مصابيح الظلام - ج ٣

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٣

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-0-0
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥٢

إلّا الحدث ، إلّا أن يجوّز أن يكون رافعا لحدث دون حدث بأن يرفع حدث المسّ دون الصلاة ، إذا نوى المكلّف رفعه خاصّة.

ويمكن أن يقال : الحدث الشرعي ـ أي الحالة المانعة عن شي‌ء ـ لا معنى له إلّا كونه مانعا ، فبعد كلّ حدث من الأحداث الصادرة عن المكلّف لا يمكنه أن يأتي بما هو مشروط بالطهارة جزما إذا لم يتوضّأ بعد ذلك الحدث أصلا ؛ لأنّ الحدث منع شرعي. والمنع الشرعي لا بدّ من ثبوته ، فما لم يثبت لم يكن حدث شرعي أصلا ؛ لأنّ الذي ثبت من الشرع ليس إلّا أنّ من لم يكن على وضوء أصلا فصلاته باطلة ، وكذا الطواف والمس ولم يثبت أزيد من ذلك ، بل ثبت الانحصار في ذلك ممّا مرّ ، وما سيجي‌ء.

فبعد حصول طهارة لا يبقى مانع لشي‌ء ممّا اشترط فيه الطهارة ؛ لأنّ المانع لم يكن إلّا كونه محدثا بحدث لم يتطهّر بعده ، إذ بعد ما توضّأ ـ مثلا ـ لم يبق مانع عن الصلاة ؛ لأنّ شرط الصلاة هو الوضوء ، والوضوء ليس إلّا غسل الوجه واليدين ، ومسح الرأس والرجلين على الترتيب ، والموالات المعهودين.

غاية ما في الباب أنّه يشترط في الصحّة قصد الامتثال والقربة على النهج الذي قرّر وعيّن.

وأمّا قصد رفعه الحدث المانع منه ـ أي الحالة التي حدثت وهي عدم كونه مع الوضوء ـ لم يظهر اعتباره ، بحيث يجعل الأحداث متغايرة ورافعها متفاوتا ، إذ لم يظهر من الشرع إلّا أنّ الصلاة ـ مثلا ـ لا يجوز إتيانها بغير وضوء ، وكذا الطواف الواجب أو مطلقا ، وكذا المسّ مطلقا.

ومقتضى ذلك أنّ من غسل وجهه ويديه ومسح رأسه ورجليه بالنحو المذكور ، يجوز له الصلاة. وكذلك الطواف ، وكذلك المسّ.

مع أنّ الإجماع واقع على عدم مدخليّة أزيد ممّا ذكر في تحقّق الوضوء من

٨١

حيث هو هو ، وإن وقع النزاع في مدخليّته لقسم خاصّ من الوضوء.

فظهر أنّ الحدث في الكلّ أمر واحد ، إن تحقّق ؛ للكلّ ، وإن ارتفع ؛ ارتفع للكلّ ، فلا معنى لزواله بالنسبة إلى واحد ، وبقائه بالنسبة إلى الآخر.

ومن هذا ظهر أنّه لا حاجة إلى إثبات كون كلّ شخص من الوضوء رافعا للأحداث ، بل يصحّ من أوّل الأمر أن يستدلّ لصحّة الصلاة وأمثالها بأيّ وضوء يكون ما لم يجامع الحدث الأكبر.

وممّا يدلّ على ما ذكرنا الصحيحة المرويّة في «الوافي» في [باب] بدء الصلاة [وعللها] ، وهي طويلة إذ فيها : «ثمّ أوحى الله إليّ يا محمّد! ادن من صاد فاغسل مساجدك وطهّرها وصلّ لربّك ، فدنى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من صاد وهو ماء يسيل من ساق العرش الأيمن». إلى أن قال : «ثمّ أوحى الله أن اغسل وجهك فإنّك تنظر إلى عظمتي ، ثمّ اغسل ذراعيك فإنّك تلقّى بيدك كلامي ، ثمّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء ورجليك» (١) ، ثمّ أمره بالقيام إلى الصلاة ، ولم يعتبر أزيد ممّا ذكر.

وأمّا كونه امتثالا لأمره تعالى ؛ فهو لازم الحصول ، ولم يقل تعالى له حين أمره بغسل الوجه إلّا ما ذكر ، ولم يشر إلى إرادة الصلاة بعده ، بل بعد ما توضّأ أمره بالصلاة ، وعلّمه بالتفصيل ، فلاحظ.

ويدلّ عليه أيضا ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ثمانية لا تقبل لهم صلاة» وعدّ منها تارك الوضوء (٢) ، فيدلّ على أنّ غير التارك له صلاة صحيحة مطلقا.

ويدلّ عليه أيضا ما ورد في علّة الوضوء ، عن محمّد بن سنان ، عن

__________________

(١) الوافي : ٧ / ٥٧ الحديث ٥٤٧٢ ، الكافي : ٣ / ٤٨٥ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٩٠ الحديث ١٠٢٤.

