مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

ولو قطع يده مع بعض الذراع اقتصّ من الكوع وأخذ حكومة الزائد ولو قطع من المرفق اقتصّ لا غير.

ولو كان ظفر المجني عليه متغيّرا أو مقلوعا اقتصّ في الإصبع لكمال ديتها من غير ظفر.

______________________________________________________

شخص فسرت هذه الجناية إلى كفّه حتّى سقط من الزّند وصار المقطوع هو الكف فقط عمدا عدوانا ، فإنّ الجزء يدخل في الكلّ كالطرف في النفس ، واثر العمد العدوان عمد عدوان ، فلا يستحق القصاص في الكفّ من الزند ، وليس له القصاص في الإصبع وأخذ حكومة الزائد عليه ، كما في النفس ، كالطرف.

قوله : «ولو قطع يده إلخ». إذا قطع جان عمدا عدوانا يد شخص مع بعض ذراعه اقتصّ له من الكوع (١) وهو الزند وأخذ أرش الزائد ، إذ لا يمكن القصاص في الذراع ، لأنه عظم لا يؤمن بكسرها عن التّلف.

ولو قطع من المرفق بعض العضد ، يمكن ان يكون مثل الذراع ، فيقطع من المرفق ويأخذ أرش الزائد ، فتأمّل.

قوله : «ولو كان ظفر المجني عليه إلخ». إذا قطع قاطع إصبع شخص قطعا موجبا للقصاص ، وكان ظفر إصبع المجني عليه معيبا ، مثل ان صار أسود أو لم يكن له ظفر أو كان وانقلع ، له القصاص في الإصبع من غير ردّ أرش الظفر ، لانّ للإصبع دية كاملة مع عدم الظفر وعيبه فلا زيادة لإصبع الجاني على إصبع المجني عليه بحيث يستحقّ قيمتها وأرشها ، فإنّه (٢) أخذ منه ما يستحق الدية بما يستحقها ،

__________________

(١) الكوع ـ بالضمّ ـ طرف الزند الذي يلي الإبهام والجمع اكواع كقفل واقفال.

(٢) أي المجني عليه.

١٠١

ولا قصاص فيما فيه تغرير كالجائفة والمأمومة ولا في الهاشمة والمنقّلة.

ولو اذهب ضوء العين سملت عينه.

______________________________________________________

وان كانت الزيادة في العين موجودة ، فتأمّل منعا ونقضا.

قوله : «ولا قصاص إلخ». أي لا يجوز القصاص في عضو يكون فيه خطر الهلاك والتلف مثل الجائفة والمأمومة والهاشمة والمنقلة ، وسيجي‌ء تفسير الكلّ.

لعل وجهه ما يظهر من خوف الهلاك من غير موجب مع إمكان تدارك ما وجد بالدية ، فلا يتعدى عنه.

ولكن لا بدّ من ثبوت التغرير ، لعلّه يثبت بخبر أهل الخبرة والتجربة وان كان مقيدا للظن لا العلم ، فتأمّل.

قوله : «ولو أذهب إلخ». لو جنى الجاني على عين بإذهاب ضوئها مع بقاء العضو بحاله فقصاصه إذهاب ضوئها فقط ، مع بقاء ذلك العضو كالمجني عليها.

يدلّ عليه عموم الأدلة مثل «العين بالعين» (١).

وخصوص خبر رفاعة ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : إنّ عمر (وفي الكافي عثمان) أتاه رجل من قيس بمولى له قد لطم عينه فانزل الماء فيها وهي قائمة لم (ليس ـ كا) يبصر بها شيئا ، فقال له : أعطيك الدية فأبى فأرسلهما (قال : فأرسل بهما ـ ئل) إلى عليّ عليه السّلام ، وقال : احكم بين هذين فأعطاه الدية فأبى ، قال : فلم يزالوا يعطونه حتّى أعطوه ديتين ، قال : فقال : ليس أريد إلّا القصاص ، قال : فدعا عليّ عليه السّلام بمرآة فحماها ثمّ دعا بكرسف فبلّه ثمّ جعله على أشفار عينيه وعلى حواليها ثم استقبل بعينه عين الشمس ، قال : وجاء بالمرآة فقال : انظر فنظر

__________________

(١) المائدة : ٤٥.

١٠٢

وفي شعر الحاجبين وشعر الرأس واللحية القصاص فان نبت فالأرش خاصة.

______________________________________________________

فذاب الشّحم وبقيت عينه قائمة فذهب (وذهب ـ خ) البصر (١).

قوله : «وفي شعر الحاجبين إلخ». أي اللازم في قلع شعر حاجبي شخص معا القصاص على قالعهما ان كان عمدا عدوانا.

وكذا على قلع شعر رأسه ، وكذا على قالع لحيته.

وجهه ظاهر ، ومثله مرّ مرارا.

وان نبت وعاد شعرها كما كان فاللازم هو الأرش.

فظاهر العبارة أنّ القصاص إنما يكون مع عدم النبت ، حيث حكم في النبت بالأرش من غير تقييد بعدم العود.

فالظاهر أنّه في العمد كالقصاص أو الأعمّ ، وذلك غير ظاهر ، فإن دليل القصاص عامّ.

واعلم أنّه ذكر الدية ، والظاهر منها أنّ دية قلع الحاجبين كدية الرأس واللحية ، وهو تمام الدية.

ودليله غير ظاهر ، غير الرواية العامّة ، أعني كلّ ما في البدن اثنان ففيه الدية وفي أحدهما نصف الدية روى عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية مثل اليدين والعينين (الحديث) (٢).

