مصابيح الظلام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-0-0
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥٢

الله حسن على كلّ حال» (١).

وروى الشيخ والصدوق ، عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ موسى عليه‌السلام قال : يا ربّ! إنّي أكون في أحوال اجلّك أن أذكرك فيها ، فقال : يا موسى اذكرني على كلّ حال ، وذكري على كلّ حال حسن» (٢).

وروى الكليني هذا المضمون بطريق صحيح (٣) ، وورد في غير ما ذكر من الأخبار أيضا (٤) ، واستثنى بعضهم آية الكرسي أيضا (٥) ، وهذا ظاهر في المنع عن قراءة القرآن أيضا سوى ما استثني.

وفي «الخصال» : «سبعة لا يقرءون القرآن : الراكع ، والساجد ، وفي الكنيف ، وفي الحمّام ، والجنب ، والنفساء ، والحائض» (٦) ، لكن يعارضها أخبار صحاح كثيرة في الحائض والجنب ، بحيث يظهر أنّ المنع على سبيل التقيّة.

واستدلّ على استثناء آية الكرسي بصحيحة عمر بن يزيد أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن التسبيح في المخرج وقراءة القرآن؟ قال : «لم يرخّص في الكنيف أكثر من آية الكرسي ، ويحمد الله ، وآية (الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٧).

لكن بملاحظة أنّ التسبيح في الكنيف حسن مطلقا ، ربّما يظهر في التمسّك وهن ما فإنّ الظاهر أنّه لم يرخّص التسبيح أيضا ، إلّا أن يحمد الله ، وكذا يوهنه

__________________

(١) الكافي : ٢ / ٤٩٧ الحديث ٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣١٠ الحديث ٨١٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠ الحديث ٥٨ ، التوحيد للصدوق رحمه‌الله : ١٨٢ الحديث ١٧ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٧ الحديث ٦٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣١١ الحديث ٨٢٠.

(٣) الكافي : ٢ / ٤٩٧ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣١٠ الحديث ٨١٧.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٣١٠ الباب ٧ من أبواب أحكام الخلوة.

(٥) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٤٨ ، ذكرى الشيعة : ١ / ١٦٥ ، جامع المقاصد : ١ / ١٠٥.

(٦) الخصال : ٢ / ٣٥٧ الحديث ٤٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٢٤٦ الحديث ٧٨٥٤.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٩ الحديث ٥٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣١٢ الحديث ٨٢٣.

٢٤١

استثناء آية (الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

واستثني حكاية الأذان أيضا (١) ، لما ورد في الأخبار.

منها : صحيحة ابن مسلم المرويّة في «العلل» عن الباقر عليه‌السلام قال : «لا تدع ذكر الله على كلّ حال ، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله تعالى ، وقل كما يقول» (٢).

ورواية أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام : «إن سمعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذّن ولا تدع ذكر الله في تلك الحال ، فإنّ ذكر الله حسن على كلّ حال» (٣).

ورواية سليمان بن [مقبل] عن الكاظم عليه‌السلام فإنّه سأله لأيّ علّة يستحب للإنسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذّن وإن كان على البول والغائط؟ قال : «لأنّ ذلك يزيد في الرزق» (٤).

ويظهر أنّ الأذان بجميع أجزائه ذكر الله ، فيظهر من التعليل وغيره أنّ المراد ما هو مذكّر له تعالى ، فربّما يظهر منه أنّ قراءة القرآن لا مانع منها لكونها تذكّرا.

ويظهر أيضا ضعف ما قاله الشهيد الثاني من استثناء «الحيعلات» من حكاية الأذان ، بناء على أنّه ليس بذكر ، وعدم النصّ على حكايته بالخصوص (٥).

واستثني أيضا ردّ السلام (٦) لعموم الأمر به (٧) ، مع احتمال كونه ذكرا ، فتأمل!

__________________

(١) نهاية الإحكام : ١ / ٨٤ ، مدارك الأحكام : ١ / ١٨٢ ، الحدائق الناضرة : ٢ / ٧٧.

(٢) علل الشرائع : ٢٨٤ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣١٤ الحديث ٨٢٦ مع اختلاف يسير.

(٣) علل الشرائع : ٢٨٤ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣١٤ الحديث ٨٢٧.

(٤) علل الشرائع : ٢٨٤ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣١٤ الحديث ٨٢٨.

(٥) الروضة البهيّة : ١ / ٨٨ ، روض الجنان : ٢٧ ، مسالك الأفهام : ١ / ٣٣.

(٦) نهاية الإحكام : ١ / ٨٤ ، مدارك الأحكام : ١ / ١٨٣.

(٧) النساء (٤) : ٨٦ ، لاحظ! منتهى المطلب : ١ / ٢٤٩.

٢٤٢

واستثني أيضا الحمد عند العطسة ، وتسميت العاطس (١) ، لكونهما ذكرا ، وفي الفرق بين التسميت والسلام تأمّل.