(٢) المحاسن : ١ / ٧٦ الحديث ٣٦ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٦ الحديث ١٣١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٩ الحديث ٩٧٢.

٨٢

الرضا عليه‌السلام : «علّة الوضوء التي من أجلها صار على العبد غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والقدمين فلقيامه بين يدي الله سبحانه» (١) ، الحديث.

وفي حديث آخر : لأيّ علّة توضّأ هذه الجوارح الأربع؟. إلى أن قال عليه‌السلام : «فرض الله عليه وعلى ذريّته تطهير هذه الجوارح الأربع» (٢) ، الحديث ، حيث أطلق عليه لفظ التطهير.

وكذا في الأخبار سمّي طهورا أو طهرا ، مثل : «الطهر على الطهر عشر حسنات» (٣). إلى غير ذلك ، إذ الظاهر أنّ المراد من الطهارة هنا رفع الحدث ، وأنّ مع بقاء الحدث لا يكون طاهرا ، فلاحظ الأخبار وتأمّل!

ويدلّ عليه أيضا ما ورد من أنّ افتتاح الصلاة الوضوء (٤) ، من غير تقييد بكونه رافعا للحدث ، وكذا التنكير في الطهور مثل : «لا صلاة إلّا بطهور» (٥) وأمثاله ، إذا ظهر إطلاق الطهور في الأخبار على مطلق الوضوء.

وأيضا في مقام حكمهم عليهم‌السلام بإعادة الصلاة لأجل خلل في الوضوء ، وعدم الإعادة لعدم الخلل لم يستفصلوا قطّ بأنّ الوضوء أيّ وضوء كان هل المبيح للصلاة أم لا؟ وترك الاستفصال يفيد العموم ، مثلا : سألوا الصادق عليه‌السلام عمّن يرعف وهو

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٥ الحديث ١٢٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٩٥ الحديث ١٠٣٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٤ الحديث ١٢٧ ، علل الشرائع : ٢٨٠ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٩٥ الحديث ١٠٣٥.

(٣) الكافي : ٣ / ٧٢ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٦ الحديث ٩٩٢.

(٤) الكافي : ٣ / ٦٩ الحديث ٢ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣ الحديث ٦٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٦ الحديث ٩٦٣ و ٩٦٦.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٥ الحديث ١٢٩ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٩ الحديث ١٤٤ ، الاستبصار : ١ / ٥٥ الحديث ١٦٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٥ الحديث ٩٦٠ ، ٣٦٨ الحديث ٩٧١.

٨٣

على وضوء؟ قال : «يغسل آثار الدم ويصلّي» (١).

وفي حديث آخر : «إذا قاء الرجل وهو على طهر فليتمضمض فإذا رعف وهو على وضوء فليغسل أنفه فإنّ ذلك يجزيه ولا يعيد وضوءه» (٢). إلى غير ذلك من أمثال ما ذكر ، مع ما فيه من الإشارة حيث ذكر الوضوء بعنوان التنكير ، وقال مرّة : «على طهر» ، ومرّة : «على وضوء» ، فتأمّل جدّا!

هذا كلّه ؛ مضافا إلى ما ذكرنا من موثّقة ابن بكير المانعة عن الوضوء إلّا بعد اليقين بالحدث (٣) ، وغيرها ممّا ذكرنا في تفسير الصحاح لقول المصنّف.

وأيضا حينما سأل (٤) الرواة عن الوضوء ، وعن وضوء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما زاد المعصوم عليه‌السلام على غسل الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين ، من غير تفصيل بأنّه إن كان للصلاة فكذا ، وإن كان لغيرها فكذا ، بأن يعتبروا لخصوص الصلاة قصد استباحتها أو رفع حدثها.

وكذا الحال في غير الصلاة ، مع أنّ معظم ما كانوا يسألون عنه ما كان متعلّقا بالصلاة.

بل تتبّع تضاعيف الأخبار يكشف عن عدم التفصيل مطلقا ، إذ مع غاية كثرة ذكره في الأخبار لم يتعرّض أحد من الأئمّة عليهم‌السلام لأحد من الرواة في مقام من المقامات.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ١٤ الحديث ٣٠ ، الاستبصار : ١ / ٨٥ الحديث ٢٦٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٦٦ الحديث ٦٩٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ١٥ الحديث ٣١ ، الاستبصار : ١ / ٨٥ الحديث ٢٧٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٦٥ الحديث ٦٩١.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٣ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٢ الحديث ٢٦٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٧ الحديث ٦٣٧.

(٤) في (ز ٣) : لمّا سأله.

٨٤

سيّما مع كونه ممّا يعمّ به البلوى ويكثر إليه الحاجة ، ولو تعرّضوا لشاع ، بل اشتهر اشتهار الشمس ، لا أن يكون الأمر بخلافه ، كما يظهر من قدمائنا والمتأخّرين ، بل عرفت نقل الإجماع على ذلك ، والإجماع المنقول حجّة.

