مصابيح الظلام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-0-0
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥٢

ودلالة هذه الأخبار على المطلوب فرع أن يكون المعصوم عليه‌السلام ما كان يترك المستحب ، ومع ذلك من المسلّمات أنّ الفعل لا يعارض القول.

وسمعت بعض مشايخي أنّه قال : ربّما كان المسح يصير مستحسنا من جهة الغبار والتراب في الطرق غير النظيفة ، ووجود الريح المثير لهما إلى الوجه الرطب والأعضاء الرطبة ، ولذا ورد في هذه الأخبار مسح خصوص الوجه دون اليدين ، لأنّهما كانا داخلين في الكمّ ، وأكمام العرب كانت طوالا ، مع أنّ مسح الوجه خاصة لعلّه من جهة حفظه عن المشوهات لا النجاسات ، والله يعلم.

الثاني عشر : من به السلس وهو الذي لا يمسك بوله ، قيل : يجب عليه الوضوء لكلّ صلاة ، وما يجي‌ء في أثنائها لا يضرّ تلك الصلاة ، وإلّا لكانت الصلاة ساقطة عنه ، وهو باطل بالإجماع والعمومات ، أو يكون مكلّفا بما لا يطاق وما خرج عن وسعه ، وهما باطلان بالنصّ والإجماع والاعتبار ، بل ليس عليه في الدين من حرج ، بل يريد بالمكلّفين اليسر ، ولا يريد بهم العسر.

فإمّا أن لا يكون البول بالنسبة إليه حدثا ، وهو مخالف لظاهر الآية (١) والأخبار المتواترة (٢) ، فلا جرم يكون حدثا بالنسبة إلى الصلاة التي تكون بعدها ، وهذا مذهب الشيخ في «الخلاف» (٣) ، بل في «الذخيرة» : أنّه الأشهر الأقرب (٤).

وقيل : يمنع كونه حدثا (٥) ، واختاره في «المبسوط» (٦). وظاهر أنّ مراده منع

__________________

(١) المائدة (٥) : ٦.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٨ الباب ٢ من أبواب نواقض الوضوء ، ٢٩٧ و ٢٩٨ الحديث ٧٨١ ـ ٧٨٣.

(٣) الخلاف : ١ / ٢٤٩ المسألة ٢٢١.

(٤) ذخيرة المعاد : ٣٩.

(٥) لاحظ! ذخيرة المعاد : ٣٩.

(٦) المبسوط : ١ / ٦٨.

٥٤١

كون القطرات الحادثة في أثناء الصلاة حدثا ، لا البول الذي يبوله بإرادة وقصد وعلى النحو الذي يصدر من غيره.

فلا يقال : إنّه مخالف للآية والأخبار ، لأنّ تلك القطرات من الفروض النادرة غاية الندرة ونهايتها ، فلا تنصرف الإطلاقات إليها.

وفي موثّقة سماعة عن رجل أخذه تقطير من فرجه إمّا دم ، وإمّا غيره قال : «فليصنع خريطة وليتوضّأ وليصلّ ، فإنّما ذلك بلاء ابتلى به ، فلا يعيدنّ إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه» (١).

ويدلّ عليه الاستصحاب أيضا.

وقيل : يجوز له أن يجمع بين الظهر والعصر بوضوء واحد بين المغرب والعشاء بوضوء واحد ، وأمّا سائر الصلوات ؛ فيجب لكلّ واحدة منها وضوء (٢) ، وهو مختار العلّامة في «المنتهى» (٣).

واحتجّ على الثاني بنحو ما ذكرناه أوّلا ، وعلى الأوّل بما رواه الصدوق في ـ الصحيح ـ عن حريز ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة اتّخذ كيسا وجعل فيه قطنا ثمّ علّقه عليه ، وأدخل ذكره فيه ثمّ صلّى يجمع [بين الصلاتين] الظهر والعصر يؤخّر الظهر ويعجّل العصر بأذان وإقامتين ، ويؤخّر المغرب ويعجّل العشاء بأذان وإقامتين ويفعل ذلك في الصبح» (٤).