وفي «قرب الإسناد» بسنده عن الصادق عليه‌السلام : «إذا عطس أحدكم وهو على خلاء فليحمد الله في نفسه» (٢) ، ولعلّ المراد سرّا.

قوله : (والاستنجاء باليمين ومسّ الذكر بها). إلى آخره.

لما رواه الصدوق ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الاستنجاء باليمين من الجفاء» (٣) ، ولغيرها من الروايات (٤).

وأمّا مسّ الذكر بها ؛ فلما روي عن الباقر عليه‌السلام : «إذا بال الرجل فلا يمسّ ذكره بيمينه» (٥).

قيل : وذكر بعض الأصحاب أنّه يكره الاستجمار باليمين ، واحتجّ على ذلك بأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمناه لطهوره وطعامه ، ويسراه لخلائه وما كان من أذى (٦) (٧).

أقول : قد عرفت أنّ الاستنجاء أعمّ من الاستجمار ، فالاستجمار داخل فيه في الأخبار والفتاوى.

ثمّ اعلم! أنّ ما ذكر إذا لم يكن باليسار علّة ، لنفي الضرر والعسر والحرج ،

__________________

(١) نهاية الإحكام : ١ / ٨٤ ، مدارك الأحكام : ١ / ١٨٣ ، رياض المسائل : ١ / ٢١٩.

(٢) قرب الإسناد : ٧٤ الحديث ٢٣٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣١٣ الحديث ٨٢٥.

(٣) الخصال : ٥٤ ، الحديث ٧٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٢٢ الحديث ٨٤٨.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٣٢١ الباب ١٢ من أبواب أحكام الخلوة.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٩ الحديث ٥٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٢٢ الحديث ٨٤٧.

(٦) سنن أبي داود : ١ / ٩ الحديث ٣٣.

(٧) قال به الفاضل الهندي في كشف اللثام : ١ / ٢٤١ ، السبزواري في ذخيرة المعاد : ٢٢.

٢٤٣

وفي «الكافي» و «الفقيه» : وروي : «أنّه لا بأس إذا كانت باليسار علّة» (١).

قوله : (واليسار). إلى قوله : (وهو عليه). إلى آخره.

لموثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : «لا يمسّ الجنب درهما ، ولا دينارا عليه اسم الله تعالى ، ولا يستنجي وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى ، ولا يجامع وهو عليه ولا يدخل المخرج وهو عليه» (٢) ، تأمّل.

وفي الضعيف عن الصادق عليه‌السلام إنّه قال : قلت له : الرجل يريد الخلاء وعليه خاتم فيه اسم الله تعالى ، قال : «ما احبّ ذلك» ، قال : فيكون اسم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «لا بأس» (٣).

لكن الفقهاء ـ أي المشهور من متأخّريهم ـ ألحقوا أسماء الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام ، بناء على ضعف هذه الرواية ومنافاته تعظيم شعائر الله.

وما ورد في بعض الأخبار الضعيفة من أنّ الأئمّة عليهم‌السلام كان في يدهم اليسرى خاتم عليه اسم الله تعالى (٤) ، محمول على التقية ، لما ورد من النهي عن التختم باليسار (٥) ، وأنّهم ما كانوا يتختّمون باليسار.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ١٧ الحديث ٧ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٩ الحديث ٥٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٢١ الحديث ٨٤٤ و ٨٤٦ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٣١ الحديث ٨٢ ، ١٢٦ الحديث ٣٤٠ ، الاستبصار : ١ / ٤٨ الحديث ١٣٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٣١ الحديث ٨٧١.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٢ الحديث ٨٤ ، الاستبصار : ١ / ٤٨ الحديث ١٣٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٣٢ الحديث ٨٧٢.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٣١ الحديث ٨٣ ، الاستبصار : ١ / ٤٨ الحديث ١٣٥ ، قرب الإسناد : ١٥٤ الحديث ٥٦٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٣٢ الحديث ٨٧٤.

(٥) وسائل الشيعة : ١ / ٣٣١ الحديث ٨٦٩ ، مستدرك الوسائل : ٣ / ٢٨٩ الحديث ٣٦٠٢ و ٣٦٠٣.

٢٤٤

وفي «العيون» و «المجالس للصدوق» ، بسنده عن الحسين بن خالد أنّه قال للرضا عليه‌السلام : الرجل يستنجي وخاتمه في إصبعه ، ونقشه لا إله إلّا الله؟ فقال : «أكره» ، فقلت : جعلت فداك ، أو ليس كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكلّ واحد من آبائك : يفعل ذلك؟ فقال : «بلى ، ولكن اولئك يتختّمون في اليد اليمنى ، فاتّقوا الله وانظروا لأنفسكم» (١).

وفي «مكارم الأخلاق» [عن «كتاب اللباس»] للعيّاشي أيضا مثله (٢).

ويظهر من هذا وغيره أنّ الدخول في الخلاء ومعه هذا الخاتم لا مانع منه.

