مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان - ج ١٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: الشيخ مجتبى العراقي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ورواية إسحاق بن عمار ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السّلام إنّ عليا عليه السّلام كان يضمن الراكب ما وطأت الدابّة بيدها أو برجلها الّا ان يعبث بها احد فيكون الضمان على الذي عبث بها (١) ، وهو حمل جيّد ، لأنه حمل المطلق على المقيّد ، وهو متعيّن في التعارض على ان الأول كثيرة ومعتبرة ، وهذه واحدة ضعيفة.

وكذا ينبغي الحمل على الراكب أو القائد حال السير ، رواية أبي مريم ، عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في صاحب الدابّة انه يضمن ما وطأت بيدها وبعجت (٢) برجلها فلا ضمان عليه (٣) الّا أن يضربها انسان (٤) ، لما تقدم ، والضمان على تقدير الضرب على الضارب ، لما مرّ أيضا فتذكّر.

وفي صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : سألته عن رجل ينفر برجل فيعقره ويعقر دابّته رجلا آخر؟ فقال : هو ضامن لما كان من شي‌ء ، وعن الشي‌ء يوضع على الطريق فتمر الدابّة فتنفر بصاحبها فتعقره؟ فقال : كل شي‌ء يضرّ بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه (٥).

وفي حسنة عنه عليه السّلام قال : قال : ايّ (أيّما ـ ئل) رجل فزع رجلا على (من ـ ئل) الجدار أو نفر به عن دابته فخرّ فمات فهو ضامن لديته ، فان انكسر فهو

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ١٠ من أبواب موجبات الضمان ج ١٩ ص ١٨٥.

(٢) بعج بطنه السكين بعجا إذا شق فهو مبعوج وبعيج (مجمع البحرين).

(٣) في الوسائل : انه يضمن ما وطأت بيدها ورجلها ، وما نفحت برجلها فلا ضمان عليه إلخ.

(٤) الوسائل باب ١٢ حديث ٤ من أبواب موجبات الضمان ج ١٩ ص ١٨٤ وهامش الوسائل المطبوع جديدا نفحت بالحاء المهملة ، أي رفعت.

(٥) أورد صدرها في الوسائل باب ١٥ حديث ١ من أبواب موجبات الضمان ص ١٨٨ وذيلها في باب ٩ حديث ١ منها ص ١٨١.

٢٦١

ولو القت الراكب لم يضمن المالك وان كان معها الّا ان ينفرها.

______________________________________________________

ضامن لدية ما ينكسر منه (١).

وهما تدلّان على ضمان ما تجنبه الدّابة ، على المنفّر لا على الراكب ، ولا على القائد ، ولا السائق ، وهو غير بعيد.

ثمّ إنّي ما رأيت ما يدل على ان صاحب الدابة مطلقا يكون ضامنا ، ولكن ذكره البعض كالمصنف إذا كان معها لا الراكب.

ويحتمل القائد أيضا كالراكب ، فيكون الضمان على صاحبها ، لا على الراكب ويمكن جعل رواية أبي مريم دليلا في الجملة ، فتأمّل.

ولعلّ المراد من كونه معا حاضرا عندها ككونه سائقا وقائدا لا كونه في تلك الجماعة التي معه في الطريق.

ويحتمل ارادة المطلق خصوصا إذا كان الراكب ليس من شأنه سوق الدابة والاستقلال بالركوب ، فلو لم يكن معها كان مقصّرا لترك المصاحبة وضامنا ، الله يعلم ، فتأمّل.

قوله : «ولو القت الراكب إلخ». لو ألقت دابّة راكبها لم يضمن صاحبها وان كانت مستأجرة وكان صاحبها معها حاضرا ، قائدا وسائقا ، للأصل وعدم دليل على الضمان ، فان مجرد كون صاحبها معها ليس بموجب له.

نعم ان كانت ذلك عادتها ويكون عالما بها ولم يخبر الراكب بها ، يمكن الضمان ، لأنه غرّه خصوصا إذا قال : انها ليست ممّا توقع الراكب أو كان الراكب طفلا أو مجنونا أركبها بغير اذن الوليّ أو نفر لها ولو بالضرب ، غفلة لأنه مفرّط ، ولما تقدم من الروايات من ان المنفر ضامن صاحب الدابّة وغيرها ويؤيّده الاعتبار ،

__________________

(١) الوسائل باب ١٥ حديث ٢ من أبواب موجبات الضمان ج ١٩ ص ١٨٨.

٢٦٢

ولو اركب مملوكه الصغير ضمن جناية الراكب ويتعلق برقبة البالغ وفي المال يتبع.

______________________________________________________

وهو ظاهر.

قوله : «ولو اركب مملوكه إلخ». التفصيل في ضمان المولى إذا اركب مملوكه ، منسوب إلى ابن إدريس ، وحسّنه المحقّق ، وقبله المصنف ، لان الصغير ـ لعدم قدرته على ضبط الدابة ـ مضطر ، فالمولى مفرّط فالمناسب الضمان.

واما الكبير البالغ فإنه قادر ، فلو جنت الدابة ، وهو راكب فالجناية على الراكب ، فان كان المجني عليه آدميّا يتعلّق برقبته.

ويحتمل أن يكون مخصوصا بآدميّ حرّ ، فان المملوك مال كسائر الأموال.

