مصابيح الظلام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-0-0
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥٢

الصلاة ، كما لا يخفى على الفطن.

العاشر : لو صلّى منها ركعتين ثمّ عرض عارض ، بنى بعد إزالة عارضه بالركعتين الأخيرتين ، ويأتي بهما بعد زوال عذره بلا فصل احتياطا ، كما أنّ الفصل بين الأربع لا يفعل عن غير عذر احتياطا ، لما ورد في بعض الأخبار عنهم حين ما سألوهم عليهم‌السلام عن جواز الفصل والبناء : «إن قطعه ذلك أمر لا بدّ منه فليقطع ثمّ ليرجع فليبن [على ما بقي] إن شاء الله» (١).

الحادي عشر : لا وقت لهذه الصلاة على سبيل الوجوب ، بل تصلّى في أيّ ساعة تكون من الليل والنهار ، ما لم يتضيّق وقت واجب ، بل ما لم يكن وقت فريضة من الفرائض اليوميّة على الأحوط ، وإذا كان الوقت الموسّع لفريضة اخرى ، فالأولى والأحوط تقديم الفريضة ، بل تقديم الواجب الآخر أيضا ، إلّا في صورة يكون تأخير الفريضة ، والواجب أولى.

وبالجملة ؛ الأوقات بالنسبة إلى هذه الصلاة على السويّة في صورة عدم تحقّق مانع خارجي ، وورد في «الاحتجاج» أنّ أفضل أوقات هذه الصلاة صدر النهار يوم الجمعة (٢). وورد : أنّ الكاظم عليه‌السلام صلّاها عند ارتفاع نهار يوم الجمعة (٣) ، والظاهر كون البناء عند الفقهاء على ذلك.

الثاني عشر : في «الاحتجاج» ، عن الحميري ، عن الصاحب عليه‌السلام : أنّه إذا سها المصلّي في التسبيح في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود وذكر في حالة اخرى قد صار فيها من هذه الصلاة قضى ما ذكره في الحالة التي ذكره فيها (٤).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٤٩ الحديث ١٥٤١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٠٩ الحديث ٩٥٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٩ الحديث ١٠٠٨٨.

(٢) الاحتجاج : ٤٩١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٦ الحديث ١٠٠٨٠.

(٣) جمال الاسبوع : ١٨٣.

(٤) الاحتجاج : ٤٨٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٦١ الحديث ١٠٠٩٢ مع اختلاف يسير.

٤١

وفي «الفقه الرضوي» أيضا : «إن نسيت التسبيح في ركوعك أو سجودك أو قيامك فاقض حيث ذكرت على أيّ حالة تكون» (١) ، ولا بأس بالعمل بذلك لاعتبار الكتابين ، سيّما في مثل المقام.

الثالث عشر : قال في «الذكرى» : ويصلّي صلاة جعفر سفرا وحضرا ، ويجوز في المحمل مسافرا (٢).

وفي «المنتهى» قال : روى الشيخ في الصحيح (٣) ، عن علي بن سليمان قال : كتبت إلى الرجل عليه‌السلام : ما تقول في صلاة التسبيح في المحمل؟ فكتب : «إن كنت مسافرا فصلّ (٤)» (٥).

قلت : لا تأمّل في جواز فعلها سفرا أيضا ، والظاهر جواز فعلها على طريقة سائر النوافل ، لكن الأولى والأحوط العمل بهذه الصحيحة وما يظهر من الفاضلين (٦).

الرابع عشر : ورد دعاء مختصر للسجدة الأخيرة من هذه الصلاة مذكور في كتب الأخبار والأدعية (٧) ، ودعاء آخر أبسط منه (٨) ، وأذكار ودعوات لما بعدها ، من أراد المعرفة فعليه ب «المصباح» وغيره من كتب الأدعية (٩).

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٥٦ ، مستدرك الوسائل : ٦ / ٢٣٢ الحديث ٦٧٨٩.

(٢) ذكرى الشيعة : ٤ / ٢٤٤.

(٣) في (ف) و (ز ١) و (ط) : في تهذيب الأحكام.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٠٩ الحديث ٩٥٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٨ الحديث ١٠٠٨٦.

(٥) منتهى المطلب : ٦ / ١٤٨.

(٦) شرائع الإسلام : ١ / ١١١ ، منتهى المطلب : ٦ / ١٤٥ ـ ١٤٨.

(٧) الكافي : ٣ / ٤٦٧ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٨٧ الحديث ٤٢٥ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٥ الحديث ١٠٠٧٨.

(٨) الكافي : ٣ / ٤٦٦ الحديث ٥ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٤٩ الحديث ١٥٤٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٦ الحديث ١٠٠٧٩.

(٩) انظر! مصباح المتهجّد : ٣٠٥ ـ ٣١٤ ، جمال الاسبوع : ١٨٣ ـ ١٩١.

