مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الإصبع ، لأنّه يلزم قطع عضو بغير عضو (١) والجبر بالدية ، وليس هذا واقعا في حكم الشرع.

ولو سرت إلى النفس فمات بعد قطع الإصبع والعفو عنه فلوليه ـ وهو وارث الدّم ـ القصاص في النفس ، لما مرّ أنّه إنّما عفا عن الطرف المستحق عوضه ، وأنّ العفو عنه لا يستلزم العفو عن غيره النفس وغيرها.

ولكن يردّ الوارث عليه دية ما عفا عنه مثل الإصبع هنا ثمّ يقتله ، لأنّ هذه الجناية قد عفا عن بعضها فقتل النفس بها يستلزم استيفاء الكلّ ، فلا بدّ ان يعطي عوض ما عفا عنه ، فإنّه بمنزلة الأخذ فيه.

وفيه تأمّل ، إذ القصاص في النفس لا يستلزم القصاص عما عفا ، لأنّه إنّما كان عن قطع الإصبع وعوضه وليس قتل النفس شيئا منهما ، وقد سلم انّ له قتل النفس (أيضا ـ خ) لأنّه قد عفا عن هذه الجناية ، فإنّ البحث على ذلك التقدير ، وهذا مثل ان قطع إصبعه فاقتصّ منه (فيه ـ خ) ثم سرت فقتله ، فان كان هنا يثبت له عوض إصبعه فها هنا كذلك ، فتأمّل.

ويحتمل عدم القصاص في النفس أيضا ، لأنّه قد عفا عن هذه الجناية فصار ما ثبت بها ساقطا وباقي أثره أيضا معفو تبعا ، لأنّه غير مضمون حينئذ ، لأنّ المتبادر من العفو عن الجناية العفو عنها وعن جميع لوازمها ، وهذا يجري في الكفّ أيضا في السابق.

نعم لو قيل أنّه لو علم أنّ المراد العفو عن الواقع فقط و (أو ـ خ) أنّ العفو عن السّراية لم يصح ، اتّجه ذلك ، وإلّا ففيه تأمّل.

وهذا ان اقتصر على قوله : عفوت عن الجناية أو عن موجبها.

__________________

(١) لانه قد عفا عنه ـ منه رحمه الله ـ هكذا في هامش بعض النسخ المخطوطة.

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولو أضاف إليه قوله : وعن سرايتها ، قال الشيخ : أنّه صحّ العفو وصار بمنزلة الوصية بالعفو عن قصاص نفسه وديته ، فهو تصرّف في مرض تعقبه الموت ، وإنّما يعتبر من الثلث : فلما سقط الثلث سقط القصاص ويلزم ثلثا الدية ويحتمل بقاء القصاص فيدفع الوارث ثلث الدية فيقتل ، ان لم يكن له مال أصلا ، وإلّا فيسقط مقدار الثلث.

وهذا عند المصنف غير مقبول ، ولهذا قال : ولو قيل : لا يصحّ لأنّه إبراء عما لم يجب كان وجها.

قال في الشرح : هذا قوله في الخلاف محتجّا بقوله : تعالى «فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ» (١) ، وهو عام (٢) لأنّ (من) للعموم ، وللأصل ، وعدم الوجوب ممنوع لحصول (بحصول ـ خ) سببه نعم انّه لم يستقر ، لكن عدم الاستقرار لا ينافي الوجوب لعدم منافاة نقيض الأخصّ عين الأعم ، ولأنّه ليس بأقلّ من إبراء المتطبّب والمتبيطر ، وهو جائز فهما أجود ، وفي المبسوط (٣) : لا يصح من السراية ، لأنّه حادث في الاستقبال ، وهو غير ممكن في الحال ـ إلى قوله ـ : ولأنّه إمّا وصيّة ولفظها غير موجود فلا يصار إليها لعدم الأولوية عند انتفاء دلالة اللفظ بمعانيه أو غيرها ، وهو إسقاط لما لم يجب ، واختاره في المختلف وظاهر المبسوط أنّه لو كان بلفظ الوصية صحّ من الثلث ، قال : لأنّ الوصيّة للقاتل صحيحة.

واعلم أنّه لا يبعد العفو عن السراية بالتبع وبعد وجود ما يؤثّره ، لعموم أدلة العفو ، وكثرة الترغيب والتحريص في الكتاب والسنة (٤) وليس ذلك إبراء عما لم

__________________

(١) المائدة : ٤٥.

(٢) راجع الخلاف مسألة ٨٦ من كتاب الجنايات ج ٣ ص ١١٤ طبعة شركة دار المعارف الإسلامية.

(٣) راجع المبسوط كتاب الجراح فصل في عفو المجني عليه بموت ج ٧ ص ١٠٩ من طبع المكتبة الجعفرية.

(٤) أمّا الكتاب فهو مثل قوله تعالى «وَالْعافِينَ عَنِ النّاسِ» ـ آل عمران : ١٣٤ وأمّا السنة فراجع

١٤٢

ولو قال : عفوت عنها وعن سرايتها ، قال الشيخ : صحّ من الثلث لأنّه كالوصيّة ولو قيل : لا يصحّ لأنّه إبراء مما لم يجب (لا يجب ـ خ ل) كان وجها.

ولو أبرأ العبد الجاني بما يتعلّق برقبته لم يصحّ وان أبرأ سيّده صح ، ولو قال : عفوت عن أرش الجناية صحّ.