وان كان مالا ، فالضمان عليه أيضا ، لا على المولى ، ولا في رقبته ، ولا يسعى في ذلك ، بل هو مثل سائر الأموال المضمونة فيتبع به أي ينتظر حتى ينعتق ويؤخذ منه.

وكأنهم حملوا على المملوك الصغير ، صحيحة علي بن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه السّلام في رجل حمل عبده على دابّته فوطأت رجلا؟ فقال : الغرم على مولاه (١).

ويؤيّده أن لا عموم فيها ظاهر وان حمل المملوك انما يكون غالبا إذا كان صغيرا ، فان الكبير يركب به نفسه.

ونقل عن المبسوط والخلاف ، القول بضمان المولى مطلقا لهذه الرواية فإنها ظاهرة في الكلّ ، فتأمّل.

ثم إنّ الظاهر من الاعتبار أن ضابط الصغر عدم الاستقلال والاستبداد بالركوب ويؤيّده لفظة (الإركاب) و (الحمل) ، وضابط الشرع عدم البلوغ ، الله يعلم.

__________________

(١) الوسائل باب ١٦ حديث ١ من أبواب موجبات الضمان ج ١٩ ص ١٨٩.

٢٦٣

والآذن لغيره في دخول منزله يضمن جناية الكلب والّا فلا.

ويجب حفظ الصائلة فيضمن جنايتها لو أهمل ولو جهل حالها أو لم يفرط فلا ضمان ولا يضمن الدافع.

______________________________________________________

قوله : «والاذن لغيره إلخ». دليل ضمان صاحب الكلب ـ إذا عقر كلبه متى دخل داره باذنه وعدمه إذا لم يكن الدخول باذنه ـ هو الاعتبار والأخبار.

مثل رواية السكوني ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل دخل دار قوم بغير إذنهم فعقره كلبهم ، فقال : لا ضمان عليهم ، وان دخل بإذنهم ضمنوا (١) ومثلها رواية زيد بن علي عن آبائه عليهم السّلام (٢).

ومثلها رواية بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السّلام (٣) ولا يضرّ ضعفها.

قوله : «ويجب حفظ الصائلة إلخ». دليل وجوب حفظ الدابة الصائلة ، إنها مضرّة مملوكة لصاحبها ، وهو قادر على حفظها.

ويحتمل ان يكون المراد بمعنى انه يلزمه الضمان.

ودليل ضمانه ـ مع الإهمال والعلم ـ التقصير في الحفظ الواجب ، فكأنّه السبب وما مرّ في حسنة الحلبي : سئل عن بختي اغتلم إلخ (٤).

ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام ، قال : سألته عن بختي اغتلم فقتل رجلا ، ما على صاحبه؟ قال : عليه الدية (٥).

ويحتمل هذه ، الصحّة ، بل ظاهرهم عدّها من الصّحاح ، فافهم.

__________________

(١) الوسائل باب ١٧ حديث ٢ من أبواب موجبات الضمان ص ١٩٠ ج ١٩.

(٢) الوسائل باب ١٧ ذيل حديث ٣ من أبواب موجبات الضمان ص ١٩٠ ج ١٩.

(٣) الوسائل باب ١٧ ذيل حديث ١ من أبواب موجبات الضمان ص ١٨٩ ج ١٩.

(٤) راجع الوسائل باب ١٤ حديث ١ من أبواب موجبات الضمان ص ١٨٦ ج ١٩.

(٥) الوسائل باب ١٤ حديث ٣ من أبواب موجبات الضمان ج ١٩ ص ١٨٧.

٢٦٤

والهرّة كذلك.

______________________________________________________

وهي محمولة على التفريط ، والعلم للاعتبار ، فإنّ التكليف بالضمان مع الجهل ، بعيد وكذا مع عدم التفريط ، فلا بد من العلم والقدرة ، والتقصير ، الله يعلم.

والاشعار في رواية مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه السّلام إن أمير المؤمنين عليه السّلام كان إذا صال الفحل أوّل مرّة لم يضمّن صاحبه ، فإذا ثنى ضمّنه (١).

كأنّ المراد عدم العلم بأوّل مرّة ، والعلم في الثانية ، الله يعلم.

واعتبار التفريط ظاهر.

ولا يضمن من يدفع الصائلة إذا قتلها أو لقصها ، للدفع.

ولو فعل بغير ذلك فهو ضامن ، إذ قد مرّ ان الدافع ليس بضامن ولو قتل آدميا ، فكيف حيوانا.

وان الدفع جائز بل قد يجب فلا يستعقبه الضمان غالبا الّا بنص جلي وليس هنا.

قوله : «والهرة كذلك». أي الهرّة المملوكة الضارّة ، مثل الدابّة الصائلة ، فيضمن صاحبها مع العلم والإهمال دون الجهل ودون التقصير لأنها مملوكة مضرة وصاحبها قادر على دفعها وعالم به ، فلو لم يفعل يكون مقصّرا ومفرّطا فكأنه سبب لإتلافها.

وفيه تأمّل كما يفهم من الشرائع ، قال : في ضمان جناية الهرّة المملوكة تردد قال الشيخ رحمه الله : يضمن بالتفريط وهو بعيد ، إذ لم تجر العادة بربطها.

يعني انها ليست كسائر الدواب المملوكة المحفوظة في المرابط والتي لا نسبة بينها وبين المالك ، ولهذا ما رأى أنها تباع وتحفظ ، بل تجي‌ء وتروح على ما تريد.

__________________

(١) الوسائل باب ١٤ حديث ٢ من أبواب موجبات الضمان ج ١٩ ص ١٨٧.

