مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

.................................................................................................

______________________________________________________

فلو أقر السفيه بغير العمد لا يقبل.

وإذا أقر المفلّس بما يوجب المال على نفسه يقبل وان كان حال حجره ، ولكن لا يشاركه الغرماء في الأعيان الموجودة ففي قوله (١) : (لو زال حجره) تسامح هذا.

ودليل ما اختاره المصنف من ثبوت القتل بالإقرار مرّة ـ كما هو رأي الأكثر على ما قيل ـ هو عموم أدلة قبول الإقرار مثل إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (٢) ، وغيره ممّا مرّ من العمومات وخصوص الروايات الدالة على أخذ المقر والحكم عليه بمجرد المرّة.

مثل ما في حكاية قضاء الحسن عليه السّلام : (فلما أقر الرجل الخارج من الخربة وبيده سكّين متلطّخة بالدم وفيها رجل مذبوح قضى أمير المؤمنين عليه السّلام بالقود فأقر آخر بأنه القاتل قبل منه وأسقط القود (٣).

وما يدل على أنّ (كون ـ خ) دية الخطأ على المقر (٤) ، فان المذكور فيها ، الإقرار مرّة لا أزيد.

وما يدل على حكم انه لو أقر واحد بالعمد والآخر بالخطإ (٥).

وما في صحيحة زرارة الآتية من ان شخصا أقر بأنه القاتل بعد ان شهد جماعة على غيره ، انه القاتل (٦) ، وغير ذلك.

__________________

(١) يعني المصنف.

(٢) عوالي اللآلي : ج ١ ص ٢٢٣ وج ٢ ص ٢٤٢ وج ٣ ص ٤٤٢ طبع مطبعة سيد الشهداء ، قم.

(٣) راجع الوسائل باب ٤ من أبواب دعوى القتل ج ١٩ ص ١٠٧ والحديث منقول بالمعنى.

(٤) لعله مستفاد من باب ٥ من أبواب دعوى القتل من الوسائل ج ١٩ ص ١٠٨.

(٥) راجع الوسائل باب ٣ من أبواب دعوى القتل ج ١٩ ص ١٠٦.

(٦) راجع الوسائل باب ٥ من أبواب دعوى القتل ج ١٩ ص ١٠٨.

١٦١

ولو أقرّ بقتله عمدا فأقرّ آخر بقتله خطأ تخيّر الولي تصديق أحدهما ولا سبيل له على الآخر.

______________________________________________________

ولعلّ دليل اشتراط المرّتين ، الاحتياط في الدماء ، وقد علم ضعفه ممّا تقدم.

قوله : «ولو أقر بقتله عمدا إلخ». لعلّ دليل تخيّر ولي الدم في تصديق من أقرّ أنه قتل مورّثه خطأ ، ومن أقرّ أنّه قتله عمدا أنّ كل واحد مقرّ فيؤاخذ به ، ولا يمكن أخذ الجميع للتنافي بين الإقرارين ، وإذا صدق أحدهما ، لا سبيل له على الآخر ، ولا سبيل للمأخوذ أيضا على غيره.

وتدلّ عليه أيضا رواية الحسن بن صالح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السّلام ، عن رجل وجد مقتولا فجاء رجلان الى وليّه ، فقال أحدهما : أنا قتلته عمدا ، وقال الآخر : انا قتلته خطأ؟ فقال : ان هو أخذ (بقول ـ خ) صاحب العمد ، فليس له على صاحب الخطأ سبيل ، وان أخذ بقول صاحب الخطأ ، فليس له على صاحب العمد سبيل (١).

ولا يضرّ الضعف بالحسن ، لما مرّ (٢) ، ولعدم الخلاف في الحكم على الظاهر.

وان يأباها في الجملة صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : سألته عن رجل قتل فحمل إلى الوالي ، وجاء قوم فشهدوا عليه (فشهد عليه شهود ـ ئل) انه قتل (قتله ـ خ) عمدا فدفع الوالي القاتل إلى أولياء المقتول ليقاد به فلم يترعوا (٣) حتى أتاهم رجل فأقر عند الوالي أنه قتل صاحبهم عمدا ، وان هذا الرجل الذي شهد عليه الشهود برئ من قتل صاحبكم (صاحبه ـ ئل) فلا تقتلوه به

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب ما يثبت به الدعوى ج ١٩ ص ١٠٦.

(٢) من قوله قدّس سرّه : ان كل واحد مقر إلخ.

(٣) يعني فلم يبرحوا.

١٦٢

ولو أقرّ الثاني بقتله ورجع الأوّل درئ عنهما القصاص والدية وأخذت الدية من بيت المال.

______________________________________________________

وخذوني بدمه؟ قال : فقال أبو جعفر عليه السّلام : ان أراد أولياء المقتول ان يقتلوا الذي أقرّ على نفسه فليقتلوا ، ولا سبيل لهم على الآخر ثم لا سبيل لورثة الذي أقرّ على نفسه على ورثة الذي شهد عليه ، وان أرادوا أن يقتلوا الذي شهد عليه ، فليقتلوا ولا سبيل لهم على الذي أقر ثم ليؤد الدية ، الذي أقر على نفسه إلى أولياء (المقتول ـ خ) الذي شهد عليه نصف الدية ، قلت : أرأيت إن أرادوا أن يقتلوهما جميعا؟ قال : ذاك لهم ، وعليهم ان يدفعوا إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية خاصة (خاصا ـ ئل) دون صاحبه ثم يقتلونهما ، قلت : ان أرادوا أن يأخذوا الدية؟ قال : فقال : الدية بينهما نصفان لأن أحدهما أقر ، والآخر شهد عليه ، قلت : كيف جعلت لأولياء الذي شهد عليه على الذي أقرّ نصف الدية حيث قتل ولم تجعل لأولياء الذي أقر على أولياء الذي شهد عليه ولم يقر؟ قال : فقال : لأن الذي شهد عليه ليس مثل الذي أقر ، الذي شهد عليه لم يقرّ ولم يبرء صاحبه والآخر أقرّ وبرأ صاحبه فلزم الذي أقرّ وبرأ صاحبه ما لم يلزم الذي شهد عليه ولم يقر ولم يبرأ صاحبه (١).

