللفظ المفرد تعارفا شائعا ، ولذا لم يتأمّل أحد من الفقهاء في كون المعتبر هو الخطبتين لا الخطبة الواحدة ، واتّفقت كلمتهم على ذلك من غير تأمّل من أحد.

مع أنّ استقراء اتّحاد أجزائهما واتّحاد متعلّقهما أيضا يؤيّد ويشير إلى الفهم

__________________

(١) بحار الأنوار : ٨٨ / ٣٣٥ و ٣٣٦.

(٢) لاحظ! المقنعة : ٢٠٧ ، المبسوط : ١ / ١٣٤ ، النهاية للشيخ الطوسي : ١٣٨ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ٢٥٤.

١٣

المذكور ، مع أنّ جميع ما ذكر إجماعي ، سوى حكاية الوقت ، وكون الخطبتين في حال الجماعة لا يتركان احتياطا ، وأمّا استحبابهما فيه ؛ فإجماعي منقول في «التذكرة» (١).

ولا يدلّ هذا على جواز الاكتفاء بالصلاة من دون قراءة الخطبة ؛ لأنّ المتعارف أنّهم يعبّرون الواجب الشرطي للمستحبّ بالمستحبّ ، مثلا يقولون : الوضوء مستحبّ لصلاة النافلة وأمثال ذلك. مع أنّ غاية ما ذكره في «التذكرة» خبر واحد ، فلا يمنع من الاحتياط عن مقتضى الأخبار الآحاد ، سيّما مع تعدّدها ، فتأمّل!

وممّا ذكر يظهر كونها مثل العيدين جهريّة ، ويخرج فيها إلى الصحراء ، إلّا في مكّة ففي المسجد الحرام.

ويدلّ على ذلك رواية أبي البختري ، عن الصادق ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام قال : «مضت السنّة أنّه لا يستسقى إلّا بالبراري حيث ينظر الناس إلى السماء ، ولا يستسقى في المساجد إلّا بمكّة» (٢).

وفي «المنتهى» : أنّ ذلك إجماعي (٣) ، وألحق ابن الجنيد به مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) ، ومرّ الكلام فيه في العيدين (٥).

وابن أبي عقيل ، والمفيد ، وجماعة لم يستثنوا المسجد الحرام أيضا (٦) ،

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٤ / ٢١٣ المسألة ٥١٧.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٥٠ الحديث ٣٢٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١٠ الحديث ١٠٠٠٢.

(٣) منتهى المطلب : ٦ / ١١٩.

(٤) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ٣٣٩.

(٥) راجع! الصفحة : ٣٩٧ (المجلّد الثاني) من هذا الكتاب.

(٦) نقل عنهم في مختلف الشيعة : ٢ / ٣٣٨ و ٣٣٩ ، المقنعة : ٢٠٧ ، المراسم : ٨٣ ، الروضة البهيّة : ١ / ٣١٩ ، المهذّب البارع : ١ / ٤٣٠.

١٤

والمشهور هو الأظهر.

وظهر منها أيضا استحباب الخروج على السكينة والوقار والخشوع والمسألة مشمّرين حفاة ، وغير ذلك ممّا صدر عن الرضا عليه‌السلام في الخروج إلى العيدين (١) ، مضافا إلى ما ورد في الأخبار في العيدين (٢) وهاهنا ، مضافا إلى ظهور مطلوبيّة أمثال ذلك في المقام.

ثمّ اعلم! أنّ جميع ما ذكر من خواصّ فعلها جماعة ، سوى حكاية الوقت والجهر ، مع احتمال كون الأخير أيضا من خواصّه.

وبالجملة ؛ التسوية التي ذكرها المصنّف عرفت وجهها ، ويؤيّدها الاستقراء.

ومعلوم أنّ مقتضاها الاستواء في جميع ما اعتبر فيها ، إلّا أن يظهر الخصوصيّة ، ومن جملة ما يتساويان كراهة الكلام والإمام يخطب.

وفي «قرب الإسناد» ورد رواية بإسناده ، عن علي عليه‌السلام أنّه يكره الكلام يوم الجمعة والإمام يخطب ، وفي الفطر والأضحى والاستسقاء (٣).

__________________

(١) الكافي : ١ / ٤٨٨ الحديث ٧ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ١٦٠ الحديث ٢١ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٥٣ الحديث ٩٨٤٤.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٤٩ الباب ١٧ من أبواب صلاة العيد.

(٣) قرب الإسناد : ١٥٠ الحديث ٥٤٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٣٣١ الحديث ٩٥٠٥.

١٥
١٦

٣٦ ـ مفتاح

[مستحبّات صلاة الاستسقاء]

يستحب فيه الغسل ، وصيام الناس ثلاثة أيّام ، وخروجهم يوم الثالث وكونه الاثنين ، وإلى الصحراء حفاة على سكينة ووقار تذلّلا وخشوعا ، وإخراجهم الشيوخ والأطفال والعجائز والبهائم معهم ؛ لأنّهم أقرب إلى الرحمة وأسرع إلى الإجابة ، وتفريقهم بين الأطفال وامّهاتهم ليكثر البكاء والعجيج.