والصدوق قال : ولا يجوز أن يدخل الخلاء ومعه خاتم عليه اسم الله ، أو مصحف فيه القرآن (٣) ، لكن في كتابه «الهداية» قال : يكره ذلك فإذا ذكر وهو عليه فليحوّله عن يده اليسرى (٤).

لكن الاستنجاء وفي اليد اليسرى ما هو معظم شرعا ينافي تعظيم شعائر الله بلا شبهة ، بل ربّما يوجب الاستخفاف والإهانة الموجب للكفر ، والله يعلم.

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٥٩ الحديث ٢٠٦ ، أمالي الصدوق : ٣٦٩ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٣٣ الحديث ٨٧٥.

(٢) مكارم الأخلاق : ٩٢ ، لاحظ! بحار الأنوار : ٧٧ / ٢٠٠ ذيل الحديث ٦.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٠ ذيل الحديث ٥٨.

(٤) الهداية : ٧٨ و ٧٩ مع اختلاف يسير ، للتوسّع لاحظ! روضة المتقين : ١ / ١١٤.

٢٤٥
٢٤٦

٤٧ ـ مفتاح

[كيفيّة الوضوء]

الوضوء عندنا غسلتان ومسحتان ، أمّا الغسلتان ؛ فالوجه واليدان إلى المرفقين مستوعبة ، وأمّا المسحتان ؛ فالرأس والرجلان إلى الكعبين ، مبعضة لمكان الباء الداخلة على المتعدّي بنفسه المستدعية لفائدة ، وللضرورة من المذهب فيهما.

وخصّ في الرأس بمقدّمه ، وفي القدمين بظهرهما للإجماع والنصوص (١).

ويكفي المسمّى فيهما عند الأكثر (٢) ، لعدم التحديد وللصحاح.

منها : «إذا مسحت بشي‌ء من رأسك أو بشي‌ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك» (٣) ولنقل الإجماع في الأخير (٤).

والظاهر اختصاصه بالعرض ، فلا بدّ من الإيصال إلى الكعبين طولا. والأحوط أن يستوعب ظهر القدم بكلّ الكف للصحيح : «لا ؛ إلّا بكفّه

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٤١٠ الباب ٢٢ من أبواب الوضوء ، ٤١٧ و ٤١٨ الحديث ١٠٨٥ و ١٠٨٨.

(٢) المراسم : ٣٧ ، الكافي في الفقه : ١٣٢ ، السرائر : ١ / ١٠١ ، الدروس الشرعية : ١ / ٩٢.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٩٠ الحديث ٢٣٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤١٤ الحديث ١٠٧٦.

(٤) الانتصار : ٢٨ ، تذكرة الفقهاء : ١ / ١٧١.

٢٤٧

كلّها» (١) ، ولو لا نقل الإجماع لجزمنا بالوجوب ، لأنّ المجمل يحمل على المبيّن والمطلق على المقيّد.

وأن لا ينقص في الرأس عن قدر ثلاث أصابع ، لإطلاق الأجزاء عليها في الصحيح (٢).

وإنّما يستعمل في أقلّ الواجب ، وهو ظاهر الصدوق والشيخ (٣) ، وربّما يخصّ بالطول أو يحمل على الاستحباب جمعا بين النصوص. والأوّل لا دليل عليه ، والثاني بعيد عن لفظة «الإجزاء» ، فتقييد المطلق بالمقيّد أولى.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ٤١٧ الحديث ١٠٨٥.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٤١٧ الحديث ١٠٨٦.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨ ذيل الحديث ٨٨ ، النهاية للشيخ الطوسي : ١٤.

٢٤٨

قوله : (الوضوء عندنا). إلى آخره.

وجوب مسح الرجلين دون غسلهما ممّا انعقد عليه إجماع الإماميّة ـ نوّر الله مراقدهم ـ فتوى ودليلا ، كتابا وسنّة ، ووافقنا عليه بعض متقدّمي العامّة (١) ، وآخرون خيّروا بينه وبين الغسل (٢) ، وبعض جمعوا بينهما (٣) ، واستقرّ فتوى الفقهاء الأربعة على وجوب الغسل خاصّة (٤).

ويدلّ عليه بعد الضرورة من مذهبنا الآية الشريفة ، قال الله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (٥).

وجه الدلالة أمّا على قراءة الجرّ ، كما هي قراءة مشهورة أيضا ، ودلّ عليه بعض الأخبار ، كرواية غالب بن هذيل قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) على خفض هي أم على نصب؟ قال :

__________________

(١) بداية المجتهد : ١ / ١٥ و ١٦.

(٢) بداية المجتهد : ١ / ١٥.

(٣) بداية المجتهد : ١ / ١٥.

(٤) ورد في هامش بعض النسخ هكذا :

قال في «التهذيب» : ووافقنا جماعة من العامّة إلّا أنّهم يقولون باستيعاب القدم ظهرا وبطنا ، ومن القائلين بالمسح ابن عبّاس ، وكان يقول : الوضوء غسلتان ومسحتان ، من باهلنى باهلته.