______________________________________________________

يجب بالكليّة ، حتّى يكون إبراء و (أو ـ خ) عفوا عن معدوم ، فإنّ ما يؤثّر مع بعض أثره موجود.

مع أنّه لا مانع في العقل والشرع عن سقوط حقّ حتّى بقوله : عفوت عن اثر هذه الجناية وان لم يوجد ويكون مؤاخذا بقوله ، ويعمل معه بمقتضاه ، فإنّ عموم أدلة الإيفاء بالشرط ـ وذمّ القول بغير عمل ، مثل «لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ» (١) ـ يشمله ، ولورود العفو والسقوط في المتطبّب والمتبيطر بخصوصهما في الرواية (٢) قبل الشروع فيهما ، وهنا أجود ، لوجود بعض الأثر.

وأنّ هذا بعيد عن كونه وصية فإنّها تصرّف في المال ، وهنا إسقاط قصاص ان وجد تمام سببه (وـ خ) حين احتماله.

وأنّه يفهم من المبسوط أنّه إذا صرّح بلفظ الوصيّة صحت الوصية ، مع أنّ أوّل الشّرح يدلّ على أنّ كونه وصية صحيحة من الثلث قول الخلاف فيحتمل ان يكون مراده أنّه قائل بأنّ العفو عن الجناية وصيّة صحيحة عن الثلث في الخلاف ، ويفهم من المبسوط أنّه يصير وصيّة صحيحة لو تلفّظ بها صريحا ، فتأمّل.

قوله : «ولو ابرأ العبد إلخ». إذا جنى مملوك جناية تعلّقت برقبته ، مثل

__________________

الوسائل الباب ١١٢ من ابواب احكام العشرة.

(١) الصف : ٢.

(٢) الوسائل الباب ٢٤ من أبواب موجبات الضمان الرواية ١ ج ١٩ ص ١٩٤.

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ان قتل نفسا عمدا أو خطأ وأبرأه من يستحق دمه لم يصح هذا الإبراء عند المصنف ، بل على المشهور ، لأنّ الإبراء تخليص الذمّة المشغولة بحقّ عنه ولا حق في ذمّته لأنّه ملك الغير ، فالحق تعلّق بمال الغير.

ولو أبرأ سيّده صحّ عنده الإبراء ، لأنّ أرش الجناية تعلق بماله وان تعلق برقبة العبد ، لأنّه ملكه.

قال في الشرائع : وفيه إشكال ، لأنّ الإبراء إسقاط لما في الذمّة.

ولا يخفى أنّ هذا يفيد عدم الصحّة ، وأنّه لو قيل بالقبول في الإبراء ينبغي هنا أيضا كذلك.

ويمكن ان يقال بعدمه هنا ، فإنّه راجع إلى العبد وانّ الاشكال أشدّ لو كان الموجب قصاصا ، وأنّ الصحّة في العبد أيضا محتملة ، فتأمّل.

ويمكن ان يقال بالصحة فيهما لأنّ مقصود المبرء عن الإبراء العفو عن أرش الجناية وما يستحقه بسببها ، وإسقاط ماله في مال السيد وان كان حقّه متعلّقا بعين ، بمعنى ان لا يبقى له حق في ماله المعين.

وكذا مقصوده من إبراء العبد إسقاط ماله في رقبته ما لا يخرجه عن ملك سيّده ويدخله في ملكه أو يقتله ، فالظاهر ان يكون ذلك صحيحا لو صرّح به أو يعبّر عنه بالإبراء وقصد ذلك لعموم أدلة العفو والترغيب والتحريص عليه في الكتاب والسنة مع تعبيره عنه بالتصدّق مثل قوله تعالى «فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ» (١).

مع أنّ التصدّق بحسب الظاهر إنّما يكون في الأموال والأعيان ، وقد عبّر عن الإبراء أيضا بالتصدق في قوله تعالى : «ومن تصدّق فهو خير له» (٢) فهو مشعر

__________________

(١) المائدة : ٤٥.

(٢) البقرة : ٢٨ والآية الشريفة : وان تصدّقوا خير لكم.

١٤٤

ولو أبرأ القاتل خطأ لم يصحّ ولو أبرأ العاقلة أو قال : عفوت عن أرش الجناية صحّ.

______________________________________________________

بعدم تعيين العفو والإبراء وغيره.

وأنّ المقصود العفو والتجاوز وعدم المؤاخذة والقصاص ، وعدم الإتيان بمقتضى ما فعل ، فتأمّل.

والظاهر أنّ الاشكال في صحة العفو وسقوط ما يستحقه بقوله : عفوت عن أرش الجناية ، بل مع إضافته إلى العبد والسيّد أيضا ، فإنه صريح في التجاوز وان لا يكون له هذا الحق والعوض الذي صار له بسبب هذه الجناية ، فإن الظاهر ان يكون له هذا الإسقاط ، لأنّه له ، فله ان يفعل ويأخذ الحق ، وان لا يفعل ، فإنه غير لازم عليه.

