مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

.................................................................................................

______________________________________________________

«الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ» (١) بالنصّ والإجماع والاعتبار.

والاخبار ، مثل حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال : لا يقتل الحرّ بالعبد ، وإذا قتل الحرّ العبد غرم ثمنه وضرب ضربا شديدا (٢).

وفي صحيحة أبي بصير ، لا يقتل حرّ بعبد ، ولكن يضرب ضربا شديدا ، ويغرم ثمن العبد (ويغرم ثمنه دية العبد ـ ئل) (٣).

ويدلّ على عدم القتل ، ولزوم قيمته ، والضرب والتأديب أخبار كثيرة مثل رواية أبي بصير (٤) وسماعة (٥) وصحيحة علي بن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا قتل الحرّ العبد غرم قيمته وأدّب ، قيل : وان كانت قيمته عشرين ألف درهم؟ قال : لا يتجاوز (يجاوز ـ ئل) قيمة العبد (بقيمة عبد ـ ئل) دية الأحرار (٦).

وفيها دلالة على التأديب ولزوم قيمته وأنّ القيمة التي تلزم قاتل المملوك لا تتجاوز دية الحرّ فمهما تكون دونها يلزم ذلك.

وتدلّ عليه صحيحة ابن مسكان ـ وهو عبد الله ـ عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : دية العبد قيمته ، وان كان نفيسا فأفضل قيمته عشرة آلاف درهم ولا يتجاوز (لا يجاوز به ـ ئل) دية الحرّ (٧).

وفي الصحيح عن أبي الورد ـ المجهول ـ قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام ،

__________________

(١) البقرة : ١٧٨.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٢ ج ١٩ ص ٧١.

(٣) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب القصاص في النفس قطعة من الرواية ١ ج ١٩ ص ٧١.

(٤) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب القصاص في النفس قطعة من الرواية ١ ج ١٩ ص ٧١.

(٥) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٣ ج ١٩ ص ٧١.

(٦) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٤ ج ١٩ ص ٧١ وفيه وفي الكافي ، علي بن رئاب عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام.

(٧) الوسائل الباب ٦ من أبواب ديات النفس الرواية ٢ ج ١٩ ص ١٥٢.

٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

عن رجل قتل عبدا خطأ؟ قال : عليه قيمته ، ولا يتجاوز قيمته (بقيمته ـ ئل) عشرة آلاف درهم ، قلت : ومن يقوّمه وهو ميّت؟ قال : ان كان لمولاه شهود أنّ قيمته كانت يوم قتل كذا وكذا أخذ بها (قاتله ـ ئل) ، وان لم يكن له شهود على ذلك كانت القيمة على من قتله مع يمينه يشهد بالله ماله قيمة أكثر ممّا قوّمته ، فان أبي ان يحلف وردّ اليمين على المولى ، فان حلف المولى أعطي ما حلف عليه ، ولا يتجاوز بقيمته عشرة آلاف ، قال : وان كان العبد مؤمنا ، فقتله اغرم قيمته ، وأعتق رقبة ، وصام شهرين متتابعين ، واطعم ستين مسكينا ، وتاب إلى الله عزّ وجلّ (١).

فيها أحكام.

لزوم القيمة على قاتل المملوك خطأ.

وعدم تجاوزها دية الحرّ.

وعلى أخذ قيمة المتلف الشّهود على تعيين قيمته اللازمة.

وكون الاعتبار بها يوم التلف.

وقبول قول الغارم مع اليمين على تقدير عدم الشهود.

ووقوع الحلف بالشهادة مثلا شهد بالله.

ووقوعه على النفي مثل ان ليس قيمته إلّا كذا وكذا.

وأنّ له الردّ على المدعي.

وعدم الحكم بالنكول (بل ـ خ) مع اليمين المردودة.

وعلى تقدير عدم حلفه أيضا الظاهر أنّه يلزم ما أقرّ به المتلف ان لم يقل (نقل ـ خ) بما لا يكون ذلك قيمة له يقينا ، وإلّا فيرجع في ذلك حسب ما يقتضيه العادة.

ووجوب التوبة.

__________________

(١) الوسائل الباب ٧ من أبواب ديات النفس الرواية ١ ج ١٩ ص ١٥٣.

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولزوم الكفّارة ان كان العبد مسلما كما في الحرّ.

وأنّه كفارة جمع مثل كفارة الحرّ وان كان أبو الورد غير معلوم إلّا أنّ الأكثر موافق للقوانين ولهذا نقبله (نقلته ـ خ).

وأمّا خبر مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : لا قصاص بين الحرّ والعبد (١).

فمعناه ما قلناه في اشتراط التساوي في الحرّية ، فافهم.

وأمّا خبر إسماعيل بن أبي زياد ـ أي السكوني ـ عن جعفر ، عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام ، عن علي عليه السّلام ، أنّه قتل حرّا بعبد قتله عمدا (٢).

فهو ضعيف به ، وواحد معارض للأخبار الكثيرة المعتبرة.

وحمله الشيخ على من يكون عادته قتل العبيد ، وأيّده بالأخبار.

مثل خبر الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن عليه السّلام ، في رجل قتل مملوكه أو مملوكته ، قال : ان كان المملوك له أدّب وحبس إلّا ان يكون معروفا بقتل المماليك فيقتل به (٣).

ورواية يونس عنهم عليهم السّلام ، قال : سئل عن رجل قتل مملوكه؟ قال : ان كان غير معروف بالقتل ضرب ضربا شديدا وأخذ منه قيمة العبد وتدفع الى بيت مال المسلمين ، وان كان متعوّدا قتل به (٤).