ووافقه أنس بن مالك وعكرمة والشعبي وجماعة من التابعين ، وقال علماء العامّة : إنّه موافق لقول الباقر عليه‌السلام وقول آبائه الكرام ـ صلوات الله عليهم.

وذهب حسن البصري وأبو علي الجبائي ومحمّد بن جرير الطبري بالتخيير بين الغسل والمسح ، وداود والناصر للحقّ وجماعة من الزيديّة بالجمع بينهما [البحر المحيط : ٣ / ٤٣٧ ، مجمع البيان : ٢ / ٣٧ (الجزء ٦) مع اختلاف يسير]. (منه زيد أيّام إفادته).

(٥) المائدة (٥) : ٦.

٢٤٩

«بل هي على خفض» (١) ، فظاهر ، لأنّه عطف على رءوسكم ، ولا يحتمل غيره وهو ظاهر.

وجرّ الجوار مع ضعفة إنّما يكون في الشعر لضرورته مع عدم العطف والأمن من اللبس ، أمّا في غيره ـ خصوصا مع حرف العطف والاشتباه ، بل صراحته في غيره ـ فلا ، فحمل القرآن العزيز عليه مع ذلك كلّه خطأ عظيم.

وما ذكره بعض محقّقي العامّة في تفسير هذه الآية ، بعيد كالأوّل ، بل وأبعد منه ، وهو : أنّه لمّا كان غسلها بصبّ الماء كان مظنّة الإسراف ، فعطفت على الرؤوس الممسوحة ، لا للتمسّح ، بل للتنبيه على ترك الإسراف ، و (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) قرينة على ذلك ، إذ المسح لم تضرب له غاية في الشريعة (٢).

ولا يخفى أنّ بناء هذا وسياقه على أنّ وجوب غسل الرجلين في الوضوء وكونه مرادا من الآية معلوم شرعا لا يحتمل سواه.

وكيف يجوز هذا؟ مع إطباق أهل البيت عليهم‌السلام ، وإجماع شيعتهم الإمامية ، وجمع كثير من الصحابة والتابعين وغيرهم منهم أيضا ـ على ما نقل (٣) ـ والأخبار الكثيرة المتواترة ، خصوصا من طرق أهل البيت عليهم‌السلام على المسح ، وأنّه المراد بالآية مع صراحتها فيه.

والأخبار من طرقهم على الغسل غير بالغة حدّ التواتر ، ولا خالية عن المعارض ، بل المعارض من طرقهم كثير ، مثل ما رووه (٤) في أخبار كثيرة : أنّ

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٧٠ الحديث ١٨٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٠ الحديث ١٠٩٧.

(٢) الكشّاف : ١ / ٦١١ مع اختلاف.

(٣) الخلاف : ١ / ٩٢ المسألة ٣٩.

(٤) في (ك) و (ف) : مثل ما ورد.

٢٥٠

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح على رجليه أو على نعليه في الوضوء ، وكذلك علي عليه‌السلام (١) وسنشير إلى بعض آخر منها.

ثمّ إنّه لا يتمّ نكتة بعد الوقوع أيضا ، فإنّ إرادة الغسل المشابه للمسح ينافيها استحباب غسلها ثلاثا وكونه سنّة ، كما هو مذهبهم على ما نقل عنهم (٢).

وأيضا لم يقل أحد باستحباب الغسل الخفيف في الرجلين ، فهو مخالف لأقوالهم وأخبارهم مع أنّه لم يثبت إطلاق المسح على الغسل الخفيف.

أمّا قوله : (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ؛ فالحقّ أنّه يقتضي خلاف ما ذكره ، لتكون الفقرتان على أبلغ النظم وأحسن النسق من التقابل والتعادل لفظا ومعنى ، فأين هذا من التنبيه على ما ذكره؟

وقوله : (إذ المسح لم تضرب له غاية) مجرّد دعوى ، ولزوم الحمل على مسح الرأس في عدم الغاية فاسد ، كيف؟ والأيدي عطف على الوجه الخالي عن الغاية ، مع ضرب الغاية فيها ، فيناسب كون المسح أيضا يكون كذلك.

وترك الإسراف لا خصوصيّة له في الرجل ، بل الرجل أولى من الوجه واليدين بترك التنبيه ، مع أنّ التنبيه هنا مفقود قطعا ، إذ ليس فيما ذكره إشارة بوجه من الوجوه ، حتّى يطلق عليه لفظ التنبيه ، ولذا لم يتفطّن بما ذكره أحد ممّن له فهم.

بل ذهب أصحاب الأفهام المستقيمة إلى المسح من جهة وضوح الدلالة ، فكيف يكون تنبيها مع صيرورتها دالّة على خلاف المقصود؟ فالآية تخرج عن البلاغة لا أقلّ ، والله تعالى أمرنا بالعمل بظاهر الآية ، إلّا أن يمنعه دليل علمي ، وعند العامل بالظاهر ليس دليل علمي ، بل ليس واقعا ، ويؤيّده ما ستعرف.