مع أنّ الترغيب والتحريص والوعد بالأجر العظيم للعفو في الكتاب والسنة كثير (١) والعقل أيضا يحسّنه ويقبّح ان لا يكون له ذلك ويكون مجبورا عليه ، وحينئذ لا يبعد الصحة بأيّ عبارة كانت إذا قصد هذا المعنى ، فان الفرض (الغرض ـ خ) وقوع ذلك المعنى وصدور معنى العفو عنه وعدم الإتيان بمقتضاه وهو عدم المؤاخذة بفعل الجاني ومقابلته بفعله بأن يتجاوز عنه ويجعله كالعدم ، كما يفهم من الكتاب والسنة وظاهر لفظة العفو ، لا أنّه يكون في ضمن عبارة كالعفو أو التصدّق أو الإبراء عمّن في ذمّته ، وهو ظاهر بحسب فهمي ، الله يعلم.

وممّا مرّ علم وجه عدم صحة العفو عن القاتل خطأ (٢) وصحته عن العاقلة ، والصحة لو قال : عفوت عن أرش الجناية ، واحتمال الصحة في الأوّل أيضا.

__________________

(١) امّا الكتاب فقوله تعالى «وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى» ، البقرة : ٢٣٧ ، وأما السنة فراجع الوسائل الباب ١١٢ من أبواب أحكام العشرة ج ٨ ص ٥١٨ وفيه عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : عليكم بالعفو فان العفو لا يزيد العبد الّا عزّا فتعافوا يعزّكم الله ، وغيرها من الروايات.

(٢) لأنّ دية الخطأ على العاقلة فابراء القاتل عبث ، كذا في هامش بعض النسخ المخطوط.

١٤٥

ولو أبرأ العاقلة في العمد أو شبيهه (شبهه ـ خ ل) لم يبرأ القاتل.

ولو ابرأ القاتل أو قال : عفوت عن الجناية سقط حقّه وحكم الخطأ الثابت بالإقرار حكم شبيهه.

ولو عفا بعد قطع يد من يستحق قتله قصاصا فاندملت صحّ العفو وان سرت ظهر بطلان العفو وكذا لو عفا بعد الرّمي قبل الإصابة.

______________________________________________________

وكذا علم عدم صحة الإبراء عن العاقلة في العمد وشبيهه لو أبرأه ولم يبرأ القاتل ، ولو أبرأ القاتل أو عفا صحّ ، وكذا لو عفا عن أرش الجناية ، والكلّ واضح.

وكذا علم أنّ حكم الخطأ الثابت بإقرار الجاني في حكم العمد وشبيهه في أنّه إذا أبرأ العاقلة لم يصحّ.

وإذا أبرأ القاتل يصحّ ، لأنّه بإقراره لم يثبت على العاقلة شي‌ء ، بل إنّما يثبت الدية في ذمّته ، كما سيجي‌ء ، فعفو العاقلة ، عبث وإبراء مبرء وإبراء العاقلة إبراء مشغول الذمّة فيصحّ ، وهذا أيضا واضح الحمد لله.

قوله : «ولو عفا بعد قطع يد إلخ». يعني إذا جنى شخص على شخص بقطع أعضائه ، وقتل نفسه بحيث استحق القصاص في الطرف والنفس فاقتصّ بقطع يده ثمّ عفا عنه القصاص في النفس ، فان اندمل جرح اليد ، وما سرى في النفس ، صحّ العفو ، وترتّب عليه الأثر وهو بقاء النفس وسقوط القتل عنه وليس له القود والقصاص.

وان سرت الجراحة التي كانت قصاص يده في النفس ، حتّى مات المعفو عنه ، ظهر بطلان العفو وعدم ترتّب فائدة عليه ، ولم يلزم العافي شي‌ء لأنّه عفا فقتل بسرايته ، فكأنّه قتله قبل عفوه ، لأنّ العفو وقع بعد احداث سبب قتله ، فكأنّه قتله ثم عفا والعفو عبث وهو ظاهر.

وكذا لا أثر للعفو ولا ضمان على العافي لو رمى سهما أو رمحا أو سيفا إلى

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

جانب القاتل الذي استحق في الرّامي عليه القصاص ، للقصاص ، ثم عفا عنه قبل ان تصيبه الآلة ، وقتله ثم أصابت وقتل فإنّ هذا أيضا بمنزلة العفو بعد القتل فلا اثر ، لا أنّه يلزم المقتصّ العوض حيث عفا ثم قتل ، والفرض (الغرض ـ خ) دفع ذلك الوهم.

ويحتمل أن يكون ردّا على بعض العامّة ، الله يعلم.

١٤٧

المقصد الثالث

في الدعوى

وفيه بحثان :

الأوّل

يشترط في دعوى القتل أمور خمسة :

الأوّل : التكليف في المدّعى حالة الدّعوى لا الجناية ، فلا تسمع دعوى الصبي والمجنون بل يدّعى لهما وليّهما وتسمع الدعوى وان كان حال الجناية حملا.

______________________________________________________

قوله : «الأوّل إلخ». الشرط الأوّل من شروط الخمس لدعوى القتل كون المدّعي بالغا عاقلا حالة الدعوى ، وان لم يكن كذلك حال وقوع الجناية ، فلا يسمع دعوى الصبي ولا المجنون حال الدعوى ، بل يسمع الدعوى من وليّهما مع المصلحة وان كان كلّ واحد منهما حملا حال الجناية ، ولكن لا بدّ ان يكون حال الدعوى منفصلا ليثبت له حق حتّى يثبته الولي.

وجه الكلّ ظاهر.