لحمل المطلق على المقيّد.

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٦ ج ١٩ ص ٧٢.

(٢) الوسائل الباب ٤٠ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٩ ج ١٩ ص ٧٢.

(٣) الوسائل الباب ٣٨ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١ ج ١٩ ص ٦٩ وفيه عن أبي الفتح الجرجاني وهو خطأ.

(٤) الوسائل الباب ٣٨ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٢ ج ١٩ ص ٦٩.

٤٣

ولا مكاتب تحرّر أكثره ولا أمّ ولد.

______________________________________________________

وهما ضعيفان ، الأوّل للجهل بحال رواية الفتح وغيره والثاني للجهل بحال إسماعيل بن مرار (١) واشتراك يونس ، والظاهر أنّه ابن عبد الرّحمن ، الله يعلم.

وأنّ في الأول حبس المولى ، وفي الثانية أخذ دية عبده والدفع إلى بيت مال المسلمين ، وذلك غير معلوم القاتل ، وان كان لا يبعد ان يفعل الامام عليه السّلام به ذلك ، إذا عرف أنّ الفساد لم ينقطع إلّا بذلك ، كما أنّه يقتل شخصا بمجرد شهر السلاح ، كما مرّ في المحارب.

وأنّه يقتل المسلم بالذمّي إذا تعوّد ذلك ، لدفع الفساد وقد مرّ.

والظاهر أنّ القتل في حدّ لا قصاص.

وأنّ التّعود مرجعه العرف ، ويمكن حصوله بالثلاثة فيقتل فيها و (أو ـ ظ) في الرابعة ولكن القول بقتل الحرّ بالعبد ـ مع كونه له وان اعتاد القتل بهذه الأخبار الضعيفة الغير المعلوم القاتل ـ مشكل ، فتأمّل.

قوله : «ولا مكاتب تحرّر إلخ». عطف على (عبد) وكذا (ولا أمّ ولد) أي كما لا يقتل الحرّ بالمملوك القنّ الذي ليس فيه شائبة العتق أصلا ، لا يقتل بالمكاتب أيضا ، ولو كان مطلقا انعتق أكثره.

لعلّ الدليل عموم ظاهر الأدلة ، فإنّه ما دام لم يتحرّر كلّه لا يقال له : حرّ بل عبد ومملوك.

أو الاعتبار ، وكأنّه إجماعيّ ، وما في بعض الاخبار ، من أنّه بمنزلة الحرّ في الحدود ، كما سيجي‌ء (كأنّه ـ خ) في غير قتل الحرّ به ، فتأمّل.

ولا يقتل الحرّ بأمّ الولد أيضا ، وهو ظاهر ممّا تقدّم ، فإنّها أمة مملوكة ،

__________________

(١) سند الرواية ـ كما في الكافي ـ هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عنهم عليهم السّلام.

٤٤

فان اعتاد قيل : يقتل مع ردّ الفاضل.

______________________________________________________

فالدليل جار فيها ، والمدبر قنّ ، وهو ظاهر ومنصوص ولهذا ما ذكره ، فتأمّل.

قوله : «فان اعتاد إلخ». قال في الشرح بعد نقل آية «الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد» (١) ودعواه أنّه دالّ على التخصيص والاخبار الدالّة على عدم جواز قتل الحرّ بالعبد من طرق الخاصّة والعامّة (٢) وادّعى (٣) في المختلف إجماع الصحابة عليه ـ إلى قوله : ـ وهذا الحكم متفق عليه بيننا مع عدم الاعتياد لقتلهم ، ومعه أقوال ثلاثة (أحدها) يقتل لفساده ذكره في كتابي الأخبار ، سواء كان عبده أم لا ، وهو اختيار التقي وابن زهرة والكيدري وسلار مطلقا وأوجب ردّ الفاضل عن قيمة العبد غير المتجاوز لرواية الفتح بن يزيد الجرجاني ولرواية يونس وقد تقدمتا (٤).

قال في تفسير رواية يونس : المراد ب «هم» (٥) الأئمة عليهم السّلام ، وبالمسؤول عنه أحدهم عليهم السّلام ، ويحتمل ان يكون المراد عن أحدهم بحذف المضاف ، وهو الأولى ، لأنّه لا معنى للنقل عنهم مع أن المسؤول عنه والمجيب واحد ، إلّا ان يقال : كلام واحد كلام جميعهم ، فتأمّل.

ثمّ قال : وهما دالّتان على قتله بعبده مع العادة ويستفاد من عدم الفصل بين المسألتين قتله بأيّ عبد معها وعليها (٦) حمل الشيخ رواية السكوني (٧) وقد تقدمت هذه أيضا.

__________________

(١) البقرة : ١٧٨.

(٢) امّا روايات الخاصة فراجع الوسائل الباب ٣٧ و ٤٠ من أبواب القصاص في النفس ج ١٩ ص ٦٧ وص ٧٠ واما ما رواه العامة. فراجع سنن أبي داود ج ٤ ص ١٧٦ طبع مصر وفيه دلالة على الخلاف أيضا فلاحظ.

(٣) يعني ان المراد من (عنهم) في رواية يونس هم الأئمة عليهم السّلام.

(٤) قوله : وادعى إلخ مقول قوله قدّس سرّه : قال في الشرح إلخ.

(٥) راجع الباب ٣٨ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١ و ٢ ج ١٩ ص ٦٩.

(٦) الضمير فيهما يعود إلى العادة.

(٧) راجع الوسائل الباب ٤٠ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٩ ج ١٩ ص ٧٢.

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أراد بالمسألتين عبد القاتل وعبد غيره ، يعني لا قائل بالفصل ، مع أنّه يمكن استفادة العموم من رواية يونس (١) فافهم.

