مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

ولو أوصل أجنبيّ فديتان وعلى الأجنبي ثالثة.

ولو أوصلهما المجروح فديتان وسقط فعله.

فلو ادعى الجاني الشّق منه قدم قول المجني عليه مع اليمين.

ويؤخذ في الواحدة بأبلغ نزولها.

______________________________________________________

كيف تقلل ديتهما فهي كما أوصلهما.

نعم لو كان أوّلا هكذا واحدة كان لها دية واحدة ، لأنها موضحة واحدة.

ودليل ثلاث ديات اثنتان على من فعل الموضحتين أوّلا والثالثة على الجاني الذي أوصل بينهما ، معلوم ممّا تقدم فتأمّل.

ولو أوصلها المجروح الّذي على رأسه الموضحتان ، فعلى فاعل الموضحتين ديتان ويسقط دية فعل المجروح الذي أوصل بينهما وهو ظاهر ، ولكن مقتضى ذلك ، الاثنتان على فاعلهما مطلقا ، فتأمّل.

قوله : «فلو ادعى إلخ». أي لو ادعى الجاني انه الذي شقّ وأوصل بين الموضحتين حتى صارتا واحدة ـ فعليه دية موضحة واحدة والمجني عليه يدعي انه ما فعله غيره نفسه أو أجنبيّ ـ فالقول قول المجني عليه مع يمينه ، لأن الأصل عدم فعله ، ولأن دية الموضحتين ثابتة عليه والأصل بقاؤها وهو ظاهر وهذا الخلاف بناء على ما ذكره المصنف.

واما بناء على ما قلناه فلا يدعي الجاني ذلك ولا ينفعه ، بل يضرّه ، وهو ظاهر.

قوله : «ويؤخذ في الواحدة إلخ». إذا شجه شجة واحدة مختلفة المقادير ولاء ، فبعضها موضحة ، وبعضها جارحة أو دامية ، فيؤخذ الجاني ما بلغ المقادير وهو الموضحة هنا ، لانه لو كان ذلك المقدار طولا وعرضا أيضا يلزم دية الموضحة ، فلو لم ينقص غيرها الدية فلا يصير سببا للزيادة ، ويصدق (ولصدق ـ خ) الموضحة ولم يزد

٤٦١

ولو شجّه في عضوين فديتان وان اتحدت الضربة.

والرأس والجبهة واحدة.

وتجب دية الهاشمة بالهشم وان لم يكن جرح.

______________________________________________________

عليها بشي‌ء آخر.

قوله : «ولو شجّه في عضوين إلخ». لو شجّ شخص شخصا شجة في عضوين ، تلزمه ديتان ، سواء اتخذ ما مثل الموضحتين أم لا ، مثل موضحة ودامية ، وسواء كان بضربة واحدة أو متعددة.

وجهه ظاهر ، وهو صدق اسم الجنايتين الموجبتين للدية.

قوله : «والرأس والجبهة واحدة إلخ». أي كلاهما عضو واحد ، فلو وقعت شجة بضربة واحدة فيهما ، فهي واحدة وان كان في الجبهة غير التي في الرأس عمقا ، مثل ان تكون إحداهما موضحة ، والأخرى دامية ، أو طولا وعرضا أيضا ، لأنه في العرف واللغة يقال لهما : الرأس ، ولا ينظر إلى العظم والتسمية باسم خاص ، مثل الجبهة والجبين والّا يلزم ان يكون الوجه أعضاء متكثرة ، مثل الجبهة ، والجبين والخدّ ، والصدغ ، والعذراء وغير ذلك.

ويؤيّده أصل براءة الذمة وعدم التعدد بخلاف الرأس والوجه ، فإنهما عضوان عرفا ولغة ، بل وشرعا أيضا هذا ما يتوهم من المتن.

وفيه تأمّل لاحتمال كونهما عضوا واحدا كما يعدّ في الغسل ويحتمل ان يكون المراد ذلك كما في رواية الحسن بن صالح الثوري المتقدّمة ، ان الوجه من الرأس.