١٤٨

الثاني : استحقاقه حالة الدعوى ، فلا تسمع دعوى الأجنبي وتسمع دعوى المستحق وان كان أجنبيّا وقت الجناية ولا تسمع دعوى استحقاق القصاص من الزّوج والزوجة وتسمع دعواهما للعمد وتثبت لهما الدية.

الثالث : تعلّق الدعوى بشخص (دعوى شخص ـ خ ل) معيّن أو أشخاص معينين.

______________________________________________________

وكذا وجه الشرط الثاني ، وهو استحقاق المدّعى أو المولى عليه حال الدعوى ، فلا يسمع دعوى الأجنبيّ حال الدعوى وان كان غير أجنبيّ حين الجناية ، مثل ان كان للمجنى عليه حال الجناية أخ وحصل له بعد الجناية ولد ، فلا يسمع دعوى الأخ فإنّه أجنبيّ حينئذ ، ويسمع دعوى الولد ، وان لم يكن حال الجناية موجودا.

ويصحّ أيضا دعوى المستحق وان كان موجودا حال الجناية وكان أجنبيّا غير وارث مستحق ، مثل ان يكون للمجنى عليه حال الجناية أخ وابن فالأخ أجنبي فإنّ القصاص للولد ، ومات الولد قبل الاستيفاء فصار الأخ وارثا ومستحقّا فيصحّ دعواه ، وهو ظاهر.

ولا يصحّ دعوى القصاص من زوج المجني عليها ولا من زوجة المجني عليه ، لعدم ثبوت القصاص لهما ، فلا حق لهما لأنّهما أجنبيّان بالنسبة إليه نعم لهما دعوى العمد ، فإنّه إذا ثبت ثبت لهما الدية ، وهذا واضح ان لم يكن لهما القصاص ويكون لهما الدية حال العمد ، وقد مرّ ، فتذكر.

قوله : «الثالث إلخ». ثالث شروط الدعوى تعلّق الدعوى بشخص معين أو أشخاص معينين ليمكن له استيفاء الحق ، فلو قال : قتله واحد من الناس لا تسمع.

١٤٩

فلو قال : قتله أحد هؤلاء العشرة ولا اعرف عينه احلفوا.

وكذا في دعوى الغصب والسرقة امّا في المعاملات فإشكال ، ينشأ من تقصيره بالنسيان ، والأقرب السماع.

______________________________________________________

أمّا لو قال : قتله احد هذه العشرة ولا أعرفه بعينه ، تسمع دعواه ، فله إحلاف العشرة ، وكذا جميع من انحصر عددهم ، فإذا أنكروا ، له إحلاف الكلّ ، فإذا نكل أحدهم أو أكثر يمكن إثبات الدعوى على الناكلين من غير ردّ اليمين ، فإنّه لم يدّع العلم بقتل الناكل ، فلا يمكن اليمين على أنّه القاتل.

نعم يمكن إحلافه على أنّ احد هؤلاء هو القاتل.

وكذا لو ثبت عليهم بالبينة أنّ أحدهم قتل إن أمكن ، فلا يسمع يمينهم حينئذ ، إذ قد يحلف الكلّ ، وهو خلاف مقتضى البيّنة وتكذيب لها ، ولو فرض هنا نأكل يمكن حلف غيره ، فيلزم الناكل الدية.

ويمكن ان يقال : للناكل عليه يمين أنّه ما يعلم أنّه ما قتل قاتل.

ويمكن يمينهم إذ ليس واحد منهم مكذّب فكلّ يدّعي البراءة ويحلف فتأمّل.

وكذا يسمع دعوى الغصب لأحد من المنحصرين مثل العشرة ودعوى سرقته بغير اشكال ، وحكمه حكم القتل على احد غير معيّنين ، لعموم أدلة صحة الدعوى على كلّ احد مع إمكانه وعدم محذور وحرج فلا يسقط لها ، ويكون التخلّص باليمين ، كما مرّ ، فتأمّل.

وأمّا في المعاملات مثل البيع والشراء ففي سماعها إشكال ينشأ ممّا تقدّم ، ومن أنّه في نفس الأمر والأصل لا بدّ ان يكون بينه وبين شخص معين أو أشخاص معيّنين ، فالاشتباه إنما نشأ من نسيانه وهو حاصل بتقصيره بالتذكّر والكتابة ونحوه.

والظاهر أنّه ليس بتقصير مسقط (يسقط ـ خ) لدعواه ، وان فرض أنّه تقصير ، إذ مجرّد تقصير شخص لم يسقط حقه ، وكأنّه لذلك قرّب المصنف سماع

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

دعواه في المعاملات فتأمّل ، قال في الشرح : يريد أنّه لو ادّعى أنّه باع على واحد من العشرة سلعة أو اشترى منه أو أقرضه من غير تعيين ففي سماع دعواه هذه كسماعها في دعوى القتل اشكال ، ناش من أنّها دعوى مبهمة الأصل (وـ خ) فيها عدم السماع لامتناع الحكم بها ، وإحلاف البري وسماعها في الخفيّ للضرورة ، أمّا في المعاملات فهو مقصّر بالنسيان فالجهل مستند إليه بخلاف القتل والسرقة والغصب ومن إمكانه (١) فيحصل الحاجة ولا ضرر في الإحلاف ، وفي عدم سماعها ضرر من التنازع ويشكل بردّ اليمين عليه فإنّه يتعذّر الحلف.