__________________

(١) سنن ابي داود : ١ / ٤١ الحديث ١٦٠ ، سنن الدارمي : ١ / ١٩٥ الحديث ٥١٧ ، المجموع للنووي : ١ / ٤١٨.

(٢) المغني لابن قدامة : ١ / ٩٠ و ٩١ ذيل المسألة ١٧٥.

٢٥١

ثمّ لا يخفى أنّ المراد لو كان هذا المعنى لنقل عنه عليه‌السلام بيانا ولوصل إلينا البتة ، لكونه مما يعمّ به البلوى ، ويشتدّ إليه الحاجة ، ولاستدلّ به على عدم الإسراف ، ولا قال أحد به ، فتأمّل!

وأمّا على قراءة النصب ؛ فلأنّه معطوف على محلّ (بِرُؤُسِكُمْ) ومثله معروف كثير شائع في القرآن وغيره.

وعطفه على (وُجُوهَكُمْ) ، مع انقطاعه عنه بالفصل ، بقوله (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) والعدول عن العامل والمعطوف عليه القريبين إلى البعيدين في جملة اخرى بعيد جدّا غير معروف ولا مجوّز ، سيّما مع عدم المقتضى هنا ، كما لا يخفى.

هذا ؛ فيدلّ على المطلب ودلالة الآية عليه صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : ألا تخبرني من أين علمت؟ وقلت : إنّ المسح ببعض الرأس وببعض الرجلين؟ فضحك ، ثمّ قال : «يا زرارة! قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونزل به الكتاب من الله تعالى يقول (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي أن يغسل ، ثمّ قال (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) ، ثمّ فصّل الكلامين فقال : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) فعرفنا حين ما قال (بِرُؤُسِكُمْ) أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فعرفنا حين وصلها بالرأس أنّ المسح ببعضها» الحديث (١).

والأخبار الدالّة على ذلك مستفيضة جدّا ، بل كادت تبلغ التواتر.

منها : الأخبار الكثيرة التي روتها العامّة في المنع عن المسح على الخفّين (٢) ،

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٠ الحديث ٤ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥٦ الحديث ٢١٢ ، علل الشرائع : ٢٧٩ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٦١ الحديث ١٦٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤١٢ الحديث ١٠٧٣.

(٢) الموطّأ : ١ / ٣٦ الحديث ٤٢ ، التفسير الكبير للرازي : ١١ / ١٦٦.

٢٥٢

لتضمّنها أنّ المنع من جهة كونه على جلد حيوان يذهب حيث شاء ، فوضوؤهم يذهب مع الحيوانات ، ولم يستبعد في تلك الأخبار أصلا عن المسح مع كون المكلّف به هو الغسل ، فلاحظ تلك الأخبار حتّى يحصل لك الظهور.

وهذا حال المنكرين لمسح الخفّ ، وأمّا المقرّ ؛ فلا تأمّل في كون رأيه المسح ، حتّى رأى كونه على الخفّ ، ويدلّ على ما ذكرنا حديثه الذي يتمسّك به ، وهو أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح على خفّه (١) ، إذ هو حقّ ، لكون خفّه مشقوقا أدخل يده في الشقّ ، ولم يتفطّن به الراوي ، كما ورد في كتبنا (٢).

وأمّا اتّفاق الأربعة ؛ فلعلّه بظنّي مثل خبر الواحد ، وهم كانوا يعملون به ، ولذا جوّزوا مسح الخفّ أيضا ، والعمل بالقياس وغير ذلك ممّا ظهر فساده.

وأمّا ما في موثّقة عمّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الرجل يتوضّأ الوضوء كلّه إلّا رجليه يخوض بهما الماء خوضا ، قال : «أجزأه ذلك» (٣) فمحمول على التقيّة ، أو على أنّ المراد أنّه توضّأ الوضوء كلّه ، إلّا أنّه خاض برجليه الماء خوضا ، فقال : أجزأه ذلك الوضوء ، ولا ضرر ولا نقص فيه من جهة خوض الرجل الماء ، فإنّه يضرّ إذا لم يتوضّأ الوضوء كلّه.

وهذا التوجيه غير بعيد في عبارات أحاديث عمّار ، كما لا يخفى على المطّلع.

وأمّا صحيحة أيّوب بن نوح قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أسأله عن

__________________

(١) صحيح البخاري : ١ / ٥٨ و ٥٩ ، سنن أبي داود : ١ / ٤١ و ٤٢ الحديث ١٦١ ، صحيح مسلم : ١ / ١٩١ ـ ١٩٣ الحديث ٢٧٢ ـ ٢٧٤.

