مصابيح الظلام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-0-0
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥٢

وليس ما دلّ على ذلك منحصرا في الحسنة ، بل بعض ما دلّ على الوضوء البياني يدلّ أيضا.

مع أنّ الظاهر أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام كانوا يمسحون (١) كذلك ، وهو المدار بين المسلمين في الأعصار والأمصار.

مع أنّ خروج بعض الحديث عن الظهور لا يوجب خروج الكلّ ، كما حقّق في محلّه.

لا يقال : حسنة زرارة لا تدلّ على مطلبكم ، لاحتمال أن تكون الواو للعطف ، و «تمسح» عطفا على «ثلاث غرف».

لأنّا نقول : مع أنّ عطف جملة على مفرد عطف إنشاء على إخبار ، وقرّر ضعفهما في النحو (٢) ، وفي تأويله بالمفرد بإضمار «أن» خلاف الأصل.

مع أنّ هذا إن قيل : إنّ الواو للجمع مع المعيّة ، وليس كذلك ، بل هي لمطلق الجمعيّة. فيصير المعنى هكذا : إنّ الله وتر يحبّ الوتر ، فلهذا يجزي المسح ببقيّة البليّة ، وفيه ما فيه.

وأيضا يدلّ على ما ذهب إليه المعظم الصحاح الواردة في مقام البيان ، مثل صحيحة زرارة حيث قال : حكى أبو جعفر عليه‌السلام وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا بقدح .. إلى أن قال : ثمّ مسح بما بقي في يده رأسه ورجليه. (٣)

وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث طويل .. إلى أن قال : ثمّ مسح رأسه ورجليه بما بقي في يديه. (٤)

__________________

(١) في (ز ٣) و (د ١) و (ف) و (ز ١) و (ط) : يفعلون.

(٢) مغني اللبيب : ٢ / ٦٢٧.

(٣) الكافي : ٣ / ٢٤ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٩٠ الحديث ١٠٢٥.

(٤) الكافي : ٣ / ٢٤ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٩١ الحديث ١٠٢٦.

٣٢١

وصحيحة ابن اذينة ، عن زرارة وبكير أنّهما سألا أبا جعفر عليه‌السلام عن وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدعا بطست ـ إلى أن قال ـ ثمّ مسح رأسه وقدميه ببلل كفّه لم يحدث لهما ماء جديدا (١) .. إلى غير ذلك من الأخبار.

والدلالة واضحة ، لأنّ فعل المعصوم عليه‌السلام وإن لم يكن حقيقة في الوجوب على الأقوى ، لكن إذا كان بيانا للمجمل لا خلاف في وجوب مراعاته ، لتوقّف البراءة اليقينيّة والامتثال العرفي عليه ، وإن كان ممّا يتردّد في دخوله وخروجه ، سيّما مع تقوية جانب الدخول بظهور كون ذلك طريقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وضوئه من ابتداء شرعيّته إلى زمان خروج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الدنيا.

مع أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا ما يترك المستحبّات لئلّا تتوهّم الامّة وجوبها ، وكذا باقي الأئمّة عليهم‌السلام.

مع أنّ سؤال زرارة عن صفة وضوئه ما كان إلّا من جهة عروض الشكوك والشبهات في واجباته.

وقوله عليه‌السلام : «ثمّ مسح» .. إلى آخره ، تنبيه على كون مسحه عليه‌السلام ببقيّته (٢) في الردّ على العامّة الموجبين لاستيناف الماء (٣) ، كسائر ما ذكر في هذا الوضوء البياني ، كما هو الظاهر ، سيّما مع موافقته للإجماعات والأخبار الاخر (٤). ومخالفته للعامّة الذين امرنا بأخذ ما خالفهم ، معلّلا بأنّ فيه الرشاد (٥) ، وموافقته للمشهور والبراءة اليقينيّة ، مع كون العبادات توقيفيّة.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٢٥ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٧٦ الحديث ١٩١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٨ الحديث ١٠٢٢.

(٢) في (ك) : ببقيّة البلل.

(٣) المغني لابن قدامة : ١ / ٩٠.

(٤) راجع! وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٧ الباب ١٥ من أبواب الوضوء.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤.

٣٢٢

وممّا قلنا ظهر الجواب عمّا قيل بأنّ فعل المعصوم عليه‌السلام كان أحد أفراد الكلّي لا أنّه للتعيين (١) كما لا يخفى.

وما قيل : إنّ الأمر الدالّ على الفوريّة ينافي استئناف الماء الجديد (٢).

اجيب بأنّ هذا لا ينافي الفوريّة العرفيّة (٣).

وتدلّ أيضا الأخبار الواردة في صورة النسيان ، مثل ما روي في «الفقيه» : أنّ جعفر بن محمّد عليه‌السلام قال : «إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه وعلى رجليك من بلّة وضوئك ، فإن لم يكن بقي في يديك من نداوة وضوئك شي‌ء فخذ ما بقي منه في لحيتك وامسح به رأسك ورجليك ، وإن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك وأشفار عينيك وامسح به رأسك ورجليك ، وإن لم يبق من بلّة وضوئك شي‌ء أعدت الوضوء» (٤) ، وغير ذلك من الأخبار الدالّة على هذا المضمون (٥).