وأن يقلّب الإمام رداءه إذا صعد المنبر ، فيجعل الذي على يمينه على يساره وبالعكس ، ثمّ يستقبل القبلة فيكبّر الله مائة تكبيرة ، ثمّ يلتفت إلى الناس عن يمينه فيسبّح الله مائة تسبيحة ، ثمّ يلتفت إليهم عن يساره فيهلّل الله مائة تهليلة ، ثمّ يستقبل الناس فيحمد الله مائة تحميدة ، في كلّ ذلك يرفع صوته ، ثمّ يرفع يديه فيدعو ثمّ يدعون ، وأن يكرّروا الخروج لو تأخّرت الإجابة إجماعا ، والكلّ للرواية (١) إلّا ما علّل بغيرها.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٥ ـ ٩ الباب ١ ـ ٣ من أبواب صلاة الاستسقاء.

١٧
١٨

قوله : (ويستحبّ فيه الغسل). إلى آخره.

لم نجد من حكم باستحباب الغسل غيره هنا نصّا ، ولعلّهم اكتفوا بحكاية التسوية.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى التسوية ـ موثّقة سماعة المتضمّنة للأغسال الكثيرة ، منها : «أنّ الغسل للاستسقاء واجب» (١).

وأمّا صيام الناس ثلاثة أيّام ؛ فاستحبابه مقطوع به في كلام الأصحاب ، إلّا أنّ كونه شرطا لهذه الصلاة ظاهر بعضهم (٢) ، وعدم الاشتراط ظاهر بعضهم (٣).

دليل الأوّل : توقيفيّة العبادة بأنّ الواقعة بهذا الصيام معلوم كونها الموظّفة شرعا بخلاف الخالية ، ولصحيحة عثمان بن عيسى ـ وهو ممّن أجمعت العصابة (٤) ـ عن حمّاد السراج قال : أرسلني محمّد بن خالد إلى الصادق عليه‌السلام أن أقول له : إنّ الناس قد أكثروا عليّ في الاستسقاء فما رأيك في الخروج غدا؟ فقلت ذلك للصادق عليه‌السلام ، فقال لي : قل له : «ليس الاستسقاء هكذا ، فقل له : يخرج فيخطب الناس ويأمرهم بالصيام اليوم وغدا ويخرج لهم يوم الثالث وهم صيام» (٥) ، الحديث.

وهذه الرواية مستند الأصحاب في استحباب الصيام ثلاثة أيّام ، وهي

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٠ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٥ الحديث ١٧٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٤ الحديث ٢٧٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٣٠٣ الحديث ٣٧١٠.

(٢) إرشاد الأذهان : ١ / ٢٦٦ ، ذخيرة المعاد : ٣٤٦.

(٣) الحدائق الناضرة : ١٠ / ٤٨٦.

(٤) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣١ الرقم ١٠٥٠.

(٥) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٤٨ الحديث ٣٢٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٨ الحديث ٩٩٩٦.

١٩

ظاهرة في الاشتراط لقوله عليه‌السلام : «ليس الاستسقاء هكذا». إلى آخره.

ومستند الثاني : خلوّ أكثر الأخبار الواردة الظاهرة في مقام الحاجة ، وحكاية التسوية بينها وبين صلاة العيدين ، ولعلّه أقوى ، إلّا أنّ الأوّل أحوط.

وأمّا كون اليوم الثالث هو الاثنين ؛ فلما ورد في رواية محمّد بن خالد المشهورة ، حيث قال الراوي للصادق عليه‌السلام : متى يخرج جعلت فداك؟ قال : «يوم الإثنين» (١).

لكن ربّما وقع التأمّل من بعض من جهة السند ، وكون محمّد بن خالد القسري من أتباع بني اميّة وحكّامهم (٢) ، وهم كانوا يعظمون الاثنين ويطلبون بركته.

مع أنّه لا شكّ في أنّ هذا الإرشاد من الصادق عليه‌السلام كان يشتهر إلى أن يصلّ إلى السلطان وسائر بني اميّة.

كما أنّه اشتهر بين أهل المدينة ، وكانوا يقولون : هذا من تعليم جعفر عليه‌السلام ، وإن كان محمّد بن خالد كان له ميل ومحبّة ، بل الظاهر كونه من الشيعة ، ولذلك كان يراجع في غير المقام أيضا إلى الصادق عليه‌السلام ، على وجه يشير إلى تشيّعه.

وأيضا ربّما كان الأمر بالخروج يوم الإثنين من جهة صياح أهل المدينة إلى محمّد بن خالد يوم الجمعة ، وبعثه فيه إلى الصادق عليه‌السلام.

ولذلك قال عليه‌السلام : «قل له : يخرج ويأمر الناس بصيام ثلاثة أيّام ، فاتّفق الوقوع في يوم الإثنين من جهة تشديد أهل المدينة ، وعدم رضائهم بالتأخير ، وإلّا لما كان له مدخليّة في هذه الصلاة.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٦٢ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٤٨ الحديث ٣٢٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥ الحديث ٩٩٨٩.

(٢) بحار الأنوار : ٨٨ / ٣١٢.

٢٠