قوله : «ولو أقر الثاني بقتله إلخ». إذا أقر رجل بقتل مقتول ثم أقر الآخر بأنه القاتل دون ذلك ورجع الأوّل عن انه قتل بل أنكر وأظهر لإقراره عذرا درئ عنهما القصاص والدية ـ أي ليس عليهما شي‌ء من القصاص والدية ، ولي (٢) الدم الدية من بيت المال.

دليله قضاء الحسن عليه السّلام المشهور رواه علي بن إبراهيم ، عن أبيه ،

__________________

(١) الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب دعوى القتل ج ١٩ ص ١٠٨.

(٢) هكذا في النسخ كلها ـ ولعل حق العبارة : ولولي الدم الدية إلخ.

١٦٣

الفصل الثاني : (في ـ خ) البيّنة

وشروطها (شرطها ـ خ ل) أربعة.

(الأوّل) العدد : ولا يثبت موجب القصاص الّا بعدلين وان

______________________________________________________

قال : أخبرني بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله عليه السّلام قال : اتى أمير المؤمنين عليه السّلام برجل وجد في خربة وبيده سكّين متلطّخ (ملطّخ ـ ئل) بالدم ، وإذا رجل مذبوح تشحّط في دمه ، فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام : ما تقول؟ قال : انا قتلته؟ قال : اذهبوا به فأقيدوه به ، فلما ذهبوا اقبل رجل مسرع فقال : لا تعجلوا وردّوه الى أمير المؤمنين عليه السّلام ، فردّوه فقال : والله يا أمير المؤمنين ما هذا قتل صاحبه ، انا قتلته ، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام للأوّل : ما حملك على إقرارك على نفسك؟ فقال : يا أمير المؤمنين وما كنت استطيع أن أقول وقد شهد علي أمثال هؤلاء الرجال وأخذوني وبيده سكّين ملطّخ بالدم والرجل متشحّط (يتشحّط ـ ئل) في دمه وانا قائم عليه وخفت الضرب فأقررت وانا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة فأخذني البول ودخلت (فدخلت ـ ئل) الخربة فوجدت الرجل متشحطا في دمه فقمت متعجبا فدخل هؤلاء علي فأخذوني؟ فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : خذوا هذين واذهبوا بهما إلى الحسن وقولوا له : ما الحكم فيهما؟ قال : فذهبوا الى الحسن عليه السّلام وقصّوا عليه قصتهما فقال الحسن عليه السّلام : قولوا لأمير المؤمنين عليه السّلام : ان كان هذا ان كان ذبح ذلك فقد أحياء هذا قال الله عزّ وجلّ «وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً» فخلا (يخلا ـ خ ئل) عنهما واخرج دية المذبوح من بيت المال (١).

قوله : «ولا يثبت موجب القصاص إلخ». أي لا يثبت القتل الذي

__________________

(١) الوسائل باب ٤ حديث ١ من أبواب دعوى القتل ج ١٩ ص ١٠٧ ولم يورده بتمامه ولم نعثر على قطعته في محلّ آخر منه فلاحظ وتتبع ، والآية الشريفة في المائدة : ٣٢.

١٦٤

عفا عن (على ـ خ) مال ويثبت ما تجب به الدية بهما وبرجل وامرأتين وبشاهد ويمين كالخطإ والمأمومة والهاشمة وغيرها.

ولو شهدت بهاشمة مسبوقة بإيضاح لم يثبت الهشم في حق الأرش كما لم يثبت الإيضاح.

ولو شهدت أنّه رمى زيدا فمرق فأصاب غيره خطأ ثبت الخطأ.

______________________________________________________

يوجب القصاص الّا برجلين عدلين وان عفا على المال بان قال : عفوت على المال مقدار الدية وغيره.

وان أوجبه على نفسه بنذر وشبهه فلا يثبت لغيرهما ، مثل رجل وامرأتين ، ورجل ويمين وقد مرّ دليل ذلك فإنّ الأول ، كلية يثبت به جميع ما يمكن إثباته وغيره انما يثبت به المال وقد مرّ دليل ذلك مفصلا فتذكر فيثبت به ـ أي بالجميع ـ القتل خطأ وشبه العمد ، فان مقتضاهما المال ، وقد مرّ انه يثبت به.

ولا يثبت بالنساء فقط ، وهو أيضا ظاهر ممّا تقدّم.

وكذا يثبت به جميع الجراحات الموجبة للدية والأرش ، مثل المأمومة ، والهاشمة وغيرهما من التي لا يشرع فيها القصاص ، مثل الجائفة والمنقلة وكسر العظام ، لما تقدم.

قوله : «ولو شهدت بهاشمة إلخ». أي إذا شهدت امرأتان ورجل أو رجل مع يمين المدّعي ـ فتأنيث (شهدت) باعتبار المرأتين للكثرة أو باعتبار الجمعيّة ـ بالهاشمة التي توجب الأرش والدية ولا توجب القصاص مسبوقة بموضحة لم يثبت الهشم في حق الأرش كما لم يثبت الإيضاح أصلا.

اما عدم إثبات الإيضاح ، فلما مرّ.

واما عدم إثبات الإيضاح ، فلما مرّ.

واما عدم إثبات الهاشمة ، فلأنه شهادة واحدة فلا يمكن إثبات بعضها وردّ البعض.