(٢) الكافي : ٣ / ٣١ الحديث ١٠ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٠ الحديث ٩٧ و ٩٨ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٦٥ الحديث ١٨٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤١٤ الحديث ١٠٧٤ ، ٤٦١ الحديث ١٢٢١ و ١٢٢٢.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٦٦ الحديث ١٨٧ ، الاستبصار : ١ / ٦٥ الحديث ١٩٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢١ الحديث ١١٠١.

٢٥٣

المسح على القدمين؟ فقال : «الوضوء بالمسح ولا يجب فيه إلّا ذلك ، ومن غسل فلا بأس» (١) فصريحة في انحصار الواجب في الوضوء في المسح ، فيصير المراد من قوله : «ومن غسل فلا بأس» غير الواجب في الوضوء.

وقوله عليه‌السلام : «ولا يجب فيه إلّا ذلك» من جهة حصر الوجوب في المسح فقط ، دليل على أنّ المراد من قوله عليه‌السلام : «من غسل» الغسل الذي ليس من الوضوء.

فظهر أنّ الغسل للتنظيف ، كما يظهر من أخبار اخر أيضا (٢) ، ولم يقل أحد بكون الغسل من مستحبّات الوضوء.

وبالجملة ؛ يجب ترك العمل بما يدلّ على الغسل عوض (٣) المسح ، لمخالفته ضروري المذهب والأخبار المتواترة وظاهر الآية.

قوله : (مستوعبة). إلى آخره.

وجوب استيعاب الوجه واليدين في الغسل مجمع عليه ، بل وضروري الدين.

ويدلّ عليه بعد ذلك ظاهر الآية (٤) ـ حيث أوجب فيها غسلهما ، ومع عدم الاستيعاب والنقص منهما لا يصدق غسل الوجه واليدين ، بل يقال : غسل بعض

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٦٤ الحديث ١٨٠ ، الاستبصار : ١ / ٦٥ الحديث ١٩٥ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢١ الحديث ١١٠٠.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٦٤ الحديث ١٨١ ، الاستبصار : ١ / ٦٤ الحديث ١٩٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٢٠ و ١ / ٤٢١ الحديث ١٠٩٨ ـ ١١٠٠.

(٣) في (ك) : بدل المسح.

(٤) المائدة (٥) : ٦.

٢٥٤

الوجه واليدين ـ والأخبار ، منها : الصحيحة المتقدّم ذكرها (١) ، حيث قيّد غسلهما بلفظ «الكلّ» الذي هو عبارة عن الاستيعاب.

وفيها دلالة على دلالة الآية على ذلك ، لورودها في تفسيرها.

ومنها : حسنة زرارة وبكير ب ـ إبراهيم بن هاشم ـ أنّهما سألا أبا جعفر عليه‌السلام عن وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «فدعا بطست». إلى أن قال : ثمّ قال : «إنّ الله عزوجل يقول (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) فليس له أن يدع شيئا من وجهه إلّا غسله ، وأمر بغسل اليدين إلى المرفقين فليس له أن يدع شيئا من يديه إلى المرفقين إلّا غسله ، لأنّه تعالى يقول (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) (٢) الحديث.

وفيها أيضا دلالة على دلالة الآية على المطلب.

قوله : (مبعضة).

هذا الحكم ضروري عندنا ، ويدلّ عليه الآية لمكان الباء ـ كما ذكره المصنّف ـ أو لأنّ الباء تجي‌ء للتبعيض ، وإن أنكره سيبويه (٣) ، لإقرار غيره به (٤).

وللصحيحة المتقدّمة ، وهي مع دلالتها على ما تقدّم صريحة الدلالة على المطلوب ، والأخبار الدالّة على ذلك كثيرة غاية الكثرة.

منها : الصحاح الآتي ذكرها في بيان كفاية مسمّى المسح فيهما.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٥٢ من هذا الكتاب.

(٢) الكافي : ٣ / ٢٥ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٧٦ الحديث ١٩١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٨ الحديث ١٠٢٢.

(٣) نقل عنه في جواهر الكلام : ٢ / ١٧١.

(٤) مغني اللبيب : ١ / ١٤٢.

٢٥٥

قوله : (وخصّ في الرأس بمقدّمه ، وفي القدمين بظهرهما).

هذان الحكمان مجمع عليهما بين الأصحاب نقلهما جمع ، منهم المصنّف ، والسيّد السند السيّد محمّد صاحب «المدارك» (١) ، وبهما استفاضت الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام.

منها : حسنة زرارة ب ـ إبراهيم بن هاشم ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام. إلى قوله : «وتمسح ببلّة يمناك ناصيتك ، وما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى ، وتمسح ببلّة يسراك ظهر قدمك اليسرى» (٢) ، لأنّ الناصية هي مقدّم الرأس.