٢٦٥

ولو جنت الداخلة ضمن صاحبها مع التفريط ولا يضمن صاحب الأخرى جنايتها.

______________________________________________________

وكأن المصنف اختار مذهب الشيخ ، لما مرّ ، ولأنها ليست بأقل من الكلب العقور.

والظاهر عدم الضمان حتى يثبت ، ومجرّد ما ذكر محلّ التأمّل والتردد ، فتأمّل.

قال في الشرائع : نعم يجوز قتلها.

الظاهر ان المراد جواز قتلها مع كونها ضارّة (ضائرة ـ خ ل) ومؤذية لا مطلقا.

وجهه مثل ما ذكر في سائر المؤذيات.

وقال في شرح الشرائع : واما جواز قتلها والحال هذه فظاهرهم الاتفاق عليه كغيرها من المؤذيات.

قوله : «ولو جنت الداخلة إلخ». إذا جنت دابّة بأن دخلت على دابّة أخرى في مراحها فقتلتها أو نقصتها ، ضمن صاحب الداخلة جنايتها ان فرّط في حفظها لتفريطها.

ولو لم يفرّط لم يضمن للأصل وعدم الموجب ، فان مجرد كونها مالا لشخص تعد (بعد ـ خ ل) لا يوجب على صاحبها شيئا ، وهو ظاهر.

كما ان عدم ضمان المدخول عليها لو جنت على الداخلة ، ظاهر.

ونقل عن الشيخ ضمان الداخلة مطلقا دون المدخول عليها ، لرواية سعد بن ظريف الإسكاف عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : اتى رجل رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال : ان ثور فلان قتل حماري ، فقال له النبي صلّى الله عليه وآله : ائت أبا بكر فسله ، فأتاه فسأله ، فقال : ليس على البهائم قود ، فرجع إلى النبي صلّى الله عليه وآله فأخبره بمقالة أبي بكر ، فقال له النبي صلّى الله عليه وآله : ائت عمر

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فسله ، فأتاه فسأله ، فقال : مثل ما قاله أبو بكر فرجع إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله فأخبره ، فقال له النبي صلّى الله عليه وآله : ائت عليّا فسله ، فأتاه فسأله فقال علي عليه السّلام : ان كان الثور الداخل على حمارك في منامه حتى قتله فصاحبه ضامن ، وان كان الحمار هو الداخل على الثور في منامه ، فليس على صاحبه ضمان ، فرجع إلى النبي صلّى الله عليه وآله فأخبره فقال النبي صلّى الله عليه وآله : الحمد لله الّذي جعل من أهل بيتي من يحكم بحكم الأنبياء عليهم السّلام (١).

وقريب منها رواية مصعب بن سلام التميمي ، عن أبي عبد الله عليه السّلام ان ثورا قتل حمارا على عهد النبيّ صلّى الله عليه وآله فرفع ذلك إليه وهو في أناس من أصحابه فيهم أبو بكر وعمرو ، فقال : يا أبا بكر اقض بينهم ، فقال : يا رسول الله بهيمة قتلت بهيمة ما عليها (عليهما ـ ئل) شي‌ء ، فقال : يا عمر اقض بينهم ، فقال مثل قول أبي بكر ، فقال : يا عليّ اقض بينهم ، فقال : نعم يا رسول الله ان كان الثور دخل على الحمار في مستراحه ضمن أصحاب الثور ، وان كان الحمار دخل على الثور في مستراحه فلا ضمان عليه (عليهما ـ خ) ، قال : فرفع رسول الله صلّى الله عليه وآله يده إلى السّماء ، فقال : الحمد لله الّذي جعل منّي من يقضي بقضاء النبيّين (٢) وبينهما اختلاف في الجملة ، فيحتمل ان تكون الواقعة وقعت مرّتين أم واقعة واحدة سئل عنها مرّتين ، مرّة في أناس كانوا حاضرين ، ومرّة غير حاضرين ، ولكنها بعيد.

وبعض رواتها ضعيف ، ومخالفة للأصل والقاعدة ، ولهذا قيّد المتأخرون مثل المصنف والمحقّق ضمان الداخل بالتفريط.

__________________

(١) الوسائل باب ١٩ حديث ٢ من أبواب موجبات الضمان ج ١٩ ص ١٩١.

(٢) الوسائل باب ١٩ حديث ١ من أبواب موجبات الضمان ج ١٩ ص ١٩١.

٢٦٧

ولو سقط الإناء الموضوع على حائطه فلا ضمان لما يتلف به.

ولا يضمن صاحب الحائط بوقوعه على احد فإن بناه مائلا إلى الطريق أو بناه في غير ملكه أو مال بعد بنائه إلى الطريق أو غير ملكه وتمكّن من الإزالة ضمن ولو وقع قبل التمكّن فلا ضمان.

______________________________________________________

ويمكن كون مراد الشيخ أيضا ذلك وكذا الرواية وان لم تكن ظاهرة فيه فليحمل على ذلك للجمع بينها وبين القاعدة وقد أهمل عليه السّلام لعلمه بالتفريط.

ولا يبعد جعل الثور صائلا فيكون اخلائه مطلقا تفريطا ، فإنه ينبغي حفظه لئلا يضيّع الناس أموالهم ولمّا كان ذلك معلوما له عليه السّلام ، ما سئل وفصّل ، فتأمّل.