ثمّ قال ـ بعد نقلها ـ قلت : وهذه في طريقها السكوني ، وهو عامي ، والشيخ المصنف أورده فيمن لا يعتمد عليه من الخلاصة والأولى عدم الاعتماد على ما ينفرد به ، فإنّ الأصحاب وان اعتبروا رواية بعض المخالفين إلّا أنّه مع التنصيص على توثيقه ، وهذا لم ينصّوا ، وكفى بمذهبه جارحا ، فإذن لا يقوم حجة ، ولو سلم فهو حكاية حال (نعم).

قوله : فلا وأمّا الروايتان الأولتان فراوي الأوّل الفتح بن يزيد ، وقد قال ابن الغضائري فيه : وهو صاحب المسائل لأبي الحسن عليه السّلام ، ولا ندري أهو الرضا أو الهادي ، والرجل مجهول ، والإسناد إليه مدخول ، ذكره الشيخ والنجاشي والمصنف ولم يوثّقوه ، والأخرى مقطوعة ، فلا تنهضان حجة أيضا.

قد عرفت وجه ضعف الروايات وعدم العمل بها ، وأنّ وجه ضعف رواية فتح أكثر مما ذكره ، وأنّ رواية يونس ليست بمقطوعة ، نعم هي ضعيفة بما ذكرناه.

ثمّ قال : (الثاني) أنّه إذا عرف بقتل العبيد قتل في الثالثة أو الرابعة ، ومغايرته لما تقدم ، كأنّه باعتبار الترديد أو في الأوّل للفساد (وـ خ) مع ردّ الفاضل (وـ خ) هنا للحدّ ، وهو غير ظاهر ، فكأنّ دليله هو دليل الأوّل.

ثمّ قال : (والثالث) عدمه مطلقا ، وهو أوضح ، للتمسك بالكتاب وصحاح الأحاديث ، وما عليه المعظم كالصدوق وابن أبي عقيل وأبي الفضل الجعفي صاحب الفاخر ، والشيخ أبي عبد الله المفيد والشيخ أبي جعفر في النهاية والمبسوط والخلاف وابن البرّاج في المهذّب والكامل والموجز والصهرشتي في التنبيه وابن حمزة وأبي

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٨ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٢ ج ١٩ ص ٦٩.

٤٦

ويقتل بمثله وبالحرّة مع ردّ فاضل ديته والحرّة بمثلها وبالحرّ.

______________________________________________________

منصور الطبرسي (الطبري ـ خ) في الكافي وابن إدريس والمحقق والامام المصنف.

وكأنّ مراده من الكتاب مفهوم «الحرّ بالحرّ» (١) وبالأخبار ما أشرنا إليه من الأخبار الدالّة على عدم جواز قتل الحرّ بالعبد (٢) وليس هنا ما يصلح لتخصيص تلك إلّا ما تقدم من الروايات الثلاثة ، السكوني والفتح ويونس ، وقد عرفت حالها ، فتذكّر.

قوله : «ويقتل بمثله إلخ». دليل قتل الحرّ هو عموم الآية (٣) والأخبار ، وكذا قتله بالحرّة إذا قتلها ، ولكن ترد ورثتها فضل دية الحرّ عن دية الحرّة إليه ، وهو نصف دية كاملة ، وهي دية الحرّة فإنّها نصف الحرّ ، كما سيجي‌ء.

ويدلّ عليه الاعتبار والأخبار الكثيرة جدّا ، مثل حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، في الرّجل يقتل المرأة متعمدا ، فأراد أهل المرأة ان يقتلوه قال : لهم ذلك إذا أدّوا إلى أهله نصف الدية ، وان قبلوا الدية فلهم نصف دية الرّجل ، وان قتلت المرأة الرّجل قتلت به ليس لهم إلّا نفسها وقال : جراحات الرّجل والنساء سواء من المرأة ومن الرجل ، وموضحة المرأة بموضحة الرّجل ، وأصبح المرأة بإصبع الرّجل ، حتّى تبلغ الجراحة ثلث الدية ، فإذا بلغت ثلث الدية أضعف (ضعفت ـ ئل) دية الرّجل على دية المرأة (٤).

وصحيحة عبد الله بن مسكان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إذا قتلت المرأة رجلا قتلت به وإذا قتل الرجل المرأة ، فإن أرادوا القود أدّوا فضل دية الرّجل

__________________

(١) البقرة : ١٧٨.

(٢) راجع الوسائل الباب ٤٠ من أبواب القصاص في النفس.

(٣) البقرة : ١٧٨.

(٤) أورد صدره في الوسائل في الباب ٣٣ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٣ ج ١٩ ص ٥٩ وذيله في الباب ١ من أبواب قصاص الطرف الرواية ١ ج ١٩ ص ١٢٢.

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

على دية المرأة وأقادوه بها وان لم يفعلوا قبلوا الدية دية المرأة كاملة ، ودية المرأة نصف دية الرّجل (١).

وصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السّلام ، يقول في رجل قتل امرأته متعمّدا ، فقال : إن شاء أهلها ان يقتلوه قتلوه ويؤدوا إلى أهله نصف الدية ، وإن شاؤوا أخذوا نصف الدية خمسة آلاف درهم ، وقال في امرأة قتلت زوجها متعمدّة ، فقال : ان شاء اهله ان يقتلوها قتلوها وليس يجني أحد أكثر من جنايته على نفسه (٢).

وما في آخرها موجود في صحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، في المرأة تقتل الرّجل ما عليها؟ قال : لا يجني الجاني أكثر من نفسه (٣).