١٦٥

(الثاني) خلوص الشهادة عن الاحتمال : مثل ضربه بالسيف فمات أو فأنهر دمه فمات أو فأجراه فمات في الحال أو لم يزل مريضا حتى مات وان طالت المدة أو ضربه فأوضحه هذه ولو قالوا (قال ـ خ ل) أوضحه مطلقا ووجدت موضحتان فالدية ولو قال اختصما ثم افترقا وهو مجروح أو ضربه فوجدناه مشجوجا أو فجرى دمه لم يقبل ولو قال اسال

______________________________________________________

اما لو شهد رجل وامرأتان أنه رمى سهما الى زيد فوصل إليه وقتله فمرق منه ـ أي خرج منه ـ ووصل إلى عمرو فقتله أيضا من غير قصد وعمد فقتل عمرا خطأ يثبت الخطأ فيه ولا يثبت العمد والقصاص لأنهما شهادتان مستقلتان يمكن قبول إحداهما دون الأخرى.

وفي الأوّل تأمّل كما يفهم من التحرير ، قال فيه : ولو شهدت رجل وامرأتان على هاشمة مسبوقة بإيضاح لم تقبل في الهاشمة في حق الأرش ، ولو شهدوا بأنه رمى عمدا الى زيد فمرق السهم وأصاب ، يثبت الخطأ ، لان قتل عمرو منفصل عن قتل زيد فتغايرا ، اما الهشم فلا ينفصل عن الإيضاح فكانت الشهادة واحدة وقد سقط بعضها فيسقط الباقي على اشكال ولو قالوا : أشهد انه أوضح ثم عاد بعد ذلك وهشم أو ادعى قتل خطأ فشهدوا وذكروا الكيفيّة ، قبلت ولا يثبت الموضحة لأنها موجبة للقصاص ولم يثبت برجل وامرأتين كما لا يثبت قتل زيد لانه عمد موجب للقصاص ، ويثبت قتل عمرو لأنه خطأ موجب للمال ، إذ شهادة مركبة وجد مانع من قبولها في بعض آخر ، ولا يلزم منه منع الباقي مع عدم المانع ، وهو ظاهر.

واعلم انه قال في الشرح : ضمير (شهدت) راجع الى البيّنة المعهودة أي الرجل والمرأتان والرجل واليمين ، وفيه تأمّل.

قوله : «الثاني خلوص الشهادة إلخ». ثاني الشروط الأربعة ـ لإثبات

١٦٦

دمه فمات قبلت في الدامية ولو شهد بأنه جرح وأجرى الدّم لم يقبل حتى يشهد بالقتل.

ولو شهد بأنّه (أنّه ـ خ ل) قتله بالسحر لم يقبل.

______________________________________________________

القتل بالبيّنة ـ خلوص شهادة الشهود من احتمال عدم القتل ويكون صريحا في ذلك بحيث لا يحتمل غيره ، مثل ان يقول الشاهد : ضرب الجاني المقتول بالسيف فمات ، أو فانهر دمه فمات ، أو فأجرى دمه فمات في الحال ، أو قال : ولم يزل كان مريضا بعد ذلك حتى مات سواء كانت مدّة المرض طويلة أو قصيرة ، سمعت الشهادة ويثبت بها القتل.

وكذا يثبت الموضحة لو قال الشاهد : ضربه فأوضحه هذه الموضحة.

ولو قال الشهود أوضحه ولم يعيّنوا الموضحة بل أطلقوا أو وجدت فيه موضحتان ، فاللازم هي الدية لا القصاص لعدم التعيين ، فان القصاص لا بد له من تعيين المحلّ ومقدار الشجّة طولا وعرضا كما مرّ وبدون التعيين لا يمكن ، وهو ظاهر.

ولو كانت موضحة واحدة أو عيّنوها ، فالقصاص.

ولو قال الشاهد : اختصم الجاني والمجني عليه ثم افترقا والمجني عليه مجروح ، أو ضربه فوجدناه مشجوجا أو قال : فجرى دمه ، لم يقبل هذه الشهادة للقتل والجرح لعدم الصراحة واحتمال حصولهما من غير ضرب الجاني المدّعى عليه ، وهو ظاهر.

ولو قال الشاهد : اسال دمه فمات ، قبلت الشهادة بالقتل في الجراحة الدامية ، بل هو مثل من أجرى دمه فمات ، كأنه اعادة للدامية ، فتأمّل.

ولو شهد الشاهد للقتل بأنه جرحه وأجرى دمه ، لم تقبل حتى يشهد بالقتل بان قال : فمات به ونحو ذلك.

ولو شهد بأنه قتله بالسحر لم تقبل إذ لا يمكن العلم بذلك سواء قلنا ان للسحر حقيقة أم لا.

وفيه تأمل إذ قد يعلم بقرائن كما يحكمون : انه يجي‌ء رجل ويقرأ في مقابلته

١٦٧

(الثالث) الاتّحاد : فلو اختلفا في الزمان أو المكان أو الآلة لم يثبت وفي كونه لوثا إشكال ، ينشأ من التكاذب.

ولو شهد أحدهما بالإقرار والآخر بالفعل لم يثبت و (لو ـ خ) كان لوثا.

______________________________________________________

شيئا ليموت ونحو ذلك ، وقد يحصل العلم بأن الموت بسحره وسببه كما يحصل ذلك بغيره.

قوله : «الاتحاد فلو اختلفا إلخ». ثالث شروط البيّنة اتحاد الشهادة في الزمان والمكان والآلة وغيرها ممّا يتغاير به الشهادة.

فلو اختلف الشاهدان فشهد أحدهما بالقتل يوم الجمعة والآخر في يوم السبت أو شهد أحدهما بالقتل بالسوق ، والآخر في المسجد أو شهد أحدهما بالقتل بالمثقل والآخر بالمحدّد لم يثبت بها شي‌ء وهو ظاهر.