٤٢

وما ذكره المصنّف من الصحيح الدالّ على جواز جعلها من النوافل والقضاء ، فهو صحيح ذريح ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «إن شئت صلّ صلاة التسبيح بالليل ، وإن شئت بالنهار ، وإن شئت في السفر ، وإن شئت جعلتها من نوافلك ، وإن شئت جعلتها من قضاء صلاة» (١).

وفي رواية أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام : «إن شئت حسبتها من نوافل الليل ، وإن شئت حسبتها من نوافل النهار ، وتحسب لك من نوافلك ، وتحسب لك من صلاة جعفر» (٢).

وورد في غيرهما من الروايات أيضا (٣) ، وأفتى بذلك الفقهاء مثل العلّامة والشهيد وغيرهما من المتأخّرين (٤) ، مضافا إلى من قال به من القدماء (٥).

بل جوّز الشهيدان جعلهما من الفرائض أيضا (٦) ، بناء على أنّه ليس فيها ما ينافي ويضادّ هيئة الفريضة.

ويؤيّده إطلاق لفظ «قضاء صلاة» من دون تقييد بالنافلة.

ويمكن أن يستدلّ له بصحيحة بسطام على النحو الذي رواها المفيد ، إذ في آخرها هكذا : فقال له بسطام : أبا لليل اصلّيها أم بالنهار؟ فقال : «لا ، ولكن تصلّيها من صلاتك التي كنت تصلّي قبل ذلك» (٧).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٦٦ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٨٧ الحديث ٤٢٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٧ الحديث ١٠٠٨٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٤٩ الحديث ١٥٤٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥٨ الحديث ١٠٠٨٧.

(٣) انظر! وسائل الشيعة : ٤ / ٥٦ الحديث ٤٤٩٦.

(٤) مختلف الشيعة : ٢ / ٣٤٧ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ٢٤٤ ، البيان : ٢٢٢ ، الجامع للشرائع : ١١٢ ، روض الجنان : ٣٢٧ ، مسالك الأفهام : ١ / ٢٨٠.

(٥) نقل عن علي بن بابويه وابن أبي عقيل في مختلف الشيعة : ٢ / ٣٤٧ ، الهداية : ١٥٤.

(٦) البيان : ٢٢٢ ، روض الجنان : ٣٢٧ وانظر! مفتاح الكرامة : ٣ / ٢٦٨.

(٧) نقل عن المفيد رحمه‌الله في الأربعين حديثا للشهيد الأوّل : ٥٣ الحديث ٢٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٥١ الحديث

٤٣

وظاهر غير الشهيدين عدم جعلها من الفرائض (١) ، وهو الظاهر من الأخبار حيث قيّدوا فيها بالنوافل (٢).

وظاهر أنّ هذا القيد احترازي ، مع أنّه لو كانت الفريضة أيضا تصحّ هكذا ، لكانت أولى بالذكر ؛ لأنّ كلّ واحد يصلّي الفريضة بخلاف النافلة ، ولأنّ النافلة ربّما يسامح فيها ما لا يسامح في الفريضة.

فالتقييد بالنافلة يشير إلى أنّ هذا أيضا من ذلك ، مع أنّ العبادة التوقيفيّة لا بدّ أن تكون هيئتها منصوصة أو إجماعيّة.

وأيضا لو كان يجوز ذلك لشاع وذاع بمقتضى العادة والدواعي ، لا أن يصير الأمر بالعكس بحسب الفعل والفتوى إلى زمان الشهيدين.

ولذا قيّدوا قوله عليه‌السلام : «قضاء صلاة» بكونه قضاء النافلة بقرينة السياق ، وأنّه لو جاز الإطلاق في القضاء لناسب الإطلاق بالنسبة إلى الأداء أيضا ، فلا حاجة إلى التكليف والعناية في تطويل القيد وتكريره بالقول بالنافلة ، والقول بالقضاء خاصّة ، إذ كلّما ازداد القيد ازداد الإخراج قوّة ، فكان اللازم عدم القيد ؛ لأنّه يوهم خلاف المقصود ، بل يدلّ عليه ، فكيف الحال إذا ازداد القيد؟

وبالجملة ؛ الأحوط الاجتناب.

نعم ؛ في صورة الاستعجال لا بأس بارتكاب الأذكار خارجة عن الصلاة بقصد الترديد بأنّه إن صحّ كون ما فعله صلاة جعفر أيضا ، فيكون تسبيح صلاة جعفر ، وإلّا فذكر الله حسن على كلّ حال.

__________________

١٠٠٧١ ، في المصادر : ابن بسطام.

(١) مثل العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٣٤٧.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٥٧ الباب ٥ من أبواب صلاة جعفر عليه‌السلام.