قوله : «وتجب دية الهاشمة إلخ». يعني دية الهاشمة مرتبة على هشم العظم وتلزم بمجرد ذلك وان لم يجرح الجلد واللحم فإنها (فإنهما ـ خ) للهشم على أي وجه يتحقق ، فإذا تحقق وحده لزمت ديتها وكذا مع الجرح والنفوذ في الجلد واللحم

٤٦٢

وللمجروح القصاص في الموضحة ودية الزائد في الهاشمة وهي خمسة وكذا المأمومة.

______________________________________________________

لصدق الهاشمة ، وهو ظاهر.

قوله : «وللمجروح ، القصاص إلخ». من الشجاج ما لا يمكن ، القصاص فيه فليس فيه الّا الدية ، عمدا كانت أو خطأ أو شبهه.

يفهم ذلك من الفقيه ، قال : (وفي رواية أبان : الجائفة ، نقب (نقبت ـ خ) في الجوف وليس لصاحبها قصاص إلّا الحكومة ، والمنقلة ينقل منها العظام وليس فيها قصاص إلّا الحكومة وفي المأمومة ثلث الدية وليس فيها قصاص إلّا الحكومة) (١).

والظاهر ان الهاشمة كذلك يفهم من المنقلة بالطريق الأولى.

وبالجملة كل ما فيه احتمال فوت أو لا يمكن تقديره ، لا يمكن فيه القصاص فليس فيه إلّا الدية ، وهو المراد بالحكومة في الرواية والاستثناء منقطع فتأمّل.

ولو أراد القصاص في شجة لا يمكن فيها القصاص ويمكن فيها دونها ، فله ذلك ، وأخذ دية الزائدة من الشجة ، مثل ان لو كانت الهاشمة مشتملة على الموضحة فله القصاص في الموضحة وأخذ زيادة دية الهاشمة على دية الموضحة وهي خمس من الإبل فإن للموضحة (الموضحة ـ خ) خمس والهاشمة عشرة ، وكذا المأمومة ، فله ان يقتصّ في الموضحة فيها وأخذ الزيادة ، وهي ثمانية وعشرون ، فان ديتها كانت ثلاثا وثلاثين.

وعلى القول بالثلث يزيد ثلثا (ثلث ـ خ) أيضا وهو ظاهر.

لعل دليله انه يمكن القصاص في الجملة ووجد موجبه فلا مانع ، فتأمّل.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : باب دية الجراحات والشجاج ح ٥٣٨٥ ج ٤ ص ١٦٩.

٤٦٣

ولو أوضح فهشم ثان ونقل ثالث وأمّ رابع فعلى الأوّل خمسة وكذا الثاني والثالث وعلى الرابع ثمانية عشر بعيرا.

ولو أدخل سكينة في جائفة غيره ولم يزد عزّر ولو وسّعها باطنا وظاهرا فجائفة وان وسّعها في أحدهما فحكومة.

______________________________________________________

قوله : «ولو أوضح فهشم ثان إلخ». لو شجّ شخص موضحة فعليه خمس إبل ، ثم جعل شخص آخر تلك الموضحة هاشمة (فهي هاشمة ـ خ) ـ فكأنما فعلاها معا ـ فديتها عليهما معا ، فعلى كلّ واحد نصف ، وعلى الثاني أيضا خمس إبل.

ولو جعلها ثالث منقلة ، فديتهما خمسة عشرة إبلا فيعطى الثالث خمسة مثلها لما مرّ.

وان جعلها رابع مأمومة فعليه ثمانية عشر بعيرا وهي تتمة دية المأمومة لأن ديتها الزائدة على المنقلة ثلاثة وثلاثون بعيرا فالثلاثة الأول متساويات في الجناية وجناية الرابعة زائدة فإنه أوصل المنقلة إلى المأمومة ، فعليه زيادة دية المنقلة على دية المأمومة ، وهو ظاهر.

وعلى القول بان فيها ثلث تام فعليه ثلث بعير آخر زائدة على ثمانية عشر وهو ظاهر.