قوله : «ولو سقط الإناء الموضوع إلخ». دليل عدم ضمان صاحب الإناء الموضوع على حائط أو مباح أو ملك شخص مأذون قبله أو حصل رضاه بعده لما يتلف بوقوعه وسقوطه عليه نفسا أو مالا.

أنّه فعل جائز وليس بعدوان فلا يستعقب الضمان ، وللأصل مع عدم دليل خلافه ، ولأن الحائط لو وقع على شي‌ء وأتلفه ، لم يضمن صاحبه على ما سيجي‌ء ، فالاناء الموضوع عليه ، مثله ، وهو ظاهر.

قوله : «ولا يضمن صاحب الحائط إلخ». لو بنى إنسان في ملكه ، حائطا كان أو غيره ، مستويا أو مائلا إلى ملكه بحيث لم يكن محاذيا إلى موضع لا يجوز له فيه ، البناء ، مثل ان يكون طريقا أو ملك الغير مع عدم وصوله إليه ذلك ، وليس لأحد منعه ولو استهدم لا يجبر على الهدم ولا يضمن ما يتلف به ، لان الناس على أموالهم وأملاكهم يتصرفون كيف يشاؤون.

فلا يضمن ما يتلف بهدم ذلك البناء والحائط من نفس ومال ، للأصل وعدم الموجب وعدم العدوان.

٢٦٨

ولا يضمن ناصب الميزاب الى الطريق بوقوعه وكذا الرواشن.

______________________________________________________

نعم لو بناه فيما لا يجوز له البناء ، يضمن ما يتلفه مطلقا للعدوان.

وكذا لو بنى في ملكه ولكن مال إلى موضع لا يجوز له البناء فيه ولم يجوّز له بعد ذلك أيضا وتمكن من ازالته ، يضمن ما يتلف به مطلقا ، سواء كان طريقا أو وقفا أو ملك الغير أو مرافقا وطولب بالنقض والهدم أم لا.

ولو كان باذن المالك أوّلا ورضى به ثانيا أو لم يكن قادرا ومتمكنا على الإزالة بعد ان بنى في غير ملكه بغير الرضا أو بناه في ملكه ومال إلى غيره ، لم يضمن لما مرّ ، فتأمّل فيما بنى في غير ملكه ، ويحتمل الضمان مطلقا.

قوله : «ولا يضمن ناصب الميزاب إلخ». ظاهر عبارات الأصحاب بل غيرهم أيضا على ما قيل ، الاتفاق على جواز نصب الميازيب وإخراجها إلى الشوارع والطرق ، للحاجة والضرورة وعليه عمل الناس قديما وحديثا من غير نكير.

ولكن لا بد ان يكون حيث لا يضرّ على المارّة غالبا ، فإذا سقط أو سقط فيه شي‌ء نادر اتّفاقا فهلك به إنسان أو تلف به مال أيضا لم يكن عليه ضمان ، لما مرّ من الأصل وغيره الّا أن يكون مقصرا في نفسه أو انقلع بعد النصب وبقي معلّقا ولم يرفعه مع العلم والقدرة.

وحينئذ لا يبعد الضمان ، لما مرّ من الأخبار الدالّة على ضمان من أضر بطريق المسلمين (١) ، ولأن صار إبقاؤه عدوانا ، غير جائز.

ونقل عن الشيخ ، الضمان بسقوطه مطلقا محتجا بأن الجواز مشروط بالسلامة وعدم الضرر منه.

وفيه تأمّل ظاهر.

وصحيحة أبي الصباح الكناني ، قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام من أضرّ

__________________

(١) تقدّم آنفا ذكر موضعها.

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بطريق (بشي‌ء من طريق ـ ئل) المسلمين ، فهو له ضامن (١).

وفي دلالته منع ظاهر.

ورواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السّلام ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من اخرج ميزابا أو كنيفا أو أوتد وتدا ، أو أوثق دابّة ، أو حفر بئرا (شيئا ـ ئل) في طريق المسلمين فأصاب شيئا فعطب ، فهو له ضامن (٢).

وهي ضعيفة بالنوفلي ، والسكوني (٣) ، وغير صريحة بحيث تشمل كل ميزاب فإنه يحتمل ان يكون في الطريق بحيث يكون مضرا بالمارّة لكونه سافلا وطويلا وكذا الوتد.

ويؤيّده انه ما قال : (سقط) قال : (أصاب) فيكون ذلك في الحائط فيصيب.

ولو سلّم العموم خص بالمضرّ الذي لا يجوز كحفر البئر المحرّم فلا يكون النصب الذي هو جائز بالاتفاق على ما نقل من ظاهر كلام الأصحاب بل المسلمين في شرح الشرائع داخلا فيه.

فدعوى انه نصّ في الباب ـ كما فعله في شرح الشرائع ـ كما ترى.

ثم على تقدير الضمان لو انكسر وتلف بما هو خارج عن الحائط ، فالمضمون كل المتلف.

ومع القلع ووجود كونه في الحائط ، ففي تعيين مقدار المضمون ، نقل قولان ، الكلّ ، لعموم الأخبار المتقدمة التي هي دليل الضمان ، ومن انه تلف بمباح وغيره.

ولعلّ المراد (بمباح) صرف ، بحيث لا يتعقب الضمان.

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ٢ من أبواب موجبات الضمان ج ١٩ ص ١٧٩.

(٢) الوسائل باب ١١ حديث ١ من أبواب موجبات الضمان ج ١٩ ص ١٨٢.