وصحيحة هشام بن سالم (في الفقيه) عن أبي عبد الله عليه السّلام ، كلّ ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية ، وفي أحدهما نصف الدية ، وما كان واحدا (ما

__________________

(١) الوسائل الباب ١١ من أبواب قصاص الطرف الرواية ١ ج ١٩ ص ١٢٩.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب ديات الأعضاء الرواية ١ قطعة من الرواية ج ١٩ ص ٢١٣.

١٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

كان فيه واحد ففيه ـ ئل) الدية (١).

على أنّها غير واضح الصدق عليه ، فإنّ المتبادر منها هو قطع ما هو اثنان ممّا يعدّ من أعضاء الإنسان واجزائه ، مثل اليدين والعينين ، ولهذا اختلف فيه فقيل : خمسمائة دينار وفي كلّ واحد نصف ذلك ، وما أصيب منه فبحسابه.

قال في شرح الشرائع : هذا هو المشهور بين الأصحاب ، بل ادعى ابن إدريس الإجماع ، ومستنده غير معلوم ، والإجماع ممنوع.

وظاهرهم عدم الفرق بين ان ينبت وعدمه ، وقيل : فيهما مع النبات الحكومة وهو الأصح ، وقيل : ربع الدية ، ويظهر من المبسوط أنّ حكمها حكم شعر الرأس واللحية في وجوب الدية كاملة ، فإنه قال : أمّا اللحية وشعر الرأس والحاجبين فإنّه يجب عندنا فيها الدية ، ويؤيده الحديث العام اعني كل ما في البدن منه اثنان (٢) ، وقال سلّار : وروى فيهما إذا لم ينبت ، مائة دينار (٣).

قلت ردّ دعوى الإجماع ـ مع الاعتراف بالشهرة ، وعدم دليل يدلّ على خلافه ـ مناف للأصول إلّا مع بيان الخلاف المضرّ ، وهو موجود كما ترى ، بل يفهم من المبسوط الإجماع على أنّ حكمها حكم الرأس واللحية وأنّه نقل في المختلف ما نقل عن سلار في الرأس واللحية قال : وقال سلار : ان في شعر اللحية والرأس إذا لم ينبت ، مائة دينار.

وأنّ في رواية أبي عمرو المتطبّب ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، وان أصيب الحاجب فذهب شعره كله فديته نصف دية العين مائتا دينار وخمسون دينارا فما

__________________

(١) الوسائل الباب ١ من أبواب ديات الأعضاء الرواية ١٢ ج ١٩ ص ٢١٧.

(٢) الوسائل الباب ١ من أبواب ديات الأعضاء الرواية ١ ج ١٩ ص ٢١٣.

(٣) انتهى كلام شارح الشرائع.

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أصيب منه فعلى حساب ذلك (١) وهي ضعيفة ، فتأمّل.

وأما شعر الرأس واللحية في ديتهما خلاف مذكور في المختلف وغيره.

وفي رواية مسمع ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في اللحية إذا حلقت فلم تنبت ، الدية كاملة ، فإذا نبتت فثلث الدية (٢).

وفي رواية علي بن حديد (خالد ـ ئل) ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قلت : الرّجل يدخل الحمّام فيصبّ عليه صاحب الحمّام ماء حارّا فيتمعّط (فيمتعط ـ ئل) شعر رأسه فلا ينبت ، فقال : عليه الدية كاملة (٣).

وفي رواية سلمة بن تمام ، قال : أهرق رجل (قدرا فيها مرق على رأس رجل ـ ئل) على رأس رجل قدرا فيها مرق فذهب شعره فاختصموا في ذلك إلى عليّ عليه السّلام ، فأجّله سنة فجاء فلم ينبت شعره ، فقضى عليه بالدية (٤) ، وكلّها ضعيفة.

ولكن موافقة في الجملة لصحيحة سليمان بن خالد ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : رجل صبّ ماء حارّا على رأس رجل فامتعط شعر رأسه ولحيته ، فلا ينبت أبدا ، قال : عليه الدية (٥).

قال في المختلف ـ بعد نقل العبارات والروايات ـ : وهذه الرواية ـ مشيرا إلى رواية سليمان بن خالد ـ عندي حسنة يتعيّن العمل بها.

__________________

(١) الوسائل الباب ٢ من أبواب ديات الأعضاء الرواية ٣ ج ١٩ ص ٢١٨.

(٢) الوسائل الباب ٢٧ من أبواب ديات الأعضاء الرواية ١ ج ١٩ ص ٢٦٠.

(٣) الوسائل الباب ٣٧ من أبواب ديات الأعضاء الرواية ٢ ج ١٩ ص ٢٦١.

(٤) الوسائل الباب ٣٧ من أبواب ديات الأعضاء الرواية ٣ ج ١٩ ص ٢٦١.

(٥) الوسائل الباب ٣٧ من أبواب ديات الأعضاء الرواية ٢ بالسند الثاني ج ١٩ ص ٢٦١.

١٠٥

ولو خيف ذهاب منفعة البيضة بعد قطع الأخرى فالدية.

______________________________________________________

كأنّه يريد بالحسنة غير المعنى المصطلح ، بل المعنى اللغوي ، فإنّها صحيحة.

ولكنّ الظاهر منها أن المراد الدية في مجموع شعر الرأس واللحية.

ولكن يحمل الدية لكلّ واحد منهما بقرينة ما تقدم من الروايات.