ولكن في بعض هذه الأمثلة مناقشة ، إذ قد يقال : الهاشمة موجبة لعشر إبل وان لم يكن معها موضحة فيمكن ان يكون على جانيها عشرة كاملة ، وكذا في المنقلة ، فتأمّل.

قوله : «ولو أدخل سكّينة إلخ». دليل عدم لزوم شي‌ء على من ادخل سلاحه في جرح مجروح جرحه شخص آخر من غير ازدياد مثل ان ادخل سكينة في جائفة شخص ولم يزدها على ما كان أصلا أنه ما جرح ، فلا شي‌ء.

واما تعزيره ، فبناء على ان كل من فعل محرّما فعليه التعزير ، لأن إدخال السلاح في جرح مجروح حرام ، للإيذاء.

٤٦٤

ولو ابرز حشوته فالثاني قاتل.

فان فتق الخياطة قبل الالتئام فالأرش ولو التحم البعض فالحكومة والجميع جائفة أخرى.

ولو اخرج الرّمح من ظهره فجائفتان على رأي.

______________________________________________________

وإذا زاد سعة الجائفة به ظاهرا وباطنا ، بان قطع من أوّل الثقبة إلى جوفه بحيث لو لم يكن الجرح الأوّل والثقبة كانت هذه جائفة ، فعليه ديتها مثل الأول.

والّا بان قطع الظاهر دون الباطن أو العكس ، وبالجملة ما صارت جائفة ولا جرحا آخر له مقدر ، فليس عليه الّا الحكومة ان لم يمكن القصاص والتعزير لا بدّ منه ، بناء على ما تقدم.

قوله : «ولو ابرز حشوته إلخ». لو أجاف شخص وابرز غيره حشو المجروح ، فالثاني الذي هو مخرج ، قاتل ، إذ لا يعش معه ، فعليه ما على القاتل ، وعلى الأوّل دية الجائفة.

قوله : «فان فتق إلخ». لو جرح فخيط الجرح ، فان جاء آخر وفتق الخياطة قبل ان يلتئم الجرح فعليه الأرش أي تفاوت ما بين من خيط بطنه ومن لم يخط.

وقيل : عليه أرش الخيوط واجرة الخياطة ، لعله (١) يريد أيضا.

وفيه تأمّل ، لأنه يمكن دخولهما تحت الأرش الأوّل ، فتأمّل.

ولو التحم بعضه ففتق يلزمه الأرش حينئذ أيضا.

وان كان التحم الجميع ففتق من أوّل الجرح إلى آخره بحيث صار جائفة كما كانت فهي جائفة ، على الفاتق دية الجائفة ، فتأمّل.

قوله : «ولو اخرج الرمح إلخ». لو ضرب شخص بالرمح شخصا في

__________________

(١) يعني الماتن رحم الله يريد من عبارته أجرة الخياطة أيضا.

٤٦٥

وفي شلل كل عضو مقدّر الدية ثلثاها وفي قطعه بعده ، الثلث.

والشجاج في الوجه والرأس واحد.

______________________________________________________

بطنه بحيث خرج سنانه من ظهره ، فعلى رأي المصنف ، عليه جائفتان (إحداهما) من البطن إلى الجوف ، و (الأخرى) من الظهر اليه كان كمن ضربه من البطن إلى الجوف ومن الظهر إليه حتى وصل بينهما ، فكلّ واحدة جائفة وله ديتها.

ولانه لو أوصل من البطن إلى الجوف فقط كان يلزمه دية الجائفة تاما ، فلا معنى عدم (١) شي‌ء في الزيادة ، فتأمّل.

ويحتمل الواحدة ، فإنه لا يقال عرفا : انه فعل به جائفتان أو أجافه جائفتين ومرّتين ، بل يقال : انها جائفة واحدة.

وأصل براءة الذمة ، وعدم حصول التعدّد والتسلط على مال الناس الّا بموجب محقق وليس هنا بمتحقق ، للشك في حصول التعدد يؤيّد الثاني ، والاحتياط ، الأول فتأمّل.