٤٤

٣٩ ـ مفتاح

[الصلوات المسنونة]

يستحبّ الصلاة يوم الغدير بالمأثور (١) ، وكذا أوّل ذي الحجّة ، وليلة المبعث ويومه ، وليلة النصف من شعبان ، وساعة الغفلة للخبر ، وهي ما بين مغيب الشمس إلى مغيب الحمرة المغربيّة ، وتسمّى صلاتها ب «الغفيلة» (٢) ، وللهدية للمعصومين عليهم‌السلام ، وللاستخارة ، والحاجة ، والشكر ، وتحيّة المسجد ، والزيارات ، وللميّت ليلة الدفن ، وللاستطعام ، والحبل ، وللدخول بالزوجة والاهتمام بالتزويج ، والسفر ، وللعافية ورفع الخوف.

وصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمير المؤمنين ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين عليهم‌السلام والأعرابي.

وصلوات اخر غير ذلك ، وهي مذكورة في أماكنها مع كيفيّتها وآدابها ومستندها.

__________________

(١) انظر! وسائل الشيعة : ٨ / ٨٩ الباب ٣ من أبواب بقيّة الصلوات المندوبة.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ١٢٠ الباب ٢٠ ، مستدرك الوسائل : ٦ / ٣٠٢ الباب ١٥ من أبواب بقية الصلوات المندوبة.

٤٥

وفي الخبر : «الصلاة خير موضوع فمن شاء استكثر ومن شاء استقلّ» (١).

__________________

(١) بحار الأنوار : ٧٩ / ٣٠٨ و ٣٠٩ الحديث ٩ ، مستدرك الوسائل : ٣ / ٤٢ و ٤٣ الحديث ٢٩٧١ و ٢٩٧٢.

٤٦

قوله : (يستحبّ الصلاة يوم الغدير). إلى آخره.

هو يوم الثامن عشر من ذي الحجّة قبل الزوال بنصف ساعة ، وهذه الصلاة ركعتان يقرأ في كلّ ركعة منها «الحمد» مرّة ، و «قل هو الله» عشرا ، وآية الكرسي عشرا و «إنّا أنزلناه» عشرا ، روى ذلك محمّد بن موسى الهمداني ، عن علي بن حسان الواسطي ، عن علي بن الحسين العبدي ، عن الصادق عليه‌السلام ، وفيها : أنّها «تعدل عند الله مائة ألف حجّة ومائة ألف عمرة ، وما سأل الله عزوجل حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلّا قضيت له كائنة ما كانت ، وإن فاتتك الركعتان قضيتها» (١).

وأمّا ما ذكره من سائر الصلوات ؛ فهي في كتب الأدعية والأخبار مذكورة (٢) ، لم نجد لذكرها هنا كثير فائدة ؛ لأنّ محلّ ذكرها كتب الأدعية لا كتب الفقه ، سيّما الاستدلاليّة منها.

نعم ؛ الفقهاء يتوجّهون إلى بعض منها للخصوصيّة الظاهرة.

منها : صلاة الغفيلة ومرّ الكلام فيها (٣).

ومنها : صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ففي «مصباح المتهجّد» (٤) و «جمال الاسبوع» : أنّه سئل الرضا عليه‌السلام عن صلاة جعفر؟ فقال : «أين أنت عن صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فعسى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يصلّ صلاة جعفر ، ولعلّ جعفر صلّى صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم». فقلت : علّمنيها ، قال : «تصلّي ركعتين تقرأ في كلّ ركعة

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٤٣ الحديث ٣١٧ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٨٩ الحديث ١٠١٥٤ مع اختلاف.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ٨٥ أبواب بقيّة الصلوات المندوبة.

(٣) راجع! الصفحة : ٥٠٢ ـ ٥٠٤ (المجلّد الثاني) من هذا الكتاب.

(٤) مصباح المتهجّد : ٢٩٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٨٨ الحديث ١٠١٥٣.

٤٧

فاتحة الكتاب و «إنّا أنزلنا» خمس عشرة مرّة ثمّ تركع فتقرأها وخمس عشرة مرّة إذا استويت قائما ، وخمس عشرة مرّة إذا سجدت ، وخمس عشرة مرّة إذا رفعت رأسك من السجود ، وخمس عشرة مرّة في السجدة الثانية ، وخمس عشرة مرّة قبل أن تنهض إلى الركعة الاخرى ، ثمّ تقوم إلى الثانية فتفعل كما فعلت في الركعة الاولى ، ثمّ تنصرف وليس بينك وبين الله تعالى ذنب إلّا وقد غفر لك وتعطى جميع ما سألت» ، والدعاء بعدها : «لا إله إلّا الله». إلى آخر الدعاء (١).

وذكرها الشيخ في سياق أعمال يوم الجمعة (٢) ولا يظهر من الرواية المذكورة اختصاصها به.

ومنها : صلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام وهي أربع ركعات بتشهّدين وتسليمين ، يقرأ في كلّ ركعة «الحمد لله» مرّة ، و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) خمسين مرّة رواها الصدوق في «الفقيه» في الصحيح (٣) ، وفي «المجالس» أيضا (٤) ، وفي «ثواب الأعمال» أيضا ، والكلّ بمضمون واحد ، وفيها : أنّه «لم ينفتل وبينه وبين الله ذنب إلّا وقد غفر له» (٥).