ومناقشة بعض الأصحاب في سند هذه الأخبار مع حسنها ، واختياره بذلك استحباب مسح القدم (٣) ، فيه ما فيه ، لما تقرّر من حجّية الحسن ، لا سيّما ومثل هذا الحسن ، لكون حسنه ب ـ إبراهيم بن هاشم فلا تقصر عن الصحيحة مع اعتضادها باتّفاق الأصحاب على العمل بها ، لا سيّما ومثل هذا الاتّفاق البالغ حدّ الإجماع ، فالتشبّث بظاهر الآية وبعض الأخبار لعدم التعيين من جهة الإطلاق ، لا وجه له لوجود مقيّد أقوى.

ومنها : حسنة حريز ، بل (٤) وصحيحته قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «ألا أحكي لكم وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟» فقلنا : بلى ، فدعا بقعب فيه شي‌ء من ماء فوضعه بين يديه ثمّ حسر عن ذراعيه ثمّ غمس فيه كفّه اليمنى. إلى أن قال : ثمّ غرف بيمينه ملأها فوضعه على مرفقه اليسرى فأمرّ كفّه على ساعده حتّى جرى الماء على أطراف أصابعه ، ومسح مقدّم رأسه ، وظهر قدميه ببلّة يساره وبقيّة بلّة

__________________

(١) مدارك الأحكام : ١ / ٢٠٩ و ٢١٥.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٦٠ الحديث ١٠٨٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٣٦ الحديث ١١٤٢ مع اختلاف يسير.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٤) في (ف) و (ز ١) و (ط) : حسنة حريز عن زرارة وصحيحته.

٢٥٦

يمناه (١) ، الحديث ، للتأسّي الواجب في (٢) أمثال هذا المقام الوارد فعلهم في مقام البيان ، فتأمّل!

وصحيحة ابن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «مسح الرأس على مقدّمه» (٣).

وحسنته أيضا عنه عليه‌السلام أنّه ذكر المسح ، فقال : «امسح على مقدّم رأسك وامسح على القدمين» (٤) ، وظاهر الآية وإن كان مطلقا يشمل المؤخر والجوانب أيضا ، إلّا أنّه مقيّد بالأدلّة المذكورة.

ومسح الرأس لا يحصل إلّا بمسح بشرته ، أو الشعر النابت عليه الغير المتجاوز بمدّه عن حدّه ، كما هو المتبادر ، فالواجب مسح بشرة الناصية ، أو شعرها التي يسمّى مسحه مسح الناصية ، وهذا إجماعي.

قوله : (ويكفي المسمّى فيهما). إلى آخره.

اختلف الأصحاب في القدر الواجب مسحه من الرأس والرجلين.

فالمشهور بينهم القدر الذي يحصل بمسحه مسمّاه ، ومنهم الشيخ رحمه‌الله في أكثر كتبه (٥) ـ بل ويحتمل كلّ كتبه ، كما ستعرف ـ وابن أبي عقيل ، وابن الجنيد ، وسلّار ، وأبو الصلاح ، وابن إدريس ، وابن البراج ، والشهيدان ، والمحقّق ، والعلّامة (٦).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٢٥ الحديث ٤ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤ الحديث ٧٤ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٨٧ الحديث ١٠٢١.

(٢) في (ك) : لا سيّما في أمثال.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٦٢ الحديث ١٧١ ، الاستبصار ١ / ٦٠ الحديث ١٧٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤١٠ الحديث ١٠٦٦.

(٤) الكافي : ٣ / ٢٩ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤١٨ الحديث ١٠٨٨.

(٥) المبسوط : ١ / ٢١ ، الخلاف : ١ / ٨١ و ٨٢ المسألة ٢٩.

(٦) نقل عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد في مختلف الشيعة : ١ / ٢٨٩ ، المراسم : ٣٧ ، الكافي في الفقه : ١٣٢ ،

٢٥٧

بل نقل الإجماع عليه الشيخ في «التبيان» وقال : هو مذهبنا ، ونسب القول بعدم جواز أقلّ من ثلاث أصابع إلى أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمّد (١).

وقال الشيخ رحمه‌الله في «النهاية» : والمسح على الرأس لا يجوز أقلّ من ثلاث أصابع مضمومة مع الاختيار ، فإن خاف البرد من كشف الرأس أجزأه مقدار إصبع واحد (٢).

قال العلّامة في «المختلف» ـ بعد نقل هذا القول عنه ـ ما حاصله : إنّ كلام الشيخ يحتمل ما ذهب إليه المشهور ، فإنّ كثيرا ما يطلق على المندوب أنّه لا يجوز تركه.

ثمّ ذكر من كلامه في الكتاب المذكور ما يؤيّد هذا التوجيه ، حيث صرّح فيه بجواز الاقتصار على الإصبع الواحدة في الرجل (٣) ، لكن ظاهره أنّه قائل بالفرق بين مسح الرأس والرجلين.

لكن ربّما ظهر على العلّامة عدم القول بالتفصيل ، سيّما بملاحظة ما ذكره في «التبيان» وسائر كتبه ، وما سنذكر عن ابن زهرة ، وعن «التهذيب» ، و «الاستبصار».