والدلالة ظاهرة ، للأمر بالإعادة إن لم يبق شي‌ء من نداوة الوضوء ، مضافا إلى الأمر بالمسح ببقيّة البلل ، سيّما مع تكراره.

لا يقال : هذه الأخبار واردة في صورة النسيان.

لأنّا نقول : لو جاز المسح بالماء الجديد في صورة العمد ، لجاز فيه بطريق أولى ، سيّما مع ما روي من أنّ النسيان موضوع عن أمّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) ، مع القطع بعدم القائل بالفصل ، سيّما هذا الفصل.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ١ / ٢١٠ و ٢١١.

(٢) المعتبر : ١ / ١٤٧.

(٣) مدارك الأحكام : ١ / ٢١١.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٦ الحديث ١٣٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٠٩ الحديث ١٠٦٤.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٤٠٧ الباب ٢١ من أبواب الوضوء.

(٦) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٤٩ الحديث ١٠٥٥٩.

٣٢٣

لا يقال : الأمر بالإعادة لعلّه من جهة الخلل بالموالاة.

لأنّا نقول : عدم البلل الذي يمسح به لا يستلزم الجفاف بالمرّة ، بل هو أعم.

وظاهر النصّ والإجماع أنّ المخلّ بالموالاة الجفاف بالمرّة ـ كما سيجي‌ء ـ على أنّه عليه‌السلام أمر بالمسح بما بقي ، وأكّد ذلك بأنّه إن لم يكن في يديك فمن لحيتك ، وإن لم يكن فمن الحاجب ، وإن لم يكن فيه فعليك الإعادة.

فما ذكر في غاية التأكيد في عدم الرخصة في الأخذ من الخارج ، كما هو ظاهر.

نعم ؛ يفهم (١) من هذا الحديث من مفهوم الشرط أنّ للأخذ مراتب :

الاولى : ما يبقى في اليدين من ماء الوضوء.

الثانية : في اللحية.

الثالثة : في الحاجبين وأشفار العينين.

ويشهد عليه مرسلة خلف بن حمّاد ، عن الصادق عليه‌السلام : الرجل ينسى مسح رأسه وهو في الصلاة ، قال : «إن كان في لحيته بلل فليمسح به» ، قلت : فإن لم يكن له لحية ، قال : «يمسح من حاجبيه أو [من] أشفار عينيه» (٢).

إذ القطع حاصل بأنّ المراد من قوله : «وهو في الصلاة» ليس واجبات الصلاة ، لبطلان الصلاة قطعا بنسيان المسح ، فلا يكون داخلا فيها قطعا.

فما في «الذخيرة» من احتمال الحمل على الغالب من عدم التمكّن من الماء حال الصلاة (٣) ، فاسد.

وإيجاب كون المسح بما بقي على الخارج من الصلاة دليل على وجوبه.

__________________

(١) في (ك) : يظهر.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٥٩ الحديث ١٦٥ ، الاستبصار : ١ / ٥٩ الحديث ١٧٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٠٧ الحديث ١٠٥٧.

(٣) ذخيرة المعاد : ٣٥.

٣٢٤

ثمّ اعلم أنّ المستفاد ممّا دلّ على كون المسح ببقيّة ماء الوضوء ، [و] المتبادر منه تأثير المسح في المحلّ ، وهو ذخيرة العلّامة في «النهاية» (١) ، بل ظاهر الأصحاب ذلك.

وأيضا ظاهره الكون بباطن الكفّ ، لكن عند التعذّر يمسح بالظاهر ، لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه ، وللاستصحاب.

قوله : (إن لم يبق). إلى آخره.

ظاهره اشتراط الجفاف في اليد ، كما هو ظاهر غير واحد من عبارة الأصحاب ، وظاهر كثير من الأخبار التي أوردنا لكون المسح ببقيّة البلل.

منها ما أمروا فيه بكون المسح ببقيّة ما بقي في اليد (٢) ، ومنها مقتضى الوضوءات البيانيّة (٣) ، لكن في بعض الأخبار الأمر بالمسح بنداوة الوضوء وبلّته (٤) ، فيحمل المطلق على المقيّد.

وفي «المدارك» : إنّ التعليق في عبارات الأصحاب مخرج مخرج الغالب ، ولا يختصّ الأخذ بهذه المواضع ، بل يجوز من جميع محال الوضوء (٥) ، انتهى.