فإنّ الجمع بين الفرضين بالنحو الذي ذكر ، له ظهور في كونهما بوضوء واحد ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٤٩ الحديث ١٠٢٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٦٦ الحديث ٦٩٥.

(٢) الحدائق الناضرة : ٢ / ٣٨٧.

(٣) منتهى المطلب : ٢ / ١٣٧.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٨ الحديث ١٤٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٩٧ الحديث ٧٨٠.

٥٤٢

سيّما بملاحظة أنّ ذلك جواب عن السؤال عن حال دوام الحدث وصدوره على الاستمرار التجددي ، كما يدلّ عليه لفظ «يقطر» وعلاج لهذا الإشكال.

ويظهر من «المبسوط» شيوع هذا القول في زمانه دون الأوّل ودون ما اختاره ، لأنّه قال بعد ما اختاره : لأنّ إلحاقه بالمستحاضة قياس (١).

ولعلّه لم يفهم من صحيحة حريز ما ذكرنا ، أو لم يعتبرها ، لأنّه رواها أيضا بطريق صحيح عنه عن الصادق عليه‌السلام (٢).

لكن علماء الرجال قالوا : إنّ حريزا لم يرو عن الصادق عليه‌السلام إلّا رواية واحدة في حكاية الحجّ (٣) ـ على ما هو ببالي ـ ويجعلون أمثال هذه الروايات مرسلة ، وسيجي‌ء في مبحث المياه ما يشير إلى ذلك.

وكيف كان ؛ الأحوط هو المذهب الأوّل ، وإن كان الأوسط أقوى وخيرا ، لما ذكر ، ولما رواه الكليني في الحسن ب ـ إبراهيم بن هاشم ـ عن منصور بن حازم أنّه قال للصادق عليه‌السلام : الرجل يعتريه البول ولا يقدر على حبسه؟ قال : فقال لي : «إذا لم يقدر على حبسه فالله أولى بالعذر يجعل خريطة» (٤). فإنّ ترك الاستفصال في مقام السؤال مع قيام الاحتمال يفيد العموم ، أي ما ذكر في الجواب ؛ جواب عن سؤاله بجميع احتمالاته ، إذ لا شبهة في احتمال كون السؤال عن حال الأحداث الصادرة والأخباث العارضة ، والجواب : أنّ الرجل المذكور معذور ، ليس عليه شي‌ء سوى ما يقدر عليه ، وهو جعل خريطة لئلّا يسري الخبث.

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٦٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٨ الحديث ١٤٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٤٨ الحديث ١٠٢١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٩٧ الحديث ٧٨٠.

(٣) لاحظ! رجال الكشّي : ٢ / ٦٨٠ الرقم ٧١٦ ، رجال النجاشي : ١٤٤ الرقم ٣٧٥.

(٤) الكافي : ٣ / ٢٠ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٩٧ الحديث ٧٨١.

٥٤٣

وممّا يشهد على ذلك أنّ صحيحة حريز وموثّقة سماعة ، تعرّض المعصوم عليه‌السلام فيهما لحكم الخبث وأخذ الخريطة له مع حكم الحدث ، وجمع بينهما في الحكم ، على أنّه معلوم أنّ الراوي كما يحتاج إلى معرفة حال الخبث كذا يحتاج إلى معرفة حال الحدث أيضا جزما ، بل الثاني أولى في الاستشكال فيه والسؤال عنه ، لكون الطهارة عن الحدث شرطا لا تصحّ الصلاة بدونه مطلقا بخلاف الأوّل ، فلا وجه لتخصيص سؤاله عن حال الخبث فقط ، مع أنّ كلامه مطلق وإشكاله عام ، والمعصوم عليه‌السلام أيضا ما استفصل أصلا.

ويعضد ما ذكرنا أنّ الأصل عدم معرفته بعلاج الحدث ، بل إلى الآن لم يظهر ظهورا تامّا مع ورود روايات فيه ووجود معاضد من الاصول والفتاوى.