ثمّ روى في «الفقيه» عن العيّاشي رحمه‌الله هذه الصلاة بسنده إلى الصادق عليه‌السلام : «إنّ هذه الصلاة ؛ صلاة فاطمة عليها‌السلام ، وصلاة الأوّابين» (٦).

ونقل عن شيخه ابن الوليد أنّه روى هذه الصلاة وثوابها ، وكان يقول : لا أعرفها بصلاة فاطمة عليها‌السلام ، وأمّا أهل الكوفة فإنّهم يعرفونها بصلاة

__________________

(١) جمال الاسبوع : ١٦٢ ، مستدرك الوسائل : ٦ / ٢٧٢ الحديث ٦٨٣٨ مع اختلاف.

(٢) مصباح المتهجّد : ٢٩٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٥٦ الحديث ١٥٥٩ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١١٢ الحديث ١٠١٩٧.

(٤) أمالي الصدوق رحمه‌الله : ٨٧ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١١٣ الحديث ١٠٢٠١.

(٥) ثواب الأعمال : ٦٢ و ٦٣ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١١٢ الحديث ١٠١٩٧.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٥٦ الحديث ١٥٦٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١١٣ الحديث ١٠١٩٨.

٤٨

فاطمة عليها‌السلام (١) ، انتهى.

وفي «المصباح» : روي هذه الصلاة ؛ صلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأنّ من صلّاها خرج من ذنوبه كيوم ولدته امّه وقضيت حوائجه ، وذكر دعاء لما بعد الفراغ منها ، ثمّ ذكر دعاء آخر ، ثمّ ذكر صلاة اخرى لأمير المؤمنين عليه‌السلام تصلّى يوم الجمعة ، مع دعاء وآداب ، من أراد ما ذكر فليلاحظ «المصباح» (٢).

ومنها : صلاة فاطمة عليها‌السلام وهي ركعتان يقرأ في الاولى «الحمد» مرّة و «القدر» مائة مرّة ، وفي الثانية «الحمد» مرّة و «التوحيد» مائة مرّة.

ذكرها في «المصباح» وقال : إذا سلّمت سبّحت تسبيح الزهراء عليها‌السلام ، ثمّ نقل دعاء يقرأ بعدها (٣).

وفي «جمال الاسبوع» نقلها بسنده إلى المفضل بن عمر ، عن الصادق عليه‌السلام ، وذكر بعد هذه الصلاة تسبيح الزهراء عليها‌السلام كالشيخ ، وقال : تكشف عن ركبتيك وذراعيك على المصلّى وتدعو بهذا الدعاء ، وتسأل حاجتك ، وذكر الدعاء (٤).

ونقل لها عليها‌السلام صلاة اخرى أيضا ، وهي ركعتان تقرأ في كلّ منهما بعد «الحمد» (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) خمسين مرّة ، ثمّ ترفع يديك ، وتقول : «اللهمّ. إلى آخر الدعاء (٥) ، مذكور في «المصباح» (٦) مع تلك الصلاة.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٥٧ ، لاحظ! وسائل الشيعة : ٨ / ١١٣ الحديث ١٠١٩٩.

(٢) مصباح المتهجّد : ٢٩٢ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١١٦ الحديث ١٠٢٠٧.

(٣) مصباح المتهجّد : ٣٠١ ، وسائل الشيعة : ٨ / ١١٤ الحديث ١٠٢٠٢.

(٤) جمال الاسبوع : ١٧٣ ، مستدرك الوسائل : ٦ / ٢٩٢ الحديث ٦٨٦١.

(٥) جمال الاسبوع : ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٦) مصباح المتهجّد : ٣٠٢.

٤٩
٥٠

الباب الثّاني

في المقدّمات

القول في الوضوء

قال الله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (١).

٤٠ ـ مفتاح

[ما يجب له الوضوء]

وجوب الوضوء للصلاة الواجبة وشرطيّته للصلاة مطلقا من ضروريّات الدين.

__________________

(١) المائدة (٥) : ٦.

٥١

ويجب للطواف الواجب أيضا ، ويشترط فيه بالنصّ (١) والإجماع.

ولمس كتابة القرآن على المشهور ، لتحريم مسّها على المحدث ، كما يستفاد من الروايات (٢) ، ولكتابة القرآن للصحيح (٣) ، إلّا أنّي لم أجد به قائلا ، وقد يجب بالنذر وشبهه ، كما يأتي.

ولا يجب لغير ذلك بلا خلاف ولا لنفسه على المشهور ، للأصل ومفهوم الآية (٤) ، والصحيح : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة» (٥).

وقيل : بل يجب الطهارات جمع بحصول أسبابها وجوبا موسّعا ، لا يتضيّق إلّا بظنّ الفوات (٦) ، أو تضيّق وقت العبادة المشروطة بها (٧) ، لإطلاق أكثر النصوص.