أقول : لا معنى للخروج مخرج الغالب إذا كان الأخذ مطلقا جائزا ، والرخصة من الشرع حاصلة ـ فتأمّل جدّا ـ إذ هؤلاء الأصحاب ليس عادتهم نقل متون الأخبار ، بل التحقيق والإفتاء بما حقّقوا ، فلو كان الظاهر عليهم عدم اشتراط الجفاف لصرّحوا بذلك وأفتوا كذلك ، لا أن يكون عباراتهم صريحة في

__________________

(١) نهاية الإحكام : ١ / ٤٥.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٧ الباب ١٥ من أبواب الوضوء.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٧ الباب ١٥ من أبواب الوضوء.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٦ الحديث ١٣٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٩١ الحديث ١٠٢٧.

(٥) مدارك الأحكام : ١ / ٢١٣ و ٢١٤.

٣٢٥

الاشتراط ، سيّما في العبادات التوقيفيّة ، لتوقّفها على بيان الشارع.

فإن كان بيانه بما ذكره من الأدلّة على وجوب كون المسح ببقيّة البلل ، لتعيّن وجوب كون المسح بخصوص ما بقي في اليد لا غير ، وإن كان من ماء الوضوء ، وما دلّ على الأخذ من مثل اللحية فمشروط بالجفاف ، فلا وجه لما ذكره من الخروج مخرج الغالب ، وكذلك الحال في أكثر ما ذكرناه من الأخبار.

نعم ؛ في نادر منها المسح بنداوة الوضوء ، وكيف يغلب الغالب مع كونه مطلقا والغالب مقيّدا؟ على أنّه كما يجوز ما ذكره ، كذا يجوز ما ذكرناه ، فمجرّد الاحتمال لا يكفي في بيان ماهيّة العبادة ، فكيف تحكم بما ذكرت في عبارات الأصحاب؟ مع ما عرفت من الأدلّة والأخبار أيضا.

وكيف كان ؛ لا شكّ في أنّ الأحوط ذلك ، وفي مقام العمل لا يختار إلّا ذلك.

ثمّ لا يخفى أنّ ظاهر الأخبار الأخذ من اللحية من غير تقييد بعدم الاسترسال والخروج من محاذاة الذقن (١) ، ولعلّه لكونه ماء الوضوء ، وإن كان في الخارج.

ومن هذا لم يرد الأمر بتجفيف موضع المسح في الرأس أصلا ، مع كون الغالب تبلله بماء غسل الوجه بلّة كثيرة.

ولعلّ الأحوط عدم الأخذ من الخارج ، وتجفيف في موضع المسح ، لكن هذا ليس احتياطا مهمّا.

قوله : (وإن خالف الإسكافي).

فإنّه جوّز المسح بالماء الجديد (٢) ، لصحيحة معمّر بن خلّاد قال : سألت

__________________

(١) راجع! وسائل الشيعة : ١ / ٤٠٧ الباب ٢١ من أبواب الوضوء.

(٢) نقل عنه في المعتبر : ١ / ١٤٧ ، مختلف الشيعة : ١ / ٢٩٦.

٣٢٦

أبا الحسن عليه‌السلام أيجزي الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه؟ فقال برأسه : «لا» ، فقلت : أبماء جديد؟ فقال برأسه : «نعم» (١).

وموثّقة أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسح الرأس ، قلت : أمسح بما في يدي من الندى رأسي؟ قال : «لا ، بل تضع يدك في الماء ثمّ تمسح» (٢).

والجواب عن الخبرين : أنّ مضمونهما المنع عن المسح بما بقي ، وابن الجنيد متحاش عنه ، فلا بدّ من الحمل على التقيّة.

وإن قيل : لا يصلح خبر الأوّل ، لتقرير المسح المخالف لمذهبهم.

قلنا : يصلح باعترافهم بإطلاقه على الغسل ، مع أنّ كثيرا من فقهائهم كانوا يقولون بالمسح ، كما مرّ.

ويحتمل أن يكون مراد المعصوم عليه‌السلام من إشارته ، أن لا يسأل الراوي أمثال هذه السؤالات بحضور من لا يناسب مع حضوره ذلك ، فتوهّم أنّ المعصوم عليه‌السلام نهاه فسأله ثانيا ، فأجابه : «نعم» ، لكونه مناسبا لمذهبهم ، ولأن يقطع سؤاله.

وأحاديث المشهور وإن كان بعضها حسانا ، لكنّها معتضدة بالإجماع الذي صار الآن ضروريّا ، مع أنّ حسنها ب ـ إبراهيم بن هاشم ـ على أنّ البعض الآخر صحاح.

وبالجملة ؛ لا سبيل إلى العمل بمضمون هذين الخبرين ، لمخالفتهما الإجماع والصحاح والبراءة اليقينيّة (٣) ، وموافقة العامّة التي امرنا بتركها ، فيجب التأويل كما اوّل ، أو الطرح إن لم يكن قابلا للتأويل.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٥٨ الحديث ١٦٣ ، الاستبصار : ١ / ٥٨ الحديث ١٧٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٠٩ الحديث ١٠٦١.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٥٩ الحديث ١٦٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٠٨ الحديث ١٠٦٠.

(٣) في (ك) : في وجوب تحصيل البراءة اليقينيّة.

٣٢٧

قوله : (وليس في النصوص). إلى آخره.