لانه لا بد من قول عدلين على أمر واحد حتى يثبت وليس كذلك.

ولان قول كل واحد يستلزم كذب الآخر فهما متعارضان فيسقطان معا فصار كعدم الشهود ، لا شك في ذلك.

لكن في كونها لوثا للحاكم فيترتب عليه أحكامه؟ إشكال ، لما مرّ من التكاذب ، فوجودهما كالعدم ، ومن انه قد حصل الشاهد الواحد ، واللوث يحصل به ، ولأنهما شريكان في إثبات مطلق القتل فيحصل للحاكم الظن بذلك ، فللمدعي أن يعيّن ويفعل القسامة.

ويمكن ان يقال : ان حصل للحاكم علامة رجح بها قول أحدهما ويظن صدقه وكذب الآخر فيكون بمنزلة شاهد يحصل به اللوث ، والا فلا ، مثل ان يكون أحدهما أكثر ضبطا وتحقيقا أو أكثر اختلاطا ، ونحو ذلك.

وبالجملة ، الظاهر ، العدم بمجرد الشاهدين للتعارض والتكاذب فصارا كأن لم يكونا ، فتأمّل.

قوله : «ولو شهد أحدهما إلخ». لو شهد احد العدلين بأنه أقر الجاني بأنه

١٦٨

ولو شهد أحدهما بالإقرار بمطلق القتل والآخر بالإقرار بالعمد ثبت أصل القتل وصدق الجاني في العمديّة وعدمها.

______________________________________________________

قتل فلانا ، والآخر شهد بأنه رآه بأنه قتله ، لم يثبت القتل هنا أيضا لعدم توارد الشهادتين على أمر واحد ، نعم يحصل بهما اللوث لعدم التعارض والتكاذب لاحتمال صحتهما وعدم المنافاة بينهما فللمدعي القسامة.

قوله : «ولو شهد أحدهما بالإقرار إلخ». ولو شهد احد الشاهدين بإقرار شخص بأنه قتل شخصا عمدا ، والآخر شهد بأنه أقر بأنه قتله ، يثبت أصل القتل فإنه مشترك بينهما فصار عليه شاهدان مقبولان الّا ان أحدهما زاد على الآخر بقوله : (أقر بالعمد) ، ولا منافاة ولا تكاذب لاحتمال ان أقرّ عند أحدهما بالعمد وعند الآخر بالمطلق.

ولو اتفقا في الزمان أيضا ، لا تكاذب لاحتمال سماع الزيادة أحدهما دون الآخر ، ولهذا زيادة أحد الراويين ، مقبولة.

نعم ان تكاذبا ، فيقول أحدهما : ما قال عمدا ، وقال الآخر : ما قاله تكاذبا في وصف زائد ويبقى المشهود عليه المتفق عليه باقيا.

ويحتمل حمل قول الثاني على غفلته فيلزم المقر الجاني ، على البيان ولا يسمع إنكاره أصل القتل ويسمع.

ويصدّق في تعيين العمد ، والخطأ ، والشبيه ، ولكن يكون في الثاني أيضا ، الدية في ماله لثبوته بإقراره.

وقد يثبت بالأصل ، وبالنصوص ذلك ، ويمكن الإجماع أيضا عليه ، فتأمّل.

واعلم انه يحتمل اللوث في العمد إذا ادعى الوليّ ذلك إذا لم يكن بينهما تكاذب كما في المسألة الآتية ، فينبغي حمل كلام المصنّف على التكاذب.

ولكن لم يبق ثبوت أصل القتل ـ كما في المشاهدة ـ مع اختلاف المكان أو العمد والخطأ ، ومع عدمه يثبت اللوث.

١٦٩

ولو شهد (أحدهما ـ خ) بالقتل عمدا والآخر بالمطلق ثبت اللوث وحلف المدعي القسامة.

______________________________________________________

الّا ان يقال : اللوث انما يكون في القتل مع ما يدل على ظن الحاكم لا في إقرار المدعى عليه ، وهذا هو الفرق بين الشهادة بالقتل العمد ، والشهادة بمطلق القتل ، وبين الإقرار بالقتل عمدا ، والإقرار بالقتل مطلقا حيث يثبت في الأوّل اللوث مع دعوى المدّعي ذلك وإنكار المدّعى عليه ومع عدمها يثبت مطلق القتل.

وكذا لو لم يفعل القسامة ويقنع بثبوت الأصل فيأخذ الدية.

ويثبت في الثاني أصل القتل مطلقا لعدم التكاذب ، إذ لا منافاة بين المطلق والمقيّد.

هذا الفرق ـ مع ثبوت اللوث في الإقرار ـ ظاهر لا كلام فيه ، لكن الكلام فيه الّا ان يدّعى الإجماع على ذلك ، وان اللوث خلاف القواعد وانما يثبت فيما نصّ عليه ولا نصّ في الإقرار فلا إشكال في ذلك.

نعم استشكل في الشرح الفرق بينهما وبين الزمان والمكان والآلة وفرّق بأنّ الفرق بين المشخصات وبين العمد والخطأ ، ان مرجعهما القصد وهو قد يخفى ، بخلاف غيره ، ولهذا صار فيه الاشكال دون غيره.

وفيه تأمّل.

ويمكن ان يقال : الفرق بينه وبين المكان مثلا انه فعل واحد والتكاذب والتعارض ظاهر ، فلا يبقى أمر مشترك بخلاف العمد فإنه غير القتل ، بل قصده واختياره وتعمد ، فكأنهما اتفقا في القتل واختلفا في فعل آخر ، وهو القصد ، يدعيه أحدهما وينفيه آخر يعني يقول أحدهما : انه قصد القتل والآخر يقول : انه ما قصده مع الاتفاق في صدور القتل عنه وانه يمكن الجمع بينهما ، فيحتمل اللوث أيضا ، لما مرّ.