ويدلّ عليه أيضا ما رواه في «التهذيب» بسند فيه محمّد بن نصير ـ شيخ العيّاشي ـ عن الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام قال : سئل عن تقطير البول؟ قال : «يجعل خريطة إذا صلّى» (١) ، والتقريب كما تقدّم.

واعلم! أنّ مقتضى الأخبار المذكورة وجوب الاستظهار في منع التعدّي بقدر الإمكان ، وكذلك أفتى الفقهاء.

الثالث عشر : المبطون : وهو الذي يعتريه الغائط بحيث لا يمكنه التحفّظ ، فالمشهور أنّه أيضا مثل سلس البول يتوضّأ لكلّ صلاة ، للعلّة التي ذكرت فيه.

لكن ظاهر العلّامة في «المختلف» عدم نقض الطهارة به (٢) ، كما نقلناه عن «المبسوط» في السلس (٣).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٥١ الحديث ١٠٣٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٩٨ الحديث ٧٨٤.

(٢) مختلف الشيعة : ١ / ٣١١.

(٣) المبسوط : ١ / ٦٨.

٥٤٤

وأمّا إذا لم يكن المبطون بالحدّ المذكور ، بل تجدّد حدثه في أثناء الصلاة وفاجأته ، فالمشهور أنّه يتطهّر ويبني.

هذا إذا كان مبطونا ، كما فرضنا ، لا أنّه اتّفق الصدور فجأة في الأثناء ، فإنّه يتطهّر ويعيد الصلاة البتة ، لأنّه صحيح لا مريض.

واحتجّوا عليه بموثّقة ابن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «صاحب البطن الغالب يتوضّأ ثمّ يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي» (١).

وليس في طريقها من يتوقّف فيه سوى عبد الله بن بكير ، وهو ثقة وممّن أجمعت العصابة (٢).

نعم ؛ المشهور أنّه فطحي ، وإن قال بعض علماء الرجال : إنّ الفطحية في زمان الكاظم عليه‌السلام رجعوا كلّهم إلى الحقّ سوى عمّار وطائفته (٣).

ولا شكّ في أنّ عبد الله المذكور ليس من طائفته.

فعلى هذا يصير الحديث صحيحا ، كما اختاره الشهيد الثاني (٤) ، وأنّ لصحّتها تعيّن العمل بها.

أقول : الموثّق حجّة ، سيّما مثل هذا الموثق الظاهر كونه صحيحا ، بل على تقدير الموثّقية لا يقصر عن الصحيح ، كما لا يخفى على المطّلع.

وممّا يعضده أنّ الصدوق أيضا رواها بطريق كالصحيح في «الفقيه» (٥) ، بل على تقدير ضعفها يكون الضعف منجبرا بالشهرة ، فما ظنّك إذا كان مثل الصحيح؟

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٥٠ الحديث ١٠٣٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٩٨ الحديث ٧٨٣.

(٢) رجال الكشّي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥.

(٣) رجال الكشّي : ٢ / ٥٢٥ الرقم ٤٧٢.

(٤) روض الجنان : ٤٠.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٧ الحديث ١٠٤٣.

٥٤٥

بل يكون صحيحا.

واختار العلّامة رحمه‌الله في «المختلف» وجوب استئناف الطهارة والصلاة مع إمكان التحفّظ بقدر زمانهما ، وإلّا بنى بغير طهارة ، لأنّ الحدث المذكور لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة (١).

واعترض عليه في «المدارك» بأنّه مصادرة على المطلوب. ثمّ نقل عن المحقّق الشيخ علي أنّه نقل على هذه المقدّمة الإجماع ، فلذا ليس فيه مصادرة بوجه من الوجوه (٢) ، فاعترض عليه بمنع الإجماع في موضع النزاع (٣).

وفيه ؛ أنّ الإجماع في موضع النزاع يتحقّق ، كيف وضروري المذهب ـ مثل حرمة القياس وغيرها ـ وقع فيه النزاع؟ فما ظنّك بالإجماع الذي لا يضرّه خروج معلوم النسب منه وإن كان مائة من الفقهاء؟

مع أنّه سيجي‌ء في كتاب الصلاة ـ إن شاء الله تعالى ـ اشتراط استمرار الطهارة فيها وعدم قطعها على المشهور ، وثبوت هذا الشرط من الأدلّة ، فيصير مقتضى تلك الأدلّة بطلان الصلاة بحدوث الناقض في أثنائها.