مع أنّه ليس في الفقيه رأسه ولحيته ، بل شعره فقط ، فتأمّل.

هذا في شعر رأس الرجل ، وأمّا المرأة فوردت في شعر رأسها الروايات بالدية ، وهي رواية عبد الله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : جعلت فداك ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها؟ قال : يضرب ضربا وجيعا ، ويحبس في سجن المسلمين حتّى يستبرئ شعرها ، فان نبت أخذ منه مهر نسائها وان لم ينبت أخذ منه الدية كاملة ، قلت : كيف (فكيف ـ خ) صار مهر نسائها ان نبت شعرها؟ فقال : يا ابن سنان إنّ شعر المرأة وعذرتها شريكان في الجمال ، فإذا ذهب بأحدهما وجب لها المهر كاملا (١).

كأن ضعف سندها لا يضرّ عندهم ، فتأمّل.

قوله : «ولو خيف ذهاب إلخ». أي لو قلع صحيح الخصيتين احدى بيضتي شخص عمدا عدوانا موجبا للقصاص يجب القصاص ، كما في الخصيتين معا إلّا ان يعفو ويرضى بالدية.

ولكن إذا خيف في قصاص احدى الخصيتين من نفع الأخرى بعد قطعها يسقط القصاص ويتعيّن الدية.

دليله لا ضرر ولا ضرار في الإسلام (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ٣٠ من أبواب ديات الأعضاء الرواية ١ ج ١٩ ص ٢٥٥ وفيه كملا بدل كاملا.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من أبواب إحياء الموات الرواية ٣ والمذكور فيها قصة سمرة بن جندب وليس فيها كلمة الإسلام بعد قوله صلّى الله عليه وآله ولا ضرار راجع ج ١٧ ص ٣٤٢ وراجع أيضا الوسائل الباب ٥ من أبواب الشفعة الرواية ١ ج ١٧ ص ٣١٩ وراجع عوالي اللآلي ج ١ ص ٣٨٣ وج ٢ ص ٧٢ وج ٣ ص ٢١٠ وأيضا ج ١

١٠٦

وفي الشفرين القصاص فان قطعهما ذكر فالدية.

ولو قطع الذكر فرجي الخنثى فان ظهر رجلا فالقصاص في المذاكير وفي الشفرين حكومة (الحكومة ـ خ ل).

وان بان أنثى فالدية في الشفرين والأرش في المذاكير ، ويظهر من ذلك حكم الأنثى لو قطعت.

______________________________________________________

وكأنّه (لأنه ـ خ) كالجرح الذي يكون في قصاصه تغرير (التغرير ـ خ) مثل الجائفة ، ولعدم جواز التعدي والتجاوز عما عيّن له ، وهو ظاهر ، فتأمّل.

قوله : «وفي الشفرين القصاص إلخ». قيل : هما اللحمان المحيطان بالفرج كالشفتين بالفم ، ولو قطعتهما امرأة على وجه يوجب القصاص يقتصّ منها ، إلّا أن يرضيا على غير ذلك ، كما لو قطعها رجل ، أو قطعتهما امرأة على وجه لا يوجب القصاص ، وكذا لو قطعت امرأة ذكر رجل.

ولو قطع ذكر فرجي الخنثى فينبغي ان يصبر ويمتحن حتّى يتحقق كونه رجلا أو امرأة ، فإن ظهر كونه رجلا فاللازم هو القصاص مع وجود موجبه ، والدية مع الرّضا ، أو موجبها في المذاكير ، أي ذكر الرجال ، قيل : المذاكير جمع من غير مفرد كالابابيل.

والأرش في الشفرتين اللتين للنّساء ، لأنّه رجل ، والشفران في الرجال لحم زائد ليسا بالشفرين الحقيقين ، فإنّهما للنساء حقيقة وموجب للقصاص في النساء ، أو الدية.

ولو ظهر أنّها أنثى يكون الأمر بالعكس ففي الشفرين القصاص أو الدية وفي المذاكير الأرش.

وقد ظهر ممّا ذكرناه انه لو قطعت امرأة فرجي الخنثى ، فان ظهر ذكرا اقتصّ ، أو أخذ الدية منها في الشفرين ، والحكومة في المذاكير ، وان ظهر أنثى عكس

__________________

ص ٢٢٠ وفيه كلمة (الإسلام) كما في الشرح.

١٠٧

ولإيجاب لو طلب القصاص قبل الظهور ولو طلب الدية أعطي أقلهما (أقلها ـ خ ل) وكذا الحكومة.

ولو طلب دية أحدهما وتأخير قصاص الآخر (وتأخير القصاص لآخر ـ خ ل) لم يكن له.

ولو كان القاطع خنثى اقتصّ مع ظهور الاتفاق والّا الدية في

______________________________________________________

ذلك ، عكس ما تقدم في الرّجل ، وهو ظاهر ، وانما الخفاء لو لم يظهر أحدهما فيصير خنثى مشكلا ، فيشكل أمرها مطلقا ، سواء قطع فرجها (فرجيها) الذكر أو الأنثى أو خنثى مثلها وكذا لو قطع احدى فرجيها ، فيحتمل أرش أكثر دية ودية أقل دية ، والأرش ، لأنّه المتيقن ، والأصل عدم الزيادة ، ويحتمل نصف دية المذاكير مع نصف أرشها ، وكذا نصف دية الشفرين مع نصف أرشها ، مثل ما ذكروه في الميراث ، فتأمّل.