قد عرفت ما في كلامه هذا.

قوله : (والظاهر عدم اشتراط جفاف المحلّ). إلى آخره.

أقول : هذا لا يخلو عن تأمّل ، لأنّ الأمر بالمسح مطلق ، والمطلق ينصرف إلى الأفراد الغالبة ، فشموله لصورة الرطوبة بعد اشتراط كونه ببقيّة بلل الوضوء خاصّة ـ كما هو الظاهر ـ محلّ تأمّل البتة ، لو لم نقل بظهور عدم الشمول.

نعم ؛ لو كان المحلّ نديا بحيث لا يمتزج ماء الوضوء بشي‌ء من ماء نداوته أصلا من جهة كونها في غاية القلّة لا يضرّ ، لصدق كون المسح ببقيّة بلل الوضوء خاصّة.

بل لو وقع المزج بما لا يمنع صدق كون المسح بخصوص بقيّة البلل عرفا بعنوان الحقيقة لا يضرّ.

وأمّا العرق في موضع المسح ؛ فالظاهر عدم ضرره.

وبالجملة ؛ البراءة اليقينيّة لا تحصل إلّا بتجفيف المحلّ عن الرطوبة المسرية.

ثمّ اعلم! أنّ عدم اشتراط الجفاف مذهب المحقّق والعلّامة وابن إدريس (١) ، بل عن المحقّق أنّه لو كان في ماء جاز ، لأنّ يديه لم تنفك عن ماء الوضوء (٢).

وفيه ما فيه ، لأنّه لو صبّ على اليدين ماء جديد ـ كما تفعله العامّة ـ لا تنفكّ اليد عن ماء الوضوء ، بل عدم انفكاكها حينئذ أولى ممّا ذكره.

مع أنّ أخبارنا وإجماعنا ردّ على العامّة ، مع أنّ بقية البلل غير الماء الجديد قطعا ، والمسح يجب أن يكون بالبقيّة لا بالماء الجديد ، بمقتضى الوضوء البياني

__________________

(١) المعتبر : ١ / ١٦٠ ، منتهى المطلب : ٢ / ٧٥ ، السرائر : ١ / ١٠٤.

(٢) المعتبر : ١ / ١٦٠.

٣٢٨

وغيره ممّا ذكرنا ، فلو كانا ممزوجين لم يصدق كون المسح بالبقيّة ، فإنّ المسح بالسكنجبين ـ مثلا ـ غير المسح بالعسل ، على أنّه كما يصدق المسح بالبقيّة ، كذا يصدق أيضا المسح بالجديد ، والفرق تحكم ، بل مسلّم أنّ المركّب من الداخل والخارج خارج ، ولا فرق في المزج بين أن يصبّ الجديد عليها وأن يضعها (١) على الرطوبة ، بحيث يحصل المزج بمجرّد الوضع ، أو مع الإمرار أيضا ، والغلبة وإن أوجبت صدق المسح بالبقيّة ، إلّا أنّه مجاز ، تنزيلا للقليل منزلة المعدوم.

نعم ؛ باستهلاك الجديد يتحقّق الصدق الحقيقي العرفي ، والظاهر أنّ هذا مراد العلّامة ووالده حيث اشترطا جفاف المحلّ ، والجفاف مذهب العلّامة في «المختلف» ووالده (٢).

وفي «الذكرى» : لو غلب ماء الوضوء رطوبة الرجلين ارتفع الإشكال (٣).

وفيه ؛ أنّه مجاز ، والحقيقة والظاهر وجوب كونه بماء الوضوء خاصّة ، حتّى يتحقّق امتثال ما ورد في الأخبار من الأمر بمسح ما بقي في يديه من ماء الوضوء (٤) ، وأمثال هذه العبارة ، ويمكن أن يكون مراد الشهيد رحمه‌الله ما ذكرنا ، والله يعلم.

قوله : (أمّا عدم الحائل). إلى آخره.

لا خلاف بين الأصحاب في هذا الحكم.

ويدلّ عليه مرفوعة محمّد بن يحيى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الذي يخضب رأسه بالحناء ثمّ يبدو له في الوضوء؟ قال : «لا يجوز حتّى يصيب بشرة رأسه

__________________

(١) في (ك) : وأن يضع اليد.

(٢) مختلف الشيعة : ١ / ٣٠٣.

(٣) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٥٣.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٧ الباب ١٥ من أبواب الوضوء.

٣٢٩

بالماء» (١) ، والأخبار الواردة في أنّ المسح على مقدّم الرأس وظهر القدمين (٢).

ولا شبهة أنّ المسح على الحائل ليس المسح على مقدّم الرأس وظهر القدمين ، لأنّ المتبادر كون المسح على البشرة ومثلها من الشعر ، ولأنّ الأوامر الواردة في هذه الأخبار مطلقة تنصرف إلى الفرد الغالب ، وهو كونه لا على الحائل.

قوله : (وللصحاح المستفيضة).