قوله : «وفي شلل كل عضو إلخ». دليل دية شلل كل عضو له دية مقدرة وعوض مشخّص شرعا ثلثا دية ذلك العضو الصحيح ، ما تقدم في الاخبار.

وكذا دليل كون دية قطع العضو بعد شلله ثلث دية الصحيح ، مثل ما في رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل قطع يد رجل شلاء؟ قال : عليه ثلث الدية (٢) فتذكر وتأمّل.

قوله : «والشجاج في الوجه إلخ». دليل كون الشجاج في الوجه مثله في الرأس ـ فلا تفاوت بينهما بحسب الدية ـ ما تقدم في الرواية (٣) فتذكر.

ويدل عليه ، اللغة والعرف أيضا ، فإنه يقال : الشجّة التي تقدمت بأقسامها

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها مخطوطة ومطبوعة والصواب لعدم أو في عدم الزيادة.

(٢) الوسائل باب ٢٨ حديث ١ من أبواب دية الأعضاء ج ١٩ ص ٢٥٣.

(٣) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب ديات الشجاج والجراح ج ١٩ ص ٢٩٦.

٤٦٦

وفي البدن بنسبة دية العضو المجروح من دية الرأس.

وتتساوى المرأة والرّجل في ديات الأعضاء والجراح حتى يبلغ ثلث دية الرّجل ثمّ يصير على النصف.

سواء كان الجاني رجلا أو امرأة ففي ثلث أصابع ثلاثمائة وفي أربع مائتان.

______________________________________________________

على ما في الرأس والوجه أيضا.

ودليل كون الشجّة في البدن بنسبة دية العضو المجروح من دية الرأس ـ أي نسبة دية الشجّة إلى دية الرأس (أي النفس) ـ وأخذ تلك النسبة من دية العضو بشجّته مثلا دية الموضحة في الرأس نصف العشر ، فديتها في اليد نصف عشر دية اليد بعيران ونصف وكذا.

القياس والاعتبار واحتمال الحكومة لو لم يكن نصّ وإجماع.

قوله : «ويتساوي الرجل والمرأة إلخ». يتساوى الرجل والمرأة في ديات الأعضاء والجراح حتى تبلغ دية عضو المرأة ثلث دية الرجل فترجع حينئذ دية عضو المرأة إلى نصف دية عضو الرجل.

وحينئذ لو قطع رجل عضو امرأة مثل إصبعها فعلى الجاني دية إصبع الرجل وهي عشر من الإبل وفي الاثنتين (الاثنين ـ خ) عشرون ، وفي الثلاث ثلاثون حتى إذا قطع اربع أصابعها ، ولما كان ديتها زائدة على ثلث دية الرجل ، فإنها أربعون ، وهو زائد على الثلث ، وهو ثلاث وثلاثون بعيرا وثلث بعير فترجع إلى نصف دية أربع أصابع الرجل وهي عشرون إبلا.

ولا فرق في ذلك بين كون الجاني رجلا أو امرأة واليه أشار بقوله : (سواء إلخ).

وهو إشارة إلى ردّ من خصّص الحكم بما إذا كان الجاني هو الرجل.

٤٦٧

وكذا القصاص فيقتصّ لها من الرّجل ولا ردّ إلى ان يبلغ الثلث ثم يقتصّ مع الرد.

______________________________________________________

وكذا إذا قطع رجل عضو امرأة قطعا موجبا للقصاص ، فلها ان تقتصّ منه من غير ردّ حتى إذا قطع عضوا ديته ثلث دية الرجل فصاعدا فلها ان يقتص منه بعد ردّ نصف دية عضو كما إذا قطع رجل اربع أصابعها فأرادت القصاص ، فلها ذلك بعد ردّ عشر أبعرة.