ولو طلب الخنثى القصاص في إحداهما (أحدهما ـ خ) في الصور قبل ظهور أمرها لإيجاب ولا يسمع.

نعم لو طلب الدية ورضى صاحبه أعطي أقل الديتين ، وهو دية الشفرتين  (الشفرين ـ خ) فإنّها دية المرأة ، بخلاف دية المذاكير ، فإنّها دية الرّجل.

وكذا يجاب ويقبل منه لو طلب الحكومة ، ولكن يعطى حكومة ما ديته أكثر  (الأكثر ـ خ) فيفرض أنثى ، ويؤخذ حكومة ما للرّجال.

هذا إذا علم الظهور ولم يظهر بعد ، وأمّا في غيره فلا يعلم وجوب قبول الدية أيضا ، لاحتمال عدم ظهور أحد الأمرين ، بأن يبقى مشكلا ، فيحتمل ما تقدم.

ولو طلب الخنثى دية أحدهما من المذاكير والشفرين وتأخير قصاص الآخر لم يكن له ذلك ولم يجب اجابته ولو قطع الخنثى فرج (فرجي ـ خ) الخنثى اقتصّ مع ظهور الاتفاق في الرجولية أو الأنوثية ، ويؤخذ حكومة الآخر ، وان ظهر حالهما مع

١٠٨

الأصلي والحكومة في الزائد.

الثاني : الاتفاق في المحلّ

فتنقطع اليمنى بمثلها لا باليسرى ، والسبّابة بمثلها لا بالوسطى ، ولا زائدة بمثلها مع تفاوت المحلّ.

ولو قطع اليمنى فاقدها قطعت يسراه فان فقدت فالرّجل ولو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت أربعة بالأوّل فالأوّل وللباقي الدية.

______________________________________________________

عدم الاتفاق ، بان كان القاطع رجلا والمقطوع منه امرأة أو بالعكس ، فلا يمكن القصاص فيؤخذ دية الأصل وحكومة للعضو الآخر الزائد ، فيأخذ دية المذاكير ، وحكومة الشفرين في الأوّل وبالعكس في الثاني.

قوله : «الثاني إلخ». الثاني من الشرائط الزائدة على شرائط القصاص في النفس ، للقصاص في الأطراف والجراحات ، اتفاق عضو الجاني والمجني عليه في المحل ، بمعنى أنّه إذا أريد القصاص في العضو والطرف للجرح والقطع لا بدّ ان يقتصّ له في مثل العضو الذي جنى عليه مثل اليد اليمنى باليد اليمنى واليسرى بمثلها ، ولا يجوز المخالفة اختيارا مثل قطع اليمين باليسار وبالعكس.

والسبّابة تقطع بمثلها لا بغيرها مثل الوسطى.

ولا تقطع الإصبع الزائدة بمثلها إلّا مع اتحاد المحل.

ولا يشترط الاتحاد في الصغر والكبر والقوة والضعف والطول والقصر وغير ذلك ، لعموم الدليل.

ودليله مثل «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» (١).

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ومثل «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» (١) المشعر باشتراط المماثلة ، والاعتبار.

هذا إذا كان المثل موجودا وان يوجد المثل التامّ مع وجود المثل في الجملة ، فيجوز القصاص فيه ، مثل اليد اليسرى باليمنى مع عدم اليمنى.

لرواية حبيب السجستاني ، قال : سألت أبا جعفر عليه السّلام ، عن رجل قطع يدين لرجلين اليمينين؟ قال : فقال يا حبيب : تقطع يمينه للرجل الذي قطع يمينه أوّلا ، ويقطع يساره للرجل الذي قطع يمينه آخرا (أخيرا ـ ئل) لأنّه إنّما قطع يد الرجل الآخر (الأخير ـ ئل) ويمينه قصاص للرجل الأوّل ، قال : فقلت : إنّ عليا عليه السّلام إنّما كان يقطع اليد اليمنى والرّجل اليسرى ، (قال ـ خ) : فقال : إنّما كان يفعل ذلك فيما يجب من حقوق الله ، فامّا يا حبيب حقوق المسلمين فإنه يؤخذ لهم حقوقهم في القصاص اليد باليد إذا كانت للقاطع يد (يدان ـ خ) ، والرجل باليد إذا لم تكن للقاطع يد ، فقلت له : أو ما تجب عليه الدية وترك له رجله؟ فقال : إنّما تجب عليه الدية إذا قطع يد رجل وليس للقاطع يدان ولا رجلان فثمّ تجب عليه الدية ، لأنه ليس له جارحة تقاصّ منها (٢).

وظهر دليل قوله : (ولو قطع اليمين (اليمنى ـ خ) فاقدها) أي اليمين (قطعت يسراه ـ إلى قوله ـ ولو قطع أيدي جماعة إلخ) أي لو قطع شخص أيدي جماعة (على التعاقب).

مثل ان قطع شخص اليد اليمنى من شخص ثم اليد اليسرى من آخر ، ثم الرّجل اليسرى من آخر ، ثم اليسرى من آخر ، ثمّ اليد اليمنى من آخر مثلا ، فيقطع أوّلا يده اليمنى للاوّل ويده اليسرى للثاني ورجله اليمنى للثالث ثم رجله اليسرى

__________________

(١) المائدة : ٤٥.

(٢) الوسائل الباب ١٢ من أبواب قصاص الطرف الرواية ٢ ج ١٩ ص ١٣١.

١١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

للرّابع ، ويؤخذ دية اليمنى للخامس.