ووجه الأقربيّة أنّ النسيان غير مقدور عند كثير من المتكلمين ، والتكليف بغير المقدور تكليف بالمحال ، وبتقدير إمكان التحفظ عنه فالواقع عدمه فتوجد الضرورة التي هي المناط.

ولقوله عليه السّلام : رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان (٢) ، والمراد المؤاخذة.

ولإمكان حصول نسيان من خارج عن التقصير الذي هو المانع.

ولأنّ ضياع الحق ضرر ، وهو منفي بالحديث (٣) وجزم في التحرير بالسماع.

واعلم أنّ فرض المعاملات في الصادرة عنه وأمّا الصادرة عن مورّثه أو وكيله فهي مسموعة قطعا ، قيل : ومبنى المسألة على سماع الدعوى المبهمة.

ويمكن الفرق بأنّ المبهم لا يعلم وقوع الفعل من المدّعى عليه بخلاف هذا فإنّه يتحقّق وقوعه من واحد من المدّعى عليهم.

ولا يخفى أنّه قد يمنع أنّ الأصل عدم سماع الدّعوى المبهمة ، وظاهر أدلة السماع يشملها وامتناع الحكم لا يستلزم عدم السّماع ، كما في التي تسمع والضرورة

__________________

(١) عطف على قوله : من أنّها دعوى مبهمة إلخ.

(٢) الوسائل باب ٣٧ حديث ٢ من أبواب قواطع الصلاة ج ٤ ص ١٢٨٤.

(٣) راجع عوالي اللآلي ج ١ ص ٢٢٠ وص ٣٨٣ وج ٢ ص ٧٤ وج ٣ ص ٢١٠.

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

لا ترفع الامتناع ، على أنّها مشتركة ، وقد يمنع الامتناع أيضا فإنّه قد يحكم بالخروج عن العهدة على الناكل ويحكم بالعدم على تقديره.

وان أراد الحكم على شخص وثبوت الحكم عليه فقد يمنع كون ذلك سببا لعدم سماع الدعوى.

ولا اشكال من جهة عدم إمكان الردّ ، وقد يتعذّر الردّ ، كما في مواضع مثل الدعوى المبهمة ، والقتل والغصب والسّرقة وغيرها.

وتقدير الأقربيّة ـ وعدم الكلام عليه ـ يدلّ على ضعف وجه إشكال (الإشكال ـ خ) عدم السماع فلا ينبغي منه إبقاء الاشكال بردّ اليمين ، وينبغي دفع وجه عدم السماع ، فتأمّل.

وأنّ عدم السماع ليس بمستند إلى أنّ عدم النسيان غير مقدور وهو مكلّف به حتّى يندفع بأنّه مقدور ومكلّف ، بل للإبهام وغيره ، كما مرّ.

وأنه كان الأولى ان يقول : التكليف بعدم النسيان الغير المقدور تكليف بالمحال.

وأنّه على تقدير وجود النسيان وكان مكلّفا بالتحفظ الممكن لا يصير سببا للسّماع ، وبمجرّد الوقوع لا توجد الضرورة ، وعلى تقديرها ليست هي المناط والعلة فيما تسمع ، بل الإجماع وعدم هدر الدّم والجرأة على القتل بالخفيّة ، وأخذ مال الناس سرقة وغصبا.

وأنّ الخبر لا يدلّ على سماع الدّعوى ، لأنّ عدم السماع ليس بمؤاخذة مرفوعة.

وأنّ إمكان حصول نسيان من غير تقصير لا يدلّ على وقوعه وسماع دعواه في كلّ المعاملات (١) للنسيان على أيّ وجه كان.

__________________

(١) في النسخة المطبوعة وبعض النسخ المخطوطة (في الكل للمعاملات المنسيّة).

١٥٢

ولو اقام بينة سمعت وأفادت اللوث لو خصّ القاتل أحدهما.

ولو ادّعى على جماعة يتعذّر اجتماعهم كأهل البلد لم تسمع.

______________________________________________________

وأنّ ضياع الحق جيّد فهو دليل ، مع عموم سماع الدعاوي ، فجزم التحرير لا بأس به.

وكأنّه يعرف الإجماع في سماعها إذا كانت صادرة عن المورّث والوكيل والموصى.

وأنّه كان ينبغي تقديم (قيل) على قوله : «واعلم» (١) وأنّ الفرق جيّد (٢).

قوله : «ولو اقام بيّنة إلخ». لو ادّعى على واحد من الجماعة المحصورة مثل العشرة ، واقام على ذلك بيّنة سمعت الدعوى وبيّنته أيضا ، وأفادت البيّنة اللوث لو عيّن أحدهما بعد ذلك القاتل المدّعى عليه ، أي عيّن المدّعى أو الشاهد القاتل من بينهم ، بأن يقول بعد ذلك : قد عرفت هذا هو القاتل (٣) أفادت اللوث للحاكم إذا حصل له الظنّ وترتّب حكم اللوث عليه ظاهر ، على تقدير تعيين المدّعى ، وأمّا على تقدير تعيين الشاهد فمشكل ، لأنّ حكمه مفتقر إلى علم المدّعي بما يدعيه ليتمكن من اليمين ، والفرض عدم علمه بتعيين المدعى عليه ، إلّا ان يريد انّ اللوث يحصل ، فإن وجدت الشرائط بعده يترتّب عليه جميع احكامه وإلّا فلا ، فتأمّل.