هذا الحكم مشهور ، وهو خلاف بعض القواعد المنقولة مثل كون طرف الإنسان ، ان كان واحدا فديته دية صاحبه ، وان كان اثنين فدية كلّ واحدة نصف ديته وان دية اليد نصف دية النفس ، وهي منقسمة على الأصابع فكان ينبغي ان يكون دية إصبع المرأة خمسا من الإبل ، ودية الإصبعين عشرا ، والثلاث خمسة عشر ، ويكون لها القصاص في الإصبع الواحدة بعد ردّ خمس من الإبل.

والمعقولة (١) أيضا ، فإن العقل يقتضي ان يزيد دية أربع أصابع على دية الثلاث وان لم يزد لم ينقص وهنا قد نقص فإنها عشرون إبلا ، ودية الثلاث ثلاثون.

ولكن دية الأربع على هذا الوجه موافق للقاعدة الأولى ، فإن مقتضاها كون دية الأربع عشرون والخمسة أصابع ، خمس وعشرون وهكذا فلا بد من حكمة تشرع الزيادة في الثلاث والاثنتين والواحدة فيهما.

ويدلّ على الأول أخبار ، مثل صحيحة أبان بن تغلب ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة كم فيها؟ قال : عشر من الإبل قلت : قطع اثنتين؟ قال : عشرون (من الإبل ـ خ) ، قلت : قطع ثلاث؟ قال : ثلاثون (من الإبل ـ خ) ، قال : قلت : قطع أربعا؟ قال : عشرون (من

__________________

(١) عطف على قوله المنقولة.

٤٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الإبل ـ خ) ، قلت : سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعا فيكون عليه عشرون؟ ان هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممّن قاله ونقول : الذي جاء به شيطان ، فقال : مهلا يا أبان (إن ـ خ) هذا حكم رسول الله صلّى الله عليه وآله إن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية ، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف ، يا أبان إنك أخذتني بالقياس والسنة إذا قيست انمحق (محق ـ ئل) الدين (١).

وفيها بطلان القياس ، بل يشكل أمر مفهوم الموافقة ، فإن العقل يجد بحسب الظاهر أنه إذا كان ثلاثون لازما في الثلاث ، فيكون لازما في الأربع بالطريق الأولى ، فعلم انه لا ينبغي الجرأة فيه أيضا ، إذ قد يخفى الحكمة ، ولهذا شرطوا العلم بالعلّة في أصل المفهوم ووجودها في الفرع ، فتأمّل.

ومضمرة سماعة ـ وهي ضعيفة من وجوه كثيرة ـ (٢) قال : سألته عن جراحات (جراحة ـ خ يب) النساء؟ فقال : الرجال والنساء في الدية سواء حتى تبلغ الثلث ، فإذا جازت الثلث فإنها مثل نصف دية الرجل (٣) على ان (جازت) غير موافق لصحيحة (أبان) ، ولقولهم ، فتأمّل فيه.

ويدل على الثاني صحيحة جميل بن درّاج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن المرأة بينها وبين الرجل قصاص؟ قال : نعم في الجراحات حتى تبلغ الثلث ، سواء فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل وسفلت المرأة (٤).

__________________

(١) الوسائل باب ٤٤ حديث ١ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٦٨.

(٢) فان سندها ومتنها مضطرب فاما سندها فهكذا ـ كما في التهذيب ـ : الحسين بن سعيد عن الحسن وعثمان بن عيسى عن سماعة إلخ فإن المراد من الحسن غير معلوم ، وكذا عثمان بن عيسى غير معلوم واما المتن فإنه جعل الغاية أولا بلوغ الثلث وثانيا التجاوز عنه والله العالم.

(٣) الوسائل باب ٤٤ حديث ٢ من أبواب ديات الأعضاء ج ١٩ ص ٢٦٩.

(٤) الوسائل باب ١ حديث ٣ من أبواب قصاص الطرف ج ١٩ ص ١٢٣.

٤٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثله صحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران (١).