هذا الحكم مشهور هكذا ، وما رأيت له دليلا غير رواية حبيب المتقدمة.

والسند إليه صحيح ، ولكن هو غير موثق.

ويمكن ان يكتفى بقول الأصحاب بالصحة لاحتمال ثبوت توثيقه عندهم وان لم يكن في كتب الرجال الموجودة الآن عندنا.

إلّا أنّ ذلك غير واضح ، فإنّهم سمّوا كثيرا من الاخبار بالصحّة ، وليست كذلك ، وقد يريدون انّ الصحّة إلى الناقل عن الامام عليه السّلام.

فكأنّه لذلك قال في الشرائع : ولو لم يكن يمين ولا يسار قطعت رجله استنادا إلى الرواية ، وكذا لو قطع أيدي جماعة إلخ.

كأنّه يشير إلى التأمّل فيها ، فإنّ الحكم خلاف الأصل ، بل خلاف الأدلّة المتقدمة ، مثل «فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» (١) ، «وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ» (٢) فإنّها تشعر باشتراط المماثلة ، فافهم.

وكأنّه لذلك قال ابن إدريس بالدية ففي مقطوع اليد إذا قطع يد شخص ، إذ لا مماثلة بين الرجل واليد بوجه وكأنّه قال أيضا بقطع اليسرى باليمنى لوجود المماثلة في الجملة.

فإنّ «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» يدلّ على اعتبار المماثلة في مجرد صدق «الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» فيجوز قطع اليمنى باليسرى وبالعكس.

وكذا في الاذن لوجودها بين القوي والضعيف والصغير والكبير والطويل والقصير والذكر والأنثى.

فمذهب ابن إدريس غير بعيد ، إلّا أنّ ردّ هذه الرواية ـ مع قول جماعة بها

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) المائدة : ٤٥.

١١١

ولو بذل يسراها فقطعها المقتصّ جاهلا فالوجه بقاء القصاص ويؤخّر حتّى يندمل ويدفع إليه دية اليسرى إلّا ان يبذل مع سماعه الأمر باليمنى وعلمه بعدم اجزاء اليسرى.

______________________________________________________

والشهادة بالصحة ـ لا يخلو عن بعد لمن يعمل بالخبر الواحد ، ويجبر الضعف بالشهرة والوجه هو القصاص ، فتأمّل.

قوله : «ولو بذل يسراه إلخ». إذا قطع جان يمين شخص قطعا موجبا للقصاص وله اليمنى واليسرى وبذل يسراه فقطعها المستحق للقصاص جاهلا بأنّه اليسرى ويحتمل ، أو بأنّه لم يصر عوضا عن اليمين (اليمنى ـ خ) شرعا ، فالوجه عند المصنف بقاء القصاص بعد ، لأنّ الذي فيه القصاص ، وهو اليمين موجود ولم تصر اليسرى عوضها إلّا مع عدمه ويحتمل الاجزاء.

ونقل عن المبسوط انّ سقوط القصاص به هو مقتضى مذهبنا ، ولحصول ما هو عوض في الجملة ، مع عدم فرق بينهما ، وللمساهلة في القصاص والحدود لاسقاطها بالشبهة ، ولرغبة الشارع إلى عدم الخروج (١) والقطع وحقن الدماء ولظاهر اليد باليد المفهوم من مثل «الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ» (٢).

والظاهر ان لا كلام في هذا الحكم إذا تراضيا بعده بذلك القطع عوضا.

والظاهر أنّه لا فرق بين علم الباذل بأن المبذولة هي اليسرى وأنّها لم تصر عوضا إلّا مع عدم اليمنى ، وجهله ، ويحتمل كونه (جاهلا) حالا عنه أيضا.

وعلى تقدير القصاص له وارادة فعله يجب ان يؤخّر حتّى يندمل ويبرأ جرح اليسرى خوفا من الضّرر باجتماع الجرحين ، وإذا أمنا من ذلك يحتمل الجواز في الحال.

ومع احتمال الضّرر يحتمل ان يجوّز في الحال أيضا ، لأنّ التأخير له ، فإذا

__________________

(١) هكذا في النسخ ، ولعلّ الصواب الجروح.

(٢) المائدة : ٤٥.

١١٢

ولو قطعها مع العلم ففي القصاص اشكال والأقرب الدّية وكلّ موضع يضمن الدية في اليسرى يضمن السراية ، وإلّا فلا (وما لا فلا ـ خ ل).

______________________________________________________

رضي سقط ، ويحتمل عدمه ، إذ لا يجوز له تحمل الضّرر بالجرح مع العوض أيضا ، كما في النفس ، فيكون لله حقّا (حق ـ ظ) في القصاص ، فإذا قيل ببقاء القصاص بعد ، وعدم سقوطه بوجه فلا بد لباذل اليسرى من عوض ، وهو ديتها نصف دية نفسه في ماله.

هذا ولكن ثبوت الدية للجاني الباذل إنّما هو مع جهله بأنّه اليسرى لغلبة الدهشة ونحوها ، أو مع عدم سماعه الأمر ببذل اليمنى وعدم علمه بأنّ اليسرى لا تجزي عن اليمنى ولم تقع بدلا عنها ، فلو بذل اليسار للقطع فقطعها المجني عليه لذلك مع سماع الجاني الباذل الآمر باليمنى وانّ المبذولة هي اليسرى وأنّها لا تجزى ، فلا دية أيضا له كما لا قصاص.