والصحيح استحبابها كذلك دون الوجوب ، وإنّما تجب بوجوب المشروط بها.

__________________

(١) الكافي : ٤ / ٤٢٠ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٧٤ الحديث ١٧٩٩٤.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٣ الباب ١٢ من أبواب الوضوء.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ١٢٧ الحديث ٣٤٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٤ الحديث ١٠١٥.

(٤) فإنّ في «إذا» معنى الشرط فقبل دخول الوقت لا وجوب. وربّما يجاب عن الآية بأنّ أقصى ما يدلّ عليه ترتّب الأمر بالغسل والمسح على إرادة الصلاة ، والإرادة متحقّقة قبل الوقت وبعده ، إذ لا يعتبر فيها المقارنة للقيام ، وإلّا لما كان الوضوء في أوّل الوقت واجبا بالنسبة إلى من أراد الصلاة في آخره.

وعن الحديث بأنّ المشروط وجوب الطهور والصلاة معا ، وانتفاء هذا المجموع يتحقّق بانتفاء أحد جزأيه ، فلا يتعيّن انتفاؤهما معا «منه رحمه‌الله» ، لاحظ! مدارك الأحكام : ١ / ١٠.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٠ الحديث ٥٤٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٢ الحديث ٩٨١.

(٦) وتظهر الفائدة في نيّة الوجوب أو الندب قبل شغل الذمّة ، وفي العصيان بتركه أو ظنّ الموت قبله ، ولو قلنا بعدم اشتراط الوجه ـ كما هو الأصحّ ـ لزال الإشكال في الأوّل «منه رحمه‌الله».

(٧) ذكرى الشيعة : ١ / ١٩٤ ـ ١٩٦ ، مدارك الأحكام : ١ / ١٠.

٥٢

قوله : (للطواف الواجب). إلى آخره.

هذا الإجماع نقله جماعة (١) وأمّا النصّ ؛ فهو صحيح ابن مسلم ، قال : سألت أحدهما عليهما‌السلام عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهر؟ قال : «يتوضّأ ويعيد طوافه ، وإن كان تطوّعا توضّأ وصلّى ركعتين» (٢). إلى غير ذلك من الأخبار (٣).

ومنه يظهر عدم اشتراط الطواف المندوب بالطهارة ، وهو الأصحّ والمشهور. لأنّهم يقيّدون الطواف بالواجب هنا كالمصنّف ، فتأمّل!

ويمكن الاستدلال لغير الأصح بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الطواف بالبيت صلاة» (٤) ، إذ ليس المراد أنّه صلاة حقيقة ، فلا جرم يكون المراد مجازا ، وأقرب المجازات المشاركة في جميع الأحكام ، إلّا ما أخرجه الدليل.

وفيه ؛ أنّ اشتراط الطهارة أيضا أخرجه الدليل ، مضافا إلى أنّ الاستدلال المذكور فرع خروج الأقلّ وبقاء الأكثر ، وعدم كون وجه الشبه أمرا حاضرا في الأذهان ينصرف إليه ، وتمام التحقيق سيجي‌ء في محلّه إن شاء الله.

قوله : (لتحريم مسّها). إلى آخره.

ستجي‌ء الروايات الدالّة عليه ، فيتوقّف وجوب الوضوء له على حرمة

__________________

(١) الخلاف : ٢ / ٣٢٢ المسألة ١٢٩ ، تذكرة الفقهاء : ٨ / ٨٣ ، ذخيرة المعاد : ٦٢٦ ، كفاية الأحكام : ٦٦.

(٢) الكافي : ٤ / ٤٢٠ الحديث ٣ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٢٥٠ الحديث ١٢٠٢ ، تهذيب الأحكام : ٥ / ١١٦ الحديث ٣٨٠ ، الاستبصار : ٢ / ٢٢٢ الحديث ٧٦٤ ، وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٧٤ الحديث ١٧٩٩٤.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٧٤ الباب ٣٨ من أبواب الطواف.

(٤) سنن الدرامي ٢ / ٦٦ الحديث ١٨٤٧ ، سنن النسائي : ٥ / ٢٢٢ ، مسند أحمد : ٤ / ٤٢٣ الحديث ١٤٩٩٧. ٥ / ١١ الحديث ١٦١٧٦.

٥٣

المس على المحدث ، وكون المس واجبا ، ولذا قيّده الفقهاء بالواجب ، ولكن يتوقّف أيضا على ثبوت وجوب مقدّمة الواجب المطلق مطلقا ، أو إذا كان شرطا شرعيّا ، وهو محلّ نظر ، كما حقّق في الاصول (١).

ولعلّ مراد المصنّف من الوجوب الوجوب الشرطي ، ولذا ترك قيد الوجوب في المس ، فعلى حرمة المس على المحدث بالأصغر يتمّ مطلوبه ، لكن لا مناسبة في ذكر الوجوب الشرطي هنا.