ويدل عليهما صحيحة الحلبي ، قال : سئل أبو عبد الله عليه السّلام ، عن جراحات الرجال والنساء في الديات والقصاص سواء؟ فقال : الرجال والنساء في القصاص ، السنّ بالسن ، والشجة بالشجة ، والإصبع بالإصبع سواء ، حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية ، فإذا جازت الثلث صيّرت دية الرجال ثلثي الدية ودية النساء ثلث الدية (٢).

هذه أيضا غير موافقة لصحيحة أبان وقولهم.

ثم اعلم ان في رواية أبان ، عبد الرحمن بن الحجّاج (٣) وفيه شي‌ء ، وهو انه نقل في مشيخة الفقيه ان أبا الحسن عليه السّلام قال : انه لثقيل على الفؤاد.

وقيل : انه رمي بالكيسانيّة ثمّ رجع وقال بالحق ، وان قيل : انه ثقة ثقة (٤).

وليس في الروايات أصرح منها.

وصحيحة الحلبي ليست بصريحة فيما ذكره من التفاوت ، إذ يحتمل حمل التساوي على ان دية عضوها بالنسبة إلى دية نفسها صار دية عضو الرجل بالنسبة إلى ديته فهما متساويان في ذلك ، وانه لا ردّ ولا تفاوت في قصاص العضو ، مثل السن بالسن ويكون ذلك في الرجل بالنسبة إلى الرجل وفي المرأة بالنسبة إلى المرأة.

على ان رواية أبي مريم ـ ولعلها صحيحة ، ولا يضرّ ابان (٥) فان الظاهر انه

__________________

(١) الوسائل باب ١ مثل حديث ٣ من أبواب قصاص الطرف ج ١٩ ص ١٢٣.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٦ من أبواب قصاص الطرف ج ١٩ ص ١٢٣.

(٣) فان سندها كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، جميعا عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابان بن تغلب.

(٤) كما في رجال النجاشي قال : وكان عبد الرحمن ثقة ثقة معتمدا على ما يرويه له كتب كثيرة قال أبو العباس : لم أر منها الا كتابه في البيع والشراء إلخ (رجال النجاشي ص ١٦٣ طبع بمبئي).

(٥) وسنده كما في التهذيب هكذا : الحسين بن سعيد ، عن احمد بن عبد الله ، عن ابان ، عن أبي مريم.

٤٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ابن عثمان المجمع عليه ـ عن أبي جعفر عليه السّلام قال : جراحات النساء على النصف من جراحات الرجال (١).

في كلّ شي‌ء مخالفة لها (وللمشهور ـ خ).

وتخالفها أيضا رواية ابن أبي يعفور ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن رجل قطع إصبع امرأة؟ قال : يقطع إصبعه حتى ينتهي إلى ثلث المرأة ، فإذا جاز الثلث أضعف الرجل (٢).

والمخالفة من جهة ثلث المرأة والتجاوز عن الثلث لا البلوغ.

وبالجملة ، الحكم مخالف للقواعد كما عرفته.

وفي دليله أيضا بعض المناقشات مع المخالفة في الجملة وهو مشكل.

وكأنّ الحكم فيما إذا كان الجاني رجلا ، لا خلاف فيه ، وفيما إذا كان الجاني المرأة ، خلاف.

فجعل البعض سواء بسواء مثل (النفس) فلا فرق بين أعضاء المرأة إذا كانت الجاني المرأة كما في النفس.

ففي الإصبع خمس ، وفي الاثنين عشرة ، وفي الثلاث خمس عشرة ، وفي الأربع عشرون ، وفي الخمس خمسة وعشرون ، وهكذا.

وكأنه لذلك تردد في القواعد.

ولكن الذي يظهر انه ينبغي عدم التردّد والجزم بالتسوية ، فإنّ الحكم مخالف للقواعد كما عرفت ، وليس له في المرأة دليل ، لاختصاص الدليل بالرجل

__________________

(١) الوسائل باب ٣٣ قطعة من حديث ٨ من أبواب القصاص في النفس ج ١٩ ص ٦٠ والحديث منقول بالمعنى ولفظه هكذا : عن أبي مريم قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام عن جراحة المرأة ، قال : فقال : على النصف من جراحة الرجل من الدية فما دونها الحديث.