وفيه تأمّل ، إذ مجرد (١) اذنه وعلمه لا يصح ذلك ، ولم يسقط عوضه وان سقط القصاص ، فكونه هدرا لا يخلو عن شي‌ء ، بعد بقاء القصاص.

هذا كله مع جهل المجني عليه المستحق للقصاص.

فان كان عالما بأنّه اليسرى وينبغي (٢) وبأنّه (وأنّه ـ خ) لم تصر عوضا عن اليمنى أيضا ، ففي ثبوت القصاص على قاطع اليسرى في يسراه مع وجودها اشكال ، ومع عدمها يحتمل السقوط ، والانتقال إلى الرّجل ، فينبغي التساقط ، فإنّ لكلّ واحد على آخر قصاصا ، بل ينبغي ذلك في الأصل على تقدير ثبوت القصاص للثاني.

__________________

(١) هكذا في جميع النسخ ، ولعل الصواب بمجرد إذنه إلخ.

(٢) هكذا في النسخ ، فتأمّل.

١١٣

ولو اتفقا على قطعها بدلا لم يجز وعليه الدية وله القصاص.

______________________________________________________

وجه الثبوت وجود قطع عمد عدوان وهو موجب للقصاص ، وثبوت قصاص له عليه لا يسقط ذلك.

ووجه العدم أنّه شبهة موجبة للسقوط ، والحدود تسقط بها ، وهو الأقرب عند المصنّف لرغبة الشارع بعدم الجرح والقطع والقتل ، وهو مشكل مع جهل الباذل وغفلته بأنّه اليسرى أو أنّه لا تجزى واعتقد أنّه تجزي.

وسقوط الحدّ بالشبهة لا يستلزم السقوط هنا ، لأنّه ليس بحدّ ، فإسقاط قصاصه حينئذ ـ وإثبات القصاص للاوّل فيبقى هذا بغير يد مع قطع المجني عليه احدى يديه عمدا عدوانا وبقاء صاحب اليد ـ بعيد عن رغبة الشارع عن القطع والدّم.

وحينئذ يزاد (يبرأ ـ خ) قرينة (أقربية ـ خ) الأوّل ، وهو مختار الشيخ على هذا في الأصل.

وأمّا السّراية ، فإن سرت جناية المجني عليه في يسار الجاني فضمان سرايته تابع لضمان أصله ، ففي كلّ موضع يحكم عليه بعوض اليسرى قصاصا أو دية يحكم بضمان سرايته كذلك ، وفي كلّ موضع يحكم بعدمه يحكم له بعدم ضمان السراية ، وهو ظاهر ، لأنّه ضمان سراية أصل لا ضمان له ولا عوض غير معقول ، وكذا عدم ضمان سرايته أصله مضمون ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو اتفقا إلخ». إذا اتفق الجاني والمجني عليه بقطع يده اليمنى ، على قطع اليد اليسرى للجاني مع وجود اليمنى قصاصا بدلا عن اليمنى لم يجز هذا الاتفاق.

ظاهره أنّه حرام للجاني البذل والرضا به وللمجنى عليه القطع ، ولم يسقط القصاص الذي كان عليه بذلك.

ويحتمل ذلك هو المراد بقوله : (لم يجز) فللجاني دية يساره التي قطعت

١١٤

ولو اختلفا فالقول قول الباذل لو أنكر دعوى بذلها مع العلم لا بدلا.

ولو بذل للمجنون فقطع فهدر وحق المجنون باق.

______________________________________________________

للعوض برضاه ، وللمجنى عليه قصاص يده اليمنى الذي كان له كما كان.

قوله : «ولو اختلفا إلخ». أي إذا ادّعى قاطع يسار الجاني على يمينه بعد بذله أنّه بذل اليسار مع علمه بأنّه لم يصر بدلا وعوضا وقصاصا عن اليمين الّذي قطعها واستحق صاحبها القصاص ، فلا شي‌ء عليه لا دية ولا قصاصا ، وأنكر الجاني الباذل ذلك ، وقال : ما كنت اعلم بذلك ، فاستحق الدية لو لم استحق القصاص ، فالقول قوله مع يمينه ، لأنّه منكر ، فإنّ الأصل بل الظاهر أيضا معه ، فإنّ الظاهر من حال العاقل أنّه مع علمه بأنّه لم يصر عوضا لم يبذل يده للقطع ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو بذل للمجنون إلخ». ولو بذل قاطع اليمين يساره للمجنون الذي صاحب اليمين واستحق القصاص أو الدية فقطع المجنون اليسار المبذول ، صار قطع اليسار هدرا لا قودا ولا دية لها ، سواء كان الباذل عالما بالحال أو لم يكن ، وحق المجنون باق.

وجهه ظاهر ، فإن المجنون ليس بقابل لاستيفاء الحق ، وتمكينه لا ينفع ، ولا يقع الاستيفاء بفعله.

ويحتمل مع عدم علمه بجنونه ثبوت الدية على عاقلته ، كما أنّه إذا بادر وقطع يسار قاطع يمينه من غير بذله يلزم الدية على عاقلته ، فإنّه قطع عمد من غير استحقاق ، وهو من المجنون خطأ ، وهو على العاقلة ، على ما تقرّر عندهم ، ولم يسقط قصاصه بذلك ، بل يبقى حقّه في ذمّة الجاني ، كما كان.

ويحتمل التساقط حتّى لا يخسر العاقلة التي خسرانها خلاف دليل العقل والنقل فلا يصار إليه إلّا بالدليل الخاص النّاصّ في ذلك ، وليس في هذه المادّة ذلك ، فتأمّل.