مع أنّ «النهاية» على طبق كتابي الحديث ، وسنذكر أيضا في آخر الحاشية ما يورث هذا الاحتمال في كلامه.

ويظهر من الكشّي أنّ مذهب حريز بن عبد الله موافق لظاهر «نهاية»

__________________

السرائر : ١ / ١٠١ ، المهذّب : ١ / ٧٥ ، الروضة البهيّة : ١ / ٧٥ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ٩٢ ، روض الجنان : ٣٣ ، المختصر النافع : ٦ ، قواعد الأحكام : ١ / ١١.

(١) التبيان : ٣ / ٤٥١ ، لاحظ! أحكام القرآن للجصّاص : ١ / ٣٤٤.

(٢) النهاية للشيخ الطوسي : ١٤.

(٣) مختلف الشيعة : ١ / ٢٨٩.

٢٥٨

الشيخ في أنّ مسح الرأس لا بدّ أن يكون قدر ثلاث أصابع (١).

وقال ابن بابويه في كتابه : حدّ مسح الرأس أن يمسح بثلاث أصابع مضمومة من مقدّم الرأس (٢).

ونقل في «الذكرى» عن الراوندي : أنّه لا يجوز أقلّ من إصبع (٣) ، وهو الظاهر من «التهذيب» و «الاستبصار» (٤).

والعلّامة في «المختلف» نسب هذا القول إلى المشهور (٥) ، فيظهر منه أنّ المسمّى أقلّه الإصبع ، ولا يكون أقلّ منه ، وهو صريح كلام «الدروس» (٦) ، وهو غير بعيد ، لأنّ المراد من المسمّى ، ما هو بحسب العرف والمتبادر عندهم.

ومن هذا ادّعى ابن زهرة إجماع الشيعة على الاكتفاء بإصبع واحد (٧) ، والمعتمد الأوّل.

لنا بعد الآية ـ حيث إنّه أطلق فيها بعض الممسوح منها الصادق على المسمّى عرفا ـ ما رواه زرارة في الصحيحة السابقة التي عن أبي جعفر عليه‌السلام (٨) ، ولفظ «البعض» ، وما يؤدّي مؤدّاه ليس موضوعا لخصوص ثلاث أصابع فقط ، وليس أيضا مجملا بالبديهة ، لأنّ العرف يفهمون منه معنى بلا توقّف فيه (٩).

__________________

(١) رجال الكشّي : ٢ / ٦٢٧ الرقم ٦١٦ ، النهاية للشيخ الطوسي : ١٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٨ ذيل الحديث ٨٨.

(٣) ذكرى الشيعة : ٢ / ١٣٦ ، لاحظ! فقه القرآن : ١ / ٢٩.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٨٩ ، الاستبصار : ١ / ٦٠.

(٥) مختلف الشيعة : ١ / ٢٨٩.

(٦) الدروس الشرعيّة : ١ / ٩٢.

(٧) غنية النزوع : ٥٥.

(٨) راجع! الصفحة : ٢٥٢ من هذا الكتاب.

(٩) لم ترد في (ز ٣ ، د ١ ، د ٢ ، ز ١ ، ف ، ط) من قوله : في الصحيحة السابقة. إلى قوله : بلا توقّف فيه ، وإنّما

٢٥٩

وما رواه هو وأخوه بكير في الصحيح أيضا عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «إذا مسحت بشي‌ء من رأسك ، أو بشي‌ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك» (١).

ويؤيّده ما رواه حمّاد بن عيسى ، عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل يتوضّأ وعليه العمامة؟ قال : «يرفع العمامة بقدر ما يدخل إصبعه فيمسح على مقدّم رأسه» (٢) ، ولا يضرّ الإرسال.

أمّا أوّلا ؛ فكونه حمّاد وهو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (٣).

وأمّا ثانيا ؛ فلانجبارها بالشهرة العظيمة.

واحتجّ العلّامة للقولين الأخيرين (٤) بصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم ، فقلت : جعلت فداك ، لو أنّ رجلا قال : بإصبعين من أصابعه؟ قال : «لا إلّا بكفّه كلّها» (٥) ، ولا دلالة لها على المطلوب بوجه.

__________________

ورد بدلها نصّ رواية زرارة.

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٩٠ الحديث ٢٣٧ ، الاستبصار : ١ / ٦١ الحديث ١٨٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤١٤ الحديث ١٠٧٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٩٠ الحديث ٢٣٨ ، الاستبصار : ١ / ٦٠ الحديث ١٧٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤١٦ الحديث ١٠٨٢.

(٣) رجال الكشّي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥.

(٤) منتهى المطلب : ٢ / ٧٠ ، مختلف الشيعة : ١ / ٢٩٠.

(٥) قرب الإسناد : ٣٦٨ الحديث ١٣١٨ ، الكافي : ٣ / ٣٠ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٩١ الحديث ٢٤٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤١٧ الحديث ١٠٨٥ مع اختلاف يسير.

٢٦٠