قال في «الذخيرة» : لم أطّلع على ما نسبه إلى بعضهم من دعوى الإجماع إلّا في كلام ابن إدريس حيث قال : ويجوز أن يؤدّي بالطهارة المندوبة الفرض من الصلاة بدليل الإجماع من أصحابنا (١) ، لكن عموم كلامه مخصّص بما إذا قصد بالمندوبة الصلاة النافلة ورفع الحدث عنها جمعا بينه وبين ما حكي عنه سابقا ، أنّه قال : إجماعنا منعقد على أنّه لا يستباح الصلاة إلّا بنيّة رفع الحدث ، أو استباحة الصلاة (٢) ، انتهى.

أقول : لم يظهر بعد كون البعض هو ابن إدريس ، وما نقل عنه من الإجماع على أنّه لا يستباح الصلاة إلّا بنيّة رفع الحدث أو استباحتها (٣) ، سيجي‌ء تحقيق ذلك في مبحث النيّة.

وممّا ذكر ظهر أنّه لا حاجة إلى نذر عبادة مشروطة بالطهارة لأجل الوضوء أو الغسل قبل دخول الوقت وحصول الفريضة بهما ؛ لأنّا بعد في عهدة التكليف الشرعيّة وعدم الوثوق في الخروج عن العهدة. فما معنى تزييد التكليف على أنفسنا من دون جهة أصلا؟ لأنّ الوضوء الذي يتحقّق قبل الوقت وبعده بعد تحقّق الفريضة ، إمّا أن يكون لأجل الصلاة النافلة ، وإن لم يصلّ بها النافلة ، أو لأجل التأهّب للفريضة ، فلا شبهة ولا غبار في جواز الفريضة به وصحّة ذلك ، بحيث لا

__________________

(١) السرائر : ١ / ٩٨.

(٢) ذخيرة المعاد : ٤.

(٣) في (ز ٣) : استباحة الصلاة.

٨٥

حزازة فيه أصلا ، وقد عرفت أنّ ذلك إجماعي ، ولم يتأمّل فيه أحد من الفقهاء حتّى ابن إدريس في القول الآخر الذي نقل عنه (١).

وإمّا أن يكون لرفع الحدث المانع من غير الصلاة ، مثل المسّ والطواف ، فقد عرفت الحال ، وأنّ الحدث لا معنى له ، إلّا قول الشارع : لا تفعل الأمر الفلاني بدون الوضوء مثلا.

وعرفت أنّه ليس إلّا حالة وشخصا واحدا لا يمكن ارتفاع شخص منه وبقاء شخص آخر منه ، وعرفت باقي الأدلّة التي ذكرناها ، فأيّ حاجة بعد ذلك إلى إيقاع النفس إلى خطر التكليف الآخر؟

وأمّا الوضوء الذي أمر الله تعالى ، ولا يكون رافعا للحدث ـ أي الحالة التي ذكرناها ـ بل يكون موجبا للطهارة والنظافة والكمال ، مثل الوضوء للكون على الطهارة ، ولقراءة القرآن ، وصلاة الجنازة ، وقضاء الحوائج وأمثالها ممّا يؤثّر الطهارة ، أو الكمال الذي يوجب القرب إليه تعالى ، ووقوع الطهارة مكملة له على وجه الكمال ، فهو أيضا يصحّ به الدخول في الفريضة وغيرها من الصلاة بخلاف ما لا يؤثّر الطهارة ولا الكمال المذكورين من مثل الوضوء للتجديد وفاقا ل «الذكرى» (٢) ، بل غيره أيضا من الفقهاء ، إذ نسب الخلاف في ذلك إلى ابن إدريس ، و «مبسوط» الشيخ رحمه‌الله (٣).

نعم ؛ نسب إلى «نهاية» العلّامة الخلاف في الكون على الطهارة أيضا ، وأنّ الوضوء الذي لأجله يرتكب لا يصحّ به الدخول في الفريضة وغيرها (٤).

__________________

(١) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٢٧٦ ، لاحظ! السرائر : ١ / ١٠٥.

(٢) ذكرى الشيعة : ٢ / ١١١ و ١١٢.

(٣) ذخيرة المعاد : ٤.

(٤) ذخيرة المعاد : ٥ ، نهاية الإحكام : ١ / ٣١ و ٣٢.

٨٦

والظاهر أنّ الوضوء للنوم من قبيل الأوّل يؤثّر الطهارة ، لما يظهر من الأخبار (١) وكلام الأخيار أنّه للنوم على الطهارة ، وفاقا ل «المعتبر» (٢).

وعن «التذكرة» : أنّ كلّ وضوء ورد الأمر به من الشرع إذا قصده المكلّف يصحّ به دخوله في الفريضة وغيرها ، وإن كان للتجديد ما لم يجامع الحدث الأكبر ، وأمّا إذا نوى وضوءا مطلقا فلا (٣).