١١٥

ولو سبق المجنون فاقتصّ من غير بدل لم يسقط قصاصه ودية فعله على عاقلته.

ويعتبر في الشجّة الطول والعرض لا النزول بل الاسم فيقاس بخيط ويشقّ بقدره دفعة أو دفعات ان شقّ على الجاني.

______________________________________________________

كما لم يسقط بذلك قصاص المجنون ، ودية يمين الجاني على عاقلة المجنون.

قوله : «لو سبق المجنون إلخ». أي إذا سبق المجنون وبادر وقطع يمين قاطع يمينه من دون بذل الجاني ذلك ، لم يسقط بذلك قصاص المجنون ، ودية يمين الجاني على عاقلة المجنون ، فتأمّل.

ويحتمل تعميم قصاص المجنون من غير بذل جانبه بحيث يشمل العضو الموافق والمخالف ، حيث (حسب ـ خ) ما قيّد به ، فتأمّل.

قوله : «ويعتبر في الشّجة إلخ». وجه اعتبار الطول والعرض في قصاص الشّجاج الموجب للقصاص ، ظاهر ، فإنّه مقتضى المماثلة المعتبرة في القصاص بالعقل والنقل.

وأمّا عدم اعتبار العمق فهو المشهور والمذكور ، ولا يبعد كونه مجمعا عليه ، حيث ما نقل الخلاف هنا ، ونقله عن الشافعيّة في شرح الشرائع.

كأنّ المراد كون ذلك في الرأس ، قال في شرح الشرائع : ولا يعتبر نزولا بل يراعى حصول اسم الشّجة ، لتفاوت الرؤوس في السّمن ، فلا يمكن اعتبار العمق إذ قد يكون رأس المجني عليه سمينا وجلده غليظا ورأس الجاني بخلاف ذلك ، فلا يمكن.

وأنت تعلم أنّ ذلك ليس بموجب إذ يأتي غاية ما يمكن ، ويسقط الباقي ويؤخذ أرش الزائد كما في المساحة طولا على ما ذكروه مثل المتن.

وبالجملة ما رأيت دليلا على ذلك ، وان كان مجمعا عليه ، وإلّا المماثلة

١١٦

ولو كان رأس الشاج أصغر استوعبناه وأخذ أرش الزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح ولو انعكس لم يستوعب في القصاص بل اقتصر على قدر المسامحة.

______________________________________________________

مرعيّة ، للعقل ، والنقل ، فيمكن اعتبار العمق في جراحات البدن غير الرأس.

وفي الرأس إشكال لعدم دليل الترك ، وكلام الأصحاب الدالّ على العدم ، فتأمّل ، فيعتبر المحلّ في الشّجاج وسيأتي بعينه.

وأمّا في المساحة فإذا سقط العمق بقي اعتبار الطول والعرض فيقاس بخيط وحبل ، الشّجة التي في رأس الجاني ثم يشقّ ذلك المقدار فيه بدفعة واحدة أو بدفعات ان شقّت الدفعة على الجاني وأراد ذلك.

وكذا يقاس العرض ويشقّ ذلك المقدار عرضا.

ولو كان رأس الشّاجّ الذي هو الجاني أصغر بحيث لا يسع طول الشّجة الّتي شجّها على رأس المجني عليه استوفيت الشجّة بحيث يستوعب جميع طول رأس الجاني وأخذ أرش الزائد ، بأن يفرض المجني عليه مملوكا ، ويقوّم صحيحا بغير شجّة ثم يقوم مشجّى بتلك الشّجة كلّها وتكون الزيادة هي أرش جميع الشجّة ثم يقاس زيادة الشجة التي كانت عن رأسه ولم يستوف بالنسبة إلى الجميع ، فان كانت نصفها أخذ نصف الأرش وهكذا.

ويحتمل ان يقوم مشجّى بتلك الزيادة فقط ، وأخذ جميع الزيادة.

ويحتمل عدم الأرش بالكليّة ، ويكون بمنزلة قطع اليد الصغيرة باليد الطويلة «وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ ـ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ» (١) وسيصرّح به في الأنف.

ويؤيّده ظاهر مثل «الْجُرُوحَ قِصاصٌ» (٢) و «الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ» (٣) ، فتأمّل.

__________________

(١) المائدة : ٤٥.

(٢) المائدة : ٤٥.

(٣) المائدة : ٤٥.

١١٧

ويقتصّ في السنّ مع اتفاق المحلّ فلا يقلع ضرس ولا ضاحك بثنية ولا أصليّة بزائدة ولا زائدة بزائدة مع تغاير المحلّ وكذا الأصابع.

______________________________________________________

ولو انعكس الفرض بأن كان رأس الجاني كبيرا ورأس المجني عليه صغيرا واستوعبته الشجّة يقتصّ من رأس الجاني بمقدار تلك الشجة ومساحتها ، ولا يستوعب رأس الجاني ، لأنّ شجّته قد استوعبت رأس المجني عليه ، لأنّ ذلك ظلم وليس بعوض وقصاص ، فإنّه لا يكون بالمثل.