وما في رواية أبي مريم ، قال : قلت : فامرأة قتلت رجلا ، قال : يقتلوها ، قلت : فرجل قتل امرأة؟ قال : ان شاؤوا قتلوا وأعطوا نصف الدية (٤).

وفي هذه الأدلة من الآية والأخبار دلالة على قتل الرّجل بالمرأة مع الردّ (وـ خ) في الاخبار ، وبالعكس من غير غرم ، وهو المشهور بين الأصحاب بحيث ما نقل الخلاف.

إلّا أنه وردت رواية بعدم قتل الرجل بالمرأة ، وهي رواية إسحاق بن عمار ، عن أبي جعفر عليه السّلام أنّ رجلا قتل امرأة فلم يجعل علي عليه السّلام بينهما قصاصا وألزمه الدية (٥).

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٢ ج ١٩ ص ٥٩.

(٢) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١ ج ١٩ ص ٥٩.

(٣) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١٠ ج ١٩ ص ٦١.

(٤) الوسائل الباب ٣٣ من أبواب القصاص في النفس قطعة من الرواية ٨ ج ١٩ ص ٦٠.

(٥) الوسائل باب ٣٣ حديث ١٦ من أبواب القصاص في النفس ج ١٩ ص ٦٢.

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

حملها الشيخ على الخطأ وهو جيّد ، أو على أن لا قصاص بدون ردّ ، ويأباه قوله : (والزم الدية).

مع أنّها واحدة ضعيفة بغياث بن كلوب وإسحاق (١) ، ومخالفته لما مرّ ، ولم يظهر بها قائل.

وكذا وردت رواية أبي مريم الأنصاري ـ كأنّه عبد الغفّار الثقة ، في غرم تتمة دية الرجل إذا قتل بالمرأة ـ رواها عن أبي جعفر عليه السّلام ، أنّه قال في امرأة قتلت رجلا ، قال : تقتل ويؤدّي وليّها بقيّة المال (٢).

وفي طريقها الأخرى بقيّة الدية (الدين ـ خ) (المال ـ خ) رواها بطريقين (أحدهما) ضعيف بالقول في معاوية بن حكيم بأنّه فطحي وبموسى بن بكر (٣).

ولعدم ظهور صحة طريق الكتابين إلى محمّد بن علي بن محبوب منهما ، ولكن يمكن تصحيحه من الفهرست.

والظاهر أنّ (الأخرى) كذلك ، فإنّه رواها عن محمّد بن احمد بن يحيى ـ كأنّه الأشعريّ الذي قالوا طريق الكتابين إليه صحيح ، وهو ثقة ـ عن محمّد بن يحيى ، ومعاوية كأنّه ابن الحكيم الذي تقدّم ، ومحمّد بن يحيى (٤) هو المعاذي الضعيف ، لأنّه الذي يروي محمّد بن احمد بن يحيى الأشعري عنه ، صرّح به في الفهرست وابن داود.

__________________

(١) سندها كما في التهذيب هكذا : الصفّار ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن غياث بن كلّوب عن إسحاق بن عمار.

(٢) الوسائل باب ٣٣ حديث ١٧ من أبواب القصاص في النفس ج ١٩ ص ٦٢.

(٣) سندها كما في التهذيب هكذا : محمّد بن علي بن محبوب ، عن معاوية بن حكيم ، عن موسى بن بكر ، عن أبي مريم ، وعن محمّد بن احمد بن يحيى ومعاوية عن علي بن الحسن بن رباط ، عن أبي مريم الأنصاري.

(٤) قد سمعت الطريقين ممّا نقلناه من التهذيب.

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد استثنى الصدوق عن روايته ما رواه جماعة لتخليط فيه ، منها روايته عن محمّد بن يحيى المعاذي ، عن علي بن الحسن بن رباط الثقة.

وجزم في الشرح بأنّها صحيحة ، وكذا في شرح الشرائع.

وقد يناقش فيه لما مرّ ، ولعدم ظهور صحة الطريق إليه ، على ما يظهر من الكتابين ، وان أمكن صحته من الفهرست على ما أظنّ ، فافهم.

مع أنّ المعنى غير واضح ، فإنّ (بقية المال) تدلّ على أنّه قد أخذ منها مال ، فيؤخذ من وليها قيمته (بقيته ـ خ ل) وكذا (بقية الدية) في طريقه الأخرى.

وأيضا قد لا يكون لها مال عند الوليّ ، فكيف يؤخذ من وليّها ، وينبغي ان يقول : يؤخذ منها ومن مالها ، بل ان يحكم أوّلا بالأخذ منها ثمّ القتل.

على أنّه لا قائل بمضمونها على ما قيل ، وسيجي‌ء أنّ أبا مريم روى خلافه ظاهرا فيما مرّ ، فتأمّل.

وإن تكرّر لفظ «قال» لا فائدة فيه.

وبالجملة يمكن المناقشة في السند والمتن والدلالة.

ويحتمل ان يكون عليها مال أو دية وأخذ بعضهما ، فلمّا قتلت رجلا حكم بقتلها ، فقال عليه السّلام : (يؤخذ القيمة من وليّها) جواب لسؤال صاحب المال قبل ان يسأل ، وليس فيها ان يؤدّى إلى وليّ الدم أو تكون مخصوصة بصورة خاصّة أو يحمل على الاستحباب أو يحذف ان لم يمكن التأويل بواحدة ممّا تقدم ، ويبقى الباقي سليمة عن المعارض ولو لم يمكن الجمع لكان هذا جيّدا فتأمّل.