قوله : «ولو ادّعى على جماعة إلخ». وجه عدم سماع دعوى القتل على جماعة يتعذّر اجتماعهم على قتل شخص عادة كأهل بلد كبير ، ظاهر ، وهو قضاء العادة ، والعقل يحكم بكذب المدّعي في دعواه فكأنّ الحاكم عالم بأنّه كاذب

__________________

(١) يعني وينبغي تقديم قيل ومبنى المسألة إلخ في كلام الشارح رحمه الله على قوله : واعلم أنّ فرض المعاملات إلخ.

(٢) يعني ان الفرق في قول الشارح : ويمكن الفرق بان المبهم إلخ.

(٣) جواب لقوله قدّس سرّه : لو ادعى إلخ.

١٥٣

ولو ادّعى انّه قتل مع جماعة لا يعرف عددهم سمعت وقضى بالصلح.

الرابع : تحرير الدعوى في كونه عمدا أو خطأ أو شبيها به وانفراد القاتل واشتراكه ، وفي سماع الدعوى المطلقة نظر ، أقربه السماع ويستفصله الحاكم ، وليس تلقينا بل تحقيقا للدعوى ولو لم يبيّن طرحت ولم يحكم بالبيّنة عليها.

______________________________________________________

فكيف يسمع دعواه ، وان ادّعى الشهود.

وكذا وجه عدم سماع دعواه على غائب في زمان قتل المقتول عن ذلك المكان بحيث يحكم العقل بامتناع كونه منه فيحكم الحاكم بكذبه ، لامتناع القتل منه بالفرض.

ولو رجع عن ذلك إلى ممكن صحت دعواه ويسمع منه إذ الكذب في مادّة لا يستلزم الكذب دائما ، حتّى يلزم منه عدم سماع دعواه الممكنة وهو ظاهر.

قوله : «ولو ادّعى أنّه قتل إلخ». إذا ادّعى شخص أنّه قتل مورّثه الذي يستحق هو الدم بمشاركة جمع من جماعة لا يعرف أعيانهم ولا عددهم ، سمعت دعواه ، سواء قاله عمدا أو خطأ أو شبيهه ، فإن أثبته بالشهود أو الإقرار أو بالنكول عن اليمين أو به وبيمينه المردودة ، قضى بينهما بالصلح ، فإنّه لا يمكن القود ، وهو ظاهر ، للاشتباه ، ولا الدية لعدم العلم بشريك القتل حتّى يعلم حصّة كلّ واحد من المدّعى عليهم منها ، فتأمّل.

قوله : «الرّابع إلخ». رابع الشرائط (الشروط ـ خ) تحرير الدعوى وتفصيلها وتحقيقها أنّه قتل عمدا أو شبيهه (شبيها به ـ خ) أو خطأ ، وانفراد القاتل وشركته بمعنى أنّه بيّن أنّ المدّعى عليه كان منفردا أو معه غيره.

دليله أنّ حكم الحاكم موقوف على تحرير الدعوى وتفصيلها فلا بدّ من

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك حتّى يمكن الحكم.

وفيه تأمّل ، إذ يحتمل ان يسمع ثم يفصّله الحاكم للحكم لا ان يردّ بمجرد إجماله.

وكأنّه لذلك قال (١) : وفي سماع الدعوى المطلقة نظر ، أقربه السماع ، ويستفصله الحاكم هل هو خطأ أو عمد أو شبيهه ، وكان منفردا أو معه احد.

وليس هذا من باب التلقين المنهي عنه ، بل تحقيق للدعوى ، إذ قد يكون جاهلا مع كون الدعوى في أصلها مفصّلا محرّرا ، ويمكن الحكم ، فلو لم يسمع لزم إسقاط الحق.

ويؤيّده ما تقدّم في سماع الدعوى مع إجمالها في الجملة ، فلو بيّن حكم بمقتضاه ، وان لم يبيّن يعلم أنّه مجمل لا يمكن الحكم فتطرح الدعوى ، ولو كانت عليه بيّنة ، فلا يحكم بها له.

وفيه تأمّل ، إذ يحتمل ان يقال : يلزم في الدعوى المجملة باعتبار العمد والخطأ والشبيه ، الدية أمّا صلحا أو يقال أنّها الأقلّ ، فإنّه إمّا عمد أو شبيهه أو خطأ ، وعلى الأوّل القصاص ، وعلى الأخيرين الدية ، فهي الغالب والأقلّ ، فإن النفس أعزّ من المال عقلا وشرعا وعرفا ، ولأنّ الأصل والظاهر عدم العمد ، ويكون في ماله ، لأنّ إلزام العاقلة خلاف العقل والنقل ظاهرا ، إلّا في المنصوص ، وليس هنا.

وباعتبار الانفراد والشركة الظاهر الانفراد ، إلّا ان يدّعي الشركة ، فعليه البيان.

ويحتمل الصلح في هذه الصور أيضا ، كما إذا ادّعى أنّه قتله مع جماعة لا يعرف عددهم ، فإنّه قد حكم هنا بالصّلح على مقدار من الدية.

__________________

(١) يعني في المتن.

١٥٥

الخامس : عدم التناقض ، فلو ادعى على شخص الانفراد ثمّ ادّعى على غيره الشركة لم تسمع الثانية وكذا لو ادّعى على الثاني الانفراد ولو أقرّ الثاني ثبت حقّ المدّعي.