الظاهر أنّ مراده الأخبار الواردة في كيفيّة المسح ، وتلك الأخبار وردت بأنّ المسح على مقدّم الرأس وظهر القدمين (٣) ، والأخبار الواردة في مسألة الجبيرة أيضا (٤) ، لأنّ في تلك الأخبار ورد الأمر بالغسل والمسح على البشرة مهما أمكن ، وإلّا على الجبائر ، وإلّا التيمم.

قوله : (بل المستفاد من الصحيح). إلى آخره.

هو صحيحة زرارة قال : قلت له : هل في مسح الخفّين تقيّة؟ فقال : «ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحدا : شرب المسكر ، ومسح الخفّين ، ومتعة الحجّ» (٥).

هذا الخبر لا يقتضي حرمة التقيّة ، كما ذكره المصنّف ، لأنّه قال عليه‌السلام : «لا أتّقي» ، ومع ذلك لم يقل : «لا تتّقوا» ، بل ربّما كان فيه إشعار بأنّ غيره عليه‌السلام يتّقي ، كما

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣١ الحديث ١٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٥٩ الحديث ١٠٨٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٥٥ الحديث ١٢٠٢.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ١ / ٤١٠ الباب ٢٢ و ٤١٢ الباب ٢٣ من أبواب الوضوء.

(٣) مرّ آنفا.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٤٦٣ الباب ٣٩ من أبواب الوضوء.

(٥) الكافي : ٣ / ٣٢ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦٢ الحديث ١٠٩٣ ، الاستبصار : ١ / ٧٦ الحديث ٢٣٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٥٧ الحديث ١٢٠٧.

٣٣٠

فهمه زرارة الراوي الفقيه ، والشاهد يرى ما لا يراه الغائب ، ومن توجّه إليه الخطاب ربّما يفهم ما لا يفهم غيره ، ومع ذلك هو الموافق للعقل والكتاب والأخبار المتواترة وإجماع الشيعة ، كلّ هذا إذا صار المقام تقيّة ، وإلّا ففي الغالب تحقّق المندوحة.

أمّا في التمتّع ؛ فلأنّ الضمير لا يطّلع عليه ، وفي الظاهر يمكن إخفاؤه بحيث لا يطّلع عليه المخالف أصلا ، كما كان هو الحال في الأعصار السابقة إلى الآن.

وأمّا شرب المسكر ؛ فهم لا يلزمون ، وكثير منهم يحرّمون ، بل كلّهم ، إلّا القدر الذي لا يسكر ، أو بالنحو الذي لا يسكر على ما أظن.

وأمّا المسح على الخفّين ؛ فغسل الرجل عند التقيّة أولى منه ، كما يظهر من الأخبار (١) ، وهم يكتفون ، ولذا قال المعصوم عليه‌السلام ذلك في جواب سؤال الراوي ، الظاهر في كون السؤال لأمثاله لا المعصوم عليه‌السلام.

لكن ما ذكرنا إنّما هو بحسب الغالب ، وإلّا تحصل التقيّة نادرا ، فيجب التقيّة للأخبار المتواترة بعد الآيات والإجماع والضرورة ، مضافا إلى حكم العقل ، فلو لم يفعل ، لم يكن ممتثلا ، فيكون الوضوء باطلا.

وإذا توضّأ بعنوان التقيّة ثمّ زال الخوف ، لم يصحّ لغير صورة الخوف. ويجب الإعادة ، لأنّ الضرورة تتقدّر بقدرها ، والباطل لا يصحّ مطلقا خرج صورة الخوف بالإجماع وغيره.

وقيل بالصحّة استصحابا للحالة السابقة (٢).

وفيه ما عرفت ، ألا ترى أنّ أكل الميتة حرام إلّا في الاضطرار ، وهكذا الحال

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٤٥٧ الباب ٣٨ من أبواب الوضوء ، لاحظ! مدارك الأحكام : ١ / ٢٢٣.

(٢) لاحظ! مختلف الشيعة : ١ / ٣٠٣.

٣٣١

في نظائره ممّا هو حرام وممنوع مطلقا إلّا في صورة خاصّة ، والاستصحاب لا يجري فيه.

ثمّ اعلم! أنّه كما يجوز المسح على الخفّ ، بل يجب للتقيّة ، كذا للاحتراز عن البرد الشديد ، لرواية أبي الورد عن الباقر عليه‌السلام أنّه سأله هل في المسح على الخفّ رخصة؟ قال : «لا ، إلّا من عدوّ تتّقيه ، أو ثلج تخاف على رجليك» (١).

والرواية منجبرة بعمل الأصحاب ، مع أنّ أبا الورد ممدوح (٢) ، مع أنّه ليس فيها من يتوقّف فيه سواه (٣) ، وفيها من أجمعت العصابة ، وهو حمّاد وفضالة (٤) ، فلا ضرر من طرف (٥) أبي الورد.

وفي «الفقه الرضوي» أيضا ما يوافق رواية أبي الورد (٦) ، وإذا كان العذر غير البرد الشديد ، فالأحوط الجمع بين المسح على الخفّ والتيمم.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦٢ الحديث ١٠٩٢ ، الاستبصار : ١ / ٧٦ الحديث ٢٣٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٥٨ الحديث ١٢١١.