(٣) سندها كما في الكافي هكذا : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني.

٢٧٠

ولو أجّج نارا في ملكه لم يضمن لو سرت الى غيره الّا مع الزيادة عن قدر الحاجة وغلبة الظن بالتعدي كأيّام الهواء ولو عصفت (عصف ـ خ ل) بغتة فلا ضمان ولو أجّج في ملك غيره ضمن الأنفس والأموال ولو قصده (قصد ـ خ ل) قيّد بالنفس مع تعذر الفرار.

______________________________________________________

ثم في تعيين البعض وجهان ، التنصيف لما مرّ ، ولا اعتبار في كثرة أحدهما وقلّة الآخر كما في الجراحات الموجبة للتلف.

وعلى القول بالتوزيع بالنسبة ، هل يوزّع المساحة أو بالثقل؟ احتمالان ، فتأمّل.

وكذا البحث في الرواشن ، والأجنحة ، والساباط ، فان الظاهر فيها الجواز إذا لم تكن مضرّة بأن تكون رفيعة وعالية والساباط واسعة بل مضيئة بحيث لا يضرّ شي‌ء منها بالمارّة بوجه.

ولو كان راكبا على الجمل المحمل ليلا ولا (١) نهارا ، وبالمحمول والمجازات ، فوجه عدم الضمان ، الحاجة ، وما تقدم من الجواز والأصل ، وعدم العدوان ووجه الضمان ، الروايات المتقدمة ، مع ما تقدم من عدم ظهور الدلالة وصحّة الأخيرة مع ان الأخيرة ليست فيها شي‌ء من هذه المذكورات ، فتأمّل.

قوله : «ولو أجج نارا إلخ». دليل عدم ضمان ما يتلف ـ من الأنفس والأموال بتأجيج النار في ملكه مقتصرا على قدر الحاجة على تقدير حصول التعدي إليه فهلك بها ـ ظاهر ، وقد تقدم مرارا.

ومع التجاوز عن قدر الحاجة بشرط عدم ظهور موجب التعدي وظنّه ، لكن اتفق ريح عاصف تعدّاها إلى المتلف فتلف بها ، فالظاهر عدم الضمان حينئذ أيضا ، لما تقدم أيضا من ان للمالك ان يتصرف في ملكه كيف أراد.

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها ولعل الصواب (لا نهارا) بدون الواو.

٢٧١

ولو بالت دابّته في الطريق قال الشيخ : يضمن لو زلق فيه غيره ولو ألقى قمامة المنزل المزلقة أو رش الدرب ، قال : يضمن ، والوجه تخصيص الضمان بمن لم يشاهد القمامة والرّش.

______________________________________________________

واما وجه الضمان مع غلبة الظن بالتعدي مع عدم الحاجة ، فهو انه موجب وسبب للإتلاف ، فيكون ضامنا ، وليس بعمد ولا خطأ فيكون شبهه ، فيكون في ماله.

ولو قصد بالتأجيج قتل الأنفس فحصل مع عدم إمكان الفرار المهلك مثل ان يكون نائما أو محبوسا أو تعذّر عليه الخلاص لسرعتها وكثرتها وضيق المجال والمحلّ ، كان عمدا ، موجبا للقصاص والقود فيقاد به المأجّج.

قوله : «ولو بالت دابّته إلخ». وجه قول الشيخ في بعض المواضع ـ مع رجوعه عنه أو استشكاله في موضع آخر كما يفهم من الشرح ـ انه (١) بالضمان في هذه الأمور سبب للتلف فيكون ضامنا كما في غيره ، خصوصا الميزاب ، فان الضمان هنا أظهر منه ، فان هذا واقع على الأرض ، بخلاف الميزاب ، إذ قد لا يقع أصلا.

وجه تقييد المصنف ـ كما فعله المحقق في الشرائع أيضا ـ ان الضمان على تقدير جهل المتلف به ظاهر ، لعدم تقصيره فتكون الحيوانات مضمونة بخلاف الإنسان العالم بذلك ، فإنه حينئذ مقصر ، وكأنه مباشر أو سبب للإتلاف.

ولكن وجه عدم تقييد بول الدابّة بجهل المتلف ، غير ظاهر فظاهر كلامهما تسليم الضمان فيه.

وهو محلّ التأمّل ، لأن بولها في الطرق ليس باختيار صاحبها ، فهو يقع

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها وحقّ العبارة هكذا : وجه قول الشيخ. بالضمان في هذه الأمور ، انه سبب إلخ.

٢٧٢

ولو اصطدمت سفينتان ضمن القيّمان كل منهما نصف السفينتين وما فيهما من مالهما مع التفريط ، وكذا الحمّالان ولو كانا مالكين فلكل على صاحبه نصف قيمة ما أتلفه ولو لم يفرطا بان غلبهما الهواء فلا ضمان.

ولا يضمن صاحب الواقفة (الواقعة ـ خ) لو (إذا ـ خ ل) وقعت عليها الأخرى ويضمن صاحب الواقفة (الواقعة ـ خ) لو فرط.

______________________________________________________

(مع ـ خ) باختياره وقدرته فهو أولى بعدم الضمان من الرش الموجب للزلق والقمامة المزلقة ، مثل قشر البطيخ ، والخيار ، والباقلا ونحوها.