وما ذكره العلّامة رحمه‌الله مبني على هذا الاشتراط المسلّم عندهم والمشهور لديهم والثابت من الأدلّة ، فكيف يصير ما ذكره مصادرة؟

بل على تقدير عدم تماميّة تلك الأدلّة أيضا لا يكون مصادرة ، بل غايته منع الثبوت من تلك الأدلّة ، وكذا منع الإجماع الذي ادّعاه المحقّق المذكور على فرض أن يكون بموقعه ، ولا يلزم منه المصادرة بلا شبهة.

__________________

(١) مختلف الشيعة : ١ / ٣١١.

(٢) لاحظ! مفتاح الكرامة : ١ / ٥٥٥.

(٣) مدارك الأحكام : ١ / ٢٤٣.

٥٤٦

وبالجملة ؛ تنقيح المقام موقوف على ملاحظة ما سيجي‌ء من أدلّة الاشتراط المذكور ، سيّما مع انضمامها بدعوى الإجماع المنقول ، فإن كانت موثّقة ابن مسلم ـ مع ما ذكرنا من مؤيّداتها ـ تقاوم تلك الأدلّة والإجماع المنقول ، فما ذكره المشهور هنا متعيّن (١) ، وإلّا فما ذكره العلّامة ليس إلّا كما لا يخفى.

ثمّ اعلم! أنّ بعض الأصحاب قيّد ما حكم به المشهور بما إذا لم يستلزم المنافي للصلاة كالاستدبار وغيره (٢).

وسيجي‌ء التحقيق في ذلك في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.

والظاهر أنّ حكمهم إنّما هو فيما إذا لم يتحقّق الكثرة الموجبة للحرج ، وأنّه إذا وصل إلى هذا الحدّ لم يجب إعادة الوضوء إلّا للصلاة الآتية.

وأيضا لو اتّفق في سلس البول وقوع البول في الأثناء مرّة أو مرّتين ـ مثلا ـ كالمبطون ، فهل يكون حكمه حكم المبطون ، أو حكم السلس الذي ذكرناه؟ للروايات الدالّة عليه ، كما قاله في «الذكرى» (٣).

وغير خفي أنّ الروايات غير شاملة له ، لما يظهر منها من الاستمرار التجدّدي أو مثله من الأمر بأخذ الخريطة ، ولأنّ الغالب في سلس البول هو الذي ذكرنا في تعريفه.

وإلحاقه بالمبطون أيضا مشكل ، لاختصاص النصّ والفتاوى بالمبطون.

ومقتضى القاعدة بطلان الطهارة والصلاة وإعادتهما ، إلّا أن يكثر بحيث يوجب الإعادة الحرج والعسر ، فيحتمل إلحاقه بالمبطون من جهة القاعدة ، لعدم

__________________

(١) في (ف) و (ز ١) و (ط) زيادة : فلعلّه يقاوم.

(٢) جامع المقاصد : ١ / ٢٣٤.

(٣) ذكرى الشيعة : ٢ / ٢٠٣.

٥٤٧

سقوط الصلاة إجماعا ، لا من جهة النص والتعدّي.

ويحتمل شمول بعض الروايات التي أوردناها في السلس لمذهب «المبسوط» ، مضافا إلى ما ذكرنا له من كون المطلق ينصرف إلى الأفراد الشائعة لا النادرة ، ومن الاستصحاب ، فتأمّل الكلّ!

واعلم! أيضا أنّ جميع ما ذكرناه في المبطون والسلس إذا لم يكن له في الوقت فترة تسع الطهارة والصلاة.

الرابع عشر : حكم الريح والنوم وغيرهما من الأحداث إذا كانت تعتريه بحيث لا يمكنه التحفّظ ، حكم المبطون من جميع الوجوه على ما يظهر من كلام بعضهم (١).