قال الشيخ في الكتابين : هذه رواية شاذّة ما رواها غير أبي مريم الأنصاري ، وإن تكررت في الكتب في مواضع ، وهي مع هذا مخالفة للأخبار كلّها ولظاهر القرآن إلى قوله : وينبغي ان لا يلتفت إليها ، ولا إلى العمل بها.

قال في الشرح بعد نقل كلام الكتابين : وجمع الراوندي بين الأدلة

٥٠

ولا غرم على رأي.

______________________________________________________

بالحمل على المعسرة والموسرة ، أو الثابت بالشهادة والإقرار ، وردّه بأنّه تحكم محض وتكلّف صرف ، وتصحيح هذا الخبر بأنّ أبا مريم هو عبد الغفّار بن القاسم ثقة ، وطريقها إليه معتبر ، كلّ رجاله ثقات لو لا مخالفتها الأصول.

ثم اعلم أنّ قول المصنف هنا ، وفي التلخيص (على رأي) ليس في موضعه على ما اصطلح عليه غالبا ، فإنّه ينبّه (على قول) : وان لم يكن مشهورا فلو نبّه على رواية ـ كما ذكره الشيخ في النهاية واتباعه ، والشيخ المحقق (١) ، وهو في التحرير ، حيث قال : على الأشهر ـ كان حسنا ، وليس ببعيد دعوى الإجماع على هذه المسألة.

اعلم أنّ توثيق كلّ رجاله غير ظاهر ، وأنّ تعليق ذلك ب (لو لا المخالفة) غير جيّد ، و (عدم القول) غير ظاهر ، فقد يكون ولم يطّلع عليه الشارح ، ولهذا يشعر به أكثر العبارات.

قال في الشرائع : (على الأظهر) ، وقال في شرحه : (على الأظهر) ، وكلام غيره مشعر بالخلاف وكذا تفصيل الراوندي.

وأنّ كلام المحقق في الشرائع لم يشعر بالرواية بل بالخلاف ، كما مرّ.

وأنّ في (على الأشهر) الاشعار بالخلاف أكثر من الإشعار بالرواية ، إلّا ان يكون اصطلاحا ، فحسن (على الأشهر) غير ظاهر ، وكذا عدم بعد دعوى الإجماع ، فإنّه بعيد ، لما يظهر (ظهر ـ ظ) من الخلاف ، خصوصا من تأويل الراوندي ، فإنّ التأويل والجمع ظاهر بقول المأوّل والجامع به ، وكيف يدّعى الإجماع على مسألة يمكن القائل بخلافها.

بل الظاهر من كلام الأكثر ، بمجرّد عدم الاطلاع على الخلاف ، مع الرواية الصحيحة عنده ، واحتمال ان يكون مذهبا للراوي ، فهذا الكلام من الشّارح مشعر

__________________

(١) يعني العلامة.

٥١

ويقتل العبد بمثله وبالحرّ كلّه أو بعضه وبالأمة ، والأمة بمثلها وبالعبد ، ويقتل المدبر وأم الولد والمكاتب المشروط وغير المؤدّي ، بالعبد ـ وبالعكس ـ

______________________________________________________

بأنّ أكثر الإجماع الذي قد ادّعى ، يمكن ان يكون من هذا القبيل ، فذلك ليس بإجماع ، بل ولا بحجّة ، فتأمّل.

قوله : «ويقتل العبد إلخ». دليل قتل العبد إذا قتل عبدا ، عموم أدلة القصاص مثل «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» (١) و «الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ» (٢).

وكذا قتله إذا قتل حرّا ، أو من انعتق كلّه أو من انعتق بعضه.

وكذا إذا قتل أمة أو حرّة ، أو معتقة كلّها أو بعضها.

وكذا دليل قتل الأمة إذا قتلت أمة أو أحد هؤلاء المذكورات.

وكذا لو قتل المدبر أو المدبرة عبدا أو أحد هؤلاء المذكورات يقتلان قصاصا.

وكذا لو قتلت أمّ الولد عبدا أو أحد المذكورين يقتل.

وكذا يقتل المكاتب المشروط أو المطلق الذي لم يؤدّ من مكاتبته شيئا ولم ينعتق منه شي‌ء إذا قتل أحد هؤلاء يقتلان به.

وكذا لو قتل العبد أحد هؤلاء يقتل به قصاصا.

كلّ ذلك ظاهر ، فإنّ عموم أدلة القصاص جار في الكلّ من غير معارض ، ولعلّ لا خلاف فيه.

إنّما البحث في الردّ ، ولا شكّ في عدمه أيضا إذا كان القاتل والمقتول من المماليك متساويين في القيمة ، وإذا كان قيمة المقتول زائدة فالظاهر أنّ الاشكال

__________________

(١) المائدة : ٤٥.

(٢) البقرة : ١٧٨.

٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

هنا أيضا ، إذ الجاني لا يجني أكثر من نفسه ، كما تقدم في اخبار كثيرة (١).

وأيضا لا يمكن أخذ الزيادة من المملوك إذ لا شي‌ء له ، ولا من مولاه لأنّه غير معقول.

نعم قد يتوهم ذلك إذا كان له مال ، وقيل بأنّه يملك ، لأنّ العبد مال فيراعى فيه القيمة.

ولما تقدم من رواية أبي مريم (٢) ، من أخذ الفاضل من قيمته ما لم يتجاوز الدية الكاملة ، لما مرّ من عدم زيادة القيمة على الدية إلى مولى القاتل ، قياسا على قتل الرّجل بالمرأة ، فإنّه لا يقتل وليّها ، إلّا بعد ردّ نصف الدية ، وهو كمال ديتها ، على ما مرّ ، وهذا القياس إذا كان المقتول أمة تسوى نصف قيمة قاتلها أظهر ، ولأنّ المقتول مال فكأنّه أتلف مالا ، فلا يمكن إتلاف أكثر عوضا عن الأقل.