______________________________________________________

وبالجملة الصلح غير بعيد مع الإجمال ، فتأمّل.

ولهذا قال في الشرح ـ بعد تقرير الاشكال مع قوة القضاء بالصلح حسما للفساد ـ : ووجه أقربيّة السّماع منع انتفاء اللازم ، فإنّه إذا استفصل وميّز حكم بالمعلوم ، ونمنع أنّه تلقين ، بل هو تحقيق الدعوى وليس محرّما بل من جملة واجبات الحكم.

ثم لا يخفى ما في العبارة ، فإنّه جعل تحرير الدعوى شرطا رابعا في سماع دعوى القتل ثم حكم بعدم الاشتراط ، حيث قال : الأقرب السماع ، فكأنّه شرط عند غيره أو أنّه توهّم كونه شرطا ، ولم يشترط فالمراد بالشرائط ، هي التي قيل أنّها شرط ، لا أنّها شرائط عنده ، فتأمّل.

قوله : «الخامس إلخ». خامس شروط الدعوى عدم التناقض فيها ، فلو كانت مشتملة عليه لم تسمع ، مثل ان ادّعى على شخص انفراده بقتل مورثه ثم ادّعى اشتراك غيره معه في ذلك أو انفراد غيره ، لم تسمع الثانية لتكذيب الاولى ايّاها.

ثمّ ظاهر العبارة يشعر بسماع الاولى لو رجع إليها.

وفيه تأمّل : لوجود التناقض ، فإنّ الثانية تكذبها كالعكس.

الّا ان يقال ، إنّه كانت أوّلا فلا تسمع الثانية ، لأنّها حصلت بعدها ، وفيه تأمّل.

هذا ان لم يكن حلف على الأولى ، ولم يمض الحكم ، والّا فمع الإمضاء ، فلا اثر للتناقض على ما يفهم من شرح الشرائع.

ويمكن ان يؤاخذ بإقراره ثانيا فيغرم فيبعض الحكم كما إذا اعترف بأن

١٥٦

ولو ادّعى العمد ففسره بالخطإ أو بالعكس لم تبطل دعوى أصل القتل.

ولو قال : ظلمته بأخذ المال وفسّر بكذب الدعوى والقسامة استرد ، ولو فسره (فسر ـ خ ل) بأنه حنفي لا يرى القسامة لم يعترض ، وكذا لو قال : هذا المال حرام ، ولو فسره (وفسره ـ خ ل) بنفي ملك الباذل

______________________________________________________

الحكم كان ظلما فيؤاخذ بمقتضى إقراره هذا مع عدم تصديق الثاني المدعى (عليه ـ ظ) في دعواه ومعه فقال المصنف ثبت حق المدعى عليه ، فإنه مؤاخذ بإقراره ، لأنّه لم يكذبه بل سلّمه ، ولا ينافيه الدعوى الأولى ، إذ قد يكون غلط أو نسي.

ويحتمل ان لا يكون له ذلك بإقراره ودعواه الأولى ، فتأمّل.

وكذا البحث لو أقر الأوّل.

ويشكل لو اقرا معا ، فيحتمل مؤاخذة من استقر عليه المدّعى ، بأن يكذب أحدهما ويصدّق الآخر وعدم مؤاخذته لواحد منهما ، وأخذ الدية منهما.

هذا بحسب الظاهر ، وأمّا بالنسبة إلى نفس الأمر فهم مكلّفون بما بينهم وبين الله.

قوله : «ولو ادعى العمد إلخ». لو ادّعى قتل مورثه عمدا ففسّره وبيّنه بحيث علم أنّه خطأ أو شبيه عمد أو بالعكس ، لم تبطل دعوى قتله بل يثبت له مقتضى تفسيره ، إذ قد يشتبه على الإنسان مفهوم أحدهما بالآخر فالغالط فيه معذور.

وظاهر قوله : لم تبطل دعوى أصل القتل ، أنه يسمع دعواه وتفسيره بعد ذلك بأيّ شي‌ء فسّره والظاهر الأوّل ، فتأمّل.

قوله : «ولو قال : ظلمته إلخ». إذا قال المدّعي بعد القسامة وأخذ المال

١٥٧

فان لم يعيّن المالك أقرّ في يده والّا دفعه إلى من عيّنه ، ولا يرجع على القاتل من غير بيّنة.

______________________________________________________

على أنّه دية : غلطت في حق هذا المنكر ، بل القاتل غيره ، أخذ المال منه ، ولزمه ردّه إلى أهله.

وان قال : ظلمته بأخذ المال أو هذا المال حرام استفسر ، فان قال : لأنّي كنت كاذبا في الدعوى والقسامة ، استردّ منه المال ، واعطى لصاحبه ، وان قال : لأني حنفي لا أرى القسامة واليمين للمدعى ، فأخذه ظلم وبغير حق ، لم يتعرض له يعنى المال له ولا يؤخذ منه ، ولا يؤمر بالردّ ، فان حكم الحاكم واجتهاده مقدم على اجتهاد المدعى ، فبانضمام الحكم صار المال له ، هكذا قيل.

وفيه تأمّل واضح ، إذ لم يصر المال بحكم الحاكم واجتهاده حلالا لشخص مع اعتقاده واجتهاده أنّه حرام ، أو تقليده لمجتهد القائل بذلك.