قوله : «ولو شهد (أحدهما ـ خ) بالقتل إلخ». أي لو شهد احد

١٧٠

ولو قال أحدهما قتله عمدا وقال الآخر خطأ ففي ثبوت أصل القتل اشكال.

ولو شهدا بالقتل على واحد والآخران به على غيره فلا قصاص والدية عليهما في العمد وفي الخطأ على عاقلتهما ويحتمل تخيير الولي.

______________________________________________________

الشاهدين بالقتل عمدا والآخر به مطلقا ثبت أصل القتل واللوث وقد مرّ وجه اللوث والفرق بينها وبين ما تقدم مع التأمّل.

قوله : «ولو قال أحدهما (١) بالقتل إلخ». لاحتمال التكاذب وعدمه ، وقد مرّ بيانه في المسألة السابقة مع الفرق بينها وبين الاختلاف في الزمان والمكان والآلة ، فتأمّل.

قوله : «ولو شهدا إلخ». أي لو شهد الشاهدان على شخص بأنه قتل فلانا وشهد آخران انه قتله شخص آخر غير ذلك الشخص ، فلا قصاص مطلقا للشبهة الدارئة للقتل.

ولا يمكن قتلهما معا ـ كأنّه للإجماع ـ ولا أحدهما بعينه ، لعدم الترجيح فيلزم الدية ـ على المشهور ـ عليهما منصّفا لتساويهما مع إثبات الدم عليهما فلا يهدر ، ولا يخصّص أحدهما دون الآخر.

والدية في مالهما على تقدير العمد وشبهه ، لعدم شي‌ء على العاقلة وعليهما في الخطأ ، لأن دية الخطأ عليهما.

ويحتمل تخيّر الوليّ بين مؤاخذة أيهما شاء ، فيعمل بمقتضى شهادته ، لان كل واحد بيّنة شرعيّة ودليل شرعيّ يجوز العمل به ، فالاختيار إلى الوليّ كالمجتهد الذي تعارض عنده دليلان يعمل بأيهما أراد.

واستدل ابن إدريس بقوله تعالى (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (٢) ولأن البينة

__________________

(١) في نسختين مخطوطتين هكذا : ولو قال أحدهما قتل عمدا إلخ.

(٢) الإسراء : ٣٣.

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

ناهضة على كل منهما لوجوب القود ، فلا سبب له لسقوطه ، لأنا قد أجمعنا على انه لو شهد اثنان على واحد بأنه القاتل فأقر آخر بالقتل يتخيّر الولي في التصديق ، والإقرار كالبيّنة في حقوق الآدمي.

وأنت تعلم أن ذلك إذا ثبت للوليّ قتل مورثه بيّنة شرعيّة من غير معارض وليس كذلك هنا والبينتان متعارضتان فتساقطا ودعوى الإجماع ممنوع ، ومع التسليم فمساواة البيّنة ، الإقرار ممنوع ومنه علم الدخل في الأوّل فإنّهما متعارضتان فيحتمل تساقطهما يتعارضهما فان كل واحدة تكذّب الأخرى فيتعارضان ويتساقطان فصارا كأن لم يكونا ونقل هذا عن الشيخ.

قال في الشرح : قال شيخنا رحمه الله : يحتمل سقوط البينتين بالكليّة لتكاذبهما ووجود شبهة دارئة للدعوى ، قال المحقق في النكت : والوجه ان الأولياء إمّا أن يدّعوا القتل على أحدهما ، أو يقولوا : لا نعلم ، فان (١) كان الأوّل قتلوه لقيام البيّنة بالدعوى ويهدر الأخرى ، وان كان (٢) الثاني فالبيّنتان متعارضتان على الانفراد ، لا على مجرّد القتل فيثبت القتل من أحدهما ولا يتعين ، والقصاص متوقف (يتوقف ـ النكت) على تعيين القاتل فيسقط ويجب الدية لعدم (٣) أولويّة نسبة القتل إلى أحدهما دون الآخر (٤).

هذا مختار الشيخ عليّ صرّح بأنه مخير بين أخذ تمام الدية من أيّهما أراد.

ولكن عبارة المحقق تحتمل الشركة ، وأيّدها الشارح أيضا فكأنه مختاره أيضا قال (٥) : ويؤيّده ان شهادة الشاهد قد ثبت اعتبارها شرعا فالأربعة متفقون على ان

__________________

(١) فان ادّعوه على أحدهما قتلوه إلخ (النكت).

(٢) وان قالوا : لا نعلم فالبيّنتان إلخ (النكت).

(٣) فإنه ليس نسبة القتل إلى أحدهما أولى من نسبته الى الآخر (النكت).

(٤) الى هنا عبارة نكت المحقق.

(٥) يعني الشارح.

١٧٢

ولو شهدا عليه بالعمد فأقر آخر أنّه القاتل وبرأ الأوّل احتمل التخيير في قتل أحدهما وفي الرواية المشهورة تخييره في قتل المشهود عليه

______________________________________________________

هناك قاتلا وقتلا وانما اختلفوا في التعيين فالقضاء بالدية حقنا للدماء ولا يخفى ان تعارض البينتين الأخيرتين بمنزلة البيّنة على انه ما قتله الذي شهدت عليه البيّنة الأخرى التي قارنت دعوى المدّعي الذي هو وليّ الدم وما نعرف من الشرع كون الدعوى مرجحا للبيّنة المتعارضة وهدرها ولهذا ما قيل ذلك في اختلاف البيّنة بالزمان والمكان والآلة ، والعمد والخطأ وغيرها.