ولكن القياس ليس بحجة خصوصا في الحدود والديات كما سيظهر ، ولهذا بعض من قال به منعه في الحدود والديات.

وليس مشروعيّة قتل القاتل قصاصا ، لعوض تلف المال ، لأنّه أتلف النفس ، وإلّا لم يجز إتلافه للنهي عن إتلاف النفس وتضييع المال.

والأصل وظاهر «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» (٣) و «الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ» (٤) يقتضي عدم الردّ ، فإنّها ظاهرة في ان لا عوض لها إلّا إيّاها.

وأنّه يجوز القصاص بمجرد فوت النفس ، ويلزم هنا عدمه.

وأيضا لا يبقى في «وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ» (٥) ، عموم منع للقتل ، فإنّ

__________________

(١) راجع الوسائل الباب ٦ و ٨ من أبواب ديات النفس ج ١٩ ص ١٥٢ و ١٥٤.

(٢) الوسائل باب ٣٣ حديث ١٧ من أبواب القصاص في النفس ج ١٩ ص ٦١.

(٣) المائدة : ٤٥.

(٤) البقرة : ١٧٨.

(٥) البقرة : ١٧٩.

٥٣

ولا يقتل من تحرّر بعضه بعبد ويقتل بمساويه في الحرّية وبالأزيد وبالحرّ.

______________________________________________________

القاتل ظلما يقول : أنا اقتل هذا وقيمتي أكثر وليس لصاحبه شي‌ء حتى يؤدّى ويقتلن فلا يمتنع منه (١) بخلاف ما لم يشترط الردّ ، فتأمّل.

ذكر في شرح الشرائع قولين ورجّح الأوّل ، وهو أعرف.

قوله : «ولا يقتل من تحرّر إلخ». أي إذا تحرّر بعض من مملوك عبدا كان أو أمة لا يجوز قتله بالقنّ المحض ، ولا بمن تحرّر منه أقلّ ممّا تحرّر من القاتل مثل النصف والثلث ، ويجوز قتله بالحرّ المحض وبمن تحرّر منه ما يساوي منه مثل النصف أو أزيد مثل النصف والثلثين.

والاعتبار بنفس أجزاء المملوك لا بقيمتها ، فلو تحرّر نصف من عبد يكون قيمته مثل قيمة ثلثي الآخر أو كلّه وأعتق ثلثاه لم يقتل الثاني بالأوّل ، ويقتل الأوّل بالثاني.

دليل الجواز مع التساوي والزائد والحرّ ما تقدّم من العمومات وعدم الجواز مع عدمها هو الاعتبار وعدم تفويت جزء من الحرّ بشي‌ء من المملوك ، ويحتمل الإجماع والخبر.

مثل ما في صحيحة أبي ولّاد الحنّاط عنه عليه السّلام ، كان يقول : لا قصاص (لا تقاصّ ـ ئل) بين المكاتب و (بين ـ ئل) العبد إذا كان المكاتب قد أدّى من مكاتبته شيئا ، فإن لم يكن أدّى من مكاتبته شيئا فإنّه يقاص للعبد (العبد به ـ ئل) منه (٢).

كأنّ المراد المطلق ، لما ثبت أنّ المشروط بمنزلة القنّ المحض.

__________________

(١) أي من القتل ، كذا في هامش : بعض النسخ المخطوط.

(٢) الوسائل الباب ٤٦ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١ قطعة منها ج ١٩ ص ٧٨.

٥٤

ولو اشترى المكاتب أباه ثمّ قتله اقتصّ منه ولو قتل غير أبيه من عبيده فلا قصاص ، ولو قتل المولى عبده عزر وكفّر قيل : ويتصدّق بقيمته.

______________________________________________________

ويدلّ عليه ما في صحيحة محمّد بن مسلم عنه عليه السّلام ، ان كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه ان عجز فهو ردّ في الرّق فهو بمنزلة المملوك (١).

وما في هذه (٢) : وليس لهم ان يبيعوه ، في مكاتب عتق بعضه.

فعدم قتله بالعبد بالطريق الأولى ، وسيجي‌ء هاتان الروايتان.

قوله : «ولو اشترى المكاتب إلخ». إذا اشترى مكاتب أباه ، وكان جائزا ، فقتله اقتصّ لأبيه منه وارثه أو الإمام عليه السّلام ، لأنّه قتل أباه الحرّ فيقتل به ، وهو صاغر ، إذ ينعتق بشرائه ، فما قتل عبده ، بخلاف ما إذا قتل غير أبيه من مماليكه ، إذ المولى لا يقتل بمملوكه ، وان كان مملوكا أيضا ، فإنّ المكاتب مالك لما اشتراه من المماليك ، نعم يعزّر ، كما إذا قتل الموالي بعض مماليكهم فإنّهم لا يقتلون ، لما مرّ من الاخبار (٣) والإجماع ، إلّا مع العادة ، بل يعزّرون حتّى لا يعودوا ، ولأنّهم فعلوا حراما موجبا له على ما مرّ ، ويكفرون أيضا ، ان كان المقتول مسلما ، لما ثبت من الكفارة بقتل المؤمن ، وقد مرّ البحث في ذلك.

وقيل يوجب التصدق بقيمته أيضا ، وما رأيت له دليلا موجبا.

نعم هو موجود في رواية مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، انّ أمير المؤمنين عليه السّلام رفع إليه رجل عذّب عبده حتّى مات ، فضربه مائة

__________________

(١) الوسائل الباب ٤٦ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٢ قطعة منها ج ١٩ ص ٧٨.