وهذا هو الأقوى لما عرفت ، وأنّ الأحوط ما ذكرنا عن الشهيد ؛ لأنّ قصد كونه لخصوص التجديد ، وانكشاف عدم كونه للتجديد ربّما يوجب الفساد ، مع تأمّل في ذلك ، لما مرّ من الدليل ، وكون التجديدي نورا على نور وطهارة على الطهارة فبفساد الأوّل لا يفسد الثاني ، مع أنّ قبل ظهور الفساد كان صحيحا ، وكذا بعده بظاهر الشرع.

وعن «المعتبر» أنّه لو قصد الكون على الطهارة أو وضوء مطلقا جاز به الدخول في الفريضة (٤).

وربّما كان فيه إشكالا ؛ لأنّ العبادة التوقيفيّة ، كما أنّ ماهيّتها توقيفيّة ، كذا كونها مطلوبا أيضا توقيفي ، وكون الوضوء مطلوبا في نفسه مع قطع النظر عن الكون على الطهارة أو شي‌ء آخر ممّا ورد الوضوء له غير ثابت ، إلّا أنّ ما يظهر من الأخبار من كونه نورا أو طهورا وما ماثلها يدلّ على ذلك ، وأنّه راجح ، مع قطع النظر عن الكون على الطهارة أو تجديدها أو غيرهما ، لكن لا بدّ من التأمّل في ذلك ، وأنّه يصحّ مع قطع النظر عن الكلّ أم لا.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٣٧٨ الباب ٩ من أبواب الوضوء.

(٢) المعتبر : ١ / ١٤٠.

(٣) تذكرة الفقهاء : ١ / ١٤٤ و ١٤٥.

(٤) المعتبر : ١ / ١٤٠.

٨٧

ويمكن أن يكون مراد المحقّق الوضوء المطلوب شرعا مطلقا ، فيرجع إلى كلام العلّامة.

وفي «الذخيرة» جعل كلام «المعتبر» هو الذي نسبه صاحب «المدارك» إلى الأصحاب (١).

والظاهر أنّ كلام هؤلاء الأعلام الذين ذكرناهم متّحد في المقام ، وهو جواز الدخول في الفريضة بكلّ وضوء صحيح لا يجامع الحدث الأكبر.

وأمّا أيّ وضوء صحيح وأيّه فاسد ، فهو مقام آخر ، فكلامهم في المقام لا تفاوت فيه ، أو قليل التفاوت غاية القلّة ، وأنّ سائر الأصحاب كلامهم كلام هؤلاء ، إن لم يكن تفاوت ، وإلّا فكلامهم كلام «التذكرة» فلاحظ وتأمّل ، وتمام الكلام في مبحث النيّة.

قوله : (وكلاهما إجماعي).

أمّا الأوّل ؛ فقد عرفت.

وأمّا الثاني ؛ فادّعاه المحقّق والعلّامة (٢).

ويدلّ عليه بعد الإجماع ما ورد في الصحيح وغيره من قولهم عليهم‌السلام : «لا تنقض اليقين بالشكّ أبدا» (٣).

وموثّقة ابن بكير المذكورة حيث قال المعصوم عليه‌السلام : «إذا استيقنت أنّك [قد] توضأت فإيّاك أن تحدث وضوءا [أبدا] حتّى تستيقن أنّك [قد] أحدثت» (٤).

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٤ ، لاحظ! المعتبر : ١ / ١٤٠ ، مدارك الأحكام : ١ / ١٣ و ١٤.

(٢) المعتبر : ١ / ١٧١ ، شرائع الإسلام : ١ / ٢٤ ، تحرير الأحكام : ١١.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١ مع اختلاف يسير.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ١٠٢ الحديث ٢٦٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٧٢ الحديث ١٢٥٢.

٨٨

وظاهر أنّ المراد المنع من جهة الحدث المشكوك ، لا من جهة التجديد.

قوله : (على المشهور).

أقول : ربّما ادّعي ظهور الإجماع هنا أيضا ، وفي «الفقه الرضوي» : «وإن كنت على يقين من الوضوء والحدث ولا تدري أيّهما أسبق فتوضّأ» (١).

والسند منجبر بالشهرة ، سيّما هذه الشهرة ، وكذا بالقاعدة ، وهي أنّ الصلاة شرطها الوضوء بالنصّ والإجماع.

والنصّ قولهم عليهم‌السلام : «لا صلاة إلّا بطهور» (٢) ، وغيره من الأخبار الصريحة في بطلان الصلاة من جهة عدم الوضوء والإخلال به (٣).

ولا شكّ في أنّ الشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط ، وشغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة.

وقوله : (تمسّكا بعموم الأوامر) ، ربّما يخدشه ما مرّ من أنّ الوضوء إنّما يجب على المحدث دون المتطهّر ، إذ الواجب تكليف ، ولا تكليف إلّا بعد الثبوت ، فما لم يثبت كونه محدثا لم يثبت الوجوب.

فإن قلت : لا شكّ في كونه محدثا فعليه الوضوء.