ويحتمل ان يكون ذلك عندهما غير موجب للضمان مع عدم العلم أيضا ، لما مرّ ، الّا ان يقيّد بالدابة الواقفة ، وحينئذ صاحبها ضامن لما يتلفه ومن جملته ، ما يتلف ببوله ، ففيه تأمّل.

وبالجملة ، الضمان وإيجاب عوض نفس ومال على الناس ـ مع جواز فعل ما فعله فان الظاهر جواز إلقاء القمامة ورشّ الطرق ، ولهذا عليه عمل الناس من غير نكير الّا ان يكون في موضع لا يجوز ، بأن يكون مضرا على المارّة ، أو لا يجوز مطلقا ـ مشكل (١) يحتاج إلى دليل.

ومجرد ما ذكره الشيخ غير ظاهر في ذلك.

وكأنه لذلك نقل عنه ، الرجوع أو الإشكال على ما يفهم من الشرح ، فتأمّل.

قوله : «ولو اصطدمت سفينتان إلخ». لو اصطدمت أو تلاقت سفينتان فانكسرت وهلك ما فيها من الأنفس والأموال أو إحداهما دون الأخرى ، فإن كان

__________________

(١) خبر مبتدأ لقوله قدّس سرّه : الضمان إلخ.

٢٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

القيّمان المجريان لهما والملاحان تعمّدا في ذلك بحيث صار عملا منهما عدوانا لزمهما مقتضاه فكل واحد منهما أتلف نصف سفينته ونصف الأخرى مع ما فيها.

فان كانا مالكين أو أحدهما مالكا سقط ما أتلفه من ماله ويضمن نصف الأخرى مع نصف ما فيها والّا يكون كل واحد منهما ضامنا لنصف كل واحدة وان قتلاهما أيضا ، فكل واحد قتل بفعله وبفعل غيره ، فعلى كل واحد نصف دم الآخر.

وان قتل أحدهما فقط فعلى الآخر نصف ديته أيضا.

وان اختلفا بأن يكون من أحدهما عمد ومن الآخر غيره ، يختصّ كلّ واحد بلازم فعله.

وان كان شبه عمد مثل ان أراد الاصطدام ولم يكن ذلك موجبا للهلاك فعليهما ، لازمه.

وكذا ان كانا مختلفين ، من أحدهما العمد ، ومن الآخر الشبيه.

وان كان الصدم بغير فعلهما ، فان لم يكن منهما تقصير وتفريط مثل ان صار هواء وطوفان فأهلكهما بصدم إحداهما على الأخرى ، فلا ضمان على أحدهما.

وهو ظاهر لان الملاح ليس بضامن.

مثل ان يقع صاعقة على الراكب أو وقع من الدابة اتفاقا فمات أو ضاع جملة بآفة سماويّة أو سرقة ونحوها وان كان المفرّط أحدهما فيختصّ هو بذلك.

ولو فرّطا أو أحدهما مثل ان سيرهما في ريح شديدة لا سير في مثله عادة أو لم يكن لهما عدّة من الرجال والحبال (الجمال ـ خ) وسائر الآلات أو قصّرا في ضبطهما بحيث لا يصطدمان ونحو ذلك ، يضمنان.

ولو كانت إحداهما واقفة بأن تربط إحداهما مثلا في جانب فوقعت الأخرى عليه لا ضمان على صاحبها وصاحب الأخرى ، ضامن ان فرط وقصّر ، والّا فلا ضمان عليه ، والكل ظاهر.

٢٧٤

ولو أصلح السفينة حال السير أو أبدل لوحا أو أراد رمّ موضع فانهتك ضمن في ماله.

ولو وقع في زبية الأسد فتعلق بثان والثاني بثالث والثالث برابع ، فعن عليّ عليه السّلام انّ الأوّل فريسة الأسد وعليه ثلث دية الثاني وعلى الثاني ثلثا دية الثالث وعلى الثالث دية الرابع.

ويحتمل وجوب دية الثاني على الأوّل والثالث على الثاني والرابع على الثالث.

______________________________________________________

وحكم الحمّالين ، حكم القيمين في جميع الأحكام.

قوله : «ولو أصلح حال السير السفينة إلخ». لو أراد الصانع ومصلح السفينة إصلاحها ـ وهي سائرة ، الظاهر ان الواقفة أيضا كذلك ، الّا ان الأوّل أظهر مثل ان سمّر فيها مسامير فانكسر لوح ودخل الماء ، فغرقت أو بدّل لوحا فذهب وجاء من موضعه الماء ، أو أراد رمّا وتعمير موضع ، فخرق وانتهك فغرقت وبالجملة علم انها غرقت بفعله ـ ضمن في ماله ، لانه سبب ومريد للفعل لا الغرق والهلاك فوقع ، فهو شبيه عمد موجب للضمان في ماله نفسا ومالا.

اما النفس فظاهر ، لان شبيه العمد موجب لضمانها كما مرّ.

واما المال فالظاهر أنه موجب وسبب لتلفه ، فيضمن كسائر الأسباب المتلفات وليس بأقلّ من تأجيج النار وطرح القمامة المزلقة ونحوها ممّا مضى أنه يوجب بضمان المال.

قال في الشرح : وهو مع عدم التفريط مبنيّ على ان الصانع ضامن وان بذل جهده ، فتأمّل.

قوله : «ولو وقع في زبية الأسد إلخ». الزبية بالضم حفيرة تحفر للأسد.

هذه الواقعة مشهورة بين أصحابنا ، بل بين غيرهم أيضا ، ومخالفة للقواعد ،

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وهي من قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام.