(٢) جامع الرواة : ٢ / ٤٢٠.

(٣) في (ك) : إلّا أبا الورد.

(٤) رجال الكشّي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥ ، ٨٣١ الرقم ١٠٥٠.

(٥) في (ك) : جهة.

(٦) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٦٨ ، مستدرك الوسائل : ١ / ٣٣١ الحديث ٧٥٧.

٣٣٢

٥٢ ـ مفتاح

[وجوب الترتيب في الوضوء]

يجب الترتيب ، كما في الآية (١) ، وتقديم اليمنى من اليد بلا خلاف ، للصحاح (٢). والأحوط تقديم الرجل اليمنى أيضا ، كما في الصحيح (٣) ، وأوجبه الصدوقان (٤).

والناسي يعيد ما يحصل معه الترتيب ، للصحاح (٥).

ويجب الموالاة للإجماع والصحيحين (٦) ، وإن اختلف في تفسيرها بالمتابعة العرفيّة ، أو عدم جفاف الكلّ أو البعض ، إلّا لضرورة مطلقا أو الأقرب ، والأكثر على الثاني (٧).

__________________

(١) المائدة (٥) : ٦.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٤٤٨ الباب ٣٤ و ٤٥٠ الباب ٣٥ من أبواب الوضوء.

(٣) الكافي : ٣ / ٢٩ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤١٨ الحديث ١٠٨٨.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨ ذيل الحديث ٨٨ ، مختلف الشيعة : ١ / ٢٩٨.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٤٥٠ الباب ٣٥ من أبواب الوضوء.

(٦) وسائل الشيعة : ١ / ٤٤٧ و ٤٤٨ الحديث ١١٧٧ و ١١٨١.

(٧) اصباح الشيعة : ٢٩ و ٣٠ ، المعتبر : ١ / ١٥٧ ، مدارك الأحكام : ١ / ٢٢٦ ـ ٢٢٨.

٣٣٣
٣٣٤

قوله : (يجب الترتيب). إلى آخره.

وهو ركن في الوضوء فيبطل بتركه ولو كان نسيانا ، لعدم الإتيان بالجزء الصوري ، لعدم تحقّق الماهيّة إلّا به ، لأنّ العبادة توقيفيّة موقوفة على نصّ الشارع ، ومن تخلّف عنه لا يكون ممتثلا البتة ، فمراعاته واجبة ، ولقوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) (١) الآية ، لاعتبار التقديم الذكري على القول بأنّ الواو تفيد الترتيب ، أو باعتبار الترتيب الذكري ، سيّما مع ما عرفت من أنّ العبادة توقيفيّة ، فالاحتمال يضرّ ، لأنّ البراءة الاحتماليّة غير كافية إجماعا وعرفا واستصحابا ، ولقوله عليه‌السلام : «لا تنقضوا اليقين إلّا باليقين» (٢).

وأمّا على المشهور ؛ فلما ورد في الأخبار من اعتبار التقديم الذكري في القرآن (٣) ، لكن الثابت على التقادير تقديم الوجه على اليدين ، ثمّ الرأس على الرجلين ، كما هو مذهب بعض العامّة (٤) ، لكن عندنا لم يقل أحد بالفصل.

ولصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : «تابع بين الوضوء كما قال الله عزوجل ، ابدأ بالوجه ثمّ باليدين ثمّ امسح الرأس والرجلين ، ولا تقدّمنّ شيئا بين يدي شي‌ء تخالف ما امرت به ، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فاغسل الوجه ، وأعد على الذراع ، وإن مسحت الرجل قبل الرأس ، فامسح على الرأس قبل الرجل ، ثمّ أعد على الرجل ، ابدأ بما بدأ الله عزوجل به» (٥).

__________________

(١) المائدة (٥) : ٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١ مع اختلاف يسير.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٨ الحديث ١٠٢٢ و ٤١٢ الحديث ١٠٧٣ و ٤٤٨ الحديث ١١٨١.

(٤) المغني لابن قدامة : ١ / ٩٢.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨ الحديث ٨٩ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٩٧ الحديث ٢٥١ ، الاستبصار : ١ / ٧٣

٣٣٥

وهذه أيضا مثل الآية تحتاج إلى عدم القول بالفصل ، أو ضمّ الأخبار الآتية ، فإنّ الأمر حقيقة في الوجوب ، والنهي في الحرمة ، سيّما مع تأكيده عليه‌السلام وعدّ مخالفة الصورة والترتيب مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى ، وأمره عليه‌السلام بوجوب الإعادة مطلقا شامل للناسي والجاهل.

وتكريره أيضا دالّ على وجوب مراعاة ما هو مقدم في الآية ، كما يدل عليه ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّه طاف وخرج من المسجد فبدأ بالصفا ، قال : ابدءوا بما بدأ الله به» (١) ، وغيرها من الأخبار والروايات المتقدّمة كصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام حكاية عن وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، وغيرها.

والروايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى ، وكفى بهذا الحديث شاهدا ودليلا ، والتقريب كما تقدّم.

وصحيحة زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام : عن رجل بدأ بيده قبل وجهه رجليه قبل يديه ، قال : «يبدأ بما بدأ الله [به] وليعد ما كان» (٣).

كما يقوّيه قويّة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : «إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ، ثمّ اغسل ذراعيك» (٤).

ووجوب الإعادة ظاهر في البطلان.

__________________

الحديث ٢٢٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٤٨ الحديث ١١٨١ مع اختلاف يسير.

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٩٦ الحديث ٢٥٠ ، وسائل الشيعة : ١٣ / ٤٨٢ الحديث ١٨٢٥٧.

(٢) الكافي : ٣ / ٢٤ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٥٥ الحديث ١٥٧ ، الاستبصار : ١ / ٥٨ الحديث ١٧١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٩٢ الحديث ١٠٢٩.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٩٧ الحديث ٢٥٢ ، الاستبصار : ١ / ٧٣ الحديث ٢٢٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٥٠ الحديث ١١٨٦.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٥ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٩٩ الحديث ٢٥٨ ، الاستبصار : ١ / ٧٤ الحديث ٢٢٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٥٢ الحديث ١١٩٣ مع اختلاف يسير.

٣٣٦

وصحيحة منصور بن حازم ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يتوضّأ فيبدأ بالشمال قبل اليمين؟ قال : «يغسل اليمين ويعيد اليسار» (١).

وهذه الجملة الخبريّة بمعنى الأمر هنا ، وهو يقتضي الوجوب ، كما يدلّ عليه صريحا ما رواه الحلبي ـ في الحسن كالصحيح ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ومسح رأسه ورجليه فذكر بعد ذلك غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه» (٢).

وأمّا تقديم الرجل اليمنى على اليسرى ؛ ففيه خلاف بين الفقهاء ، والمشهور سقوط الترتيب ، حتّى قال ابن إدريس : لا أظنّ أحدا منّا يخالفنا ، لإطلاق الآية الشريفة ، والأخبار الكثيرة (٣).

وقال جماعة بجواز المعيّة خاصّة (٤) ، لما في «الاحتجاج» في مكاتبة الحميري أنّه كتب إلى الناحية المقدّسة ، وسأل عن المسح على الرجلين يبدأ باليمين ، أو يمسح عليها جميعا؟ فخرج التوقيع : «يمسح عليهما جميعا معا فإن بدأ بإحداهما قبل الاخرى فلا يبدأ إلّا باليمين» (٥).

وذهب ابنا بابويه وابن الجنيد وابن أبي عقيل إلى وجوب تقديم اليمنى على اليسرى مطلقا (٦).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٩٧ الحديث ٢٥٣ ، الاستبصار : ١ / ٧٣ الحديث ٢٢٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٥١ الحديث ١١٨٧.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٤ الحديث ٤ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٩٩ الحديث ٢٥٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٥٢ الحديث ١١٩٤.

(٣) نقل عنه الشهيد في ذكرى الشيعة : ٢ / ١٦٣.

(٤) منهم المحقّق في المعتبر : ١ / ١٥٥ ، العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٢٩٨.

(٥) الاحتجاج : ٢ / ٤٩٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٥٠ الحديث ١١٨٥ مع اختلاف يسير.

(٦) نقل عنهم العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٢٩٨ ، لاحظ! من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨ ذيل الحديث ٨٨ ، المراسم : ٣٨.

٣٣٧

لما روي عنه عليه‌السلام أنّه كان إذا توضّأ بدأ بميامنه (١).

ولخصوص صحيحة محمّد بن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام : «امسح على مقدّم رأسك وامسح على القدمين وابدأ بالشقّ الأيمن» (٢).

لكن يعارضهما رواية «الاحتجاج» التي هي صحيحة على الظاهر وأعلى سندا.

وكذا يعارضهما ظواهر الأخبار التي استدللنا بها (٣) لوجوب كون المسح ببقيّة البلل (٤).

وربّما تكون صحيحة البزنطي التي مرّت في قدر مسح الرجل أيضا (٥) ظاهرة في خلاف هذه الصحيحة.

ومع ذلك في جميع مقامات إظهار مسح الرجل قالوا : مسح القدمين ومسح الرجلين من دون إظهار ترتيب في موضع من المواضع ، سيّما مع التصريح بالترتيب بين اليدين.

بل الوضوءات البيانيّة مع غاية كثرتها كلّها بتفصيل تامّ في الترتيب بين اليدين ، وعدم إشارة أصلا في واحدة منها بترتيب أصلا بين الرجلين.

وكذا الحال في نقل وضوء الباقر عليه‌السلام وغيره من الأئمّة عليهم‌السلام ، مع الشهرة العظيمة وعموم البلوى ونهاية شدّة الحاجة ، فلو كان الترتيب بينهما واجبا لاشتهر

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٣٨٦ الحديث ٨٤٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٤٩ الحديث ١١٨٣.