وأمّا الروايات الدالّة على حرمة المس ، فمنها رواية أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام عمّن قرأ في المصحف وهو على غير وضوء ، قال : «لا بأس ولا يمس الكتاب» (٢).

وليس في سندها من يتوقّف فيه ، سوى الحسين بن مختار ، وأبي بصير ، ولا قدح من جهتهما.

أمّا من جهة أبي بصير ، فلأنّه مشترك بين يحيى بن القاسم ، وليث المرادي ، وكلاهما ثقتان (٣) ، وتوهّم كون يحيى واقفيّا فاسد ، لما حقّقنا في الرجال (٤) ، وعلى تقدير كون الحجّال يكنّى بأبي بصير ، فهو أيضا ثقة.

وأمّا يوسف بن الحارث ؛ فعلى تقدير تكنيته بأبي بصير ، فهو أيضا من أصحاب الباقر عليه‌السلام مجهول نادر الرواية (٥).

__________________

(١) الوافية : ٢١٩.

(٢) الكافي : ٣ / ٥٠ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٢٧ الحديث ٣٤٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٣ الحديث ١٠١٢.

(٣) رجال النجاشي : ٤٤١ ، جامع الرواة : ٢ / ٣٤ و ٣٢٤.

(٤) تعليقات على منهج المقال : ٣٧١.

(٥) جامع الرواة : ٢ / ٣٥٢ ، لاحظ! معجم رجال الحديث : ٢٠ / ١٦٦ الرقم ١٣٧٨٩.

٥٤

وأمّا الحسين ، وإن كان الشيخ في رجال الكاظم عليه‌السلام قال : واقفي (١) ، إلّا أنّه في أصحاب الصادق عليه‌السلام ذكره من غير نسبته إلى الوقف (٢). وكذلك في «الفهرست» ذكر أنّ له كتابا يروي عنه حمّاد (٣).

والنجاشي ذكره من غير نسبته إلى الوقف ، بل قال : له كتاب يروي عنه حمّاد بن عيسى (٤) ، وهو ممّن أجمعت العصابة (٥).

وابن عقدة نقل عن علي بن الحسن ثوثيقه (٦) ، والمفيد قال في إرشاده : إنّه من خاصّة الكاظم عليه‌السلام ، وثقات أصحابه ، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته (٧).

وفي «الكافي» : أنّ الصادق عليه‌السلام قال له : «رحمك الله» (٨) ، ويروي عنه ابن أبي عمير ، وابن مسكان ، وابن أبي نصر ، ويونس بن عبد الرحمن ، وهم ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم (٩) ، وبعضهم ممّن لا يروي إلّا عن الثقة (١٠).

ويروي عنه غيرهم من الثقات الأجلّة ، مثل الحجّال وغيره ، ومع ذلك

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٤٦ الرقم ٣.

(٢) رجال الطوسي : ١٦٩ الرقم ٦٨.

(٣) الفهرست للشيخ الطوسي : ٥٥ الرقم ١٩٥.

(٤) رجال النجاشي : ٥٤ الرقم ١٢٣.

(٥) رجال الكشي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥.

(٦) نقل عنه في خلاصة الرجال للحلّي : ٢١٥.

(٧) مصنّفات الشيخ المفيد (الإرشاد) : ٢ / ٢٤٨.

(٨) الكافي : ١ / ٦٧ الحديث ٨.

(٩) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(١٠) عدّة الاصول : ١ / ١٥٤.

٥٥

انجبرت هذه الرواية بالشهرة ، فإنّ المشهور بين الأصحاب تحريم المسّ عليه.

بل الشيخ ادّعى في «الخلاف» إجماع الفرقة عليه (١) ، وإن نسب إليه في مبسوطه القول بالكراهة (٢) ، إلّا أنّه وجّه الشهيد كلامه : أنّ مراده من الكراهة الحرمة ، ونسب إلى ابن الجنيد القول بالكراهة ، ووجّهه الشهيد بما وجّه كلام «المبسوط» (٣).

وأيضا انجبرت بالقرآن ، كما ستعرف ، مع أنّ الموثّق حجّة ، كما حقّق في محلّه.

ومنها : صحيحة حريز ، عمّن أخبره ، عن الصادق عليه‌السلام قال : كان إسماعيل بن أبي عبد الله عليه‌السلام عنده ، فقال : «يا بنيّ! اقرأ المصحف» ، فقال : إنّي لست على وضوء ، فقال : «لا تمسّ الكتاب ومسّ الورق» (٤).

وهذه صحيحة إلى حمّاد ، وهو ممّن أجمعت العصابة (٥) ، مضافا إلى الجوابر الاخر التي عرفت.

ومنها : رواية إبراهيم بن عبد الحميد ـ في القوي ـ عن أبي الحسن عليه‌السلام : «المصحف لا تمسّه على غير طهر ، ولا جنبا ، ولا تمسّ خطّه ولا تعلّقه ، إنّ الله تعالى يقول (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (٦)» (٧).