روي في التهذيب ـ بطريق صحيح الى عاصم عن محمّد بن قيس ـ وعاصم هو ابن حميد الثقة الذي هو راوي عن محمّد بن قيس الثقة يروي عنه كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام الذي هو من مصنفات محمّد هذا ، فالخبر صحيح.

وليس اشتراك محمّد بن قيس موجبا لضعفها كما قاله في شرح الشرائع ، ولهذا لم يتكلم غيره في ذلك بل قبولها وما ردّوها لضعف ، ورجحوها على رواية مسمع بن عبد الملك لضعفها وقال بعضهم : قضيّة في واقعة ولا تتعدى ، فلو وقع مثلها لا يحكم هكذا ، بل يحكم بحسب ما يقتضيه القواعد والأدلّة.

ويؤيّده ان لا عموم فيها ، فإنه قال : محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في أربعة (نفر ـ خ) اطّلعوا في زبية الأسد فخر أحدهم فاستمسك بالثاني ، واستمسك الثاني بالثالث ، واستمسك الثالث بالرابع حتى أسقط بعضهم بعضا على الأسد فقتلهم الأسد ، فقضى بالأوّل فريسة الأسد وغرّم أهله ثلث الدية لأهل الثاني وغرّم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية وغرّم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة (١).

والمراد أن الأسد قتل الكلّ ، وهو ظاهر.

وتصدّى بعضهم لتوجيهها بحيث تطابق القواعد الفقهيّة ، ولهذا لا يخلو عن قصور ولهذا ما نقلنا ولا يمكن التوجيه السالم ، فالأوّل جيّد ، فتأمّل.

وكأنّ على ذلك حملت في المتن حيث نقلها بطريق الرواية وما ردّها وذكر الاحتمال الخالي عن القصور المطابق للأصول ، فافهم.

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٢ من أبواب موجبات الضمان ج ١٩ ص ١٧٦.

٢٧٦

ولو شرك بين مباشر الإمساك والمشارك بالجذب فعلى الأوّل دية ونصف وثلث ، وعلى الثاني نصف وثلث وعلى الثالث ثلث ولو جذب الأوّل ثانيا إلى بئر والثاني ثالثا وماتوا بوقوع كل منهم على صاحبه

______________________________________________________

ورواية مسمع بن عبد الملك أيضا مع ضعفها بسهل بن زياد (١) ، وبمحمّد بن الحسن الشمون الغالي ، وبعبد الله بن عبد الرحمن الأصم الضعيف الغالي وليس بشي‌ء. رواها عن أبي عبد الله عليه السّلام : أنّ قوما احتفروا زبية للأسد باليمن فوقع فيها الأسد فازدحم الناس عليها ينظرون إلى الأسد فوقع رجل فتعلّق بآخر ، فتعلّق الآخر بآخر ، والآخر بآخر فجرحهم الأسد ، فمنهم من مات من جراحة الأسد ، ومنهم من اخرج فمات فتشاجروا في ذلك حتى أخذوا السيوف؟ فقال أمير المؤمنين عليه السّلام : هلمّوا أقض بينكم ، فقضى ان للأول ربع الدية ، والثاني ثلث الدية ، والثالث نصف الدية ، والرابع الدية كاملة ، وجعل ذلك على قبائل الّذين ازدحموا ، فرضي بعض القوم وسخط بعض فرفع ذلك إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وأخبر بقضاء أمير المؤمنين عليه السّلام ، فأجازه (٢).

ومخالفتها لها ظاهرة.

ويمكن كونها في تلك الواقعة ، ويعلمان صلوات الله عليهما أنّ الحكم فيهما ذلك ، فتأمّل.

ويحتمل ان يكون الحكم في مثل تلك الواقعة ما ذكره المصنف بقوله : (ويحتمل) ومعناه واضح وهو مقتضى الأصول والقواعد.

ثم إنّ الظاهر هو الاحتمال الأوّل وعدم التشريك في الديات بين المباشر بالإمساك ومشاركه بالجذب ، فإن الثاني ، هو السبب القريب ، فعله ابتدائيّ والباقي

__________________

(١) سندها كما في الكافي هكذا : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، عن مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد الله عليه السّلام إلخ.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ١ من أبواب موجبات الضمان ج ١٩ ص ١١٦.

٢٧٧

فالأوّل مات بفعله وفعل الثاني فيسقط مقابل فعله والثاني مات بجذبه الثالث وبجذب الأوّل فيسقط مقابل فعله ولا ضمان على الثالث وله دية كاملة فإن رجّحنا المباشر فديته (فالدية ـ خ ل) على الثاني والّا عليهما.

______________________________________________________

بعيد وفعله توليد ، وانما الظاهر اثر الفعل الأوّل ، والثاني بالنسبة إلى مجذوبه.

وكونه باعثا وبعيدا للفساد ، وانه لو لم يفعل لما يفعل غيره ، لا يستلزم ضمان جميع من يفعل بعده ذلك ، فان غيره مستقل بفعله ومختار غير مضطر ، فإنه ما لزم من فعله فعل غيره ، ولا اضطراره إلى ذلك ، فيكون هو الضامن من غير شركة.

ولو فرض انه جذب الغير قليل بحيث لو لم ينضم إليه جذبه لم يقع غيره ، أمكن الشركة ، فتأمّل.

هذا الذي تقدم فيمن إذا قتلهم الأسد.