قلت : لا شكّ في كونه متطهّرا أيضا ، والوضوء إنّما يجب على المحدث ، إلّا أن يقال : الإجماع إنّما أخرج المتطهّر المعلوم لا المشكوك ، لعدم انعقاد الإجماع على أزيد منه ، لو لم نقل بالإجماع على عدمه ، وكذا الصحاح المستفيضة (٤) ، ولا بدّ من

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٦٧ ، مستدرك الوسائل : ١ / ٣٤٢ الحديث ٧٩١.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٥ الحديث ١٢٩ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٩ الحديث ١٤٤ ، ٢٠٩ الحديث ٦٠٥ ، الاستبصار : ١ / ٥٥ الحديث ١٦٠ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٥ الحديث ٩٦٠.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٦ الحديث ٩٦٥ ، ٣٦٩ الحديث ٩٧١.

(٤) راجع! وسائل الشيعة : ١ / ٤٧٢ الباب ٤٤ من أبواب الوضوء.

٨٩

التأمّل في الصحاح ، وكذا في ثبوت العموم الذي ادّعاه.

قوله : (وقيل : إنّه ينظر). إلى آخره.

نسب هذا القول إلى المحقّق الشيخ علي (١) ، وقيل : مال إليه في «المعتبر» (٢) ، وبناء الأخذ بضدّ ما علمه أنّه إن علم كونه محدثا ـ مثلا ـ علم أنّ ذلك الحدث ارتفع يقينا ؛ لأنّه تطهّر يقينا ، وأمّا الحدث المتيقّن ، فيحتمل كونه مقدّما على الطهارة ، فالطهارة اليقينيّة لا تنتقض بالحدث المشكوك وقوعه قبلها أو بعدها.

وفيه ؛ أنّ الحدث الثاني حدوثه يقيني ومن الحوادث اليقينيّة ، فهو مستصحب حتّى يثبت خلافه ، ولا يثبت بالطهارة اليقينيّة ، لاحتمال وقوعها قبله وبعده ، ولا بدّ من رفع الحدث اليقيني.

وهنا قول آخر نسب إلى «المختلف» وهو : العمل بما علمه من حالة قبلهما ، فإن كان متطهّرا ، فهو الآن متطهّر ، وإن كان محدثا فهو الآن محدث ، مثاله : إذا تيقّن عند الزوال أنّه نقض الطهارة وتوضّأ عن حدث وشكّ في السابق ، فإنّه يستصحب حالة السابق على الزوال.

فإن كان في تلك الحال متطهّرا فهو على طهارته ؛ لأنّه تيقّن أنّه نقض تلك الطهارة ثمّ توضّأ ، ولا يمكن أن يتوضّأ عن حدث ، مع بقاء تلك الطهارة الثانية مشكوك فيه ، فلا يزول اليقين بالشكّ.

وإن كان قبل الزوال محدثا ، فهو الآن محدث. لأنّه تيقّن أنّه انتقل عنه إلى الطهارة ثمّ نقضها ، والطهارة بعد النقض مشكوك فيها (٣).

__________________

(١) نسبه العاملي في مدارك الأحكام : ١ / ٢٥٤ ، لاحظ! جامع المقاصد : ١ / ٢٣٦.

(٢) مدارك الأحكام : ١ / ٢٥٤ ، لاحظ! المعتبر : ١ / ١٧١.

(٣) نسبه العاملي في مدارك الأحكام : ١ / ٢٥٥ ، لاحظ! مختلف الشيعة : ١ / ٣٠٨.

٩٠

واورد عليه أنّه يجوز توالي الطهارتين وتعاقب الحدثين ، فلا يتعيّن تأخّر الطهارة في الصورة الاولى ، والحدث في الثانية (١).

وفي «المدارك» قال : هذا الاعتراض فاسد ، فإنّ عبارته رحمه‌الله ناطقة بكون الحدث ناقضا ، والطهارة رافعة ، وذلك ممّا يدفع احتمال التوالي والتعاقب ، لكن هذا التخصيص يخرج المسألة من باب الشكّ إلى اليقين ، فإيراد كلامه رحمه‌الله قولا في أصل المسألة ممّا لا ينبغي ، انتهى (٢). ولعلّه لهذا لم يذكر المصنّف هذا القول.

ثمّ أقول : صرّح العلّامة بالجواب الذي ذكره حين ما اعترض البيضاوي على عبارته في «القواعد» : ولو تيقّنهما. إلى قوله : استصحبه (٣) ، واعتراض البيضاوي : أنّ الاستصحاب انقطع يقينا ، فالموافق للقواعد مراعاة اليقين المضادّ للحالة السابقة لا الحالة السابقة ، فأجاب بأنّي لم استدلّ بالاستصحاب (٤). إلى آخر ما أجاب.

وما أورد عليه صاحب «المدارك» غير وارد عليه أيضا ؛ لأنّ المسألة تتصوّر بصورتين :

الاولى : أن يكون كلّ واحد من الحدث الناقض والطهارة الرافعة واحدا غير متعدّد على اليقين.

والثانية : وقوع كلّ واحد منهما على سبيل اليقين في الجملة بأنّ القدر المتيقّن من كلّ واحد منهما واحد مع احتمال الزيادة باحتمال كونهما متّحدين ومتعدّدين لا يقين في واحد منهما.