وأيضا أنّ حاصل تأييد الشهيد هو ما ذكره المحقق في التبيان (١) إلخ.

وفيه انه منقوض بسائر شرائط الاتحاد ، فان التي تشهد انه قتل في المكان الفلاني وفي الأخرى التي تشهد انه قتله في المكان الفلان الذي غير الأوّل ، وكذا في الزمان المتعدد ، والآلة كذلك ، فإنه يمكن ان يقال : هما متفقان على ان هنا قتلا وقاتلا وانما اختلفوا في تعيين المكان أو الزمان والآلة وغيرها ، بل هنا اولى لوجود الاختلاف في تعيين زائد خارج عن القتل والقاتل وفيما ذكر وفي نفس القاتل فتأمّل.

ثم على تقديره ينبغي المشاركة في الدية كما في المتن ، وينبغي حمل كلام المحقق عليه لا التخيير كما ذكره الشيخ عليّ.

قال في الشرح : ولم يورد المحقق والمصنف في المختلف رواية في هذا المعنى وابن إدريس والمصنف في التحرير أشار إلى أن بالمسألة رواية يمكن كونها إشارة إلى صحيحة زرارة المتقدّمة (٢) فتأمّل.

قوله : «ولو شهد عليه بالعمد إلخ». أي لو شهد اثنان على شخص

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها ولعل الصواب (في النكت).

(٢) راجع الوسائل باب ٥ حديث ١ من أبواب دعوى القتل وما يثبت به ج ١٩ ص ١٠٨.

١٧٣

فيرد المقر عليه نصف الدية وقتل المقر ولا ردّ وقتلهما فيردّ (ويردّ ـ خ ل) الولي على المشهود عليه نصف الدية خاصّة وفي أخذ الدية منهما.

______________________________________________________

بالقتل العمد الموجب للقصاص ، فأقرّ شخص آخر أنه القاتل وبرأ الأول وقال : ان الأول بري‌ء من القتل ، احتمل تخيير الوليّ وهو مذهب ابن إدريس ، ونفى عنه البأس في المختلف.

ووجهه ما تقدّم ، مع ما تقدّم فتذكّر.

وفي الرواية المشهورة تخييره في قتل المشهود عليه ، فيردّ المقرّ عليه نصف الدية ، وفي قتل المقر ولا ردّ في قتلهما جميعا ، فيرد الوليّ على المشهود عليه نصف الدية وفي أخذ الدية منهما.

كأن المراد به التنصيف وهو صريح في الرواية ، وهي صحيحة زرارة (١) وقد تقدمت في مسألة تخيير الوليّ إذا أقرّ أحدهما بالقتل عمدا ، والآخر به خطأ ، فتذكّر.

وكأنّه ليس مراده بالشهرة ، الإشارة إلى ضعفهما ، بل ان العمل بها مشهور ، أو أراد أنّها مشهورة مذكورة في الكتب.

وفيها إشكال ، لأن قتلهما معا ـ مع عدم شركتهما في القتل ، ومع عدم ردّ الوليّ نصف الدية إلى أولياء أحدهما فقط ، وكذا في شركتهما في الدية ، وكذا في ردّ المقر نصف دية المشهود عليه لو قتل ـ محلّ تأمّل.

ويمكن ان يقال : لما ثبت القتل عليهما معا فيجوز قتل كلّ واحد أحدهما للشهود ، والآخر للإقرار ، وهما موجبان للقصاص.

وكذا يقال : في شركتهما في الدية مع انه قد يحتمل في نظر الوليّ الشركة وان لم يقرّ بها ولم يشهد عليها.

__________________

(١) الوسائل باب ٥ من أبواب دعوى القتل ج ١٩ ص ١٠٨.

١٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وجه عدم ردّ شي‌ء على أولياء المقر ، عدم استحقاقه لإقراره ، وتبرئة الآخر عنه.

ووجه ردّ المقر اعترافه بأنه منفرد وان المشهود عليه بري‌ء ، فتأمّل.

ويحتمل عدم قتل أحدهما كما في حكاية قضاء الحسن عليه السّلام (١) ، وسقوط العوض للتعارض فيؤخذ الدية منهما لعدم الترجيح وابطال (٢) دم امرئ مسلم.

ويحتمل الأخذ من بيت المال كما في حكاية قضاء الحسن عليه السّلام (٣).

قال في الشرح : قال المحقق في النكت (٤) : الإشكال في هذه في ثلاثة مواضع (أحدهما) ان يقال : لم يتخيّر الأولياء (في القتل)؟ والجواب لأن أحدهما يقتل بالبيّنة ، والآخر بالإقرار ، فإن المقرّ أباح نفسه بإقراره ، بالانفراد.

(الثاني) أن يقال : لم وجب (الدية ـ خ) لو قتلوهما (لأنا) نقول : حيث انه لا يقتل اثنان بواحد الّا مع الشركة ، ومع الشركة يردّ فاضل الدية ، وهو دية كاملة لكن المقر أسقط حقّه من الرد وبقي الرد على المشهود عليه.

(الثالث) ان يقال : لم إذا قتل المقر وحده لا يردّ المشهود عليه ، وإذا قتل المشهود عليه يردّ على أوليائه (لأنا) نقول : المقر أسقط حقه من الرد والمشهود عليه لم يقرّ فيرجع على ورثة المقر بنصف الدية لاعترافه بالقتل وإنكار المشهود عليه.

هذا كلّه تقدير أن يقول الورثة : لا نعلم القاتل اما لو ادّعوا على أحدهما سقط الآخر (٥).

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤ من أبواب دعوى القتل إلخ ج ١٩ ص ١٠٧.

(٢) يعني عدم ابطال دم إلخ أو المراد انه لو لم يؤخذ الدية أصلا يلزم ابطال دم امرئ مسلم.