(٢) الوسائل باب ١ حديث ٤ من أبواب قصاص الطرف ج ١٩ ص ١٢٣.

٤٧١

وكل ما فيه دية الرجل ففيه من المرأة ديتها ومن الذمي ديته ومن العبد والأمة قيمتهما والمقدّر في الحرّ مقدّر في غيره بنسبة ديته.

والامام ولي من لا وليّ له يقتص في العمد (وـ خ) يستوفي الدية في الخطأ وشبهه وليس له العفو عنهما.

______________________________________________________

كما سمعت ، وبطلان القياس خصوصا هنا على ما عرفت ، فأي شي‌ء يقتضي التردّد كما فعله في القواعد ، أو الحكم بالتسوية بين كون الجاني رجلا أو امرأة كما فعله هنا ، وهو ظاهر.

قوله : «وكل ما فيه دية الرجل إلخ». قد مرّ دليل ان كلّ ما في الرجل ديته ، ففي المرأة في مثله ديتها مثل أنفها ، وفرجها ، وعينها ، لعموم بعض الأدلّة ، وكأنه للإجماع.

وكذا في الذمي مثل ديته ، وفي المملوك قيمته ما لم يتجاوز دية الحرّ وقد مرّ مفصلا.

وأيضا قد مرّ أنّ ماله مقدّر في المسلم الحرّ من الأعضاء وبالنسبة إلى ديته مقدّر في غيره بالنسبة إلى قيمته مثل المملوك ، فيد المملوك نصف ديته أي قيمته ، ولو كان بدل (ديته) (قيمته) لكان أولى.

قوله : «والامام وليّ من لا وليّ له إلخ». قد تقرّر عند الأصحاب أن الامام عليه السّلام بمنزلة النبيّ صلّى الله عليه وآله ، فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فكيف إذا لم يكن لهم وليّ ، فهو ولي من لا ولي له يعني وارثه.

فماله وديته له يقتصّ في العمد ان أراد ، ويستوفي الدية ويأخذها في الخطأ وشبهه ، ولكن ليس له العفو عنهما أي لا يصدر ذلك عنه ، إذ لا مصلحة ، وله مانع من الله عن ذلك ، وهو العالم.

وما لنا ان نتكلّم فيه فتأمّل.

٤٧٢

ومع تعدّد الجنايات تتعدّد الديات وان اتحد الجاني فلو سرت جنايته أو قتل قبل الاندمال تداخلت.

فهذا خلاصة ما أفدناه (ما أوردناه ـ خ ل) في هذا الكتاب ومن أراد التطويل بذكر الفروع والأدلة وذكر الخلاف فعليه بكتابنا المسمّى ب (منتهى المطلب) فإنه بلغ الغاية وتجاوز النهاية.

ومن أراد التوسط فعليه بما أفدناه في التحرير أو تذكرة الفقهاء أو قواعد الاحكام أو غير ذلك من كتبنا.

والله الموفق لكل خير والحمد لله ربّ العالمين.

(تم الكتاب والحمد لله رب العالمين ـ خ) وبيده أزمّة التقدير (وهو حسبي ونعم الوكيل ـ خ)

______________________________________________________

قوله : «ومع تعدّد الجنايات إلخ». دليل تعدّد الديات والأرش بتعدّد الجنايات ـ وان كان الجاني واحدا ـ ظاهر ممّا تقدّم ، فان تعدّد الأسباب يوجب تعدّد المسببات الّا ان يستثنى بدليل.

وقد مرّ أيضا دليل دخول الأضعف في الأقوى ، فلو جرح جراحات متعددة فمات بالسراية أو قتل قبل ان يندمل تلك الجراحات تداخلت في النفس أي ليس عليه الّا النفس دية أو قصاصا.

ولكن في بعض الروايات (١) ، له القصاص في الجراحات ثم القتل ان تعدّد الضربات ، فتأمّل.