وبالجملة ، هذا الدليل لا يوافق أصولنا ، نعم يوافق أصول الحنفيّة ، فإنّهم يقولون انّ مدّعي (١) الكاذب العالم بكذبه إذا كم له الحاكم بالمال بالشهود الزّور يملك ذلك المال.

وأنّه إذا أراد الحاكم شهادة رأيي الهلال ، يأكل لو كان رمضان ويعمل بحكم الحاكم لا بعلمه ، فتأمّل.

ولعلّ الدليل أنّ الفرض موافقة الحكم لنفس الأمر ، فالمال له في نفس الأمر وباعتقاده أنّه ليس له باعتبار اجتهاد مجتهد مخطئ لا يخرج عن ملكيته.

نعم يشكل الأمر لو اعتقد انّ الصحيح الموافق هو مذهب الحنفيّة ولا يحكم (لا يحلّ ـ خ) بحكم غيرهم ، فتأمّل.

وكذا لا يعترض لو قال : انّه حرام لاحتمال اعتقاده غلطه ، كما مرّ.

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، ولعل الصواب (المدّعي).

١٥٨

البحث الثاني : فيما تثبت به الدعوى

وفصوله ثلاثة :

الأوّل : الإقرار

وتكفي المرّة على رأي من البالغ العاقل المختار الحرّ فلو أقرّ الصبي

______________________________________________________

وفيه تأمّل ، فإنّ ظاهره إقرار بعدم ملكيته له ، فيؤاخذ به ، الّا ان يفسّره بوجه لا يستلزم التحريم ، كما مرّ.

نعم لو فسّره بوجه صحيح كنفي ملكيّة الباذل المدعى عليه ، يحكم بأنّه حرام عليه ، وليس له مثل ، قال (في ـ خ) ظلمته وفسّره بالكذب ، فان لم يعيّن له مالكا أقرّ في يده ، فيحتمل ان يكون ضامنا ، لأنّه مأخوذ بغير وجه شرعي ، وان كان غير عالم وعامد ، فيكون أمانة شرعيّة فتكون مضمونة ، وان تكون أمانة حقيقيّة ، فلا تكون مضمونة ، للأصل ، فتأمّل.

ويحتمل ان يأخذه الحاكم ، لأنّ يده ليست بيد شرعية ، فيأخذه الحاكم ويحفظه حتى يظهر صاحبه ، فان آيس تصدق وضمن كسائر الأموال التي لا ملك لها.

وان أقر له بمالك غائب فمثل ما سبق.

وان أقر بمالك حاضر يمكن تسليمه إليه يكلّف بدفعه إليه ولا يرجع بعوض هذا المال الذي أقربه ، أنّه لغير المدعى عليه (١) مع إصراره على حقّية دعواه بمجرد إقراره أنّه لغيره.

نعم يرجع بإقراره أيضا أو بالبيّنة الشرعية على ذلك فيؤخذ منه بدله.

قوله : «وتكفي المرّة إلخ». يعني إذا أقرّ من يصحّ منه الإقرار صحّ ، بأن

__________________

(١) متعلق بقوله : ولا يرجع.

١٥٩

أو المجنون أو السكران أو المكره أو العبد لم يثبت ، ولو صدّق المولى عبده ثبت ولو اعترف السفيه أو المفلّس بالعمد لزم ولا يقبل في الخطأ في حق الغرماء بل في حقّه (بل في حق نفسه ـ خ ل) لو زال (لزوال ـ خ ل) حجره.

______________________________________________________

يكون بالغا عاقلا ، حرّا ، مختارا ، بل غير سفيه أيضا ان كان بما يوجب المال ، فإنّ إقرار الصبيّ ، والمجنون ، والمكره ، والسكران ، والمملوك ، والسفيه بما يوجب المال لا يصحّ ، فلا مؤاخذة على أحدهم ، ولا يثبت عليهم شي‌ء وذلك ظاهر.

وقد مرّ ما يمكن فهم ذلك منه.

ويدل على عدم سماع إقرار المملوك ، الخبر بخصوصه.

رواه أبو محمّد الوابشي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن قوم ادّعوا على عبد جناية تحيط برقبته ، فأقر العبد بها؟ قال : لا يجوز إقرار العبد على سيده ، فإن أقاموا بيّنة (البينة ـ ئل) على ما ادّعوا على العبد أخذ العبد بها أو يفتديه مولاه (١).

لكن إذا أقرّه مولاه أيضا بما أقر المملوك ، فهو مقبول ، يؤخذ به ، فان الحقّ لا يعدوهما.

وإذا أقر السيد بما يوجب القصاص على مملوكه لا يقبل ، وهو ظاهر.

وإذا أقرّ بما يوجب الدية على رقبته ، فيمكن القبول ، لأنّه في ماله فيقبل ، فتأمّل.

وإذا اعترف السفيه والمدلّس بما يوجب القصاص فهو مقبول ، لعموم أدلّة قبول الإقرار إلّا ما خرج بدليل ولا دليل هنا ، وانما الدليل على عدم قبوله في السفيه بما يوجب المال مطلقا وفي المفلّس بالنسبة إلى الأعيان التي حجر عنها.

__________________

(١) الوسائل باب ١٣ حديث ١ من أبواب دعوى القتل وما يثبت به حديث ١ ج ١٩ ص ١٢١.

١٦٠