وظاهر أنّه كذلك بالنسبة إلى ما ثبت من القاعدة ، وأمّا ما ثبت من صحيحة ابن مسلم أو موثّقته (٢) ؛ فمشكل ، لظهور الدخول في القياس المنهي عنه ، لعدم تنقيح المناط ، إلّا أن يأوّل ذلك أيضا إلى القاعدة ، بأنّ الصلاة غير ساقطة عنه إجماعا ، فيتطهّر ويعيد إن كان في الوقت فترة تسع الطهارة والصلاة بحسب عادته ، وكذا لو كان إعادتهما لا توجب حرجا.

وأمّا إذا أوجبت الحرج ولم يكن له فترة تسع ، فإمّا أن يتوضّأ أو يبني ، فهذا هو الذي ورد في صحيحة محمّد بن مسلم أو موثّقته ، لأنّها محمولة على صورة يتوضّأ ويبني بحيث لا يوجب حرجا ، وبعد الحرج يرفع اليد ـ كما قلنا ـ لاستوائها مع الحدث المذكور في الموجبيّة ، وإمّا أن يرفع اليد أوّلا ويتمّ الصلاة ويبني على أنّه ليس بحدث ، للاستصحاب ، وكون المطلق ينصرف إلى الشائع المتعارف. ولما سيجي‌ء في كتاب الصلاة من أنّ الحدث في أثناء الصلاة مبطل مطلقا.

لكن كونه ليس بحدث أصلا باطل عند المشهور ، لكونه خلاف ما يظهر من

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ١ / ٢٠٦ ، جامع المقاصد : ١ / ٢٣٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٥٠ الحديث ١٠٣٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٩٨ الحديث ٧٨٣.

٥٤٨

الأخبار المتواترة عندهم ، وهذا البعض الملحق من جملة المشهور. لكن الأخير أقوى ، سيّما بملاحظة ما سيجي‌ء في كتابها ، والأحوط الوضوء والإعادة ما لم يتحقّق حرج.

واعلم! أنّ الشيخ الكبير ربّما اعتاد المغيّر كأكل الأفيون ، فيعرض له النعاس غالبا ، فربّما يبتلى به في أوقات صلاته ، فإذا ترك المغيّر يتضرّر ، فلا يجب عليه الترك ، وإن عرض ما عرض.

بل ربّما كان من غير المغيّر أيضا يعرضه ذلك من غاية كبره ، أو من ضعف بنيته وقواه ، وعدم ضرر السلس والبطن.

وما ذكرنا من الريح وغيرها على حسب ما ذكرناه ، إنّما هو إذا كانت الأمور المذكورة من غير اختيار المكلّف.

وأمّا مع اختياره ؛ فلا ، بل يضرّ جزما ، فلا بدّ من السعي في عدم صدورها ، وإن كان بالطبابة والأدوية وغيرهما ممّا يعالج ، ويجب عليه جزما ، إلّا إذا تضرّر من هذه المعالجات من جهة اخرى ، أو لا يقدر على العلاج بسبب عدم المكنة من المال أو غيره من الأسباب.

وإذا أمكنه العلاج ، وترك للإهمال والمسامحة ، فلا شكّ في الإثم واستحقاق العقاب.

فيمكن أن يكون عبادته أيضا باطلة ، لأنّ ما اعتذر لصحّتها حينئذ هو عدم إمكان التحرّز والتحفّظ ، فإذا أمكنه ، فكيف يكون معذورا؟

ويمكن أن يقال : إنّه حال الصلاة وعند دخول وقتها لا يمكنه التحفّظ ، فيكون التكليف به تكليفا بما لا يطاق ، وهو منفي عقلا ونقلا ، وإن كان المكلّف صار سببا لعدم الإطاقة ، كما إذا أكل ما أورث هذه الأمراض والعلل ـ وإن كان عمدا ـ أو

٥٤٩

كما إذا قطع يده مثلا ، فإنّ تكليفه حينئذ بعدم صدور هذه الامور وبغسل اليد تكليف بما لا يطاق وقبيح ، وإن كان من جهة المكلّف وبفعله.