__________________

(١) الخلاف : ١ / ٩٩ المسألة ٤٦.

(٢) نسبه إليه في مدارك الأحكام : ١ / ٢٧٩ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ٢٣.

(٣) ذكرى الشيعة : ١ / ٢٦٥.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ١٢٦ الحديث ٣٤٢ ، الاستبصار : ١ / ١١٣ الحديث ٣٧٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٣ الحديث ١٠١٣.

(٥) رجال الكشّي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥.

(٦) الواقعة (٥٦) : ٧٩.

(٧) تهذيب الأحكام : ١ / ١٢٧ الحديث ٣٤٤ ، الاستبصار : ١ / ١١٣ الحديث ٣٧٨ ، وسائل الشيعة :

٥٦

والسيّد رحمه‌الله استند إلى هذه الرواية في حكمه بالمنع (١) ، وهو رحمه‌الله كان يقول بحجّية الخبر الذي يكون علميّا قطعيّا وما كان يجوّز العمل بالظنّي (٢) ، وباقي الجوابر قد عرفت.

ومنها : عبارة «الفقه الرضوي» وهي قوله عليه‌السلام : «لا تمسّ القرآن إذا كنت [جنبا أو كنت] على غير وضوء» (٣) ، وجوابرها أيضا عرفت هذه الأخبار ، مضافا إلى الإجماع المنقول عن الشيخ (٤) ، ولم يثبت كون لفظ «الكراهة» في كلام القدماء متغيّرا عن المعنى اللغوي ، فلم يثبت مخالفته لما نقل من الإجماع لاحتمال كون المراد الحرمة من قرينة المقام ، كما قال الشهيد (٥).

واستدلّ أيضا بقوله تعالى (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ. لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (٦) (٧).

واعترض بأنّ الاستدلال به مبني على إرجاع ضمير «لا يمس» إلى القرآن ، وكون الجملة صفة للقرآن ، أو خبرا ثالثا (٨).

وفيه ؛ أنّ الشيخ في «التبيان» والطبرسي في «مجمع البيان» قالا : عندنا إنّ الضمير يعود إلى القرآن ، فلا يجوز لغير الطاهر أن يمسّه (٩).

__________________

١ / ٣٨٤ الحديث ١٠١٤.

(١) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ٥٣.

(٢) رسائل الشريف المرتضى : ١ / ٦٢ ، ٣ / ٣٠٩.

(٣) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٥ ، مستدرك الوسائل : ١ / ٤٦٤ الحديث ١١٧١.

(٤) الخلاف : ١ / ٩٩ و ١٠٠ المسألة ٤٦.

(٥) ذكرى الشيعة : ١ / ٢٦٥.

(٦) الواقعة (٥٦) : ٧٧ ـ ٧٩.

(٧) مدارك الأحكام : ١ / ٢٤١.

(٨) ذخيرة المعاد : ٣.

(٩) التبيان : ٩ / ٥١٠ ، مجمع البيان : ٦ / ١٣٢ (الجزء ٢٧).

٥٧

قلت : هذا يعاضد الإجماع المنقول عن «الخلاف» (١) ، وكون التوجيه الذي ذكره الشهيد بمكانه ، والشهرة العظيمة التي لا تكاد يتحقّق مخالف أيضا يؤيّدهما.

وقوله تعالى (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) صفة للقرآن ، أو خبر ثالث بلا تأمّل ، فكذا ما تقدّم عليه لعدم الفاصلة بالأجنبي ، مضافا إلى أنّه تعالى في مقام وصف القرآن وأحواله ، لا الكتاب المكنون.

مع أنّ المسّ حقيقة في الإمساس الجسدي ، مع أنّ قوله تعالى (مَكْنُونٍ) مطلق ، فالظاهر أنّه مكنون مطلقا ، مع أنّه ظهر من الأخبار المتعدّدة عن الأئمّة عليهم‌السلام إرجاع الضمير إلى القرآن (٣) ، مضافا إلى الإجماعات المنقولة ، والشهرة العظيمة.

فظهر أنّ الجملة الخبريّة بمعنى النهي ، والطهارة بالمعنى الاصطلاحي.

حجّة القول الثاني : أصل البراءة ، وعدم معهوديّة منع الصبيان عن المسّ من السلف.

وفيه ؛ أنّ الأصل لا يعارض الدليل ، ولم يثبت من عدم المعهوديّة التي ذكرت إجماع حتّى تكون حجّة ، بل ولا قدر يثمر ظنّا (٤) ، مع أنّ الصبيان من جهة خروجهم عن التكليف ما كانوا يمنعون.

قوله : (للصحيح إلّا أنّي). إلى آخره.

هو صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليهما‌السلام ، عن الرجل أيحلّ له أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة وهو على غير وضوء؟ قال : «لا» (٥) ، وحملت

__________________

(١) مرّ آنفا.