__________________

(١) جامع المقاصد : ١ / ٢٣٦.

(٢) مدارك الأحكام : ١ / ٢٥٦.

(٣) قواعد الأحكام : ١ / ١٢.

(٤) لم نعثر عليه.

٩١

وصاحب «المدارك» حمل عبارته على الصورة الاولى ، وغفل عن عدم استقامة عبارته على ما حملها ؛ لأنّه يلزم على ذلك أن يكون قوله رحمه‌الله : «ونقض الطهارة الثانية مشكوك فيه ، فلا يزول اليقين بالشكّ» ، وكذا قوله : «والطهارة بعد نقضها مشكوك فيها» لغوا محضا لا ربط لهما بالمقام ، بل ويفيدان خلاف المطلوب لصراحتهما في خلاف ما حمل في «المدارك».

وظاهر أنّ مراده هو الصورة الثانية ، واليقين الحاصل بوقوع حدث ناقض في الجملة وكذا بوقوع طهارة رافعة كذلك لا ينفع إلّا بضميمة الاستصحاب ، كما لا يخفى على المتأمّل ، فيكون ما ذكره رحمه‌الله قولا في أصل المسألة ، إلّا أنّه بالقياس إلى أحد شقوقها ، فتأمّل!

وممّا ذكرنا ظهر ما في كلام صاحب «الذخيرة» ، حيث أجاب عن اعتراض صاحب «المدارك» ، بأنّ للعلّامة أن يقول : مرادي من الشكّ المفروض في أصل المسألة أعم من المبتدأ والمستمرّ ، وذلك غير عزيز في كلامهم (١). إلى آخر ما قاله.

مضافا إلى أنّ الشكّ المبتدأ غير منحصر فيما ذكره ، ومع ذلك لا يحسن جعله قولا في أصل المسألة ، فتأمّل!

مع أنّه في «المختلف» (٢) صرّح بكون ما ذكره من جملة الشكّ الذي ذكره القوم ، فكيف يمكن جعله من اليقينيّات؟ وإن كان اليقين متأخّرا ، فلاحظ كلامهم.

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٤٣ و ٤٤.

(٢) مختلف الشيعة : ١ / ٣٠٨.

٩٢

٤٢ ـ مفتاح

[أسباب الوضوء]

الحدث الموجب للوضوء هو البول والغائط والريح ، للإجماع والصحاح المستفيضة (١) ، والنوم ، للصحاح (٢) ، وما في حكمه ممّا يزيل العقل ، للتنبيه المستفاد منها ، فإنّه إذا وجب الوضوء بالنوم الذي يجوز معه الحدث وجب بالإغماء والكسر والجنون بطريق أولى ، كذا قالوه.

والاستحاضة الغير المثقبة للكرسف لكلّ صلاة ، للصحاح (٣) ، خلافا للعماني فيها حيث لم يوجب بها وضوءا ولا غسلا (٤) ، وهو شاذّ ، كخلاف ظاهر الصدوقين في النوم مطلقا أو من المتجمع (٥).

وزاد الأكثرون ما يوجب الغسل ما عدا الجنابة ، للمرسل ـ الصحيح

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الباب ١ ، ٢٤٨ الباب ٢ من أبواب نواقض الوضوء.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٢ الباب ٣ من أبواب نواقض الوضوء.

(٣) انظر : وسائل الشيعة : ٢ / ٣٧١ الباب ١ من أبواب الاستحاضة.

(٤) نقل عنه في المعتبر : ١ / ٢٤٤ ، مختلف الشيعة : ١ / ٣٧٢.

(٥) نقل عنهما في مختلف الشيعة : ١ / ٢٥٥ ، لاحظ! الهداية : ٨٤ ، المقنع : ١٢.

٩٣

بزعمهم ـ : «كلّ غسل قبله وضوء إلّا [غسل] الجنابة» (١) وهو ضعيف عندي ، كما بيّناه في الاصول ، مع أنّه غير صريح في المطلوب ، كما اعترف به المحقّق (٢) ، ويدفعه الصحاح وغيرها (٣).

منها : الصحيح : «الغسل يجزي عن الوضوء ، وأيّ وضوء أطهر من الغسل؟» (٤).

ومنها : الموثّق : سئل عن الرجل إذا اغتسل من جنابته أو يوم الجمعة أو يوم عيد ، هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده؟ فقال : «لا ، ليس عليه قبل ولا بعد ، قد أجزأه الغسل ، والمرأة مثل ذلك إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبل ولا بعد ، قد أجزأها الغسل» (٥).

وما اخترناه مذهب السيّد والإسكافي (٦) ، والعمل على المشهور ، ثمّ تقديم الوضوء أحوط.

وزاد جمع من المتأخّرين الاستحاضة المثقبة للكرسف أيضا لكلّ صلاة (٧) لعموم الآية ، وهو ضعيف جدّا ، ويدفعه الصحاح وقد شنّع عليهم المحقّق (٨).