نعم ؛ يصحّ مؤاخذته في فعل ما أوجب ترك الواجبات ، وعقاب الكلّ عليه ، لكن هذا أمر آخر.

وربّما جوّز بعض تكليفه بما لا يطيق حينئذ ، بسبب كونه منشأ (١) وهو بعيد ، بل الظاهر استحالته.

نعم ؛ إذا كان في وقت الصلاة يمكنه العلاج والصلاة صحيحة ، فالظاهر بطلان صلاته إذا وقعت مع أحد الامور المذكورة ، لأنّها أحداث.

وأمّا إذا صدرت هذه الامور من فعله جهلا أو غفلة ، أو أمثالهما. وكذا الحال في تركه العلاج غفلة أو جهلا أو أمثالهما ـ ولم يمكنه العلاج ، فلا إثم عليه أصلا. وإن أمكنه وتركه فكما تقدّم.

ثمّ اعلم! أنّ الأحداث المذكورة إذا اجتمعت فمتى ما تيسّره التخفيف والنقص وجب ، لأنّ ما يمكنه علاجه ورفعه حدث غير معفوّ عنه.

مع أنّ الميسور لا يترك بالمعسور. إلى غير ذلك ، والأخباث أيضا كذلك.

وكذلك الحال إذا أمكن التخفيف والرفع في وقت دون وقت ، وفي صلاة دون صلاة ، بل في قدر من الصلاة دون قدر.

تمّ بعون الله تعالى الجزء الثالث من كتاب

«مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع»

حسب تجزئتنا ويتلوه الجزء الرابع ان شاء الله

__________________

(١) المحصول في علم اصول الفقه : ٢ / ٢١٥.

٥٥٠

المحتويات

٣٥ ـ مفتاح

[صلاة الاستسقاء].......................................................... ٥

٣٦ ـ مفتاح

[مستحبات صلاة الاستسقاء].............................................. ١٧

٣٧ ـ مفتاح

[نوافل شهر رمضان]...................................................... ٢٩

٣٨ ـ مفتاح

[صلاة جعفر الطيار]...................................................... ٣٣

٣٩ ـ مفتاح

[الصلوات المسنونة]....................................................... ٤٥

الباب الثاني

في المقدمات

القول في الوضوء

٤٠ ـ مفتاح

[ما يجب له الوضوء]...................................................... ٥١

٤١ ـ مفتاح

[أحكام الوضوء]......................................................... ٧٥

٤٢ ـ مفتاح

[أسباب الوضوء]......................................................... ٩٣

٤٣ ـ مفتاح

[ما يستحب له الوضوء]................................................. ١٣٩

٤٤ ـ مفتاح

[أحكام المتخلي]........................................................ ١٥٥

٥٥١

٤٥ ـ مفتاح

[ما يستحب للمتخلي].................................................. ٢٠٣

٤٦ ـ مفتاح

[ما يكره للمتخلي]...................................................... ٢١٩

٤٧ ـ مفتاح

[كيفية الوضوء]........................................................ ٢٤٧

٤٨ ـ مفتاح

[حد الوجه]............................................................ ٢٦٧

٤٩ ـ مفتاح

[المراد من التحديد في الوضوء]........................................... ٢٨٥

٥٠ ـ مفتاح

[وجوب إدخال الحد في الغسل والمسح].................................... ٣٠١

٥١ ـ مفتاح

[وجوب المسح ببلة الوضوء].............................................. ٣١٧

٥٢ ـ مفتاح

[وجوب الترتيب في الوضوء]............................................. ٣٣٣

٥٣ ـ مفتاح

[وجوب المباشرة وطهارة الماء]............................................ ٣٤٧

٥٤ ـ مفتاح

[اشتراط النية في الوضوء]................................................ ٣٥٩

٥٥ ـ مفتاح

[أحكام الوضوء]........................................................ ٤٠٧

٥٦ ـ مفتاح

[مستحبات الوضوء].................................................... ٤٤٧

المحتويات :................................................................ ٥٥١

٥٥٢