(٣) راجع الوسائل باب ٤ من أبواب دعوى القتل إلخ ج ١٩ ص ١٠٧.

(٤) واعلم أنا نقلنا العبارة المحكيّة في الشرح من النكت نفسه لا من نسخة المجمع أو الشرح.

(٥) إلى هنا عبارة نكت النهاية للمحقق رحمه الله.

١٧٥

(الرابع) انتفاء التهمة :

فلو شهدا على اثنين فشهد المشهود عليهما به من غير تبرّع فان صدّق الولي الأوّلين خاصّة حكم بهما والّا طرح الجميع ولو شهدا على أجنبيّ فهما دافعان.

______________________________________________________

ولا يخفى أنّ الأول ليس بإشكال ، بل سؤال وجوابه ظاهر.

والثاني أيضا كذلك ، فإن الإشكال في جواز قتلهما لعدم الشركة بحسب الظاهر فتأمّل ، لا في وجوب الدية على تقدير قتلهما فإنه يلزم أخذ الزيادة عن حقّهم ، فإنّما هو دم واحد وقد أخذوا دما ونصفا ، فتأمّل وما أجاب فكان الأولى أن يقول : لم لا يعطى كمال الدية؟ فإن ذلك هو مقتضى القاعدة.

وان في إعطاء المقر نصف الدية إشكالا ، فإنه لا موجب له ، فإن غاية ما يلزم انه مقرّ بأنه القاتل والمشهود عليه قتل مظلوما ولهذا (وبهذا ـ خ) لا يلزمه شي‌ء ، وان لزمه شي‌ء ينبغي أن يكون تمام الدية ، فإنه مقر بأنه قاتل منفردا ، وان المشهود عليه بري‌ء بالكلّية ، فتأمّل.

قوله : «الرابع انتفاء التهمة». رابع شرائط قبول شهادة الشاهد ، عدم كونه متّهما بان يكون شهادته لدفع ضرر عن نفسه أو جرّ نفع له.

وما نجد له ضابطة في الكتاب والسنة والإجماع فكأنّ مداره على العقل ووجدان المجتهد والحاكم ، فينبغي التأمّل في ذلك.

ولا ينبغي دفع شهادة عادل متصف بشرائط القبول الّا ما نحن بمجرد احتمال التهمة مع عدم دليل على كونها مانعة عن قبول شهادة صاحبها ففي كل موضع ظهر دليل ، تردّ والّا قبلت ، للكتاب والسنة والإجماع مجملا ، فتأمّل.

قوله : «فلو شهدا على اثنين إلخ». هذا متفرع على اشتراط انتفاء التهمة أي إذا شهد شاهدان مقبولان على شخصين بأنهما قتلا شخصا وشهد المشهود عليهما

١٧٦

ولو شهد أجنبيّان على الشاهدين من غير تبرّع تخيّر الولي.

______________________________________________________

على الشاهدين بذلك القتل ، أي أنهما قتلا ذلك الشخص مع كونهما مقبولي الشهادة حتى ان شهادتهما لم تكن متبرعا بها ، بل بسؤال الحاكم ، وعلى الوجه الذي لا ترد به الشهادة حتى لا يكون الرد إلّا بالتهمة.

ولكن فرضه لا يخلو عن إشكال ، فإن صدق الولي ـ الذي هو مدعي الدم ـ لأوّلين فقط حكم الحاكم بشهادتهما لانضمامهما بدعوى المدّعي دون غيرها ، وهو ظاهر وقد مرّ مثله.

وان لم يصدقهما بل صدّق المشهود عليهما تطرح شهادة الأوّلين لتكذيب المدعي ايّاها ، وشهادة الآخرين للتهمة فإنهما متهمين بأنهما يدفعان الضرر وهو القتل عن نفسهما وإضرار شاهديهما ، وكذا لا تسمع شهادتهما وتطرح ، ولو شهد على غير شاهديهما بأنه قتل ذلك الشخص ، فإنه تطرح شهادتهما لأنهما يدفعان عن نفسهما كما في صورة شهادتهما على شاهديهما.

قوله : «ولو شهد أجنبيان إلخ». أي لو شهد غير المشهود عليهما على الشاهدين الأوّلين ـ وهما مقبولا الشهادة منتف عنهما موجب ردّها حتى التبرع بها ، بل كانت شهادتها بعد سؤال الحاكم ـ تخيّر الولي في تصديق أيّهما شاء فبانضمام الدعوى والتصديق بإحداهما يرجح ويطرح الأخرى.

وبالجملة يرجع إلى تعارض البيّنتين ، فمع تكذيبهما تطرحان ، وكذا مع تصديقهما ومع تصديق إحداهما دون الأخرى يقدم المصدق.

ومع دعوى الجهل وعدم العلم بإحداهما تخيّر بين العمل والأخذ بقول أيّهما شاء وأراد كما مرّ.

وفيه إشارة إلى إمكان الدعوى والاستشهاد مع عدم العلم بصدق الشاهدين وبغير تصديقهما وسؤال الحاكم وانهما بذلك لم يصيرا متبرّعين.

١٧٧

ولو شهد الوارث بالجرح قبل الاندمال لم تسمع ولو أعادها بعده قبلت ولو شهدا على الجرح وهما محجوبان ثمّ مات الحاجب أو بالعكس فالنظر إلى حال الشهادة.

______________________________________________________

قوله : «ولو شهد الوارث بالجرح إلخ». إذا شهد الوارث بجرح مورّثه الذي إذا مات ورثه الشاهد قبل الاندمال والبرء ، لم تسمع شهادته لاتهامه بأنه إذا مات ورثه.