(٢) الكافي : ٣ / ٢٩ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤١٨ الحديث ١٠٨٨.

(٣) في (ف) و (ز ١) : التي شهد الناس بها.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٧ الباب ١٥ من أبواب الوضوء.

(٥) الكافي : ٣ / ٣٠ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٦٤ الحديث ١٧٩ ، ٩١ الحديث ٢٤٣ ، الاستبصار : ١ / ٦٢ الحديث ١٨٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤١٧ الحديث ١٠٨٥.

٣٣٨

مثل اليدين من دون تفاوت أصلا.

ويعضد جميع ما ذكر إطلاقات الأخبار المتواترة ، فلاحظ! ومع ذلك الأحوط مراعاته ، مع أنّ في تقديم اليسرى إشكالا. وهذه الصحيحة عدّها في «المدارك» حسنة في موضع آخر (١).

قوله : (ويجب الموالاة). إلى آخره.

أجمع علماؤنا على وجوبها ، واختلفوا في تفسيرها على معنيين :

أحدهما : المتابعة العرفيّة ، وهي أن يشتغل بعضو بعد الفراغ من الآخر عرفا.

قال الشهيد في «الذكرى» : القول بالمتابعة منحصر في المفيد ، واحتمل كون المفيد أيضا موافقا للأصحاب ، ويكون القول بالجفاف متّفقا عليه بين جميع علمائنا (٢).

لكن العلّامة اختار وجوب المتابعة ، لا كونها شرطا في صحّة الوضوء ، بل الشرط عدم الجفاف (٣) ، وربّما كان ذلك ظاهر الشيخ في «الخلاف» (٤) ، وأنّه مذهب الشيعة.

ونسبه في «المعتبر» إلى المرتضى (٥) ، ونسب في «المدارك» و «الذخيرة» إلى «المبسوط» القول بالمتابعة اختيارا والجفاف اضطرارا (٦) ، وبطلان الوضوء بترك المتابعة اختيارا ، فلا بدّ من الملاحظة.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ١ / ٢٠٩.

(٢) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٦٧ و ١٦٨ ، المقنعة : ٤٩.

(٣) تحرير الأحكام : ١ / ١٠ ، منتهى المطلب : ٢ / ١١٦.

(٤) الخلاف : ١ / ٩٣ و ٩٤ المسألة ٤١.

(٥) المعتبر : ١ / ١٥٧.

(٦) مدارك الأحكام : ١ / ٢٢٧ ، ذخيرة المعاد : ٣٥ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ٢٣.

٣٣٩

ولعلّ مراد «الذكرى» أنّ القول بالجفاف في الجملة وفاقي ، فتأمّل!

والثاني : اعتبار الجفاف ، وهو قول الصدوقين (١) ، بل الكليني وابن الجنيد (٢) أيضا ، وقول الشيخ في «الجمل» (٣) ، والمرتضى في «شرح الرسالة» (٤) ، وأبي الصلاح ، وابن البرّاج ، وابن حمزة ، والكيدري ، وابن إدريس ، والمحقّق ، والشهيدين (٥) ، بل قال في «الذكرى» ما عرفت (٦) ، واختاره غير واحد من محقّقي المتأخّرين (٧).

واختلف في تفسير الجفاف أيضا ، ونقل عن ابن الجنيد اشتراط بقاء البلل على جميع الأعضاء إلى مسح الرجلين (٨).

وعن ابن إدريس اعتبار العضو السابق (٩) ، وظاهر الباقين ـ كما هو المشهور ـ أنّ المبطل جفاف الجميع لا جفاف البعض ، وهو ما اعتبره صاحب «المعتبر» (١٠).

احتج العلّامة على وجوب المتابعة بالأمر في قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا

__________________

(١) نقل عن والد الصدوق في مختلف الشيعة : ١ / ٢٩٩ ، المقنع : ١٦ و ١٧.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٥ ، نقل عن ابن الجنيد في ذكرى الشيعة : ٢ / ١٦٧.

(٣) الرسائل العشر (الجمل والعقود) : ١٥٩.

(٤) نقل عن المرتضى في المعتبر : ١ / ١٥٧.

(٥) الكافي في الفقه : ١٣٣ ، المهذّب : ١ / ٤٥ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٥٠ ، إصباح الشيعة : ٢٩ و ٣٠ ، السرائر : ١ / ١٠١ ، شرائع الإسلام : ١ / ٢٢ ، المختصر النافع : ٦ ، اللمعة الدمشقيّة : ١٧ ، الروضة البهيّة : ١ / ٧٧.

(٦) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٦٩.

(٧) جامع المقاصد : ١ / ٢٢٥ ، كشف اللثام : ١ / ٥٥٧.

(٨) نقل عن ابن الجنيد في ذكرى الشيعة : ٢ / ١٧٠.

(٩) السرائر : ١ / ١٠١.

(١٠) المعتبر : ١ / ١٥٧.

٣٤٠