(٢) عطف على قوله ما في صحيحة محمّد بن مسلم يعني ويدلّ عليه ما في هذه الرواية قوله عليه السّلام في آخر الرواية : ـ في مكاتب عتق بعضه ـ وليس لهم ان يبيعوه.

(٣) راجع الوسائل الباب ٣٧ من أبواب القصاص في النفس ج ١٩ ص ٦٧.

٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

نكالا وحبسه سنة وأغرمه قيمة العبد فيصدّق (فتصدق ـ ئل) بها عنه (١).

وهذه ـ مع كونها حكاية حال ليست بعامة ـ ضعيفة في التهذيب بقطع الطريق الى سهل (٢) وان كانت في الكافي ليس كذلك (٣) وبه وبغلو محمّد بن الحسن بن شمّون.

وأنّه متهافت لا يلتفت إلى مصنّفاته.

وبغلو عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، وأنّه ليس بشي‌ء ، وهو الذي روى عن مسمع ، وهو غير ظاهر التوثيق.

على أنّها مشتملة على حبس سنة ، وذلك غير معلوم القائل وغير موجود ، مع التصدق في الأخبار الصحيحة ، بل فيها الكفارة والضرب (٤) وفي بعضها النفي عن مسقط الرأس (٥).

وغير ظاهر العمد ، وأنّه إنّما قصد الضرب ، فتأمّل.

وكأنّه لذلك قال في المتن : (قيل) مشيرا إلى ضعف القول ، وتردّد المحقق أيضا.

نعم قد يوجد وضعه في بيت المال في رواية يونس المتقدمة ، وفي مقطوعة له أيضا ، عن بعض من رواه ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، في رجل قتل مملوكه ، أنّه

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٥ ج ١٩ ص ٦٨ والباب ٣٨ من تلك الأبواب الرواية ٢ ص ٦٨.

(٢) وسندها ـ كما في التهذيب ـ هكذا : سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن الشمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن مسمع بن عبد الملك.

(٣) وسندها ـ كما في الكافي ـ هكذا : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن مسمع بن عبد الملك.

(٤) الوسائل الباب ٣٧ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٩ و ١٠ ج ١٩ ص ٦٩.

(٥) الوسائل الباب ٣٧ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٩ ج ١٩ ص ٦٩.

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

يضرب ضربا وجيعا ويؤخذ منه قيمته لبيت المال (١).

وحملها على التصدق ـ أو حمل رواية مسمع عليهما حتى توافقت الروايات ـ ممكن ، ولكنه بعيد ، وليس له باعث لضعفها.

ويمكن حملها على الاستحباب إمّا بالتصدق أو بالوضع في بيت المال.

وبالجملة القول بالوجوب بمجرد قول الأكثر مشكل.

قال في الشرح : هذا قريب من المتفق عليه ، فإنّ أكثر الأصحاب نصوا على التصدق ، وعدّ بعض الأصحاب ، ثم قال : وما وجدت فيه مخالفا إلّا ابن الجنيد فإنه أورده بصيغة (وروي) وتردّد المحقق استضعافا لسند الرواية الدالة عليه ، وكذا الامام المصنف رحمه الله في كتبه ، وهي ما رواه مسمع ، ونقل الرواية المتقدمة ، ثم قال : في طريقها سهل بن زياد ، وضعّفه الشيخ ، ثم ذكر ضعف محمّد وعبد الله اللذين ذكرناهما.

وينبغي ان يقول قطع طريق الشيخ إليه ، فتأمّل.

ثم قال : وباقي الروايات لم يذكر فيها سوى الكفارة ، وكثير فيها صحيح أو قوي أو حسن ، وفي بعضها الضرب شديدا والنفي عن مسقط رأسه ويمكن أن يستدل على التغريم برواية يونس ، عن بعض من رواه ، ونقل الرواية المتقدمة (٢).

وقد عرفتها مع غيرها ، وأنّهما تدلّان على وضعه في بيت المال.

ثم قال : أنّ المذهب قد يعرف بخبر الواحد الضعيف لاشتماله على القرائن ، كما يعرف مذاهب الطوائف ، وقد نبّه الشيخ المحقّق ، على هذا في المعتبر ، وبالجملة العمدة فتوى مشاهير الأصحاب ـ إلى قوله ـ والاولى العمل بفتوى

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٩ ج ١٩ ص ٦٩.

(٢) قد تقدم ذكرها قريبا.

٥٧

ولو كان لغيره غرم قيمته ما لم تتجاوز دية الحرّ فيقتصر عليها.

______________________________________________________

الأصحاب ، وهو الحجة ، ولا تعويل على الرواية (١).

وأنت تعلم أنّ المذهب قد يعرف بالخبر الضعيف ، ولكن إذا حفّف بالقرائن ، فإنّه يفيد العلم ، كما بيّن في محله ، والبحث هنا في وجود تلك القرائن.

وأنّ الحجّة إمّا النصّ أو الإجماع ، وليس قول الأكثر لو سلم أحدهما.

وأنّه كيف يمكن الفتوى في مثل هذه المسألة لقول الأكثر مع تردّد المحقق والمصنف وابن الجنيد ، وجعله حجة ، مع ترك هؤلاء العمد العمل بذلك.

ويمكن ان يستفاد منه أنّ الإجماعات المنقولة مع الخلاف من هذا القبيل ، أي يكون قول الأكثر ، فتأمّل.

وإيجاب قيمة مال شخص عليه وتصدّقه بمثل هذا في مثل هذا مشكل ، وهو ومن قال به مثل المحقق الثاني أعرف.