هذا آخر ما أوردنا إيراده

الحمد لله وحده على توفيق الإيمان والإسلام وحصول المقاصد والمرام ،

__________________

(١) لعلّ المراد ما في باب ٥٠ من أبواب القصاص في النفس ج ١٩ ص ٧١٢ ، فراجع

٤٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أحمده على ذلك ، وعلى ما منّ علينا من قبل وجعلنا من المؤمنين ، ثم من الذين يفهم

مسائل الحلال والحرام من أدلّتها

من الكتاب والسنّة والإجماع

فنسأله أن يتمّ لنا ما منّ علينا ولا يسلبه عنا ، فإنّه وليّ ذلك والحقيق به ،

وأن يصلّي على أفضل خلقه محمّد النبيّ الأمّي ، وأهل بيته الأدلّاء على هدايته

وصراطه السوي

قد وصل الكلام الى هنا يوم الأحد (الخميس ـ خ) ثاني

شهر صفر ختم بالخير والظفر وقت صلاة الظهر

في النجف الأشرف المشرّف سنة

خمس وثمانين وتسعمائة

٤٧٤

______________________________________________________

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي وفّقنا لإتمام هذه الموهبة العظيمة والنعم المباركة ، وهي التوفيق على التعليق والتنميق على هذا السفر الثمين بعد استنساخه ومقابلته مع النسخ العديدة التي بلغت اثنتي عشرة نسخة ، وذكرنا ما به تمتاز كلّ واحدة عن الأخرى في مقدّمة الجزء الأوّل تحت عنوان «كلمة المشرفين على الطبع» ثمّ إنا وفّقنا بالمقابلة مع نسختين آخرتين تفضل بها علينا حجّة الإسلام والمسلمين الحاج السيّد مهدي اللاجوردي الحسيني دامت بركاته وهما :

١ ـ نسخة مخطوطة من أوّل كتاب الصيد والذبائح إلى آخر الجنايات ، وقد جاء في آخرها هكذا :

في تاريخ رجب المرجب ١٢٦٠ ـ أقلّ الطّلاب والكتّاب (انتهى) ولم يذكر اسمه ، ورمزنا لها ب «م».

٢ ـ نسخة مخطوطة من أوّل كتاب الصيد إلى آخر الجنايات أيضا ، وقد جاء في آخرها هكذا : قد تمّ الكتاب المؤلف على نهج الصواب تذكرة وذكري لاولي الألباب في بلدة أصفهان ـ صينت من الحدثان ـ على يدي أحوج المربوبين وأفقرهم إلى رحمة ربّه الرفيق محمّد شفيع في اليوم الثالث عشر من شهر صفر ختم بالخير والظفر من سنة إحدى وتسعين بعد ألف من الهجرة المصطفويّة على هاجرها

٤٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ألف صلاة وألف تحيّة ، وعلى آله الكرام والأماجد العظام ، من الصلوات أشرفها ومن التحيّات أرفعها (انتهى) ورمزنا لها ب «ن».

تنبيه

لا يخفى أنّ زمان البدء في استنساخ هذا السفر الثمين هو في أوائل سنة سبعة وتسعين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبويّة الشريفة صلوات الله على مهاجرها وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

وحالت الحوادث والاضطرابات وتراكم الأمور إلى تأخير ظهور هذه الدورة الفقهية لزمن طويل. وقد تمّ طبعها كاملة ـ والحمد لله ـ في أيّام ذكري ولادة الزهراء سيدة نساء العالمين سلام الله عليها وعلى أبيها وبعلها وأبنائها أجمعين ، من سنة خمس عشرة وأربعمائة بعد الألف من سنين الهجرة المباركة ، فنشكر الله على ما أنعم وأجزل ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

الحاج آغا مجتبى العراقي الحاج الشيخ علي پناه الاشتهاردي

الحاج آغا حسين اليزديّ الأصفهاني

عفا الله عنهم

بحقّ النبيّ وآله أئمّتهم صلوات الله عليهم

آمين

٤٧٦

٤٧٧

٤٧٨

٤٧٩
٤٨٠