قوله : «ويقتصّ في السنّ إلخ». أي قلع السنّ عمدا عدوانا موجب للقصاص ، فيقتصّ من القالع للمقلوع مثل سنّة الذي قلع ، فيشترط الاتّحاد في المحلّ فيقطع الأضراس بالاضراس والضاحك بمثله والثنية بمثلها ، ولا يقطع الأوّل بالثاني والثالث ولا العكس ، وكذا الثاني والثالث ، بل لا ينبغي قلع أوّل (اولى ـ خ) الأضراس مثلا بثانيها (بثانيتها ـ خ) بل بالأوّل (بالأولى ـ خ) فقط وهكذا ، لاشتراط اتّحاد المحلّ عندهم والتفاوت بين الأسنان هذا كلّه مع وجود الأوّل.

ويمكن القصاص في السنّ مطلقا مع عدم المثل كما مرّ في اليد لظاهر «السنّ بالسن» (١).

وكذا لا يقلع السنّ الأصلية بالزائدة ولا بالعكس ، ويحتمل الجواز ، فتأمّل ، ولا الزائدة بالزائدة إلّا مع اتحاد المحلّ.

هذا أيضا مع وجود المتحد في المحلّ ، ومع عدمه يحتمل القصاص بما يوجد مطلقا ، الّا ان الأقرب والاولى ما تقدّم.

ويحتمل عدم القصاص والنقل إلى الدية ، ولكن مقتضى ظاهر «السّنّ بالسّنّ» (٢) الجواز ، فتأمّل.

__________________

(١) المائدة : ٤٥.

(٢) المائدة : ٤٥.

١١٨

الثالث : التساوي في العدد.

فلو قطع يدا زائدة إصبعا ويده كذلك اقتصّ منه.

ولو كانت الزائدة للجاني خارجة عن الكفّ اقتصّ في الكفّ.

وان كانت في سمت الأصابع قطع (قطعت ـ خ ل) الأصابع وأخذ حكومة الكفّ.

______________________________________________________

قوله : «الثالث التساوي إلخ». أي يشترط تساوي العضو المجني عليه بالقطع الموجب للقصاص والعضو الذي يقتصّ له من الجاني في عدده ، مثل ان لو كان المجني عليه إصبعا ، فلا بدّ ان يقطع إصبعا واحدة لا أزيد وهكذا ، فلو قطع جان يد شخص له ست أصابع فإن كان الجاني أيضا كذلك اقتصّ له الكلّ فيقطع يده من حيث قطع على وجه يدخل أصابعه الستة في المقطوع كما كانت داخلة في المقطوع له.

ولو كانت زائدة المجني عليه داخلة في المقطوع بأن قطع يده من الكوع ، وهي داخلة في الكفّ وكانت زائدة الجاني خارجة عن موضع الاقتصاص بأن كانت خارجة عن الكفّ على طرف عضده ، اقتصّ من كفّه.

ولو كانت الزائدة للجاني خاصّة وخارجة عن محلّ القصاص بان قطع الكفّ وهي خارجة عنه على طرف العضة اقتص في الكفّ لتسلم الزائدة.

وان كان هذه الزيادة داخلة في محلّ القطع بأنّ كانت في سمت سائر الأصابع بجنبها منفصلة. عنها ، قطعت الأصابع قصاصا وأخذ أرش الباقي من الكفّ الذي ما حصل له القصاص ، تحرّزا عن التجاوز عن الحدّ ، وعدم لزوم هدر الزائد.

١١٩

ولو اتصلت بالبعض قطعت الأربع وأخذ دية الإصبع وحكومة الكفّ.

ولو كانت للمجنى عليه فله القصاص ودية الزائدة.

ولو كانت احدى الخمس زائدة للجاني قطعت ، فان الناقص يؤخذ بالكامل إلّا ان يختلف المحلّ فتأخذ دية الزائدة ويقتصّ في أربع وكذا لو كانت للمجنى عليه.

______________________________________________________

ولو كانت متصلة ببعض الأصابع قطعت التي لم تتصل به مثل ان كانت متّصلة بالخنصر قطعت الأربعة الباقية وأخذ دية ما اتصل به من الأصابع وهي الخنصر ، وأرش الكفّ ، كما في السابق ، وطريق أخذ الأرش قد مرّ.

قوله : «ولو كانت للمجنى عليه إلخ». أي لو كانت الإصبع الزائدة للمجنى عليه خاصّة داخلة في المقطوع مثل ان قطع من الكوع وهي تحته اقتصّ له من الكوع وأخذ أرش الإصبع الزائدة أيضا ليحصل العوض ، ولا يلزم الهدر.

ويحتمل إسقاطها لأنّها لحمة زائدة لا عوض لها كالسّمن في يد المجني عليه دون الجاني أو بالعكس وما حصل بها زيادة الم أيضا ، فتأمّل.

قوله : «ولو كانت احدى الخمس إلخ». أي إذا كانت للجاني أربع أصابع أصليّة وواحدة زائدة وللمجنى عليه خمس اصلية قطعت الزائدة أيضا ، فإن الناقصة تؤخذ بالكاملة ، ولا شي‌ء غير ذلك ، كما في سائر قصاص العضو الضعيف بالقويّ والصغير بالكبير والصحيح بالمريض والنفس بالنفس مطلقا.

ويحتمل ملاحظة نسبة دية الأصلية إلى أرش الزائدة وأخذ الزائدة ، فتأمّل.

إلّا ان يختلف المحلّ ، أي تكون الزائدة في محل الجاني فوق الأصليّة ، بحيث يمكن قطع الأصابع الأصلية دونها فحينئذ ، قطعت أربع الأصابع الأصلية قصاصا ، وأخذ المجني عليه دية الكاملة التي بقيت للمجنى عليه بغير قصاص ، ولا يقتصّ لها

١٢٠