وينبغي فرض ذلك في جرح يمكن الموت معه ، ومع ذلك فيه تأمل لردّ شهادة مقبول الشهادة بمجرد هذا التوهم مع وجوب حمل أفعال المسلمين وأقوالهم على الصحّة.

ولو أعاد الوارث هذه الشهادة بعد الاندمال قبلت هذه الشهادة وسمعت وان ردّت أوّلا للتهمة ، لوجود المقتضي ورفع المانع وهو التهمة فقط.

ولو شهد الوارثان بالقوّة على جرح مورثهما قبل اندماله وكانا محجوبين حين الشهادة مثل ان كان بعيدين مع وجود الأقرب ككونهما أخوي المشهود له مع وجود ولده ، قبلت شهادتهما وسمعت ، لما مرّ ، إذ لا تهمة هنا لوجود الأقرب حال الشهادة وان مات بعد ذلك وقبل موت المورّث فمات وورثاه.

ولو كانا غير محجوبين حال شهادتهما على جرح مورثهما قبل اندماله لم تقبل مثل كونهما أخويه مع عدم الولد ومن يتقدم عليهما ، فان ولد له قبل الموت فشهدا الأخوان قبلت شهادتهما وان ردّت شهادتهما من قبل.

وبالجملة ، النظر في التهمة المانعة ، حال الشهادة لا حال الإرث.

ثم اعلم ، الفرق بين هذا وبين شهادة الوارث للمريض ، فإنها مقبولة ، وهو ان الوارث شهادته تثبت للمريض مالا ثم بعد موته ينتقل إليه ، بخلاف صورة الجرح فإنها تثبت المال لنفسه ، إذ على تقدير الموت تثبت الدية بشهادته للوارث الشاهد لا للمجروح حال حياته ثم ينتقل منه إليه هكذا يفهم من الشرائع وغيره تأمّل فيه.

١٧٨

وقضى علي عليه السّلام في ستّة غلمان غرق أحدهم (واحد ـ خ ل) في الفرات فشهد اثنان على الثلاثة (الثلاث ـ خ ل) بالتغريق وفي الثلاثة (الثلاث ـ خ ل) على الاثنين (اثنين ـ خ ل) به قسمة الدية أخماسا على الثلاثة خمسان والثلاثة على الاثنين (اثنين ـ خ ل).

الفصل الثالث : (في ـ خ) القسامة

وأركانها ثلاثة :

(الأوّل) في المحلّ :

انما تثبت (ثبت ـ خ ل) في موضع اللوث وهو أمارة يغلب معها على الظنّ صدق المدعي.

______________________________________________________

قوله : «وقضى علي عليه السّلام إلخ». قضاؤه عليه السّلام في ستة غلمان غرق أحدهم في الفرات مشهور رواه السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : رفع إلى أمير المؤمنين عليه السّلام ستة غلمان كانوا في الفرات فغرق واحد منهم ، فشهد ثلاثة منهم على اثنين انهما غرّقاه ، وشهد اثنان على الثلاثة أنهم غرّقوه فقضى عليّ عليه السّلام بالدية أخماسا ثلاثة أخماس على الاثنين وخمسين على الثلاثة (١).

ولا يخفى ان فيه مخالفة القواعد فهو قضيّة في واقعة ، فإذا رفع مثلها يحكم الحاكم فيها الحكم الموافق للقواعد والأدلّة.

قوله : «القسامة إلخ». قيل : القسامة لغة اسم للأولياء يحلفون على

__________________

(١) الوسائل باب ٢ حديث ١ من أبواب موجبات الضمان ج ١٩ ص ١٧٤.

١٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

دعوى الدم ، والظاهر انه مصدر.

قال في الشرح : هي اسم أقيم مقام المصدر ، يقال : أقسم أقساما وقسامة كأكرم إكراما وكرامة.

وفي اصطلاح الفقهاء اسم للأيمان المقررة عندهم لمدعي الدم وأقاربه مثل ان يوجد قتيل في موضع لا يعرف من قتله ولا يقوم بيّنة ويدعي الولي على واحد أو جماعة يعرفون انه من قتله ويظهر المدعي ما يظن به الحاكم صدقه ، مثل كونه قتيلا في حصن أو قرية صغيرة أو محلّة منفصلة عن بلد كبير ، وبين المقتول وبين أهلها عداوة ظاهرة ، أو شهد عدل واحد ونحو ذلك يقال له : اللّوث.

فيحلف هو ومن يعرف من أقاربه على ان الفلاني قتله ، خمسين يمينا كل واحد يمينا واحدة على تقدير كونهم عارفين والّا يقسم الموجودون العارفون ، الخمسين ، بالتكرار على البعض أو الكل.

ولو لم يحلف هؤلاء حلف المدّعى عليه وأقاربه ، انه بري‌ء من قتل من يدعي قتله عليه ممن يعرفون ذلك ، مثل أقارب المدعي.

ودليل ثبوت قتله بها إجماع المسلمين الّا من شذ.

والاخبار من طرق العامة مثل ما روي عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قال : البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر إلّا في القسامة (١).

ومن طريق الخاصّة كثير ، مثل حسنة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن القسامة كيف كانت؟ فقال : هي حق وهي مكتوبة عندنا ولو لا ذلك لقتل الناس بعضهم بعضا ثم لم يكن شي‌ء؟ وانما القسامة نجاة الناس

__________________

(١) لم نجده بهذه العبارة في الكتب الحديثية للعامة ، ثم يستفاد ذلك من اخبارهم ، وذكر في عوالي اللآلي : البيّنة في الحقوق كلّها على المدّعي واليمين على المدعى عليه الّا في الدم خاصّة إلخ ج ٣ ص ٦٠٢ وهذه العبارة قد نقلت في كتبنا الإمامية أيضا عن الأئمة عليهم السّلام كما يأتي ان شاء الله.

١٨٠