وزاد الإسكافي المذي الواقع عقيب الشهوة ، والقبلة بشهوة ، والقهقهة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٨ الحديث ٢٠٧٢.

(٢) المعتبر : ١ / ١٩٥ و ١٩٦.

(٣) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٤ الباب ٣٣ من أبواب الجنابة.

(٤) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٤ الحديث ٢٠٥٧.

(٥) وسائل الشيعة : ٢ / ٢٤٤ الحديث ٢٠٥٥.

(٦) نقل عنهما في المعتبر : ١ / ١٩٦ ، مختلف الشيعة : ١ / ٣٤٠.

(٧) المعتبر : ١ / ٢٤٤ ، مختلف الشيعة : ١ / ٣٧١.

(٨) المعتبر : ١ / ١٩٦.

٩٤

في الصلاة ، والحقنة ، ومس باطن الفرجين (١) ، ووافقه الصدوق في الأخير (٢) ، لأخبار ضعيفة أو محمولة على التقيّة عند الأكثر (٣).

__________________

(١) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٢٥٧ ـ ٢٦١ و ٢٦٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣٩ ذيل الحديث ١٤٨.

(٣) مختلف الشيعة : ١ / ٢٥٩ و ٢٦٠ و ٢٦٣ ، الدروس الشرعية : ١ / ٨٨.

٩٥
٩٦

قوله : (الحدث الموجب). إلى آخره.

الحدث يطلق على معنيين :

أحدهما : الحالة المانعة عمّا يتوقّف على الطهارة من الصلاة والطواف وغيرهما ، وهي التي ترفع بالوضوء أو الغسل أو التيمّم ، وإن لم ترتفع بها تبقى ما دام الحياة للمكلّف.

وثانيهما : الأسباب الموجبة لتلك الحالة ، فما أوجب الحالة التي لا ترفع إلّا بالوضوء يسمّى الحدث الأصغر ، وما أوجب الحالة التي لا ترفع إلّا بالغسل يسمّى الحدث الأكبر.

والطهارة أيضا يطلق على معنيين :

أحدهما : الحالة التي يجوز معها الدخول في الصلاة وغيرها ممّا يتوقّف على الطهارة.

وثانيهما : الموجب لتلك الحالة ، وهو الوضوء والغسل والتيمّم.

فعلى هذا جاز اجتماع اليقين بالطهارة مع الشكّ في الحدث ـ مثلا ـ من جهة الاستصحاب ، ومع قطع النظر عن الاستصحاب ، فاليقين سابق والشكّ لاحق ، فلا يقال : الشكّ واليقين يمتنع اجتماعهما في زمان واحد ، فكيف قلت في السابق : إنّه تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث وبالعكس؟

قوله : (للإجماع والصحاح المستفيضة).

أمّا الإجماع ؛ فمن المسلمين قاطبة ، وأمّا الصحاح ؛ فصحيحة زرارة ، عن الصادق عليه‌السلام : «لا يوجب الوضوء إلّا [من] غائط ، أو بول ، أو ضرطة تسمع صوتها ، أو فسوة تجد ريحها» (١).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٤٦ الحديث ١٠١٦ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣٢.

٩٧

وصحيحة معاوية بن عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ الشيطان ينفخ في دبر الإنسان حتّى يخيّل إليه أنّه خرج منه ريح ، فلا ينقض وضوءه إلّا ريح تسمعها أو تجد ريحها» (١).

ورواية زكريّا بن آدم ، عن الرضا عليه‌السلام : «إنّما ينقض الوضوء ثلاث : البول والغائط والريح» (٢).

وليس في طريق هذه الرواية إلّا محمّد بن سهل بن اليسع الذي ذكر في الرجال أنّ له كتابا (٣) ، وهذا يقتضي اعتناء ما بشأنه.

ومع ذلك يروي عنه كثيرا ـ غاية الكثرة ـ أحمد بن محمّد بن عيسى ، الذي كان يخرج عن قم من كان يروي عن غير الثقات والمعتبرين في الرواية (٤) ، فهذا يؤذن بوثاقته أو كونه مقبول الرواية عندهم ، إلى غير ذلك من الروايات.

ومثل الروايتين الأخيرتين ممّا يدلّ على الناقضيّة ، يدلّ على الموجبة ، بضميمة الإجماع في كونه موجبا للوضوء.

ومقتضى الرواية الاولى والثانية ، أنّ الريح لا يكون ناقضا إلّا مع أحد الوصفين من سماع الصوت ، أو وجدان الرائحة.

وربّما احتمل بعض المتأخّرين كون الناقضيّة مشروطة بأحد الوصفين (٥) ،

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٦ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٤٧ الحديث ١٠١٧ ، الاستبصار : ١ / ٩٠ الحديث ٢٨٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٦ الحديث ٦٣٣ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٦ الحديث ٢ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٢٤ الحديث ٤٧ ، تهذيب الأحكام : ١ / ١٠ الحديث ١٨ ، الاستبصار : ١ / ٨٦ الحديث ٢٧٢ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٥٠ الحديث ٦٤٦.