قوله : «ولو كان لغيره إلخ». أي لو كان العبد الذي قتله القاتل عبد غيره غرم القاتل قيمته لغيره (لصاحبه ـ خ) كائنة ما كانت ، ما لم تتجاوز القيمة دية الحرّ ، فإن تجاوزت عنها اقتصر في الغرم عليها ، لما تقدم.

دليل الغرم أنّ القاتل حرّ لا يجوز قتله بالعبد فتجب الدية ، لئلا يبطل دم امرئ مسلم ، ودية العبد قيمته ما لم تتجاوز دية الحرّ ، للأخبار الصحيحة الكثيرة في ذلك مثل صحيحتي ابن مسكان وابن رئاب (٢) وقد تقدمتا مع غيرهما ، فتذكر.

ومع ذلك يعزّر ويضرب ضربا شديدا ، لما في بعض الروايات (٣) وفي

__________________

(١) يعني رواية مسمع بن عبد الملك المتقدمة.

(٢) راجع الوسائل الباب ٦ من أبواب ديات النفس الرواية ٢ و ٣ وفي الرواية الثانية ، ابن رئاب عن الحلبي ج ١٩ ص ٥٢.

(٣) الوسائل الباب ٦ من أبواب ديات النفس الرواية ٤ ج ١٩ ص ١٥٢ والباب ٤٠ من أبواب القصاص في النفس الرواية ١ و ٣ و ٥ ص ٧١.

٥٨

ويقدّم قوله في قدرها مع اليمين ولا تتجاوز بقيمة الأمة (المملوكة ـ خ ل) دية الحرّة ولو كان ذمّيا لذمّي لم تتجاوز بالذكر دية الذمّي وبالأنثى دية الذمّية.

______________________________________________________

البعض النفي عن مسقط الرأس أيضا (١).

وتجب الكفّارة أيضا ، لما تقدم ، وان كانت في عبد نفسه ، العدم الفارق ، أو الطريق الأولى.

قوله : «ويقدّم قوله إلخ». إذا اختلف الغارم والمالك في قيمة العبد المقتول فعلى صاحبه البيّنة على أنّ قيمته وقت القتل كان كذا ، فإن لم تكن فالقول قول الغارم مع يمينه ، لأصل عدم الزيادة ، ولأنّه غارم وهم يقدمون قوله ، ولأنّه منكر ، ولما تقدم في رواية أبي الورد (٢) فتذكّر.

وكما لا تتجاوز قيمة العبد عن دية الحرّ ، كذا لا تتجاوز قيمة الأمة عن دية الحرّة ، وهي نصف دية الرّجل.

كأنّه للإجماع والاشعار في بعض الاخبار (٣) ، والقياس ، وهو أنّه إذا لم يكن عبد زائدا على حرّ بل إمّا مساو أو انقص ، فكذا لم تكن أمه زائدة على حرّة ، بل إمّا مساوية أو انقص ، فتأمّل.

ولو كان العبد المقتول ذميّا لا تتجاوز دية الذمّي.

ولو كانت المقتولة أمة ذميّة لا تتجاوز قيمتها دية الذميّة ، لما تقدّم من الاخبار في الذكر ، والقياس ، وغيره في الأنثى.

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٧ من أبواب القصاص في النفس الرواية ٩ ج ١٩ ص ٦٩ ولكنه في قتل الرجل عبده لا عبد غيره.

(٢) راجع الوسائل الباب ٧ من أبواب ديات النفس ج ١٩ ص ١٥٣.

(٣) لعله مستفاد من الروايات الواردة في الباب ٤٠ من أبواب القصاص في النفس والباب ٦ من أبواب ديات النفس.

٥٩

ولا يضمن المولى جناية عبده لكن يتخيّر الولي بين قتله واسترقاقه ، وفي الخطأ يتخيّر مولاه بين دفعه للاسترقاق وفكّه بالأقلّ من الدّية والقيمة أو بالأرش ، على الخلاف.

______________________________________________________

والظاهر عدم الفرق بين إسلام المولى وعدمه ، ونقل الفرق في شرح الشرائع ، فتأمّل ، والوجهين (١) في مسلم كان لذميّ وقتل قبل ان يباع عليه ، فيحتمل اعتبار دية المسلم لإسلامه ، ولما مرّ ، ودية الذميّ ، لعموم ما روي أنّ العبد لا يتجاوز بقيمته دية مولاه.

وما رأيت هذه الرواية.

واعلم أنّه قد يفهم من الاخبار أن لا يلزم على متلف المملوك أكثر من دية الحرّ على أيّ نوع كان ، سواء كان قاتلا أم لا ، وسواء كان غاصبا أم لا.

وقد استثنى البعض الغاصب فأخذ بالأشقّ ، وظاهر الروايات يدفعه.

نعم يجوز المعاملة عليه قبل تلفه بما يتراضيان عليه وإن زاد عن الدية بأضعاف ذلك.

كأنّه للإجماع والتجارة عن تراض (٢) وعدم شمول الروايات لها نصّا ولا ظاهرا ، فتأمّل.

قوله : «ولا يضمن المولى إلخ». إذا جنى مملوك لم يكن ضمانه إلّا على نفسه ، ولا يضمن المولى شيئا.

وجهه ظاهر من قوله تعالى «وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى» (٣).

والاخبار الكثيرة الدالة (٤) على أنّ ذلك على رقبته إلّا أن وليّ الجناية إذا

__________________

(١) يعني ونقل الوجهين أيضا.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : «إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ... الآية» النساء : ٢٩.

(٣) فاطر : ١٨.

(٤) راجع الوسائل الباب ٨ من أبواب ديات النفس ج ١٩ ص ١٥٤.

٦٠