وامّا إذا مات كل واحد بوقوعه على الآخر بالجذب ووقوع الآخر عليه ، أو وقوعه على الآخر ، فهو مثل ما ذكره المصنف بأن جذب الشخص الذي في البئر آخر ، وجذب هو آخر فمات ثلاثتهم بالجذب والوقوع ، فالأول مات بجذبه ، ويجذب الثاني الثالث الواقع عليه حيث وقع كلاهما عليه أحدهما بفعله والآخر بفعل الثاني ، فنصف ديته هدر ، ونصفه على الثاني لجذبه الثالث عليه فان وقوع الثالث عليه دخل في موت الأوّل وان كان بحيث لو لم يكن لما مات ، فإنهم ما يعتبرون ذلك في شريك القتل والجرح ، بل ينظرون إلى الواقع بأيّ شي‌ء ويحكمون به ، بل يجعلون القوي والضعيف والمتعدّد مثل الواحد فتأمّل فيه ، ومات الثاني بجذب الأوّل ، وبجذبه الثالث الواقع عليه ، فنصف ديته أيضا هدر ونصفها على الأوّل ، فيتقاصّان.

ولا شي‌ء على الثالث إذ ليس له فعل اختياري يوجب شيئا ، بل له دية كاملة ، فإن شرك المباشر بالإمساك وجاذبة يكون بينهما نصفان ، فيؤخذ من تركة

٢٧٨

ولو صاح بصغير فارتعد وسقط من سطح ضمن ، ولو خوّف حاملا فأجهضت ضمن الجنين.

______________________________________________________

كل واحد نصفها ، والّا ، يكون كلها على الثاني ، وهو ظاهر.

قوله : «ولو صاح بصغير إلخ». دليل ضمان المرعد للصبي الذي ارتعد وخاف وتحرّك حتى سقط عن سطح أو وقع في ماء أو بئر أو نحو ذلك ، فمات أو نقص منه شي‌ء.

ظاهر فإنه سبب ظاهر.

فيحتمل ان يكون خطأ محضا فعلى العاقلة ، وشبيها ، ففي ماله.

بل قد يكون عمدا عدوانا فيقاد به.

ومثله إخافته للحامل فأسقطت جنينها ، فيضمنه ، بل لو ماتت الام يضمنها أيضا ، وهو ظاهر.

وتدل عليه حكاية طلحة والزبير لمّا انهزما يوم الجمل ، فمرّا بامرأة حامل فخافت المرأة وألقت جنينها وماتا ، ولكن أدّى أمير المؤمنين عليه السّلام ديتهما من بيت مال البصرة (١).

كأنهما ماتا من فزع جيوش المسلمين ، لا من مرورهما ، أو لم يكن لهما شي‌ء فرأى عليه السّلام عدم ابطال دم المسلمين وكان القتال لمصلحة الإسلام أو كان من خاصته بمتبرع به ، وهو عليه السّلام يعلم ما يفعل.

ويدل عليه غيرها أيضا مثل حسنة الحلبي عنه عليه السّلام قال : أي رجل فزع رجلا على الجدار أو نفر به عن دابّته فخرّ فمات ، فهو ضامن لديته ، فان انكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه (٢).

__________________

(١) الكافي : باب مواريث القتلى حديث ١ ج ٧ ص ١٣٨.

(٢) الوسائل باب ١٥ حديث ١ من أبواب موجبات الضمان ج ١٩ ص ١٨٨.

٢٧٩

ولو حفر في ملكه بئرا فسقط جدار جاره فلا ضمان.

ولو حفر بئرا قريبة العمق فعمّقها آخر فالضمان على الأوّل ويحتمل التساوي.

ولو تصادمت مستولدتان بعد التكون علقة وقيمة إحداهما مائتان والأخرى مائة فلصاحب النفيسة مائة وعشرون وعلى صاحب الخسيسة مائة لأنّها أقلّ الأمرين وله سبعون فيفضل عليه ثلاثون.

______________________________________________________

ويدل عليه أيضا تضمين أمير المؤمنين عليه السّلام عمر بن الخطاب فزّع مجهضا (١) ، وغير ذلك.

قوله : «ولو حفر بئرا في ملكه فسقط جدار جاره ، فلا ضمان». دليل عدم ضمان الحافر حائط الجار والتالف بوقوع الحائط عليه ـ بعد ان حفر في ملكه بئرا وان كانت قريبة إلى الحائط ـ الأصل وعدم الدليل وجواز التصرف في ماله مهما أراد وان حصل به الضرر على الجار ما لم يتعد الى ملكه وما تقدم من جواز حفر البئر في الملك مع عدم الضمان ، ومن الأخبار وهي كثيرة (٢).

قوله : «ولو حفر بئرا قريبة العمق إلخ». قال في الشرح : وجه الأول انه أسبق السببين فان التردّي نتيجته ، فهو العلّة الاولى ، ومن ثم لو حمل السيل حجرا وجعله على طرف البئر سقط الضمان على الحافر.

وكذا لو نصب حجرا ، وآخر اقام سكينا فيكون الضمان على واضع الحجر.

ووجه الثاني تناسب السببين فان كلا منهما حفر ، والتلف بسبب التردّي في البئر المستند حفرها إليهما.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٠ حديث ١ من أبواب موجبات الضمان ج ١٩ ص ٢٠٠.

(٢) راجع الوسائل باب ٨ من أبواب موجبات الضمان ج ١٩ ص ١٧٩.

٢٨٠