(٣) رجال النجاشي : ٣٦٧ الرقم ٩٩٦.

(٤) جامع الرواة : ١ / ٦٣.

(٥) منهم العاملي في مدارك الأحكام : ١ / ١٤٢.

٩٨

وأفتى بعض علماء زماننا بذلك ـ على ما سمعت ـ وليس بشي‌ء ، لمكان الإجماع وعدم نقل خلاف من السلف ومن تقدّم من الفقهاء ـ والأخبار المطلقة ، بل غاية ظهور بعضها في الإطلاق والعموم ؛ منه صحيحة زرارة التي سنذكرها في ناقضيّة النوم ، والرواية التي سنذكرها عن «العلل» في بحث ناقضيّة الجنون والسكر.

مع أنّ القيدين ربّما كانا واردين مورد الغالب خارجين مخرجه ، فلا عبرة بمفهوميهما ، أو المراد من شأنه أن يسمع أو يشمّ ، أو تكون الفائدة ثبوت خروج الريح وتيقّنه ، وعدم كفاية المظنّة في المقام ، كما مرّ في المبحث السابق : أنّ الوضوء باق حتّى يحصل اليقين بالحدث.

وسنذكر في ناقضيّة النوم ما يدلّ عليه أيضا.

وربّما يكون المراد : أنّ الشيطان لما ينفخ في الدبر حتّى يخيّل خروج الريح ، فلذلك بعض المكلّفين يبتلون بهذه الحالة ، ودائما يتخيّلون خروج الريح ويتوضّئون من هذه الجهة ، فمثل هؤلاء لا يجوز لهم نقض الوضوء بالريح إلّا مع أحد الوصفين ، مع أنّ المفهوم مفهوم القيد ، وربّما لم يعتبره بعض ، وعلى تقدير الاعتبار ، فمقاومته للمنطوقات ، سيّما بعد ملاحظة ما ذكرنا فيه ما فيه.

مع أنّ في «الفقه الرضوي» : «وإن شككت في ريح أنّها خرجت منك [أو لم تخرج] فلا تنقض من أجلها الوضوء إلّا أن تسمع صوتها أو تجد ريحها ، وإن استيقنت أنّها خرجت منك ، فأعد الوضوء ، سمعت وقعها أو لم تسمع ، شممت ريحا أو لم تشمّ» (١) ، انتهى.

وهذا مع انجباره بالشهرة العظيمة ، بل الإجماع والفتاوى والعمومات والإطلاقات صريح فيما ذكرنا من أنّ الروايتين في مقام الظن بالخروج أو توهّمه.

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٦٧ ، مستدرك الوسائل : ١ / ٢٢٧ الحديث ٤٣٠.

٩٩

ثمّ اعلم! أنّ المصنّف لم يقيّد البول وغيره بالخروج عن موضع المعتاد ، كما قيّدها المشهور به ، لإطلاق الأخبار المذكورة (١) ، وفيه أنّ الإطلاق منصرف إلى الأفراد الشائعة لا النادرة ، سيّما هذه الندرة.

وعن ابن إدريس أنّه قال بالنقض مطلقا (٢) ـ كالمصنّف ـ ولم يعتبر الاعتياد لإطلاق الآية (٣).

وفيه ما ذكرنا من أنّ الغائط الوارد فيها أيضا مطلق ينصرف إلى المعتاد.

والشيخ اعتبر الخروج من تحت المعدة دون ما فوقه متمسّكا في الأوّل بإطلاق الآية ـ وفيه ما عرفت ـ وفي الثاني بعدم تناول الاسم (٤).

ولعلّ وجهه أنّ البول والغائط اسمان لما هو فضلة الهضم ، والهضم لا يكون إلّا في المعدة ، وفيه أنّه ربّما كان الفضلة تخرج من الثقب الواقع فوقها.

وفي «الذخيرة» تردّد في الخارج من غير المعتاد مطلقا ؛ لأنّ ما يدلّ على الناقضيّة كما أنّه من جهة إطلاقه ينصرف إلى المعتاد كذا ما دلّ على انحصار الناقض في الامور المذكورة ينصرف إلى الفروض الشائعة (٥).

وفيه ؛ أنّ المتبادر من لفظ «بول» مثلا ، إذا كان الخارج عن المعتاد فيثبت من الحصر المذكور عدم النقض ، لكنّه رحمه‌الله بنى على أنّ الحصر المذكور أيضا مقصور على الفروض الشائعة.

وفيه ؛ أنّ دلالة الحصر ليست من قبيل المطلق ينصرف إلى الشائع ، ولذا لو

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٨ الباب ٢ من أبواب نواقض الوضوء.

(٢) السرائر : ١ / ١٠٦.

(٣) النساء (٤) : ٤٣ ، المائدة (٥) : ٦.

(٤) المبسوط : ١ / ٢٧ ، الخلاف : ١ / ١١٦ المسألة ٥٨.

(٥) ذخيرة المعاد : ١٢.

١٠٠