(٢) الواقعة (٥٦) : ٨٠.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٤ و ٣٨٥ الحديث ١٠١٤ و ١٠١٦.

(٤) في (د ٢) : ولا قدر يثمن ظنّا.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ١٢٧ الحديث ٣٤٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٤ الحديث ١٠١٥.

٥٨

على الكراهة ، أو أنّ الكاتب لا يكاد ينفكّ عن المماسّة غالبا. والروايات واردة مورد الغالب ، أو النهي إرشادي ، أي منع خوفا من الوقوع في المحذور ، فعلى هذا لا مانع من العمل بها ، لخروجها عن الشذوذ ، وهو عدم قول أحد من الفقهاء بظاهره.

وقيل : لا يضرّ هذا الشذوذ ؛ لأنّ العادل أخبر بكذا ، وما اقتضى حجّية خبر العادل (١) يوجب العمل بظاهره ؛ لأنّه خبر أخبر العادل به (٢).

وقيل : إجماع جميع الفقهاء ـ النقّادين للخبر ، العارفين الماهرين الخبيرين المطّلعين الشاهدين أو قريبي العهد ، مع اطّلاعهم على مثل هذا الخبر ، وعدم قول واحد منهم به ، واتّفاقهم على ترك العمل به ـ يورث الريبة وصيرورته الشاذّ الذي أمرونا بترك العمل به (٣).

مع أنّه بملاحظة الآية (٤) والأخبار الدالّة على المنع من المسّ ، وأنّ المحدث من جهة حدثه لا يمسّ القرآن (٥) ، ربّما يقرب في الظنّ كون المنع الوارد في هذا الصحيح أيضا من ذلك القبيل ، أي إرشادا إلى التحفّظ عن المسّ المتوقّع الحصول واحتياطا منه ، إذ لا وثوق بعدم تحقّق المسّ أصلا.

ولعلّ الفقهاء فهموه كذلك ، ولذا لم يتعرّضوا للقول بمضمونه نفيا ولا إثباتا ، بل اتّفقوا على الفتوى بالمنع عن المسّ ، ولا شكّ في أنّ المنع عن الكتابة بغير طهارة احتياط ، والاحتياط في المنع البتة.

__________________

(١) في (ف) : خبر الواحد.

(٢) لم نعثر عليها.

(٣) لم نعثر عليها.

(٤) الواقعة (٥٦) : ٧٩.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٣ الباب ١٢ من أبواب الوضوء.

٥٩

قوله : (ولا يجب لغير ذلك بلا خلاف).

سيجي‌ء عن الصدوق وغيره وجوب الوضوء لذكر الحائض أو غير ذلك.

قوله : (ولا لنفسه على المشهور).

أقول : بل ادّعى الإجماع عليه العلّامة في «التذكرة» (١) ، والمحقّق الشيخ علي (٢) ، والشهيد الثاني (٣) ، بل يظهر من «أمالي الصدوق رحمه‌الله» أيضا كون وجوب الوضوء لغيره من دين الإماميّة (٤) ، والإجماع المنقول حجّة ، كما حقّق (٥).

مع أنّ المعهود من فقهاء الشيعة وغيرهم ، عدم الالتزام والإلزام برفع الحدث الأصغر عند ظنّ الوفاة ، وما كانوا يوجبون الوضوء للمقاربين للاحتضار من المرض والقتل ممّن يجب قتله أو يقتل ظلما ، ولا المشرفين على الغرق وأمثاله إذا تمكّنوا من الوضوء ، وإذا لم يتمكّنوا منه ما كانوا يلتزمون ويلزمون بالتيمّم ، ومع أنّه ادّعى الإجماع على عدم وجوب التيمّم لنفسه ، كما سيجي‌ء.

وأيضا يذكرون في مبحث الاحتضار للمحتضر أحكاما وآدابا كثيرا ، ولم يذكر أحد الإلزام بالوضوء ، مع أنّه ورد للمحتضرين وأمثالهم أخبار كثيرة في آداب ومستحبّات سوى الواجبات ، مع غاية اهتمام الأئمّة عليهم‌السلام لمثل هذه الحالة في مراعاة المستحبّات فضلا عن الواجبات ولم يذكر في خبر الأمر بالوضوء أو التيمّم ، كي لا يخرجوا من الدنيا محدثين بالأصغر ، مع تعرّضهم لذكر الواجبات الضروريّة ، مثل أداء الديون وأمثاله. وكذلك المستحبّات الضروريّة ، مثل ذكر الله

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ١ / ١٤٤.

(٢) نقل عنه السبزواري في ذخيرة المعاد : ٢.

(٣) روض الجنان : ٥١ ، انظر! مستند الشيعة : ٢ / ٢٥.

(٤) أمالي الصدوق : ٥١٤.

(٥) الرسائل الاصوليّة : ٢٩١ ، الفوائد الحائريّة : ٣١٠.

٦٠